عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

الشعـر والشعراء عند الأئمة

 

هذه الدعاية الروحية، والنصرة الدينية، المرغب فيها بالكتاب والسنة، والمجاهدة دون المذهب بالشعر ونظم القريض، كانت قائمة على ساقها في عهد أئمة العترة الطاهرة تأسيا منهم بالنبي الأعظم، وكانت قلوب أفراد المجتمع تلين لشعراء أهل البيت فتتأثر بأهازيجهم حتى تعود مزيجة نفسياتهم .

 وكان الشعراء يقصدون أئمة العترة من البلاد القاصية بقصايدهم المذهبية، وهم صلوات الله عليهم يحسنون نزل الشاعر وقراه، ويرحبون به بكل حفاوة وتبجيل، و يحتفلون بشعره ويدعون له، ويزودونه بكل صلة وكرامة، ويرشدونه إلى صواب القول إن كان هناك خلل في النظم، ومن هنا أخذ الأدب في تلك القرون في التطور و التوسع حتى بلغ إلى حد يقصر دونه كثير من العلوم والفنون الاجتماعية .

 وقد يكسب الشعر بناحيته هذه أهمية كبرى عند حماة الدين أهل بيت الوحي حتى

 يعد الاحتفال به، والاصغاء إليه، وصرف الوقت النفيس دون سماعه واستماعه من أعظم القربات وأولى الطاعات، وقد يقدم على العبادة والدعاء في أشرف الأوقات وأعظم المواقف، كما يستفاد من قول الإمام الصادق عليه السلام وفعله بهاشميات الكميت لما دخل عليه في أيام التشريق بمنى فقال له : جعلت فداك ألا أنشدك ؟ قال : إنها أيام عظام قال : إنها فيكم، فلما سمع الإمام عليه السلام مقاله بعث إلى ذويه فقر بهم إليه وقال : هات فأنشده لاميته من الهاشميات فحظي بدعائه عليه السلام له وألف دينار وكسوة .

 وسنوقفك على تفصيل هذا الاجمال في ترجمة كميت والحميري ودعبل .

 ونظرا إلى الغايات الاجتماعية كان أئمة الدين يغضون البصر من شخصيات الشاعر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 الاستيعاب (هامش الإصابة) 3 ص 328 .

 (2) الكنز المدفون للسيوطي 236 .

 

 

 

/ صفحة 21 /

المذهبي وأفعاله، ويضربون عنها صفحا إن كان هناك عمل غير صالح يسوئهم مهما وجدوه وراء صالح الأمة، وفي الخير له قدم، وصرح به الحق عن محضه، وصرح المحض عن الزبد، وصار الأمر عليه لزام (1) وكانوا يستغفرون له ربه في سوء صنعه، ويجلبون له عواطف الملأ الديني بمثل قولهم : لا يكبر على الله أن يغفر الذنوب لمحبنا ومادحنا، وقولهم أيعز على الله أن يغفر الذنوب لمحب علي، وإن محب علي لا تزل له قدم إلا تثبت له أخرى(2).

وفي تلك القدم الثابتة صلاح المجتمع، وعليها نموت ونحيى .

 وهناك لأئمة الدين صلوات الله عليهم فكرة صالحة صرفت في هذه الناحية، وهي كدستور فيها تعاليم وإرشادات إلى منهاج الخدمة للمجتمع، وتنوير أفكار المثقفين وتوجيهها إلى طرق النشر والدعاية، ودروس في توطيد اسس المذهب، و كيفية احتلال روحيات البلاد وقلوب العباد، وبرنامج في صرف مال الله، وتلويح إلى أهم موارده .

 تعرب عن هذه الفكرة المشكورة إيصاء الإمام الباقر ابنه الإمام الصادق عليه السلام بقوله : يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا النوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى (3) وفي تعيينه عليه السلام ظرف الندبة من الزمان والمكان لأنهما المجتمع الوحيد لزرافات المسلمين من أدنى البلاد وأقاصيها من كل فج عميق، وليس لهم مجتمع يضاهيه في الكثرة، دلالة واضحة على أن الغاية من ذلك إسماع الملأ الديني مآثر الفقيد " فقيد بيت الوحي " ومزاياه، حتى تنعطف عليه القلوب، وتحن إليه الأفئدة، ويكونوا على أمم من أمره، وبمقربة من اعتناق مذهبه، فيحدوهم ذلك بتكرار الندبة في كل سنة إلى الالتحاق به، والبخوع لحقه، والقول بإمامته، والتحلي بمكارم أخلاقه، والأخذ بتعالميه المنجية، وعلى هذا الأساس الديني القويم أسست المآتم والمواكب الحسينية، ليس إلا .

 ونظرا إلى المغازي الكريمة المتوخاة من الشعر كان شعراء أهل البيت ممقوتين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كل من هذه الجمل مثل يضرب .

 لزام بكسر الميم مثل حذام، أي : صار هذا الأمر لازما له .

 (2) توجد هذه الأحاديث في ترجمة أبي هريرة الشاعر والسيد الحميري وغيرهما .

 (3) رواه بطريق صحيح رجاله ثقات شيخنا الكليني في الكافي 1 ص 360 .

 

 

 

/ صفحة 22 /

ثقيلين جدا على مناوئيهم، وكانت العداء عليهم محتدمة، والشحناء لهم متشزنة، وكان حامل ألوية هذه الناحية من الشعر لم يزل خائفا يترقب، آيسا من حياته مستميتا مستقتلا، لا يقر له قرار، ولا يأواه منزل .

 وكان طيلة حياته يكابد المشاق، ويقاسي الشدايد من شنق وقتل وحرق وقطع لسان وحبس وعذاب وتنكيل وضرب وهتك حرمة وإقصاء من الأهل والوطن إلى شدايد أخرى سجلها لهم التاريخ في صحايفه .