عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

الآن حصحص الحق

 

الآن حق علينا أن نميط الستر عن خبيئة أسرارنا، ونعرب عن غايتنا المتوخاة من هذا البحث الضافي حول الكتب، الآن آن لنا أن ننوه بأن ضالتنا المنشودة هي إيقاظ شعور الأمة الإسلامية إلى جانب مهم فيه الصالح العام والوئام والسلام والوحدة الاجتماعية، وحفظ ثغور الاسلام عن تهجم سيل الفساد الجارف.

 يا قوم ؟ إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت.

 أنشدكم بالله أيها المسلمون هل دعاية أقوى من هذه الكتب إلى تفريق صفوف المسلمين ؟ و تمزيق شملهم ؟ وفساد نظام المجتمع ؟ وذهاب ريح الوحدة العربية ؟ وفصم عرى الأخوة الإسلامية ؟ وإثارة الأحقاد الخامدة ؟ وحش نيران الضغاين في نفوس الشعب الاسلامي ؟ ونفخ جمرة البغضاء والعداء المحتدم بين فرق المسلمين ؟.

 يا قوم ؟ اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد. هذه الكتب يضاد صراخها نداء القرآن البليغ.

 هذه النعرات المشمرجة (1) تشيع الفحشاء والمنكر في الملأ الديني.

 هذه الكلم الطائشة معاول هدامة لأس مكارم الأخلاق التي بعث لتتميمها نبي الاسلام صلى الله عليه وآله وسلم هذه الألسنة السلاقة اللسابة البذاءة مدرسات الأمة بفاحش القول، وسوء الأدب، وقبح العشرة، وضد المداراة، وبالشراسة والقحة والشياص.

 هذه التعاليم الفاسدة فيها دحس لنظام المجتمع، ودحل بين الفرق الاسلامية، وهتك لناموس الشرع المقدس وعبث بسياسة البلاد، وصدع لتوحيد العباد، هذه الأقلام المسمومة تمنع الأمة عن سعادتها ورقيها، وتولد العراقيل في مسيرها ومسربها، وتمحو ما خطته يد الاصلاح في صحائف القلوب، وتحيي في النفوس ما عقمته داعية الدين.

 يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور. إن الآراء الدينية الإسلامية اجتماعية يشترك فيها كل معتنق بالاسلام، إذ لا تمثل في

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) الشمراج : المخلط من الكلام بالكذب. والشمرج : الباطل.

 

/ صفحة 335 /

الملأ إلا باسم الدين الاجتماعي، فيهم كل إسلامي يحمل بين جنبيه عاطفة دينية أن يدافع عن شرف نحلته، وكيان ملته، مهما وجد هناك زلة في رأي، أو خطأ في فكرة، ولا يسعه أن يفرق بين باءة وأخرى، أو يخص نفسه بحكومة دون غيرها [ إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآبائكم ] بل الأرض كلها بيئة المسلم الصادق والاسلام حكومته، وهو يعيش تحت راية الحق، وتوحيد الكلمة ضالته، وصدق الاخاء شعاره أينما كان وحيثما كان.

 هذا شأن الأفراد وكيف بالحكومات العزيزة الإسلامية ؟ التي هي شعب تلك الحكومة العالمية الكبرى، ومفردات ذلك الجمع الصحيح، ومقطعات حروف تلك الكلمة الواحدة، كلمة الصدق والعدل، كلمة الاخلاص والتوحيد، كلمة العز والشرف، كلمة الرقي والتقدم.

 فأنى يسوغ لحكومة مصر العزيزة أن ترخص لنشر هذه الكتب في بلادها ؟ وتشوه سمعتها في أرجاء الدنيا ؟ وهي ثغر الاسلام المستحكم من أول يومه، وهي مدرسة الشرق المؤسسة تحت راية الحق بيد رجال العلم والدين.

 أليس عارا على مصر بعد ما مضت عليها قرون متطاولة بحسن السمعة أن تعرف في العالم بأناس دجالين، وكتاب مستأجرين، وأقلام مسمومة، وأن يقال :

 إن فقيهها موسى جار الله، وعالمها القصيمي، ومصلحها أحمد أمين، وعضو مؤتمرها محمد رشيد رضا، ودكتورها طه حسين، ومؤرخها الخضري، وأستاذ علوم اجتماعها محمد ثابت، وشاعرها عبد الظاهر أبو السمح.

 أليس عارا على مصر أن يتملج ويتلمظ بشرفها الدخلاء من ابن نجد ودمشق فيؤلف أحدهم كتابا في الرد على الإمامية ويسميه [ الصراع بين الاسلام والوثنية ] ويأتي آخر يقرظه بشعره لا بشعوره ويعرف الشيعة الإمامية بقوله :

ويحمل قلبهم بغــضا شنيعـــــا * لخـــــير الخــلق ليس له دفاع

يقولون : الأمين حبـــــا بوحي * وخان. وما لهم عن ذا ارتداع

فهل في الأرض كفر بعد هذا ؟ * ولمـــــن يهـــــوى مـــــتـــــاع

فمـــــا للقـــــوم ديـــن أو حياء * بحسبهم من الخزي [الصراع]

/ صفحة 336 /

ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ؟ أيحسب امرئ مصري أن إشاعة هذه الكتب، وبث هذه المخاريق والنسب المفتعلة، ونشر هذه التآليف التافهة حياة للأمة المصرية، وإيقاظ لشعور شعبها المثقف، وإبقاء لكيان تلك الحكومة العربية العزيزة، وتقدم ورقي في حركاتها العلمية. الأدبية. الأخلاقية. الدينية. الاجتماعية ؟.

 أسفا على أقلام مصر النزيهة، وأعلامها المحنكين، ومؤلفيها المصلحين، و كتابها الصادقين، وعباقرتها البارعين، وأساتذتها المثقفين، ورجالها الأمناء على ودايع العلم والدين.

 أسفا على مصر وعلمها المتفق، وأدبها الجم، وروحها الصحيحة، ورأيها الناضج، وعقلها السليم، وحياتها الدينية، وإسلامها القديم، وولائها الخالص، و تعاليمها القيمة، ودروسها العالية، وخلايقها الكريمة، وملكاتها الفاضلة.

 أسفا على مصر وعلى تلكم الفضائل وهي راحت ضحية تلك الكتب المزخرفة، ضحية تلك الأقلام المستأجرة، ضحية تلك النزعات الفاسدة، ضحية تلك الصحائف السوداء، ضحية تلك النعرات الحمقاء، ضحية تلك المطابع المأسوف عليها، ضحية أفكار أولئك المحدثين المتسرعين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.

 أليست هذه الكتب بين يدي أعلام مصر ومشايخها المثقفين ؟ أم لم يوجد هناك من يحمل عاطفة دينية، وشعورا حيا، وفكرة صالحة يدافع عن ناموس مصره المحبوبة قبل ناموس الشرق كلها ؟ والعجب كل العجب أن علامة مصر (1) يرى للمجتمع أنه الناقد البصير فيقرظ كتابا (2) قيما لعربي صميم عراقي يعد من أعلام العصر ومن عظماء العالم ويناقش دون ما في طيه من الأغلاط المطبعية مما لا يترتب به على الأمة ولا على

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  (1) الأستاذ أحمد زكي.

 (2) أصل الشيعة وأصولها. لشيخنا العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء.

 

/ صفحة 337 /

فرد منها أي ضرر وخسارة بمثل قوله : كلما. صوابه : كل ما. شرع. صوابه : شرح. شيخنا. صوابه : شيخا.

 مرحبا بهذا الحرص والاستكناه في الاصلاح والتغاضي عن تلكم الكوارث، مرحبا بكلاءة ناموس لغة العرب والصفح عن دينه وصالح ملته، مرحبا بهذه العاطفة المصلحة لتأليف مشايخ الشيعة، والتحامل عليهم بذلك السباب المقذع، مرحبا مرحبا مرحبا.

 لم لم يرق أمثال هذا النابه النيقد أن يأخذ بميزان القسط، وقانون العدل، وناموس النصفة، وشرعة الحق، وواجب الخدمة للمجتمع، ويلفت مؤلف مصره العزيزة إلى تلكم الهفوات المخزية في تلكم التآليف التي هي سلسلة بلاء، وحلقات شقاء تنتهي إلى هلاك الأمة ودمارها، وتجر عليها كل سوءة، وتسفها إلى حضيض التعاسة ؟.

 وإن تعجب فعجب نشر هذه الكتب في العراق وهي تمس بكرامة ناموسها بعد ناموس الاسلام المقدس ورجالها بعد أحياء، وشعبها بعد نابغ، وشعورها بعد حي، ودينها بعد مستقر، وغيرة العرب بعد هي هي، وشهامة الشبيبة بعد لم تهرم، وجلادة الشيوخ بعد لم تضعف، وأزمة حكومتها بعد بيد آل هاشم.

 يعز على أم العراق أن تسمع أذنها واعية أن في فنادق النجف وسيط يعرض جمعا من فتياتها إلى الوافد لينتقي منهن وفتاتها تتزوج مرات في الليلة الواحدة (1) كيف تسمع أذن العراق نداء أن النجفيين هم الدجالون والضالون المضلون قد تزيوا بزي المسلمين وشاركوهم في كثير من الشعاير ؟ - إلى آخر ما لا يصلح ذكره - وقبل هذه كلها تلك الصرخة التي تمس بكرامة رجالات البيت الهاشمي (2) أيحسب عراقي حاس أن في طي هذه الكتب صلاحا لمجتمع العراق ؟ أو حياة لروح أبناءها ؟ أو درس أخلاق لأمتها ؟ أو رقيا وتقدما لشعبها ؟ أو ثقافة رجالها ؟ أو علما لطلابها ؟ أو أدبا لكتابها ؟ أو دينا لمسلميها ؟ أو مادة لمثريها ؟ أو لها دخل في سياسة حكومتها الإسلامية المحبوبة ؟.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الجولة في ربوع الشرق الأدنى ص 112.

(2) راجع السنة والشيعة ص 48.

 

/ صفحة 338 /

فواجب المسلم الصادق في دعواه الحافظ على شرفه وعز نحلته، رفض أمثال هذه الكتب المبهرجة، ولفظها بلسان الحقيقة، والكف عن اقتنائها وقرائتها، والتجنب عن الاعتقاد والتصديق بما فيها، والبعد عن الأخذ والبخوع بما بين دفوفه، والإخبات إلى ما فيها قبل أن يعرضها إلى نظارة التنقيب، وصيارفة النقد والاصلاح، أو النظر إليها بعين التنقيب وإردافها بالرد والمناقشة فيها إن كان من أهلها. وإن فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا وأشد تثبيتا.

 وواجب رجال الدعاية والنشر في الحكومات الإسلامية عرض كل تأليف مذهبي حول أي فرقة من فرق الاسلام إلى أصولها ومبادئها الصحيحة المؤلفة بيد رجالها ومشايخها، والمنع عما يضادها ويخالفها، إذ هم عيون الأمة على ودايع العلم والدين، وحفظة ناموس الاسلام، وحرسة عرى العروبة، إن عقلوا صالحهم، وعليهم قطع جذوم الفساد قبل أن يؤجج المفسد نار الشحناء في الملأ ثم يعتذر بعدم الاطلاع وقلة المصادر عنده كما فعل أحمد أمين [ بعد نشر كتابه فجر الاسلام ] في ملأ من قومه، والانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره، ولا عذر لأي أحد في القعود عن واجبه الديني الاجتماعي.

 ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون.

 ونحن نرحب بكتاب كل مذهب وتأليف كل ملة ألف بيد الصدق والأمانة، بيد الثقة والرزانة، بيد التحقيق والتنقيب، بيد العدل والانصاف، بيد الحب والإخاء بيد أدب العلم والدين، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة.

 

(ذلك يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر) سورة البقرة : 232