عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

القرن الرابع

-27-

ابن الحجاج البغدادي

المتوفى 391

يا صاحـــب القبة البيضاء في النجف * مـن زار قبرك واستشفى لديك شفي

زوروا أبا الحــــــسن الهــادي لعلكم * تحظـــــون بالأجـــر والاقبال والزلف

زوروا لمن تسمع النجوى لديه فمن * يــــــزره بالقـــــبر ملهـوفا لـديه كفي

إذا وصلـــــت فأحـــــرم قبـــــل تدخله * ملبـــــيا واســـــع سعـيا حوله وطف

5 حـــــتى إذا طفـــت سبعا حول قبته * تأمـــــل البـــــاب تلقـــــا وجـهه فقف

وقـــــل: ســـلام من الله السلام على * أهـــــل السلام وأهـل العلم والشرف

إني أتيتـــــك يا مـــــولاي مـــن بلدي * مستــمسكا مــن حبال الحق بالطرف

راج بأنـــــك يا مـــــولاي تشفـــع لي * وتسقـــــني مــن رحيق شاني اللهف

لأنك العـــــروة الوثــــقى فمن علقت * بهـــــا يـــــداه فلـــن يشقى ولم يخف

10 وإن أسماءك الحــسنى إذا تليت * عـلى مريض شفي من سقمه الدنف

لأن شـــــأنك شـــــأن غـــير منتقص * وإن نـــــورك نـــــور غـــير منكسف

وإنـــــك الآيــــة الكبرى التي ظهرت * للعـــــارفين بأنـــــواع مــــن الطرف

هـــــذي ملائكـــــة الرحـــــمن دائمة * يهبـــــطن نحــــوك بالألطاف والتحف

كالسطـــــل والجـام والمنديل جاء به * جـــــبريل لا أحـــــد فيـــــه بمخــــتلف

15 كــان النبي إذا استكفاك معضلة * مـــــن الأمـــــور وقد أعيت لديه كفي

وقصـــــة الطائـر المشوي عن أنس * تخـــــبر بمــا نصه المختار من شرف

والحب والقضب والزيتون حين أتوا * تكـــــرما مــــن إله العرش ذي اللطف

والخيل راكعـــــة في النقــــع ساجدة * والمشرفيات قد ضجت على الحجف(1)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الحجف محركة: التروس من جلود بلا خشب ولا عقب. والصدور. واحدتها: الحجفة.

 

 

/ صفحة 89 /

بعثت أغــــصان بــــان في جموعهم * فأصبحــــوا كــــرماد غــــير منــــتسف

لو شئت مسخهم في دورهم مسخوا * أو شئت قلت لهم: يا أرض انخسفي20

والمــــوت طوعـك والأرواح تملكها * وقــــد حــــكمت فلــــم تظـــلم ولم تجف

لا قــــدس الله قــــوما قــــال قائلهم: * بخ بخ لــــك مــــن فضــــل ومن شرف

وبــــايعــــوك (بخم) ثــــم أكــــدهــــا * (محمد) بمقــــال منــــه غــــير خــــفي

عــــاقوك واطرحـــوا قول النبي ولم * يمنعهــــم قــــوله: هــــذا أخــــي خلفي

هــــذا وليــــكم بعــــدي فمــن عقلت * به يــــداه فلــــن يخــــشى ولم يخف25

القصيدة تناهز 64 بيتا ولها قصة تأتي في الترجمة إنشاء الله.

 وله من قصيدة أجاب بها عن قصيدة ابن سكرة (1) المتحامل بها على آل الله وشاعرهم ابن الحجاج المترجم، أخذناها من ديوانه المخطوط سنة 620 بقلم عمر بن إسماعيل بن أحمد الموصلي أولها:

لا أكذب الله إن الصدق ينجيني * يد الأميــر بحـــــمد الله تحييني

إلى أن قال:

فمـــــا وجـــــدت شفـــــاء تستــفيد به * إلا ابتـــــغاءك تهجـــــو آل يـاسين

كـــــافاك ربـــــك إذ أجـــــرتك قـدرته * بســـــب أهـــل العلا الغر الميامين

فـــــقر وكفـــر هميع (2) أنت بينهما * حـــــتى المـــــمات بلا دنيا ولا دين

فكـــــان قــــولك في الزهراء فاطمة * قــــول امرئ لهج بالنصب مفتون5

عـــــيرتها بالـــــرحا والــزاد تطحنه * لا زال زادك حـــــبا غـــــير مطحون

وقلـــــت: إن رســـــول الله زوجــها * مسكيـــــنة بنـــــت مسكين لمسكين

كـــذبت يا بن التي باب إستها سلس * الاغلاق بالليل مفكوك الزرافين(3)

ست النساء غدا في الحشر يخدمها * أهل الجنـــان بحـــــور الخرد العـين

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي من ولد علي بن المهدي العباسي له ديوان شعر يربو على خمسين ألف بيت توفي سنة 385.

 (2) أي لا تزال باكيا.

 (3) سلست الخشبة: نخرت وبليت. والسلس: اللين السهل. الغلق ما يغلق به الباب ج أغلاق. الزرفين واحدة الزرافين: الحلق الصغيرة للباب.

 

 

/ صفحة 90 /

ســـــت النــــساء غدا في الحشر يخدمها * أهـــــل الجــنـــان بحـــــور الخرد العـين

10 فقلت: إن أميـــــر المـــــؤمنين بغـى * عـــــلى معـــــاوية فـــــي يـــــوم صفـين

وإن قتـــــل الحـــــسين السبط قـام بـــــه * فـــــي الله عـــــزم إمـــــام غـير موهون

فـــــلا ابن مرجـــــانة فـــيه بمحتقب (1) * إثـــــم المسيـــــئ ولا شمـــــر بملعـــون

وإن أجـــــر ابن سعـــــد في استباحــــــة * آل النـــــبوة أجـــــر غـــــيـــــر ممنـــون

هـــــذا وعــــدت إلى عـــــثمان تـنـــــدبه * بكل شعـــــر ضعـــــيف اللفـــــظ ملحــون

15 فصرت بالطعن من هذا الطريق إلى * ما ليـــــس يخـــــفى عـلى البله المجانين

وقـــــلت: أفـــــضل مـن يوم (الغدير) إذا * صحـــــت روايتـــــه يـــــوم الشعـــــانـين

ويـــــوم عـــــيـــــدك عـــــاشوراء تعدله * مـــــا يستعـــــد النـــــصارى للقـــــرابـين

تأتـــــي بـــــيوتكم فـــــيه العجــــوز وهل * ذكـــــر العجوز سوى وحي الشياطين ؟ !

عـــــاندت ربـــــك مغـــــترا بنقـــــمتـــــه * وبـــــأس ربـــــك بـــــأس غـــــير مأمون

فقـــــال: كـــــن أنــت قردا في استه ذنب * وأمـــــر ربـــــك بـــــين الكــــاف والنون

وقـــــال: كـــــن لـــــي فتى تعــلو مراتبه * عـــــند الملـــــوك وفـــــي دور السلاطين

والله قـــــد مســـــخ الأدوار قبـــــلك فــي * زمـــــان مـــــوسى وفـــــي أيــام هارون

بـــــدون ذنـــــبك فالحـــــق عــــندهم بهم * ودع لحـــــاقك بـــــي إن كنـــــت تــنويني

[ القصيدة 58 بيتا ]

وله من قصيدة قوله:

بالمصطفى وبصهره * ووصيه يوم (الغدير)

* (الشاعر) * :

أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجاج النيلي البغدادي، أحد العمد والأعيان من علماء الطايفة، وعبقري من عباقرة حملة العلم والأدب، و قد عده صاحب [ رياض العلماء ] من كبراء العلماء كما عده ابن خلكان وأبو الفدا من كبار الشيعة، والحموي في [ معجم أدبائه ] من كبار شعراء الشيعة، وآخر من فحول الكتاب، فالشعر كان أحد فنونه، كما أن الكتابة إحدى محاسنه الجمة،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  احتقب الإثم: جمعه.

 

 

/ صفحة 91 /

وله في العلم قنن راسية، وقدم راسخة، غير أن انتشار أدبه الفائق، ومقاماته البديعة فيه، وتعريف الأدباء إياه بأدبه الباهر، وقريضه الخسرواني، والثناء عليه بأنه ثاني معلميه كما في (نسمة السحر) أخفى صيت علمه الغزير، وغطى ذكره العلمي، ونحن نقوم بواجب الحقين جميعا.

 ينم عن مقامه الرفيع في العلوم الدينية وتضلعه فيها وشهرته في عصره بها توليه الحسبة (1) مرة بعد أخرى في عاصمة العالم في ذلك اليوم [ بغداد ] وهي من المناصب الرفيعة العلمية التي كانت تخص توليها في العصور المتقادمة بأئمة الدين، وزعماء الاسلام، وكبراء الأمة، وهي كما قال الماوردي في (الأحكام السلطانية) 224: من قواعد الأمور الدينية، وقد كان أئمة الصدر الأول يباشرونها. ه‍.

* (الحسبة) * هي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بين الناس كافة وممن وليها ببغداد قبل المترجم الفيلسوف الكبير أحمد بن الطيب السرخسي، صاحب التآليف القيمة في فنون متنوعة المقتول سنة 283، وتولاها بعد عزل المترجم عنها فقيه الشافعية وإمامها أبو سعيد الحسن بن أحمد الاصطخري المتوفى سنة 328، على ما يقال كما في تاريخ ابن خلكان، ومرآة الجنان لليافعي وغيرهما، قال الماوردي في [ الأحكام السلطانية ] ص 209 فمن شروط والي الحسبة، أن يكون حرا، عدلا، ذا رأي وصرامة، وخشونة في الدين، وعلم بالمنكرات الظاهرة، واختلف الفقهاء من أصحاب الشافعي هل يجوز له أن يحمل الناس فيما ينكره من الأمور التي اختلف الفقهاء فيها على رأيه واجتهاده أم لا ؟ على وجهين: أحدهما وهو قول أبي سعيد الاصطخري أن له أن يحمل ذلك على رأيه واجتهاده، فعلى هذا يجب على المحتسب أن يكون عالما من أهل الاجتهاد في أحكام الدين ليجتهد رأيه فيما اختلس فيه. ا ه‍ .

وقال رشيد الدين الوطواط المتوفى سنة 573: إن أولى الأمور بأن تصرف أعنة العناية إلى ترتيب نظامه، وتقصر الهمم على مهمة إتمامه، أمر يتعلق به ثبات الدين، ويتوقف عليه صلاح المسلمين، وهو أمر الاحتساب، فإن فيه تثبيت الزايغين

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كما في تاريخ ابن خلكان تاريخ ابن كثير. مرآة الجنان، رياض العلماء. دائرة المعارف الاسلامي، دائرة المعارف لفريد وجدي، الأعلام للزركلي.

 

 

/ صفحة 92 /

عن الحق، وتأديب المنهمكين في الفسق، وتقوية أعضاد أرباب الشرع وسواعدها، وإجراء معاملات الدين على قوانينها وقواعدها، وينبغي أن يكون متقلد هذا الأمر موصوفا بالديانة، معروفا بالصيانة، معرضا عن مراصد الريب، بعيدا عن مواقف التهم والعيب، لابسا مدارع السداد، سالكا مناهج الرشاد [ معجم الأدباء ج 19 ص 31 ] ففي تولية شاعرنا المترجم الحسبة مرة بعد أخرى غنى وكفاية عن سرد جمل الثناء على علمه وفقهه وإطراء عدله ورأيه، واجتهاده في جنب الله وصرامته، وخشونته في الدين، ورشاده وسداده، وقد تولاها مرتين في بغداد مرة على عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله كما سمعته من ابن خلكان واليافعي، وأخرى أقامه عليها عز الدولة في وزارة ابن بقية الذي استوزره عز الدولة سنة 362 وتوفي سنة 367 و قد كتب المترجم إليه في وزارته قصيدة أولها:

أيها ذا الوزير إن أنت أنصفت * وإلا فـــــقم مـــــع الجـــــيران

ويقول فيها :

ليـــــت شعـــــري ألســـــت محــــتسب * الناس ؟ ! فلم ليس تعرفون مكاني ؟ !

* (أما أدبه) * وهو كما أوعزنا إليه أحد نوابغ شعراء الشيعة، والمقدم بين كتابها، حتى قيل: إنه كامرئ القيس في الشعر (1) لم يكن بينهما من يضاهيهما، و يقع ديوانه في عشر مجلدات، والغالب عليه العذوبة والانسجام، وتأتي المعاني البديعة في طريقته إلى ألفاظ سهلة، وأسلوب حسن، وسبك مرغوب فيه، وفي (نسمة السحر) إنه يعد المعلم الثاني، والمعلم الأول إما مهلهل بن وائل، أو امرؤ القيس، إخترع منهجا لم يسبق إليه، وتبعه فيه الناس، ومن أتباعه أبو الرقعمق وصريع الدلاء.

 قال الثعالبي: سمعت به من أهل البصيرة في الأدب وحسن المعرفة بالشعر على أنه فرد زمانه في فنه الذى شهر به وإنه لم يسبق إلى طريقته، ولم يلحق شأوه في نمطه ولم ير كاقتداره على ما يريده من المعاني التي تقع في طرزه، مع سلاسة الألفاظ وعذوبتها وانتظامها في الملاحة والبلاغة. ا ه‍.

 رتب ديوانه البديع الاسطرلابي هبة الله بن حسن المتوفى سنة 534 على

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كما في تاريخ ابن خلكان، ومعجم الأدباء، وشذرات الذهب.

 

 

/ صفحة 93 /

واحد وأربعين ومائة باب، وجعل كل باب في فن من فنون الشعر وسماه: درة التاج في شعر ابن الحجاج (1) وهي محفوظة في باريس رقم 5913 وبها مقدمة لابن الخشاب النحوي.

 وللشريف الرضي انتخاب ما استجوده من شعره سماه [ الحسن من شعر الحسين ] (2) ورتبه على الحروف، وكان ذلك في حياة المترجم، وله في ذلك شعر يوجد في المجلد الأخير من ديوانه وهو قوله:

أتعرف شعـــــري إلـى من ضوى * فأضحـــــى عـــلى ملــكه يحتوي؟!

إلـــــى البـــــدر حـسنا إلى سيدي * الشريف أبـــي الحسن الموســوي

إلـــــى من أعـــــوذه كـــــلمـــــــا * تلقيـــــته بالعـــــزيز الـــــقـــــــوي

فتى كنت مسخا بشعري السخيف * وقـــــد ردنـــــي خـــــلقـــــا ســوي

تأملتـــــه وهـــــو طـــــورا يصح * وطـــــورا بصحـــــته يلتـــــــوي 5

فميـــــز معـــــوجــــه والـــــردي * فـــــيه مـــــن الجـــــيد الـمســتوي

وصحـــــح أوزانـــــه بالعــروض * وقـــــرر فيـــــه حـــروف الــروي

وأرشـــــده لطـــــريق الــســـــداد * فـــــأصلح شيطان شعري الغــوي

وبـــــين مـــــوقع كـــــف الصناع * فـــــي نســـــج ديباجه الخــسروي

فأقـــــسم بـــــالله والشيـــــخ فــي * اليمين على الحنث لا يــنطوي 10

لـــــو أن زرادشت أصغـــــى لـــه * لأزرى عـــــلى المنطــق الفهلوي

وصـــــادف زرع كـــــلامي البليغ * فـــــيه شـــــديد الــظـــــما قد ذوي

فمـــــا زال يسقيـــــه مـــاء الطرا * ومـــــاء البــشاشـــــة حـتى روي

فلا زال يحـــــيى وقـــــلب الحسود * بالغـــــيظ مـــــن ســيــدي مكتوي

لـــــه كـــــبد فـــــوق حــمر الغضا * على النار مطروحة تــشتوي 15

قال الثعالبي:  إن ديوان شعره لا تنحط قيمته عن ستين دينارا لتنافسهم في ملحه ووفور رغبتهم فيه وقال: وديوان شعره أسير في الآفاق من الأمثال، وأسرى

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع معجم الأدباء، تاريخ ابن خلكان، مرآة الجنان، كشف الظنون.

 (2) في دائرة المعارف الإسلامية: إنه أسماه (التنظيف من السخيف ).

 

 

/ صفحة 94 /

من الخيال. وذكر في اليتيمة شطرا مهما من فنون شعره في 62 صحيفة في الجزء الثالث.

 والغالب على شعره الهزل والمجون، كأنهما لازما غريزته، ومطبوعا قريحته، وخمرتا طينته، وكان إذا استرسل فيهما فلا يجعجع به حضور ملك أو هيبة أمير، و يأتي بما عنده غير مكترث للسامعين، فلا يستقبل منهم إلا عطفا وقبولا، كما أن جل شعره يعرب عن ولاءه الخالص لأهل البيت والوقيعة في مناوئيهم.

حلفاء عصره وملوكه :

أدرك ابن الحجاج جمعا من خلفاء بني العباس وهم:

1 - المعتمد على الله ابن المتوكل المتوفى 279.

 2 - المعتضد بالله أبو العباس المتوفى 289.

 3 - المكتفي بالله المتوفى 295.

 4 - المقتدر بالله المتوفى 320.

 5 - الراضي بالله المتوفى 329.

 6 - المستكفي بالله المتوفى 338.

 7 - القاهر بالله المتوفى 339.

 8 - المتقي لله المتوفى 358.

 9 - المطيع لله المتوفى 364.

 10 - الطايع لله المتوفى 393.

 وعاصر من ملوك آل بويه من الذين ملكوا العراق:

1 - معز الدولة فاتح العراق المتوفى سنة 356.

 2 - عز الدولة أبا منصور بختيار بن معز الدولة المقتول 367.

 3 - عضد الدولة فناخسرو بن ركن الدولة المتوفى 372.

 4 - شرف الدولة ابن عضد الدولة المتوفى 379.

 5 - صمصام الدولة ابن عضد الدولة المقتول 388.

 6 - بهاء الدولة أبا نصر ابن عضد الدولة المتوفى 403.

 

 

/ صفحة 95 /

وكان كما قال الثعالبي على طول عمره يتحكم على وزراء الوقت، ورؤساء العصر، تحكم الصبي على أهله، ويعيش في أكنافهم عيشة راضية، ويستثمر نعمة صافية ضافية.

 ويوجد في ديوانه شعر كثير مدحا ورثاء وهجاء في رجالات عصره من الخلفاء والوزراء والأمراء والكتاب والمثقفين تربو عدتهم فيما قرأناه من مجلدات ديوانه على ستين منهم: أبو عبد الله هارون بن المنجم المتوفى 288.

 أبو الفضل عباس بن الحسن المتوفى 296

الوزير أبو محمد المهلبي المتوفى 352

أبو الطيب المتنبي الشاعر = 354

الوزير أبو الفضل بن العميد 360

المطيع لله الخليفة العباسي = 364

أبو الفتح ابن العميد = 366

الوزير أبو ريان خليفة عضد الدولة ببغداد

الوزير أبو طاهر ابن بقية = 367

عز الدولة بختيار ابن بويه المتوفى 367

عمران بن شاهين = 369

الأمير أبو تغلب غضنفر = 369

عضد الدولة فنا خسرو = 372

أبو الفتح ابن شاهين = 372

أبو الفرج بن عمران بن شاهين = 373

أبو المعالي ابن محمد بن عمران = 373

شرف الدولة ابن بويه = 379

أبو إسحاق إبراهيم الصابي = 384

القاضي أبو علي التنوخي = 384

الوزير الصاحب بن عباد = 385

ابن سكرة العباسي الشاعر = 385

أبو علي محمد بن الحسن الحالتي = 388

أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف = 388

الوزير أبو نصر سابور بن أردشير = 416

الوزير أبو منصور محمد المرزبان = 416

أبو أحمد ابن حفص عارض المترجم في أمور الحسبة.

 الوزير أبو الفرج محمد بن العباس بن فسا بخس قال الثعالبي في (اليتيمة) 3 ص 70: كان الوزير أبو الفرج والوزير أبو الفضل [ ابن العميد ] قد خلوا في الديوان لعقوبة أصحاب المهلبي [ الوزير أبي محمد الحسن ] عقب موته، وأمرا أن تلوث ثياب الناس بالنفط إن قربوا من الباب وقد كان المهلبي فعل مثل هذا فحضر ابن الحجاج فعجب وخاف النفط فانصرف فقال:

الـصفع بالنفط في الثياب * ما لم يكن قط في حسابي

 

/ صفحة 96 /

ليــــس يقوم الوصول عندي * مقــــام خيــــطين مـن ثيابي

يــــا رب مـــن كان سن هذا * فــــزده ضعــــفا مـن العذاب

فــــي قعر حمراء ليس فيها * غــــير بنــي البظر والقحاب

تفعل في لحمه المهري (1) * ما يفعــــل الجــــمر بالكباب

فالقــــرد عـــندي يجل عــمن * يــــسن هــذا عــلى الكــلاب

أكثر(المترجم) من مدايح أهل البيت عليهم السلام والنيل من مناوئيهم نظراء مروان بن أبي حفصة حتى إنه ربما كان ينتقد على تشديده الوطئ والنكير المحتدم على فضائع القوم [ أعداء آل الله ] بلهجة حادة، وسباب مقذع، غير أن ذلك كله كان نفثة مصدور، وأنه متوجع من الظلم الواقع على ساداته أئمة أهل البيت عليهم السلام، لا ولعا منه في البذاء أو وقيعة في الأعراض لمحض الشهوة ومتابعة الهوى، ولذلك وقع شعره مقبولا عند مواليه صلوات الله عليهم، وكونوا إذا مروا باللغو منه مروا كراما.

 حدث (2) سيدنا الأجل زين الدين علي بن عبد الحميد النيلي النجفي (3) في كتابه [ الدر النضيد في تغازي الإمام الشهيد ] إنه كان في زمان ابن الحجاج رجلان صالحان يزدريان بشعره كثيرا وهما: محمد بن قارون السيبي، وعلي بن زرزور السورائي، فرأى الأول منهما ليلة في الواقعة كأنه أتى إلى روضة الحسين عليه السلام و كانت فاطمة الزهراء سلام الله عليها حاضرة هناك مستندة ظهرها إلى ركن الباب الذي هو على يسار الداخل وسائر الأئمة إلى مولانا الصادق عليه السلام أيضا جلوس في مقابلها في الزاوية بين ضريحي الحسين عليه السلام وولده علي الأكبر الشهيد متحدثين بما لا يفهم ومحمد بن قارون المقدم قائم بين أيديهم قال السورائي: وكنت أنا أيضا غير بعيد عنهم

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) هرى الثوب: صفره أي جعله أصفر.

 (2) نقله عنه بحاثة الطايفة ميرزا عبد الله الاصبهاني في (رياض العلماء )، وسيدنا (روضات الجنات) ص 239، وشيخنا العلامة الحجة النوري في (دار السلام) ج 1 ص 148، ونحن نلخص ما في (رياض العلماء ).

 (3) هو الفقيه الأوحد صاحب المقامات والكرامات أحد مشايخ العلم الحجة ابن فهد الحلي المتوفى 841.

 

 

/ صفحة 97 /

فرأيت ابن الحجاج مارا في الحضرة المقدسة فقلت لمحمد بن قارون: ألا تنظر إلى الرجل كيف يمر في الحضرة ؟ فقال: أنا لا أحبه حتى أنظر إليه: قال: فسمعت الزهراء بذلك، فقالت له مثل المغضبة: أما تحب (أبا عبد الله) ؟ أحبوه فإنه من لا يحبه ليس من شيعتنا.

 ثم خرج الكلام من بين الأئمة عليهم السلام، بأن من لا يحب أبا عبد الله فليس بمؤمن.

 قال الشيخ محمد بن قارون: ولم أدر من قاله منهم، ثم انتبهت فزعا مرعوبا مما فرطت في حق أبي عبد الله من قبل ذلك قال: ثم نسيت المنام ولم أذكره إلى أن أتيح لي بزيارة السبط الشهيد سلام الله عليه فإذا بجماعة في الطريق من أصحابنا يروون شعر ابن الحجاج فلحقتهم فإذا فيهم علي بن الزرزور وسلمت عليه، وقلت: كنت تنكر رواية شعر ابن الحجاج وتكرهها، فما بالك الآن تسمعه وتصغي إلى أنشاده ؟ فقال: أحدثك بما رأيت فيما يراه النائم فقص علي بمثل ما رأيته في الطيف حرفيا وحكيته بما رأيت، ثم اتفقا على مدح الرجل وإيراد أشعاره و بث مآثره ونشر مناقبه.

 وأيضا: إن السلطان مسعود بن بابويه (1) لما بنى سور المشهد الشريف و دخل الحضرة الشريفة وقبل أعتابها وأحسن الأدب فوقف أبو عبد الله المترجم بين يديه وأنشد قصيدته الفائية التي ذكرناها فلما وصل منها إلى الهجاء أغلظ له الشريف سيدنا المرتضى ونهاه أن ينشد ذلك في باب حضرة الإمام عليه السلام فقطع عليه فانقطع، فلما جن عليه الليل رأى ابن الحجاج الإمام عليا عليه السلام في المنام وهو يقول: لا ينكسر خاطرك فقد بعثنا المرتضى علم الهدى يعتذر إليك فلا تخرج إليه حتى يأتيك، ثم رأى الشريف المرتضى في تلك الليلة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم حوله جلوس فوقف بين أيديهم وسلم عليهم فحس منهم عدم إقبالهم عليه فعظم ذلك عنده وكبر لديه فقال: يا موالي أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فبم استحققت هذا منكم ؟ فقالوا: بما كسرت خاطر شاعرنا أبي عبد الله ابن الحجاج فعليك أن تمضي إليه وتدخل عليه وتعتذر إليه وتأخذه وتمضي به إلى مسعود بن بابويه وتعرفه عنايتنا فيه و شفقتنا عليه، فقام السيد من ساعته ومضى إلى أبي عبد الله فقرع عليه الباب فقال ابن

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كذا في النسخة وأحسبه، عضد الدولة بن بويه.

 

 

/ صفحة 98 /

الحجاج: سيدي الذي بعثك إلي أمرني أن لا أخرج إليك، وقال: إنه سيأتيك، فقال: نعم سمعا وطاعة لهم، ودخل عليه واعتذر إليه ومضى به إلى السلطان وقصا القصة عليه كما رأياه فأكرمه وأنعم عليه وخصه بالرتب الجليلة وأمر بإنشاد قصيدته.

ولادته ووفاته :

لم يختلف اثنان في تاريخ وفاة المترجم له وأنه توفي في جمادي الآخرة سنة 391 بالنيل وهو بلدة على الفرات بين بغداد والكوفة، وحمل إلى مشهد الإمام الطاهر [ الكاظمية ] ودفن فيه وكان أوصى أن يدفن هناك بحذاء رجلي الإمام عليه السلام و يكتب على قبره: وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد.

 ورثاه الشريف الرضي بقصيدة توجد في ديوانه ج 2 ص 562، وذكر ابن الجوزي منها أبياتا في (المنتظم) 7 ص 217.

 ولم نقف في طيات الكتب والمعاجم على تاريخ ولادته لكن الباحث عنها يقطع بأن الرجل ولد في المائة الثالثة وعاش عمرا طويلا حدود المائة والثلاثين، وهناك شواهد قوية على هذا منها:

1 - ما ذكر ابن شهر آشوب في المعالم من قرائته على ابن الرومي المتوفى 282.

2 - توليه الحسبة قبل الإمام الاصطخري المتوفى 328 كما في تاريخ ابن خلكان ومرآة الجنان لليافعي وغيرهما قالوا: إنه تولى حسبة بغداد وأقام مدة، و يقال: إنه عزل بأبي سعيد الاصطخري وله في عزله أبيات مشهورة. ا ه‍.

 والاصطخري قد تولى الحسبة بأمر المقتدر بالله سنة 320 كما في (شذرات الذهب) 2 ص 312 وغيره.

 3 - شعره الموجود في ديوانه في هجاء أبي عبد الله هارون بن علي بن أبي منصور المنجم المتوفى 288 وقال في ديوانه: قاله وهو حدث السن.

 4 - قصيدته الموجودة في ديوانه في أبي الفضل عباس بن الحسين وزير المكتفي بالله المقتول سنة 296.

 وقد ذكر كثيرا في شعره المنظوم في أواسط القرن الرابع شيخوخته منه أبيات يمدح بها أبا منصور بختيار بن معز الدولة المقتول 367 منها:

قــــلــــت اقبــــلــــي رأيــــي * ورأي الشيخ محمود موافق

 

/ صفحة 99 /

وله في الوزير أبي طاهر ابن بقية المتوفى 366 يطلب منه تجز جرايته ورزقا لابنه في ديوان (بادويا) أبيات منها قوله:

طلبت ما يطلبه مثلي * الشيــــوخ الفـــسقـه

وأنت لا تجد قط شاعرا يذكر شيخوخته وهرمه في شعره كابن الحجاج كقوله في أبي محمد يحيى بن فهد:

أيهــــا الشــــاعــــر الجــــديد الـــــذي * يعــــبث بالشاعــــر النـــــفيس الخليع

أنـــت مــــثــــل الـــثــــوب الجــــديــــد * وشعري مثل قب الغلالة المرقوع(1)

أنا شيــــخ طبيعــــتي تــــنــــثر البعــر * عــــلى كــــل شاعــــر مــــطــــبــــوع

وقوله فيما كتبه إلى أبي محمد ابن فهد المذكور وقد ولد للمترجم مولود:

قــــولوا ليحـــيى بن فهد: يا من * جعــــلت مــــمــــا يخــشى فداه

أليــــس قــــد جــــاءني غـلام ؟ * يجــــلب بالحــــســن مــــن رآه

كالشمس والشمس في ضحاها * والبــــدر والبــــدر فــــي دجــاه

يفتــــنــــني ريه ويحــــنــــو في * المهد قــــلبي عــــلى خــــصــاه

كأنــــني مــــع وفــــور نســـلي * لــــم أر مــــن قـــبــــله ســــواه

ومن قصيدة ذات 129 بيتا في الوزير أبي نصر التي أولها:

يا عــــاذلي كيــف أصنع * وليس في الصبر مطمع

قوله:

خــــذها إليك عروسا * لها من الحسن برقع

الأذن لا العين منهـــا * بحــــسنها تــــتمـــتع

خطيـــبها فــــيك شيخ * مهملج الفكر مصقع

ويمدح عضد الدولة فنا خسرو المتوفى 372 بقصيدة ذات 41 بيتا ويذكر فيها شيبه وهرمه.

 والباحث جد عليم بأنه من المعمرين وليد القرن الثالث مهما وقف على قوله في إحدى مقطوعاته:

وقــــائلة: تعـــيش * مظلوما بسيف (2)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) القب: ما يدخل في جيب القميص من الرقاع. الغلالة شعار يلبس تحت الثوب.

 (2) كذا وجدناه في ديوانه وفيه سقط.

 

 

/ صفحة 100 /

فقلت لها: أباكي ذاك حزني * عــلى مائة فجعت بها ونيف

 فبعد ذلك كله لا يبقى وزن في تضعيف ابن كثير في تاريخه 11 ص 329 قول ابن خلكان بأنه عزل عن حسبة بغداد بأبي سعيد الاصطخري المتوفى 328.

 كما لا يبعد عندئذ ما في (المعالم) من تلمذه علي ابن الرومي المتوفى 283 إذ تلمذه عليه إنما كان في الأدب في الآليات، ومن الممكن أن يكون ذلك قبل أن يبلغ الحلم أيضا كتلمذ الشريف الرضي على أستاذه السيرافي وله دون العشر من عمره كما يأتي في ترجمته.

مصادر ترجمة ابن الحجاج :

يتيمة الدهر 3 ص 25

تاريخ الخطيب 8 ص 14

معجم الأدباء 4 ص 6

تاريخ ابن خلكان 1 ص 170

معالم العلماء ص 136

الكامل لابن الأثير 9 ص 63

المنتظم لابن الجوزي 7 ص 216

تاريخ ابن كثير 11 ص 329

تاريخ أبي الفدا 3 ص 242

مرآة الجنان 2 ص 444

معاهد التنصيص 2 ص 62

مجالس المؤمنين 459

شذرات الذهب 3 ص 136

إيضاح المقاصد للبهائي مخطوط

كشف الظنون 1 ص 498

رياض العلماء للميرزا عبد الله. مخطوط

أمل الآمل للشيخ الحر

رياض الجنة للسيد الزنوزي. مخطوط

روضات الجنات ص 239

نسمة السحر فيمن تشيع وشعر. مخطوط

سفينة البحار 1 ص 225

تتمم الأمل لابن أبي شبانة. مخطوط

الشيعة وفنون الاسلام 106

تنقيح المقال 1 ص 318

دائرة المعارف الإسلامية 1 ص 130

أعلام الزركلي 1 ص 245

دائرة المعارف للبستاني 1 ص 439

دائرة المعارف لفريد وجدي 6 ص 12