عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

القرن السابع

-63-

شمس الدين محفوظ

المتوفى ح 690

 

راق الصبــــــوح ورقــــــت الصهــباء * وســــــرى النسيــم وغنت الورقاء

وكــــــسا الربــــــيع الأرض كـل مدبج * ليــــــست تجــــــيد مثــــاله صنعاء

فــــــالأرض بعــــــد العري إما روضة * غــــــناء أو ديــــــباجة خــــضراء

والطيــــــر مختــــــلف اللحـــان فنايح * ومطــــــرب مـــــالت به الأهواء 5

والماء بــــــين مــــــدرج ومجــــــدول * ومسلــــــسل جــــــادت بـه الأنواء

وسرى النسيم على الرياض فضمخت * أثــــــوابه عــــــطــــــرية نـــــكباء

كمــــــديح آل محــــــمد سفــــن النجا * فبنــــــظــــــمه تتعــــــطر الشعـراء

الطيــــــبون الطـــــاهرون الراكعـون * الساجــــــدون الســــــادة النجـــباء

منهم عــــــلي الأبطحــــــي الهاشمي * اللــــــوذعــــــي إذا بـــدت ضوضاء

10 ذاك الأمير لدى " الغدير " أخو * البشيــــــر المستنير ومن له الأنباء

طهــــــرت لــــــه الأصلاب من آبائه * وكــــــذاك قــــــد طهـــرت له الأبناء

أفهــــــل يحـــــيط الواصفون بمـدحه * والذكــــــر فيــــــه مــــدائح وثناء ؟

ذو زوجــــــة قـــــــد أزهرت أنوارها * فــــــلأجل ذلــــــكم اسمها الزهراء

وأئمــــــة مــــــن ولــــدها سادت بها * المتــــــأخرون وشرف القدماء 15

مبــــــداهم الحـــسن الزكي ومن إلى * أنسابــــــه تــــــتفاخــــــر الكـرماء

والطاهـــــر المولى الحسين ومن له * رفعــــــت إلى درجـــــاتها الشهداء

والنــــــدب زين العــــــابدين الماجــد * النــــــدب الأميـــــن السـاجد البكاء

والباقــــــر العــــــلم الشـريف محمد * مــــــولى جــــــميع فعــــــالـــه آلاء

والصــــــادق المــولى المعظم جعفر * حــــــبر مــــــواليه هــــــم السعـداء

 

/ صفحة 439 /

وإمــــــامنا مـــــوسى بن جعفر سيد * بضريحــــــه تــــتشرف الزوراء 20

ثم الــــــرضا عــلم الهدى كنز التقى * باب الرجــــــا محيـــي الدجى الجلاء

ثم الجــــــواد مع ابــنه الهادي الذي * تهــــــدي الــــــورى آيــــــاته الغراء

والعسكــــــري إمـامنا الحسن الذي * يغــــــشاه مــــــن نــور الجلال ضياء

والطاهــــــر ابن الطاهرين ومن له * في الخــــــافقين مــــــن البـهاء لواء

من يصــــــلح الأرضين بعد فسادها * حــــــتى يصاحـــــب ذيبهن الشاء 25

أنــــــا يا بــــــن عـــم محمد أهواكم * وتطيــــــب منــــــي فيــــــكم الأهـواء

وأكــــــفر النالــــــين فيــــــك وألعن * القــــــالين إنــــــهم لــدي سواء (1)

* (الشاعر) *

الشيخ شمس الدين محفوظ بن وشاح بن محمد أبو محمد الحلي الأسدي.

 قطب من أقطاب الفقاهة، وطود راس للعلم والأدب، كان متكئا على أريكة الزعامة الدينية، ومرجعا في الفتوى، ومنتجعا لحل المشكلات، وكهفا تأوي إليه العفاة، والحكم الفاصل للدعاوي، ومن مشايخ الإجازة الراوين عن الشيخ نجم الدين المحقق الحلي المتوفى 667، ويروي عنه الحافظ المحقق كمال الدين علي بن الشيخ شرف الدين الحسين بن حماد الليثي الواسطي.

 ويروي عن شارح القصائد السبع العلويات لابن أبي الحديد بشرحه الموسوم بغرر الدلائل قال في أول الشرح : كنت قرأت هذه القصائد على شيخي الإمام العالم الفقيه المحقق شمس الدين أبي محمد محفوط بن وشاح قدس الله روحه وذلك بداره بالحلة في صفر من سنة ثمانين وستمائة، ورواها لي عن ناظمها وراقم علمها.

 قال الأميني : أحسب أن شارح القصائد هو صفي الدين محمد بن الحسن بن أبي الرضا العلوي البغدادي صاحب البائية في رثاء المترجم. والله العالم.

 جرت بين شيخنا المترجم وبين شيخه المحقق الحلي مكاتبات منها ما ذكره شيخنا صاحب المعالم في إجازة الكبيرة (2) قال نقلا عن الشهيد الأول (3) إنه كتب إلى الشيخ

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) ذكرها العلامة السماوي في الطليعة ج 2.

 (2) توجد في إجازات البحار للعلامة المجلسي ص 100.

 (3) شمس الدين محمد بن جمال مكي بن محمد العاملي النبطي الجزيني المستشهد سنة 786 توجد ترجمته وترجمة أولاده وأحفاده في كتابنا شهداء الفضيلة ص 80 - 98.

 

 

/ صفحة 440 /

المحقق نجم الدين السعيد أبياتا من جملتها :

أغيب عنك وأشواقي تجاذبني * إلى لقائك جذب المغرم العاني

إلى لقاء حبيب شبه بدر دجى * وقـــد رماه بإعراض وهجران

ومنها :

قلبـــي وشخصك مقرونان في قرن * عـنـــد انتباهي وعند النوم يغشاني

حللت عني ؟ حل الروح في جسدي * فأنــــــت ذكري في سري وإعلاني

لــــــولا المخافة من كره ومن ملل * لطــــــال نحــــــوك تردادي وإتياني

يا جعــــــفر بن سعــيد يا إمام هدى * يا أوحــــــد الدهر يا من ماله ثاني

إنــــــي محـــبك مغرى غير مكترث * لم يخــــــتلف أبـدا في فضلك اثنان

ومنها :

في قــــــلبك العلم مخزون بأجمعه * تهــــــدي بـه من ضلال كل حيران

وفــــــوك فيــــه لسان حشوه حكم * تــــــروي بــــــه بـــزلال كل ظمآن

وفخرك الراسخ الراسي وزنت به * رضوى فزاد على رضوى وثهلان

وحــسن أخلاقك اللاتي فضلت بها * كــــل البـــرية من قاص ومن دان

تغـني عن المأثرات الباقيات ومن * يحــــــصي جـــواهر أجبال وكثبان

يا مــــــن علا درج العلياء مرتقيا * أنـــت الكبير العظيم القدر والشأن

فأجابه المحقق بقوله :

لقـــــد وافت قصائدك الغـوالي * تهــــز معاطف اللفظ الرشيق

فضضت ختامهن فخلــــت أني * فـضضت بهن عن مسك فتيق

وجال الطرف منها في رياض * كسيــــــن بناظر الزهر الأنيق

فكــــــم أبصـرت من لفظ بديع * يــدل به على المعنى الدقيق؟

وكـــــم شاهدت من علم خفي * يقرب مطلب الفضل السحيق؟

شربـــت بها كؤسا من معاني * غــنيت بشربهن عن الرحيق

ولكـــني حــــــملت بها حـقوقا * أخـــــاف لنقلهن من العقوق

فسير يا أبا الفضائل بي رويدا * فلست أطيق كفران الحقوق

 

/ صفحة 441 /

وحـمل ما أطيــق به نهـــوضا * فإن الرفـــق أنسب بالصــديق

فــــــقــد صيرتـني لعـــلاك رقا * بــبرك بــل أرق مـــن الرقيق

وكتب بعدها نثرا توجد جملة منه في الإجازات.

 لم نقف على تاريخي ولادة شيخنا شمس الدين ووفاته غير أنا نقطع بحياته إلى سنة 680، وقد قرب العلامة السماوي وفاته سنة تسعين بعد الستمائة، وللباحث أن يقف على مواقفه العظيمة في الفضايل بالقصائد التي رثاه بها أعلام عصره منها رثاء العلامة الحجة الفقيه الصالح صفي الدين محمد بن الحسن أبي الرضا العلوي البغدادي يقول في قصيدته :

مصــــــاب أصاب القـــلب منه وجيب * وصابت لجفــــــن العــين فيه غروب

يعــــــز علينا فقــــــد مــــولى لفـــقده * غــــــدت زهـــرة الأيام وهي شحوب

وطــــــاب لـــه في الناس ذكر ومحتد * كــــــما طــــــاب منه مشهد ومغـــيب

ألا ليـت شمس الدين بالشمس يقتدي * فيــــــصبح فيــــــنا طالعــــــا ويغـيب

فمــــــن ذا يحـــل المشكلات ومن إذا * رمى غرض المعنى الدقيق تصيب ؟

ومن يكشف الغماء عنا ومــــــن لــه * نــــــوال إذا ضن الغــــمام يصوب ؟

فلا قــــام جنــــــح الليــل بعدك خاشع * ولا صام فــــــي حــــر الهجير منيب

ولو ســال فوق الطرس من كف كاتب * يــــراع عــــن السمر الطوال ينوب

وبعــــــدك لا ســــــح الغــمام ولا شدا * الحــــــمام ولا هبـــــت صبا وجنوب

ومنها قصيدة الفقيه الحجة الشيخ مهذب الدين محمود بن يحيى بن محمد الشيباني الحلي :

عــز العزاء ولات حين عزاء * من بعـــد فرقة سيد الشعراء

العالم الحبر الإمام المرتضى * عـــلم الشريعـة قدوة العلماء

أكذا المنون تهد أطواد الحجا * ويفيض منها بحر كل عطاء ؟

ما للفـــتاوى لا يرد جوابها ؟ * ما للدعـــاوي غطيت بغطاء ؟

ما ذاك إلا حيـــن مات فقيهـنا * شمس المعالي أوحد الفضلاء

ذهـــــب الذي كنا نصول بعزه * ولسانه الماضي على الأعداء

 

/ صفحة 442 /

من للفــــــتاوى المشــكلات يحلها * ويـبـيـــنها بالكشـــــف والامضاء ؟

من للكــــــلام يبـيــــن من أسراره * معــــــنى جــــلالة خالق الأشياء ؟

من ذا لعــــــلم النحـو واللغة التي * جــــــاءت غرائبها عن الفصحاء ؟

ما خــــلت قبل يحط في قلب الثرى * إن البدور تغــــــيــــــب في الغبراء

أيمــــــوت محفــــوظ وأبقى بعده ؟ * غــــــدر لعــــــمرك موتـــه وبقائي

مولاي شمس الدين يا فخر العلا ! * مالــــــي أنـــــادي لا تجيب ندائي ؟

ومنها : قصيدة العلامة المحقق الشيخ تقي الدين ابن داود الحلي أحد شعراء الغدير الآتي ذكره في القرن الثامن :

لك الله أي بــــــناء تــــــداعـــــى * وقـــد كان فوق النجوم ارتفاعا ؟

وأي عـلاء دعــــــاه الخطــــــوب * فلبـــــى ولولا الردى ما أطاعا ؟

وأي ضياء ثـــــوى في الثــــــرى * وقد كـان يخفي النجوم التماعا ؟

لقــد كان شمس الدين كاسمـــــه * فأرخـــــى الكسوف عليه قناعا ؟

فــــــواأسفا أيـــن ذاك الــــلسان * إذا رام معـــــنا أجاب اتباعـــــا ؟

وتلــــــك البحـــــوث التي ما تمل * إذا مـل صاحب بحث سماعــــــا ؟

فمـــــن ذا يجــــيب سؤال الوفود * إذا عرضوا أو تعاطوا نزاعـــــا ؟

ومــــن لليـــــتامى ولابن السبيل * إذا قــــــصدوه عـــراة جــــياعـا ؟

ومــــــن للـوفاء وحفــــظ الاخاء * وراعي العهود إذا الغدر شاعـا ؟

سقــــــى الله مضجعــــــه رحـمة * تــــروي ثراه وتأبى انقطاعـا؟(1)

وولد المترجم أبو علي محمد الشهير بتاج الدين بن وشاح كان قاضي الحلة، ولصفي الدين الحلي الآتي ذكره في الجزء السادس قصيدة يرثيه بها توجد في ديوانه 256 مطلعها :

لــــــو أفــادتنا العزائم حالا * لم نجد حسن العزاء محالا

ويقول فيها :

أسد خلف شبلي عرين * شيــدا مجدا له لن ينالا

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع أمل الآمل، بحار الأنوار ج 25، مستدرك الوسائل، تتميم الأمل لابن أبي شبانة، روضات الجنات.

 

 

/ صفحة 443 /

ظل زين الدين للدهر زينا * وجمــال الدين فيها جمالا

فأرانا الله أقصى الأمانـي * فيهما إن جار دهر ومالا

49 بيتاً

ولصفي الدين قصيدة أخرى ذات 53 بيتا توجد في ديوانه ص 410 يعتذر بها إلى القاضي تاج الدين بن وشاح عن قيل فيه وعزوه إليه أولها :

حذرا عليك من الفعال الجافي * أدنـــيك مجــتهدا إلى الانصاف

ويقول في آخرها :

شكــــــرا لــــــواش أوجـبت أقواله * حجــــــي لكعـــــبة ربعكم وطوافي

بعــــــد جنــيت القرب من أغـصانه * وسكيــــــنة حــصلت من الإرجاف

ولربما عــــــوت الكــلاب فأرشدت * نحــــــو الكــــرام شوارد الأضياف

دع عنك ما اختلف الورى في نقله * عــــــني وخــــــذ مدحا بغير خلاف

مدحــــــا أتــــــاك ولا يــروم إجازة * إلا المــــــودة والضميــــر الصافي

ولآل محفوظ بقية صالحة في سوريا والعراق، وللأستاذ الحسين بن الشيخ علي ابن الشيخ محمد الجواد بن الشيخ موسى آل محفوظ الكاظمي رسالة في تراجم أعلام أسرته الكريمة، وتوجد ذكرى عمد هذا البيت الرفيع في تكملة أمل الآمل لسيدنا الصدر الكاظمي، وفي وفيات الأعلام لشيخنا الرازي صاحب " الذريعة ".

 توجد في أمل الآمل وغيره ترجمة باسم سديد الدين سالم بن محفوظ بن عزيزة بن وشاح السوراني، قرأ عليه المحقق الحلي المتوفى 667، ويروي عنه السيد بن طاوس المتوفى 664، ووالد العلامة الحلي وقد ولد العلامة 648، واستظهر صاحب " روضات الجنات " في ص 301 إنه ولد شاعرنا شمس الدين محفوظ وهذا الاستظهار ليس في محله لأن المترجم نفسه أحد الرواة عن المحقق الحلي فكيف يكون سالم الذي قرأ عليه المحقق الحلي ابنه ؟ ثم طبقة الرواة عن سالم هي طبقة مشايخ شمس الدين المترجم فيستدعي ذلك أن يكون متقدما على والده بطبقة غير طبقة والده.

 ويؤيد ما ذكرناه أن ولد المترجم أبا علي محمدا تاج الدين بن محفوظ المترجم في أمل الآمل يروي عنه السيد تاج الدين ابن معية المتوفى 776، ورثاه صفي الدين المتوفى 752، فلو كان سالم أخاه لوجب أن يكون الرواة عنه من أهل هذه الطبقة لا قبلها بقرن.