عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

-22-

الخليفة وامرأة مغنية

 

عن الحسن قال: أرسل عمر بن الخطاب إلى امرأة مغنية كان يدخل عليها فأنكر ذلك فأرسل إليها فقيل لها: أجيبي عمر .

 فقالت: يا ويلها ما لها ولعمر ؟ فبينما هي في الطريق فزعت فضربها الطلق فدخلت دارا فألقت ولدها فصاح الصبي صيحتين ثم مات فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأشار عليه بعضهم: أن ليس عليك شئ إنما أنت دال ومؤدب .

 وصمت علي فأقبل على علي فقال: ما تقول ؟ قال: إن كانوا قالوا برأيهم ؟ فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا في هواك ؟ فلم ينصحوا لك، أرى أن ديته عليك فإنك أنت أفزعتها وألقت ولدها في سبيلك، فأمر عليا أن يقسم عقله على قريش يعني يأخذ عقله من قريش لأنه أخطأ .

 صورة أخرى:

إستدعى عمر إمرأة ليسألها عن أمر وكانت حاملا فلشدة هيبته ألقت ما في بطنها فأجهضت به جنينا ميتا فاستفتى عمر أكابر الصحابة في ذلك فقالوا: لا شيئ عليك إنما أنت مؤدب .

 فقال له علي عليه السلام: إن كانوا راقبوك ؟ فقد غشوك، وإن كان هذا جهد رأيهم ؟ فقد أخطأوا، عليك غرة يعني عتق رقبة فرجع عمر والصحابة إلى قوله .

 أخرجه ابن الجوزي في سيرة عمر ص 117، وأبو عمر في العلم ص 146، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 7 ص 300 نقلا عن عبد الرزاق، والبيهقي، وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج 1 ص 58 .

 م - قال الأميني: ما شأن هذا الخليفة لا يحمل في دين الله علما ناجعا يقيه عن هوايا الهلكة، ويحميه عن سقطات القضاء ؟ وما باله يعول في كل سهل ومشكل في طقوس الاسلام حتى في مهام الفروج والدماء على آراء أناس غشوه إن راقبوه، وغاية جهد رأيهم الخطأ ؟ وما يسعنا أن نقول وبين يدي الباحث هذه الأقضية ؟).

 

-23-

حكم الخليفة برجم مضطرة

عن عبد الرحمن السلمي قال: أتي عمر بامرأة أجهدها العطش فمرت على راع

 

 

/ صفحة 120 /

فاستسقته فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت، فشاور الناس في رجمها فقال علي: هذه مضطرة أرى أن يخلى سبيلها . ففعل .

 سنن البيهقي 8 ص 236، الرياض النضرة 2 ص 196: ذخاير العقبى ص 81، الطرق الحكمية ص 53 .

 صورة مفصلة: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بامرأة زنت فأقرت فأمر برجمها فقال علي رضي الله عنه: لعل بها عذرا ثم قال لها: ما حملك على الزنا ؟ قالت: كان لي خليط وفي إبله ماء ولبن ولم يكن في إبلي ماء ولا لبن فظمئت فاستسقيته فأبى أن يسقيني حتى أعطيه نفسي فأبيت عليه ثلاثا فلما ظمئت وظننت أن نفسي ستخرج أعطيته الذي أراد فسقاني .

 فقال علي: الله أكبر، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم الطرق الحكمية لابن القيم الجوزية ص 53، كنز العمال 3 ص 96 نقلا عن البغوي .

 م - قال الأميني: ليت الخليفة كان يحمل شيئا من علم الكتاب والسنة حتى يحكم بما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، وليتني أدري ما كان صيره وأي مبلغ كانت تبلغ بوائق أقضيته إن لم يكن في الأمة علي أمير المؤمنين ؟ أو لم يكن يقيم أوده ويزيل أمته ؟ نعم: حقا قال الرجل: لولا علي لهلك عمر].

 

-24-

الخليفة لا يدري ما يقول

أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل أسود ومعه امرأة سوداء فقال: يا أمير المؤمنين ! إني أغرس غرسا أسود وهذه سوداء على ما ترى فقد أتتني بولد أحمر . فقالت المرأة: والله يا أمير المؤمنين ! ما خنته وإنه لولده . فبقي عمر لا يدري ما يقول، فسئل عن ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال للأسود: إن سألتك عن شئ أتصدقني ؟ قال: أجل والله . قال: هل واقعت امرأتك وهي حائض ؟ قال: قد كان ذلك، قال علي: الله أكبر إن النطفة إذا خلطت بالدم فخلق الله عز وجل منها خلقا كان أحمر فلا تنكر ولدك فأنت جنيت على نفسك . الطرق الحكمية ص 47

 

 

/ صفحة 121 /

 

-25-

قضاياه في عسه وتجسسه

1 - عن عمر بن الخطاب إنه كان يعس ليلة فمر بدار سمع فيها صوتا فارتاب و تسور فرأى رجلا عند امرأة وزق خمر فقال: يا عدو الله أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته ؟ فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين ! إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث: قال الله تعالى: ولا تجسسوا (1) وقد تجسست، وقال: وأتوا البيوت من أبوابها (2) وقد تسورت، وقال: إذا دخلتم بيوتا فسلموا (3) وما سلمت . فقال: هل عندك من خير إن عفوت عنك ؟ قال: نعم، والله لا أعود . فقال: إذهب فقد عفوت عنك .

 الرياض النضرة 2 ص 46، شرح النهج لابن أبي الحديد 1 ص 61، ج 3 ص 96، الدر المنثور 6 ص 93، الفتوحات الإسلامية 2 ص 477 .

2 - خرج عمر بن الخطاب في ليلة مظلمة فرأى في بعض البيوت ضوء سراج وسمع حديثا، فوقف على الباب يتجسس فرأى عبدا أسود قدامه إناء فيه مزر وهو يشرب، ومعه جماعة فهم بالدخول من الباب فلم يقدر من تحصين البيت فتسور على السطح و نزل إليهم من الدرجة ومعه الدرة، فلما رأوه قاموا وفتحوا الباب وانهزموا فمسك الأسود فقال له: يا أمير المؤمنين ! قد أخطأت وإني تائب فاقبل توبتي فقال: أريد أن أضربك على خطيئتك فقال: يا أمير المؤمنين ! إن كنت قد أخطأت في واحدة فأنت قد أخطأت في ثلاث: فإن الله تعالى قال: ولا تجسسوا، وأنت تجسست وقال تعالى: وأتوا البيوت من أبوابها . وأنت أتيت من السطح .

 وقال تعالى: لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها، وأنت دخلت وما سلمت... إلخ .

 المستطرف لشهاب الدين الأبشيهي 2 ص 115 في الباب الحادي والستين .

 يظهر من القرائن إن هذه القضية غير سابقتها والله أعلم .

 م - وقد عد ابن الجوزي هذه الفضيحة المخزية من مناقب عمر وتبعه شاعر النيل حافظ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سورة الحجرات آية 49 .

 (2) سورة البقرة آية 189 .

 (3) سورة النور آية 61 .

 

 

/ صفحة 122 /

إبراهيم ونظمها في قصيدته العمرية فقال تحت عنوان: مثال رجوعه إلى الحق:

وفتيـــــة ولعـــــوا بالراح فانتبذوا * لهـــــم مكــانا وجــدوا في تعاطيها

ظهـــــرت حائطهـم لما علمت بهم * والليل معـــــتكــر الأرجاء ساجيها

حتـــــى تبــينتهم والخمر قد أخذت * تعـــــلو ذؤابــة ساقـــيها وحاسيها

سفهـــــت آرائهــــم فيها فما لبثوا * أن أوسعـوك على ما جئت تسفيها

ورمـــــت تفـــقيههم في دينهم فإذا * بالشرب قد برعوا الفاروق تفقيها

قـــــالوا: مكانــــك قد جئنا بواحدة * وجئـــــتنا بـــــثلاث لا تـــــبالــــيها

فائــت البيوت من الأبواب يا عمر * فـقد يـــزن (1) من الحيطان آتيها

واستـــأذن الناس لا تغشى بيوتهم * ولا تـــــلم بـــــدار أو تـــــمحـــيها

ولا تجـــسس فهذي الآي قد نزلت * بالنـــــهي عــنه فلم تذكر نواهيها

فعـــــدت عنهم وقد أكبرت حجـتهم * لـــــما رأيـــــت كتــاب الله يمليها

ومـــــا أنفت وإن كانوا على حرج * من أن يحــــجك بالآيات عاصيها

قال الأميني: هكذا يعمي الحب ويصم، ويجعل الموبقات مكرمات، ويبدل السيئات حسنات) .

 3 - عن عبد الرحمن بن عوف: إنه حرس مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ليلة بالمدينة فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه حتى إذا دنوا منه إذ باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط فقال عمر رضي الله عنه وأخذ بيد عبد الرحمن فقال: أتدري بيت من هذا ؟ قلت: لا، قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن وهم الآن شرب فما ترى ؟ قال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهى الله عنه - ولا تجسسوا - فقد تجسسنا .

 فانصرف عنهم عمر رضي الله عنه وتركهم .

 سنن البيهقي البري 8 ص 334، الإصابة 1 ص 531، الدر المنثور 6 ص 93، السيرة الحلبية 3 ص 293، الفتوحات الإسلامية 2 ص 476 .

 4 - دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قوم يشربون ويوقدون في الاخصاص فقال نهيتكم عن معاقرة الشراب فعاقرتم، وعن الايقاد في الاخصاص فأوقدتم، وهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) بالبناء للمجهول من ازنه بكذا يعني اتهمه به .

 

 

/ صفحة 123 /

بتأديبهم فقالوا: يا أمير المؤمنين ! نهاك الله عن التجسس فتجسست، ونهاك عن الدخول بغير إذن فدخلت، فقال: هاتان بهاتين وانصرف وهو يقول: كل الناس أفقه منك يا عمر . العقد الفريد 3 ص 416 .

5 - كان عمر يعس ذات ليلة بالمدينة فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فلما أصبح قال للناس: أرأيتم لو أن إماما رأى رجلا وامرأة على فاحشة فأقام عليهما الحد ما كنتم فاعلين ؟ قالوا: إنما أنت إمام .

 فقال علي بن أبي طالب ليس ذلك لك إذن يقام عليك الحد، إن الله لم يأمن هذا الأمر أقل من أربعة شهود .

 ثم تركهم ما شاء الله أن يتركهم ثم سألهم فقال القوم مثل مقالتهم الأولى وقال علي مثل مقالته الأولى فأخذ عمر بقوله (1) .

 6 - أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الشعبي قال: جاءت امرأة إلى عمر فقالت: يا أمير المؤمنين ! إني وجدت صبيا ووجدت معه قبطية فيها مائة دينار فأخذته واستأجرت له ظئرا، وإن أربع نسوة يأتينه فيقبلنه لا أدري أيتهن أمه فقال لها: إذا هن أتينك فأعلميني .

 ففعلت، فقال لامرأة منهن: أيتكن أم هذه الصبي ؟ فقلن: والله ما أحسنت ولا أجملت يا عمر ! تعمد علي امرأة ستر الله عليها فتريد أن تهلك سترها .

 قال: صدقت ثم قال للمرأة: إذا أتينك فلا تسأليهن عن شئ وأحسني إلى صبيهن ثم انصرف . (منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد 1 ص 199) قال الأميني: في كل من هذه الآثار أبحاث هامة لا تعزب عن القارئ النابه فلا نطيل بذكرها المقام .

 

-26-

رأي الخليفة في حد الخمر

عن أنس بن مالك قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين قال: وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف: أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر .

 صورة أخرى:

جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين، فلما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفتوحات الإسلامية 2 ص 482 .

 

 

/ صفحة 124 /

كان عمرو ورد الناس من المدن والقرى قال: ما ترون في حد الخمر ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعله كأخف الحدود فجلد عمر ثمانين (1) .

 وأخرج أبو داود في سننه 2 ص 242 في حديث: جلد أبو بكر في الخمر أربعين، ثم جلد عمر رضي الله عنه صدرا من إمارته أربعين، ثم جلد ثمانين في آخر خلافته، و جلد عثمان الحدين كليهما: ثمانين وأربعين ثم أثبت معاوية الحد على الثمانين .

 وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى 8 ص 320، وابن الديبع في تيسير الوصول 2 ص 17 .

 وعن حضين أبي ساسان الرقاشي قال: حضرت عثمان بن عفان رضي الله عنه وأتي الوليد بن عقبة قد شرب الخمر وشهد عليه حمران بن أبان ورجل آخر فقال عثمان لعلي رضي الله عنهما: أقم عليه الحد فأمر علي رضي الله عنه عبد الله بن جعفر ذي الجناحين رضي الله عنهما أن يجلده فأخذ في جلده وعلي رضي الله عنه يعد حتى جلد أربعين ثم قال له: أمسك جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر رضي الله عنه، وجلد عمر رضي الله عنه ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي (2) وفي لفظ آخر: إن الوليد بن عقبة صلى بالناس الصبح أربعا ثم التفت إليهم فقال: أزيدكم فرفع ذلك إلى عثمان رضي الله عنه - إلى آخره - وفيه: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين و أبو بكر وعمر صدرا من خلافته أربعين ثم أتمها عمر ثمانين وكل سنة (3) .

 قال الأميني: ما قيمة عبد الرحمن وقيمة رأيه تجاه ما قام به المشرع الأعظم ؟ و ما بال عمر جرى على ذلك المنهج ردحا من أيامه ثم نقضه وضرب عنه صفحا ؟ وما باله وهو خليفة المسلمين يستشير ويستفتي في حكم من أحكام الدين ثبت بسنة ثابتة عن صاحب الشريعة ؟ قال ابن رشد في بداية المجتهد 2 ص 435: إن أبا بكر رضي الله عنه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح مسلم باب حد الخمر 2 ص 38، سنن الدارمي 2 ص 175، سنن أبي داود 2 ص 240، مسند أبي داود الطيالسي ص 265، سنن البيهقي 8 ص 319 .

 (2) صحيح مسلم في الحد 2 ص 52، سنن أبي داود 2 ص 241، السنن الكبرى للبيهقي 8 ص 318، وفي كنز العمال 3 ص 102 نقلا عن الطبراني . وعبد الرزاق . وأحمد . ومسلم وأبي داود . والنسائي . وابن جرير . وأبي عوانه . والطحاوي . والدار قطني . والدارمي .

 (3) السنن الكبرى للبيهقي 8 ص 319 نقلا عن صحيح مسلم .

 

 

/ صفحة 125 /

شاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كم بلغ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لشراب الخمر ؟ فقدروه بأربعين وروي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين، فجعل عمر مكان كل نعل سوطا، وروي من طريق آخر عن أبي سعيد الخدري ما هو أثبت من هذا وهو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر أربعين وروي هذا عن علي عن النبي عليه السلام من طريق أثبت، وبه قال الشافعي . ا ه‍ .

 وإن من الدخيل في الحديث ما عزي إلى أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: وكل سنة وهذا أحب إلي .

 فلو كانت الثمانون سنة مشروعة لعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأقل مرة واحدة أو قالها لأحد ولو كان قالها لما خفي على كل المسلمين ولاحتج به عبد الرحمن دون قوله: أخف الحدود ثمانون، ولما عد عمر أول من أقام الحد في الخمر ثمانين كما فعله غير واحد (1) نعم: قال الحلبي في السيرة الحلبية 2 ص 314: قوله (وكل سنة) أي طريقة فأربعون طريقته صلى الله عليه وسلم وطريقة الصديق رضي الله عنه، والثمانون طريقة عمر رضي الله عنه رآها اجتهادا مع استشارته لبعض الصحابة في ذلك لما رآه من كثرة شرب الناس للخمر .

 وقال ابن القيم في زاد المعاد 2 ص 195: من تأمل الأحاديث رآها تدل على أن الأربعين حد والأربعون الزائدة عليها تعزير اتفق عليه الصحابة رضي الله عنهم .

 ما عساني أن أقول في أناس اتخذوا تجاه سنة رسول الله طريقة باجتهاد واستشارة ؟ وهل تعزير بعد الحد حتى يتأتى باتفاق الصحابة عليه ؟ وهل لهذه المزعمة معنى معقول حتى يتخذ مذهبا ؟ أنا لست أدري أي قيمة لتلك الطريقة في سوق الاعتبار وجاه الطريقة المثلى ولن تجد لسنة الله تحويلا، ولن تجد لسنة الله تبديلا، وما أتى به النبي الأعظم أحق أن يتبع، فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه .

 وهناك كلمات تافهة حول هذا الاجتهاد مثل قول القسطلاني (2) من أن الكل حد وعليه فحد الشارب مخصوص من بين سائر الحدود بأن يتحتم بعضه ويتعلق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) منهم العسكري في أولياته، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3 ص 113، وابن كثير في تاريخه 7 ص 132، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 93، وعلاء الدين السكتواري في محاضرة الأوائل ص 169، والقرماني في تاريخه هامش الكامل 1 ص 203 .

 (2) في إرشاد الساري 6 ص 104 و ج 9 ص 439 .

 

 

/ صفحة 126 /

بعضه باجتهاد الإمام . ا ه‍ .

 كلها خارجة عن نطاق الفهم، تبعد عن ساحة المتعلم فضلا عن العالم، ولا يخفى على القارئ فسادها (1).

 

-27-

الخليفة وامرأة احتالت على شاب

أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه فلما لم يساعدها احتالت عليه فأخذت بيضة فألقت صفرتها وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها ثم جاءت إلى عمر رضي الله عنه صارخة فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي وهذا أثر فعاله .

 فسأل عمر النساء فقلن له: إن ببدنها وثوبها أثر المني فهم بعقوبة الشاب فجعل يستغيث ويقول: يا أمير المؤمنين ! تثبت في أمري فوالله ما أتيت فاحشة وما هممت بها فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت .

 فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما ؟ فنظر علي إلى ما على الثوب ثم دعا بماء حار شديد الغليان فصب على الثوب فجمد ذلك البياض ثم أخذه واشتمه وذاقه فعرف طعم البيض وزجر المرأة فاعترفت . الطرق الحكمية لابن القيم ص 47 .

 

-28-

لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب

عن حنش بن المعتمر قال: إن رجلين أتيا امرأة من قريش فاستودعاها مائة دينار وقالا: لا تدفعيها إلى أحد منا دون صاحبه حتى نجتمع، فلبثا حولا ثم جاء أحدهما إليها وقال: إن صاحبي قد مات فادفعي إلي الدنانير فأبت فثقل عليها بأهلها فلم يزالوا بها حتى دفعتها إليه ثم لبثت حولا آخر فجاء الآخر فقال: ادفعي إلي الدنانير .

 فقالت: إن صاحبك جاءني وزعم أنك قد مت فدفعتها إليه فاختصما إلى عمر فأراد أن يقضي عليها وقال لها: ما أراك إلا ضامنة . فقالت: أنشدك الله أن تقضي بيننا وارفعنا إلي علي بن أبي طالب .

 فرفعها إلى علي وعرف أنهما قد مكرا بها، فقال: أليس قلتما لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه ؟ قال: بلى .

 قال: فإن مالك عندنا إذهب فجئ بصاحبك حتى ندفعها إليكما،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) " لفت نظر " نحن نناقش في المسألة وغيرها من الأبحاث الدينية على مباني أهل السنة من دون أي نظر إلى آراء الشيعة فيها .

 

 

/ صفحة 127 /

فبلغ ذلك عمر فقال: لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب .

 كتاب الأذكياء لابن الجوزي ص 18، أخبار الظراف لابن الجوزي ص 19، الرياض النضرة 2 ص 197، ذخاير العقبى ص 80، تذكرة سبط ابن الجوزي 87، مناقب الخوارزمي 60 .

 

-29-

الخليفة والكلالة

1 - عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال: إن عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر فقال: ثم إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيه حتى طعن باصبعه في صدري وقال: يا عمر ألا يكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء ؟ (1) وإني (2) إن أعش أقض فيها - بقضاء - بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لم يقرأ القرآن (3) .

 وفي لفظ الجصاص: ما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ أكثر مما سألته عن الكلالة .

2 - عن مسروق قال: سألت عمر بن الخطاب عن ذي قرابة لي ورث كلالة فقال: الكلالة، الكلالة .

 وأخذ بلحيته ثم قال: والله لإن أعلمها أحب إلي من أن يكون لي ما على الأرض من شئ سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيف .

 فأعادها ثلاث مرات (4)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) آية الكلالة تسمى بآية الصيف لنزولها في الصيف في حجة الوداع، وهي قوله تعالى: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم .

 (2) قال النووي في شرح هذا الحديث: قوله وإني إن أعش إلى آخره من كلام عمر لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .

 (3) صحيح مسلم كتاب الفرائض 2 ص 3، مسند أحمد 1 ص 48، سنن ابن ماجة 2 ص 163، أحكام القرآن للجصاص 2 ص 106، سنن البيهقي 6 ص: 224 و ج 8 ص 150، تفسير القرطبي 6 ص 29 .

 (4) تفسير الطبري 6 ص 30، تفسير الدر المنثور 2 ص 251 .

 

 

/ صفحة 128 /

3 - أخرج أحمد في المسند 1 ص 38 عن عمر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال: تكفيك آية الصيف فقال: لإن أكون سألت رسول الله عنها أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم .

 4 - أخرج البيهقي في السنن الكبرى 6 ص 225 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنه قال: ثلاث لإن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهن أحب إلي من حمر النعم: الخلافة . والكلالة . والربا .

 وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ج 1 ص 12 .

5 - أخرج الطبري في تفسيره 6 عن عمر أنه قال: لإن أكون أعلم الكلالة أحب إلي من أن يكون لي مثل قصور الشام . (كنز العمال 6 ص 20).

6 - أخرج ابن راهويه وابن مردويه عن عمر: إنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تورث الكلالة ؟ فأنزل الله: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة . الآية .

 فكان عمر لم يفهم فقال لحفصة: إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب نفس فسليه عنها، فلما رأت منه طيب نفس فسألته فقال: أبوك ذكر لك هذا، ما أرى أباك يعلمها .

 فكان عمر يقول: ما أراني أعلمها وقد قال رسول الله ما قال (1) قال السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه الكنز: هو صحيح .

 7 - أخرج ابن مردويه عن طاوس: إن عمر أمر حفصة أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فأملاها عليها في كتف فقال: من أمرك بهذا ؟ أعمر ؟ ما أراه يقيمها وما تكفيه آية الصيف . (تفسير ابن كثير 1 ص 594).

8 - عن طارق بن شهاب قال: أخذ عمر كتفا وجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: لأقضين في الكلالة قضاء تحدث به النساء في خدورهن فخرجت حينئذ حية من البيت فتفرقوا فقال: لو أراد الله عز وجل أن يتم هذا الأمر لأتمه (2) قال ابن كثير: إسناد صحيح .

 9 - عن مرة بن شرحبيل قال قال عمر بن الخطاب: ثلاث لإن يكون رسول الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) إحكام القرآن للجصاص 2 ص 105، تفسير ابن كثير 1 ص 594، الدر المنثور 2 ص 249، كنز العمال 6 ص 2 .

(2) تفسير الطبري 6 ص 60، تفسير ابن كثير 1 ص 594 . مر نظير هذه القضية من طريق طارق في صفحة 117 راجع .

 

 

/ صفحة 129 /

صلى الله عليه وسلم بينهن أحب إلي من الدنيا وما فيها: الكلالة . والربا . والخلافة (1) .

10 - أخرج الحاكم وصححه عن محمد بن طلحة عن عمر بن الخطاب أنه قال: لإن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث أحب إلي من حمر النعم: ومن الخليفة بعده ؟ وعن قوم قالوا: نقر بالزكاة في أموالنا ولا نؤديها إليك أيحل قتالهم ؟ وعن الكلالة ؟ (2) .

11 - عن حذيفة في حديث قال: نزلت " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة " فلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة، فلقاها حذيفة عمر، فلما كان بعد ذلك سأل عمر عنها حذيفة فقال: والله إنك لأحمق إن كنت ظننت إنه لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيتكها كما لقانيها رسول الله والله لا أزيدك عليها شيئا أبدا (3).

12 - أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره في رواية لما كان في خلافة عمر نظر عمر في الكلالة فدعا حذيفة فسأله عنها فقال حذيفة: لقد لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيتكها كما لقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لصادق، ووالله لا أزيدك على ذلك شيئا أبدا، وكان عمر يقول: أللهم إن كنت بينتها له فإنها لم تبين لي (تفسير ابن كثير 1 ص 594) .

 13 - عن الشعبي: سئل أبو بكر رضي الله عنه عن الكلالة فقال: إني سأقول فيها برأيي فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان، أراه ما خلا الولد و الوالد فلما استخلف عمر رضي الله عنه قال: إني لأستحيي الله أن أرد شيئا قاله أبو بكر (4).

14 - أخرج البيهقي في السنن الكبرى 6 ص 224 عن الشعبي قال: قال عمر رضي الله عنه: الكلالة ما عدا الولد، قال أبو بكر: الكلالة ما عدا الولد والوالد، فلما طعن عمر قال: إني لأستحيي أن أخالف أبا بكر، الكلالة ما عدا الولد والوالد .

 15 - في السنن الكبرى 6 ص 224: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أتى علي زمان ما أدري ما الكلالة، وإذا الكلالة من لا أب له ولا ولد .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن ابن ماجة 2 ص 164، تفسير ابن جرير 6 ص 30، أحكام القرآن للجصاص 2 105، مستدرك الحاكم 2 ص 304 وصححه، تفسير القرطبي 6 ص 29، تفسير ابن كثير 1 ص 595 نقلا عن الحاكم وصححه، تفسير السيوطي 2 ص 250 .

 (2) المستدرك 2 ص 303، تفسير ابن كثير 1 ص 595، تفسير السيوطي 2 ص 249 .

 (3) تفسير القرطبي 6 ص 29، تفسير ابن كثير 1 ص 594 .

 (4) سنن الدارمي 3 ص 365، السنن الكبرى 6 ص 223 .

 

 

 

/ صفحة 130 /

16 - عن ابن عباس قال: كنت آخر الناس عهدا بعمر رضي الله عنه فسمعته يقول: القول ما قلت . قلت: وما قلت ؟ قال: الكلالة من لا ولد له . (السنن الكبرى 6 ص 225، مستدرك الحاكم 2 ص 304) .

قال الأميني: ما أعضلت الكلالة على الخليفة ؟ وما أبهمها وأبهم حكمها عنده ؟ وهي شريعة مطردة سمحة سهلة، وهل هو حين أكثر السؤال عنها أجاب عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لم يجب ؟ فإن كان الأول فلم لم يحفظه أو قصر فهمه عن عرفانه وهو أحب إليه من حمر النعم، أو من الدنيا وما فيها، أو من أن يكون له مثل قصور الشام ؟ وإن كان الثاني ؟ فحاشا رسول الله أن يأخر البيان عن وقت الحاجة وهو يعلم أنه سوف يتربع على منصة الخلافة فترفع إليه المسائل والخصومات وإن من أكثرها اطرادا مسألة الكلالة، لكن الحقيقة هي ما نوه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله لحفصة: ما أرى أباك يعلمها .

 أو بقوله: ما أراه يقيمها، وهو يعرب عن جلية الحال، ويوقف القارئ على الواقع إن لم يضله الهوى .

 والخطب الفظيع أنه بعد هذه كلها ومع قوله: إنها لم تبين لي لم يتزحزح عن الحكم فيها، وكان يقضي فيها برأيه ما شاء ذاهلا عن قوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا (1) وعن قوله تعالى: ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين (2) وتراه يتبع أبا بكر وهو يعلم أنه شاكلته وقد سمع منه قوله: إني سأقول فيها برأيي فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان . إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا .

 وقد رأى ابن حجر كثرة الخلاف في الكلالة بأنها: من ليس له الوالد والولد . إنها من سوى الوالد . من سوى الوالد وولد الولد . من سوى الولد . الكلالة الأخوة . الكلالة هي المال . وقيل: الفريضة . وقيل: بنو العم ونحوهم. وقيل: العصبات وإن بعدوا .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سورة الاسراء - آية 36 .

 (2) سورة الحاقة: آية 44 - 47 .

 

 

/ صفحة 131 /

ثم قال: ولكثرة الاختلاف فيها صح عن عمر أنه قال: لم أقل في الكلالة شيئا (1) فكأنه يراها عذرا للخليفة في ربيكته بالكلالة، وأين هو من آية الكلالة ؟ وكيف تخفى على أحد وهي بين يديه وفيها قوله تعالى (يبين الله لكم أن تضلوا) فيكف بينها الله ومثل الخليفة يقول: لم تبين لي ؟ ومن أين أتى الخلاف وكثر وهي مبينة ؟ وكيف يرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم آية الصيف كافية في البيان لمن جهل الكلالة ؟ .

 على أن الخليفة هو إمام الأمة ومرجعها الوحيد في خلافها، وبه القدوة والأسوة في التخاصم والتنازع في الآراء والمعتقدات، فلا عذر له في جهلة بشئ منها على كل حال خالفت الأمة أم لم تخالف .

 

-30-

رأي الخليفة في الأرنب

عن موسى بن طلحة: إن رجلا سأل عمر عن الأرنب فقال عمر: لولا إني أزيد في الحديث أو أنقص منه، وسأرسل لك إلى رجل .

 فأرسل إلى عمار فجاء فقال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزلنا في موضع كذا وكذا فأهدى إليه رجل من الأعراب أرنبا فأكلناها فقال الأعرابي: يا رسول الله إني رأيتها تدمي أي تحيض فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا بأس بها .

 أخرجه ابن أبي شيبة، وابن جرير الطبري كما في كنز العمال 8 ص 50، و أخرجه أبو يعلى في مسنده، والطبراني في الكبير من رواية ابن الحوتكية كما في عمدة القاري 6 ص 259، ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد 3 ص 195 نقلا عن أحمد من طريق ابن الحوتكية .

 أنا لا أقول: إن الذي أخاف الخليفة من الزيادة أو النقيصة في الحديث هو عدم معرفته بالحكم، ولا أقول: إن عمارا كان أبصر منه في القضية وأوثق منه في الرواية والنقل .

 ولا أقول: أين كانت تلك الحيطة منه في غير الأرنب مما استبد بحكمه من دون أي اكتراث من مئات المسائل في الأموال والأنفس والعقود والايقاعات وهو يعلم أنه لم يحط بها علما . لكني أكل ذلك إلى وجدانك الحر .

 وفي النفس ما فيها في نفي البأس عن لحم الأرنب، وهو قول الأئمة الأربعة وكافة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 8 ص 215 .

 

 

 

/ صفحة 132 /

العلماء إلا ما حكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعكرمة مولى ابن عباس إنهم كرهوا أكلها (عمدة القاري 6 ص 259) .

 

-31-

رأي الخليفة في القود

عن ابن أبي حسين: إن رجلا شج رجلا من أهل الذمة فهم عمر بن الخطاب أن يقيده منه فقال معاذ بن جبل: قد علمت أن ليس ذلك لك .

 وأثر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه عمر بن الخطاب في شجته دينارا فرضي به .

 أخرجه الحافظ السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 7 ص 304 .

 

-32-

لولا معاذ لهلك عمر

عن أبي سفيان عن أشياخ لهم: إن امرأة غاب عنها زوجها سنتين ثم جاء وهي حامل فرفعها إلى عمر فأمر برجمها، فقال له معاذ: إن يكن لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في بطنها، فقال عمر: احبسوها حتى تضع فوضعت غلاما له ثنيتان فلما رآه أبوه عرف الشبه فقال: ابني ابني ورب الكعبة، فبلغ ذلك عمر فقال: عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ لهلك عمر .

 لفظ البيهقي: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين إني غبت عن امرأتي سنتين فجئت وهي حبلى فشاور عمر رضي الله عنه ناسا في رجمها فقال معاذ بن جبل رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إن كان لك عليها سبيل فليس على ما في بطنها سبيل فاتركها حتى تضع .

 فتركها فولدت غلاما قد خرجت ثناياه فعرف الرجل الشبه فيه فقال: ابني ورب الكعبة فقال عمر رضي الله عنه: عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ، لولا معاذ لهلك عمر .

 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 7 ص 443، وأبو عمر في العلم ص 150، و الباقلاني إيعازا إليه في التمهيد ص 199، وابن أبي شيبة كما في كنز العمال 7 ص 82، وفتح الباري لابن حجر 12 ص 120 وقال: أخرجه ابن أبي شيبة ورجاله ثقات، والإصابة 3 ص 427 نقلا عن فوائد محمد بن مخلد العطار، وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج 3 ص 150 متسالما عليه .

 

 

 

/ صفحة 133 /

 

-33-

رأي الخليفة في القود

عن مكحول إن عبادة بن الصامت دعا نبطيا يمسك له دابته عند بيت المقدس فأبى فضربه فشجه فاستدعى عليه عمر بن الخطاب فقال له: ما دعاك إلى ما صنعت بهذا ؟ فقال: يا أمير المؤمنين أمرته أن يمسك دابتي فأبى وأنا رجل في حدة فضربته، فقال: اجلس للقصاص . فقال زيد بن ثابت: أتقيد عبدك من أخيك ؟ فترك عمر عنه القود وقضى عليه بالدية . أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8 ص 32، وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في الكنز 7 ص 303 .

 

-34-

رأي الخليفة في ذمي مقتول

عن مجاهد قال: قدم عمر بن الخطاب الشام فوجد رجلا من المسلمين قتل رجل من أهل الذمة فهم أن يقيده فقال له زيد بن ثابت: أتقيد عبدك من أخيك ؟ فجعله عمر دية . أخرجه عبد الرزاق، وابن جرير الطبري كما في كنز العمال 7 ص 304 .

 

-35-

قصة أخرى في ذمي مقتول

عن عمر بن عبد العزيز إن رجلا من أهل الذمة قتل بالشام عمدا وعمر بن الخطاب إذ ذاك بالشام فلما بلغه ذلك قال عمر: قد ولعتم بأهل الذمة لأقتلنه به .

 قال أبو عبيدة ابن الجراح: ليس ذلك لك فصلى ثم دعا أبا عبيدة فقال: لم زعمت لا أقتله به ؟ فقال أبو عبيدة: أرأيت لو قتل عبدا له أكنت قاتله به ؟ فصمت عمر ثم قضي عليه بالدية بألف دينار تغليظا عليه . أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 8 ص 32، وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 7 ص 303 .

 

-36-

رأي الخليفة في قاتل معفو عنه

عن إبراهيم النخعي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي برجل قد قتل عمدا

 

 

/ صفحة 134 /

فأمر بقتله فعفا بعض الأولياء فأمر بقتله فقال ابن مسعود: كانت النفس لهم جميعا فلما عفا هذا أحيا النفس فلا يستطيع أن يأخذ حقه حتى يأخذ غيره قال: فما ترى ؟ قال: أرى أن تجعل الدية عليه في ماله وترفع حصة الذي عفا فقال عمر رضي الله عنه: وأنا أرى ذلك (1) .

 إن كان الحكم في هذه القضايا هو ما ارتآه الخليفة أولا فلماذا عدل عنه ؟ وإن كان ما لفتوا نظره إليه أخيرا فلماذا هم أن ينوء بالأول ؟ وهل من المستطاع أن نقول: إن الحكم كان عازبا عن فكرة خليفة المسلمين في كل هذه الموارد ؟ أو أن تلكم الأقضية كانت مجرد رأي وتحكم ؟ أو هذه هي سيرة أعلم الأمة ؟

 

-37-

رأي الخليفة في الأصابع

عن سعيد بن المسيب: أن عمر رضي الله عنه قضى في الأصابع في الابهام بثلاثة عشر، وفي التي تليها باثني عشر، وفي الوسطى بعشرة، وفي التي تليها بتسع، وفي الخنصر بست .

 وفي لفظ آخر: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الابهام بخمس عشرة، وفي التي تليها بعشر، وفي الوسطى بعشرة، وفي التي تلي الخنصر بتسع، وفي الخنصر بست .

 وعن أبي غطفان: إن ابن عباس كان يقول في الأصابع عشر عشر فأرسل مروان إليه فقال: أتفتي في الأصابع عشر عشر وقد بلغك عن عمر رضي الله عنه في الأصابع ؟ فقال ابن عباس: رحم الله عمر: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع من قول عمر رضي الله عنه (2) قال الأميني: ثبت في الصحاح والمسانيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الأصابع عشر عشر على ما أفتى به ابن عباس، وهذه سنته صلى الله عليه وسلم المسلمة وهدية الثابت فيها، وما قضى به عمر فمن آراء الخاصة به، والأمر كما قال ابن عباس: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يتبع من قول عمر .

 وأنا لا أدري أن الخليفة كان يعلم ذلك ويخالف، أم لم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كتاب الأم للشافعي 7 ص 295، سنن البيهقي 8 ص 60 .

 (2) كتاب الأم للشافعي 1 ص 58، 134، واختلاف الحديث للشافعي أيضا هامش كتاب الأم 7 ص 140، وكتاب الرسالة له ص 113، سنن البيهقي 8 ص 93 .

 

 

/ صفحة 135 /

يكن يعلم ؟ .

فإن كان لا يدري فتلك مصيبة * وإن كان يدري فالمصيبة أعظم

 

-38-

رأي الخليفة في دية الجنين

عن المسور بن مخرمة قال: إستشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس في إملاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة .

 فقال: ائتني بمن يشهد معك فشهد محمد بن مسلمة (1) .

 وعن عروة: أن عمر رضي الله عنه سأل - نشد - الناس من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في السقط ؟ فقال المغيرة بن شعبة: أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة فقال: ائت بمن يشهد معك على هذا .

 فقال محمد بن مسلمة: أنا أشهد على النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا (2) .

 وفي لفظ أبي داود: فقال عمر: الله أكبر لو لم أسمع بهذا لقضينا بغير هذا (3) وفي حديث: نشد عمر الناس في دية الجنين فقال حمل بن النابغة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو وليدة فقضى به عمر (4) م - وزاد الشافعي: فقال عمر رضي الله عنه لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا .

 وفي لفظ: إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا .

 قال ابن حجر في الإصابة 2 ص 259: أخرجه أحمد وأصحاب السنن بإسناد صحيح من طريق طاوس عن ابن عباس): قال الأميني: ما أحوج الخليفة إلى العقل المنفصل في كل قضية حتى أنه يركن إلى مثل المغيرة أزنى ثقيف وأكذبها في شريعة إلهية ؟ وهو لم يجز شهادة المغيرة للعباس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح البخاري كتاب الديات باب جنين المرأة، صحيح مسلم 2 ص 41، سنن أبي داود 2 ص 255، مسند أحمد 4 ص 244، 253، سنن البيهقي 8 ص 114، تذكرة الحفاظ 1 ص 7 .

 (2) صحيح البخاري كتاب الديات باب جنين المرأة، السنن الكبرى للبيهقي 8 ص 114، 115 .

 (3) سنن أبي داود 2 ص 256 .

 (4) كتاب الرسالة للشافعي ص 113، اختلاف الحديث له في هامش كتاب الأم 7 ص 20 عمدة القاري 5 ص 410، تهذيب التهذيب 3 ص 36 .

 

 

/ صفحة 136 /

عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دعواه أنه صلى الله عليه وآله وسلم أقطع له البحرين (1) أو يستند إلى مثل محمد بن مسلمة الذي ما جاء عنه غير ستة أحاديث (2) أو إلى مثل حمل بن النابغة الذي ليس له عندهم غير هذا الحديث (3) قال ابن دقيق العيد: إستشارة عمر في ذلك أصل في سؤال الإمام عن الحكم إذا كان لا يعلمه، أو كان عنده شك، أو أراد الاستثبات (4) لكنا لا نرى في مستوى الإمامة مقيلا لمن يجهل حكما من الأحكام، أو يشك فيما علمه، أو يحتاج إلى التثبت فيما اتصل به يقينه بقول هذا وذاك، فإنه المقتدى في الأحكام كلها، فلو جاز له الجهل في شئ منها أو الشك أو الحاجة إلى التثبت ؟ لجاز أن يقع ذلك حيث لا يجد من يسأله فيرتبك في الجواب، أو يربك صاحبه في الضلال، أو يتعطل الحكم الإلهي من جراء ذلك ألا تسمع قول عمر: الله أكبر لو لم أسمع بهذا لقضينا بغير هذا .

 أو: إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا .

 

39

رأي الخليفة في سارق

عن عبد الرحمن بن عائذ قال: أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل أقطع اليد والرجل قد سرق فأمر به عمر رضي الله عنه أن يقطع رجله فقال علي رضي الله عنه: إنما قال الله عز وجل: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله، الآية (5) فقد قطعت يد هذا ورجله فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها، إما أن تعزره وإما أن تستودعه السجن . قال: فاستودعه السجن . السنن الكبرى للبيهقي 8 ص 274، كنز العمال 3 ص 118 .

 

-40-

إجتهاد الخليفة في هدية ملكة الروم

عن قتادة قال: بعث عمر رسولا إلى ملك الروم فاستقرضت أم كلثوم بنت علي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ ابن خلكان 2 ص 456 في ترجمة يزيد من ربيعة .

 (2) تهذيب التهذيب 9 ص 455 .

 (3) تهذيب التهذيب 3 ص 36 .

 (4) إرشاد الساري للقسطلاني 10 ص 67 (5) سورة المائدة آية 33 .

 

 

/ صفحة 137 /

- وكانت امرأة عمر - دينارا فاشترت به عطرا وجعلته في قارورة وبعثت به مع الرسول إلى امرأة ملك الروم فلما أتاها بعثت لها شيئا من الجواهر وقالت للرسول: إذهب به إلى امرأة عمر فلما أتاها أفرغته على البساط فدخل عمر فقال: ما هذا ؟ فأخبرته فأخذ الجواهر وخرج بها إلى المسجد ونادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس أخبرهم الخبر وأراهم الجواهر وقال: ما ترون في ذلك ؟ فقالوا: إنا نراها تستحق ذلك لأنه هدية جاءتها من امرأة لا جزية ولا خراج عليها ولا يتعلق بها حكم من أحكام الرجال .

 فقال: لكن الزوجة زوجة أمير المؤمنين، والرسول رسول أمير المؤمنين، والراحلة التي ركبها للمؤمنين، وما جاء ذلك كله لولا المؤمنون، فأرى أن ذلك لبيت مال المسلمين، ونعطيها رأس مالها .

 فباع الجواهر ودفع لزوجته دينارا وجعل ما بقي في بيت مال المسلمين (1) .

 2 - يروى أن امرأة أبي عبيدة أرسلت إلى امرأة ملك الروم هدية فكافأتها بجوهر فبلغ ذلك عمر فأخذه فباعه وأعطاها ثمن هديتها ورد باقيه إلى بيت مال المسلمين (2) قال الأميني: كل ما ذكره الخليفة ليس من المملك ولا من المخرجات من الملك أما كونها زوجة الخليفة فمن الدواعي لإهداء زوجة ملك الروم، وأما وجود المؤمنين فهو من بواعث شوكة الخليفة التي من جهتها تكون زوجته معتنى بها عند أزواج الملوك .

 وكون الرسول رسول الخليفة لا يبيح ما اؤتمن عليه الرسول في ايصاله إلى صاحبه .

 ودابة المؤمنين لا تستبيح ما حمله الراكب عليها .

 نعم من الممكن إن كان له ثقل يعتد به أن يأخذ المؤمنون الأجرة على حمله .

 ولا أدري كيف فعل الخليفة ما فعل ؟ وكيف استساغ المسلمون ذلك المال أخيرا بعد أن رأوا إنها تستحقه أو لا ؟ ثم ما وجه إعطاء ثمن الهدية في القضيتين ؟ فإن كان لحق لصاحبتيهما في الجواهر ؟ فهو لها في كله، وإلا فقد أقدمتاهما إلى إتلاف مالهما فلا وجه لإعطاء بدله من مال المسلمين .

 

-41-

رأي الخليفة في جلد المغيرة

عن عبد الرحمن بن أبي بكر: إن أبا بكر وزيادا ونافعا وشبل بن معبد كانوا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الفتوحات الإسلامية 2 ص 413 .

 (2) الفتوحات الإسلامية 2 ص 413 .

 

 

/ صفحة 138 /

في غرفة والمغيرة في أسفل الدار فهبت ريح ففتحت الباب ورفعت الستر فإذا المغيرة بين رجليها فقال بعضهم لبعض: قد ابتلينا .

 قال فشهد أبو بكرة ونافع وشبل وقال زياد: لا أدري نكحها أم لا فجلدهم عمر رضي الله عنه إلا زيادا فقال أبو بكرة رضي الله عنه: أليس قد جلدتموني ؟ قال: بلى .

 قال: فأنا أشهد لقد فعل .

 فأراد عمر أن يجلده أيضا فقال علي: إن كانت شهادة أبي بكرة شهادة رجلين فارجم صاحبك وإلا فقد جلدتموه، يعني لا يجلد ثانيا بإعادة القذف .

 وفي لفظ آخر: فهم عمر أن يعيد عليه الحد فنهاه علي رضي الله عنه وقال: إن جلدته فارجم صاحبك، فتركه ولم يجلده .

 وفي لفظ ثالث: فهم عمر بضربه فقال علي: لئن ضربت هذا فارجم ذاك (1) .

 صورة مفصلة: عن أنس بن مالك: إن المغيرة بن شعبة كان يخرج من دار الأمارة وسط النهار، وكان أبو بكرة - نفيع الثقفي - يلقاه فيقول له: أين يذهب الأمير ؟ فيقول .

 إلى حاجة، فيقول له: حاجة ما ؟ إن الأمير يزار ولا يزور، قال: وكانت المرأة - أم جميل بنت الأفقم - التي يأتيها جارة لأبي بكرة، قال: فبينا أبو بكرة في غرفة له مع أصحابه وأخويه نافع وزياد ورجل آخر يقال له: شبل بن معبد، وكانت غرفة تلك المرأة بحذاء غرفة أبي بكرة فضربت الريح باب غرفة المرأة ففتحته فنظر القوم فإذا هم بالمغيرة ينكحها فقال أبو بكرة: هذه بلية ابتليتم بها فانظروا .

 فنظروا حتى أثبتوا فنزل أبو بكرة حتى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة فقال له: إنه قد كان من أمرك ما قد علمت فاعتزلنا، قال: وذهب ليصلي بالناس الظهر فمنعه أبو بكرة وقال له: والله لا تصلي بنا وقد فعلت ما فعلت .

 فقال الناس: دعوه فليصل فإنه الأمير واكتبوا بذلك إلى عمر .

 فكتبوا إليه فورد كتابه أن يقدموا عليه جميعا المغيرة والشهود .

 قال مصعب بن سعد: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلس ودعا بالمغيرة والشهود فتقدم أبو بكرة فقال له، أرأيته بين فخذيها ؟ قال: نعم والله لكأني أنظر تشريم جدري بفخذيها، فقال له المغيرة: لقد ألطفت النظر، فقال له: ألم أك قد أثبت ما يخزيك الله به ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) السنن الكبرى للبيهقي 8 ص 235 .

 

 

/ صفحة 139 /

فقال له عمر: لا والله حتى تشهد لقد رأيته يلج المرود في المكحلة .

 فقال: نعم أشهد على ذلك، فقال له: اذهب مغيرة ذهب ربعك، ثم دعا نافعا فقال له: علام تشهد ؟ قال: على مثل شهادة أبي بكرة .

 قال: لا حتى تشهد أنه يلج فيه ولوج المرود في المكحلة، فقال: نعم حتى بلغ قذذه .

 فقال: إذهب مغيرة ذهب نصفك، ثم دعا الثالث فقال: علام تشهد ؟ فقال: على مثل شهادة صاحبي .

 فقال له: اذهب مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك ثم كتب - عمر - إلى زياد فقدم على عمر فلما رآه جلس له في المسجد واجتمع له رؤس المهاجرين والأنصار فقال المغيرة: ومعي كلمة قد رفعتها لأحلم القوم قال: فلما رآه عمر مقبلا قال: إني لأرى رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين .

 فقال: يا أمير المؤمنين أما إن الحق ما حق القوم فليس ذلك عندي ولكني رأيت مجلسا قبيحا، وسمعت أمرا حثيثا وانبهارا، ورأيته متبطنها، فقال له: أرأيته يدخله كالميل في المكحلة ؟ فقال: لا .

 وفي لفظ قال: رأيته رافعا برجليها، ورأيت خصيتيه تترددان بين فخذيها، و رأيت خفزا شديدا، وسمعت نفسا عاليا .

 وفي لفظ الطبري قال: رأيته جالسا بين رجلي امرأة، فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان، وإستين مكشوفتين، وسمعت خفزانا شديدا .

 فقال له: أرأيته يدخله كالميل في المكحلة ؟ فقال: لا، فقال عمر: الله أكبر قم إليهم فاضربهم، فقام إلى أبي بكرة فضربه ثمانين وضرب الباقين وأعجبه قول زياد ودرأ عن المغيرة الرجم فقال أبو بكرة بعد أن ضرب: فإني أشهد أن المغيرة فعل كذا وكذا .

 فهم عمر بضربه فقال له علي عليه السلام: إن ضربته رجمت صاحبك ونهاه عن ذلك (1) .

 قال الأميني: لو كان للخليفة قسط من حكم هذه القضية لما هم بجلد أبي بكرة ثانيا، ولا عزب عنه حكم رجم المغيرة إن جلد .

 وإن تعجب فعجب إيعاز الخليفة إلى زياد لما جاء يشهد بكتمان الشهادة بقوله: إني لأرى رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين (2) أو بقوله: أما إني أرى وجه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني 14 ص 146، تاريخ الطبري 4 ص 207، فتوح البلدان للبلاذري ص 352، تاريخ الكامل لابن الأثير 2 ص 228، تاريخ ابن خلكان 2 ص 455، تاريخ ابن كثير 7 ص 81، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 ص 161، عمدة القاري 6 ص 340 .

 (2) الأغاني كما مر .

 

 

/ صفحة 140 /

رجل أرجو أن لا يرجم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على يده ولا يخزى بشهادته (1) أو بقوله: إني لأرى غلاما كيسا لا يقول إلا حقا ولم يكن ليكتمني شيئا (2) أو بقوله: إني أرى غلاما كيسا لن يشهد إن شاء الله إلا بحق (3) وهو يوعز إلى أن الذين تقدموه أغرار شهدوا بالباطل، وعلى أي فقد استشعر زياد ميل الخليفة إلى درأ الحد عن المغيرة فأتى بجمل لا تقصر عن الشهادة، ولكنه تلجلج عن صراح الحقيقة لما انتهى إليه، و كيف يصدق في ذلك ؟ وقد رئا إستاها مكشوفة، وخصيتين مترددتين بين فخذي أم جميل، وقدمين مخضوبتين مرفوعتين، وسمع خفزانا شديدا ونفسا عاليا، ورئاه متبطنا لها، وهل تجد في هذا الحد مساغا لأن يكون الميل في خارج المكحلة ؟ أو أن يكون قضيب المغيرة جامحا عن فرج أم جميل ؟ .

 نعم كان في القضية تأول واجتهاد أدى إلى أهمية درأ الحد في المورد خاصة، وإن كان الخليفة نفسه جازما بصدق الخزاية كما يعرب عنه قوله للمغيرة: والله ما أظن أبا بكرة كذب عليك، وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بالحجارة من السماء .

 قاله لما وافقت أم جميل عمر بالموسم والمغيرة هناك فسأله عنها فقال: هذه أم كلثوم بنت علي فقال عمر: أتتجاهل علي ؟ والله ما أظن ... إلخ(4) .

وليت شعري لماذا كان عمر يخاف أن يرمى بالحجارة من السماء ؟ ألرده الحد حقا ؟ وحاشا الله أن يرمي مقيم الحق، أو لتعطيله الحكم ؟ أو لجلده مثل أبي بكرة الذي عدوه من خيار الصحابة وكان من العبادة كالنصل ؟ أنا لا أدري .

 وكانت علي أمير المؤمنين عليه السلام يصافق عمر على ما ظن أو جزم به فخاف أن يرمى بالحجارة، وينم عن ذلك قوله عليه السلام: لئن لم ينته المغيرة لأتبعنه أحجاره .

 أو قوله: لئن أخذت المغيرة لأتبعنه أحجاره (5) .

 وقد هجاه حسان بن ثابت في هذه القصة بقوله:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) فتوح البلدان للبلاذري ص 353 .

 (2) سنن البيهقي 8 ص 235 (3) كنز العمال .

 (4) الأغاني 14 ص 147 . شرح النهج 3 ص 162 .

 (5) الأغاني 14 ص 147 .

 

 

/ صفحة 141 /

لو أن اللوم ينسب كان عــــــبـــــدا * قبيح الوجه أعــــــور من ثقــــيف

تــــــركت الــــــدين والاســـلام لما * بــــــدت لك غــــــدوة ذات النصيف

وراجعــــت الصبــــــا وذكرت لهوا * من القينات في العمر اللطيف (1)

ولا يشك ابن أبي الحديد المعتزلي في أن المغيرة زنى بأم جميل وقال: إن الخبر بزناه كان شايعا مشهورا مستفيضا بين الناس (2) غير أنه لم يخطى عمر بن الخطاب في درأ الحد عنه ويدافع عنه بقوله: لأن الإمام يستحب له درأ الحد وإن غلب على ظنه أنه قد وجب الحد عليه .

 عزب على ابن أبي الحديد أن درأ الحد بالشبهات لا يخص بالمغيرة فحسب بل للإمام رعاية حال الشهود أيضا ودرأ الحد عنهم، فأنى للإمام درأ الحد عمن يقال: إنه كان أزنى الناس في الجاهلية فلما دخل في الاسلام قيده الاسلام وبقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته بالبصرة (3) ؟ أنى له رفع اليد عن مثل الرجل وقد غلب على ظنه وجوب الحد عليه، وحكمه بالحد على أبرياء ثلاثة يشك في الحد عليهم وفيهم من يعد من عباد الصحابة ؟ وأني يتأتى الاحتياط في درأ الحد عن واحد مثل المغيرة برمي ثلاثة بالكذب والقذف وتشويه سمعتهم في المجتمع الديني وتخذيلهم بإجراء الحد عليهم ؟ .

 ثم هلا اجتمعت كلمة الشهود الأربعة على ما شهد به زياد من معاصي المغيرة دون إيلاج المرود في المكحلة ؟ فلماذا لم يعزره على ما اقترفه من الفاحشة ؟ أولم تكن المعاصي تستوجب تعزيرا ؟ أولم يكن من رأي الخليفة جلد صائم أخذ على شراب كما يأتي في نادرة 72 .

 أولم يكن من رأيه ضرب خمسين على من وجد مع امرأة في لحافها على فراشها ؟ (4) .

 أولم يكن مقررا حكم عبد الله بن مسعود في رجل وجد مع امرأة في لحاف فضرب عبد الله كل واحد منهما أربعين سوطا وأقامهما للناس فذهب أهل المرأة وأهل الرجل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الأغاني 14 ص 147 . شرح بن أبي الحديد 3 ص 163 .

 (2) شرح نهج البلاغة 3 ص 163 .

 (3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 ص 163 نقلا عن المدايني .

 (4) أخرجه إمام الشافعية في كتاب الأم 7 ص 170 .

 

 

/ صفحة 142 /

فشكوا ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال عمر لابن مسعود: ما يقول هؤلاء ؟ قال: قد فعلت ذلك .

 قال: أو رأيت ذلك ؟ قال: نعم .

 فقال: نعم ما رأيت .

 فقالوا: أتيناه نستأذنه فإذا هو يسأله (1) .

 نعم: للقارئ أن يفرق بين ما نحن فيه وبين تلكم المواقف التي حكم فيها بالتعزير بأن الحكم هناك قد دار مدار اللحاف ولم يكن لحاف على المغيرة وأم جميل في فحشائهما: والقول بمثل هذه الخزاية أهون من تلكم الكلم التي توجد في الدفاع عن الخليفة حول هذه القضية ولدتها .

 هذا مغيرة وهذا إلى أمثالها بوائقه، وكان يعرف بها في إسلامه وقبله، وقد أتى أمير المؤمنين عليه السلام عند ما تولى الخلافة يظهر بزعمه النصح له بإقرار معاوية في ولايته على الشام ردحا ثم يفعل به ما أراد، وبما أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن ممن يداهن ويجامل أعداء الله في أمر الدين ولا يؤثر الدهاء على حكم الشريعة، وكان يرى أن مفاسد إبقاء معاوية على الأمر لا تكافئ مصلحة إغفاله عن المقاومة، فإنه غير صالح لتولي أمر المسلمين فيومه لدة سنته، وساعته كمثل عمره في الفساد، رفض ذلك الرأي المغيري، ولم يكن بالذي يتخذ المضلين عضدا فبهض ذلك المغيرة فولى عنه منشدا:

نصحت عليا في ابن هند نصيحة * فردت فلم اسمع لها الدهر ثانية

وقلــــــت لـه: أوجز عليه بعهده * وبالأمــــــر حـتى يستقر معاويه

وتعــــلم أهل الشام أن قد ملكته * وأن أذنــه صارت لأمرك واعيه

فتحــــــكم فيــــــه ما تـــريد فإنه * لــــــداهية فــارفق به أي داهيه

فلم يقبل النصح الذي قد نصحته * وكانت له تلك النصيحة كافيه (2)

وأجاب عنها العلامة الأوردبادي بقوله:

أتيـــــت إمام المسلميــــن بغـــــدرة * فلــــم تلف نفسا منه للغدر صاغيه

وأسمعـــــته إدا مـن القول لم يصخ * لـــــه إذ رأى منـــــه الخيانة باديه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أخرجه الطبراني والهيثمي في مجمع الزوائد 6 ص 270 وقال: رجاله رجال الصحيح .

 (2) مروج الذهب 2: 16، تاريخ الطبري 5: 160، تاريخ ابن كثير 8: 128، الاستيعاب 1: 251، تاريخ أبي الفدا ج 1: 172.

 

 

/ صفحة 143 /

رغـــــبت إليـــــه في ابن هند ولاية * أبى الدين إلا أن تــــرى عنه نائيه

أيؤتمن الغاوي على إمرة الـهدى ؟ * تعــــــــــاد على الدين المعرة ثانيه

ويرعى القطيع الذئب والذئب كاسر * ويأمن منه في الأويقـة عاديه ؟ 5

وهل سمعـــــت أذناك قل لي هنيهة * بزوبعـــــة هبـــت فلم تعد سافيه ؟

وهل يأمن الأفعــــى السليم سويعة * ومن شدقهـــا قتالة السم جاريه ؟

فيـــــوم ابن هنـــــد ليس إلا كدهره * فصفقـــــتـه كانت من الخير خاليه

وللشـــــر منـــــه والمزنــــم جروه * ووالـــــده شيـــــخ الفجـور زبانيه

متى كان للتقـــوى عــــلوج امية ؟ * وللغي منهـــم كل باغ وباغيه 10

وللـــــزور والفحــشاء منهم زبائن * وللجـــــور منهم كل دهياء داهيه

هم أرهجـــــوها فتــنـــــة جــاهليـة * إذ انتــــهزوا للشر أجواء صافيه

فماذا على حلف التقى وهو لا يرى * يـراوغ في أمر الخلافة طاغيه ؟

وشتـــــان فــــي الاسلام هذا وهذه * فـــــدين (علي) غـير دنيا معاويه

أتـــــنقم منه إن شـــــرعة (أحمد) * تجذ يمينا لابن سفيان عاديه؟15

وتحسب أن قــــد فاته الرأي عنده * كأنك قــــد أبصرت ما عنه خافيه

ولولا التقــــى ألفيت صنو (محمد) * لتدبـــــير أمــر الملك أكبر داهيه

عـــــرفناك يا أزنى ثقيف ووغدها * عـــليك بـيوميك الشنار سواسيه

وإنـــــك فــــي الاسـلام مثلك قبله * وأم جـــــميل للخـزاية راويه 19

وكان المغيرة في مقدم أناس كانوا ينالون من أمير المؤمنين عليه السلام قال ابن الجوزي قدمت الخطباء إلى المغيرة بن شعبة بالكوفة فقام صعصعة بن صوحان فتكلم، فقال المغيرة: أخرجوه فأقيموه على المصطبة فليلعن عليا .

 فقال: لعن الله من لعن الله ولعن علي بن أبي طالب، فأخبره بذلك فقال: أقسم بالله لتقيدنه فخرج فقال: إن هذا يأبى إلا علي بن أبي طالب فالعنوه لعنه الله . فقال المغيرة: أخرجوه أخرج الله نفسه . رسائل الجاحظ ص 92، الأذكياء ص 98 .

 وأخرج أحمد في مسنده 4 ص 369 عن قطبة بن مالك قال: نال المغيرة بن شعبة من علي فقال زيد بن أرقم: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن سب الموتى

 

 

/ صفحة 144 /

فلم تسب عليا وقد مات .

وأخرج في المسند أيضا ج 1 ص 188 أحاديث نيله من أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته واعتراض سعيد بن زيد عليه .