عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

-60-

إجتهاد الخليفة في حلي الكعبة (2)

 

1 - ذكر عند عمر بن الخطاب في أيامه حلي الكعبة وكثرته فقال قوم: لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر، وما تصنع الكعبة بالحلي ؟ فهم عمر بذلك وسأل عنه أمير المؤمنين عليه السلام فقال ؟ إن هذا القرآن أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض .

 والفئ فقسمه على مستحقيه . والخمس فوضعه الله حيث وضعه . والصدقات فجعلها الله حيث جعلها . وكان حلي الكعبة فيها يومئذ فتركه الله على حاله ولم يتركه نسيانا ولم يخف عنه مكانا فأقره حيث أقره الله ورسوله .

 فقال له عمر: لولاك لافتضحنا . وترك الحلي بحاله .

 2 - عن شقيق عن شيبة بن عثمان قال: قعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مقعدك الذي أنت فيه فقال: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة - بين فقراء المسلمين - قال قلت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (2) صحيح البخاري 3 ص 81، في كتاب الحج باب كسوة الكعبة، وفي الاعتصام أيضا، أخبار مكة للأزرقي، سنن أبي داود 1 ص 317، سنن ابن ماجة 2 ص 269، سنن البيهقي 5 ص 159، فتوح البلدان للبلاذري ص 55، نهج البلاغة 2 ص 201، الرياض النضرة 2 ص 20، ربيع الأبرار للزمخشري في الباب الخامس والسبعين، تيسير الوصول، فتح الباري 3 ص 358، كنز العمال 7 ص 145 .

 

 

/ صفحة 178 /

ما أنت بفاعل . قال: بلى لأفعلن . قال قلت: ما أنت بفاعل . قال: لم ؟ قلت: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه وأبو بكر رضي الله عنه وهما أحوج منك إلى المال فلم يخرجاه . فقام فخرج .

لفظ آخر: قال شقيق: جلست إلى شيبة بن عثمان في المسجد الحرام فقال لي: جلس إلي عمر بن الخطاب رضي الله عنه مجلسك هذا فقال: لقد هممت أن لا أترك فيها - أي في الكعبة - صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها .

 قال شيبة فقلت: إنه كان لك صاحبان فلم يفعلاه: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه .

 فقال عمر: هما المرءان أقتدي بهما .

 3 - وعن الحسين: إن عمر بن الخطاب قال: لقد هممت أن لا أدع في الكعبة صفراء ولا بيضاء إلا قسمتها فقال له أبي بن كعب: والله ما ذاك لك .

 فقال عمر: لم .

 قال: إن الله قد بين موضع كل مال وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: صدقت .

 نحن لا نناقش الحساب في تعيين الملقن لحكم القضية، غير أن هذه الروايات تعطينا خبرا بأن كل أولئك الرجال كانوا أفقه من الخليفة في هذه المسألة، فأين قول صاحب الوشيعة: إن عمر أفقه الصحابة وأعلمهم في زمنه على الإطلاق ؟ .

 

-61-

إجتهاد الخليفة في الطلاق الثلاث

1 - عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين - وسنين - من خلافة عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة فقال عمر رضي الله عنه: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم .

 مسند أحمد 1 ص 314، صحيح مسلم 1 ص 574، سنن البيهقي 7 ص 336، مستدرك الحاكم 2 ص 196، تفسير القرطبي 3 ص 130 وصححه، إرشاد الساري 8 ص 127، الدر المنثور 1 ص 279 .

2 - عن طاوس قال: إن أبا الصهباء قال لابن عباس: أتعلم أنما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وثلاث في إمارة عمر رضي الله عنه ؟ قال ابن عباس: نعم .

 صحيح مسلم 1 ص 574، سنن أبي داود ص 344، أحكام القرآن للجصاص 1

 

 

/ صفحة 179 /

ص 459، سنن النسائي 6 ص 145، سنن البيهقي 7 ص 336، الدر المنثور 1 ص 279 .

 إن أبا الصهباء قال لابن عباس: هات من هناتك ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه واحدة ؟ قال: قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر رضي الله عنه تتابع الناس في الطلاق فأمضاه عليهم - فأجازه عليهم - صحيح مسلم 1 ص 574، سنن البيهقي 7 ص 336 .

 صورة أخرى:

كان أبو الصهباء كثير السؤال لابن عباس قال: أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر و صدرا من إمارة عمر ؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما: بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وصدرا من إمارة عمر رضي الله عنه، فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال: أجيزوهن عليهم سنن أبي داود 1 ص 344، سنن البيهقي 7 ص 339، تيسير الوصول 2 ص 162، الدر المنثور 1 ص 279 .

 3 - أخرج الطحاوي من طريق ابن عباس أنه قال: لما كان زمن عمر رضي الله عنه قال: يا أيها الناس قد كان لكم في الطلاق أناة، وإنه من تعجل أناة الله في الطلاق ألزمناه إياه . وذكره العيني في عمدة القاري 9 ص 537 وقال: إسناد صحيح .

 4 - عن طاوس قال: قال عمر بن الخطاب: قد كان لكم في الطلاق أناة فاستعجلتم أناتكم، وقد أجزنا عليهم ما استعجلتم من ذلك . (كنز العمال 5 ص 162 نقلا عن أبي نعيم) .

5 - عن الحسن إن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: لقد هممت أن أجعل إذا طلق الرجل امرأته ثلاثا في مجلس أن أجعلها واحدة، ولكن أقواما جعلوا على أنفسهم فألزم كل نفس ما لزم نفسه، من قال لامرأته: أنت علي حرام . فهي حرام، ومن قال لامرأته: أنت بائنة . فهي بائنة، ومن طلق ثلاثا فهي ثلاث . (كنز العمال 5 ص 163 نقلا عن أبي نعيم) .

قال الأميني: إن من العجب أن يكون استعجال الناس مسوغا لأن يتخذ الانسان

 

 

/ صفحة 180 /

كتاب الله ورائه ظهريا ويلزمهم بما رأوا، هذا الذكر الحكيم يقول بكل صراحة: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .

 إلى قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره .

 فقد أوجب سبحانه تحقيق المرتين والتحريم بعد الثالث، وذلك لا يجامع جمع التطليقات بكلمة - ثلاثا - ولا بتكرار صيغة الطلاق ثلاثا متعاقبة بلا تخلل عقدة النكاح بينها .

 أما الأول: فلأنه طلاق واحد وقول - ثلاثا - لا يكرره ألا ترى ؟ أن الوحدة المأخوذة في الفاتحة في ركعات الصلاة لا تكرر لو شفعها المصلي بقوله: خمسا أو عشرا، ولا يقال: إنه كرر السورة وقرأها غير مرة .

 وكذلك كل حكم اعتبر فيه العدد كرمي الجمرات السبع فلا يجزي عنه رمي الحصيات مرة واحدة، وكالشهادات الأربع في اللعان لا تجزي عنها شهادة واحدة مشفوعة بقوله - أربعا - .

 وكفصول الأذان المأخوذة فيها التثنية لا يتأتى التكرار فيها بقراءة واحدة و إردافها بقول - مرتين - .

 وكتكبيرات صلاة العيدين الخمس أو السبع المتوالية - عند القوم - قبل القرائة (1) لا تتأتى بتكبيرة واحدة بعدها قول المصلي خمسا أو سبعا .

 وكصلاة التسبيح (2) وقد أخذ في تسبيحاتها العدد عشرا وخمسة عشر فلا تجزي عنها تسبيحة واحدة مردوفة بقوله عشرا أو خمسة عشر . وهذه كلها مما لا خلاف فيه .

 وأما الثاني فإن الطلاق يحصل باللفظ الأول، وتقع به البينونة، وتسرح به المعقودة بالنكاح، ولا يبقى ما بعده إلا لغوا، فإن المطلقة لا تطلق، والمسرحة لا تسرح، فلا يحصل به العدد المأخوذ في موضوع الحكم، بل تعدد الطلاق يستلزم تخلل عقدة الزواج بين الطلاقين ولو بالرجوع، ومهما لم تتخلل يقع الطلاق الثاني لغوا و يبطله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا طلاق إلا بعد نكاح . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا طلاق قبل نكاح . وقوله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) السنن الكبرى 3 ص 285 - 291 .

 (2) صلاة التسبيح هي المسماة بصلاة جعفر عند أصحابنا، ولا خلاف بين الفريقين في فضلها وكمها وكيفها، غير أن أئمة القوم أخرجوها في الصحاح والمسانيد عن ابن عباس .

 

 

/ صفحة 181 /

صلى الله عليه وآله وسلم: لا طلاق لمن لا يملك(1) .

قال سماك بن الفضل: إنما النكاح عقدة تعقد والطلاق يحلها، وكيف تحل عقدة قبل أن تعقد(2) . ا ه‍ .

 م - وروى أبو يوسف القاضي عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود رضي الله عنه إنه قال: طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته واحدة حين تطهر من حيضتها من غير أن يجامعها، وهو يملك الرجعة حتى تنقضي العدة، فإذا انقضت فهو خاطب من الخطاب، فإن أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها حين تطهر من حيضتها الثانية، ثم يطلقها حين تطهر من حيضتها الثالثة . كتاب الآثار ص 129 ومراده كما يأتي تخلل الرجوع بعد كل طلقة) .

 وقال الجصاص في أحكام القرآن 1 ص 447: والدليل على أن المقصد في قوله: الطلاق مرتان - الأمر بتفريق الطلاق وبيان حكم ما يتعلق بإيقاع ما دون الثلاث من الرجعة أنه قال: الطلاق مرتان .

 وذلك يقتضي التفريق لا محالة، لأنه لو طلق اثنتين معالما جاز أن يقال طلقها مرتين، وكذلك لو دفع رجل إلى آخر درهمين لم يجز أن يقال: أعطاه مرتين حتى يفرق الدفع فحينئذ يطلق عليه، وإذا كان هذا هكذا فلو كان الحكم المقصود باللفظ هو ما تعلق بالتطليقتين من بقاء الرجعة لأدى ذلك إلى إسقاط فائدة ذكر المرتين إذا كان هذا الحكم ثابتا في المرة الواحدة إذا طلق اثنتين، فثبت بذلك إن ذكر المرتين إنما هو أمر بإيقاعه مرتين، ونهي عن الجمع بينهما في مرة واحدة، ومن جهة أخرى إنه لو كان اللفظ محتملا للأمرين لكان الواجب حمله على إثبات الحكم في إيجاب الفائدتين وهو الأمر بتفريق الطلاق متى أراد أن يطلق اثنتين، وبيان حكم الرجعة إذا طلق كذلك، فيكون اللفظ مستوعبا للمعنيين . ا ه‍ .

هذا ما نطق به القرآن الكريم وليس الرأي تجاه كتاب الله إلا تلاعبا به كما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله في صحيحة أخرجها النسائي في السنن (3) عن محمود بن لبيد قال: أخبر رسول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سنن الدارمي 2 ص 161، سنن أبي داود 1 ص 342، سنن ابن ماجة 1 ص 631، السنن الكبرى 7 ص 318 - 321، مستدرك الحاكم 2 ص 24، مشكل الآثار للطحاوي 7 ص 280 .

 (2) سنن البيهقي 7 ص 321 .

 (3) ج 6 ص 142، وذكر في تيسير الوصول 3 ص 160، تفسير ابن كثير 1 ص 277، إرشاد الساري 8 ص 128، الدر المنثور 1 ص 283 .

 

/ صفحة 182 /

الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبانا ثم قال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟ حتى قام رجل وقال: يا رسول الله ألا أقتله ؟ م - وروى ابن إسحاق في لفظ عن عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة زوجه ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها ؟ قال: طلقتها ثلاثا في مجلس واحد .

 قال: إنما تلك طلقة واحدة فارتجعها " بداية المجتهد 2 ص 61 ") .

 ولبعض أعلام القوم في المسألة كلمات في المسألة كلمات تشدق بها، وأعجب ما رأيت فيها كلمة العيني قال في عمدة القاري 9 ص 537: إن الطلاق الوارد في الكتاب منسوخ، فإن قلت ؟ ما وجه هذا النسخ وعمر رضي الله عنه لا ينسخ ؟ وكيف يكون النسخ بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: لما خاطب عمر الصحابة بذلك فلم يقع إنكار صار إجماعا والنسخ بالاجماع جوزه بعض مشايخنا بطريق أن الإجماع موجب علم اليقين كالنص فيجوز النسخ به، والاجماع في كونه حجة أقوى من الخبر المشهور، فإن قلت: هذا إجماع على النسخ من تلقاء أنفسهم فلا يجوز ذلك في حقهم .

قلت: يحتمل أن يكون ظهر لم نص أوجب النسخ ولم ينقل إلينا ذلك . ا ه‍ .

 لم تسمع الآذان نبأ هذا النسخ في القرون السالفة إلى أن جاد الدهر بالعيني فجاء يدعي ما لم يقل به أحد، ويخبط خبط عشواء، ويلعب بكتاب الله، ولا يرى له ولا لسنة الله قيمة ولا كرامة أنى للرجل إثبات حكمه البات بإجماع الصحابة على ما أحدثه الخليفة لما خاطبهم بذلك ؟ وكيف يسوغ عزو رفض محكم الكتاب والسنة إليهم برأي رئاه النبي الأقدس لعبا بالكتاب العزيز كما مر عن صحيح النسائي قبيل هذا، وقد كانوا على حكمها غير إنه لا رأي لمن لا يطاع . هذا ودرة الخليفة تهتز على رؤسهم .

 ثم إن كان نسخ بالاجماع فيكف ذهب أبو حنيفة ومالك والأوزاعي والليث إلى أن الجمع بين الثلاث طلاق بدعة .

 وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور ليس بحرام لكن

 

 

/ صفحة 183 /

الأولى التفريق .

 وقال السندي: ظاهر الحديث التحريم ؟ (1) .

 م وكيف أجمعت الأمة على النقيضين في يوميها وهي لن تجتمع على الخطاء ؟ هذا إجماع العيني المزعوم يوم بدو رأي الخليفة في الطلاق، وهذا إجماع صاحب عون المعبود قبله قال: وقد أجمع الصحابة إلى السنة الثانية من خلافة عمر على إن الثلاث بلفظ واحد واحدة، ولم ينقض هذا الإجماع بخلافه، بل لا يزال في الأمة من يفتي به قرنا بعد قون إلى يومنا هذا . ه‍ . تيسير الوصول 3 ص 162) .

هب أن الأمة جمعاء قديما وحديثا أجمعت على خلاف ما نطق به محكم القرآن ونقضت ما هتف به المشرع الأقدس، فهل لنا مسوغ لرفع اليد عنهما والأخذ بقول أمة غير معصومة، والنسخ بالخبر المشهور بعد الغض عما فيه من الخلاف الثائر إنما هو لعصمة قائله فلا يقاس به قول من لا عصمة له .

 واحتمال استناد إجماع الصحابة إلى نص لم ينقل إلينا خرافة تكذبه نصوص الخليفة وغيره من الصحابة على أن ما ذهب إليه الخليفة لم يكن إلا مجرد رأي، و سياسة محضة .

 م - وما أحسن كلمة الشيخ صالح بن محمد العمري الفلاني المتوفى 1298 في كتابه " إيقاظ همم أولي الأبصار " في صفحة 9 حيث قال: إن المعروف عند الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعند سائر العلماء المسلمين أن حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نص كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب نقضه ومنع نفوذه، ولا يعارض نص الكتاب والسنة بالاحتمالات العقلية والخيالات النفسانية والعصبية الشيطانية بأن يقال: لعل هذا المجتهد قد اطلع على هذا النص وتركه لعلة ظهرت له، أو أنه اطلع على دليل آخر، ونحو هذا مما لهج به فرق الفقهاء المتعصبين وأطبق عليه جهلة المقلدين) .

 

-62-

إجتهاد الخليفة في الصلاة بعد العصر

1 - عن تميم الداري قال: إنه ركع ركعتين بعد نهي عمر بن الخطاب عن الصلاة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع حاشية الإمام السندي على سنن النسائي 6 ص 143 .

 

 

/ صفحة 184 /

بعد العصر فأتاه عمر فضربه بالدرة، فأشار إليه تميم أن اجلس وهو في صلاته فجلس عمر ثم فرغ تميم من صلاته فقال تميم لعمر: لم ضربتني ؟ قال: لأنك ركعت هاتين الركعتين وقد نهيت عنهما، قال: إني صليتهما مع من هو خير منك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: إنه ليس بي أنتم أيها الرهط ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلوا فيها كما وصلوا ما بين الظهر والعصر .

 وعن وبرة قال: رأى عمر تميما الداري يصلي بعد العصر فضربه بالدرة فقال تميم: لم يا عمر ! تضربني على صلاة صليتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر: يا تميم ليس كل الناس يعلم ما تعلم .

 وعن عروة بن الزبير قال: خرج عمر على الناس فضربهم على السجدتين بعد العصر حتى مر بتميم الداري فقال: لا أدعهما صليتهما مع من هو خير منك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: إن الناس لو كانوا كهيئتك لم أبال . صححه الهيثمي في المجمع وقال: رجال الطبراني رجال الصحيح .

 3 - عن السائب بن يزيد: إنه رأى عمر بن الخطاب يضرب المنكدر في الصلاة بعد العصر .

 وعن الأسود: إن عمر كان يضرب على الركعتين بعد العصر .

 4 - عن زيد بن خالد الجهني قال: إنه رآه عمر بن الخطاب وهو خليفة يركع بعد العصر ركعتين فمشى إليه فضربه بالدرة وهو يصلي كما هو فلما انصرف قال زيد: إضرب يا أمير المؤمنين ! فوالله لا أدعهما أبدا بعد أن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما فجلس إليه عمر وقال: يا زيد بن خالد لولا إني أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما .

 قال الهيثمي في المجمع إسناده حسن .

 5 - عن طاوس إن أبا أيوب الأنصاري كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر فلما استخلف عمر تركها فلما توفي ركعهما فقيل له: ما هذا ؟ فقال: إن عمر كان يضرب عليهما .

 6 - أخرج مسلم عن المختار بن فلفل قال: سألت أنس بن مالك عن التطوع بعد

 

 

/ صفحة 185 /

العصر ؟ فقال: كان عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر، وكنا نصلي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب فقلت له: أكان صلى الله عليه وسلم صلاهما ؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا .

 7 - أخرج أبو العباس السراج في مسنده عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان يصلي الظهر ؟ قالت: كان يصلي بالهجير ثم يصلي بعدها ركعتين، ثم يصلي العصر ثم يصلي بعدها ركعتين .

 قلت: قد كان عمر يضرب عليهما وينهى عنهما .

 فقالت: قد كان يصليهما وقد أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليهما ولكن قومك أهل اليمن قوم طغام يصلون الظهر ثم يصلون ما بين الظهر والعصر، ويصلون العصر ثم يصلون ما بين العصر والمغرب، وقد أحسن (1) .

 قال الأميني: عجبا من فقه الخليفة حيث يردع بالدرة عن صلاة ثبت من السنة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاها وما تركها بعد العصر قط كما ورد في الصحاح وأخبرت به عائشة (2) وقالت: والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله، وما لقي الله تعالى حتى ثقل عن الصلاة، وكان يصلي كثيرا من صلاته قاعدا تعني ركعتين بعد العصر .

 وقالت: ما ترك النبي السجدتين بعد العصر عندي قط .

 وقالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهما سرا ولا علانية، وقالت: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين . وفي لفظ البيهقي: قال أيمن: إن عمر كان ينهى عنهما ويضرب عليهما . فقالت: صدقت ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما .

 م - وفي تعليق " الاجابة " للزركشي ص 91 نقلا عن أبي منصور البغدادي في استدراكه من طريق أبي سعيد الخدري قال: كان عمر يضرب عليها رؤس الرجال " يعني الصلاة بعد الفجر حتى مطلع الشمس وبعد العصر حتى مغرب الشمس " فرأى أبو سعيد ابن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح مسلم 1 ص 310، مسند أحمد 4 ص 102، 115، موطأ مالك 1 ص 90، الاجابة للزركشي ص 91، 92، مجمع الزوائد 2 ص 222، تيسير الوصول 2 ص 295، فتح الباري 2 ص 51 و ج 3 ص 82، كنز العمال 4 ص 225، 226، شرح المواهب 8 ص 23، شرح الموطأ للزرقاني 1 ص 398 .

 (2) صحيح البخاري، صحيح مسلم 1 ص 309، 310، سنن أبي داود 1 ص 201، سنن الدارمي 1 ص 334، سنن البيهقي 2 ص 458، تيسير الوصول 2 ص 295، فتح الباري 2 ص 51 .

 

 

/ صفحة 186 /

الزبير يصليها . قال: فنهيته فأخذ بيدي فذهبنا إلى عائشة رضي الله عنها فقال لها: يا أم المؤمنين إن هذا ينهاني .. فقالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها).

واقتفت أثره صلى الله عليه وآله فيها الصحابة والتابعون طيلة حياته وبعدها، وممن روي عنه الرخصة في التطوع بعد العصر الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام . الزبير . ابن الزبير . تميم الداري . النعمان بن بشير . أبو أيوب الأنصاري . عائشة أم المؤمنين . الأسود بن يزيد . عمرو بن ميمون . عبد الله بن مسعود وأصحابه . بلال . أبو الدرداء . ابن عباس . مسروق . شريح . عبد الله بن أبي الهذيل . أبو بردة . عبد الرحمن بن الأسود . عبد الرحمن ابن البيلماني . الأحنف بن قيس (1) وكانوا على هذا حتى تقيض صاحب الدرة وليس عنده ما يتعلل به على النهي عنها والزجر عليها سوى خيفة أن يأتي قوم فيواصلوا بين العصر والمغرب بالصلاة .

 الأمن مسائل إياه عن علة كراهته ذلك الوصال وليس له من الشريعة أي وازع عنه ؟ وهب إنه ارتأى كراهة ذلك الوصال فما باله ينهى عن الركعتين وليستا مالئتين للفراغ بين الوقتين - العصر والمغرب - ؟ وعلى فرضه كان الواجب أن ينهى عن الصلاة في أول وقت المغرب غير الفريضة التي رأى كراهتها هو، ولكن أي قيمة لرأيه وقد صلوها على العهد النبوي بمرأى من صاحب الرسالة ومشهد فلم ينههم عنها (2) ثم الذي خافه عمر من أن يأتي قوم يصلون بين الوقتين بالصلاة هل عزب علمه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشرع لهم تينك الركعتين بعد العصر ؟ أو أنه علم ذلك ولم يكترث له ؟ أم كانت بصيرة الخليفة في الأمور أقوى من بصيرة النبي الأعظم ؟ لاها الله لا ذلك ولا هذا، لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم ذلك كله ولم ير بأسا بما خافه عمر .

 وبماذا استحق أولئك الأخيار من الصحابة الضرب بالدرة والفضيحة بملأ من الأشهاد نصب عيني النبي الأقدس قرب مشهده الطاهر ؟ والذين يأتون بما كرهه أقوام من رجال المستقبل لم يرتكبوه بعد، أو أنه لم تنعقد نطفهم حتى تلك الساعة وهو يعترف بأنهم ليسوا من أولئك، ولعل الخليفة كان يرى جواز القصاص قبل جناية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) طرح التثريب في شرح التقريب للحافظ العراقي 2 ص 186 .

 (2) كما في صحيح مسلم 1 ص 31، ومسند أبي داود 270 وغيرهما .

 

 

/ صفحة 187 /

غير المقتص منه . هلم واعجب .

 وكأن الخليفة في آرائه هذه الخاصة به كان ذاهلا عن قوله هو: احذروا هذا الرأي على الدين فإنما كان الرأي من رسول الله مصيبا لأن الله كان يريه، وإنما هو ههنا تكلف وظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا (1) .

 

-63-

رأي الخليفة في العجم

روى مالك - إمام المالكية - عن الثقة عنده أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: أبى عمر بن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم إلا أحدا ولد في العرب .

 قال مالك: وإن جاءت امرأة حامل من أرض العدو فوضعته في أرض العرب فهو ولدها يرثها إن ماتت، وترثه إن مات، ميراثها في كتاب الله . (الموطأ 2 ص 12) قال الأميني .

 هذا حكم حدت إليه العصبية المحضة، وإن التوارث بين المسلمين عامة عربا كانوا أو أعاجم أينما ولدوا وحيثما قطنوا من ضروريات دين الاسلام، وعليه نصوص الكتاب والسنة، فعمومات الكتاب لم تخصص، وليس من شروط التوارث الولادة في أرض العرب ولا العروبة من شروط الاسلام، وهذه العصبية إلى أمثالها في موارد لا تحصى هي التي تفكك عرى الاجتماع، وتشتت شمل المسلمين، وإنما المسلمون كأسنان المشط لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى، والله سبحان يقول: إنما المؤمنون إخوة .

 ويقول: إن أكرمكم عند الله أتقاكم .

 ويقول: ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءأعجمي وعربي .

 وهذا هتاف النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من خطبة له يوم الحج الأكبر في ذلك المحتشد الرحيب بقوله: أيها الناس ! إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، الأهل بلغت ؟ أللهم اشهد ؟ فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا بعده: كتاب الله، ألا هل بلغت ؟ أللهم اشهد .

 أيها الناس ! إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى ألا هل بلغت ؟ أللهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أخرجه أبو عمر في العلم 2 ص 134، وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور 6 ص 127 .

 

 

/ صفحة 188 /

اشهد ! قالوا: نعم .

 قال: فليبلغ الشاهد الغائب (1) .

 وفي لفظ أحمد: ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أسود على أحمر، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى (2) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح .

 وفي لفظ الطبراني في الكبير: يا أيها الناس ؟ إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم .

 فليس لعربي على عجمي فضل، ولا لعجمي على عربي فضل، ولا لأسود على أحمر فضل، ولا لأحمر على أسود فضل إلا بالتقوى . الحديث .

 (مجمع الزوائد 3 ص 272) وفي لفظ ابن القيم: لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب . زاد المعاد 2 ص 226 .

 وقال صلى الله عليه وآله وسلم في صحيحة أخرجها البيهقي: ليس لأحد على أحد فضل إلا بالدين أو عمل صالح. (الجامع الصغير للسيوطي وصححه) .

ولو فرضنا مفاضلة بالعنصريات فتلك في غير الأحكام والنواميس المطردة وما أحوج المسلمين من أول يومهم إلى التآخي والتساند تجاه سيل الإلحاد الآتي، لكن كثيرا منهم يتأثرون بتسويلات أجنبية من حيث لا يشعرون، فأهواء مردية، تحدوهم إلى التشعب، وآراء فاسدة تفت في عضد الجامعة، ونزعات طائفية، ونعرات قومية، وعوامل داخلية، وعواطف حزبية تلهينا عن سد الثغور .

أضف إلى ذلك كله نزعات شعوبية، وتبجحات بالعروبة فحسب، فهذه كلها تفضي إلى شق العصا، وتفريق الكلمة، ونصب عين الكل تعليمات النبي الأقدس، و تقديره الشخصيات المحلات بالفضائل من مختلف العناصر بمثل قوله: سلمان منا أهل البيت(3). وقوله: لو كان العلم بالثريا لتناوله ناس من أبناء فارس (4) إلى الكثير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) البيان والتبيين 2 ص 25، العقد الفريد 2 ص 85، تاريخ اليعقوبي 2 ص 91 .

 (2) مجمع الزوايد 3 ص 266 .

 (3) مستدرك الحاكم 3 ص 598، شرح مختصر صحيح البخاري لأبي محمد الأزدي 2: 46 .

 (4) مسند أحمد 2 ص 420، 422، وأخرجه ابن قانع بإسناده بلفظ . لو كان الدين متعلقا بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس . الإصابة 3 ص 459 .

 

 

/ صفحة 189 /

الطيب من أمثاله .

 فعلى المسلم أن لا يتخذ تلكم الآراء الشاذة خطة لنفسه، ولا يصفح عن قول النبي الأمين: ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية (1) .

 م - وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: من قاتل تحت راية عمية يغضب للعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتلة جاهلية . سنن البيهقي 8 ص 156 .

 

-64-

تجسس الخليفة بالسعاية

أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال: أتى عمر بن الخطاب رجل فقال: إن فلانا لا يصحو .

 فدخل عليه عمر رضي الله عنه فقال: إني لأجد ريح شراب يا فلان ! أنت بهذا ؟ فقال الرجل: يا ابن الخطاب ! وأنت بهذا ؟ ألم ينهك الله أن تجسس ؟ فعرفها عمر فانطلق وتركه . الدر المنثور 6 ص 93 .

 قال الأميني: أترى الخليفة كيف رتب الأثر على التهمة من غير بينة ؟ من دون أن ينهى المخبر المتهم عما ارتكبه من الوقيعة في أخيه المسلم بالبهت وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا أو اغتياب الرجل، فوقع من جراء ذلك كله في محظور آخر من التجسس المنهي عنه بنص الذكر الحكيم، لكنه سرعان ما ارتدع بلفت الرجل نظره إلى الحكم الشرعي .

 

-65-

 

عن عمر وبن ميمون قال: قال عمر بن الخطاب لابنه عبد الله: انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل: أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه .

 فمضى فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال: يقرأ عليك عمر السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه .

 قالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرن به اليوم على نفسي فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء فقال: ارفعوني.

 فأسنده رجل إليه فقال: ما لديك ؟ قال: الذي يحب أمير المؤمنين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) سنن أبي داود 2 ص 332 .

 

 

/ صفحة 190 /

أذنت . قال: الحمد لله ما كان شئ أهم إلي من ذلك المضجع، فإذا أنا قضيت فاحملوني وأن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين (1) .

 قال الأميني: ليت الخليفة عرفنا ما وجه الاستيذان من عائشة ؟ فهل ملكت هي حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإرث ؟ فأين قوله صلى الله عليه وآله وسلم المزعوم: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ؟ وبذلك زحزحوا عن الصديقة الطاهرة فدكا، وبذلك منع أبو بكر عائشة وبقية أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم لما جئن إليه يطلبن ثمنهن (2) وإن كان الخليفة نعدل عن ذلك الرأي لما انكشف له من عدم صحة الرواية ؟ فإن ورثة ابنة رسول الله كانت أولى بالإذن فإنها هي المالكة إذن، وأما عائشة فلها التسع من الثمن فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي عن تسع، فكان الذي يلحق عائشة من الحجرة الشريفة التسع من الثمن، وما عسى أن يكون من ذلك لها إلا شبرا أو دون شبرين وذلك لا يسع دفن جثمان الخليفة وهب أنه كان يضم إلى ذلك نصيب ابنته حفصة فإن الجميع يقصر عن ذلك المضطجع، فالتصرف في تلك الحجرة الشريفة من دون رخصة من يملكها من العترة النبوية الطاهرة وأمهات المؤمنين لا يلائم ميزان الشرع المقدس .

 ربما يقرأ القارئ في المقام ما جاء به ابن بطال من قوله: إنما استأذنها عمر لأن الموضع كان بيتها وكان لها فيه حق (3) .

 فيحسب هناك حقا لأم المؤمنين يستدعي ذلك الاستيذان ويصححه، وإن هو إلا حق السكنى ومجرد إضافة البيت إلى عائشة وهما لا يوجبان الملك، قال ابن حجر في فتح الباري 7 ص 53: استدل به وباستيذان عمر لها على ذلك على أنها كانت تملك البيت، وفيه نظر بل الواقع إنها كانت تملك منفعته بالسكنى فيه والاسكان ولا يورث عنها، وحكم أزواج النبي كالمعتدات لأنهن لا يتزوجن بعده صلى الله عليه وآله وسلم . ا ه‍ .

 وقال في ج 6 ص 160: ويؤيده - يعني عدم الملك - إن ورثتهن لم يرثن عنهن منازلهن، ولو كانت البيوت ملكا لهن لانتقلت إلى ورثتهن وفي ترك ورثتهن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح البخاري 5 ص 226 و ج 2 ص 263 وأخرجه جمع كثير من الحفاظ وأئمة الحديث لا نطيل بذكرهم المقام .

 (2) السيرة الحلبية 3 ص 390 .

 

 

/ صفحة 191 /

حقوقهم دلالة على ذلك، ولهذا زيدت بيوتهن في المسجد النبوي بعد موتهن لعموم نفعه للمسلمين كما فعل فيما كان يصرف لهن من النفقات . والله أعلم . ا ه‍ .

 وقال العيني في عمدة القاري 7 ص 132 في حديث عائشة (لما ثقل رسول الله استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي): أسندت البيت إلى نفسها، ووجه ذلك أن سكنى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت النبي من الخصايص، فلما استحققن النفقة لحبسهن استحققن السكني ما بقين، فنبه البخاري بسوق أحاديث هذا الباب وهي سبعة على أن بهذه النسبة تتحقق دوام استحقاق سكناهن للبيوت ما بقين . ا ه‍ .

 وقال القسطلاني في إرشاد الساري 5 ص 190: أسندت (عائشة) البيت إلى نفسها ووجه ذلك أن سكن أزواجه عليه الصلاة والسلام في بيوته من الخصائص، فكما استحققن النفقة لحبسهن استحققن السكنى ما بقين، فنبه على أن بهذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن لسكني البيوت ما بقين . ا ه‍ .

 فالقارئ جد عليم عندئذ بأن أم المؤمنين لم يكن لها من حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا السكنى فيها كالمعتدة، وليس لها قط أن تتصرف فيها بما يترتب على الملك .

 والخطب الفظيع عد الحفاظ هذا الاستيذان وهذا الدفن من مناقب الخليفة ذاهلين عن قانون الاسلام العام في التصرف في أموال الناس .

 ولست أدري بأي حق أوصى الإمام الحسن السبط الزكي صلوات الله عليه أن يدفن في تلك الحجرة الشريفة ؟ وهل منعته عائشة عن أن يدفن بها ؟ أو أذنت له وما أطيعت ؟ - ولا رأي لمن لا يطاع - فتسلح بنو أمية وقالوا: لا ندعه أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكاد أن تقع الفتنة (1) لم هذه كلها ؟ أنا لا أدري .

 

-66-

خطبة الخليفة في الجابية

عن علي بن رباح اللخمي قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس فقال: من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب، ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت، ومن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ ابن كثير 8 ص 44 وجملة أخرى من معاجم السير .

 

 

/ صفحة 192 /

أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإني له خازن .

 وفي لفظ: فإن الله تعالى جعلني خازنا (1) وقاسما .

 م - أخرجه أبو عبيد المتوفى 224 في كتابه " الأموال " ص 223 بإسناد رجاله كلهم ثقات، والبيهقي في " السنن الكبرى " 6: 210، والحاكم في " المستدرك " 3: 271، 272، ويذكر في العقد الفريد 2: 132، وسيرة عمر لابن الجوزي ص 87، وأشير إليه في " معجم البلدان " 3: 33 فقال: في الجابية خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطبته المشهورة .

 وجاء في ترجمة كثيرين: إنهم سمعوا خطبة عمر في الجابية . إسناده من طريق أبي عبيد:

1 - الحافظ عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي أبو صالح الكوفي المتوفى 221 وثقه ابن معين، وابن خراش، وابن بكر الأندلسي، وابن حبان، وهو من مشايخ البخاري في صحيحه (2) .

 2 - موسى بن علي بن رباح اللخمي أبو عبد الرحمن المصري المتوفى 163، وثقه أحمد، وابن سعد، وابن معين، والعجلي، والنسائي، وأبو حاتم، وابن شاهين، واحتج به أربعة من أئمة الصحاح الست (3) .

 3 - علي بن رباح اللخمي التابعي أبو عبد الله - أبو موسى - المولود سنة 10 والمتوفى 114 / 7 وثقه ابن سعد، والعجلي، ويعقوب بن سفيان، والنسائي، وابن حبان، واحتج به أربعة من أئمة الصحاح (4) .

 في هذه الخطبة الثابتة المروية عن الخليفة بطرق صحيحة كل رجالها ثقات، وصححها الحاكم والذهبي، اعتراف بأن المنتهى إليه في العلوم الثلاثة أولئك النفر المذكورين فحسب، وليس للخليفة إلا أنه خازن مال الله، وهل ترى من المعقول أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمته في شرعه ودينه وكتابه وسنته وفرائضه فاقدا لهاتيك العلوم ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كتاب الأموال لأبي عبيد ص 223، مستدرك الحاكم 3 ص 271، 272، العقد الفريد 2 ص 132، سنن البيهقي 6 ص 210، مجمع الزوائد 1 ص 135 .

 (2) تهذيب التهذيب 5: 261، خلاصة الكمال ص 170 .

 (3) تهذيب التهذيب 10: 363، خلاصة الكمال ص 336 .

 (4) تهذيب التهذيب 7: 318، خلاصة الكمال ص 231 .

 

 

/ صفحة 193 /

ويكون مرجعه فيها لفيفا من الناس كما تنبأ عنه سيرته، فعلام هذه الخلافة ؟ وهل تستقر بمجرد الأمانة، وليست بعزيزة في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ وما وجه الاختصاص به ؟ نعم: وقع النص عليه ممن سبقه في الخلافة على غير طريقة القوم في الخليفة الأول .

 وشتان بين هذا القاتل وبين من لم يزل يعرض نفسه لعويصات المسائل ومشكلات العلوم فيحلها عند السؤال عنها من فوره، ويرفع عقيرته على صهوات المنابر بقوله سلام الله عليه: سلوني قبل أن لا تسألوني ولن تسألوا بعدي مثلي .

 أخرجه الحاكم في المستدرك 2 ص 466 وصححه هو والذهبي في تلخيصه .

 وقوله: عليه السلام: لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك .

 أخرجه ابن كثير في تفسيره 4 ص 231 من طريقين وقال: ثبت أيضا من غير وجه .

 وقوله عليه السلام: سلوني والله لا تسألوني عن شئ يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل .

 أخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم 1 ص 114، والمحب الطبري في الرياض 2 ص 198، ويوجد في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 124، والاتقان 2 ص 319، تهذيب التهذيب 7 ص 338، فتح الباري 8 ص 485، عمدة القاري 9 ص 167، مفتاح السعادة 1 ص 400 .

 وقوله عليه السلام: ألا رجل يسأل فينتفع وينفع جلسائه .

 أخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم 1 ص 114، وفي مختصره ص 57 .

 وقوله عليه السلام: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت، وأين أنزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا .

 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1 ص 68، وذكره صاحب مفتاح السعادة 1 ص 400 وقوله عليه السلام سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله، وما من آية إلا وأنا أعلم حيث أنزلت بحضيض جبل أو سهل أرض، وسلوني عن الفتن فما من فتنة إلا وقد علمت من كسبها ومن يقتل فيها .

 أخرجه إمام الحنابلة أحمد وقال: روي عنه نحو هذا كثيرا (ينابيع المودة ص 274) .

 وقوله عليه السلام وهو على منبر الكوفة وعليه مدرعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متقلد بسيفه،

 

 

/ صفحة 194 /

ومتعمم بعمامته صلى الله عليه وآله وسلم، فجلس على المنبر وكشف عن بطنه فقال: سلوني قبل أن تفقدوني فإنما بين الجوانح مني علم جم، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا ما زقني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زقا زقا، فوالله لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الانجيل بإنجيلهم، حتى ينطق الله التوراة والانجيل فيقولان: صدق علي قد أفتاكم بما أنزل في وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون .

 أخرجه شيخ الاسلام الحموي في " ف"#1585;اᗆد السمطين " عن أبي سعيد .

 وقال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: سلوني .

 إلا علي بن أبي طالب (1) وكان إذا سئل عن مسألة يكون فيها كالسكة المحماة ويقول:

إذا المشـــــكلات تصــدين لي * كشفـــت حقـــائقها بالنظــــر

فإن برقت في مخيل الصواب * عـــــمياء لا يجتــليها البصر

مقنعـــــة بغـــــيــــوب الأمور * وضعـت عليها صحيح الفكر

لسانا كشقشقـــــة الأرحبــــي * أو كالحـــسام اليماني الذكر

وقـــــلبا إذا استنطقته الفنون * أبـــــر عـــــليها بــــواه درر

ولســـــت بامعـــة في الرجال * يسائــل هـذا وذا ما الخبر ؟

ولكنني مذرب الأصغرين (2) * أبــيـن مع ما مضى ما غبر

أخرجها أبو عمر في العلم 2 ص 113، وفي مختصره ص 170، والحافظ العاصمي في زين الفتى شرح سورة هل أتى، والقالي في أماليه، والحصري القيرواني في زهر الآداب 1 ص 38، والسيوطي في جمع الجوامع كما ترتيبه 5 ص 242، والزبيدي الحنفي في تاج العروس 5 ص 268 نقلا عن الأمالي .

 وذكر منها البيتين الأخيرين الميداني في مجمع الأمثال .

 2: 358 .

 لفت نظر: لم أر في التاريخ قبل مولانا أمير المؤمنين من عرض نفسه لمعضلات المسائل و كراديس الأسئلة، ورفع عقيرته بجأش رابط بين الملأ العلمي بقوله: سلوني . إلا صنوه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أخرجه أحمد في المناقب، والبغوي في المعجم، وأبو عمر في العلم 1 ص 114 وفي مختصره ص 58، والمحب الطبري في الرياض 2 ص 198، وابن حجر في الصواعق ص 76 .

 (2) قال أبو عمر: المذرب، الحاد .

 واصغراه: قلبه ولسانه .

 

 

/ صفحة 195 /

النبي الأعظم فإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يكثر من قوله: سلوني عما شئتم . وقوله: سلوني . سلوني .

 وقوله: سلوني ولا تسألوني عن شئ إلا أنبأتكم به (1) . فكما ورث أمير المؤمنين علمه صلى الله عليه وآله وسلم ورث مكرمته هذه وغيرها، وهما صنوان في المكارم كلها .

 وما تفوه بهذا المقال أحد بعد أمير المؤمنين عليه السلام إلا وقد فضح ووقع في ربيكة، وأماط بيده الستر عن جهله المطبق نظراء .

 1 - إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي والي مكة والمدينة والموسم لهشام بن عبد الملك، حج بالناس سنة 107 وخطب بمنى ثم قال: سلوني فأنا ابن الوحيد، لا تسألوا أحدا أعلم مني . فقام إليه رجل من أهل العراق فسأله عن الأضحية أواجبة هي ؟ فما درى أي شئ يقول له فنزل عن المنبر . (تاريخ ابن عساكر 2 ص 305) .

 2 - مقاتل بن سليمان: قال إبراهيم الحربي: قعد مقاتل بن سليمان فقال: سلوني عما دون العرش إلى لويانا، فقال له رجل: آدم حين حج من حلق رأسه ؟ قال فقال له: ليس هذا من عملكم، ولكن الله أراد أن يبتليني بما أعجبتني نفسي . (تاريخ الخطيب البغدادي 13 ص 163) .

 3 - قال سفيان بن عيينة: قال مقاتل بن سليمان يوما: سلوني عما دون العرش .

 فقال له إنسان: يا أبا الحسن ! أرأيت الذرة أو النملة أمعاؤها في مقدمها أو مؤخرها ؟ قال: فبقي الشيخ لا يدري ما يقول له . قال سفيان: فظننت إنها عقوبة عوقب بها . (تاريخ الخطيب البغدادي 13 ص 166) .

 4 - قال موسى بن هارون الحمال: بلغني أن قتادة قدم الكوفة فجلس في مجلس له وقال: سلوني عن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجيبكم .

 فقال جماعة لأبي حنيفة: قم إليه فسله .

 فقام إليه فقال: ما تقول يا أبا الخطاب في رجل غاب عن أهله فتزوجت امرأته ثم قدم زوجها الأول فدخل عليها وقال: يا زانية تزوجت وأنا حي ؟ ثم دخل زوجها الثاني فقال لها: تزوجت يا زانية ولك زوج .

 كيف اللعان ؟ فقال قتادة: قد وقع هذا ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح البخاري 1 ص 46، ج 10 ص 240، 241، مسند أحمد 1 ص 278، مسند أبي داود 356 .

 

 

/ صفحة 196 /

فقال له أبو حنيفة: وإن لم يقع نستعد له . فقال له قتادة: لا أجيبكم في شئ من هذا سلوني عن القرآن . فقال له أبو حنيفة: ما تقول في قوله عز وجل: قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به . من هو ؟ قال قتادة: هذا رجل من ولد عم سليمان بن داود كان يعرف اسم الله الأعظم . فقال أبو حنيفة: أكان سليمان يعلم ذلك الاسم ؟ قال: لا .

 قال: سبحان الله ويكون بحضرة نبي من الأنبياء من هو أعلم منه ؟ قال قتادة: لا أجيبكم في شئ من التفسير سلوني عما اختلف الناس فيه . فقال له أبو حنيفة: أمؤمن أنت ؟ قال أرجو . قال له أبو حنيفة: فهلا قلت كما قال إبراهيم فيما حكى الله عنه حين قال له: أولم تؤمن قال: بلى . قال: قتادة: خذوا بيدي والله لا دخلت هذا البلد أبداً. (الانتقاء لأبي عمر صاحب الاستيعاب ص 156) .

5 - حكي عن قتادة أنه دخل الكوفة فاجتمع عليه الناس فقال: سلوا عما شئتم و كان أبو حنيفة حاضرا وهو يومئذ غلام حدث فقال: سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكرا أم أنثى فسألوه فأفحم فقال أبو حنيفة: كانت أنثى .

 فقيل له كيف عرفت ذلك ؟ فقال: من قوله تعالى: قالت . ولو كانت ذكرا لقال: قال نملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى . (حياة الحيوان 2 ص 368) .

 6 - قال عبيد الله بن محمد بن هارون سمعت الشافعي بمكة يقول: سلوني عما شئتم أحدثكم من كتاب الله وسنة نبيه فقيل: يا أبا عبد الله ما تقول في محرم قتل زنبورا ؟ قال: وما آتاكم الرسول فخذوه .

 (طبقات الحفاظ للذهبي 2 ص 288) .

 

67

أخرج الخطيب في رواة مالك، والبيهقي في شعب الإيمان، والقرطبي في تفسيره بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر قال: تعلم عمر سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة فلما ختمها نحر جزورا (1) .

وقال القرطبي في تفسيره 1 ص 132: تعلمها عمر رضي الله عنه بفقهها وما تحتوي عليه في اثنتي عشرة سنة.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تفسير القرطبي 1 ص 34، سيرة عمر لابن الجوزي ص 165، شرح ابن أبي الحديد 3 ص 111، الدر المنثور 1 ص 21.

 

 

/ صفحة 197 /

قال الأميني: هذا يتم إما عن عدم انعطاف الخليفة على القرآن واهتمامه به مع أنه أهم أصول الاسلام، وقد انطوى فيه مهمات علومه حتى أنه تبطأ في تعلم سورة منه إلى غاية ذلك الأمد المتطاول، ولعله كان قد ألهاه عن ذلك الصفق بالاسواق كما ورد في غير واحد من هذه الآثار، واعتذر به هو وغيره من الصحابة، وإما عن قصور في فطنته و ذكاءه وجمود في القريحة يأبى عن انعكاس ما يلقى إليه فيها فيحتاج إلى تكرار ومثابرة كثيرة وترديد حتى ينتقش ما هم بتعلمه في الذاكرة .

 وقد يؤكد الثاني ما مر في صحيفة 116 من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له: إني أظنك تموت قبل أن تعلم ذلك، وما ذكر في ص 128 من قوله صلى الله عليه وآله وسلم له لحفصة . ما أرى أباك يعلمها . وقوله: ما أراه يقيمها .

 ويساعد هذا ما في الكتب من أن عمر كان أعلم وأفقه من عثمان ولكن كان يعسر عليه حفظ القرآن (1) .

 وأيا ما كان فإن مدة التعلم هذه لا يمكن أن تكون على العهد النبوي، فإن سورة البقرة نزلت بالمدينة عند جميع المفسرين غير آيات نزلت في حجة الوداع، وقالت عائشة: ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده صلى الله عليه وسلم (2) وتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ربيع الأول - على ما ذهب إليه القوم - من السنة الحادية عشر من مهاجرته، ومع ذلك لم يؤثر تعلمه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا بد أن يكون تعلمه عند أحد الصحابة أو عند لفيف منهم وهم الذين يقول القائل: فإن الخليفة كان أعلمهم على الإطلاق .

 ويشهد هذا أيضا على خلو الرجل من أكثر علوم القرآن الموجودة في بقية السور فإن تعلمها على هذا القياس يستدعي أكثر من مائة وثلاثين عاما حسب أجزاء القرآن الكريم، فيفتقر الخليفة على هذا الحساب في تعلم جميع القرآن إلى ما يقرب من مائة وخمسين عاما، ولا يفي بذلك عمر الخليفة، على أن الأحكام في غير البقرة من السور أكثر مما فيها، فكان خليفة ومتعلما - والخليفة، هو معلم الناس لا المتعلم منهم - ولهذا كان لا يهتدي إلى جملة من الأحكام الموجودة في القرآن، كان يحسب أبسط شئ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) عمدة القاري 2 ص 733 نقلا عن النهاية .

 (2) فتح الباري 8 ص 130 .

 

 

/ صفحة 198 /

من معانيه تعمقا وتكلفا ويدعي أنه نهي عنه (1) وكان يقول: من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب .

 إلى آخر ما مر عنه ص 161 .

 هذا شأن الخليفة قبل طرو النسيان عليه وأما بعده فروى محمد بن سيرين أن عمر في آخر أيامه اعتراه نسيان حتى كان ينسى عدد ركعات الصلاة فجعل أمامه رجلا يلقنه فإذا أومأ إليه أن يقوم أو يركع فعل (2) .

 وإن تعجب فعجب أنه مع ذلك كله ما كان يتنصل عن الحكم، ولا يرعوي عن الافتاء، وإن كان يظهر خطأه في كثير منها . وبأبه اقتدى عدي في الكرم .

 أخرج مالك في الموطأ 1 ص 162: إن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها، وذكره القرطبي في تفسيره 1 ص 34، وقال العيني في عمدة القاري 2 ص 732: حفظ عبد الله بن عمر سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة، وفي طبقات ابن سعد كما في تنوير الحالك في شرح الموطأ لمالك 1 ص 162: إن ابن عمر تعلم سورة البقرة في أربع سنين . قال الباجي لأنه كان يتعلم فرائضها وأحكامها وما يتعلق بها .

 

-68-

رأي الخليفة في المتعتين

(متعة الحج)

1 - عن أبي رجاء قال: قال عمران بن حصين: نزلت آية المتعة في كتاب الله وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، قال رجل برأيه بعد ما شاء (3) .

صورة أخرى لمسلم:

تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل فيه القرآن قال رجل برأيه ما شاء .

 وفي لفظ آخر له: تمتع نبي الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا معه .

 وفي لفظ رابع له: إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينهنا عنها قال رجل برأيه ما شاء .

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع صحيفة 99، 100 من هذا الجزء .

 (2) سيرة عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 135، شرح ابن أبي الحديد 3 ص 110 .

 (3) صحيح مسلم 1 ص 474، وأخرجه القرطبي بهذا الفظ في تفسيره 2 ص 365 .

 

 

/ صفحة 199 /

لفظ البخاري:

تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن قال رجل برأيه ما شاء (1) وفي لفظ آخر له: أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء .

 (2) وفي بعض نسخ صحيح البخاري قال محمد - أي البخاري - يقال: إنه عمر .

 قال القسطلاني في الارشاد: لأنه كان ينهى عنها .

 وذكره ابن كثير في تفسيره 1 ص 233 نقلا عن البخاري فقال: هذا الذي قاله البخاري قد جاء مصرحا به: إن عمر كان ينهى الناس عن التمتع .

 وقال ابن حجر في فتح الباري 4 ص 339: ونقله الاسماعيلي عن البخاري كذلك فهو عمدة الحميدي في ذلك ولهذا جزم القرطبي والنووي وغيرهما وكان البخاري أشار بذلك إلى رواية الحريري عن مطرف فقال في آخره: ارتأى رجل برأيه ما شاء يعني عمر .

 كذا في الأصل أخرجه مسلم وقال ابن التين: يحتمل أن يريد عمر أو عثمان، وأغرب الكرماني فقال: إن المراد به عثمان، والأولى أن يفسر بعمر فإنه أول من نهى عنها وكان من بعده تابعا له في ذلك ففي مسلم: إن ابن الزبير كان ينهى عنها وابن عباس يأمر بها فسألوا جابرا فأشار إلى أن أول من نهى عنها عمر .

 وقال القسطلاني في الارشاد 4 ص 169: قال رجل برأيه ما شاء، هو عمر بن الخطاب لا عثمان بن عفان لأن عمر أول من نهى عنها فكان من بعده تابعا له في ذلك ففي مسلم - إلى آخر كلمة ابن حجر المذكورة - وقال النووي في شرح مسلم: هو عمر بن الخطاب لأنه أول من نهى عنه عن المتعة فكان من بعده من عثمان وغيره تابعا له في ذلك .

 لفظ الشيخين:

تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن، فليقل رجل برأيه ما شاء (السنن الكبرى 5 ص 20).

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح البخاري 3 ص 151 ط سنة 1272 .

 (2) صحيح البخاري كتاب التفسير سورة البقرة ج 7 ص 24 ط سنة 1277 .

 

 

/ صفحة 200 /

لفظ النسائي:

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تمتع وتمتعنا معه قال فيها قائل برأيه .

 أخرجه في سننه 5 ص 155، وأحمد في مسنده 4 ص 436 قريبا من لفظ مسلم مبتورا وفي لفظ الاسماعيلي: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن ولم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) 2 - عن أبي موسى: إنه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك حتى لقيته فسألته فقال عمر: قد علمت أن النبي قد فعله وأصحابه ولكني كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤسهم .

 أخرجه مسلم في صحيحه 1 ص 472، وابن ماجة في سننه 2 ص 229، وأحمد في مسنده 1 ص 50، والبيهقي في سننه 5 ص 20، والنسائي في سننه 5 ص 153، ويوجد في تيسير - الوصول 1 ص 288، وشرح الموطأ للزرقاني 2 ص 179 .

 3 - عن مطرف عن عمران بن حصين: إني لأحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله به بعد اليوم واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه، ارتأى كل امرئ بعد ما شاء أن يرتئي .

 وفي لفظ مسلم الآخر: ارتأى رجل برأيه ما شاء يعني عمر .

 وفي لفظ ابن ماجة: ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل نسخه قال في ذلك بعد رجل برأيه ما شاء أن يقول .

 صحيح مسلم 1 ص 474، سنن ابن ماجة 2 ص 229، مسند أحمد 4 ص 434، السنن الكبرى 4 ص 344، فتح الباري 3 ص 338 .

 صورة أخرى :

عن مطرف قال قال لي عمران بن حصين: أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه وقد كان يسلم علي حتى اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد .

 وفي لفظ الدارمي: إن المتعة حلال في كتاب الله لم ينه عنها نبي ولم ينزل فيها كتاب قال رجل برأيه ما بدا له .

 صحيح مسلم 1 ص 474، سنن الدارمي 2 ص 35 .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) فتح الباري 3 ص 338 .

 

 

/ صفحة 201 /

صورة ثالثة :

عن مطرف قال: بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فيه فقال: إني كنت محدثك بأحاديث لعل الله أن ينفعك بها بعدي فإن عشت فاكتم علي وإن مت فحدث بها إن شئت إنه قد سلم علي، واعلم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب الله ولم ينه عنها نبي الله صلى الله عليه وسلم قال رجل فيها برأيه ما شاء . صحيح مسلم 1 ص 474، مسند أحمد 4 ص 428، سنن النسائي 5 ص 149 .

 4 - عن محمد بن عبد الله بن نوفل قال: سمعت عام حج معاوية يسأل سعد بن مالك كيف تقول بالتمتع بالعمرة إلى الحج ؟ قال: حسنة جميلة، فقال: قد كان عمر ينهى عنها، فأنت خير من عمر ؟ قال: عمر خير مني وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو خير من عمر . سنن الدارمي 2 ص 35 .

 5 - عن محمد بن عبد الله: إنه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس عام حج معاوية بن أبي سفيان وهما يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله تعالى . فقال سعد: بئسما قلت: يا ابن أخي . قال الضحاك . فإن عمر بن الخطاب نهى عن ذلك . قال سعد: قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه . الموطأ لمالك 1 ص 148، كتاب الأم للشافعي 7 ص 199، سنن النسائي 5 ص 52، صحيح الترمذي 1 ص 157، فقال: هذا حديث صحيح .

 أحكام القرآن للجصاص 1 ص 335، سنن البيهقي 5 ص 17، تفسير القرطبي 2 ص 365 وقال: هذا حديث صحيح . زاد المعاد لابن القيم 1 ص 84 وذكر تصحيح الترمذي له، المواهب اللدنية للقسطلاني، شرح المواهب للزرقاني 8 ص 153 .

 6 عن سالم قال: إني لجالس مع ابن عمر في المسجد إذ جاءه رجل من أهل الشام فسأله عن التمتع بالعمرة إلى الحج: فقال ابن عمر: حسن جميل، قال: فإن أباك كان ينهي عنها .

 فقال: ويلك ! فإن كان أبي نهي عنها وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به أفبقول أبي آخذ أم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قم عني (1) .

صورة أخرى:

سئل عبد الله بن عمر عن متعة الحج قال: هي حلال . فقال له السائل: إن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تفسير القرطبي 2 ص 365 نقلا عن الدار قطني .

 

 

/ صفحة 202 /

أباك قد نهى عنها .

 فقال: أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أأمر أبي تتبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال الرجل: بل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

 فقال: لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(1) .

صورة ثالثة:

قال سالم: سئل ابن عمر عن متعة الحج فأمر بها فقيل له: إنك تخالف أباك ؟ قال: إن أبي لم يقل الذي تقولون إنما قال: أفردوا العمرة من الحج أي إن العمرة لا تتم في شهور الحج إلا بهدي وأراد أن يزار البيت في غير شهور الحج فجعلتموها أنتم حراما وعاقبتم الناس عليها وقد أحلها الله عز وجل وعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فإذا اكثروا عليه قال: أفكتاب الله عز وجل أحق أن يتبع أم عمر ؟ (السنن الكبرى 5 ص 21) .

صورة رابعة:

قال سالم: كان عبد الله بن عمر يفتي بالذي أنزل الله عز وجل من الرخصة في التمتع وسن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول ناس لعبد الله بن عمر: كيف تخالف أباك وقد نهي عن ذلك ؟ فيقول لهم عبد الله: ويلكم ! ألا تتقون الله ؟ أرأيتم إن كان عمر رضي الله عنه نهى عن ذلك يبتغي فيه الخير ويلتمس فيه تمام العمرة فلم تحرمون وقد أحله الله وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبعوا سنته أو عمر رضي الله عنه ؟ إن عمر لم يقل لك: إن العمرة في أشهر الحج حرام ولكنه قال: إن أتم العمرة أن تفردوها من أشهر الحج(2) .

7 - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عروة: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة .

 فقال ابن عباس: ما يقول عرية ؟ قال: يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة .

 فقال ابن عباس: أراهم سيهلكون أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون: قال أبو بكر وعمر .

 مسند أحمد 1 ص 337، كتاب مختصر العلم لأبي عمر ص 226، تذكرة الحفاظ للذهبي 3 ص 53، زاد المعاد لابن القيم 1 ص 219 .

 8 - أخرج أحمد في مسنده 1 ص 49 عن أبي موسى: أن عمر رضي الله عنه قال: ؟ ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) صحيح الترمذي 1 ص 157، زاد المعاد لابن القيم 1 ص 164، وفي هامش شرح المواهب للزرقاني 2 ص 252 .

 (2) سنن البيهقي 5 ص 21، مجمع الزوائد 1 ص 185 .

 

 

/ صفحة 203 /

سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني المتعة ولكني أخشى أن يعرسوا بهن تحت الأراك ثم يروحوا بهن حجاجا .

 9 - عن ابن عباس أنه قال لمن كان يعارضه في متعة الحج بأبي بكر وعمر: يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر وعمر .

 زاد المعاد لابن القيم 1 ص 215 وهامش شرح المواهب 2 ص 328 .

 10 - عن الحسن أن عمر أراد أن ينهى عن متعة الحج فقال له أبي: ليس ذلك لك فقد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينهنا عن ذلك فأضرب عن ذلك عمر، وأراد أن ينهى عن حلل الحبرة لأنها تصبغ بالبول فقال له أبي: ليس لك ذلك قد لبسهن ؟ ؟ صلى الله عليه وسلم ولبسناهن في عهده .

 أخرجه إمام الحنابلة أحمد في مسنده 5 ص 143، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3 ص 246 نقلا عن أحمد وقال: رجاله رجال الصحيح، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 3 ص 33 نقلا عن أحمد، وفي الدر المنثور 1 ص 216 نقلا عن مسند ابن راهويه وأحمد ولفظه: إن عمر بن الخطاب هم أن ينهى عن متعة الحج فقام إليه أبي بن كعب فقال: ليس ذلك لك قد نزل بها كتاب الله واعتمرناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل عمر .

 وذكره ابن القيم الجوزية في زاد المعاد 1 ص 220 من طريق علي بن عبد العزيز البغوي ولفظه: إن عمر أراد أن يأخذ مال الكعبة وقال: الكعبة غنية عن ذلك المال، وأراد أن ينهى أهل اليمن أن يصبغوا بالبول، وأراد أن ينهى عن متعة الحج فقال أبي بن كعب: قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا المال وبه وبأصحابه الحاجة إليه فلم يأخذه وأنت فلا تأخذه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يلبسون الثياب اليمانية فلم ينه عنها وقد علم أنها تصبغ بالبول، وقد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينه عنها ولم ينزل الله تعالى فيها نهيا .

 11 - أخرج البخاري في صحيحه عن أبي جمرة نصر بن عمران قال: سألت ابن عباس رضي الله عنه المتعة فأمرني بها، وسألته عن الهدي فقال: فيها - في المتعة - جزور أو

 

 

/ صفحة 204 /

بقرة أو شاة أو شرك في دم .

 قال: وكأن ناسا كرهوها فنمت فرأيت في المنام كأن إنسانا ينادي حج مبرور ومتعة متقبلة فأتيت ابن عباس رضي الله عنهما فحدثته فقال: الله أكبر سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم (1) قال القسطلاني في إرشاد الساري 3 ص 204 (وكأن ناسا كرهوها) يعني كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وغيرهما ممن نقل الخلاف في ذلك.

12 - عن ابن سيرين: إنه سئل عن المتعة بالعمرة إلى الحج قال، كرهها عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان فإن يكن علما فهما أعلم مني ؟ وإن يكن رأيا فرأيهما أفضل " أخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم 2 ص 31، وفي مختصره ص 111 " .

13 - عن الأسود بن يزيد قال: بينما أنا واقف مع عمر بن الخطاب بعرفة عشية عرفة فإذا هو برجل مرجل شعره يفوح منه ريح الطيب فقال له عمر: أمحرم أنت ؟ قال: نعم . فقال عمر: ما هيأتك بهيأة محرم إنما المحرم الأشعث الأغبر الأذفر . قال: إني قدمت متمتعا وكان معي أهلي، وإنما أحرمت اليوم .

 فقال عمر عند ذلك: لا تتمتعوا في هذه الأيام فإني لو رخصت في المتعة لهم لعرسوا بهن في الأراك ثم راحوا بهن حجاجا .

 أخرجه أبو حنيفة كما في زاد المعاد لابن القيم 1 ص 220 فقال: قال ابن حزم: وكان ماذا ؟ وحبذا ذلك وقد طاف النبي صلى الله عليه وسلم على نساءه ثم أصبح محرما ولا خلاف أن الوطئ مباح قبل الاحرام بطرفة عين والله أعلم .

 م - أخرجه أبو يوسف القاضي في كتاب الآثار ص 97 رواية عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب إنه بينا هو واقف بعرفات إذ أبصر رجلا يقطر رأسه طيبا فقال له عمر: ألست محرما ؟ ويحك ! فقال: بلى يا أمير المؤمنين . قال: مالي أراك يقطر رأسك طيبا ؟ والمحرم أشعث أغبر .

 قال أهللت بالعمرة مفردة وقدمت مكة ومعي أهلي ففرغت من عمرتي، حتى إذا كان عشية التروية أهللت بالحج، قال: فرأى عمر إن الرجل قد صدقه إنما عهده بالنساء والطيب بالأمس، فنهى عمر عند ذلك عن المتعة و قال: إذا والله لأوشكتم لو خليت بينكم وبين المتعة أن تضاجعوهن تحت أراك عرفة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري 3 ص 114 كتاب الحج باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج . وذكره السيوطي في الدر المنثور 1 ص 217 نقلا عن البخاري ومسلم .

 

 

/ صفحة 205 /

ثم تروحون حجاجا " .

14 - عن ابن عباس قال: سمعت عمر يقول: والله إني لأنهاكم عن المتعة وإنها لفي كتاب الله ولقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني العمرة في الحج . أخرجه النسائي في سننه 5 ص 153 .

15 - عن عبد الله بن عمر: إن عمر بن الخطاب قال: أفصلوا بين حجكم وعمرتكم، فإن ذلك أتم لحج أحدكم، وأتم لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج .

 موطأ مالك 1 ص 252، سنن البيهقي 5 ص 5، تيسير الوصول 1 ص 279، م - وأخرجه ابن أبي شيبة كما في الدر المنثور 1 ص 218 ولفظه: قال عمر: أفصلوا بين حجكم وعمرتكم، إجعلوا الحج في أشهر الحج، واجعلوا العمرة في غير أشهر الحج، أتم لحجكم ولعمرتكم) .

16 - عن سعيد بن المسيب: إن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة في أشهر الحج وقال: فعلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنها وذلك أن أحدكم يأتي من افق من الآفاق شعثا نصبا معتمرا في أشهر الحج وإنما شعثه ونصبه وتلبيته في عمرته ثم يقدم فيطوف بالبيت ويحل ويلبس ويتطيب ويقع على أهله إن كانوا معه حتى إذا كان يوم التروية أهل بالحج وخرج إلى منى يلبي بحجة لا شعث فيها ولا نصب ولا تلبية إلا يوما والحج أفضل من العمرة، لو خلينا بينهم وبين هذا لعانقونهن تحت الأراك، مع أن أهل البيت ليس لهم ضرع ولا زرع وإنما ربيعهم فيمن يطرء عليهم .

 ذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه الكنز 3 ص 32 نقلا عن حل حم خ م ن ق .

 م 17 - أخرج القاضي أبو يوسف في كتاب الآثار ص 99 عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال: إنما نهى عمر عن الإفراد يعني إفراد المتعة فأما القرآن فلا) .