عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

(الغاية للقالة)

 

أحسب إن القوم لم ينسجوا هذا الإفك على نول الجهل بتراجم الرجال فحسب ، ولا إن لهم مأربا في آباء المهاجرين أسلموا أو لم يسلموا، أو أن لهم غاية في إسلام أبوي أبي بكر، لكنهم زمروا لما لم يزل لهم فيه مكاء وتصدية من تكفير سيد الأباطح شيخ الأئمة أبي طالب والد مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليهما، وذلك بعد أن عجزوا عن الوقيعة في الولد فوجهوها إلى الوالد أو إلى الوالدين كما فعله الحافظ العاصمي في زين الفتى.

 وكان من تهويلهم في تخفيف تلكم الوطأة أن جروا ذلك إلى والدي النبي المعظم صلى الله عليه وآله وعليهما حتى قال العاصمي في زين الفتى عند بيان وجه الشبه بين النبي والمرتضى صلى الله عليهما وآلهما: أما تشبيه الأبوين في الحكم والتسمية فإن النبي في كثره ما أنعم الله تعالى عليه ووفور إحسانه إليه لم يرزقه إسلام أبويه، وعلى هذا جمهور المسلمين(1) إلا شرذمة قليلون لا يلتفت إليهم، فكذلك المرتضى فيما أكرمه الله به من الأخلاق والخصال وفنون النعم والافضال لم يرزقه إسلام أبويه ا ه‍ .

 فلم تفتأ لهم في ذلك جلبة ولغط مكابرين فيهما المعلوم من سيرة شيخ الأبطح وكفالته لصاحب الرسالة، ودرعه عنه كل سوء وعادية، وهتافه بدينه القويم، وخضوعه لمناموسه الإلهي في قوله وفعله وشعره ونثره، ودفاعه عنه بكل ما يملكه من حول وطول .

ولو لا أبو طــــــالب وابـــــنــــــــــــه * لما مثــــــــل الـــــدين شخـصا وقاما

فـــــذاك بمــــــكــــة آوى وحــــــامى * وهـــــذا بــــــيـــــثرب جــس الحماما

تكــــــفـــل عـبــــــد منــــاف بأمـــــر * وأودى فكـــــان عــــــلــــــي تمــــاما

فقــل فــــي ثـــــبير مـــــضى بعــد ما * قضى ما قـــــضاه وأبــــقى شمامـــا

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما فعله الحافظ العاصمي في زين الفتى.

(2) أفك الرجل على جمهور المسلمين، فإن الإمامية والزيدية على بكرة أبيهم ومن حذا حذوهم من محققي أهل السنة ذهبوا إلى إسلام والدي النبي الأقدس، ومن شذ عنهم فلا يأبه به ولا يلتفت إليه.

 

/ صفحة 331 /

فــــــقــل فــــي ثبـــــير مضى بعد ما * قــــــضى مــا قضاه وأبقى شمامـــا

فللــــــه ذا فــــــاتحــــــا للـــــهـــدى * ولله ذا للمــــــعــــــالـي خــــــتامــــا

وما ضــــــر مجـــد أبي طــــــالـــــب * جــــــهول لغـــــــا أو بــصير تعامى

كــــــما لا يــــضر إيــــــاب الصبــــا * ح من ظن ضوء النهار الظلاما(1)

وهناك طرق لا يمكن التوسل إلى الاذعان بنفسيات أي أحد إلا بها ألا وهي :

1 - استنباطها مما يلفظ به من قول .

 2 - أو مما ينوء به من عمل .

 3 - أو مما يروي عنه آله وذووه، فإن أهل البيت أدرى بما فيه .

 4 - أو مما أسنده إليه من لاث به وبخع له .

 

- 1 -

أقوال أبي طالب عليه السلام المعربة عن إيمانه

أما أقوال أبي طالب سلام الله عليه فإليك عقودا عسجدية من شعره الرائق مثبتة في السير والتواريخ وكتب الحديث . أخرج الحاكم في المستدرك 2: 623 بإسناده عن ابن إسحاق قال: قال أبو طالب أبياتا للنجاشي يحضهم على حسن جوارهم والدفع عنهم - يعني عن المهاجرين إلى الحبشة من المسلمين - :

ليعـــــلم خــــيار الناس أن محمدا * وزير لموسى والمسيح ابن مريم

أتانا بهـــــدي مثـــــل مــــا أتيا به * فكـــــل بأمـــــر الله يهـدي ويعصم

وإنكم تتـــــلونه فـــــي كتـــــابكــم * بصدق حـــــديث لا حديث المبرجم

وإنك مـــــا تأتيـــــك منها عصابة * بفضـــــلك إلا ارجعـــــوا بالتــكرم

وقال سلام الله عليه من قصيدة :

فبلـــــغ عـن الشحناء أفناء غالب * لـــــويا وتيـــــما عند نصر الكرائم

لأنا سيـــــوف الله والمجـــــد كــله * إذا كان صوت القوم وجي الغمائم

ألم تعـــــلموا أن القـــــطيعة مأثـم * وأمـــــر بـــــلاء قاتم غير حازم ؟

وأن سبـــــيل الـــرشد يعلم في غد * وأن نعـــــيم الـــــدهر ليـــس بدائم

فـــــلا تسفهــن أحلامكم في محمد * ولا تتبعـــــوا أمـــر الغواة الأشائم

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ذكرها ابن أبي الحديد لنفسه في شرحه 3: 317.

 

/ صفحة 332 /

تمنيــــتــم أن تقتـــــــلوه وإنـــمـــــــا * أمـــانيكـــــــم هـــــــذي كـأحلام نائم

وإنكــــــم والله لا تقــــتـــــــلونـــــــه * ولما تروا قطف اللحا والغلاصم(1)

ولــــم تبصروا الأحياء منكم ملاحما * تحـــــــوم عــــليها الطير بعد ملاحم

وتدعـــــــو بأرحـــــــام أواصر بـيننا * فـــــــقد قـطع الأرحام وقع الصوارم

زعـــــــمتم بأنـــــــا مسلمون محمدا * ولما نقـــــــاذف دونـــــــه ونـــزاحم

من القــــوم مفضال أبي على العدى * تمكــــــن في الفرعين من آل هاشم

أمين حبـــــــيب فــــــي العباد مسوم * بخـــــــاتم رب قاهـــــــر في الخواتم

يـــــــرى النـاس برهانا عليه وهيبة * وما جـــــــاهل فـــي قومه مثل عالم

نبـــــــي أتـــــاه الوحي من عند ربه * ومـــــــن قال: لا يقرع بها سن نادم

تطيـــــــف بـــــــه جرثومة هاشمية * تذبب عـــــــنه كـــــــل عـــادت وظالم

ديوان أبي طالب ص 32، شرح ابن أبي الحديد 3: 313 : ومن شعره في أمر الصحيفة التي سنوقفك على قصتها قوله :

ألا أبلغـــــا عـــــني عـــلى ذات بينها * لـــــويا وخـــــصا مـن لوي بني كعب

ألـــــم تعـــــلموا أنـــــا وجدنا محمدا * رسولا كمــوسى خط في أول الكتب؟

وأن عـــــليه فـــــي العـــــباد محــبة * ولا حيـــــف فيــمن خصه الله بالحب

وأن الـــــذي رقشتـــــم فـــــي كتابكم * يكــون لكم يوما كراغية السقب(2)

أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبى(3) * ويصبــــح من لم يجن ذنبا كذي ذنب

ولا تتبعـــــوا أمــــر الغواة وتقطعوا * أواصرنا بعـــــد المـــــودة والقـــرب

وتستجلبــــوا حربا عوانا(4) وربما * أمـــــر عــــلى من ذاقه حلب الحرب

فلسنـــــا وبيــــت الله نسلــــم أحمدا * لعزاء من عض الزمان ولا كرب(5)

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في رواية: والجماجم. الغلاصم چ الغلصمة: اللحم بين الرأس والعنق .

(2) في رواية: ابن هشام :

وإن الـــذي ألصقتم من كتابكم * لكم كائن نحسا كراغية السقب

رقش: كتب وسطر الراغية من الرغاء: أصوات الإبل. السقب: ولد الناقة .

(3) في سيرة ابن هشام: الثرى بدل الزبى .

(4) الحرب العوان: التي لو تل فيها مرة بعد أخرى. أشد الحروب.

(5) العراء السنة الشديدة عص الزمان: شدته وكلبه.

 

/ صفحة 333 /

فلسنـــــا وبيــــت الله نسلــــم أحمدا * لعزاء من عض الزمان ولا كرب(5)

ولما تبـــــن منـــــا ومنــكم سوالف * وأيـــــد أتـــــرت(1) بالمهندة الشهب

بمعـــــترك ضنـــــك ترى كسر القنا * به والضباع العرج تعكف كالشرب(2)

كـــــأن مجـــــال الخـيل في حجراته * ومعـــــمعة الأبطـــــال معـركة الحرب

أليـــــس أبـــــونا هــــاشم شد أزره * وأوصـــــى بنـيه بالطعان وبالضرب ؟

ولسنـــــا نمـــــل الحـرب حتى تملنا * ولا نشتـــــكي ممـــــا ينوب من النكب

ولكنـــــنا أهـــــل الحــــفائظ والنهى * إذا طـــــار أرواح الكـــماة من الرعب

سيرة ابن هشام 1: 373، شرح ابن أبي الحديد 3: 313، بلوغ الإرب 1 : 325، خزانة الأدب للبغدادي 1: 261، الروض الأنف 1: 220، تاريخ ابن كثير 3 ، 87، أسنى المطالب ص 6: 13، طلبة الطالب ص 10 .

 ومن شعره قوله :

ألا ما لهم آخـــــر الليل معـــــتـــــم * طـــــواني وأخــرى النجم لما تقحم

طـــــواني وقـــد نامت عيون كثيرة * وســـــامر أخـــــرى قاعــد لم ينوم

لأحـــــلام أقوام أرادوا محـــــمـــدا * بظـــــلم ومـــن لا يتقي البغي يظلم

سعوا سفها واقتادهم سوء أمرهم * عــلى خـائل من أمرهم غير محكم

رجـــــاة أمـــــور لـم ينالوا نظامها * وإن نشـــــدوا فـي كل بدو وموسم

يرجـــــون منـــــا خــطة دون نيلها * ضـــــراب وطعـن بالوشيج المقوم

يرجـــــون أن نسخــــي بقتل محمد * ولم تختضب سمر العوالي من الدم

كذبتـــــم وبـــــيت الله حـــتى تفلقوا * جـــــماجم تلقــــى بالحـميم وزمزم

وتقـــــطع أرحـــــام وتــنسى حليلة * حـــــليلا ويغــشى محرم بعد محرم

وينـــــهض قـــــوم بالحــــديد إليكم * يـــــذبون عــن أحسابهم كل مجرم

هـــم الأسد أسد الزأرتين إذا غدت * عـــــلى حنق لم تخش إعلان معلم

فيـــــا لبـــــني فهـر أفيقوا ولم تقم * نـــــوائح قتـــلى تدعى بالتسدم(3)

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تبن: تنفصل. السوالف: صفحات الأعناق. اترت: قطعت .

 (2) ضنك: ضيق. الضباع العرج مر ص 58 الشرب: الجماعة من القوم يشربون. والشطر الثاني في سيرة ابن هشام: به والنسور الطخم يكفن كالشرب.

(3) التسدم من السدم: الهم مع الندم. الغيظ مع الحزن.

 

/ صفحة 334 /

علـى ما مضى من بغيكم وعقوقكم * وغشيـــــانكم فــــي أمـــــرنا كل مأثم

وظلـــــم نبي جاء يدعو إلى الهدى * وأمر أتى من عند ذي العرش قيم(1)

فـــــلا تحـــــسبونا مسلمـيه ومثله * إذا كـــــان فـــــي قــــوم فليس بمسلم

فهـــــذي معـــــاذير وتـــــقدمة لكم * لكـــــيلا تـــــكون الحـــــرب قبل التقدم

ديوان أبي طالب ص 29: شرح ابن أبي الحديد 3: 312 وله قوله مخاطبا للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله : والله لـــــن يصلــوا إليك بجمعهم * حـــــتـــــى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وابشـــــر بـــذاك وقر منك عيونا

ودعوتني وعـــــلمت أنك ناصحي * ولقـــــد دعــوت كنت ثم أمينا(2)

ولقـــــد عـــــلمت بـأن دين محمد * من خـــــير أديـــــان البــرية دينا

رواها الثعلبي في تفسيره وقال: قد اتفق على صحة نقل هذه الأبيات عن أبي طالب مقاتل، وعبد الله بن عباس، والقسم بن محضرة، وعطاء بن دينار.

راجع خزانة الأدب للبغدادي 1: 261، تاريخ ابن كثير 3: 42، شرح ابن الحديد 3: 306 تاريخ أبي الفدا ج 1 ص 120، فتح الباري 7: 153، 155 الإصابة 4: 116، المواهب اللدنية 1: 61، السيرة الحلبية 1: 305، ديوان أبي طالب ص 12، طلبة الطالب ص 5 بلوغ الأرب 1: 325، السيرة النبوية لزيني دحلان هامش الحلبية 1: 91، 211 ، وذكر البيت الأخير في أسني المطالب ص 6 فقال: عده البرزنجي من كلام أبي طالب المعروف .

 لفت نظر زاد القرطبي وابن كثير في تاريخه على الأبيات :

لولا الملامة أو حذاري سبة * لوجـــدتني سمحا بذاك مبينا

قال السيد أحمد زيني دحلان المطالب ص 14: فقيل: إن هذا البيت موضوع أدخلوه في شعر أبي طالب وليس من كلامه .

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في رواية شيخ الطائفة: مبرم .

 (2) وفي رواية القسطلاني :

ودعوتني وزعمت أنك ناصحي * ولقد صدقت وكنت ثم أمينــــا

 

/ صفحة 335 /

قال الأميني: هب أن البيت الأخير من صلب ما نظمه أبو طالب عليه السلام فإن أقصى ما فيه أن العار والسبة الذين كان أبو طالب عليه السلام يحذرهما خيفة، أن يسقط محله عند قريش فلا تتسنى له نصرة الرسول المبعوث صلى الله عليه وآله إنما منعاه عن الابانة والإظهار لاعتناق الدين ، وإعلان الإيمان بما جاء به النبي الأمين، وهو صريح قوله: لوجدتني سمحا بذاك مبينا ، أي مظهرا، وأين هو عن اعتناق الدين في نفسه، والعمل بمقتضاه من النصرة والدفاع ؟ ولو كان يريد به عدم الخضوع للدين لكان تهافتا بينا بينه وبين أبياته الأولى التي ينص فيها بأن دين محمد صلى الله عليه وآله من خير أديان البرية دينا، وأنه صلى الله عليه وآله وسلم صادق في دعوته أمين على أمته .

 ومن شعره قوله قد غضب لعثمان بن مظعون حين عذبته قريش ونالت منه :

أمن تذكر دهر غير مأمون * أصبحت مكتئبا تبكي كمحزون

أم مـــــن تذكـــــر أقــــوام ذوي سفه * يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين؟!

ألا تـــــرون أذل الله جـــــمعـــــكـــــم * إنـــــا غـــــضبنا لعثمان بن مظعون؟

ونمنـــــع الضيــــم من يبغي مضيمنا * بكـــــل مطـــــرد فــــي الكف مسنون

ومرهـــــفات كـــــأن المـــلح خالطها * يشفــــى بها الداء من هام المجانين

حتـــــى تقـــــر رجـــــــال لا حلوم لها * بعـــــد الصعــــوبة بالأسماح واللين

أو تؤمنوا بكـــــتاب منـــــزل عجــــب * على نبي كموسى أو كذي النون(1)

ومن شعره يمدح النبي الأعظم صلى الله عليه وآله قوله :

لقـــــد أكـــــرم الله النبي محمدا * فأكرم خلق الله في الناس أحمد

وشق له من إسمـــــه ليجـــــله * فذو العرش محمود وهذا محمد

أخرجه البخاري في تاريخه الصغير من طريق علي بن يزيد، وأبو نعيم في دلائل النبوة 1 ص 6، وابن عساكر في تاريخه 1: 275، وذكره له ابن أبي الحديد في شرحه 3: 315، وابن كثير في تاريخه 1 ص 266، وابن حجر في الإصابة 4: 115 ، القسطلاني في المواهب اللدنية 1: 518 نقلا عن تاريخ البخاري، والديار بكري في تاريخ الخميس 1 ص 254 فقال: أنشأ أبو طالب في مدح النبي أبياتا منها هذا البيت

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح ابن أبي الحديد 3: 313.

 

/ صفحة 336 /

وشق له من إسمه ليجله *. . . . . . . . . . . . . . . . . .

 وحسان بن ثابت ضمن شعره هذا البيت فقال :

ألم تر أن الله أرسل عبده * بآياته والله أعلى وأمجد

وشق له من إسمه ليجله *. . . . . . . . . . . . . . . .

 والزرقاني في شرح المواهب 3: 156 وقال: توارد حسان معه أو ضمنه شعره وبه جزم في الخميس، أسنى المطالب ص 14 .

 ومن شعره المشهور كما قاله ابن أبي الحديد في شرحه 3: 315 :

أنـــــــت النـــــــبي محــمد * قـــــــرم أغـــــــر مســود

لمســـــــو ديـــــــن أكـارم * طـــــــابوا وطــاب المولد

نعـــــــم الأرومـــة أصلها * عمــــــرو الخضم الأوحد

هشــــم الربيكة في الجفا * ن وعـــــــيش مكـــة أنكد

فجـــــــرت بـــــــذلك سنة * فيـــــــها الخبــــــيرة تثرد

ولنـــــــا السقــاية للحجيـ * ــج بهـــــــا يمـات العنجد

والمأزمان(1) وما حوت * عــرفـــــــانها والمسجــد

أنى تضـــــــام ولـــم أمت * وأنـــــــا الشجــاع العربد

وبطـــــــاح مكـــة لا يرى * فيـــــــها نجـــــــيع أسـود

وبنـــــــوا أبـــــــيك كأنهم * أســـــــد العـــرين توقدوا

ولقـــــــد عهـــدتك صادقا * فـــــــي القــــــول لا يتزيد

ما زلـــت تنطق بالصواب * وأنـــــــت طفـــــــل أمــرد

جاء أبو جهل بن هشام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ساجد وبيده حجر يريد أن يرميه به فلما رفع يده لصق الحجر بكفه فلم يستطع ما أراد فقال أبو طالب :

أفيقــــوا بنـــي غالب ! وانتهوا * عن الغي من بعض ذا المنطق

وإلا فــــــإني إذن خــــــائـــــف * بــــــوائق فــــــي داركــم تلتقي

تكــــــون لغــــــيركم عــــــبـرة * ورب المغــــــارب والمــــشرق

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المأزمان: موضع بمكة بين المشعر الحرام وعرفة وهو شعب بين جبلين.

 

/ صفحة 337 /

كمــــــا نال مـن لان من قبلكم * ثمــــــود وعــــــاد ومــــاذا بقي

غــــــداة أتـــــاهم بها صرصر * وناقــــــة ذي العرش قد تستقي

فحــــــل عــــــليهم بها سخطه * مــــــن الله فـــي ضربة الأزرق

غــــــداة يعــــــض بعـــرقوبها * حــــــساما مـــن الهند ذا رونق

وأعجـــــب من ذاك في أمركم * عجــــــائب في الحجر الملصق

بكــــــف الـــــذي قام من خبثه * إلــــى الصابر الصادق المتقي

فأثــــــبته الله فــــــي كــــــفــه * عــــــلى رغمه الجائر الأحمق

أحيمــــــق مخزومكم إذ غوى * لغــــــي الغــــــواة ولــم يصدق

ديوان أبي طالب ص 13، شرح ابن أبي الحديد 3: 314 .

 قال ابن أبي الحديد في شرحه 3: 314: قالوا وقد اشتهر عن عبد الله المأمون رحمه الله إنه كان يقول: أسلم أبو طالب والله بقوله :

نصرت الرسول رسول المليك * ببـــــيــــض تلالا كلمع البروق

أذب وأحــــــمي رسولا الإلـــه * حــــــماية حــــــام عليه شفيق

ومــــا إن أدب لأعــــــدائــــــه * دبيــــب البكار حذار الفنيق(1)

ولكــــــن أزيــــــر لهــم ساميا * كــــــما زار ليــث بغيل مضيق

وتوجد هذه الأبيات مع بيت زائد في ديوانه ص 24 .

 ولسيدنا أبي طالب أبيات كتبها إلى النجاشي بعد ما خرج عمرو بن العاص إلى بلاد الحبشة ليكيد جعفر بن أبي طالب وأصحابه عند النجاشي.

 يحرض النجاشي على إكرام جعفر والاعراض مما يقول عمرو منها :

ألا ليت شعري كيف في الناس جعفر * وعـــــمرو وأعـــداء النبي الأقارب

وهـــــل نال إحسان النجاشي جعفرا * وأصحابه أم عاق عن ذاك شاغب ؟

تعلـــــم أبـــــيت اللعـــــن أنــك ماجد * كـــــريم فـــــلا يشقى إليك المجانب

ونــعـــــلم أن الله زادك بســـــطـــــة * وأسباب خـــــير كـــــلها بـــك لازب

تاريخ ابن كثير 3: 77، شرح ابن أبي الحديد 3: 314 .

 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الفنيق: الفحل المكرم لا يؤذى ولا يركب لكرامته ج فنق وأفناق.

 

/ صفحة 338 /

قال ابن أبي الحديد في شرحه 3: 315: ومن شعره المشهور أيضا قوله يخاطب محمدا، ويسكن جأشه، ويأمره بإظهار الدعوة :

لا يمنعـــــنك مــن حق تقـوم به * أيد تصــــول ولا سلق بأصوات

فإن كـــــفك كـفى إن مليت بهم * ودون نفسك نفسي في الملمات

قال ابن هشام: ولما خشي أبو طالب دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها، وتودد فيها أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تاركه لشئ أبدا، حتى يهلك دونه فقال أبو طالب :

خلــــــيلي مــــــا أذنــــــي لأول عــاذل * بصغــــــواء فـــــي حق ولا عند باطل

ولمــــــا رأيــــــت القـــــوم لا ود فيهم * وقــــــد قطعـــوا كل العرى والوسائل

وقــــــد صارحــــــونا بالعداوة والأذى * وقــــــد طاوعــــوا أمر العدو المزايل

وقــــــد حــــالفوا قوما علينا أظنة(1) * يعــــــضون غــــــيظا خلــفنا بالأنامل

صبــــــرت لهم نفسي بسمراء سمحة * وأييض عضب من تراث المقاول(2)

أعوذ بــــــرب النــــاس من كل طاعن * عــــــلينا بســــــوء أو ملــــــح بباطل

ومــــــن كاشــــــح يسعـــى لنا بمعيبة * ومــــن ملحق في الدين ما لم نحاول

وثــــــور ومــــــن أرسى ثبــيرا مكانه * وراق ليرقــــــي في حراء ونازل(3)

وبالبــــــيت حــــق البيت من بطن مكة * وبالله إن الله ليــــــس بغــــــافــــــل

وبالحجــــــر المســـــــود إذ يمسحونه * إذا اكتنفــــــوه بالضحـــى والأصائل

كــــــذبتم وبــــــيت الله نتــــــرك مكــة * ونضعــــــن إلا أمــــــركم فــي بلابل

كذبتــــــم وبــــــيت الله نــــبزي محمدا * ولما نطاعــــــن دونــــــه ونـــناضل

ونســــــلمه حــــــتى نـــــصـرع حوله * ونــــــذهل عــــــن أبــنائنا والحلائل

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) اظنة جمع ظنين: المتهم .

(2) سمراء سمحة: أراد بها قناة لينة تسمح بالانعطاف عند هزها.

 العضب: القاطع، المقاول أراد بها السادات (3) ثور وثبير وحراء جبال في مكة.

 

/ صفحة 339 /

وينـــــهض قـــــوم بالحـــــديد إليكم * نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل(1)

وحـــــتى نرى ذا الضغن يركب ردعه * من الطعــن فعل الأنكب المتحامل(2)

وإنا لعمـــــر الله إن جـــــد مــــا أرى * لنلتبـــــسن أسيـــــافنا بـــــالأماثــــــل

بكـــــفي فتــــــى مثل الشهاب سميدع * أخـــــي ثقـــــة حـــامي الحقيقة باسل

شهـــــورا وأيـــاما وحولا مجرما(3) * عـــــلينا وتـــــأتي حجـــــة بعــــد قابل

ومـــــا تــــرك قوم - لا أبا لك - سيدا * يحـــــوط الـذمار غير ذرب مـواكل(4)

وأبـــــيض يستســــقى الغمام بوجهه * ثـــــمال اليـــــتامى عـــصمــة للأرامل

يلوذ بـــــه الهـــــلاك مـــن آل هـاشم * فهـــــم عـــــنده فـــي رحمــة وفواضل

بميـــــزان قســـــط لا يخــيس شعيرة * لـــــه شـاهد من نفسه غير عــائل(5)

لقـــــد سفـــــهت أحلام قـــــوم تبدلوا * بنـــــي خــلف قيضا بنا والغياطـــل(6)

ونحن الصميـــــم من ذؤابــــة هاشم * وآل قـــــصي فـــــي الخطوب الأوائـــل

وسهـــــم ومخـــــزوم تمـالوا وألبوا * عـــلينا العدا من كل طمل وخامـــل(7)

فعـــــبد منـــــاف أنـــــتم خير قومكم * فــلا تشركوا في أمركم كل واغـــل(8)

ألـــــم تعـــــلموا أن ابنــــنا لا مكذب * لـــــدينا ولا نعـــــبأ بقــــول الأباطـــل ؟

أشـــــم مـــــن الشــم البهاليل ينتمي * إلـــــى حسب في حومة المجد فاضـــل

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الروايا: الإبل التي تحمل الماء، واحدتها: رواية.

 الصلاصل ج الصلصلة: الصوت وذات الصلاصل: المزادات التي فيها بقية من الماء يسمع لها صوت حين تسير الإبل .

 (2) يقال: ركب ردعه، أي خر صريعا لوجهه، الأنكب: الذي يمشي على شق .

 (3) حولا مجرما: أي مكملا يقال: تجرمت السنة إذا كملت وانقضت .

 (4) الذمار: ما يلزمك أن تحميه. ذوب: فاسد. مواكل: يتكل على غيره .

 (5) لا يخيس من قولهم: خاس بالعهد إذا نقضه وأفسده ويروى " لا يخس " أي لا ينقص عائل: جائر .

 (6) قيضا بنا: عوضا منا تقول: قاضه بكذا أي عوضه به.

 الغيطلة: من بني مرة بن عبد مناة إخوة مدلج بن مرة وهي أم الغياطل فقيل لولدها: الغياطل وهم من بني سهم بن عمرو بن هصيص .

(7) الطمل: الرجل الفاحش لا يبالي ما صنع اللئيم، الأحمق. اللص الفاسق .

 (8) كل واغل، أراد كل ملصق ليس من صميم، وأصل الواغل الداخل على القوم وهم يشربون من غير أن يدعى.

 

/ صفحة 340 /

لعـــــمري لقـــــد كــلفت وجدا بأحمد * وأحبـــــبته حـــــب الحبــيب المواصل

فـــــلا زال فــــي الدنيا جمالا لأهلها * وزيـــــنا لمـــــن والاه رب المشـــاكل

فأصبـــــح فيـــــنا أحـــمد في أرومة * تقـــــصر عـــــنه ســـــورة المتـطاول

حـــــدبت بنـــــفسي دونـــــه وحميته * ودافعـــــت عــــند بالذرا والكلاكل(1)

فأيـــــده رب العـــــباد بنـــــصـــــــره * وأظهـــــر ديـــــنا حـــــقه غــير باطل

هذه القصيدة ذكر منها ابن هشام في سيرته 1 ص 286 - 298، أربعة وتسعين بيتا وقال: هذا ما صح لي من هذه القصيدة.

 وذكر ابن كثير من اثنين وتسعين بيتا في تاريخه 3 ص 53 - 57، وفي رواية ابن هشام ثلاثة أبيات لم توجد في تاريخ ابن كثير وقال: ص 57 قلت: هذه قصيدة عظيمة بليغة جدا لا يستطيع يقولها إلا من نسبت إليه، وهي أفحل من المعلقات السبع، وأبلغ في تأدية المعنى فيها جميعا، وقد أوردها الأموي في مغازيه مطولة بزيادات أخر والله أعلم .

 وذكرها أبو هفان العبدي في ديوان أبي طالب ص 2 - 12 في مائة وأحد عشر بيتا ولعلها تمام القصيدة .

 وقال ابن أبي الحديد في شرحه 2: 315 بعد ذكر جملة من شعر أبي طالب: فكل هذه الأشعار قد جاءت مجئ التواتر لأنه إن لم يكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد مشترك وهو تصديق محمد صلى الله عليه وآله ومجموعها متواتر كما أن كل واحدة من قتلات علي عليه السلام الفرسان منقولة آحادا ومجموعها متواتر يفيدنا العلم الضروري بشجاعته، وكذلك القول فيما روي من سخاء حاتم وحلم الأحنف ومعاوية وذكاء إياس وخلاعة أبي نواس وغير ذلك.

 قالوا: واتركوا هذا كله جانبا ما قولكم في القصيدة اللامية التي شهرتها كشهرة قفا نبك.

 وإن جاز الشك فيها أو في شئ من أبياتها جاز الشك في قفا نبك وفي بعض أبياتها .

 وقال القسطلاني في إرشاد الساري 2: 227: قصيدة جليلة بليغة من بحر الطويل وعدة أبياتها مائة وعشرة أبيات قالها لما تمالا قريش على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونفروا عنه من يريد الاسلام ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حديت: عطفت ومنعت * الذرا جمع ذرة: أعلى ظهر البعير. الكلاكل جمع كلكل : معظم الصدر.

 

/ صفحة 341 /

وذكر منها في المواهب اللدنية 1: 48، أبياتا فقال: هي أكثر من ثمانين بيتا قال ابن التين: إن في شعر أبي طالب هذا دليلا على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به " بحيرا " وغيره من شأنه.

 وقال العيني في عمدة القاري 3: 434 : قصيدة طنانة وهي مائة بيت وعشرة أبيات أولها : خليلي ما أذني لأول عاذل

* بصغواء في حق ولا عند باطل ذكر منها البغدادي في خزانة الأدب 1: 252 - 261 اثنين وأربعين بيتا مع شرحها وقال أولها :

خـــــليلي مــا أذني لأول عاذل * بصغواء في حل ولا عند باطل

خليلي إن الـرأي ليس بشركة * ولا نهنــــه عند الأمور البلابل

ولما رأيت القوم لا ود عندهم * وقد قطعوا كل العرا والوسائل

وذكر الآلوسي عدة منها في بلوغ الإرب 1 ص 237 وذكر كلمة ابن كثير المذكورة وقال: هي مذكورة مع شرحها في كتاب لب لباب لسان العرب .

 وذكر منها السيد زيني دحلان أبياتا في السيرة النبوية هامش الحلبية 1 ص 88 فقال: قال الإمام عبد الواحد(1) السفاقسي في شرح البخاري: إن في شعر أبي طالب هذا دليلا على أنه كان يعرف نبوة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما أخبره به " بحيرا " الراهب وغيره من شأنه مع ما شاهده من أحواله ومنها الاستسقاء به في صغره ومعرفة أبي طالب بنبوته صلى الله عليه وسلم جاءت في كثير من الأخبار زيادة على أخذها من شعره .

 قال الأميني: أنا لا أدري كيف تكون الشهادة والاعتراف بالنبوة إن لم يكن منها هذا الأساليب المتنوعة المذكورة في هذه الأشعار ؟ ولو وجد واحد منها في شعر أي أحد أو نثره لأصفق الكل على إسلامه، لكن جميعها لا يدل على إسلام أبي طالب . فاعجب واعتبر .

هذه جملة من شعر أبي طالب عليه السلام الطافح من كل شطره الإيمان الخالص ، والاسلام الصحيح قال العلامة الأوحد ابن شهر آشوب المازندراني في كتابه متشابهات القرآن عند قوله تعالى(ولينصرن الله من ينصره) في سورة الحج: إن أشعار أبي طالب

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هو ابن التين المذكور في كلام القسطلاني.

 

/ صفحة 342 /

الدالة على إيمانه تزيد على ثلاثة آلاف بيت يكاشف فيها من يكاشف النبي صلى الله عليه وآله و يصحح نبوته ثم ذكر جملة ضافية ومما ذكر له قوله في وصيته :

أوصـــــي بنـــــصر نبـــي الخير أربعة * إبـــــني عـــــليا وشيـــخ القوم عباسا

وحمـــــزة الأســـــد الحــــامي حقيقته * وجعـــــفرا أن تـــــذودا دونــــه الناسا

كـــــونوا فـــــداء لكـم أمي وما ولدت * في نصر أحمد دون الناس أتراسا(1)

 

- 2 -

ما ناء به من عمل بار وقول مشكور

أما ما ناء به سيد الأباطح أبو طالب سلام الله عليه من عمل بار وسعي مشكور في نصرة النبي صلى الله عليه وآله وكلائته والذب عنه والدعوة إليه وإلى دينه الحنيف منذ بدء البعثة إلى أن لفظ أبو طالب نفسه الأخير وقد تخلل ذلك جمل من القول كلها نصوص على إسلامه الصحيح، وإيمانه الخالص، وخضوعه للرسالة الإلهية، فإلى الملتقى .

 روى القوم :

 

- 1 -

قال ابن إسحاق: إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجرا فلما تهيأ للرحيل وأجمع السير هب له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال: يا عم إلى من تكلني لا أب لي ولا أم لي ؟ فرق له أبو طالب وقال: والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا.

 قال: فخرج به معه فلما نزل الركب " بصرى " من أرض الشام وتهيأ راهب يقال له: بحيرا.

 في صومعة له وكان أعلم أهل النصرانية ولم يزل في تلك الصومعة راهب إليه يصير علمهم من كتاب فيهم كما يزعمون يتوارثونه كائنا عن كائن، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا ما يمرون عليه قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يتعرض لهم حتى إذا كان ذلك العام نزلوا به قريبا من صومعته فصنع لهم طعاما كثير وذلك فيما يزعمون عن شئ رآه وهو في صومعته في الركب حين أقبلوا، وغمامة تظله صلى الله عليه وآله من بين القوم.

 ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة حتى أظلت

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في النسخة المطبوعة من متشابهات القرآن تصحيف وتحريف في الأبيات راجع ج 2 ص 65.

 

/ صفحة 343 /

الشجرة وتهصرت يعني تدلت أغصانها على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها فلما رأي " بحيرا " ذلك نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش ! وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم فقال له رجل منهم: يا بحيرا ! إن لذلك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا فيما مضى وقد كنا نمر بك كثيرا فما شأنك اليوم ؟ فقال له بحيرا : صدقت قد كان ما تقولون ولكنكم ضيوف فأحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة فلما نظر " بحيرا " في القوم لم ير الصفة التي يعرفها وهي موجودة عنده فقال: يا معشر قريش ! لا يتخلف أحد عنكم عن طعامي هذا فقالوا: يا بحيرا ! ما تخلف عنك أحد ينبغي أن يأتيك إلا غلام هو حدث القوم سنا تخلف في رحالهم قال: فلا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم، فقال رجل من قريش: واللات والعزى إن لهذا اليوم نبأ.

 أيليق أن يتخلف ابن عبد الله عن الطعام من بيننا ؟ ثم قام إليه فاحتضنه ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم فلما رئاه " بحيرا " جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا قام " بحيرا " فقال له: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه.

 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألني باللات والعزى شيئا قط، فقال بحيرا : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه.

 فقال: سلني عما بدا لك.

 فجعل يسأله عن أشياء من نومه وهيئته وأموره ورسول الله يخبره فيوافق ذلك ما عند " بحيرا " من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده.

 الحديث فقال أبو طالب في ذلك .

إن ابن آمنة النبـــــي محمدا * عـــــــندي يفوق منازل الأولاد

لما تعــــــــلق بالزمام رحمته * والعيس قد قلصن(1) بالأزواد

فارفض من عيني دمع ذارف * مثـــل الجـــمان مفرق الأفراد

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قلص القوم: اجتمعوا فساروا. قلصت الناقة: استمرت في مضيها. تقلص: انضم وانزوى . تدانى.

 

/ صفحة 344 /

فارفض من عيني دمـــــع ذارف * مثـــل الجـــمان مفــــرق الأفراد

فارفض من عيني دمــــع ذارف * مثـــل الجـــمان مفـــــرق الأفراد

راعيت فيه قرابـــــة مــوصولة * وحفظت فيـــــه وصيـــــة الأجـداد

وأمـــــرته بالسيــر بين عمومة * بيض الوجوه مصالت أنجـــاد(1)

ســـــاروا لأبعـــــد طية معلومة * فلقـــــد تباعـــد طية(2) المـــرتاد

حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا * لاقــوا على شرك من المرصـــاد

حبـــــرا فأخـــبرهم حديثا صادقا * عـــــنـــــه ورد معــــاشر الحساد

قـــــوم يهــــود قد رأوا لما رأى * ظـــل الغمام وعن ذي الأكباد(3)

ثـــــاروا لقتـــــل محــمد فنهاهم * عـــــنـــــه وجاهد أحسن التجهاد

فثـــــنى زبـيرا من بحيرا فانثنى * فـــــي القـــــوم بعـد تجاول وبعاد

ونهــى دريسا فانتهى عـن قوله * حبـــــر يـــــوافق أمـــــره برشاد

وقال أيضا :

ألـــــم تــــرني من بعدهم هممته * بفـــــرقة حـــــر الــــوالدين حرام

بأحـــــمد لمــــا أن شددت مطيتي * برحـــــلي وقـــــد ودعـــته بسلام

بكـــى حزنا والعيس قد فصلت بنا * وأخـــــذت بالكــــفين فضل زمام

ذكـــــرت أبــــــاه ثم رقرقت عبرة * تجـــــود مــن العينين ذات سجام

فقـــلت: ترحل راشدا في عمومة * مـــــواسير في البأساء غير لئام

فجـــاء مع العير التي راح ركبها * شـآمي الهوى والأصل غير شآم

فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا * لنا فـــــوق دور ينظـــرون جسام

فجاء بحيرا عند ذلك حـــــاشــــدا * لنـــــا بشـــــراب طيـــــب وطعام

فقــال: اجمعوا أصحابكم لطعامنا * فـــــقلنا: جمعنا القوم غير غلام

يتـــــيم فـــقال: ادعوه إن طعامنا * كثـــــير عـــــليه اليوم غير حرام

فلـــــولا الـــذي خبرتم عن محمد * لكنـــــتم لـــــدينا اليوم غير كرام

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مصالت: الماضي في الحوائج، الصلت الجبين: الواضح. أنجاد ج النجد: الضابط للأمور يذلل المصائب. الشجاع الماضي فيما يعجز غيره. سريع الاجابة إلى ما دعي إليه .

 (2) في الموضعين في رواية: طبة. بالموحدة مؤنث الطب بفتح الطاء: الناحية .

 (3) وفي رواية: قوم يهود قد رأوا ما قد رأوا ظل الغمامة ناغري الأكباد.

 

/ صفحة 345 /

فلمــــــا رآه مقــــــبلا نحــو داره * يــــــوقيه حـر الشمس ظل غمام

حنــا رأسه شبه السجود وضمه * إلــــــى نحـره والصدر أي ضمام

وأقبـــل ركب يطلبون الذي رأى * بحــــــيرا مـن الأعلام وسط خيام

فثـــار إليهم خشية لعرامهم(1) * وكــــــانوا ذوي بغـــي لنا وعرام

دريــس وتمام وقد كان فيهم(2) * زبــــــير وكــــــل القـوم غير نيام

فجــــــاؤا وقـد هموا بقتل محمد * فــــــردهم عــــــنـه بحسن خصام

بتأويلــــــه التــوراة حتى تيقنوا * وقــــــال لهـــــم: رمتم أشد مرام

أتبغــــــون قــــتلا للنبي محمد ؟ * خـــــصصتم على شؤم بطول أنام

وإن الــــــذي نخــتاره منه مانع * سيكفــــــيه منــــــكم كيد كل طغام

فــــــذلك مــــــن أعـلامه وبيانه * وليــــــس نهــــــار واضـح كظلام

ديوان أبي طالب ص 33 - 35، تاريخ ابن عساكر 1: 269 - 272، الروض الأنف 1: 120 .

 وذكر السيوطي الحديث من طريق البيهقي في الخصايص الكبرى 1: 84 فقال في ص 85: وقال أبو طالب في ذلك أبياتا منها:

فما رجعوا حتى رأوا من محمد * أحــــــاديث تجــــلو غم كل فؤاد

وحتى رأوا أحــــــبار كـل مدينة * سجــــــودا له من عصبة وفراد

زبــــيرا وتماما وقد كان شاهدا * دريســــــا وهمـــوا كلهم بفساد

فــــــقال لهم قولا بحيرا وأيقنوا * له بعــــــد تكـــــذيب وطول بعاد

كـــــما قال للرهط الذين تهودوا * وجــــــاهدهم فــي الله كل جهاد

فــقال ولم يترك له النصح: رده * فــــــإن لـــــه إرصاد كل مصـاد

فــــــإني أخــاف الحاسدين وإنه * لفــــــي الكتب مكتوب بكل مداد

 

- 2 -

استسقاء أبي طالب بالنبي صلى الله عليه وآله

أخرج ابن عساكر في تاريخه عن جلهمة بن عرفطة قال: قدمت مكة وهم في قحط

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العرام: الشراسة والأذى .

(2) دريس، وتمام، وزبير - في بعض النسخ: زدير أحبارمن اليهود.

 

/ صفحة 346 /

فقالت قريش: يا أبا طالب ! أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم واستسق فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ باصبعه الغلام، وما في السماء قزعة(1) فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا: وأغدق واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب البادي والنادي ففي ذلك يقول أبو طالب :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمــــال اليتامى عصمة للأرامل

يلـــــوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عــنــــده في نعمة وفواضل

وميـــزان عدل لا يخيس شعيرة * ووزان صدق وزنـــه غير هائل

شرح البخاري للقسطلاني 2: 227، المواهب اللدنية 1: 48، الخصايص الكبرى 1 : 86، 124، شرح بهجة المحافل 1: 119، السيرة الحلبية 1: 125، السيرة النبوية لزيني دحلان هامش الحلبية 1: 87، طلبة الطالب ص 42 .

 ذكر الشهرستاني في الملل والنحل بهامش الفصل 3: 225 سيدنا عبد المطلب وقال : ومما يدل على معرفته بحال الرسالة وشرف النبوة أن أهل مكة لما أصابهم ذلك الجدب العظيم وأمسك السحاب عنهم سنتين أمر أبا طالب ابنه أن يحضر المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو رضيع في قماط فوضعه على يديه واستقبل الكعبة ورماه إلى السماء وقال : يا رب بحق هذا الغلام.

 ورماه ثانيا وثالثا وكان يقول: بحق هذا الغلام إسقنا غيثا مغيثا دائما هاطلا.

 فلم يلبث ساعة أن طبق السحاب وجه السماء وأمطر حتى خافوا على المسجد وأنشد أبو طالب ذلك الشعر اللامي الذي منه :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمـــان اليتامى عصمة للأرامل

ثم ذكر أبياتا من القصيدة، ولا يخفى على الباحث أن القصيدة نظمها أبو طالب عليه السلام أيام كونه في الشعب كما مر .

 فاستسقاء عبد المطلب وابنه سيد الأبطح بالنبي الأعظم يوم كان صلى الله عليه وآله رضيعا و يافعا يعرب عن توحيدهما الخالص، وإيمانهما بالله، وعرفانهما بالرسالة الخاتمة، وقداسة صاحبها من أول يومه، ولو لم يكن لهما إلا هذين الموقفين لكفياهما كما يكفيان

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) القزعة: القطعة من السحاب.

 

/ صفحة 347 /

الباحث عن دليل آخر على اعتناقهما الإيمان .

 

- 3 -

أبو طالب في مولد أمير المؤمنين عليه السلام

عن جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميلاد علي بن أبي طالب فقال: لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبيه المسيح عليه السلام إن الله تبارك وتعالى خلق عليا من نوري وخلقني من نوره وكلانا من نور واحد، ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم عليه السلام في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكية فما نقلت من صلب إلا ونقل علي معي فلم نزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة.

 واستودع عليا خير رحم وهي فاطمة بنت أسد.

 وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة فبعث الله إليه أبا طالب فلما أبصره المبرم قام إليه وقبل رأسه وأجلسه بين يديه ثم قال له: من أنت ؟ فقال: رجل من تهامة.

 فقال: من أي تهامة ؟ فقال: من بني هاشم.

 فوثب العابد فقبل رأسه ثم قال: يا هذا إن العلي الأعلى ألهمني إلهماما.

 قال أبو طالب: وما هو ؟ قال : ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله عز وجل، فلما كان الليلة التي ولد فيها علي أشرقت الأرض فخرج أبو طالب وهو يقول: أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول :

يا رب هـــــذا الغسق الدجي * والقــــــمر المنبلـــــج المضي

بــــــين لنـا من أمرك الخفي * ماذا ترى في اسم ذا الصبي؟

قال: فسمع صوت هاتف يقول :

يا أهل بيت المصطفى النبي * خــــــصصتم بالـــولد الزكي

إن اسمه مــن شامخ العلي * عــــــلي اشتــــق من العلي

أخرجه الحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص 260 وقال: تفرد به مسلم بن خالد الزنجي وهو شيخ الشافعي، وتفرد به عن الزنجي عبد العزيز بن عبد الصمد وهو معروف عندنا .

 

 

/ صفحة 348 /

 

- 4 -

بدء أمر النبي وأبو طالب

أخرج فقيه الحنابلة إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري في كتابه - نهاية الطلب وغاية السؤل في مناقب آل الرسول -(1) بإسناده عن طاوس عن ابن عباس في حديث طويل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس رضي الله عنه: إن الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك ؟ فقال له العباس رضي الله عنه: يا بن أخي تعلم أن قريشا أشد الناس حسدا لولد أبيك، وإن كانت هذه الخصلة كانت الطامة الطماء والداهية العظيمة ورمينا عن قوس واحد وانتسفونا نسفا، صلنا ولكن قرب إلى عمك أبي طالب فإنه كان أكبر أعمامك إن لا ينصرك لا يخذلك ولا يسلمك، فأتياه فلما رآهما أبو طالب قال: إن لكما لظنه وخبرا ما جاء بكما في هذا الوقت ؟ فعرفه العباس ما قال له النبي صلى الله عليه وسلم وما أجابه به العباس فنظر إليه أبو طالب وقال له: أخرج ابن أبي فإنك الرفيع كعبا، والمنيع حزبا، والأعلى أبا، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد ، واجتذبته سيوف حداد، والله لتذلن لك العرب ذل البهم لحاضنها، ولقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعا ولقد قال: إن من صلبي لنبيا لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به فمن أدركه من ولدي فليؤمن به .

 قال الأميني: أترى أن أبا طالب يروي ذلك عن أبيه مطمأنا به ؟ فلينشط رسول الله صلى الله عليه وآله هذا التنشيط لأول يومه، ويأمره بإشهار أمره والاشادة بذكر الله وهو مخبت بأنه هو ذلك النبي الموعود بلسان أبيه والكتب السالفة، ويتكهن بخضوع العرب له، أتراه سلام الله عليه يأتي بهذه كلها ثم لا يؤمن به ؟ إن هذا إلا اختلاق .

 

- 5 -

أبو طالب وفقده النبي صلى الله عليه وآله

ذكر ابن سعد الواقدي في الطبقات الكبرى ص 186 ج 1 ط مصر وص 135 ط ليدن حديث ممشى قريش إلى أبي طالب في أمره صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: فاشمأزوا ونفروا منها(يعني من مقالة محمد) وغضبوا وقاموا وهم يقولون: اصبروا على آلهتكم، إن

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الطرائف لسيدنا ابن طاوس ص 85، وضياء العالمين لشيخنا أبي الحسن الشريف.

 

/ صفحة 349 /

هذا لشئ يراد، ويقال: المتكلم بهذا: عقبة بن أبي معيط.

 وقالوا: لا نعود إليه أبدا ، وما خير من أن نغتال محمدا، فلما كان مساء تلك الليلة فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء أبو طالب وعمومته إلى منزله فلم يجدوه، فجمع فتيانا من بني هاشم وبني المطلب ثم قال ، ليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة، ثم ليتبعني إذا دخلت المسجد، فلينظر كل فتى منكم فليجلس إلى عظيم من عظمائهم فيهم: ابن الحنظلية - يعني أبا جهل - فإنه لم يغب عن شر إن كان محمد قد قتل، فقال الفتيان: نفعل، فجاء زيد بن حارثة فوجد أبا طالب على تلك الحال، فقال: يا زيد ! أحسست ابن أخي ؟ قال: نعم كنت معه آنفا فقال أبو طالب: لا أدخل بيتي أبدا حتى أراه، فخرج زيد سريعا حتى أتى رسول الله صلى الله عله وسلم وهو في بيت عند الصفا ومعه أصحابه يتحدثون، فأخبره الخبر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب، فقال: يا ابن أخي ! أين كنت ؟ أكنت في خير ؟ قال: نعم.

 قال : أدخل بيتك، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح أبو طالب غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيده فوقف به على أندية قريش ومعه الفتيان الهاشميون والمطلبيون فقال : يا معشر قريش ! هل تدرون ما هممت به ! قالوا: لا: فأخبرهم الخبر، وقال للفتيان : اكشفوا عما في أيديكم.

 فكشفوا، فإذا كل رجل منهم معه حديدة صارمة.

 فقال : والله لو قتلتموه ما بقيت منكم أحدا.

 حتى نتفانى نحن وأنتم، فانكسر القوم وكان أشدهم انكسارا أبو جهل .

*(لفظ آخر) *

وأخرج الفقيه الحنبلي إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري في كتابه - نهاية الطلب(1) بإسناده عن عبد الله بن المغيرة بن معقب قال: فقد أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فظن أن بعض قريش اغتاله فقتله فبعث إلى بني هاشم فقال: با بني هاشم أظن أن بعض قريش اغتال محمدا فقتله فليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة وليجلس إلى جنب عظيم من عظماء قريش فإذا قلت: أبغي محمدا.

 قتل كل منكم الرجل الذي إلى جانبه، وبلغ رسول الله جمع أبي طالب وهو في بيت عند الصفا فأتى أبا طالب وهو في المسجد فلما رآه أبو طالب أخذ بيده ثم قال: يا معشر قريش ! فقدت محمدا فظننت أن بعضكم اغتاله

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع الطرائف لسيدنا ابن طاووس ص 85.

 

/ صفحة 350 /

فأمرت كل فتى شهد من بني هاشم أن يأخذ حديدة ويجلس كل واحد منهم إلى عظيم منكم فإذا قلت: أبغي محمدا: قتل كل واحد منهم الرجل الذي إلى جنبه، فاكشفوا عما في أيديكم يا بني هاشم ! فكشف بنو هاشم عما في أيديهم فنظرت قريش إلى ذلك فعندها هابت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنشأ أبو طالب :

ألا أبـــــلغ قـــــريشا حــيث حلت * وكـــــل ســـــرائر منــــها غرور

فـــــإني والضــوابح عاديات(1) * وما تتلو السفاسرة الشهور(2)

لآل محـــــمــــد راع حفـــــيـــــظ * وود الصـــــدر منــــي والضـمير

فلســـــت بقــاطع رحمي وولدي * ولـــــو جـــــرت مظالمها الجزور

أيـــــأمر جـــــمعهم أبــــناء فهر * بقتـــــل مـحـــــمد والأمـــــر زور

فـــــلا وأبـــــيك لا ظفرت قريش * ولا أمـــــت رشـــــادا إذ تـــــشير

بنـــــي أخـــــي ونوط القلب مني * وأبـــــيض مـــــاءه غــــدق كثير

ويشـــــرب بعـــــده الــولدان ريا * وأحـــــمد قـــــد تضمنــــه القبور

أيا ابن الأنف أنف بني قصي(3) * كأن جبـــيـــــــنك القمــــر المنير

*(لفت نظر) * قال شيخنا لعلامة المجلسي في البحار 9: 31 روى جامع الديوان - يعني ديوان أبي طالب - نحو هذا الخبر مرسلا ثم ذكر الأشعار هكذا فذكر الأشعار وفيها زيادة عشرين بيتا على ما ذكر وهي لا توجد في الديوان المطبوع لسيدنا أبي طالب .

 *(لفظ ثالث) * وقال السيد فخار بن معد في كتابه " الحجة " ص 61: وأخبرني الشيخ الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن الجوزي المحدث البغدادي(وكان ممن يرى كفر

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في تاج العروس 3، 272 " فإني والسوابح كل يوم " وفي ص 320 " فإني والضوابح كل يوم " .

(2) السفاسرة: أصحاب الأسفار وهو الكتب. الشهور: العلماء ج الشهر. كذا فسر البيت كما في تاج العروس 3: 272، 320 .

(3) الأنف: السيد.

 

/ صفحة 351 /

أبي طالب ويعتقده) بواسط العراق سنة إحدى وتسعين وخمسمائة بإسناد له إلى الواقدي قال: كان أبو طالب بن عبد المطلب لا يغيب صباح النبي ولا مساءه، ويحرسه من أعداءه ويخاف أن يغتالوه، فلما كان ذات يوم فقده فلم يره وجاء المساء فلم يره وأصبح الصباح فطلبه في مظانه فلم يجده فلزم أحشاءه وقال: وا ولداه وجمع عبيده ومن يلزمه في نفسه قال لهم: إن محمدا قد فقدته في أمسنا ويومنا هذا ولا أظن إلا أن قريشا قد اغتالته وكادته وقد بقي هذا الوجه ما جئته وبعيد أن يكون فيه واختار من عبيده عشرين، رجلا، فقال: امضوا وأعدوا سكاكين وليمض كل رجل منكم وليجلس إلى جنب سيد من سادات قريش فإن أتيت ومحمد معي فلا تحدثن أمرا وكونوا على رسلكم حتى أقف عليكم، وإن جئت وما محمد معي فليضرب كل منكم الرجل الذي إلى جانبه من سادات قريش فمضوا وشحذوا سكاكينهم حتى رضوها، ومضى أبو طالب في الوجه الذي أراده ومعه رهطه من قومه فوجده في أسفل مكة قائما يصلي إلى جنب صخرة فوقع عليه وقبله وأخذ بيده وقال: يا بن أخ ! قد كدت أن تأتي على قومك، سر معي، فأخذ بيده وجاء إلى المسجد وقريش في ناديهم جلوس عند الكعبة فلما رأوه قد جاء ويده في يد النبي صلى الله عليه وآله قالوا: هذا أبو طالب قد جاءكم بمحمد إن له لشأنا، فلما وقف عليهم والغضب في وجهه قال لعبيده: أبرزوا ما في أيديكم فأبرز كل واحد منهم ما في يده فلما رأوا السكاكين قالوا: ما هذا يا أبا طالب ؟ قال: ما ترون، إني طلبت محمدا فلم أره منذ يومين فخفت أن تكونوا كدتموه ببعض شأنكم فأمرت هؤلاء أن يجلسوا حيث ترون وقلت لهم: إن جئت وليس محمد معي فليضرب كل منكم صاحبه الذي إلى جنبه ولا يستأذني فيه ولو كان هاشميا فقالوا: وهل كنت فاعلا ؟ فقال: أي ورب هذه وأومى إلى الكعبة، فقال له المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وكان من أحلافه: لقد كدت تأتي على قومك ؟ قال: هو ذلك.

 ومضى به وهو يقول :

إذهب بني فما عليك غضاضة * إذهـــــب وقر بذاك منك عيونا

والله لـن يصلوا إليك بجمعهم * حتـــــى أوسـد في التراب دفينا

ودعوتني وعلمت أنك ناصحي * ولقـــد صدقت وكنت قبل أمينا

 

/ صفحة 352 /

وذكرت ديـــــنا لا محـــــالة إنه * من خـــير أديان البرية دينا(1)

فرجعت قريش على أبي طالب بالعتب والاستعطاف وهو لا يحفل بهم ولا يلتفت إليهم .

 قال الأميني: هذا الشيخ الأبطح يروقه أن يضحي كل قومه دون نبي الاسلام وقد تأهب لأن يطأ القوميات كلها والأواصر المتشجة بينه وبين قريش بأخمص الدين .

 فحياها الله من عاطفة إلهية، وآصرة دينية هي فوق أواصر الرحم .

 

- 6 -

أبو طالب في بدء الدعوة

لما نزلت: وأنذر عشيرتك الأقربين(2). خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد على الصفا فهتف: يا صباحاه. فاجتمعوا إليه، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح الجبل أكنتم مصدقي ؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك كذبا. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.

 فقال أبو لهب: تبا لك، أما جمعتنا إلا لهذا ؟ ثم أحضر قومه في داره فبادره أبو لهب وقال: هؤلاء هم عمومتك وبنو عمك فتكلم ودع الصبأة(3) و اعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأن أحق من أخذك فحبسك بنو أبيك و إن أقمت ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن ينب لك ؟ ؟ وتمدهم العرب فما رأيت أحدا جاء على بني أبيه بشر مما جئتم به. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولم يتكلم .

 ثم دعاهم ثانية وقال: الحمد لله أحمده وأستعينه واومن وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

 ثم قال: إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وانها الجنة أبدا والنار أبدا .

 فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك، واقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب ، فامض لما أمرت به، فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ما أسلفناه ص 334 .

(2) مر حديثها في الجزء الثاني ص 278 ط 2 .

(3) الصبا: الخروج من دين إلى دين آخر.

 

/ صفحة 353 /

فراق دين عبد المطلب(1) .

 قال الأميني لم يكن دين عبد المطلب سلام الله عليه إلا دين التوحيد والإيمان بالله ورسله وكتبه غير مشوب بشئ من الوثنية، وهو الذي كان يقول في وصاياه: إنه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة.

 إلى أن هلك ظلوم لم تصبه عقوبة.

 فقيل له في ذلك ففكر في ذلك فقال: والله إن وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب المسئ بإساءته، وهو الذي قال لأبرهة: إن لهذا البيت ربا يذب عنه ويحفظه، وقال وقد صعد أبا قبيس :

لا هـــم إن الــمرء يمنع * حـــله فـــامنع حـــلالك

لا يغـــلبن صليـــبـــهـــم * ومحــالهم عدوا محالك

فانصر على آل الصليب * وعـــابديه اليـــوم آلــك

إن كنـــت تـاركهم وكعــ* ــبتنا فأمر ما بدا لك(2)

ويعرب عن تقدمه في الإيمان الخالص والتوحيد الصحيح انتماء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه ومباهاته به يوم حنين بقوله :

أنـــــا النـــبي لا كـــذب * أنا ابن عبد المطلب(3)

وقد أجاد الحافظ شمس الدين بن ناصر بن الدمشقي في قوله :

تنـــقـــل أحـــمد نـــورا عــظيما * تـــلالا فـــي جـــباه الساجــــدينا

تقلـــب فيـــهم قـــرنا فـــقـــرنــا * إلى أن جاء خير المرسلينا(4)

وهذا هو الذي أراده أبو طالب سلام الله عليه بقوله: نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب.

 وهو صريح بقية كلامه، وقد أراد بهذا السياق التعمية على الحضور لئلا يناصبوه العداء بمفارقتهم، وهذا السياق من الكلام من سنن العرب في

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكامل لابن الأثير 2: 24 .

(2) الملل والنحل للشهرستاني هامش الفصل 3: 224، الدرج المنيفة للسيوطي ص 15 ، مسالك الحنفاء 37 .

(3) طبقات ابن سعد ط مصر رقم التسلسل ص 665، تاريخ الطبري 3: 129 .

(4) مسالك الحنفا للسيوطي ص 40، الدرج المنيفة ص 14.

 

/ صفحة 354 /

محاورتهم، قد يريدون به التعمية، وقد يراد به التأكيد للمعنى المقصود كقول الشاعر :

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهـــن فلـــول من قراع الكتائب

ولو لم يكن لسيدنا أبي طالب إلا موقفه هذا لكفى بمفرده في إيمانه الثابت ، وإسلامه القويم، وثباته في البدء .

 قال ابن الأثير: فقال أبو لهب: هذه والله السوء خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم، فقال أبو طالب: والله لنمنعنه ما بقينا، وفي السيرة الحلبية 1: 304: إن الدعوة كانت في دار أبي طالب .

 قال عقيل بن أبي طالب: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي كعبتنا وفي ديارنا ويسمعنا ما نكره فإن رأيت أن تكفه عنا فافعل.

 فقال لي: يا عقيل ! التمس لي ابن عمك فأخرجته من كبس من كباس أبي طالب فجاء يمشي معي يطلب الفئ يطأ فيه لا يقدر عليه حتى انتهى إلى أبي طالب فقال: يا ابن أخي ! والله لقد كنت لي مطيعا جاء قومك يزعمون أنك تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم فتؤذيهم و تسمعهم ما يكرهون، فإن رأيت أن تكف عنهم.

 فحلق بصره إلى السماء وقال : والله ما أنا بقادر أن أرد ما بعثني به ربي، ولو أن يشعل أحدهم من هذه الشمس نارا ، فقال أبو طالب: والله ما كذب قط فارجعوا راشدين .

 قال الأميني: هكذا أخرجه البخاري في تاريخه بإسناد رجاله كلهم ثقات، وبهذا اللفظ ذكره المحب الطبري في ذخاير العقبي ص 223. غير أن ابن كثير لما رأى لكلمة : راشدين. قيمة في إيمان أبي طالب فحذفها في تاريخه 3 ص 42. حيا الله الأمانة .

 وأخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى 1: 171 حديث الدعوة عن علي وفيه : ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم: من يؤازرني على ما أنا عليه ويجيبني على أن يكون أخي وله الجنة ؟ فقلت: أنا يا رسول الله، وإني لأحدثهم سنا، وأحمشهم ساقا.

 وسكت القوم ، ثم قالوا: يا أبا طالب ! ألا ترى ابنك ؟ قال: دعوه فلن يألو(1) ابن عمه خيرا .

 وروى أبو عمرو الزاهد الطبري عن تغلب عن ابن الأعرابي إنه قال في لغة - العور - إنه الردي من كل شئ قال: ومن العور ما في رواية ابن عباس. ثم ذكر حديث

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) يألو: قصر.

 

/ صفحة 355 /

علي عليه السلام بطوله إلى أن قال: قال: فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكلم اعترضه أبو لهب فتكلم بكلمات وقال: قوموا فقاموا وانصرفوا.

 قال: فلما كان من الغد أمرني فصنعت مثل ذلك الطعام والشراب ودعوتهم فأقبلوا ودخلوا فأكلوا وشربوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتكلم فاعترضه أبو لهب فقال له أبو طالب: اسكت يا أعور ! ما أنت وهذا ؟ ثم قال : لا يقومن أحد.

 قال: فجلسوا ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: قم يا سيدي فتكلم بما تحب و بلغ رسالة ربك فإنك الصادق المصدق .

 وإلى هذا الحديث وكلمة أبي طالب - اسكت يا أعور ! ما أنت وهذا ؟ - وقع الايعاز في النهاية لابن الأثير 3: 156، والفائق للزمخشري 2: 98 نقلا عن ابن الأعرابي، وفي لسان العرب 6: 294، تاج العروس 3: 428 .

 قال الأميني: أي كافر طاهر هذا سلام الله عليه وهو يدافع عن الاسلام المقدس بكل حوله وطوله، ويسلق رجال قومه بلسان حديد، ويحض النبي الأعظم على الدعوة وتبليغ رسالته عن ربه، ويراه الصادق المصدق ؟ .

 

- 7 -

قول أبي طالب لعلي: إلزم ابن عمك

قال ابن إسحاق: ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من أبيه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه، فيصليان الصلوات فيها فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا، ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ابن أخي ! ما هذا الدين الذي أراك تدين به ؟ قال: أي عم ! هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم .

 وذكروا أنه قال لعلي: أي بني ! ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟ فقال: يا أبت آمنت بالله وبرسول الله وصدقته بما جاء به، وصليت معه لله واتبعته، فزعموا أنه قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير، فالزمه.

 وفي لفظ عن علي: إنه لما أسلم قال له أبو طالب: إلزم ابن عمك .

 سيرة ابن هشام 1: 265، تاريخ الطبري 2: 214، تفسير الثعلبي، عيون الأثر

 

/ صفحة 356 /

1: 94، الإصابة 4: 116، أسنى المطالب ص 10 .

 وفي شرح ابن أبي الحديد 3: 314: روي عن علي قال: قال أبي: يا بني ألزم ابن عمك فإنك تسلم به من كل بأس عاجل وآجل ثم قال لي :

إن الوثيقة في لزوم محمد * فاشــدد بصحبته على يديكا

فقال: ومن شعره المناسب لهذا المعنى قوله :

إن عـــليا وجعـــفرا ثقـــتــي * عـــنـــد ملم الزمان والنوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخـــي لأمي من بينهم وأبي

والله لا أخـــذل النـــبـــي ولا * يخـــذله مـــن بني ذو حسب

هذه الأبيات الثلاث توجد في ديوان أبي طالب أيضا ص 36 وذكرها العسكري في كتاب الأوايل قال: إن أبا طالب مر بالنبي صلى الله عليه وسلم ومعه جعفر فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وعلي معه فقال لجعفر: يا بني ! صل جناح ابن عمك.

 فقام إلى جنب علي فأحس النبي فتقدمهما وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا فانصرف أبو طالب مسرورا وأنشأ يقول :

إن عـــليا وجعفرا ثقـتي * عند ملم الزمان والنوب

وذكر أبياتا لم يذكرها ابن أبي الحديد ومنها :

نحـــن وهـــذا النـــبي نــنصره * نضرب عنه الأعداء كالشهب

 وأخرج أبو بكر الشيرازي في تفسيره: إن النبي صلى الله عليه وآله لما أنزل عليه الوحي أتى المسجد الحرام وقام يصلي فيه فاجتاز به علي عليه السلام وكان ابن تسع سنين فناداه: يا علي ! إلي أقبل، فأقبل إليه ملبيا فقال له النبي: إني رسول الله إليك خاصة وإلى الخلق عامة فقف عن يميني وصل معي فقال: يا رسول الله ! حتى أمضي وأستأذن أبا طالب والدي ، فقال له: إذهب فإنه سيأذن لك، فانطلق إليه يستأذنه في إتباعه، فقال: يا ولدي: نعلم أن محمدا أمين الله منذ كان، إمض إليه واتبعه ترشد وتفلح.

 فأتى علي عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي في المسجد فقام عن يمينه يصلي معه فاجتاز أبو طالب بهما وهما يصليان .

 فقال: يا محمد ما تصنع ؟ قال: أعبد إله السماوات والأرض ومعي أخي علي يعبد ما أعبد وأنا أدعوك إلى عبادة الواحد القهار فضحك أبو طالب حتى بدت نواجذه وأنشأ يقول :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم * حـــتى أغيب في التراب دفينا

 

/ صفحة 357 /

إلى آخر الأبيات التي أسلفناها ص 334 .

 

- 8 -

قول أبي طالب: صل جناح ابن عمك

أخرج ابن الأثير: إن أبا طالب رأي النبي صلى الله عليه وسلم وعليا يصليان وعلي على يمينه فقال لجعفر رضي الله تعالى عنه: صل جناح ابن عمك، وصل عن يساره، وكان إسلام جعفر بعد إسلام أخيه علي بقليل.

 وقال أبو طالب :

فصبرا أبا يعــــلى على دين أحمد * وكــن مظهرا للدين وفقت صابرا

وحط من أتى بالحق من عند ربه * بصدق عــــزم لا تكن حمـز كافرا

فقد ســــرني إذ قـلت: إنك مؤمن * فكــــن لـرسول الله في الله ناصرا

وبــــاد قــــريشا بالــــذي قد أتيته * جـهارا وقل: ما كان أحمد ساحرا

أسد الغابة: 1: 287، شرح ابن أبي الحديد 3: 315، الإصابة 4: 116، السيرة الحلبية 1: 286، أسنى المطالب ص 6 وقال: قال البرزنجي: تواترت الأخبار أن أبا طالب كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم ويحوطه وينصره ويعينه على تبليغ دينه ويصدقه، فيما يقوله ويأمر أولاده كجعفر وعلي باتباعه ونصرته وقال في ص 10: قال البرزنجي: هذه الأخبار كلها صريحة في أن قلبه طافح وممتلئ بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم.