عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

ـ 30 ـ

رأي الخليفة في الأموال والصدقات

لم تكن فدك ببدع من ساير الأموال من الفئ والغنائم والصدقات عند الخليفة بل كان له رأي حر فيها وفي مستحقيها، كان يرى المال مال الله، ويحسب نفسه ولي المسلمين، فيضعه حيث يشاء ويفعل فيه ما يريد، فقام كما قال مولانا أمير المؤمنين نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع (1) .

كان يصل رحمه بمال يستوي فيه المسلمون كلهم، ولكل فرد من الملأ الديني منه حق معلوم للسائل والمحروم، لا يسوغ في شرعة الحق وناموس الاسلام المقدس حرمان أحد من نصيبه وإعطاء حقه لغيره من دون مرضاته.

جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الغنائم: لله خمسه وأربعة أخماس للجيش، وما أحد أولى به من أحد، ولا السهم تستخرجه من جنبك، ليس أنت أحق به من أخيك المسلم (2) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) نهج البلاغة 1: 35.

(2) سنن البيهقي 6: 324، 336.

 

/ صفحة 239 /

وكان صلى الله عليه وآله إذا جاءه فئ قسمه من يومه فأعطى ذا الأهل حظين، وأعطى العزب حظاً(1) .

والسنة الثابتة في الصدقات إن أهل كل بيئة أحق بصدقتهم ما دام فيهم ذو حاجة، وليست الولاية على الصدقات للجباية وهملها إلى عاصمة الخلافة وإنما هي للأخذ من الأغنياء والصرف في فقراء محالها، وقد ورد في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله معاذا حين بعثه إلى اليمن يدعوهم إلى الاسلام والصلاة أنه قال: فإذا أقروا لك بذلك فقل لهم: إن الله قد فرض عليكم صدقة أموالكم تؤخذ من أغنيائكم فترد في فقرائكم (2) قال عمرو بن شعيب: إن معاذ بن جبل لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله إلى اليمن حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه فبعث إليه معاذ بثلث صدقة الناس فأنكر ذلك عمر وقال: لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم.

فقال معاذ: ما بعثت إليك بشئ وأنا أجد أحدا يأخذه مني. الحديث (3) .

ومن كتاب لمولانا أمير المؤمنين إلى قثم بن العباس يوم كان عامله على مكة: " وانظر إلى ما اجتمع عندك من مال الله فاصرفه إلى من قبلك من ذوي العيال والمجاعة مصيبا به مواضع الفاقة والخلات، وما فضل عن ذلك فاحمله إلينا لنقسمه فيمن قبلنا " نهج البلاغة 2: 128.

وقال عليه السلام لعبد الله بن زمعة لما قدم عليه في خلافته يطلب منه مالا: " إن هذا المال ليس لي ولا لك، وإنما هو فئ للمسلمين وجلب أسيافهم، فإن شركتهم في حربهم كان لك مثل حظهم، وإلا فجناة أيديهم لا تكون لغير أفواههم. " نهج البلاغة 1: 461.

ومن كلام له عليه السلام: " إن القرآن أنزل على النبي صلى الله عليه وآله والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفي الفرائض، والفئ فقسمه على مستحقيه، و

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن أبي داود 2: 25، مسند أحمد 6: 29، سنن البيهقي 6: 346.

(2) صحيح بخاري 3: 215، الأموال لأبي عبيد ص 580، 595، 612، المحلى 6: 146.

(3) الأموال ص 596.

 

/ صفحة 240 /

والخمس فوضعه الله حيث وضعه، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها.

" راجع ما أسلفناه في ج 6: 77 ط 2.

وأتى عليا أمير المؤمنين مال من أصبهان فقسمه بسبعة أسباع ففضل رغيف فكسره بسبع فوضع على كل جزء كسرة ثم أقرع بين الناس أيهم يأخذ أول (1) .

وأتته عليه السلام امرأتان تسألانه عربية ومولاة لها فأمر لكل واحد منها بكر من طعام وأربعين درهما أربعين درهما، فأخذت المولاة الذي أعطيت وذهبت، وقالت العربية يا أمير المؤمنين ! تعطني مثل الذي أعطيت هذه وأنا عربية وهي مولاة ؟ قال لها علي رضي الله عنه: إني نظرت في كتاب الله عز وجل فلم أر فيه فضلا لولد إسماعيل على ولد إسحاق (2) .

ولذلك كله كانت الصحابة لا ترتضي من الخليفة الثاني تقديمه بعضا من الناس على بعض في الأموال بمزية معتبرة كان يعتبرها فيمن فضله على غيره كتقديم زوجات النبي صلى الله عليه وآله أمهات المؤمنين على غيرهن، والبدري على من سواه، والمهاجرين على الأنصار، والمجاهدين على القاعدين، من دون حرمان أي أحد منهم (3)، وكان يقول على صهوات المنبر: من أراد المال فليأتني فإن الله جعلني له خازنا (4) .

ويقول بعد قراءة آيات الأموال: والله ما من أحد من المسلمين إلا وله حق في هذا المال أعطي منه أو منع حتى راع بعدن(5).

ويقول أبدأ برسول الله صلى الله عليه وآله ثم الأقرب فالأقرب إليه. فوضع الديوان على ذلك.

وفي لفظ أبي عبيد: إن رسول الله إمامنا فبرهطه نبدأ، ثم بالأقرب فالأقرب (6) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن البيهقي 6: 348.

(2) سنن البيهقي 6: 349.

(3) الأموال لأبي عبيد ص 224 227، فتوح البلدان للبلاذري ص 453 416، سنن البيهقي 6: 349، 350، تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي 79 83.

(4) راجع ج 6 من كتابنا هذا 92 ط 2.

(5) الأموال ص 213، سنن البيهقي 6: 351.

(6) الأموال 224، سنن البيهقي 6: 364.

 

/ صفحة 241 /

وقبل هذه كلها سنة الله في الذكر الحكيم حول الأموال مثل قوله تعالى:

1 ـ واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. (الأنفال 41).

2 ـ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم (التوبة 60).

3 ـ ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شئ قدير.

ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. (الحشر 6، 7) .

هذه سنة الله وسنة نبيه غير أن الخليفة عثمان نسي ما في الكتاب العزيز، وشذ عما جاء به النبي الأقدس في الأموال، وخالف سيرة من سبقه، وتزحزح عن العدل و النصفة، وقدم أبناء بيته الساقط، أثمار الشجرة الملعونة في كتاب الله، رجال العيث والعبث، والخمور والفجور، من فاسق إلى لعين، إلى حلاف مهين هماز مشاء بنميم، وفضلهم على أعضاء الصحابة وعظماء الأمة الصالحين، وكان يهب من مال المسلمين لأحد من قرابته قناطير مقنطرة من الذهب والفضة من دون أي كيل ووزن، ويؤثرهم على من سواهم كائنا من كان من ذي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم.

ولم يكن يجرأ أحد عليه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما كان يرى سيرته الخشنة مع أولئك القائمين بذلك الواجب، ويشاهد فيهم من الهتك والتغريب والضرب بدرة كانت أشد من الدرة العمرية (1) مشفوعة بالسوط والعصا (2) وإليك نبذة من سيرة الخليفة في الأموال:

ـ 31 ـ

أيادي الخليفة عند الحكم بن أبي العاص

أعطى صدقات قضاعة الحكم بن أبي العاص عمه طريد النبي بعد ما قربه وأدناه وألبسه يوم قدم المدينة وعليه فزر (3) خلق وهو يسوق تيسا والناس ينظرون إلى سوء

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع محاضرة الأوائل للسكتواري ص 169.

(2) يأتي حديثه بعيد هذا.

(3) من فزر الثوب: انشق وتقطع وبلى.

/ صفحة 242 /

حاله وحال من معه حتى دخل دار الخليفة ثم خرج وعليه جبة خز وطيلسان (تاريخ اليعقوبي 2: 41) .

وقال البلاذري في الأنساب 5: 28 رواية عن ابن عباس أنه قال: كان مما أنكروا على عثمان إنه ولى الحكم ابن أبي العاص صدقات قضاعة (1) فبلغت ثلاث مائة ألف درهم فوهبها له حين أتاه بها.

قال ابن قتيبة وابن عبد ربه والذهبي: ومما نقم الناس على عثمان إنه آوى طريد النبي صلى الله عليه وسلم الحكم ولم يؤوه أبو بكر وعمر وأعطاه مائة ألف (2) .

وعن عبد الرحمن بن يسار قال: رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق المدينة إذا أمسى أتاها عثمان فقال له: إدفعها إلى الحكم بن أبي العاص، وكان عثمان إذا أجاز أحدا من أهل بيته جائزة جعلها فرضا من بيت المال فجعل يدافعه ويقول له: يكون فنعطيك إنشاء الله.

فألح عليه فقال: إنما أنت خازن لنا فإذا أعطيناك فخذ، وإذا سكتنا عنك فاسكت.

فقال: كذبت والله ما أنا لك بخازن ولا لأهل بيتك إنما أنا خازن المسلمين، وجاء بالمفاتيح يوم الجمعة وعثمان يخطب فقال: أيها الناس زعم عثمان إني خازن له ولأهل بيته وإنما كنت خازنا للمسلمين وهذه مفاتيح بيت مالكم.

ورمى بها فأخذها ودفعها إلى زيد بن ثابت. (تاريخ اليعقوبي 2: 145) .

قال الأميني: يروى نظير هذه القضية كما يأتي لزيد بن أرقم وعبد الله بن مسعود ولعل هذه وقعت لغيرهم من الولاة على الصدقات أيضاً. والله العالم.

 

الحكم وما أدراك ما الحكم ؟

كان خصاء يخصي الغنم (3) أحد جيران رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة من أولئك الأشداء عليه صلى الله عليه وآله المبالغين في إيذاءه شاكلة أبي لهب كما قاله ابن هشام في سيرته 2: 25، وأخرج الطبراني من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال: كان الحكم يجلس

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أبو حي باليمن.

(2) المعارف لابن قتيبة ص 84، العقد الفريد 2: 261، محاضرات الراغب 2: 212، مرآة الجنان لليافعي 1: 85 نقلا عن الذهبي.

(3) حياة الحيوان للدميري 1: 194.

 

/ صفحة 243 /

عند النبي صلى الله عليه وآله فإذا تكلم اختلج فبصر به النبي صلى الله عليه وآله فقال: كن كذلك.

فما زال يختلج حتى مات.

وفي لفظ مالك بن دينار: مر النبي صلى الله عليه وآله بالحكم فجعل الحكم يغمز النبي صلى الله عليه وآله وسلم باصبعه فالتفت فرآه فقال: اللهم اجعل به وزغا (1) فرجف مكانه وارتعش.

وزاد الحلبي بعد أن مكث شهرا مغشيا عليه (2) .

أسلفناه من طريق الحفاظ الطبراني والحاكم والبيهقي. ومرت صحته في الجزء الأول صفحة 237.

روى البلاذري في الأنساب 5: 27: إن الحكم بن العاص كان جارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية وكان أشد جيرانه أذى له في الاسلام، وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة وكان مغموصا عليه في دينه، فكان يمر خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغمز به و يحكيه ويخلج بأنفه وفمه، وإذا صلى قام خلفه فأشار باصبعه، فبقي على تخليجه وأصابته خبلة، واطلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في بعض حجر نسائه فعرفه وخرج إليه بعنزة وقال: من عذيري من هذا الوزغة اللعين ؟ ثم قال: لا يساكنني ولا ولده فغربهم جميعا إلى الطائف فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردهم فأبى ذلك وقال: ما كنت لآوي طرداء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لما استخلف عمر كلمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر، فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة وقال: قد كنت كلمت رسول الله فيهم وسألته ردهم فوعدني أن يأذن لهم فقبض قبل ذلك.

فأنكر المسلمون عليه إدخاله إياهم المدينة.

وقال الواقدي: ومات الحكم بن أبي العاص بالمدينة في خلافة عثمان فصلى عليه و ضرب على قبره فسطاطا.

وعن سعيد بن المسيب قال: خطب عثمان فأمر بذبح الحمام وقال: إن الحمام قد كثر في بيوتكم حتى كثر الرمي ونالنا بعضه فقال الناس: يأمر بذبح الحمام وقد آوى طرداء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوزغ: الارتعاش والرعدة.

(2) الإصابة 1: 345، 346، السيرة الحلبية 1: 337، الفائق للزمخشري 2: 305، تاج العروس 6: 35.

 

/ صفحة 244 /

وذكره بلفظ أخصر من هذا في صفحة 125 وذكر بيتين لحسان بن ثابت في عبد الرحمن بن الحكم الآتيين في لفظ أبي عمر فقال: كان يفشي أحاديث رسول الله فلعنه وسيره إلى طائف ومعه عثمان الأزرق والحارث وغيرهما من بنيه وقال: لا يساكنني فلم يزالوا طرداء حتى ردهم عثمان فكان ذلك مما نقم عليه.

وفي سيرة الحلبية 1: 337: إطلع الحكم على رسول الله من باب بيته وهو عند بعض نسائه بالمدينة فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعنزة وقيل بمدرى في يده وقال: من عذيري من هذه الوزغة لو أدركته لفقأت عينه، ولعنه وما ولد، وذكره ابن الأثير مختصرا في أسد الغابة 2: 34.

وقال أبو عمر في " الاستيعاب ": أخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم من المدينة وطرده عنها فنزل الطائف وخرج معه ابنه مروان، واختلف في السبب الموجب لنفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه فقيل: كان يتحيل ويستخفي ويتسمع ما يسره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كبار أصحابه في مشركي قريش وسائر الكفار والمنافقين، فكان يفشي ذلك عنه حتى ظهر ذلك عليه، وكان يحكيه في مشيته وبعض حركاته، إلى أمور غيرها كرهت ذكرها، ذكروا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى يتكفأ وكان الحكم يحكيه فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم يوما فرآه يفعل ذلك فقال صلى الله عليه وسلم فكذلك فلتكن.

فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ، فعيره عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقال في عبد الرحمن بن الحكم يهجوه:

إن اللعـــــين أبـــــوك فـــارم عظامه * إن تـــــرم تـــــرم مخـــــلجا مجــنونا

يمسي خميص البطن من عمل التقى * ويظـــــل مــن عمل الخبيث بطينا(1)

وأخرج أبو عمر من طريق عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدخل عليكم رجل لعين.

وكنت قد تركت عمرا يلبس ثيابه ليقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل فدخل الحكم ابن أبي العاص(2).

م ـ وقال ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ص 144: وبسند رجاله رجال الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه إنه صلى الله عليه وسلم قال: ليدخلن الساعة عليكم رجل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاستيعاب 1: 118، أسد الغابة 2: 34.

(2) الاستيعاب 1: 119

/ صفحة 245 /

لعين. فوالله ما زلت أتشوق داخلا وخارجا حتى دخل فلان يعني الحكم كما صرحت به رواية أحمد ].

وروى البلاذري في " الأنساب " 5: 126، والحاكم في " المستدرك " 4: 481 وصححه والواقدي كما في السيرة الحلبية 1: 337 بالإسناد عن عمرو بن مرة قال: إستأذن الحكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف صوته فقال: ائذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمنين وقليل ماهم، ذوو مكر وخديعة يعطون الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق (3) .

م وفي لفظ ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ص 147: ائذنوا له فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وما يخرج من صلبه يشرفون في الدنيا، ويترذلون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة إلا الصالحين منهم وقليل ماهم ].

وأخرج الحاكم في المستدرك 4: 481 وصححه من طريق عبد الله بن الزبير قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الحكم وولده.

وأخرج الطبراني وابن عساكر والدارقطني في الأفراد من طريق عبد الله بن عمر قال: هجرت الرواح رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو الحسن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادن: فلم يزل يدنيه حتى التقم أذنيه فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يساره إذ رفع رأسه كالفزع قال: فدع بسيفه الباب فقال لعلي: إذهب فقده كما تقاد الشاة إلى حالبها.

فإذا علي يدخل الحكم بن أبي العاص آخذا بإذنه ولها زنمة حتى أوقفه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فلعنه نبي الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثم قال: أحله ناحية حتى راح إليه قوم من المهاجرين والأنصار ثم دعا به فلعنه ثم قال: إن هذا سيخالف كتاب الله وسنة نبيه، وسيخرج من صلبه فتن يبلغ دخانها السماء.

فقال ناس من القوم: هو أقل وأذل من أن يكون هذا منه قال: بلى وبعضكم يومئذ شيعته (كنز العمال 6: 39، 90) وأخرج ابن عساكر من طريق عبد الله بن الزبير قال وهو على المنبر: ورب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وذكره الدميري في حياة الحيوان 2: 299، وابن حجر في الصواعق ص 108، والسيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6: 90 نقلا عن أبي يعلى والطبراني والحاكم والبيهقي وابن عساكر.

 

/ صفحة 246 /

هذا البيت الحرام والبلد الحرام إن الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.

وفي لفظ: إنه قال وهو يطوف بالكعبة: ورب هذه البنية للعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم وما ولد.

كنز العمال 6: 90.

وأخرج ابن عساكر من طريق محمد بن كعب القرظي أنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم وما ولد إلا الصالحين وهم قليل.

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وعبد بن حميد والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه عن عبد الله قال: إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله تعالى قد أرى لأمير المؤمنين يعني معاوية في يزيد رأيا حسنا أن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر.

فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: أهر قلية إن أبا بكر رضي الله تعالى عنه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ولا جعلها معاوية إلا رحمة وكرامة لولده.

فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه أف لكما ؟ فقال عبد الرحمن: ألست ابن اللعين الذي لعن رسول الله أباك ؟ فسمعت عائشة فقالت: مروان ! أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا، كذبت والله ما فيه نزلت، نزلت في فلان بن فلان.

وفي لفظ آخر عن محمد بن زياد: لما بايع معاوية لابنه قال مروان: سنة أبي بكر وعمر.

فقال عبد الرحمن: سنة هرقل وقيصر.

فقال مروان: هذا الذي قال الله فيه: والذي قال لوالديه أف لكما. الآية.

فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب مروان، كذب مروان والله ما هو به ولو شئت أن اسمي الذي نزلت فيه لسميته، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه فمروان فضض من لعنة الله.

وفي لفظ: ولكن رسول الله لعن أباك وأنت في صلبه فأنت فضض من لعنة الله.

وفي لفظ الفائق: فأنت فظاظة (1) لعنة الله و ولعنة رسوله.

راجع مستدرك الحاكم 4: 481، تفسير القرطبي 16: 197، تفسير الزمخشري 3: 99، الفائق له 2: 325، تفسير ابن كثير 4: 159، تفسير الرازي 7: 491 :، أسد الغابة لابن الأثير 2: 34، نهاية ابن الأثير 3: 23، شرح ابن أبي الحديد 2: 55،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال الزمخشري: افتظظت الكرش إذا اعتصرت ماءها، كأنه عصارة قذرة من اللعنة.

 

/ صفحة 247 /

تفسير النيسابوري هامش الطبري 26: 13، الاجابة للزركشي ص 141، تفسير النسفي هامش الخازن 4: 132، الصواعق لابن حجر ص 108، إرشاد الساري للقسطلاني 7: 325، لسان العرب 9: 73، الدر المنثور 6: 41، حياة الحيوان للدميري 2: 399، السيرة الحلبية 1: 337، تاج العروس 5: 69، تفسير الشوكاني 5: 20، تفسير الآلوسي 26: 20، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية 1: 245.

(لفت نظر) يوجد هذا الحديث في المصادر جلها لولا كلها باللفظ المذكور غير أن البخاري أخرجه في تفسير صحيحه في سورة الأحقاف وحذف منه لعن مروان وأبيه وما راقه ذكر ما قاله عبد الرحمن، وهذا دأبه في جل ما يرويه، وإليك لفظه: كان مروان على الحجاز استعمله معاوية فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا فقال: خذوه.

فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه: والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني.

فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري.

وهذا الحديث يكذب ما عزاه القوم إلى أمير المؤمنين وابن عباس من قولهما بنزول آية: وأصلح لي في ذريتي.

في أبي بكر كما مر في الجزء السابع ص 6 32 ط 2.

وكان الحكم مع ذلك كله يدعو الناس إلى الضلال ويمنعهم عن الاسلام، إجتمع حويطب بمروان يوما فسأله مروان عن عمره فأخبره فقال له: تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث.

فقال حويطب: الله المستعان والله لقد هممت بالاسلام غير مرة كل ذلك يعوقني أبوك يقول: تضع شرفك، وتدع دين آبائك لدين محدث ؟ وتصير تابعا ؟ فسكت مروان وندم على ما كان قال له، " تاريخ ابن كثير 8: 70 "

 

(الحكم في القرآن)

أخرج ابن مردويه عن أبي عثمان النهدي قال: قال مروان لما بايع الناس ليزيد: سنة أبي بكر وعمر " إلى آخر الحديث المذكور " فسمعت ذلك عائشة فقالت: إنها لم تنزل في عبد الرحمن ولكن نزل في أبيك: ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم الآية " سورة القلم 10 ".

 

/ صفحة 248 /

راجع الدر المنثور 6: 41، 251، السيرة الحلبية 1: 337، تفسير الشوكاني 5: 263، تفسير الآلوسي 29: 28، سيرة زيني دحلان هامش الحلبية 1: 245 وأخرج ابن مردويه عن عائشة إنها قالت لمروان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأبيك وجدك " أبي العاص بن أمية " إنكم الشجرة الملعونة في القرآن.

ويقول لأبيك وجدك " أبي العاص بن أمية ": إنكم الشجرة الملعونة في القرآن.

ذكره السيوطي في الدر المنثور 4: 191، والحلبي في السيرة 1: 337، و الشوكاني في تفسيره 3: 231، والآلوسي في تفسيره 15: 107.

وفي لفظ القرطبي في تفسيره 10: 286.

قالت عائشة لمروان: لعن الله أباك وأنت في صلبه، فأنت بعض من لعنة الله ثم قالت: والشجرة الملعونة في القرآن.

و أخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء، واهتم رسول الله لذلك، فأنزل الله: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن و نخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا. " الاسراء 60 " .

وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن علي: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أصبح وهو مهموم فقيل ما لك يا رسول الله ؟ فقال: إني أريت في المنام كأن بني أمية يتعاورون منبري هذا فقيل: يا رسول الله ! لا تهتم فإنها دنيا تنالهم فأنزل الله: وما جعلنا الرؤيا التي. الآية.

وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر، عن سعيد بن المسيب قال: رأى رسول الله صل الله عليه وسلم بني أمية على المنابر فساءه ذلك فأوحى الله تعالى إليه: إنما هي دنيا أعطوها.

فقرت عينه وذلك قوله تعالى: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك. الآية.

وأخرج الطبري والقرطبي وغيرهما من طريق سهل بن سعد قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكا حتى مات وأنزل الله تعالى: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك. الآية.

وروى القرطبي والنيسابوري عن ابن عباس: إن الشجرة الملعونة هو بنو أمية

/ صفحة 249 /

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو (1) إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة فأنزل الله: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة.

يعني الحكم وولده.

وفي لفظ: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام إن ولد الحكم بن أمية يتداولون منبره كما يتداولون الصبيان الكرة فساءه ذلك.

وفي لفظ للحاكم والبيهقي في الدلائل وابن عساكر وأبي يعلى من طريق أبي هريرة: إني أريت في منامي كأن بني الحكم بن العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة. فما رؤي النبي مستجمعا ضاحكا حتى توفي.

(مصادر ما رويناه): تفسير الطبري 15: 77، تاريخ الطبري 11: 6 35، مستدرك الحاكم 4: 48، تاريخ الخطيب 8: 28 و ج 9: 44، تفسير النيسابوري هامش الطبراني 15: 55، تفسير القرطبي 10: 283، 286، النزاع والتخاصم للمقريزي ص 52، أسد الغابة 3: 14 من طريق الترمذي، م تطهير الجنان لابن حجر هامش الصواعق ص 148 فقال: رجاله رجال الصحيح إلا واحدا فثقة ] الخصايص الكبرى 2: 118، الدر المنثور 4: 191، كنز العمال 6: 90، تفسير الخازن 3: 177، تفسير الشوكاني 3: 230، 231، تفسير الآلوسي 15: 107 فقال الآلوسي: ومعنى جعل ذلك فتنة للناس جعله بلاء لهم ومختبرا، وبذلك فسره ابن المسيب و كان هذا بالنسبة إلى خلفائهم الذين فعلوا ما فعلوا، وعدلوا عن سنن الحق وما عدلوا وما بعده بالنسبة إلى ما عدا خلفاءهم منهم ممن كان عندهم عاملا وللخبائث عاملا، أو ممن كان أعوانهم كيف ما كان، ويحتمل أن يكون المراد: ما جعلنا خلافتهم وما جعلنا أنفسهم إلا فتنة، وفيه من المبالغة في ذمهم ما فيه، وجعل ضمير " نخوفهم " على هذا لما كان له أولادا أو شجرة باعتبار أن المراد بها بنو أمية، ولعنهم لما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة، والفروج المحصنة، وأخذ الأموال من غير حلها، ومنع الحقوق عن أهلها، وتبديل الأحكام، والحكم بغير ما أنزل الله تبارك وتعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام، إلى غير ذلك من القبايح العظام والمخازي الجسام التي لا تكاد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وفي بعض المصادر: ابن عمر.

 

/ صفحة 250 /

تنسى ما دامت الليالي والأيام، وجاء لعنهم في القرآن إما على الخصوص كما زعمته الشيعة، أو على العموم كما نقول فقد قال سبحانه وتعالى: إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة.

وقال عز وجل: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم. إلى آيات أخر، ودخولهم في عموم ذلك يكاد يكون دخولا أوليا. إلى آخر كلامه. راجع.

 

نظرة في كلمتين

1 ـ قال الطبري بعد روايته حديث الرؤيا: لا يدخل في هذا الرؤيا عثمان ولا عمر بن عبد العزيز ولا معاوية.

لا يهمنا بسط القول حول هذا التخصيص، ولا ننبس ببنت شفة في تعميم العموم الوارد في الأحاديث المذكورة وأمثالها الواردة في بني أمية عامة وفي بني أبي العاص جد عثمان خاصة، من قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح من طريق أبي سعيد الخدري: إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا، وإن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية و بنو المغيرة وبنو مخزوم (1) .

وقوله صلى الله عليه وآله من طريق أبي ذر: إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولا، ومال الله نحلا، وكتاب الله دغلا (2) .

وقوله صلى الله عليه وآله من طريق حمران بن جابر اليمامي: ويل لبني أمية. ثلاث.

أخرجه ابن مندة كما في الإصابة 1: 353، وحكاه عن ابن مندة وأبي نعيم السيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه 6: 39، 91.

وقوله صلى الله عليه وآله من طريق أبي ذر: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا.

قال حلام بن جفال: فأنكر على أبي ذر فشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إني سمعت رسول الله يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وأشهد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله.

أخرجه الحاكم من عدة طرق وصححه هو والذهبي كما في المستدرك 4: 480

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مستدرك الحاكم 4: 487 وصححه.

(2) مستدرك الحاكم 4: 479، وأخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال 6: 39.

 

/ صفحة 251 /

وأخرجه أحمد وابن عساكر وأبو يعلى والطبراني والدار قطني من طريق أبي سعيد و أبي ذر وابن عباس ومعاوية وأبي هريرة كما في كنز العمال 6: 39، 90.

م وذكر ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق 147 بسند حسنه: إن مروان دخل على معاوية في حاجة وقال: إن مؤنتي عظيمة أصبحت أبا عشرة، وأخا عشرة، و عم عشرة ثم ذهب فقال معاوية لابن عباس وكان جالسا معه على سريره: أنشدك بالله يا بن عباس أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا بلغ بنو أبي الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا آيات الله بينهم دولا، وعباد الله خولا، وكتابه دخلا، فإذا بلغوا سبعة وأربعمائة كان هلاكهم أسرع من كذا ؟ قال: أللهم نعم.

وقوله صلى الله عليه وآله بإسناد حسنه ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق 143: شر العرب بنو أمية.

وبنو حنيفة. وثقيف.

وقال: صح قال الحاكم: على شرط الشيخين عن أبي برزة رضي الله عنه قال: كان أبغض الأحياء أو الناس إلى رسول الله بنو أمية] وقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: لكل أمة آفة وآفة هذه الأمة بنو أمية. كنز العمال 6: 91 ".

فالحكم في هذه العمومات ولا سيما بعد ملاحظة ما أثبتته السير ومدونات التاريخ وغيرها، وبعد الإحاطة بأحوال الرجال وما ارتكبوه وما ارتكبوا فيه، أنت و وجدانك أيها القارئ الكريم !.

2 قال ابن حجر في الصواعق ص 108: قال ابن ظفر: وكان الحكم هذا يرمى بالداء العضال وكذلك أبو جهل كذا ذكره الدميري في حياة الحيوان.

ولعنته صلى الله عليه وسلم للحكم وابنه لا تضرهما لأنه صلى الله عليه وسلم تدارك ذلك بقوله مما بينه في الحديث الآخر: إنه بشر يغضب كما يغضب البشر، وإنه سأل ربه إن من سبه أو لعنه أو دعا عليه أن يكون رحمة وزكاة وكفارة وطهارة.

وما نقله " الدميري " عن ابن ظفر في أبي جهل لا تأويل عليه فيه بخلافه في الحكم فإنه صحابي وقبيح أي قبيح أن يرمى صحابي بذلك فليحمل على أنه إن صح ذلك كان يرمى به قبل الاسلام. ا هـ.

أنا لا أدري أيعلم ابن حجر ماذا يلوك بين أشداقه ؟ أهو مجد فيما يقول أم هازىء ؟ أما ما اعتذر به عن إن لعنته صلى الله عليه وآله لا تضر الحكم وابنه.. الخ. فقد أخذه مما أخرجه

/ صفحة 252 /

الشيخان في الصحيحين (1) من طريق أبي هريرة غير إنه حرف منه كلما وزاد فيه أخرى وإليك لفظه قال: اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر وإني قد اتخذت عندك عهدا لم تخلفنيه فأيما مؤمن آذيته أو سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له كفارة وقربة تقربه بها إليك.

هذا حط من مقام الرسالة لأجل أموي ساقط، وحسبان إن صاحبها كإنسان عادي يثيره ما يثير غيره فيغضب لما لا ينبغي أن يغضب له، ومخالف للكتاب العزيز من قوله سبحانه: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

نعم: هو صلى الله عليه وآله بشر غير إنه كما قال في الذكر الحكيم: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي.

فإن كان في الوحي أن يلعن الطريد وما ولد فماذا ينجيه من اللعن ؟ إلا أن يحسب ابن حجر إن الوحي أيضا يتبع الشهوات، كبرت كلمة تخرج من أفواههم.

وكيف يكون اللعن رحمة وزكاة وطهارة وكفارة وقد أصاب موضعه بأمر من الله سبحانه ؟ وما يصنع ابن حجر بالصحيح المتضافر من إن سباب المسلم فسوق (2) ؟ وكيف يسوغ له إيمانه أن يكون رسول الله سبابا أو لعانا أو مؤذيا لأحد أو جالدا لمسلم على غير حق ؟ وكل ذلك من منافيات العصمة والله سبحانه يقول: الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا.

وجاء في الصحيح: إنه صلى الله عليه وآله لم يكن سبابا ولا فحاشا ولا لعانا، وقد أبى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الدعاء على المشركين، وقال صلى الله عليه وآله إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة (3) فهو صلى الله عليه وآله كان يأمل في أولئك المشركين الهداية فلم يلعنهم ولا دعا عليهم، ولما كان لم يرج في الحكم وولده أي خير لعنهم لعنا يبقي عليهم خزي الأبد.

نعم رواية الصحيحين المنافي لعصمة الرسول صلى الله عليه وآله اختلقتها يد الهوى على عهد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري 4: 71 كتاب الدعوة. صحيح مسلم 2: 391 كتاب البر والصلة .

(2) أخرجه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم من طريق ابن مسعود. وابن ماجة من طريق جابر وسعد. والطبراني عن عبد الله بن المغفل وعمرو بن النعمان. وصححه غير واحد من الحفاظ كالهيثمي والسيوطي والمناوي.

(3) أخرجه البخاري 9: 22، ومسلم في صحيحه 2: 393.

 

/ صفحة 253 /

معاوية تزلفا إليه، وطمعا في رضيخته، وتحببا إلى آل أبي العاص المقربين عنده.

ومن أراد الوقوف على أبسط مما ذكرناه في المقام فليراجع كتاب " أبو هريرة " لسيدنا الآية السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي ص 118 129.

هبنا " العياذ بالله " ماشينا ابن حجر في أساطيره في نبي العصمة والقداسة فما حيلة المغفل فيما نزل من الذكر الحكيم في الحكم وبنيه ؟ هل فيه ضير ؟ أم يراه أيضا رحمة وزكاة وكفارة وطهارة.

وشتان بين رأي ابن حجر في الحكم وبين ما يأتي من قول أبي بكر لعثمان فيه: عمك إلى النار وقول عمر لعثمان: ويحك يا عثمان ! تتكلم في لعين رسول الله و طريده وعدو الله وعدو رسوله ؟.

وأما ما عالج به داء الحكم فهو يعلم أنه موصوم بما هو أفظع من ذلك من لعن رسول الله وطرده إياه، وكان الخبيث يهزأ برسول الله صلى الله عليه وآله في مشيته حتى أخذته دعوته صلى الله عليه وآله، وهل تجديه الصحبة وحاله هذه ؟ وهل تشمل الصحبة التي هي من أربى الفضائل اللص الذي ساكن الصحابة لاستراق أموالهم والقاح الفتن فيهم ؟ وهل تشمل المنافقين الذين كانوا في المدينة يومئذ ؟ " ومن أهل المدينة مردوا على النفاق " فإن طهرت الصحبة أمثال الحكم فهي مطهرة أولئك بطريق أولى لأنه لم يكشف عنهم الغطاء كما كشف عن الحكم على العهد النبوي وفي دور الشيخين حتى أراد ابن أخيه ينقذه من الفضيحة فزيد ضغث على أبالة، ونبشت الدفائن، وذكر ما كاد أن ينسى.

ثم هب أن الصحبة مزيحة لعلل النفس والأمراض القلبية فهل هي مزيلة للأدواء الجسمانية ؟ لم نجد في كتب الطب من وصفها بذلك، ولا تعدادها في الصف الأدوية المفيدة لداء من الأدواء، ولا لذلك الداء العضال الذي زعم ابن حجر إنه منفي عن الحكم لمحض الاسلام والصحبة، وجوز أن يكون قبل اتصاله بالمسلمين، حيا الله هذا الطب الجديد.

إن من الممكن جدا أن يكون هذا الداء العضال من علل طرد الرجل من المدينة فلم يرد صلى الله عليه وآله أن يكون بين صحابته في عاصمة نبوءته مخزي مثله.

إذا أنهاك البحث إلى هاهنا وعرفت الحكم ومقداره في أدوار حياته جاهلية

/ صفحة 254 /

وإسلاما فاقرأ ما جاء به سالم بن وابصة تزلفا إلى معاوية بن مروان بن الحكم من قوله:

إذا افتخـــــــرت يـومــا أمية أطرقت * قريش وقالوا: معدن الفضل والكرم

فــإن قيـل: هاتوا خيركم أطبقوا معا * عـلـــى إن خـــير الناس كلهم الحكم

ألستم بني مـروان غـيـــث بـــــلادنـا * إذ السنة الشهباء سدت على الكظم؟

سبحانك اللهم ما قيمة بشر خيره الحكم ؟ وما شأن جدوب غيثها بنو مروان ؟ إن هي إلا أساطير الأولين نسجتها يد الغلو في الفضائل.

(المسائلة) :

هلم معي نسائل الخليفة في إيواء لعين رسول الله وطريده (الحكم) وبمسمع منه ومرأى نزول القرآن فيه واللعن المتواصل من مصدر النبوة عليه وعلى من تناصل منه عدا المؤمنين، وقليل ماهم، ما هو المبرر لعمله هذا ورده إلى مدينة الرسول ؟ وقد طرده صلى الله عليه وآله وأبناءه منها تنزيها لها من تلكم الأرجاس والأدناس الأموية وقد سأل أبا بكر وبعده عمر أن يرداه فقال كل منهما: لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وآله (1) وقال الحلبي في السيرة 2: 85: كان يقال له: طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه وقد كان صلى الله عليه وسلم طرده إلى الطائف ومكث به مدة رسول الله ومدة أبي بكر بعد أن سأله عثمان في إدخاله المدينة فأبى فقال له عثمان: عمي، فقال: عمك إلى النار، هيهات هيهات أن أغير شيئا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لا رددته أبدا، فلما توفي أبو بكر وولي عمر كلمه عثمان في ذلك فقال له: ويحك يا عثمان ! تتكلم في لعين رسول الله صلى الله عليه وسلم وطريده وعدو الله وعدو رسوله ؟ فلما ولي عثمان رده إلى المدينة فاشتد ذلك على المهاجرين والأنصار فأنكر ذلك عليه أعيان الصحابة، فكان ذلك من أكبر الأسباب على القيام عليه.

ه‍ ألم تكن للخليفة أسوة في رسول الله ؟ والله يقول: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا(2) . أو كان قومه وحامته أحب إليه من الله ورسوله ؟ وبين يديه الذكر الحكيم: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأنساب للبلاذري 5: 27، الرياض النضرة 2: 143، أسد الغابة 2: 35، السيرة الحلبية 1: 337، الإصابة 1: 345، (2) سورة الأحزاب: 21.

 

/ صفحة 255 /

وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين. التوبة. 24.

ثم ما هو المبرر لتخصيص الرجل بتلك المنحة الجزيلة من حقوق المسلمين و إعطياتهم ؟ بعد تأمينه على أخذ الصدقات المشترط فيه الثقة والأمانة واللعين لا يكون ثقة ولا أمينا.

ثم نسائل الحكم والخليفة على تقريره لما ارتكبه من حمل صدقات قضاعة إلى دار الخلافة وقد ثبت في السند كما مر ص 245 إنها تقسط على فقراء المحل و عليها أتت الأقوال قال أبو عبيد في الأمول ص 596: والعلماء اليوم مجمعون على هذه الآثار كلها: أن أهل كل بلد من البلدان، أو ماء من المياه أحق بصدقتهم ما دام فيهم من ذوي الحاجة واحد فما فوق ذلك وإن أتى ذلك على جميع صدقتها حتى يرجع الساعي ولا شئ معه منها، بذلك جاءت الأحاديث مفسرة.

ثم ذكر أحاديثا فقال ص 597: قال أبو عبيد: فكل هذه الأحاديث تثبت إن كل قوم أولى بصدقتهم حتى يستغنوا عنها، ونرى استحقاقهم ذلك دون غيرهم إنما جاءت به السنة لحرمة الجوار وقرب دراهم من دار الأغنياء. ا هـ.

ألم يكن في قضاعة ذو حاجة فيعطى ؟ أو لم يكن في المدينة الطيبة من فقراء المسلمين أحد فيقسم ذلك المال الطائل بينهم بالسوية ؟ إنما الصدقات للفقراء و المساكين والعاملين عليها. الآية.

فتخصيصها للحكم لماذا ؟.

وهلم معي إلى المسكين صاحب المال تؤخذ منه الصدقات شاء أو أبى وهو يعلم مصب تلكم الأموال ومدرها من أيدي أولئك الجبابرة أو الجباة الجباه السود (نظراء الحكم ومروان والوليد وسعيد) وما يرتكبونه من فجور ومجون، وبعد لم ينقطع من أذنه صدى ما ارتكبه خالد بن وليد سيف..

مع مالك بن نويرة وحليلته وذويه وما يملكه، وكان يسمع من وحي الكتاب قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم بها وتزكيهم (سورة التوبة 140) فهل يرى المسكين أن هذا الأخذ يطهره ويزكيه ؟ لا حكم إلا لله.

 

/ صفحة 256 /

نعم يقول المغيرة بن شعبة زاني ثقيف: إن النبي صلى الله عليه وآله أمرنا أن ندفعها إليهم و عليهم حسابهم (1) ويقول ابن عمر: إدفعوها إليهم وإن شربوا بها الخمر.

ويقول: إدفعها إلى الأمراء وإن تمزعوا بها لحوم الكلاب على موائدهم(2).

نحن لا نقيم لأمثال هذه الآراء وزنا، ولا أحسب إن الباحث يقدر لها قيمة فإنها ولائد ظنون مجردة.

وقد جاء في أولئك الأمراء بإسناد صححه الحاكم والذهبي من طريق جابر بن عبد الله قال قال صلى الله عليه وآله لكعب بن عجرة: أعاذك الله يا كعب ! من إمارة السفهاء.

قال: وما إمارة السفهاء يا رسول الله ؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يهدون بهديي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني و لست منهم، ولا يردون علي حوضي (3) .

فإعطاء الصدقات لأولئك الأمراء من أظهر مصاديق الاعانة على الإثم والعدوان والله تعالى يقول: تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " سورة المائدة 2 ".

ثم إن الصدقات كضرائب مالية في أموال الأغنياء لإعاشة الضعفاء من الأمة قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله عز وجل فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي الفقراء فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله تبارك وتعالى أن يحاسبهم ويعذبهم.

(الأموال لأبي عبيد ص 595، المحلى لابن حزم 6: 158، و أخرجه الخطيب في تاريخه 5: 208 من طريق علي مرفوعا) وفي لفظ: إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متع به غني، والله سائلهم عن ذلك (نهج البلاغة 2: 214) هذا هو مجرى الصدقات في الشريعة المطهرة، وهو الذي يطهر صاحب المال و يزكيه، ويكتسح عن المجتمع معرة الآراء الفاسدة من الفقراء، المقلقة للسلام و المعكرة لصفو الحياة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن البيهقي 4: 115.

(2) سنن البيهقي 4: 115، الأموال لأبي عبيد ص57.

(3) مستدرك الحاكم 4: 422.

 

/ صفحة 257 /

ثم: الخليفة يدعي (1) إن رسول الله صلى الله عليه وآله وعده رد الحكم بعد أن فاوضه في ذلك، إن كان هذا الوعد صحيحا فلم لم يعلم به أحد غيره ؟ ولا عرفه الشيخان قبله.

وهلا رواه لهما حين كلمهما في رده فجبهاه بما عرفت ؟ أو أنهما لم يثقا بتلك الرواية ؟ فهذه مشكلة أخرى.

أو إنهما صدقاه ؟ غير إنهما رأيا أن صلى الله عليه وآله وعده أن يرده هو صلى الله عليه وآله ولم يرده، ولعل المصلحة الواقعية أو الظروف لم تساعده على إنجاز الوعد حتى قضى نحبه، فمن أين عرف الترخيص له في رده ؟ ولو كانت هناك شبهة رخصة ؟ لعمل بها الشيخان حين فاوضهما هو في ذلك، لكنهما ما عرفا الشبهة ولا علما تلميحا للرخصة بل رأياه عقدة لرسول الله صلى الله عليه وآله لا تنحل، وفي الملل والنحل للشهرستاني 1: 25: فما أجابا إلى ذلك ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخا. ه‍.

ومن هنا رأى ابن عبد ربه في العقد، وأبو الفدا في تاريخه 1: 168: أن الحكم طريد رسول الله وطريد أبي بكر وعمر أيضا، وكذلك الصحابة كلهم ما عرفوا مساغا لرد الرجل وأبناؤه وإلا لما نقموا به عليه ولعذروه على ما ارتكبه وفيهم من لا تخفى عليه مواعيد النبي صلى الله عليه وآله.

وللخليفة معذرة أخرى قال ابن عبد ربه في العقد الفريد 2: 272: لما رد عثمان الحكم طريد النبي صلى الله عليه وسلم وطريد أبي بكر وعمر إلى المدينة تكلم الناس في ذلك فقال عثمان: ما ينقم الناس مني ؟ أني وصلت رحما وقريت عينا. ا ه‍ .

ونحن لا نخدش العواطف بتحليل كلمة الخليفة هذه، ولا نفصل القول في مغزاها وإنما نمر به كراما، وأنت إذا عرفت الحكم وما ولد فعلمت أن ردهم إلى المدينة المشرفة وتوليهم على الأمور، وتسليطهم على ناموس الاسلام، واتخاذ الحمى لهم كما مر ص 242 جناية كبيرة على الأمة لا تغتفر، ولا تقر بها قط عين.