عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

ـ 32 ـ

أيادي الخليفة عند مروان

أعطى مروان بن الحكم بن أبي العاص ابن عمه وصهره من ابنته أم أبان خمس غنائم أفريقية وهو خمسمائة ألف دينار، وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن حنبل الجمحي الكندي مخاطبا الخليفة :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأنساب للبلاذري 5: 27، الرياض النضرة 2: 143، مرآة الجنان لليافعي 1: 85 الصواعق ص 68، السيرة الحلبية 2: 86.

/ صفحة 258 /

سأحـــــلف بالله جــــهد اليميـ * ــن مـــا ترك الله أمرا سدى

ولكـــــن خـــــلفت لنـــــا فتنة * لكـــــي نبتــــلى لك أو تبتلى

فـــــإن الأمينـــــين قـــــد بينا * منــــار الطريق عليه الهدى

فـــــما أخـــــذا درهــما غيلة * وما جـعلا درهما في الهوى

دعـــــوت اللعـــــين فأدنيتــه * خـــــلافا لسنة من قد مضى

وأعطيت مروان خمس العبا * د ظلمـــا لهم وحميت الحمى

هكذا رواه ابن قتيبة في المعارف ص 84، وأبو الفدا في تاريخه 1: 168، و ذكر البلاذري الأبيات في الأنساب 5: 38 ونسبها إلى أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي الخزرجي الذي منع أن يدفن عثمان بالبقيع وإليك لفظها:

أقســـــم بالله رب العـــــبا * د ما تـرك الله خلقا سدى

دعـــــوت اللعــين فأدنيته * خلافا لسنة من قد مضى

قال: يعني الحكم والد مروان:

وأعطيت مروان خمس العبا * د ظلمــا لهم وحميت الحمى

ومـــــال أتـــاك به الأشعري * من الفيء أنهيـــته من ترى

فأمـــــا الأميـــــنان إذ بــــينا * منــار الطريق عليه الصوى

فلـــــم يأخــــــذا درهما غيلة * ولم يصرفا درهما في هوى

وذكرها ابن عبد ربه في العقد الفريد 2: 261 ونسبها إلى عبد الرحمن، وروى البلاذري من طريق عبد الله بن الزبير أنه قال: أغزانا عثمان سنة سبع وعشرين أفريقية فأصاب عبد الله بن سعد بن أبي سرح غنائم جليلة فأعطى عثمان مروان بن الحكم خمس الغنائم.

وفي رواية أبي مخنف: فابتاع الخمس بمائتي ألف دينار فكلم عثمان فوهبها له فأنكر الناس ذلك على عثمان(1).

وفي رواية الواقدي كما ذكره ابن كثير: صالحه بطريقها على ألفي ألف دينار وعشرين ألف دينار فأطلقها كلها عثمان في يوم واحد لآل الحكم ويقال: لآل مروان(2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الأنساب 5: 27، 28.

(2) تاريخ ابن كثير 7: 152. لا يخفى على القاري تحريف ابن كثير رواية الواقدي والصحيح ما ذكره الطبري عنه.

 

/ صفحة 259 /

وفي رواية الطبري عن الواقدي عن أسامة بن زيد عن كعب قال: لما وجه عثمان عبد الله بن سعد إلى أفريقية كان الذي صالحهم عليه بطريق أفريقية (جرجير) ألفي ألف دينار وخمسمائة ألف دينار وعشرين ألف دينار، فبعث ملك الروم رسولا وأمره أن يأخذ منهم ثلاثمائة قنطار كما أخذ منهم عبد الله بن سعد.

إلى أن قال: كان الذي صالحهم عليه عبد الله بن سعد ثلثمائة قنطار ذهب، فأمر بها عثمان لآل الحكم.

قلت: أو لمروان ؟ قال لا أدري. (تاريخ الطبري 5: 50).

وقال ابن الأثير في الكامل 3: 38: وحمل خمس أفريقية إلى المدينة فاشتراه مروان بن الحكم بخمسمائة ألف دينار فوضعها عنه عثمان، وكان هذا مما أخذ عليه، وهذا أحسن ما قيل في خمس أفريقية، فإن بعض الناس يقول: أعطى عثمان خمس أفريقية عبد الله بن سعد.

وبعضهم يقول: أعطاه مروان الحكم، وظهر بهذا إنه أعطى عبد الله خمس الغزوة الأولى، وأعطى مروان خمس الغزوة الثانية التي افتتحت فيها جميع أفريقية. والله أعلم.

وروى البلاذري وابن سعد: إن عثمان كتب لمروان بخمس مصر وأعطى أقرباءه المال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، واتخذ الأموال واستسلف من بيت المال وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي. فأنكر الناس عليه ذلك(1).

وأخرج البلاذري في الأنساب 5: 28 من طريق الواقدي عن أم بكر بنت المسور قالت: لما بني مروان داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه وكان المسور فيمن دعا، فقال مروان وهو يحدثهم: والله ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهما فما فوقه.

فقال المسور: لو أكلت طعامك وسكت لكان خيرا لك، لقد غزوت معنا افريقية وإنك لأقلنا مالا ورقيقا وأعوانا وأخفنا ثقلا، فأعطاك ابن عفان خمس افريقية وعملت على الصدقات فأخذت أموال المسلمين.

فشكاه مروان إلى عروة وقال: يغلظ لي وأنا له مكرم متق.

قال ابن أبي الحديد في الشرح 1: 67: أمر (عثمان) لمروان بمائة ألف من بيت المال وقد زوجه ابنته أم أبان فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) طبقات ابن سعد 3: 44 ط ليدن، الأنساب للبلاذري 5: 25.

 

/ صفحة 260 /

بين يدي عثمان وبكى فقال عثمان: أتبكي إن وصلت رحمي ؟ قال: لا.

ولكن أبكي لأني أظنك إنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقت في سبيل الله في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، ولو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا.

فقال: ألق المفاتيح يا ابن أرقم ! فإنا سنجد غيرك، وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسمها كلها في بني أمية.

وقال الحلبي في السيرة 2: 87: وكان من جملة ما انتقم به على عثمان رضي الله تعالى عنه أنه أعطى ابن عمه مروان بن الحكم مائة ألف وخمسين أوقية.

 

مروان وما مروان ؟

مر في صفحة 246 ما صح من لعن رسول الله صلى الله عليه وآله على أبيه وعلى من يخرج من صلبه.

وأسلفنا ما صح من قول عائشة لمروان: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أباك فأنت فضض من لعنة الله.

وأخرج الحاكم في المستدرك 4: 479 من طريق عبد الرحمن بن عوف وصححه أنه قال: كان لا يولد لأحد بالمدينة ولد إلا أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ ابن الوزغ، الملعون ابن الملعون.

وذكر الدميري في حيوة الحيوان 2: 399، وابن حجر في الصواعق ص 108، والحلبي في السيرة 1 6 337 ولعل معاوية أشار إليه بقوله لمروان: يا ابن الوزغ لست هناك.

فيما ذكره ابن أبي الحديد 2: 56.

وأخرج ابن النجيب من طريق جبير بن مطعم قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فمر الحكم بن أبي العاص فقال النبي صلى الله عليه وآله: ويل لأمتي مما في صلب هذا (1) .

وفي شرح ابن أبي الحديد 2: 55 نقلا عن الاستيعاب: نظر علي عليه السلام يوما إلى مروان فقال له: ويل لك وويل لأمة محمد منك ومن بيتك إذا شاب صدغاك.

وفي لفظ ابن الأثير: ويلك وويل أمة محمد منك ومن بنيك.

" أسد الغابة 4: 348 " ورواه ابن عساكر بلفظ آخر كما في كنز العمال 6: 91.

وقال مولانا أمير المؤمنين يوم قال له الحسنان السبطان: يبايعك مروان يا أمير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أسد الغابة 2: 34، الإصابة 1: 346، السيرة الحلبية 1: 337، كنز العمال 6: 40.

 

/ صفحة 261 /

المؤمنين: أو لم يبايعني قبل قتل عثمان ؟ لا حاجة لي في بيعته، إنها كف يهودية لو بايعني بيده لغدر بسبته، أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة (1) وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر " نهج البلاغة ".

قال ابن أبي الحديد في الشرح 2: 53: قد روي هذا الخبر من طريق كثيرة ورويت فيه زيادة لم يذكرها صاحب " نهج البلاغة " وهي قوله عليه السلام في مروان: يحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه وإن له إمرة.. الخ.

هذه الزيادة أخذها ابن أبي الحديد من ابن سعد ذكرها في طبقاته 5: 30 ط ليدن قال: قال علي بن أبي طالب يوما ونظر إليه: ليحملن راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه، وله إمرة كلحسة الكلب أنفه. ا هـ.

وهذا الحديث كما ترى غير ما في " نهج البلاغة " وليس كما حسبه ابن أبي الحديد زيادة فيه، ولا توجد تلك الزيادة في رواية السبط أيضا في تذكرته ص 45. والله العالم.

قال البلاذري في الأنساب 5: 126: كان مروان يلقب خيط باطل لدقته وطوله شبه الخيط الأبيض الذي يرى في الشمس، فقال الشاعر ويقال: إنه عبد الرحمن بن الحكم أخوه:

لعـــــمرك مـــــا أدري وإنــــي لســـائل * حـــليلة مضروب القفا كيف يصنع (2)

لحـــــى الله قـــــوما أمـــروا خيط باطل * على الناس يعطي ما يشاء ويمنع (3)

وذكر البلاذري في الأنساب 5: 144 في مقتل عمرو بن سعيد الأشدق الذي قتله عبد الملك بن مروان ليحيى بن سعيد أخي الأشدق قوله:

غدرتم بعمرو يا بني خيط باطل * ومثلكم يبني البيوت على الغدر

وذكر ابن أبي الحديد في شرحه 2: 55 لعبد الرحمن بن الحكم في أخيه قوله :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هم بنو عبد الملك: الوليد. سليمان. يزيد. هشام. كذا فسره الناس وعند ابن أبي الحديد هم أولاد مروان: عبد الملك. بشر. محمد. عبد العزيز.

(2) أشار بقوله: مضروب القفا إلى ما وقع يوم الدار، فإن مروان ضرب يوم ذاك على قفاه كما يأتي حديثه في الجزء التاسع إن شاء الله تعالى.

(3) ورواهما وما قبلهما ابن الأثير في أسد الغابة 4: 348.

 

/ صفحة 262 /

وهبت نصيبي منك يا مرو كله * لعمرو ومروان الطويل وخالد

ورب ابن أم زائد غير نــاقص * وأنــت ابن أم ناقص غير زائد

ومن شعر مالك الريب " المترجم في الشعر والشعراء لابن قتيبة " يهجو مروان قوله:

لعــمرك ما مروان يقضي أمورنا * ولكن ما تقضي لنا بنت جعفر(1)

فياليـــــتها كـــــانت عـــلينا أميرة * وليتـــــك يــا مروان أمسيت ذاحر

وروى الهيثمي في مجمع الزوائد 10: 72 من طريق أبي يحيى قال: كنت بين الحسن والحسين ومروان يتسابان فجعل الحسن يسكت الحسين فقال مروان: أهل بيت ملعونون. فغضب الحسن وقال: قلت أهل بيت ملعونون. فوالله لقد لعنك الله وأنت في صلب أبيك.

أخرجه الطبراني وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6: 90 نقلا عن ابن سعد وأبي يعلى وابن عساكر.

إن الذي يستشفه المنقب من سيرة مروان وأعماله إنه ما كان يقيم لنواميس الدين الحنيف وزنا، وإنما كان يلحظها كسياسات زمنية فلا يبالي بإبطال شئ منها أو تبديله إلى آخر حسب ما تقتضيه ظروفه وتستدعيه أحواله، وإليك من شواهد ذلك عظائم وعليها فقس ما لم نذكره:

1 ـ أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده 4: 94 من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم عينا معاوية حاجا، قدمنا معه مكة قال: فصلى بنا الظهر ركعتين ثم انصرف إلى دار الندوة قال: وكان عثمان حين أتم الصلاة فإذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعا أربعا، فإذا خرج إلى منى وعرفات قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة حتى يخرج من مكة، فلما صلى بنا الظهر ركعتين نهض إليه مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان فقالا له: ما عاب أحد ابن عمك بأقبح ما عبته به.

فقال لهما: وما ذاك ؟ قال: فقال له: ألم تعلم أنه أتم الصلاة بمكة ؟ قال: فقال لهما: ويحكما وهل كان غير ما صنعت ؟ قد صليتهما مع رسول الله صلى الله عليه وآله ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

قالا: فإن ابن عمك قد أتمها وإن خلافك إياه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بنت جعفر هي الهاشمية الشهيرة بأم أبيها بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب زوجة عبد الملك بن مروان.

ثم طلقها فتزوجها علي بن عبد الله بن عباس.

 

/ صفحة 263 /

له عيب. قال: فخرج معاوية إلى العصر فصلاها بنا أربعا.

وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2: 156 نقلا عن أحمد والطبراني فقال: رجال أحمد موثقون.

فإذا كان لعب مروان وخليفة وقته معاوية بالصلاة التي هي عماد الدين إلى درجة يقدم فيها التحفظ على عثمان في عمله الشاذ عن الكتاب والسنة على العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أخضع معاوية لما ارتآه من الرأي الشائن في صلاة العصر، فما ذا يكون عبثهما بالدين فيما هو دون الصلاة من الأحكام ؟.

وإن تعجب فعجب إنه يعد مخالفة عثمان في رأيه الخاص له عيبا عليه يغير لأجله الحكم الديني الثابت، ولا يعد مخالفة رسول الله وما جاء به محظورة تترك لأجلها الأباطيل والأحداث.

ومن العجب أيضا أن ينهى معاوية عن مخالفة عثمان، ولا ينهى من خالف رسول الله صلى الله عليه وآله عن مخالفته.

أهؤلاء من خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ؟ وأعجب من كل ذلك حسبان أولئك العابثين بدين الله عدولا وهذه سيرتهم ومبلغهم من الدين الحنيف.

2 ـ أخرج البخاري من طريق أبي سعيد الخدري قال: خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي فجبذت ثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة فقلت: غيرتم والله. فقال: أبا سعيد ! قد ذهب ما تعلم. فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم. فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة.

وفي لفظ الشافعي: يا أبا سعيد ترك الذي تعلم.

أترى مروان كيف يغير السنة ؟ وكيف يفوه ملأ فمه بما لا يسوغ لمسلم أن يتكلم به ؟ كأن ذلك مفوض إليه، وكأن تركها المنبعث عن التجري على الله ورسوله يكون مبيحا لإدامة الترك، لماذا ذهب ما كان يعلمه أبو سعيد من السنة ؟ ولماذا ترك ؟ نعم: كان لمروان في المقام ملحوظتان: الأولى اقتصاصه أثر ابن عمه عثمان، والآخر إنه كان يقع في الخطبة في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ويسبه ويلعنه فتتفرق عنه

/ صفحة 264 /

الناس لذلك فقدمها على الصلاة لئلا يجفلوا فيسمعوا العظائم ويصيخوا إلى ما يلفظ به من كبائر وموبقات.

راجع تفصيلا أسلفناه صفحة 164 171 من هذا الجزء.

ويستظهر مما سبق ص 166 من كلام عبد الله بن الزبير: كل سنن رسول الله صلى الله عليه وآله قد غيرت حتى الصلاة.

إن تسرب التغيير ولعب الأهواء بالسنن لم يكن مقصورا على الخطبة قبل الصلاة فحسب، وإنما تطرق ذلك إلى كثير من الأحكام كما يجده الباحث السابر أغوار السير والحديث.

3 ـ سبه لمولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام وكان الرجل كما قال أسامة بن زيد: فاحشا متفحشا (1) .

الحجر الأساسي في ذلك هو عثمان جرأ الوزغ اللعين على أمير المؤمنين يوم قال له: أقد مروان من نفسك.

قال عليه السلام مم ذا ؟ قال: من شتمه وجذب راحلته.

وقال له: لم لا يشتمك ؟ كأنك خير منه ؟ (2) وعلاه معاوية بكل ما عنده من حول وطول، لكن مروان تبعه شر متابعة، ولم يأل جهدا في تثبيت ذلك كلما أقلته صهوة المنبر، أو وقف على منصة خطابة، ولم يزل مجدا في ذلك وحاضا عليه حتى عاد مطردا بعد كل جمعة وجماعة في أي حاضرة يتولى أمرها، وبين عماله يوم تولى خلافة هي كلعقة الكلب أنه " تسعة أشهر " كما وصفها مولانا أمير المؤمنين، ولم تكن هذه السيرة السيئة إلا لسياسة وقتية، وقد أعرب عما في سريرته بقوله فيما أخرجه الدارقطني من طريقه عنه قال: ما كان أحد أدفع عن عثمان من علي.

فقيل له: مالكم تسبونه على المنبر ؟ قال: إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك (1) .

م ـ قال ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ص 142: وبسند رجاله ثقات: إن مروان لما ولي المدينة كان يسب عليا على المنبر كل جمعة، ثم ولي بعده سعيد بن العاص فكان لا يسب، ثم أعيد مروان فعاد للسب، وكان الحسن يعلم ذلك فيسكت ولا يدخل المسجد إلا عند الإقامة، فلم يرض بذلك مروان حتى أرسل للحسن في بيته

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاستيعاب في ترجمة أسامة.

(2) يأتي حديثه تفصيلا في قصة أبي ذر في هذا الجزء إن شاء الله تعالى.

(3) الصواعق لابن حجر ص 33.

 

/ صفحة 265 /

بالسب البليغ لأبيه وله، ومنه: ما وجدت مثلك إلا مثل البغلة يقال لها: من أبوك ؟ فتقول: أبي الفرس.

فقال للرسول: إرجع إليه فقل له: والله لا أمحو عنك شيئا مما قلت بأني أسبك، ولكن موعدي وموعدك الله، فإن كنت كاذبا فالله أشد نقمة، قد أكرم جدي أن يكون مثلي مثل البغلة.. إلخ].

ولم يختلف من المسلمين اثنان في إن سب الإمام ولعنه من الموبقات، وإذا صح ما قاله ابن معين كما حكاه عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب 1: 509 من إن كل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله دجال لا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. ا هـ.

فما قيمة مروان عندئذ ؟ ونحن مهما تنازلنا فإنا لا نتنازل عن أن مولانا أمير المؤمنين كأحد الصحابة الذين يشملهم حكم كل من سبهم ولعنهم، فكيف ونحن نرى إنه عليه السلام سيد الصحابة على الإطلاق، وسيد الأوصياء، وسيد من مضى ومن غبر عدا ابن عمه صلى الله عليه وآله وهو نفس النبي الأقدس بنص الذكر الحكيم، فلعنه وسبه لعنه وسبه وقد قال: صلى الله عليه وآله: من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله (1) .

وكان مروان يتربص الدوائر على آل بيت العصمة والقداسة، ويغتنم الفرص في إيذائهم قال ابن عساكر في تاريخه 4: 227: أبى مروان أن يدفن الحسن في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما كنت لأدع ابن أبي تراب يدفن مع رسول الله، قد دفن عثمان بالبقيع.

ومروان يومئذ معزول يريد أن يرضي معاوية بذلك، فلم يزل عدوا لبني هاشم حتى مات. ا هـ.

أي خليفة هذا يجلب رضاه بإيذاء عترة رسول الله ؟ ومن ومن أولى بالدفن في الحجرة الشريفة من السبط الحسن الزكي ؟ وبأي كتاب وبأية سنة وبأي حق ثابت كان لعثمان أن يدفن فيها ؟ ومن جراء ذلك الضغن الدفين على بني هاشم كان ابن الحكم يحث ابن عمر على الخلافة والقتال دونها.

أخرج أبو عمر من طريق الماجشون وغيره: إن مروان دخل في نفر على عبد الله بن عمر بعد ما قتل عثمان رضي الله عنه فعرضوا عليه أن يبايعوا له قال: وكيف لي بالناس ؟ قال: تقاتلهم ونقاتلهم معك.

فقال :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مستدرك الحاكم 3: 121، مسند أحمد 6: 323. وسيوافيك تفصيل طريقه.

 

/ صفحة 266 /

والله لو اجتمع علي أهل الأرض إلا فدك ما قاتلتهم، قال: فخرجوا من عنده ومروان يقول:

والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا (1)

لماذا ترك الوزغ سنة الانتخاب الدستوري في الخلافة بعد انتهاء الدور إلى سيد العترة ؟ وما الذي سوغ له ذلك الخلاف ؟ وحض ابن عمر على الأمر، وتثبيطه على القتال دونه، بعد إجماع الأمة وبيعتهم مولانا أمير المؤمنين ؟ نعم: لم يكن من يوم الأول هناك قط انتخاب صحيح، ورأي حر لأهل الحل والعقد، أنى كان ثم أنى ؟

والملك بعد أبي الزهراء لمن غلبا

 

هذا مروان

فهلم معي إلى الخليفة نستحفيه الخبر عن هذا الوزغ اللعين في صلب أبيه وبعد مولده بماذا استباح إيواءه وتأمينه على الصدقات والطمأنينة به في المشورة في الصالح العام ؟ ولم استكتبه وضمه إليه فستولي عليه ؟ (2) ونصب عينيه ما لهج به النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، وما ناء به هو من المخاريق والمخزيات، ومن واجب الخليفة تقديم الصلحاء من المؤمنين وإكبارهم شكرا لأعمالهم لا الاحتفال بأهل المجانة والخلاعة كمروان الذي يجب الانكار والتقطيب تجاه عمله الشائن، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان (3) وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام أدنى الانكار أن تلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة.

وهب أن الخليفة تأول وأخطأ لكنه ما هذا التبسط إليه بكله ؟ وتقريبه وهو ممن يجب إقصاءه، وإيواءه وهو ممن يستحق الطرد، وتأمينه وهو أهل بأن يتهم، ومنحه بأجزل المنح من مال المسلمين ومن الواجب منعه، وتسليطه على أعطيات المسلمين ومن المحتم قطع يده عنها ؟.

أنا لا أعرف شيئا من معاذير الخليفة في هذه المسائل لعل لها عذرا وأنت تلومها

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الاستيعاب ترجمة عبد الله بن عمر.

(2) كما ذكره أبو عمر في الاستيعاب، وابن الأثير في أسد الغابة 4: 348 (3) مر الحديث في ص 169.

 

/ صفحة 267 /

لكن المسلمين في يومه ما عذروه وهم الواقفون على الأمر من كثب، والمستشفون للحقايق الممعنون فيها، وكيف يعذره المسلمون ونصب أعينهم قوله عز من قائل: واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله ؟ أليس إعطاء الخمس لمروان اللعين خروجا عن حكم القرآن ؟ أليس عثمان هو الذي فاوض بنفسه ومعه جبير بن مطعم رسول الله صلى الله عليه وآله أن يجعل لقومه نصيبا من الخمس فلم يجعل ونص على أن بني عبد شمس وبني نوفل لا نصيب لهم منه ؟.

قال جبير بن مطعم: لما قسم رسول الله سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب (1) أتيته أنا وعثمان فقلت: يا رسول الله ! هؤلاء بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم، أرأيت بني المطلب أعطيتهم ومنعتنا ؟ وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة.

فقال: إنهم لم يفارقوني أو: لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام وإنما هم بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد وشبك بين أصابعه، ولم يقسم رسول الله لبني عبد الشمس ولا لبني نوفل من ذلك الخمس شيئا كما قسم لبني هاشم وبني المطلب (2) ومن العزيز على الله ورسوله أن يعطى سهم ذوي قربى الرسول صلى الله عليه وآله لطريده ولعينه، وقد منعه النبي صلى الله عليه وآله وقومه من الخمس، فما عذر الخليفة في تزحزحه عن حكم الكتاب والسنة، وتفضيل رحمه أبناء الشجرة الملعونة في القرآن على قربى رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم الذين أوجب الله مودتهم في الذكر الحكيم ؟ أنا لا أدري.

والله من ورائهم حسيب.

ـ 33 ـ

إقطاع الخليفة وعطيته الحارث

أعطى الحارث بن الحكم بن العاص أخا مروان وصهر الخليفة من ابنته عائشة ثلاثمائة ألف درهم كما في أنساب البلاذري 5: 52، وقال في ص 28: قدمت إبل الصدقة على عثمان فوهبها للحارث بن الحكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المطلب أخو هاشم لأب وأم وأمهما عاتكة بنت مرة.

(2) صحيح البخاري 5: 28، الأموال ص 331، سنن البيهقي 6: 340، 342، سنن أبي داود 2: 31، مسند أحمد 4: 81، المحلى 7: 328.

 

/ صفحة 268 /

وقال ابن قتيبة في المعارف ص 84، وابن عبد ربه في العقد الفريد 2: 261، و ابن أبي الحديد في شرحه 1: 67، والراغب في المحاضرات 2: 212: تصدق رسول الله صلى الله عليه وآله بموضع سوق بالمدينة يعرف بمهزون (1) على المسلمين فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم.

وقال الحلبي في السيرة 2: 87: أعطى الحارث عشر ما يباع في السوق، أي سوق المدينة.

قال الأميني: لقد اصطنع الخليفة لهذا الرجل ثلاثا لا أظنه يخرج من عهدة النقد عليها:

1 ـ إعطاءه ثلاثمائة ألف ولم يكن من حر ماله.

2 ـ هبته إبل الصدقة إياه وحده.

3 ـ إقطاعه إياه ما تصدق به رسول الله صلى الله عليه وآله على عامة المسلمين.

أنا لا أدري بماذا استحق الرجل هذه الأعطيات الجزيلة ؟ وكيف خص به ما تصدق به رسول الله صلى الله عليه وآله على كافة أهل الاسلام، وحرمه الباقون ؟ ولو كان الخليفة موفرا عليه بهذه الكمية من مال أبيه لاستكثر ذلك نظرا إلى حاجة المسلمين وجيوشهم ومرابطيهم، فكيف به ؟ وقد وهبه ما يملك من مال المسلمين ومن الأوقاف والصدقات، وما كان الرجل يعرف بشئ من الأعمال البارة والمساعي المشكورة في سبيل الدعوة الإلهية وخدمة المجتمع الديني حتى يحتمل فيه استحقاق زيادة في عطاءه، وهب أنا نجزنا ذلك الاستحقاق لكنه لا يعدو أن يكون مخرج الزيادة مما يسوغ للخليفة التصرف فيه لا مما لا يجوز تبديله من إقطاع ما تصدق به النبي صلى الله عليه وآله وجعله وقفا عاما على المسلمين لا يخص به واحد دون آخر، ومن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبد لونه.

فلم يبق مبرر لتلكم الصنايع أو الفجايع إلا الصهر بينه وبين الخليفة والنسب لأنه ابن عمه.

ولك حق النظر في صنيع كل من الخليفتين: 1 عثمان وقد علمت ما ارتكبه هاهنا وفي غيره 2 مولانا علي عليه السلام يوم جاءه عقيل يستميحه صاعا من البر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في المعارف: مهزوز. وفى شرح ابن أبي الحديد: تهروز. وفي محاضرات الراغب: مهزور.

 

/ صفحة 269 /

للتوسيع له ولعياله مما قدر له في العطاء، فأدى عليه السلام ما هو حق الأخوة والتربية، ولا سيما في مثل عقيل من الأشراف والأعاظم الذي يجب فيهم التهذيب أكثر من غيرهم فأدى إليه الحديدة المحماة فتأوه فقال عليه السلام: تجزع من هذه وتعرضني لنار جهنم ؟(1) .

وفي رواية ابن الأثير في أسد الغابة 3: 423 من طريق سعد: إن عقيل بن أبي طالب لزمه دين فقدم على علي بن أبي طالب الكوفة فأنزله وأمر ابنه الحسن فكساه فلما أمسى دعا بعشائه فإذا خبز وملح وبقل فقال عقيل: ما هو إلا ما أرى. قال: لا.

قال: فتقضي ديني ؟ قال وكم دينك ؟ قال: أربعون ألفا.

قال: ما هي عندي ولكن اصبر حتى يخرج عطائي فإنه أربعة آلاف فأدفعه إليك.

فقال له عقيل: بيوت المال بيدك و أنت تسوفني بعطائك ؟.

فقال: أتأمرني أن أدفع إليك أموال المسلمين وقد ائتمنوني عليها ؟.

إقرأ، فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى.

ـ 34 ـ

حظوة سعيد من عطية الخليفة

أعطى سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية مائة ألف درهم قال أبو مخنف والواقدي: أنكر الناس على عثمان إعطاءه سعيد بن العاص مائة ألف درهم فكلمه علي والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف في ذلك فقال: إن له قرابة ورحماً.

قالوا: أفما كان لأبي بكر وعمر قرابة وذو رحم ؟ فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي، قالوا: فهديهما والله أحب إلينا من هديك.

فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله (2) قال الأميني: كان العاص أبو سعيد من جيران رسول الله صلى الله عليه وآله الذين كانوا يؤذونه، وقتله مولانا أمير المؤمنين عليه السلام يوم بدر مشركا (3) .

وأما خلفه (بالسكون) سعيد فهو ذلك الشاب المترف كما في رواية ابن سعد (4)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الصواعق لابن حجر ص 79.

(2) أنساب البلاذري 5: 28.

(3) طبقات ابن سعد 1: 185 ط مصر، أسد الغابة 2: 310.

(4) الطبقات 5: 21 ط ليدن. وننقل عنه كلما يأتي في سعيد بن العاص، وذكره ابن عساكر في تاريخه 6: 135.

 

/ صفحة 270 /

ورد الكوفة من غير سابقة واليا من قبل عثمان بعد عزله الوليد ولم يحمل أي حنكة فطفق يلهج من أول يومه بما يثير العواطف ويجيش الأفؤدة، فنسبهم إلى الشقاق والخلاف وقال: إن هذا السواد بستان لأغيلمة من قريش.

ولقد أزرى هذا الغلام بهاشم بن عتبة المرقال الصحابي العظيم صاحب راية مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بصفين العبد الصالح الذي فقئت إحدى عينيه في سبيل الله يوم اليرموك ومات شهيدا في الجيش العلوي.

قال ابن سعد: قال سعيد مرة بالكوفة: من رأى الهلال منكم ؟ وذلك في فطر رمضان فقالوا له: ما رأيناه.

فقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص: أنا رأيته.

فقال له سعيد: بعينك هذه العوراء رأيته من بين القوم ؟ فقال هاشم: تعيرني بعيني وإنما فقئت في سبيل الله ؟ وكانت عينه أصيبت يوم اليرموك، ثم أصبح هاشم في داره مفطرا وغدى الناس عنده، فبلغ ذلك سعيدا فأرسل إليه فضربه وحرق داره.

ما أجرأ ابن العاص على هذا العظيم من عظماء الصحابة فيضربه ويحرق داره لعمله بالسنة الثابتة في الأهلة بقوله صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فافطروا.

وفي لفظ: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته (1) ؟ لم يكن يعلم هاشم المرقال بأن آراء الولاة وأهوائهم لها صولة وجولة في رؤية الهلال أيضا، وإن الشهادة بها قد تكون من الجرائم التي لا تغفر، وإن السياسة الوقتية لها دخل في شهادات الرجال، وإن حملة النزعة العلوية لا تقبل شهاداتهم.

قد شكاه إلى الخليفة الكوفيون مرة فلم يعبأ بها فقال: كلما رأى أحدكم من أميره جفوة أرادنا أن نعزله، فانكفئ سعيد إلى الكوفة، وأضر بأهلها إضرارا شديدا (2) ونفى في سنة 33 بأمر من خليفته جمعا من صلحاء الكوفة وقرائها إلى الشام كما يأتي تفصيله.

ولم يفتأ على سيرته السيئة إلى أن رحل من الكوفة إلى عثمان مرة ثانية 34 والتقى هنالك بالفئة الشاكية إلى عثمان وهم: الأشتر بن الحارث. يزيد بن مكفف. ثابت بن قيس. كميل بن زياد. زيد بن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داود، سنن الدارمي، سنن النسائي 7 سنن ابن ماجة، سنن البيهقي.

(2) أنساب البلاذري 5.

 

/ صفحة 271 /

صوحان. صعصعة بن صوحان. الحارث الأعور. جندب بن زهير. أبو زينب الأزدي أصغر بن قيس الحارثي.

وهم يسألون الخليفة عزل سعيد، فأبى وأمره أن يرجع إلى عمله، وقفل القوم قبله إلى الكوفة واحتلوها ودخلها من ورائهم، وركب الأشتر مالك بن الحارث في جيش يمنعه من الدخول فمنعوه حتى ردوه إلى عثمان، فجرى هناك ما جرى، ويأتي نبأه بعد حين إنشاء الله تعالى.

لقد أراد الخليفة أن يصل رحمه من هذا الشباب المجرم بإعطاء تلك الكمية الزائدة على حده وحقه من بيت المال، إن كان له ثمة نصيب، ولو كان هذا العطاء حقا لما نقده عليه أعاظم الصحابة وفي طليعتهم مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه.

وأما ما تترس به من المعذرة من الاحتساب بصلة الرحم كما احتسب من قبله بمنع رحمهم عن الزيادة في إعطياتهم من بيت المال فتافه، لأن الصلة إنما تستحسن من الانسان إن كان الانفاق من خالص ماله لا المال المشترك بين آحاد المسلمين، ومن وهب مالا يملكه لا يعد أمينا على أرباب المال، فهو إلى الوزر أقرب منه إلى الأجر.

ـ 35 ـ

هبة الخليفة للوليد من مال المسلمين

أعطى الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية أخا الخليفة من أمه ما استقرض عبد الله بن مسعود من بيت مال المسلمين ووهبه له.

قال البلاذري في الأنساب 5: 30: لما قدم الوليد الكوفة ألفى ابن مسعود على بيت المال فاستقرضه مالا وقد كانت الولاة تفعل ذلك ثم ترد ما تأخذ، فأقرضه عبد الله ما سأله، ثم إنه اقتضاه إياه فكتب الوليد في ذلك إلى عثمان فكتب عثمان إلى عبد الله بن مسعود: إنما أنت خازن لنا فلا تعرض للوليد فيما أخذ من المال.

فطرح ابن مسعود المفاتيح وقال: كنت أظن أني خازن للمسلمين فأما إذ كنت خازنا لكم فلا حاجة لي في ذلك، وأقام بالكوفة بعد إلقائه مفاتيح بيت المال.

وعن عبد الله بن سنان قال: خرج علينا ابن مسعود ونحن في المسجد وكان على بيت مال الكوفة وفي الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط فقال: يا أهل الكوفة ! فقدت

/ صفحة 272 /

من بيت مالكم الليلة مائة ألف لم يأتني بها كتاب أمير المؤمنين ولم يكتب لي بها برائة.

قال فكتب الوليد بن عقبة إلى عثمان في ذلك فنزعه عن بيت المال.

العقد الفريد 2: 272.

 

الوليد ومن ولده

أما أبوه عقبة بن أبي معيط. فكان أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله في إيذائه من جيرانه، أخرج ابن سعد بالإسناد من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كنت بين شر جارين بين أبي لهب وعقبة بن معيط، إن كانا ليأتيان ؟ فيطرحانها على بابي، حتى أنهم ليأتون ببعض ما يطرحون من الأذى فيطرحونه على بابي (1) .

وقال ابن سعد في طبقات 1: 185: كان أهل العداوة والمناواة لرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين يطلبون الخصومة والجدل أبو جهل، أبو لهب " إلى أن عد " عقبة بن أبي معيط، والحكم بن أبي العاص فقال: وذلك إنهم كانوا جيرانه، والذي كان تنتهي عداوة رسول الله صلى الله عليه وآله إليهم: أبو جهل، أبو لهب، وعقبة بن أبي معيط.

وقال ابن هشام في سيرته 2: 25: كان النفر الذي يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته: أبو لهب، والحكم بن أبي العاص بن أمية، وعقبة بن أبي معيط.

وقال في ج 1: 358: كان أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط متصافيين حسنا ما بينهما، فكان عقبة قد جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه فبلغ ذلك أبيا فأتى عقبة فقال له: ألم يبلغني إنك جالست محمدا وسمعت منه ؟ ثم قال: وجهي من وجهك حرام أن أكلمك، واستغلظ له من اليمين إن أنت جلست إليه أو سمعت منه أو لم تأته فتتفل في وجهه.

ففعل ذلك عدو الله عقبة بن أبي معيط لعنه الله، فأنزل الله تعالى فيهما: ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا.

يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني، وكان الشيطان للانسان خذولا (2) .

وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل بإسناد صححه السيوطي من طريق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) طبقات ابن سعد 1: 186 ط مصر.

(2) سورة الفرقان 28 29.

 

/ صفحة 273 /

سعيد بن جبير عن ابن عباس: إن عقبة (1) بن أبي معيط كان يجلس مع النبي بمكة لا يؤذيه وكان له خليل (2) غائب عنه بالشام فقالت قريش: صبا عقبة.

وقدم خليله من الشام ليلا فقال لامرأته: ما فعل محمد مما كان عليه ؟ فقالت: أشد ما كان أمرا.

فقال: ما فعل خليلي عقبة ؟ فقالت: صبا.

فبات بليلة سوء فلما أصبح أتاه عقبة فحياه فلم يرد عليه التحية فقال: مالك لا ترد علي تحيتي ؟ فقال: كيف أرد عليك تحيتك وقد صبوت، قال: أو قد فعلتها قريش ؟ قال: نعم، قال: فما يبرئ صدورهم إن أنا فعلته ؟ قال: تأتيه في مجلسه فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم، ففعل، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن مسح وجهه من البزاق ثم التفت إليه فقال: إن وجدتك خارجا من جبال مكة أضرب عنقك صبرا.

فلما كان يوم بدر وخرج أصحابه أبى أن يخرج فقال له أصحابه: أخرج معنا قال: وعدني هذا الرجل إن وجدني خارجا من جبال مكة أن يضرب عنقي صبرا، فقالوا: لك جمل أحمر لا يدرك فلو كانت الهزيمة طرت عليه.

فخرج معهم فلما هزم الله المشركين وحمل به جمله في جدود من الأرض فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيرا في سبعين من قريش وقدم إليه عقبة فقال: أتقتلني من بين هؤلاء ؟ قال: نعم، بما بزقت في وجهي.

وفي لفظ الطبري: بكفرك وفجورك وعتوك على الله ورسوله.

فأمر عليا فضرب عنقه فأنزل الله فيه: ويوم يعض الظالم على يديه.

إلى قوله تعالى: وكان الشيطان للانسان خذولا.

وقال الضحاك: لما بزق عقبة رسول الله صلى الله عليه وآله رجع بزاقه على وجهه لعنه الله تعالى ولم يصل حيث أراد فأحرق خديه وبقي أثر ذلك فيهما حتى ذهب إلى النار.

وفي لفظ: كان عقبة يكثر مجالسة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله صلى الله عليه وآله فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل، وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال: صبأت يا عقبة ؟ قال: لا ولكن آلى أن لا يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحييت منه فشهدت له والشهادة ليست في نفسي فقال: وجهي من وجهك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) وقع في الدر المنثور الاشتباه في اسم الرجل فجعله أبا معيط وتبعه على علاته من حكاه عنه كالشوكاني وغيره.

(2) هو أبي بن خلف كما سمعت وفي غير واحد من المصادر: أمية بن خلف

/ صفحة 274 /

حرام إن لقيت محمدا فلم تطأ قفاه وتبزق وجهه وتلطم عينه.

فوجده ساجدا في دار الندوة ففعل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله: لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف الحديث.

وقال الطبري في تفسيره: قال بعضهم عني بالظالم عقبة بن أبي معيط لأنه ارتد بعد إسلامه طلبا منه لرضا أبي بن خلف وقالوا: فلان هو أبي.

وروي عن ابن عباس أنه قال: كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وآله فزجره عقبة بن ابن معيط فنزل: ويوم يعض الظالم على يديه.. الخ.

قال: الظالم: عقبة. وفلان: أبي.

وروي مثله عن الشعبي وقتادة وعثمان ومجاهد.

أخرج نزول الآيات الكريمة يوم يعض الظالم إلى قوله: خذولا.

في عقبه و إن الظالم هو.

ابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل، وابن المنذر، وعبد الرزاق في المصنف وابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، والفريابي، وعبد بن حميد، وسعيد بن منصور، وابن جرير.

راجع تفسير الطبري 19: 6، تفسير البيضاوي 2: 161، تفسير القرطبي 13: 25، تفسر الزمخشري 2: 326، تفسير ابن كثير 3: 317، تفسير النسابوري هامش الطبري 19، 10، تفسير الرازي 6: 369، تفسير ابن جزي الكلبي 3: 77، إمتاع المقريزي ص 61، 90، الدر المنثور للسيوطي 5: 68، تفسير الخازن 3: 365، تفسير النسفي هامش الخازن 3: 365، تفسير الشوكاني 4: 72، تفسير الآلوسي 19: 11.

 

هذا الوالد، وما أدراك ما ولد ؟

أما الوليد الفاسق بلسان الوحي المبين، الزاني، الفاجر، السكير، المدمن للخمر المتهتك في أحكام الدين وتعاليمه، المهتوك بالجلد على رؤس الاشهاد، فسل عنه قوله تعالى: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا (1) فإن من المجمع عليه بين أهل العلم بتأويل القرآن نزوله فيه كما مر في ص 124.

وسل عنه قوله تعالى: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون.

وهذه الآية كسابقتها تومي بالفاسق إليه كما أسلفناه في الجزء الثاني 42، 43 ط 1، و 46، 47 ط 2.

وسل عنه محراب جامع الكوفة يوم قاء فيه من السكر وصلى الصبح أربعا وأنشد فيها رافعا صوته :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سورة الحجرات 6.

 

/ صفحة 275 /

عـلــق القلب الربابا * بعد ما شابت وشابا

وقال: هل أزيدكم ؟ فضربه ابن مسعود بفردة خفه، وأخذه الحصباء من المصلين ففر عنهم حتى دخل داره والحصباء من وراءه، كما فصلناه في هذا الجزء ص 124120 وسل عنه سوط عبد الله بن جعفر لما جلده حد الشارب بأمر مولانا أمير المؤمنين وهو يسبه بمشهد عثمان بعد ضوضاء من المسلمين على تأخير الحد كما مر ص 124.

وسل عنه ابن عمه سعيد بن العاص لما غسل منبر جامع الكوفة ومحرابه تطهيرا من أقذار الفاسق حين ولاه عثمان على الكوفة بعد الوليد.

وسل عنه الإمام السبط الحسن المجتبى يوم تكلم عليه في مجلس معاوية فقال عليه السلام: وأما أنت يا وليد ! فوالله ما ألومك على بغض علي وقد جلدك ثمانين في الخمر وقتل أباك بين يدي رسول الله صبرا، وأنت الذي سماه الله الفاسق، وسمى عليا المؤمن حيث تفاخرتما فقلت له: اسكت يا علي ! فأنا أشجع منك جنانا، وأطول منك لسانا، فقال لك علي: اسكت يا وليد ! فأنا مؤمن، وأنت فاسق.

فأنزل الله تعالى في موافقته قوله: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون.

ثم أنزل فيك على موافقة قوله أيضا: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.

ويحك يا وليد ! مهما نسيت فلا تنس قول الشاعر (1) فيك وفيه:

أنـــــزل الله والكـــــتاب عــزيز * فـــــي عـــــلي وفـي الوليد قرآنا

فتـــــبوأ الـــــوليد إذ ذاك فسقـا * وعـــــلـــــي مبـــــوء إيمـــــانــا

ليس من كان مؤمنا عمرك الله * كمـــــن كـــــان فـــــاسقا خوانا

ســـــوف يـدعى الوليد بعد قليل * وعـــــلـــــي إلى الحساب عيانا

فعـــــلي يجـــــزى بــــذاك جنانا * ووليـــــد يجـــــزى بــذاك هوانا

رب جد لعقبـــــة بـــــن أبــــــان * لابس فـــــي بـــــلادنا تبــّــانــــا

وما أنت وقريش ؟ إنما أنت علج من أهل صفورية، وأقسم بالله لأنت أكبر في الميلاد وأسن ممن تدعى إليه.

" شرح ابن أبي الحديد 2: 103 ".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هو حسان بن ثابت. راجع الجزء الثاني ص 42 ط 1، و 46 ط 2.

(2) أبان اسم أبي معيط جد الوليد.

 

/ صفحة 276 /

وإن شئت فسل الخليفة عثمان عن تأهيله إياه للولاية على صدقات بني تغلب ثم للإمارة على الكوفة، وائتمانه على أحكام الدين وأعراض المسلمين، وتهذيب الناس ودعوتهم إلى الدين الحنيف، وإسقاط ما عليه من الدين لبيت مال المسلمين وإبراء ذمته عما عليه من مال الفقراء، هل في الشريعة الطاهرة تسليط مثل الرجل على ذلك كله ؟ أنا لا أعرف لذلك جوابا، ولعلك تجد عند الخليفة ما يبرر عمله، أو تجد عند ابن حجر بعد اعترافه بصحة ما قلناه وإنه جاء من طريق الثقات جوابا منحوتا لا نعرف المحصل منه قال في تهذيب التهذيب 11: 144: قد ثبتت صحبته وله ذنوب أمرها إلى الله تعالى والصواب السكوت. ا هـ.

أما نحن فلا نرى السكوت صوابا بعد أن لم يسكت عنه الذكر الحكيم وسماه فاسقا في موضعين، أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون، ومهما سكتنا عن أمر بينه وبين الله سبحانه فليس من السائغ أن نسكت عن ترتيب آثار العدالة عليه والرواية عنه وهو فاسق في القرآن، متهتك بالجرائم على رؤس الاشهاد، متعد حدود الله ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون.

ـ 36 ـ

هبة الخليفة لعبد الله من مال المسلمين

أعطى لعبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية ثلاثمائة ألف درهم و لكل رجل من قومه ألف درهم.

وفي العقد الفريد 2: 261، والمعارف لابن قتيبة ص 84، وفي شرح ابن أبي الحديد 1: 66: إنه أعطى عبد الله أربعمائة ألف درهم.

قال أبو مخنف: كان على بيت مال عثمان عبد الله بن الأرقم فاستسلف عثمان من بيت المال مائة ألف درهم وكتب عليه بها عبد الله بن الأرقم ذكر حق للمسلمين وأشهد عليه عليا وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر، فلما حل الأجل رده عثمان ثم قدم عليه عبد الله بن خالد بن أسيد من مكة وناس معه غزاة فأمر لعبد الله بثلاثمائة ألف درهم ولكل رجل من القوم بمائة ألف درهم، وصك بذلك إلى ابن أرقم فاستكثره ورد الصك له.

ويقال: إنه سأل عثمان أن يكتب عليه به ذكر حق فأبى ذلك فامتنع ابن الأرقم من أن يدفع المال إلى الأرقم، فقال له عثمان: إنما أنت خازن لنا فما

/ صفحة 277 /

حملك على ما فعلت ؟ فقال ابن الأرقم: كنت أراني خازنا للمسلمين وإنما خازنك غلامك والله لا ألي لك بيت المال أبدا.

وجاء بالمفاتيح فعلقها على المنبر، ويقال: بل ألقاها إلى عثمان فدفعها عثمان إلى ناتل مولاه، ثم ولى زيد بن ثابت الأنصاري بيت المال وأعطاه المفاتيح.

ويقال: إنه ولي ببيت المال معيقيب بن أبي فاطمة، وبعث إلى عبد الله بن الأرقم ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبلها " أنساب البلاذري 5: 58 ".

وذكر أبو عمر في " الاستيعاب " وابن حجر في " الإصابة " حديث عبد الله بن أرقم في ترجمته ورده ما بعث إليه عثمان من ثلاثمائة ألف.

وفي رواية الواقدي: قال عبد الله: مالي إليه حاجة وما عملت لأن يثيبني عثمان والله لئن كان هذا من مال المسلمين ما بلغ قدر عملي أن أعطى ثلاثمائة ألف درهم، ولئن كان من مال عثمان ما أحب أن آخذ من ماله شيئا.

وقال اليعقوبي في تاريخه 2: 145: زوج عثمان ابنته من عبد الله بن خالد بن أسيد و أمر له بستمائة ألف درهم، وكتب إلى عبد الله بن عامر أن يدفعها إليه من بيت مال البضرة.

قال الأميني: أنا لا أدري هل قررت الشريعة لبيت مال المسلمين حسابا وعددا ؟ أو أنها أمرت أن يكال ويوزن لأي أحد بغير حساب ؟ إذن فمن ذا الذي أمرته بالقسمة على السوية، والعدل في الرعية ؟ لقد بلغ الفوضى في الأموال على عهد هذا الخليفة حدا لم يسطع معه أمناءه على بيت المال أن تستمروا على عملهم، فكانوا يلقون مفاتيحه إليه لما كانوا يجدونه من عدم تمكنهم من الجري على النواميس المطردة في الأموال الثابتة في السنة الشريفة، ولا على ما مضى الأولان عليه من الحصول على مرضاة العامة في تقسيمها، فرأوا التنصل من هذه الوظيفة أهون عليهم من تحمل تبعاتها الوبيلة وقد ناقشوا الحساب فلم يجدوا لعبد الله بن خالد أي جدارة للتخصص بهذه الكميات فهو لو عد في عداد غيرهم لم يحظ بغير عطاءه زنة أعطيات المسلمين، لكن صهر الخلافة والاتصال بالنسب الأموي لعلهما يبرران ما هو فوق الناموس المالي المطرد في الشريعة.

ـ 37 ـ

عطية الخليفة أبا سفيان

7 ـ أعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال ! قاله ابن أبي الحديد في الشرح 1: 67،

/ صفحة 278 /

قال الأميني: لا أرى لأبي سفيان المستحق للمنع عن كل خير أي موجب لذلك العطاء الجزل من بيت مال المسلمين وهو كما في " الاستيعاب " لأبي عمر عن طائفة: كان كهفا للمنافقين منذ أسلم وكان في الجاهلية ينسب إلى الزندقة.

قال الزبير يوم اليرموك لما حدثه ابنه أن أبا سفيان كان يقول: إيه بني الأصفر: قاتله الله يأبى إلا نفاقا أو لسنا خيرا له من بني الأصفر ؟.

وقال له علي عليه السلام: ما زلت عدوا للاسلام وأهله.

ومن طريق ابن المبارك عن الحسن: إن أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه فقال: صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية فإنما هو الملك ولا أدري ما جنة ولا نار.

فصاح به عثمان: قم عني فعل الله بك وفعل " الاستيعاب " 2: 690.

وفي تاريخ الطبري 11 ص 357: يا بني عبد مناف ! تلقفوها تلقف الكرة، فما هناك جنة ولا نار.

وفي لفظ المسعودي: يا بني أمية ! تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة. (مروج الذهب 1: 440) .

م ـ وأخرج ابن عساكر في تاريخه 6: 407 عن أنس: إن أبا سفيان دخل على عثمان بعد ما عمي فقال: هل هنا أحد ؟ فقالوا: لا.

فقال: أللهم اجعل الأمر أمر جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية ].

وقال ابن حجر: كان رأس المشركين يوم أحد ويوم الأحزاب، وقال ابن سعد في إسلامه: لما رأى الناس يطؤن عقب رسول الله حسده فقال في نفسه: لو عاودت الجمع لهذا الرجل.

فضرب رسول الله في صدره ثم قال: إذا يخزيك الله: وفي رواية: قال في نفسه: ما أدري لم يغلبنا محمد ؟ فضرب في ظهره وقال: بالله يغلبك. الإصابة 2: 179.

وإن سألت مولانا أمير المؤمنين عن الرجل فعلى الخبير سقطت قال في حديث له: معاوية طليق ابن طليق، حزب من هذه الأحزاب، لم يزل لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وآله وللمسلمين عدوا هو وأبوه حتى دخلا في الاسلام كارهين (1) .

وحسبك ما في كتاب له إلى معاوية بن أبي سفيان من قوله: يا ابن صخر يا ابن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تاريخ الطبري 6: 4.

 

/ صفحة 279 /

اللعين (1) ولعله عليه السلام يوعز بقوله هذا إلى ما رويناه من إن رسول الله صلى الله عليه وآله لعنه وابنيه معاوية ويزيد لما رآه راكبا وأحد الولدين يقود والآخر يسوق فقال: أللهم اللعن الراكب والقائد والسائق (2) .

وذكر ابن أبي الحديد في الشرح 4: 220 من كتاب للإمام عليه السلام كتبه إلى معاوية قوله: فلقد سلكت طرائق أبي سفيان أبيك وعتبة جدك وأمثالهما من أهلك ذوي الكفر والشقاق والأباطيل.

ويعرفك أبا سفيان قول أبي ذر لمعاوية لما قال له (يا عدو الله وعدو رسوله) : ما أنا بعدو لله ولا لرسوله بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله، أظهرتما الاسلام و أبطنتما الكفر.

إلى آخر ما يأتي في البحث عن مواقف أبي ذر مع عثمان.

هذا حال الرجل يوم كفره وإسلامه ولم يغير ما هو عليه حتى لفظ نفسه الأخير فهل له في أموال المسلمين قطمير أو نقير فضلا عن الآلاف ؟ لولا أن النسب الأموي برر الخليفة أن يخصه بمنائحه الجمة من مال الناس، وافق السنة أم خالفها.

ـ 38 ـ

عطاء الخليفة من غنائم افريقية

أعطى عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخاه من الرضاعة الخمس من غنائم افريقية في غزوها الأول كما مر في صفحة 259 وقال ابن كثير: أعطاه خمس الخمس.

وكان مائة ألف دينار على ما ذكره أبو الفدا من تقدير ذلك الخمس بخمسمائة ألف دينار.

و كان حظ الفارس من تلك الغنيمة العظيمة ثلاثة آلاف، ونصيب الراجل ألف كما ذكره ابن الأثير في أسد الغابة 3: 173، وابن كثير في تاريخه 7، 152.

وقال ابن أبي الحديد في شرحه 1: 67: أعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح افريقية بالمغرب، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة، من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين.

وقال البلاذري في الأنساب 5، 26: كان (عثمان) كثيرا ما يولي من بني أمية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح ابن أبي الحديد 3: 411، و ج 4: 51.

(2) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث صفحة 222 ط 1، و 252 ط 2.

 

/ صفحة 280 /

من لم يكن له مع النبي صلى الله عليه وآله صحبة فكان يجئ من امرأته ما ينكره أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم، فلما كان في الست الأواخر استأثر ببني عمه فولاهم وولى عبد الله بن أبي سرح مصر، فمكث عليها سنين فجاء أهل مصر يشكونه و يتظلمون منه (إلى أن قال:) فلما جاء أهل مصر يشكون ابن أبي سرح كتب إليه كتابا يتهدده فيه فأبى أن ينزع عما نهاه عثمان عنه، وضرب بعض من كان شكاه إلى عثمان من أهل مصر حتى قتله، فخرج من أهل مصر سبع مائة إلى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا ما صنع بهم ابن أبي سرح في مواقيت الصلاة إلى أصحاب محمد، فقام طلحة إلى عثمان فكلمه بكلام شديد، وأرسلت إليه عائشة رضي الله عنها تسأله أن ينصفهم من عامله، ودخل عليه علي بن أبي طالب وكان متكلم القوم فقال له: إنما يسئلك القوم رجلا مكان رجل وقد ادعوا قبله دما فاعزله عنهم واقض بينهم، فإن وجب عليه حق فأنصفهم منه.

فقال لهم: اختاروا رجلا أوليه عليكم مكانه.

فأشار الناس عليهم بمحمد بن أبي بكر الصديق فقالوا: استعمل علينا محمد بن أبي بكر فكتب عهده على مصر ووجه معهم عدة من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سرح.

وسيأتي تمام الخبر وكتاب عثمان إلى ابن أبي سرح يأمره بالتنكيل بالقوم.

قال الأميني: ابن أبي سرح هذا هو الذي أسلم قبل الفتح وهاجر ثم ارتد مشركا وصار إلى قريش بمكة فقال لهم: إني أضرب محمدا حيث أريد.

فلما كان يوم الفتح أمر صلى الله عليه وآله بقتله وأباح دمه ولو وجد تحت أستار الكعبة، ففر إلى عثمان فغيبه حتى أتى به رسول الله بعد ما اطمأن أهل مكة فاستأمنه له فصمت رسول الله صلى الله عليه وآله طويلا ثم قال: نعم فلما انصرف عثمان قال صلى الله عليه وآله لمن حوله: ما صمت إلا ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه وقال رجل من الأنصار: فهلا أومأت إلي يا رسول الله ؟ فقال: إن النبي لا ينبغي أن يكون له خائنة الأعين (1) .

ونزل القرآن بكفره في قوله تعالى: ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سنن أبي داود 2: 220، أنساب البلاذري 5. 49، مستدرك الحاكم 3: 100، الاستيعاب 1: 381، تفسير القرطبي 7: 40، أسد الغابة 3: 173، الإصابة 2: 317، تفسير الشوكاني 2: 134.

 

/ صفحة 281 /

أوحي إلي ولم يوح إليه شئ ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله.الآية (الأنعام 93) .

أطبق المفسرون على إن المراد بقوله: سأنزل مثل ما أنزل الله هو عبد الله بن أبي سرح وسبب ذلك فيما ذكروه: أنه لما نزلت الآية التي في المؤمنين: ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين. دعاه النبي صلى الله عليه وآله فأملاها عليه فلما انتهى إلى قوله: ثم أنشأناه خلقا آخر. عجب عبد الله في تفصيل خلق الانسان فقال: تبارك الله أحسن الخالقين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هكذا أنزلت علي، فشك عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إلي كما أوحي إليه، وإن كان كاذبا لقد قلت كما قال. فارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين فذلك قوله: ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله.

راجع الأنساب للبلاذري 5: 49، تفسير القرطبي 7: 40، تفسير البيضاوي 1: 391، كشاف الزمخشري 1: 461، تفسير الرازي 4: 96، تفسير الخازن 2: 37، تفسير النسفي هامش الخازن 2 ؟ 37، تفسير الشوكاني 2: 133، 135 نقلا عن ابن أبي حاتم، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن جريج، وابن جرير، وأبي الشيخ.

كان الرجل أموي النزعة والنشأة أرضعته وعثمان ثدي الأشعرية فقربته الأخوة من الرضاعة إلى الخليفة، وآثرته نزعاته الأموية على المسلمين، وأوصلته إلى الحظوة والثروة من حطام الدنيا، وحللت له تلك المنحة الطائلة وإن لم تساعد الخليفة على ذلك النواميس الدينية، إذ لم يكن أمر الغنائم مفوضا إليه وإنما خمسها لله ولرسوله ولذي القربى، أدى الرجل شكر تلكم الأيادي بامتناعه عن بيعة علي أمير المؤمنين بعد قتل أخيه الخليفة، والله يعلم منقلبهم ومثواهم.

هذه يسيرة عثمان وسنته في الأموال وفي لسانه قوله على صهوة الخطابة: هذا مال الله أعطيه من شئت وأمنعه من شئت، فأرغم الله أنف من رغم.

ولا يصيخ إلى قول عمار يوم ذاك: أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك.

وبين شفتيه قوله: لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ وإن رغمت أنوف أقوام.

ولا يعبأ بقول مولانا أمير المؤمنين في ذلك الموقف: إذا تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه (1) .

نعم: هذا عثمان وهذا قيله، والمشرع الأعظم صلى الله عليه وآله يقول فيما أخرجه البخاري

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) سيوافيك تفصيل الحديثين في الجزء التاسع إن شاء الله تعالى.

 

/ صفحة 282 /

في صحيحه 5: 15: إنما أنا قاسم وخان والله يعطي.

ويقول: ما أعطيكم ولا أمنعكم إنما أنا قاسم حيث أمرت.

وفي لفظ: والله ما أوتيكم من شئ ولا أمنعكموه، إن أنا إلا خازن أضع حيث أمرت (1) .

وقد حذر صلى الله عليه وآله أمته من التصرف في مال الله بغير حق بقوله: إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة (2) .

تلك حدود الله فلا تقربوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون.

ـ 38 ـ

الكنوز المكتنزة ببركة الخليفة

إقتنى جماعة من رجال سياسة الوقت، وأصحاب الفتن والثورات من جراء الفوضى في الأموال ضياعا عامرة، ودورا فخمة، وقصورا شاهقة، وثروة طائلة، ببركة تلك السيرة الأموية في الأموال الشاذة عن الكتاب والسنة الشريفة وسيرة السلف، فجمعوا من مال المسلمين مالا جما، وأكلوه أكلا لما.

* (منهم) *: الزبير بن العوام خلف كما في صحيح البخاري في كتاب الجهاد باب بركة الغازي في ماله ج 5: 21: لحدي عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر، وكان له أربع نسوة فأصاب كل امرأة بعد رفع الثلث ألف ألف ومائتا ألف.

قال البخاري: فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف.

وقال ابن الهائم: بل الصواب أن جميع ماله حسبما فرض: تسعة وخمسون ألف ألف وثمانمائة ألف (3) وصرح ابن بطال والقاضي عياض وغيرهما: بأن الصواب ما قاله ابن الهائم، و إن البخاري غلط في الحساب.

كذا نجدها في صحيح البخاري وغيره من المصادر غير مقيدة بالدرهم أو الدينار غير أن في تاريخ ابن كثير 7: 249 قيدها بالدرهم.

وقال ابن سعد في الطبقات 3: 77 طليدن: كان للزبير بمصر خطط، وبالاسكندرية خطط، وبالكوفة خطط، وبالبصرة دور، وكانت له غلات تقدم عليه من أعراض المدينة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) صحيح البخاري 5: 17، سنن أبي داود 2: 25، طرح التثريب 7: 160.

(2) صحيح البخاري 5: 17.

(3) ذكره شراح البخاري، راجع فتح الباري، إرشاد الساري، عمدة القاري، شذرات الذهب 1: 43.

 

/ صفحة 283 /

وقال المسعودي في المروج 1: 434، خلف ألف فرس وألف عبد وألف أمة وخططا.

* (ومنهم) *: طلحة بن عبيد الله التيمي: إبتنى دارا بالكوفة تعرف بالكناس بدار الطلحتين، وكانت غلته من العراق كل يوم ألف دينار، وقيل أكثر من ذلك وله بناحية سراة (1) أكثر مما ذكر، وشيد دارا بالمدينة وبناها بالآجر والجص والساج.

وعن محمد بن إبراهيم قال: كان طلحة يغل بالعراق ما بين أربعمائة ألف إلى خمسمائة ألف، ويغل بالسراة عشرة آلاف دينار أو أكثر أو أقل.

وقال سفيان بن عيينة: كان غلته كل يوم ألف وافيا.

والوافي وزنه وزن الدينار، وعن موسى بن طلحة: إنه ترك ألفي ألف درهم ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار، وكان ماله قد اغتيل.

وعن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: كان قيمة ما ترك طلحة من العقار والأموال وما ترك من الناض (2) ثلثين ألف ألف درهم، ترك من العين ألفي ألف ومائتي ألف درهم ومائتي ألف دينار والباقي عروض.

وعن سعدى أم يحيي بن طلحة: قتل طلحة وفي يد خازنه ألفا ألف درهم ومائتا ألف درهم، وقومت أصوله وعقاره ثلاثة ألف ألف درهم.

وعن عمرو بن العاص: أن طلحة ترك مائة بهار في كل بهار ثلاث قناطر ذهب وسمعت إن البهار جلد ثور.

وفي لفظ ابن عبد ربه من حديث الخشني: وجدوا في تركته ثلاثمائة بهار من ذهب وفضة.

وقال ابن الجوزي: خلف طلحة ثلثمائة جمل ذهبا.

م ـ وأخرج البلاذري من طريق موسى بن طلحة قال: أعطى عثمان طلحة في خلافته مائتي ألف دينار ].

راجع طبقات ابن سعد 3: 158 ط ليدن، الأنساب للبلاذري 5: 7، مروج الذهب 1: 434، العقد الفريد 2: 279، الرياض النضرة 2: 258، دول الاسلام للذهبي 1: 18. الخلاصة للخزرجي ص 152.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) بين تهامة ونجد أدناها الطائف وأقصاها قرب صنعاء.

(2) الناض: الدرهم والدينار.

 

/ صفحة 284 /

وسيأتي عن عثمان قوله: ويلي على ابن الحضرمية (يعني طلحة) أعطيته كذا وكذا بهارا ذهبا وهو يروم دمي يحرض على نفسي.

* (ومنهم) *: عبد الرحمن بن عوف الزهري. قال ابن سعد: ترك عبد الرحمن ألف بعير، وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحا.

وقال: وكان فيما خلفه ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال منه، وترك أربع نسوة فأصاب كل امرأة ثمانون ألفا. وعن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن قال: صالحنا امرأة عبد الرحمن التي طلقها في مرضه من ربع الثمن بثلاثة وثمانين ألفا. وقال اليعقوبي: ورثها عثمان فصولحت عن ربع الثمن على مائة ألف دينار. وقيل: ثمانين ألف. وقال المسعودي: إبتنى داره ووسعها وكان على مربطه مائة فرس، وله ألف بعير، وعشرة آلاف من الغنم، وبلغ بعد وفاته ثمن ماله أربعة وثمانين ألفا. راجع طبقات ابن سعد 3: 96 ليدن، مروج الذهب 1: 434، تاريخ اليعقوبي 2: 146، صفة الصفوة لابن الجوزي 1، 138، الرياض النضرة لمحب الطبري 2: 291 *

(ومنهم) *: سعد بن أبي وقاص، قال ابن سعد: ترك سعد يوم مات مائتي ألف وخمسين ألف درهم، ومات في قصره بالعقيق. وقال المسعودي: بني داره بالعقيق فرفع سمكها ووسع فضاءها وجعل أعلاها شرفات. طبقات ابن سعد 3: 105، مروج الذهب 1: 434.

* (ومنهم) *: يعلى بن أمية. خلف خمسمائة ألف دينار. وديونا على الناس وعقارات وغير ذلك من التركة ما قيمته مائة ألف دينار.

كذا ذكره المسعودي في مروج الذهب 1: 434.

* (ومنهم) *: زيد بن ثابت المدافع الوحيد عن عثمان، قال المسعودي: خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار. " مروج الذهب 1: 434 ".

هذه نبذ مما وقع فيه التفريط المالي على عهد عثمان، ومن المعلوم إن التاريخ لم يحص كلما كان هنا من عظائم شأنه في أكثر الحوادث والفتن ولا سيما المتدرجة منها في الحصول.

 

/ صفحة 285 /

وأما ما اقتناه الخليفة لنفسه فحدث عنه ولا حرج، كان ينضد أسنانه بالذهب ويتلبس بأثواب الملوك قال محمد بن ربيعة: رأيت على عثمان مطرف خز ثمن مائة دينار فقال: هذا لنائلة (1) كسوتها إياه، فأنا ألبسه أسرها به.

وقال أبو عامر سليم: رأيت على عثمان بردا ثمنه مائة دينار (2) .

قال البلاذري: كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلي وجوهر فأخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه فقال: هذا مال الله أعطيه من شئت وأمنعه من شئت فأرغم الله أنف من رغم وفي لفظ: لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ ولن رغمت أنوف أقوام.

فقال له علي: إذا تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه.

إلى آخر الحديث الآتي في مواقف الخليفة مع عمار وجاء إليه أبو موسى كيلة ذهب وفضة فقسمها بين نسائه وبناته، وأنفق أكثر بيت المال في عمارة ضياعه ودوره (3) .

وقال ابن سعد في الطبقات 3: 53 ط ليدن: كان لعثمان عند خازنه يوم قتل ثلاثون ألف ألف درهم وخمسمائة درهم، وخمسون ومائة ألف دينار فانتبهت وذهبت وترك ألف بعير بالربذة وصدقات ببراديس وخيبر ووادي القرى قيمة مائتي ألف دينار.

وقال المسعودي في المروج 1: 433: بنى في المدينة وشيدها بالحجر والكلس وجعل أبوابها من الساج والعرعر، واقتنى أموالا وجنانا وعيونا بالمدينة، وذكر عبد الله بن عتبة: إن عثمان يوم قتل كان عند خازنه من المال خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار، وخلف خيلا كثيرا وابلا.

وقال الذهبي في دول الاسلام 1: 12 كان قد صار له أموال عظيمة رضي الله عنه وله ألف مملوك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هي حليلة عثمان بنت الفرافصة.

(2) طبقات ابن سعد 3: 40 ط ليدن، أنساب البلاذري: 3: 4، الاستيعاب في ترجمة عثمان 2: 476.

(3) الصواعق المحرقة ص 68، السيرة الحلبية 2: 87.