عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني

 

الإجماع والخليفة

تعلمنا هذه الأحاديث المتضافرة الواردة عن آحاد الصحابة من المهاجرين و الأنصار أو عامة الفريقين، أو عن جامعة الصحابة البالغة مائتين حديثا أنه لم يشذ عن النقمة على عثمان منهم أحد ما خلا أربعة وهم: زيد بن ثابت، وحسان بن ثابت، و كعب بن مالك، وأسيد الساعدي .

 فمن مجهز عليه إلى محبذ لعمله، إلى محرض على قتله، إلى ناشر لإحداثه، إلى مؤلب عليه يسعى في إفساد أمره، إلى متجاسر عليه بالوقيعة فيه، إلى مناقد في فعاله يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، إلى خاذل له بترك نصرته لا يرى هنالك في الناقمين الثائرين عليه منكرا ينهي عنه، أوفي جانب الخليفة حقا يتحيز إليه، وهم كما مر في ص 157 عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: ما كان الله ليجمعهم على ضلال، ولا ليضربهم بالعمى .

 فكان ذلك إجماعا منهم أثبت من إجماعهم على نصب الخليفة في الصدر الأول، فإن كانت فيه حجة فهي في المقامين إن لم تكن في المقام الثاني أولى بالاتباع .

 ومن أمعن النظر فيما مر ويأتي من النصوص الواردة عن مولانا أمير المؤمنين و

2 - عائشة أم المؤمنين . و

3 - عبد الرحمن بن عوف . أحد العشرة المبشرة ورجالات الشورى . و

4 - طلحة بن عبد الله . أحد العشرة المبشرة . و

5 - الزبير بن العوام . أحد العشرة المبشرة . و

6 - عبد الله بن مسعود صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . " بدري " و

7 - عمار جلدة ما بين عيني النبي، النازل فيه القرآن " بدري " و

8 - المقداد بن أبي الأسود، الممدوح بلسان النبي الطاهر . " بدري " و

9 - حجر بن عدي الكوفي الصالح الناسك . و

10 - هاشم المرقال الذي كان من الفضلاء الخيار كما في " الاستيعاب " . و

11 - جهجاه بن سعيد الغفاري، من رجالات بيعة الشجرة . و

/ صفحة 164 /

12 - سهل بن حنيف الأنصاري " بدري " . و

13 - رفاعة بن رافع الأنصاري " بدري " و

14 - حجاج بن غزية الأنصاري . و

15 - أبي أيوب الأنصاري صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " بدري " . و

16 - قيس بن سعد الأنصاري، أمير الخزرج الصالح " بدري " . و

17 - فروة بن عمرو البياضي الأنصاري " بدري " . و

18 - محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري " بدري " . و

19 - جابر بن عبد الله الأنصاري . و

20 - جبلة بن عمرو الساعدي الأنصاري " بدري " . و

21 - محمد بن مسلمة الأنصاري " بدري " . و

22 - عبد الله بن عباس حبر الأمة . و

23 - عمرو بن العاصي . و

24 - عامر بن واثلة أبي الطفيل الكناني الليثي . و

25 - سعد بن أبي وقاص . أحد العشرة المبشرة . و

26 - مالك بن الحارث الأشتر . وهل موجود كمالك ؟ قاله أمير المؤمنين . و

27 - عبد الله بن عكيم . و

28 - محمد بن أبي حذيفة العبشمي . و

29 - عمرو بن زرارة بن قيس النخعي . و

30 - صعصعة بن صوحان، سيد عبد القيس . و

31 - حكيم بن جبلة العبدي الشهيد يوم الجمل . و

32 - هشام بن الوليد المخزومي . و

33 - معاوية بن أبي سفيان . و

34 - زيد بن صوحان، من الخيار الأبرار كما في الحديث . و

35 - عمرو بن الحمق الخزاعي المشرف بدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم . و

36 - عدي بن حاتم الطائي الصحابي العظيم . و

/ صفحة 165 /

37 - عروة بن السعد الصحابي . و

38 - عبد الرحمن بن حسان العنزي الكوفي . و

39 - محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة . الممدوح بلسان مولانا أمير المؤمنين . و

40 - كميل بن زياد النخعي . و

41 - عائذ بن حملة الطهوي التميمي . و

42 - جندب بن الزهير الأزدي . و

43 - الأرقم بن عبد الله الكندي . و

44 - شريك بن شداد الخضرمي . و

45 - قبيصة بن ضبيعة العبسي . و

46 - كريم بن عفيف الخثعمي العامري . و

47 - عاصم بن عوف البجلي . و

48 - ورقاء بن سمي البجلي . و

49 - كدام بن حيان العنزي . و

50 - صيفي بن فسيل الشيباني . و

51 - محزر بن شهاب التميمي المنقري . و

52 - عبد الله بن حوية السعدي التميمي . و

 53 - عتبة بن الأخنس السعدي . و

54 - سعيد بن نمران الهمداني .  و

55 - ثابت بن قيس النخعي . و

56 - أصعر بن قيس الحارثي . و

57 - يزيد بن المكفكف النخعي . و

58 - الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني . و

59 - الفضل بن العباس الهاشمي . و

60 - عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي . و

61 - زياد بن النضر الحارثي . و

/ صفحة 166 /

62 - عبد الله الأصم العامري . و

63 - عمرو بن الأهتم نزيل الكوفة . و

64 - ذريح بن عباد العبدي . و

65 - بشر بن شريح القيسي . و

66 - سودان بن حمران السكوني . و

67 - عبد الرحمن بن عديس أبي محمد البلوي . و

68 - عروة بن شييم ابن البياع الكناني الليثي . و

69 - كنانة بن بشر السكوني التجيبي . و

70 - الغافقي بن حرب العكي . و

71 - كعب بن عبدة، الزاهد الناسك . و

72 - مثنى بن مخربة العبدي . و

73 - عامر بن بكير بن عبد ياليل الليثي الكناني " بدري " . و

74 - عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي . و

75 - عبد الرحمن بن عبد الله الجمحي . و

76 - مسلم بن كريب القابضي الهمداني . و

77 - عمرو بن عبيد الحارثي الهمداني . و

78 - عمرو بن حزم الأنصاري . و

79 - عمير بن ضابئ التميمي البرجمي . و

80 - أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي .

 إلى نظرائهم ممن مر حديثه أو يأتي في هذا الجزء يزداد بصيرة في انعقاد هذا الإجماع الذي لا محيد عن مؤداه، ولا منتدح عن الجري معه، ولا محيص عن أخذه حجة قاطعة، وكيف لا ؟ وفيهم عمد الصحابة ودعائمها، وعظماء الملة وأعضادها، وذوو الرأي والتقوى والصلاح من البدريين وغيرهم، وفيهم: أم المؤمنين وغير واحد من العشرة المبشرة، ورجال الشورى، فإذا لم يحتج بإجماع مثله لا يحتج بأي إجماع قط، و لو جاءت عن أحد من هؤلاء كلمة واحدة في حق أي إنسان مدحا أو ذما لاتخذوه

/ صفحة 167 /

حجة دامغة، فكيف بهم ؟ وقد اجتمعوا على كلمة واحدة .

 وبهذه كلها تظهر قيمة الكلم التافهة التي جاء بها القوم لإغراء الدهماء بالجهل أمثال ما في تاريخ ابن كثير 8: 12 من قوله: قال أيوب والدار قطني: من قدم عليا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار . وهذا الكلام حق وصدق وصحيح ومليح . ا ه‍ . إقرأ واضحك أو إبك . فمن قدم عثمان على أي موحد أسلم وجهه لله وهو مؤمن بعد هذا الإجماع والمتسالم عليه فضلا عن مولى المؤمنين علي صلوات الله عليه فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، والصحابة الأولين والتابعين لهم بإحسان .

لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين .

 

/ صفحة 168 /

 

- 40 -

قصة الحصار الأول

الاجتماع على عثمان من أهل الأمصار:

المدينة . الكوفة . البصرة .

 مصر أخرج البلاذري وغيره بالإسناد: التقى أهل الأمصار الثلاثة: الكوفة والبصرة ومصر في المسجد الحرام قبل مقتل عثمان بعام، وكان رئيس أهل الكوفة كعب بن عبدة، ورئيس أهل البصرة المثنى بن مخربة العبدي، ورئيس أهل مصر كنانة بن بشر بن عتاب ابن عوف السكوني ثم التجيبي، فتذاكروا سيرة عثمان وتبديله وتركه الوفاء بما أعطى من نفسه وعاهد الله عليه، وقالوا: لا يسعنا الرضى بهذا، فاجتمع رأيهم على أن يرجع كل واحد من هؤلاء الثلاثة إلى مصره فيكون رسول من شهد مكة من أهل الخلاف على عثمان إلى من كان على مثل رأيهم من أهل بلده، وأن يوافوا عثمان في العام المقبل في داره فيستمعوه، فإن أعتب، وإلا رأوا رأيهم فيه ففعلوا ذلك .

 فلما حضر الوقت خرج الأشتر مع أهل الكوفة إلى المدينة في مائتين، وقال ابن قتيبة: أقبل الأشتر من الكوفة في ألف رجل في أربع رفاق، وكان أمراؤهم هو وزيد بن صوحان العبدي، وزياد بن النضر الحارثي، وعبد الله بن الأصم العامري، و على الجميع عمرو بن الأهتم .

 وخرج حكيم بن جبلة العبدي في مائة من أهل البصرة ولحق به بعد ذلك خمسون فكان في مائة وخمسين وفيهم: ذريح بن عباد العبدي، وبشر بن شريح القيسي، وابن المحرش - ابن المحترش - وقال ابن خلدون: وكلهم في مثل عدد أهل مصر في أربع رايات .

 وجاء أهل مصر وهم أربع مائة، ويقال: خمس مائة، ويقال: سبع مائة، ويقال: ست مائة، ويقال: ألف، وفي شرح ابن أبي الحديد: كانوا ألفين .

 وكان فيهم: محمد بن أبي بكر، وسودان بن حمران السكوني، وميسرة - ويقال قتيرة - السكوني، وعمرو

/ صفحة 169 /

ابن الحمق الخزاعي وكان من رؤسهم وعليهم أمراء أربعة:

1 - عمرو بن بديل بن ورقاء الخزاعي . على ربع

2 - عبد الرحمن بن عديس أبو محمد البلوي . على ربع

3 - عروة بن شييم بن البياع الكناني الليثي . على ربع

4 - كنانة بن بشر السكوني التجيبي . على ربع

وعليهم جميعا: الغافقي بن حرب العكي، وكان يصلي بالناس في أيام الحصار، قال الطبري: كان جماع أمرهم جميعا إلى عمرو بن بديل الخزاعي، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى عبد الرحمن بن عديس التجيبي .

 فلما أتوا المدينة أتوا دار عثمان، ووثب معهم رجال من أهل المدينة من المهاجرين والأنصار منهم: عمار بن ياسر العبسي وكان بدريا، ورفاعة بن رافع الأنصاري وكان بدريا، والحجاج بن غزية وكانت له صحبة، وعامر بن بكير وكان بدريا أحد بني كنانة .

 وفي كتاب لنائلة امرأة عثمان إلى معاوية في رواية ابن عبد ربه: وأهل مصر قد أسندوا أمرهم إلى علي ومحمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر وطلحة والزبير فأمروهم بقتله، وكان معهم من القبائل خزاعة، وسعد بن بكر، وهذيل، وطوائف من جهينة و مزينة وأنباط يثرب، وهؤلاء كانوا أشد الناس عليه .

 وفي حديث سعيد بن المسيب في الأنساب والعقد الفريد وغيرهما: وقد كانت من عثمان قبل هنات إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر: فكان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار وأحلافها من غضب لأبي ذر ما فيها، وحنقت بنو مخزوم لحال عمار بن ياسر .

 وفي لفظ المسعودي: وفي الناس بنو زهرة لأجل عبد الله بن مسعود، لأنه كان من أحلافها، وهذيل لأنه كان منها، وبنو مخزوم وأحلافها لعمار، وغفار وأحلافها لأجل أبي ذر، وتيم بن مرة مع محمد بن أبي بكر، وغير هؤلاء ممن لا يحمل ذكره كتابنا . فحصروا عثمان الحصار الأول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع طبقات ابن سعد ط ليدن 3: 49، الأنساب للبلاذري 5: 6 2، 59، الإمامة و .

 

/ صفحة 170 /

السياسة 1: 34، المعارف لابن قتيبة ص 84، تاريخ الطبري 5: 116، مروج الذهب 1: 441، العقد الفريد 2: 262، 269، الرياض النضرة 2: 123، 124، الكامل لابن الأثير 3: 66، تاريخ ابن خلدون 2: 393، شرح ابن أبي الحديد 1: 102، تاريخ ابن كثير 7: 170، 174، حياة الحيوان للدميري 1: 53، الإصابة 2: 411، الصواعق ص 69، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 106، تاريخ الخميس 2: 259 .

 

كتاب المصريين إلى عثمان

أخرج الطبري في تاريخه 5 ص 116 من طريق عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: كتب أهل مصر بالسقيا (1) أو بذي خشب (2) إلى عثمان بكتاب فجاء به رجل منهم، حتى دخل به عليه فلم يرد عليه شيئا فأمر به فأخرج من الدار، وكان فيما كتبوا إليه:

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد: فاعلم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فالله الله ثم الله الله، فإنك على دنيا فاستتم إليها معها آخرة، ولا تلبس (3) نصيبك من الآخرة فلا تسوغ لك الدنيا، واعلم أنا والله لله نغضب وفي الله نرضي، وإنا لن نضع سيوفنا عن عواتقنا حتى تأتينا منك توبة مصر أو ضلالة مجلحة مبلجة، فهذه مقالتنا لك وقضيتنا إليك والله عذيرنا منك . والسلام .

عهد الخليفة على نفسه أن يعمل بالكتاب والسنة وذلك في سنة 35 ه‍

أخرج البلاذري من رواية أبي مخنف في الأنساب 5: 62: إن المصريين وردوا المدينة فأحاطوا وغيرهم بدار عثمان في المرة الأولى " إلى أن قال ": وأتى المغيرة بن شعبة فقال له: دعني آت القوم فأنظر ما يريدون، فمضى نحوهم فلما دنا منهم صاحوا به: يا أعور ! وراءك، يا فاجر ! وراءك، يا فاسق ! وراءك .

 فرجع، ودعا عثمان عمرو بن العاص فقال له: ائت القوم فادعهم إلى كتاب الله والعتبى مما ساءهم .

 فلما دنا منهم سلم فقالوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) من أسافل أودية تهامة .

 (2) واد على مسيرة ليلة من المدينة كما مر .

 (3) كذا ولعله: لا تنس نصيبك، أخذا من القرآن الكريم .

 

/ صفحة 171 /

لا سلم الله عليك، ارجع يا عدو الله ! راجع يا ابن النابغة ! فلست عندنا بأمين ولا مأمون فقال له ابن عمر وغيره: ليس لهم إلا علي بن أبي طالب فلما أتاه قال: يا أبا الحسن ! ائت هؤلاء القوم فادعهم إلى كتاب الله وسنة نبيه . قال: نعم إن أعطيتني عهد الله وميثاقه على إنك تفي لهم بكل ما أضمنه عنك، قال: نعم . فأخذ علي عليه عهد الله وميثاقه على أوكد ما يكون وأغلظ وخرج إلى القوم فقالوا: وراءك، قال: لا، بل أمامي، تعطون كتاب الله وتعتبون من كل ما سخطتم، فعرض عليهم ما بذل عثمان، فقالوا: أتضمن ذلك عنه ؟ قال: نعم، قالوا: رضينا .

 وأقبل وجوههم وأشرافهم مع علي حتى دخلوا على عثمان و عاتبوه فأعتبهم من كل شئ فقالوا: اكتب بهذا كتابا فكتب .

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا كتاب من عبد الله عثمان أمير المؤمنين لمن نقم عليه من المؤمنين والمسلمين إن لكم أن أعمل فيكم بكتاب الله وسنة نبيه، يعطى المحروم، ويؤمن الخائف، ويرد المنفي، ولا تجمر (1) البعوث، ويوفر الفئ، وعلي بن أبي طالب ضمين المؤمنين والمسلمين على عثمان بالوفاء في هذا الكتاب .

 شهد الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله ؟ وسعد بن مالك بن أبي وقاص، و عبد الله بن عمرو، وزيد بن ثابت، وسهل بن خنيف، وأبو أيوب خالد بن زيد . وكتب في ذي العقدة سنة خمس وثلاثين . فأخذ كل قوم كتابا فانصرفوا . وقال علي بن أبي طالب لعثمان: أخرج فتكلم كلاما يسمعه الناس ويحملونه عنك وأشهد الله ما في قلبك، فإن البلاد قد تمخضت عليك، ولا تأمن أن يأتي ركب آخر من الكوفة أو من البصرة أو من مصر فتقول: يا علي اركب إليهم .

 فإن لم أفعل قلت: قطع رحمي، واستخف بحقي، فخرج عثمان فخطب الناس فأقر بما فعل واستغفر الله منه، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من زل فلينب .

 فأنا أول من اتعظ، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليردوني برأيهم، فوالله لو ردني إلى الحق عبد لاتبعته وما عن الله مذهب إلا إليه، فسر الناس بخطبته واجتمعوا إلى بابه مبتهجين بما كان منه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تجمر الجيش: تحبس في أرض العدو ولم يقفل .

 

/ صفحة 172 /

فخرج إليهم مروان فزبرهم وقال: شاهت وجوهكم ما اجتماعكم ؟ أمير المؤمنين مشغول عنكم، فإن احتاج إلى أحد منكم فسيدعوه فانصرفوا، وبلغ عليا الخبر فأتى عثمان و هو مغضب فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بإفساد دينك، وخديعتك عن عقلك ؟ وإني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك وقالت له امرأته نائلة بنت الفرافصة: قد سمعت قول علي بن أبي طالب في مروان وقد أخبرك أنه غير عائد إليك، وقد أطعت مروان ولا قدر له عند الناس ولا هيبة، فبعث إلى علي فلم يأته .

 وأخرج ابن سعد من طريق أبي عون قال: سمعت عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ذكر مروان فقال: قبحه الله خرج عثمان على الناس فأعطاهم الرضى وبكى على المنبر حتى استهلت دموعه، فلم يزل مروان يفتله في الذروة والغارب (1) حتى لفته عن رأيه، قال: وجئت إلى علي فأجده بين القبر والمنبر ومعه عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وهما يقولون: صنع مروان بالناس ؟ قلت: نعم (2) .

صورة أخرى من توبة الخليفة

أخرج الطبري من طريق علي بن عمر بن أبيه قال: إن عليا جاء عثمان بعد انصراف المصريين فقال له: تكلم كلاما يسمعه الناس منك، ويشهدون عليه ويشهد الله على ما في قلبك من النزوع والانابة، فإن البلاد قد تمخضت عليك فلا آمن ركبا آخرين يقدمون من الكوفة فتقول: يا علي إركب إليهم . ولا أقدر أن أركب إليهم ولا أسمع عذرا. ويقدم ركب آخرون من البصرة فتقول: يا علي إركب إليهم . فإن لم أفعل أيتني قد قطعت رحمك واستخففت بحقك .

 قال: فخرج عثمان وخطب الخطبة التي نزع فيها و أعطى الناس من نفسه التوبة فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد: أيها الناس فوالله ما عاب من عاب منكم شيئا أجهله، وما جئت شيئا إلا وأنا أعرفه، ولكني منتني نفسي وكذبتني، وضل عني رشدي، ولقد سمعت رسول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) لم يزل يفتل في الذروة والغارب . مثل في المخادعة . أي يدور من وراء خديعته .

 (2) وأخرج الطبري حديث ابن عون هذا وتبعه ابن الأثير وسيوافيك لفظه، وأوعز إليه الدميري في حياة الحيوان 1: 53 .

 

/ صفحة 173 /

الله صلى الله عليه وسلم يقول: من زل فليتب (1) ومن أخطأ فليتب ولا يتمادى في الهلكة، إن من تمادى في الجور كان أبعد من الطريق، فأنا أول من اتعظ، أستغفر الله عما فعلت، و أتوب إليه، فمثلي نزع وتاب، فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروني رأيهم، فوالله لئن ردني إلى الحق عبد لأستنن بسنة العبد، ولأذلن ذل العبد، ولأكونن كالمرقوق إن ملك مصر، وإن عتق شكر، وما عن الله مذهب إلا إليه، فلا يعجزن عنكم خياركم أن يدنوا إلي، لئن أبت يميني لتتابعني شمالي .

 قال: فرق الناس له يومئذ وبكى من بكى منهم وقام إليه سعيد بن يزيد فقال: يا أمير المؤمنين ! ليس بواصل لك من ليس معك، الله الله في نفسك، فاتمم على ما قلت فلما نزل عثمان وجد في منزله مروان وسعيدا (2) ونفرا من بني أمية ولم يكونوا شهدوا الخطبة فلما جلس قال مروان: يا أمير المؤمنين ! أتكلم أم أصمت ؟ فقالت نائلة ابنة الفرافصة امرأة عثمان الكلبية: لا بل اصمت فإنهم والله قاتلوه ومؤتموه، إنه قد قال مقالة لا ينبغي له أن ينزع عنها .

 فأقبل عليها مروان فقال: ما أنت وذاك ؟ فوالله لقد مات أبوك وما يحسن يتوضأ .

 فقالت له: مهلا يا مروان ! عن ذكر الآباء تخبر عن أبي وهو غائب تكذب عليه، وأن أباك لا يستطيع أن يدفع عنه، أما والله لولا أنه عمه و وأنه يناله غمه أخبرتك عنه ما لن أكذب عليه .

 قال: فأعرض عنها مروان ثم قال: يا أمير المؤمنين ! أتكلم أم أصمت ؟ قال: بل تكلم .

 فقال مروان: بأبي أنت وأمي والله لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممنع منيع فكنت أول من رضي بها وأعان عليها لكنك قلت ما قلت حين بلغ الحزام الطبيين، وخلف السيل الزبى، وحين أعطى الخطة الذليلة الذليل، والله لإقامة على خطيئة تستغفر الله منها أجمل من توبة تخوف عليها، وإنك إن شئت تقربت بالتوبة ولم تقرر بالخطيئة وقد اجتمع إليك على الباب مثل الجبال من الناس .

 فقال عثمان: فاخرج إليهم فكلمهم فإني أستحي أن أكلمهم، قال: فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم ؟ كأنكم قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه، كل إنسان آخذ بأذن صاحبه إلا من أريد (3) جئتم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) كذا في تاريخ الطبري والصحيح ما مر في رواية البلاذري: من زل فلينب .

 (2) هو سعيد بن العاص .

 (3) كذا في تاريخ الطبري وفي الكامل: شاهت الوجوه إلى من أريد .

 

/ صفحة 174 /

تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا أخرجوا عنا، أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غب رأيكم، ارجعوا إلى منازلكم، فإنا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا، قال: فرجع الناس وخرج بعضهم حتى أتا عليا فأخبره الخبر فجاء علي عليه السلام مغضبا حتى دخل على عثمان فقال: أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بتحرفك (1) عن دينك وعن عقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به ؟ والله ما مروان بذي رأي في دينه، ولا نفسه، وأيم الله إني لأراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا بعائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذهبت شرفك، وغلبت على أمرك .

 فلما خرج علي دخلت عليه نائلة ابنة الفرافصة امرأته فقالت: أتكلم أو أسكت ؟ فقال: تكلمي .

 فقالت: قد سمعت قول علي لك وإنه ليس يعاودك ؟ وقد أطعت مروان يقودك حيت شاء قال: فما أصنع ؟ قالت: تتقي الله وحده لا شريك له وتتبع سنة صاحبيك من قبلك، فإنك متى أطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبة، وإنما تركك الناس لمكان مروان، فأرسل إلى علي فاستصلحه فإن له قرابة منك وهو لا يعصى .

 قال: فأرسل عثمان إلى علي فأبي أن يأتيه، وقال: قد أعلمته: أني لست بعائد .

 فبلغ مروان مقالة نائلة فيه فجاء إلى عثمان فجلس بين يديه فقال: أتكلم أو أسكت ؟ فقال: تكلم .

 فقال: إن بنت الفرافصة .

 فقال عثمان: لا تذكرنها بحرف فأسوء لك وجهك فهي والله أنصح لي منك . فكف مروان (2).

 

صورة أخرى من التوبة

من طريق أبي عون قال: سمعت عبد الرحمن بن الأسود بن عبد بن يغوث يذكر مروان بن الحكم قال: قبح الله مروان، خرج عثمان إلى الناس فأعطاهم الرضا وبكى على المنبر وبكى الناس حتى إلى لحية عثمان مخضلة من الدموع وهو يقول: أللهم إني أتوب إليك، أللهم إني أتوب إليك، أللهم إني أتوب إليك، والله لئن ردني الحق إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) في لفظ البلاذري: إلا بإفساد دينك، وخديعتك عن عقلك .

 وفي لفظ ابن كثير: إلا بتحويلك عن دينك وعقلك، وإن مثلك مثل جمل الظعينة سار حيث يسار به .

 (2) الأنساب للبلاذري 5: 64، 65، تاريخ طبري 5: 111، الكامل لابن الأثير 3: 68، تاريخ ابن كثير 7: 172، شرح ابن أبي الحديد 1، 163، 164، تاريخ ابن خلدون 2: 396، 397 .

 

/ صفحة 175 /

أن أكون عبدا قنا لأرضين به، إذا دخلت منزلي فادخلوا علي، فوالله لا أحتجب منكم ولأعطينكم ولأزيدنكم على الرضا، ولأنحين مروان وذويه .

 قال: فلما دخل أمر بالباب ففتح ودخل بيته ودخل عليه مروان فلم يزل يفتله في الذروة والغارب حتى فتله عن رأيه وأزاله عما كان يريد، فلقد مكث عثمان ثلاثة أيام ما خرج استحياء من الناس، وخرج مروان إلى الناس فقال: شاهت الوجوه إلا من أريد ارجعوا إلى منازلكم، فإن يكن لأمير المؤمنين حاجة بأحد منكم يرسل إليه وإلا قر في بيته .

 قال عبد الرحمن: فجئت إلى علي فأجده بين القبر والمنبر وأجد عنده عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر وهما يقولان: صنع مروان بالناس وصنع، قال: فأقبل علي علي فقال: أحضرت خطبة عثمان ؟ قلت: نعم .

 قال: أفحضرت مقالة مروان للناس ؟ قلت نعم .

 قال علي: عياذ الله يا للمسلمين، إني إن قعدت في بيتي قال لي: تركتني وقرابتي وحقي، وإني إن تكلمت فجاء ما يريد يلعب به مروان فصار سيقة له يسوقه حيث شاء بعد كبر السن وصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 قال عبد الرحمن بن الأسود: فلم يزل حتى جاء رسول عثمان إئتني فقال علي بصوت مرتفع عال مغضب: قل له: ما أنا بداخل عليك ولا عائد .

 قال: فانصرف الرسول فلقيت عثمان بعد ذلك بليلتين جائيا فسألت ناتلا غلامه من أين جاء أمير المؤمنين ؟ فقال: كان عند علي، فقال عبد الرحمن بن الأسود فغدوت فجلست مع علي عليه السلام فقال لي: جاءني عثمان بارحة فجعل يقول: إني غير عائد وإني فاعل، قال: فقلت له .

 بعد ما تكلمت به على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطيت من نفسك، ثم دخلت بيتك، وخرج مروان إلى الناس فشتمهم على بابك ويؤذيهم ؟ قال: فرجع وهو يقول: قطعت رحمي وخذلني و جرأت الناس علي فقلت: والله إني لأذب الناس عنك، ولكني كلما جئتك بهنة أظنها لك رضى جاء بأخرى فسمعت قول مروان علي واستدخلت مروان .

 قال: ثم انصرف إلى بيته أزل أرى عليا منكبا عنه لا يفعل ما كان يفعل(1).

 

عهد آخر بعد حنث الأول

أخرج الطبري من طريق عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: كتب أهل المدينة إلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ الطبري 5: 112، الكامل لابن الأثير 3: 96 .

 

/ صفحة 176 /

عثمان يدعونه إلى التوبة، ويحتجون ويقسمون لله بالله لا يمسكون عنه أبدا حتى يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمه من حق الله، فلما خاف القتل شاور نصحاءه وأهل بيته فقال لهم: قد صنع القوم ما قد رأيتم فما المخرج ؟ فأشاروا عليه أن يرسل إلى علي بن أبي طالب فيطلب إليه أن يردهم عنه ويعطيهم ما يرضيهم ليطاولهم حتى يأتيه أمداده فقال: إن القوم لن يقبلوا التعليل وهي محملي وعهدا وقد كان مني في قدمتهم الأولى ما كان، فمتى أعطهم ذلك يسألوني الوفاء به .

 فقال مروان بن الحكم: يا أمير المؤمنين ! مقاربتهم حتى تقوى أمثل من مكاثرتهم على القرب، فاعطهم ما سألوك، وطاولهم ما طاولوك، فإنما هم بغوا عليك فلا عهد لهم، فأرسل إلى علي فدعاه فلما جاءه قال: يا أبا حسن ! إنه قد كان من الناس ما قد رأيت وكان مني ما قد علمت، ولست آمنهم على قتلي فأرددهم عني فإن لهم الله عز وجل أن اعتبهم من كل ما يكرهون، وأن أعطيهم الحق من نفسي ومن غيري وإن كان في ذلك سفك دمي، فقال له علي: الناس إلى عدلك أحوج منهم إلى قتلك، وإني لأرى قوما لا يرضون إلا بالرضا وقد كنت أعطيهم في قدمتهم الأولى عهدا من الله لترجعن عن جميع ما نقموا فرددتهم عنك، ثم لم تف لهم بشئ من ذلك فلا تغرني هذه المرة من شئ، فإني معطيهم عليك الحق .

 قال: نعم فاعطهم فوالله لأفين لهم .

 فخرج علي إلى الناس فقال: أيها الناس إنكم إنما طلبتم الحق فقد أعطيتموه إن عثمان قد زعم أنه منصفكم من نفسه ومن غيره، وراجع عن جميع ما تكرهون، فاقبلوا منه ووكدوا عليه .

 قال الناس: قد قبلنا فاستوثق منه لنا فإنا والله لا نرضى بقول دون فعل .

 فقال لهم علي: ذلك لكم .

 ثم دخل عليه فأخبره الخبر، فقال عثمان: إضرب بيني وبينهم أجلا يكون لي في مهلة، فإني لا أقدر على رد ما كرهوا في يوم واحد، قال له علي: ما حضر بالمدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصول أمرك، قال: نعم، ولكن أجلني فيما بالمدينة ثلاثة أيام . قال علي: نعم .

 فخرج إلى الناس فأخبرهم بذلك وكتب بينهم وبين عثمان كتابا أجله فيه ثلاثا على أن يرد كل مظلمة، ويعزل كل عامل كرهوه، ثم أخذ عليه في الكتاب أعظم ما أخذ الله على أحد من خلقه من عهد وميثاق وأشهد عليه ناسا من وجوه المهاجرين والأنصار، فكف المسلمون عنه ورجعوا إلى أن يفي لهم بما أعطاهم من نفسه، فجعل يتأهب للقتال ويستعد بالسلاح، قد كان اتخذ

/ صفحة 177 /

جندا عظيما من رقيق الخمس، فلما مضت الأيام الثلاثة وهو على حاله لم يغير شيئا مما كرهوه، ولم يعزل عاملا، ثار به الناس، وخرج عمرو بن حزم الأنصاري حتى أتى المصريين وهم بذي خشب فأخبرهم الخبر وسار معهم حتى قدموا المدينة فأرسلوا إلى عثمان: ألم نفارقك على أنك زعمت أنك تائب من أحداثك، وراجع عما كرهنا منك وأعطيتنا على ذلك عهد الله وميثاقه ؟ قال: بلى أنا على ذلك . قال: فما هذا الكتاب الذي وجدنا مع رسولك ؟ الحديث(1) .

سياسة ضئيلة :

لما تكلم علي مع المصريين ورجعهم إلى بلادهم ورجع هو إلى المدينة دخل على عثمان وأخبره أنهم قد رجعوا فمكث عثمان ذلك اليوم حتى إذا كان الغد جاءه مروان فقال له: تكلم واعلم الناس أن أهل مصر قد رجعوا، وأن ما بلغهم عن إمامهم كان باطلا فإن خطبتك تسير في البلاد قبل أن يتحلب الناس عليك من أمصارهم فيأتيك من لا تستطيع دفعه . فأبى عثمان أن يخرج . فلم يزل به مروان حتى خرج فجلس على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر فلما تيقنوا أنه باطل ما عنه رجعوا إلى بلادهم . فناداه الناس من كل ناحية: اتق الله يا عثمان ! وتب إلى الله . وكان أولهم عمرو ابن العاصي . قال: إتق الله يا عثمان ! فإنك قد ركبت نهابير وركبناها معك فتب إلى الله نتب . إلى آخر ما مر في هذا الجزء صفحة 137.

 قصة الحصار الثاني (2):

أخرج البلاذري من طريق أبي مخنف قال: لما شخص المصريون بعد الكتاب

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ الطبري 5: 116، الكامل لابن الأثير 3: 71، 72، شرح ابن أبي الحديد: 1: 166 .

 (2) مصادرها: الأنساب 5: 26 - 69، 95 الإمامة والسياسة 1: 33 - 37، المعارف لابن قتيبة ص 84، العقد الفريد 2: 263، تاريخ الطبري 5، 119، 120، الرياض النضرة 2: 123، 125، الكامل لا بن الأثير 3: 70، 71، شرح ابن أبي الحديد 1: 165، 166 تاريخ ابن خلدون 2: 397، تاريخ ابن كثير 7: 173، 174، 186، 189، حياة الحيوان للدميري 1: 53، الصواعق ص 69، تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 106، 107، السيرة الحلبية 2: 84، 86، 87، تاريخ الخميس 2: 259، واللفظ للبلاذري والطبري .

 

/ صفحة 178 /

الذي كتبه عثمان فصاروا بأيلة (1) أو بمنزل قبلها رأوا راكبا خلفهم يريد مصر فقالوا له: من أنت ؟ فقال: رسول أمير المؤمنين إلى عبد الله بن سعد، وأنا غلام أمير المؤمنين .

 وكان أسود فقال بعضهم لبعض: لو أنزلناه وفتشناه ألا يكون صاحبه قد كتب فينا بشئ، ففعلوا فلم يجدوا معه شيئا، فقال بعضهم لبعض: خلوا سبيله فقال كنانة بن بشر: أما والله دون أن أنظر في إداوته فلا .

 فقالوا: سبحان الله أيكون كتاب في ماء ؟ فقال: إن للناس حيلا .

 ثم حل الإداوة فإذا فيها قارورة مختومة، أو قال: مضمومة، في جوف القارورة كتاب في أنبوب من رصاص فأخرجه فقرئ فإذا فيه: أما بعد: فإذا قدم عليك عمرو بن بديل فاضرب عنقه، واقطع يدي ابن عديس و كنانة، وعروة، ثم دعهم يتشحطون في دمائهم حتى يموتوا، ثم أوثقهم على جذوع نخل .

 فيقال: إن مروان كتب الكتاب بغير علم عثمان، فلما عرفوا ما في الكتاب، قالوا: عثمان محل، ثم رجعوا عودهم على بدئهم حتى دخلوا المدينة فلقوا عليا بالكتاب وكان خاتمه من رصاص، فدخل به علي على عثمان فحلف بالله ما هو كتابه ولا يعرفه وقال: أما الخط فخط كاتبي، وأما الخاتم فعلى خاتمي، قال علي فمن تتهم ؟ قال: أتهمك وأتهم كاتبي .

 فخرج علي مغضبا وهو يقول: بل هو أمرك .

 قال أبو مخنف: وكان خاتم عثمان بدء عند حمران بن أبان ثم أخذه مروان حين شخص حمران إلى البصرة فكان معه: وفي لفظ جهيم الفهري قال: أنا حاضر أمر عثمان فذكر كلاما في أمر عمار .

 فانصرف القوم راضين ثم وجدوا كتابا إلى عامله على مصر أن يضرب أعناق رؤساء المصريين، فرجعوا ودفعوا الكتاب إلى علي فأتاه به فحلف له أنه لم يكتبه ولم يعلم به .

 فقال له علي: فمن تتهم فيه ؟ فقال: أتهم كاتبي وأتهمك يا علي ! لأنك مطاع عند القوم ولم تردهم عني .

 وجاء المصريون إلى دار عثمان فأحدقوا بها وقالوا لعثمان وقد أشرف عليهم: يا عثمان ! أهذا كتابك ؟ فجحد وحلف فقالوا: هذا شر، يكتب عنك بما لا تعلمه، ما مثلك

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) أيلة بالفتح: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام . وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام .

 

/ صفحة 179 /

يلي أمور المسلمين، فاختلع من الخلافة .

 فقال: ما كنت لأنزع قميصا قمصنيه الله، أوقال: سربلنيه الله .

 وقالت بنو أمية: يا علي أفسدت علينا أمرنا ودسست وألبت، فقال: يا سفهاء ! إنكم لتعلمون أنه لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وإني رددت أهل مصر عن عثمان ثم أصلحت أمره مرة بعد أخرى .

 فما حيلتي ؟ وانصرف وهو يقول: أللهم إني برئ مما يقولون ومن دمه إن حدث به حدث .

 قال: وكتب عثمان حين حصروه كتابا قرأه ابن الزبير على الناس يقول فيه: والله ما كتبت الكتاب ولا أمرت به ولا علمت بقصته وأنتم معتبون من كل ما ساءكم، فأمروا على مصركم من أحببتم، وهذه مفاتيح بيت مالكم فادفعوا إلى من شئتم فقالوا: قد اتهمناك بالكتاب فاعتزلنا .

 وأخرج ابن سعد من طريق جابر بن عبد الله الأنصاري قال: إن عثمان وجه إلى المصريين لما أقبلوا يريدونه محمد بن مسلمة في خمسين من الأنصار أنا فيهم فأعطاهم الرضى وانصرفوا فلما كانوا ببعض الطريق رأوا جملا عليه ميسم الصدقة فأخذوه فإذا غلام لعثمان ففتشوه فإذا معه قصبة من رصاص في جوف إداوة فيها كتاب إلى عامل مصر: أن أفعل بفلان كذا، وبفلان كذا، فرجع القوم إلى المدينة فأرسل إليهم عثمان محمد بن مسلمة فلم يرجعوا وحصروه .

 صورة أخرى عن سعيد بن المسيب قال: إن عثمان لما ولي كره ولايته نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عثمان كان يحب قومه، فولي الناس اثنتى عشرة سنة، وكان كثيرا ما يولي بني أمية ممن لم يكن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبة، وكان يجيئ من أمرائه ما يكره أصحاب محمد، فكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم، فلما كان في الحجج الآخرة استأثر ببني عمه فولاهم وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر، فمكث عليها سنين فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه، وقد كانت من عثمان قبل هنات إلى عبد الله ابن مسعود وأبي ذر عمار بن ياسر، فكان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار و أحلافها من غضب لأبي ذر ما فيها، وحنقت بنو مخزوم لحال عمار بن ياسر، فلما جاء أهل مصر يشكون ابن أبي سرح، كتب إليه كتاب يتهدده فيه، فأبى أن ينزع عما نهاه

/ صفحة 180 /

عثمان عنه وضرب بعض من شكاه إلى عثمان من أهل مصر حتى قتله، فخرج من أهل مصر سبع مائة رجل إلى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا ما صنع بهم ابن أبي سرح في مواقيت الصلاة إلى أصحاب محمد، فقام طلحة إلى عثمان فكلمه بكلام شديد، وأرسلت إليه عائشة رضي الله عنها تسأله أن ينصفهم من عامله، ودخل عليه علي بن أبي طالب وكان متكلم القوم فقال له: إنما يسألك القوم رجلا مكان رجل، وقد ادعوا قبله دما فاعزله واقض بينهم، فإن وجب عليه حق فانصفهم منه .

 فقال لهم: اختاروا رجلا أوليه عليكم مكانه .

 فأشار الناس عليهم بمحمد بن أبي بكر الصديق فقالوا: استعمل علينا محمد بن أبي بكر .

 فكتب عهده وولاه ووجه معهم عدة من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي سرح، فشخص محمد بن أبي بكر وشخصوا جميعا فلما كانوا على مسيرة ثلاث من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير وهو يخبط البعير خبطا كأنه رجل يطلب أو يطلب، فقال له أصحاب محمد بن أبي بكر: ما قصتك ؟ وما شأنك ؟ كأنك هارب أو طالب .

 فقال لهم مرة: أنا غلام أمير المؤمنين، وقال أخرى: أنا غلام مروان، وجهني إلى عامل مصر برسالة، قالوا: فمعك كتاب ؟ قال: لا .

 ففتشوه، فلم يجدوا معه شيئا وكانت معه إداوة قد يبست فيها شئ يتقلقل فحركوه ليخرج فلم يخرج فشقوا الإداوة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح .

 فجمع محمد من كان معه المهاجرين والأنصار وغيرهم ثم الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه: إذا أتاك محمد بن أبي بكر وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتاب محمد وقر على عملك حتى يأتيك رأيي، واحبس من يجئ إلي متظلما منك إن شاء الله، فلما قرأوا الكتاب فزعوا وغضبوا ورجعوا إلى المدينة وختم محمد بن أبي بكر الكتاب بخواتيم نفر ممن كان معه، ودفعه إلى رجل منهم وقدموا المدينة، فجمعوا عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم و أخبروهم بقصة الغلام وأقرأوهم الكتاب، فلم يبق أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك من كان غضب لابن مسعود وعمار بن ياسر وأبي ذر حنقا وغيظا، وقام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمنازلهم ما منهم أحد إلا وهو مغتم لما في الكتاب .

 وحاصر الناس عثمان وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم وغيرهم، وأعانه على

/ صفحة 181 /

ذلك طلحة بن عبيد الله، وكانت عائشة تقرصه كثيرا، ودخل علي وطلحة والزبير وسعد وعمار في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلهم بدري على عثمان ومع علي الكتاب والغلام والبعير فقال له علي: هذا الغلام غلامك ؟ قال: نعم، قال: والبعير بعيرك ؟ قال: نعم .

 قال: وأنت كتبت هذا الكتاب ؟ قال: لا، وحلف بالله: ما كتبت هذ الكتاب ولا أمرت به ولا علمت شأنه فقال له علي: أفالخاتم خاتمك ؟ قال: نعم .

 قال: فكيف يخرج غلامك ببعيرك بكتاب عليه خاتمك ولا تعلم به ؟ فحلف بالله: ما كتبت الكتاب ولا أمرت به ولا وجهت هذا الغلام إلى مصر قط .

 وعرفوا أن الخط خط مروان فسألوه أن يدفع إليهم مروان فأبى، وكان مروان عنده في الدار، فخرج أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من عنده غضابا وعلموا أنه لا يحلف بباطل إلا أن قوما قالوا: لن يبرأ عثمان في قلوبنا إلا أن يدفع إلينا مروان حتى نبحثه عن الأمر ونعرف حال الكتاب، وكيف يؤمر بقتل رجال من أصحاب رسول الله بغير حق ؟ فإن يكن عثمان كتبه عزلناه، وإن يكن مروان كتبه عن لسان عثمان نظرنا ما يكون منا في أمر مروان، فلزموا بيوتهم فأبى عثمان أن يخرج مروان .

 فحاصر الناس عثمان ومنعوه الماء فأشرف على الناس فقال: أفيكم علي ؟ فقالوا: لا .

 قال: أفيكم سعد ؟ فقالوا: لا .

 فسكت، ثم قال ألا أحد يبلغ عليا فيسقينا ماء ؟ فبلغ ذلك عليا فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء فما كادت تصل إليه وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم وبني أمية حتى وصلت .

لفظ الواقدي :

من طريق محمد بن مسلمة وقد أسلفنا صدره في ص 132، 133، وإليك بقيته: فوجدنا فيه هذا الكتاب فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم .

 أما بعد: فإذا قدم عليك عبد الرحمن بن عديس فاجلده مائة، واحلق رأسه ولحيته، وأطل حبسه حتى أتيك أمري، وعمرو بن الحمق، فافعل به مثل ذلك، وسودان بن حمران مثل ذلك، وعروة بن البياع الليثي مثل ذلك .

 قال: فقلت: وما يدريكم أن عثمان كتب بهذا ؟ قالوا: فيقتات مروان على عثمان بهذا فهذا شر، فيخرج نفسه من هذا الأمر .

 ثم قالوا: انطلق معنا إليه فقد كلمنا عليا ووعدنا أن يكلمه إذا صلى الظهر وجئنا سعد بن أبي وقاص فقال: لا أدخل في أمركم، وجئنا سعيد

/ صفحة 182 /

بن زيد بن عمرو فقال مثل هذا، فقال محمد: فأين وعدكم علي ؟ قالوا: وعدنا إذا صلى الظهر أن يدخل عليه .

 قال محمد: فصليت مع علي، قال: ثم دخلت أنا وعلي عليه فقلنا: إن هؤلاء المصريين بالباب فأذن لهم، قال: ومروان جالس فقال مروان: دعني جلعت فداك أكلمهم .

 فقال عثمان: فض الله فاك اخرج عني، وما كلامك في هذا الأمر ؟ فخرج مروان وأقبل علي عليه قال وقد أنهى المصريون إليه مثل الذي انهوا إلي فجعل علي يخبره ما وجدوا في كتابهم، فجعل يقسم بالله ما كتب ولا علم ولا شور فيه، فقال محمد بن مسلمة: والله إنه لصادق، ولكن هذا عمل مروان، فقال علي: فادخلهم عليك فليسمعوا عذرك .

 قال: ثم أقبل عثمان على علي فقال: إن لي قرابة ورحما والله لو كنت في هذه الحلقة لحللتها عنك، فأخرج إليهم فكلمهم فإنهم يسمعون منك .

 قال علي: والله ما أنا بفاعل ولكن أدخلهم حتى تعتذر إليهم .

 قال: فادخلوا .

 قال محمد بن مسلمة: فدخلوا يومئذ فما سلموا عليه بالخلافة فعرفت أنه الشر بعينه قالوا: سلام عليكم، فقلنا: وعليكم السلام قال: فتكلم القوم وقد قدموا في كلامهم ابن عديس، فذكر ما صنع ابن سعد بمصر وذكر تحاملا منه على المسلمين وأهل الذمة وذكر استئثارا منه في غنائم المسلمين، فإذا قيل له في ذلك قال: هذا كتاب أمير المؤمنين إلي، ثم ذكروا أشياء مما أحدث بالمدينة وما خالف به صاحبيه قال: فرحلنا من مصر ونحن لا نريد إلا دمك أو تنزع، فردنا علي ومحمد بن مسلمة و ضمن لنا محمد النزوع عن كل ما تكلمنا منه، ثم أقبلوا على محمد بن مسلمة قالوا: هل قلت ذاك لنا ؟ قال محمد: فقلت: نعم، ثم رجعنا إلى بلادنا نستظهر بالله عز وجل عليك ويكون حجة لنا بعد حجة، حتى إذا كنا بالبويب (1) أخذنا غلامك فأخذنا كتابك وخاتمك إلى عبد الله بن سعد تأمره فيه بجلد ظهورنا، والمثل بنا في أشعارنا، وطول الحبس لنا، وهذا كتابك، قال: فحمد الله عثمان أثنى عليه ثم قال: والله ما كتبت ولا أمرت ولا شورت ولا علمت قال: فقلت وعلي جميعا: قد صدق .

 قال: فاستراح إليها عثمان فقال المصريون: فمن كتبه ؟ قال: لا أدري .

 قال: أفيجترأ عليك فيبعث غلامك وجمل من صدقات المسلمين، وينقش على خاتمك، ويكتب إلى عاملك بهذه الأمور

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) البويب: مدخل أهل الحجاز بمصر .

 

/ صفحة 183 /

العظام وأنت لا تعلم ؟ قال: نعم، قالوا: فليس مثلك يلي، اخلع نفسك من هذا الأمر كما خلعك الله منه قال: لا أنزع قميصا ألبسنيه الله عزوجل .

 قال: وكثرت الأصوات واللغط فما كنت أظن أنهم يخرجون حتى يواثبوه قال: وقام علي فخرج فلما قام علي قمت وقال المصريون: أخرجوا فخرجوا، ورجعت إلى منزلي ورجع علي إلى منزله فما برحوا محاصرته حتى قتلوه .

 وأخرج الطبري من طريق عبد الرحمن بن يسار: أن الذي كان معه هذه الرسالة من جهة عثمان إلى مصر أبو الأعور السلمي (1) وهو الذي كان يدعو عليه أمير المؤمنين عليه السلام في قنوته مع أناس كما مر حديثه في ج 2: 32 1 ط 2، وذكره ابن أبي الحديد في شرحه 1: 165 . وأخرج من طريق عثمان بن محمد الأخنسي قال: كان حصر عثمان قبل قدوم أهل مصر فقدم أهل مصر يوم الجمعة وقتلوه في الجمعة الأخرى . تاريخ الطبري 5: 132 .

 الخليفة تواب عواد :

أخرج الطبري من طريق سفيان بن أبي العوجاء قال: قدم المصريون القدمة الأولى فكلم عثمان محمد بن مسلمة فخرج في خمسين راكبا من الأنصار فأتوهم بذي خشب فردهم ورجع القوم حتى إذا كانوا بالبويب وجدوا غلاما لعثمان معه كتاب إلى عبد الله بن سعد فكروا وانتهوا إلى المدينة وقد تخلف بها من الناس الأشتر و حكيم بن جبلة فأتوا بالكتاب فأنكر عثمان أن يكون كتبه وقال: هذا مفتعل .

 قالوا: فالكتاب كتاب كاتبك ؟ قال: أجل، ولكنه كتبه بغير أمري قالوا: فإن الرسول الذي وجدنا معه الكتاب غلامك؟ قال: أجل، ولكنه خرج بغير إذني . قالوا: فالجمل جملك قال: أجل، ولكنه أخذ بغير علمي .

 قالوا: ما أنت إلا صادق أو كاذب، فإن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما أمرت به من سفك دمائنا بغير حقها، وإن كنت صادقا فقد استحققت أن تخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك، لأنه لا ينبغي لنا أن نترك على رقابنا من يقتطع مثل الأمر دونه لضعفه وغفلته، وقالوا له: إنك ضربت رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم حين يعظونك ويأمرونك بمراجعة الحق عند ما يستنكرون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) تاريخ الطبري 5: 115 :

 

/ صفحة 184 /

من أعمالك، فأقد من نفسك من ضربته وأنت له ظالم، فقال: الإمام يخطئ ويصيب فلا أقيد من نفسي لأني لو أقدت كل من أصبته بخطأ أتى على نفسي قالوا: إنك قد أحدثت أحداثا عظاما فاستحققت بها الخلع، فإذا كلمت فيها أعطيت التوبة ثم عدت إليها و إلى مثلها ثم قدمنا عليك فأعطيتنا التوبة والرجوع إلى الحق ولامنا فيك محمد بن مسلمة، وضمن لنا ما حدث من أمر، فأخفرته فتبرأ منك وقال: لا أدخل في أمره، فرجعنا أول مرة لنقطع حجتك ونبلغ أقصى الأعذار إليك نستظهر بالله عز وجل عليك فلحقنا كتاب منك إلى عاملك علينا تأمره فينا بالقتل والقطع والصلب وزعمت أنه كتب بغير علمك وهو مع غلامك وعلى جملك وبخط كاتبك عليه وخاتمك فقد وقعت عليك بذلك التهمة القبيحة، مع ما بلونا منك قبل ذلك من الجور في الحكم، والأثرة في القسم، والعقوبة للأمر بالتبسط من الناس، والإظهار للتوبة ثم الرجوع إلى الخطيئة ولقد رجعنا عنك وما كان لنا أن نرجع حتى نجعلك ونستبدل بك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يحدث مثل ما جربنا منك، ولم يقع عليه من التهمة ما وقع عليك فاردد خلافتنا واعتزل أمرنا، فإن ذلك أسلم لنا منك، فقال عثمان: فرغتم من جميع ما تريدون ؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله وأستعينه وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد: فإنكم لم تعدلوا في المنطق ولم تنصفوا في القضاء أما قولكم: تخلع نفسك .

 فلا أنزع قميصا قمصنيه الله عزوجل وأكرمني به وخصني به على غيري ولكني أتوب وأنزع ولا أعود لشئ عابه المسلمون، فإني والله الفقير إلى الله الخائف منه .

 قالوا: إن هذا لو كان أول حدث أحدثته ثم تبت منه ولم نقم عليه لكان علينا أن نقبل منك، وأن ننصرف عنك ولكنه: قد كان منك من الأحداث قبل هذا ما قد علمت ولقد انصرفنا عنك في المرة الأولى وما نخشى أن تكتب فينا ولا من اعتللت به بما وجدنا في كتابك مع غلامك، وكيف نقبل توبتك ؟ وقد بلونا منك أنك لا تعطي من نفسك التوبة من ذنب إلا عدت إليه، فلسنا منصرفين حتى نعزلك ونستبدل بك، فإن حال من معك

/ صفحة 185 /

من قومك وذوي رحمك وأهل الانقطاع إليك دونك بقتال قاتلناهم حتى نخلص إليك فنقتلك، أو تلحق أرواحنا بالله .

 فقال عثمان: أما أن أتبرأ من الإمارة فإن تصلبوني أحب إلي من أن أتبرأ من أمر الله عز وجل وخلافته وأما قولكم: تقاتلون من قاتل دوني .

 فإني لا آمر أحدا بقتالكم (1) فمن قاتل دوني فإنما قتل بغير أمري، ولعمري لو كنت أريد قتالكم لقد كنت كتبت إلى الأجناد (2) فقادوا الجنود وبعثوا الرجال أو لحقت ببعض أطرافي بمصر أو عراق، فالله الله في أنفسكم فابقوا عليها إن لم تبقوا علي: فإنكم مجتلبون بهذا الأمر إن قتلتموني دما .

 قال: ثم انصرفوا عنه وآذنوه بالحرب وأرسل إلى محمد بن مسلمة فكلمه أن يردهم فقال: والله لا أكذب الله في سنة مرتين . تاريخ الطبري 5: 120، 121 .

 نظرة في أحاديث الحصارين

أول ما يقع عليه النظر من هذه الأحاديث المجهزين على عثمان هم المهاجرون والأنصار من الصحابة ولم يشذ عنهم إلا أربعة أسلفنا ذكر في صفحة 195 وهم الذين أصفقوا مع أهل مصر والكوفة والبصرة على مقت الخليفة وقتله بعد أن أعيتهم الحيل وأعوزهم السعي في استتابته، وإكفائه من الأحداث، ونزوعه عما هو عليه من الجرائم وإن في المقبلين من تلكم البلاد من عظماء الصحابة، ومن رجال الفضيلة والفقه والتقى من التابعين جماعات لا يستهان بعدتهم، ولا يغمز في دينهم، وهم رؤساء هاتيك الجماهير والمؤلبين لهم على عثمان، فمن الكوفيين: 2 - زيد الخير، له إدراك أثنى عليه النبي الأعظم، وأنه من الخيار الأبرار .

 2 - مالك بن الحارث الأشتر، له إدراك، أوقفناك على عظمته وفضله وموقفه من الإيمان، ومبلغه من الثقة والصلاح .

 3 - كعب بن عبدة النهدي، وقد سمعت عن البلاذري أنه كان ناسكا .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) لم يكن معه هناك غير بني أبيه حتى يأمر أحدا بالقتال وهم ليسوا هناك وقد تحصنوا يوم قتله بكندوج أم حبيبة كما يأتيك حديثه .

 (2) كان يتأهب للقتال، ويستعد بالسلاح، ويكتب إلى الأجناد، ويجلب إلى المدينة الجنود المجندة من الشام، وغيرها، غير أنه كان يغفل الناس بكلماته هذه وسنوافيك كتبه .

 

/ صفحة 186 /

4 - زياد بن النضر الحارثي، له إدراك .

 5 - عمرو بن الأهتم، صحابي خطيب بليغ شريف في قومه، ترجمه ابن عبد البر في " الاستيعاب "، وابن الأثير في " أسد الغابة " وابن حجر في " الإصابة " .

(وفي المصريين):

 6 - عمرو بن الحمق الخزاعي، صحب النبي وحفظ عنه أحاديث، وحظي بدعائه صلى الله عليه وآله وسلم له كما مر تفصيله ص 45 .

 7 - عمرو بن بديل الخزاعي، صحابي عادل مترجم في معاجم الصحابة .

 8 - عبد الله بن بديل الخزاعي: قال أبو عمر: كان سيد خزاعة وخزاعة عيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد حنينا والطائف وتبوك، وكان له قدر وجلالة، وكان من وجوه الصحابة . راجع الاستيعاب، وأسد الغابة، والإصابة .

 9 - عبد الرحمن بن عديس أبو محمد البلوي، صحب النبي وسمع منه، وكان ممن بايع تحت الشجرة من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه .

 10 - محمد بن أبي بكر، وحسبك فيه ما في الاستيعاب والإصابة من أن عليا " أمير المؤمنين " كان يثني عليه ويفضله وكانت له عبادة واجتهاد، وكان من أفضل أهل زمانه .

 (ورئيس البصريين):

11 - حكيم بن جبلة العبدي، قال أبو عمر في " الاستيعاب ": أدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان رجلا صالحا له دين مطاعا في قومه .

 وقال المسعودي في المروج 2: 7: كان من سادات عبد القيس وزهادها ونساكها .

 وأثنى عليه مولانا أمير المؤمنين بقوله كما في الكامل 3: 96:

دعــــا حـــــكيم دعوة سميعه          نــــال بهــــا المنزلة الرفيعه

يا لهف ما نفسي على ربيعه          ربيعــــة السامعـــة المطيعه

قــــد سبقـتـني فيهم الوقيعة

وإن ما جرى في غضون تلكم المعامع، وتضاعيف ذلك الحوار من أخذ ورد وهتاف وقول، كلها تنم عن صلاح القوم وتقواهم، وإنهم لم يغضبوا إلا لله، ولا دعوا

/ صفحة 187 /

إلا إلى أمره، ولا نهضوا إلا لإقامة الأمت والعوج، وتقويم دين الله وتنزيهه عن المعرات والأحداث، ولم يجلبهم إلى ذلك الموقف مطمع في إمارة، أو نزع إلى حكم أو هوى في مال، ولذلك كان يرضيهم كلما يبديه الخليفة من النزول على رغباتهم، والنزوع عن أحداثه، والانابة إلى الله مما نقموا به عليه، غير أنه كان يثيرهم في الآونة بعد الأخرى ما كانوا يشاهدونه من المقام على الهنات، ونقض العهد مرة بعد مرة حتى إذا اطمأنوا إلى أن الرجل غير منكفئ عما كان يقترفه، ولا مطمئن عما كان يفعله، فاطمأنوا إلى بقاء التكليف عليهم بالوثوب، فوقفوا لإزالة ما رأوه منكرا ذلك الموقف الشديد حتى قضى من الأمر ما كان مقدورا .

 ولو كان للقوم غاية غير ما وصفناه لما أثنى مولانا أمير المؤمنين عليه السلام على المصريين منهم بقوله من كتاب كتبه إلى أهل مصر: إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصي في أرضه، وذهب بحقه، إلى آخر ما مر في صفحة 74، ولما كانوا مذكورين في المعاجم والكتب بالثناء الجميل عليهم بعد تلكم المواقف المشهودة، ولو صدر عن أي أحد أقل مما صدر من أولئك الثائرين على عثمان في حق فرد من أفراد المسلمين فضلا عن الخليفة لعد جناية لا تغفر، وذنبا لا يبرر، وسقط صاحبه إلى هوة الضعة، ولا تبقى له بعد حرمة ولا كرامة، وغير أن ...

الثاني من مواقع النظر في الأحاديث المذكورة: إن الخليفة كانت عنده جرائم يستنكرها المسلمون وينكرونها عليه وهو يعترف بها فيتوب عنها، ثم يروغ عن التوبة فيعود إليها، ولا أدري أنه في أي الحالين أصدق ؟ أحين اعترف بالأحداث فتاب ؟ أم حين عبث به مروان فرقى المنبر وقال: إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر فلما تيقنوا أنه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم ؟ الثالث: أنه أعطى العهود والمواثيق المؤكدة على النزوع عما كان يرتكبه مما ينقمونه عليه وسجل ذلك في صكوك يبثها في البلاد بأيدي الناهضين عليه، إذ كان على علم بأن البلاد قد تمخضت عليه كما مر في كلام لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ثم لم يلبث حتى نكثها بعد ما ضمن له بالعمل على ذلك الضمان مثل مولانا أمير المؤمنين ومحمد ابن مسلمة ذلك الصحابي العظيم، وقد شهدت ذلك الضمان أمة كبيرة من الصحابة،

/ صفحة 188 /

فكأنه ما كان يرى للعهد لزوما، ولا للضمان حرمة، ولا للضامنين مكانة، ولا لنكث العهد معرة، ولعله كان يجد مبررا لتلكم الفجايع أو الفصايح، وعلى أي فالمسلمون " ويقدمهم الصحابة العدول " لم يرقهم ذلك المبرر ولا اعترفوا به، فمضوا إلى ما فعلوه قدما غير متحوبين ولا متأثمين .

 الرابع: إن التزامه في كتاب عهده في الحصار الأول بالعمل بالكتاب والسنة وهو في حيز النزوع عما كان يرتكبه قبل ذلك، وقد أعتب بذلك المتجمهرين عليه المنكرين على أحداثه المنحازة عنهما، يرشدنا إلى أنه كان في أعماله قبل ذلك الالتزام محيد عن الكتاب والسنة، وحسب أي إنسان من الضعة أن تكون أعماله منتئية عنهما الخامس: إن الطريد بن الطريد، أو قل عن لسان النبي الأمين (1): الوزغ ابن الوزع، اللعين ابن اللعين، مروان بن الحكم كان يؤثر في نفسيات الخليفة حتى يحوله " كما قال مولانا أمير المؤمنين (2) " عن دينه وعقله، ويجعله مثل الظعينة يقاد حيث يسار به .

 فلم يزل به حتى أربكه عند منتقض العهود ومنتكث المواثيق، فأورده مورد الهكة، وعجيب من الخليفة أن يتأثر بتسويلات الرجل وهو يعلم محله من الدين وموقفه من الإيمان، ومبوأه من الصدق والأمانة، وهو يعلم أنه هو وزبانيته هم الذين جروا عليه الويلات وأركبوه النهابير، وأنهم سيوردونه ثم لا يصدرونه، يعلم ذلك كله وهو بين الناب والمخلب وفي منصرم الحياة، ومع ذلك كله لا يزال مقيما على هاتيك الوساوس المروانية، فيا للعجب .

 وأعجب من ذلك أنه مع هذا التأثر يتخذ نصح الناصحين له كمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وكثير من الصحابة العدول باعتاب الناس ورفض تمويهات مروان الموبقة له ظهريا فلا يعير لهم بعد تمام الحجة وقطع سبل المعاذير أذنا واعية، وهو يعلم أنهم لا يعدون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدعونه إلى ما فيه نجاته ونجاح الأمة .

(لفت نظر) : وقع في عد أيام حصار عثمان خلاف بين المؤرخين فقال الواقدي: حاصروه تسعة وأربعين يوما .

 وقال الزبير: حاصروه شهرين وعشرين يوما . وفي رواية:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) راجع ما مر في الجزء الثامن ص 260 ط 2 .

 (2) راجع ما مضى في هذا الجزء صفحة 174 .

 

/ صفحة 189 /

إنهم حصروه أربعين ليلة . وقال ابن كثير: استمر الحصر أكثر من شهر وقيل: بضعا و أربعين . وقال الشعبي: كانت مدته اثنتين وعشرين ليلة . وفي رواية للطبري: كان الحصر . أربعين ليلة والنزول سبعين . وفي بعض الروايات: حصروه عشرين يوما بعد قضية جهجاه المذكورة ص 124 إلى أقوال أخرى، ولعل كل منها ناظر إلى ناحية من مدة أيام الحصارين أو مدة أحدهما، ومن مدة نزول المتجمرين حول داره، و من أيام ضاق عليه الخناق، ومنع من إدخال الماء عليه، وحيل بينه وبين اختلاف الناس إليه، ومن حصار الثائرين عليه من الأمصار، ومن إصفاق أهل المدينة معهم على الحصار . إلى تأويلات أخرى يتأتى بها الجمع بين تلكم الأقوال .

 كتب عثمان أيام الحصار (1):

أخرج الطبري في تاريخه من طريق ابن الكلبي قال: إنما رد أهل مصر إلى عثمان بعد انصرافهم عنه أنه أدركهم غلام لعثمان على جمل له بصحيفة إلى أمير مصر أن يقتل بعضهم وأن يصلب بعضهم فلما أتوا عثمان قالوا: هذا غلامك ؟ قال: غلامي إنطلق بغير علمي، قالوا: جملك ؟ قال: أخذه من الدار بغير أمري .

 قالوا: خاتمك ؟ قال: نقش عليه فقال عبد الرحمن بن عديس التجيبي حين أقبل أهل مصر .

أقبلن من بلبيس والصعيد (2)          خــــوصا كــأمثال القسي عود

مستحــــقبات حــــلق الحــــديد          يطلــــبن حــــق الله فـي الوليد

وعــــنــــد عـثــمان وفي سعيد          يا رب فارجعــــنا بمــــا نـــريد

فلما رأى عثمان ما قد نزل به وما قد انبعث عليه من الناس كتب إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) الإمامة والسياسة 2: 32 - 33، الأنساب 5: 71، 72، تاريخ الطبري 5: 105، 115، 116، 119، تاريخ اليعقوبي 2: 152، الكامل لابن الأثير 5 . 67، 71، شرح ابن أبي الحديد 1: 165، تاريخ ابن خلدون 2: 394، الفتنة الكبرى ص 226 .

 (2) بلبيس: بكسر الباءين وسكون اللام مدينة بينها وبين فسطاط مصر عشرة على طريق الشام .

 الصعيد: بلاد واسعة كثيرة بمصر يقال: إنها تسعمائة وسبع خمسون قرية .

 

/ صفحة 190 /

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد: فإن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة، فابعث إلي من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كل صعب وذلول .

 فلما جاء معاوية الكتاب تربص به وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علم اجتماعهم، فلما أبطأ أمره على عثمان كتب إلى يزيد بن أسد بن كرز وإلى أهل الشام يستنفرهم ويعظم حقه عليهم، ويذكر الخلفاء وما أمر الله عز وجل به من طاعتهم ومناصحتهم ووعدهم أن يجندهم جند أو بطانة دون الناس، وذكرهم بلاءه عندهم وصنيعه إليهم، فإن كان عندكم غياث فالعجل العجل فإن القوم معاجلي .

 فلما قرئ كتابه عليهم قام يزيد بن أسد بن كرز البجلي ثم القسري فحمد الله و أثنى عليه، ثم ذكر عثمان فعظم حقه، وحضهم على نصره، وأمرهم بالمسير إليه، فتابعه ناس كثيرو وساروا معه حتى إذا كان بوادي القرى (1) بلغهم قتل عثمان رضي الله عنه فرجعوا .

 وأخرج البلاذري من طريق الشعبي قال: كتب عثمان إلى معاوية: أن أمدني، فأمده بأربعة آلاف مع يزيد بن أسد بن كريز البجلي، فتلقاه الناس بمقتل عثمان فرجع من الطريق وقال: لو دخلت المدينة وعثمان حي ما تركت بها محتلما إلا قتلته، لأن الخاذل والقاتل سواء .

كتابه إلى أهل الشام

قال ابن قتيبة: وكتب إلى أهل الشام عامة وإلى معاوية وأهل دمشق خاصة: أما بعد: فإني في قوم طال فيهم مقامي، واستعجلوا القدر في، وقد خيروني بين أن يحملوني على شارف من الإبل الدحيل، وبين أن أنزع لهم رداء الله الذي كساني، وبين أن اقيدهم ممن قتلت، ومن كان على السلطان يخطئ ويصيب، فيا غوثاه يا غوثاه، ولا أمير عليكم دوني، فالعجل العجل يا معاوية ! وأدرك ثم أدرك وما أراك تدرك .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) وادي القرى: واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة .