عقائد الشيعة الإمامية / أبو صلاح الحلبي

 

 

مراعاة أمير المؤمنين القوم لا تقدح في إمامته

ولا يمكن القدح في ثبوت إمامته عليه السلام: بإمساكه عن النكير، ومبايعته للقوم، وإظهار التسليم، وحضور مجالسهم، والصلاة خلفهم، وأخذ عطائهم، والنكاح من سبيهم، وإنكاح عمر ابنته، وقول العباس له عند وفاة النبي عليه السلام: ألا يدخل بنا إليه فنسأله: هل لنا في هذا الأمر شيء؟ ولو كان النص ثابتا لم يجهله العباس، وامتناعه بعد وفاته صلى الله عليه وآله من مبايعة العباس وأبي سفيان وهما سيدا بني عبد مناف، ودخوله في الشورى، وتقلده الأمر بعد عثمان بالاختيار، وتحكيم الحكمين. لأن هذه الأمور أجمع غير قادحة في شئ من أدلة النص، ومع ذلك فهي ساقطة على أصول المسؤول عنها والسائل، ولا شبهة في سقوط ما هذه حاله من الشبه وسقوط فرض الإجابة عنه. أما سلامة النص من القدح بها، فلسلامة الظواهر الدالة عليه من الكتاب والسنة منها، إذ كانت أجمع لا تخرج شيئا من نصوص الكتاب والسنة عن اقتضائه للنص بغير شبهة على تأمل، وسلامة الظاهر من القدح بشئ مما ذكر مقتض للمصير إلى موجبها من القول بإمامته عليه السلام، وسقوط اعتراضهما بشئ لا تعلق له بهما. ولأن ثبوت النص على علي عليه السلام بالإمامة يقتضي ثبوت إمامته بعد النبي صلى الله عليه وآله وإلى حين وفاته عليه السلام، وثبوت ذلك في هذه الحال يقتضي القطع على استمرار عد الله فيها - لو لم تكن العصمة من شروط الإمامة، والحكم لجميع أفعاله بالحسن - لإجماع الأمة على فساد إمامة الإمام بما يقع من فسق، فسقط لذلك أيضا جميع ما اعترضوا به، ولم يبق إلا الرجوع إلى المنازعة في ظواهر النصوص، فيكون ذلك رجوعا لما سلموه وإسقاطا لما اعترضوا به، وهو المقصود، واستينافا لاعتراض النصوص المحروسة بالحجة من كل شبهة على ما سلف بيانه، والمنة لله سبحانه. وأما سقوط هذه الاعتراضات على أصولنا، فما بيناه من كون النص بالإمامة كاشفا عن عصمة المنصوص عليه، ولا شبهة في سلامة أفعال المعصوم من القدح، والحكم لجميعها بالحسن، ولعد معترضها عن الصواب. وأما سقوطها على أصولهم، فلأنهم قد أجمعوا أن عليا عليه السلام من رؤساء المجتهدين، وممن لا يعترض اجتهاده باجتهاد واحد سواه، ومن كانت هذه حاله فغير ملوم في شئ من اجتهاداته عند أحد منهم، ولا مأزور عند الله تعالى، فكيف يوسع لمن هذه أصوله واعتقاداته في علي عليه السلام أن يقدح في عد الله بما اجتهد فيه - مع قولهم بصواب كل مجتهد وإن بلغ غاية في التقصير - لولا قلة الإنصاف. وليس لهم أن يقولوا: لسنا نخطئه عليه السلام في شئ مما ذكرناه، وإنما نفينا به ما تدعونه من النص عليه. لأنهم متى لم يفرضوا قبح هذه الأمور مع تسليم النص لم يصح القدح بها في إمامته عليه السلام، إذ لا قدح بشئ من الأفعال الحسنة في إمامة منصوص عليه ولا مجتاز. على أن هذه الأفعال إذا كانت حسنة عند الجميع، فلا منافاة بينها وبين النص الكاشف عندنا عن عصمة المنصوص عليه وعن علو رتبته في الاجتهاد عندهم، وليس بموجب عليه عندنا ولا عندهم تقلد الأمر على كل حال، وإنما يتعين هذا الفرض بشرط التمكن المرتفع بالاضطرار إلى سقوطه وما تبعه من الأمور المذكورة وغيرها، فكيف ظن مخالفونا في الإمامة منافاة النص لما ذكروه من الأمور لولا بعدهم عن الصواب. على أنا نتبرع بذكر الوجه في جميع ما ذكروه مفصلا، وإن كنا مستغنين عنه بما ذكرناه: أما ترك النكير، ففرضه متعين بمجموع شروط يجب على مدعي تكاملها في علي عليه السلام إقامة البرهان بذلك، وهيهات. أن الممكن فعله من النكير قد أدلى به عليه السلام، وهو التذكار والتخويف والتصريح باستحقاقه الأمر دونهم، وما زاد على ذلك من المحاربة موقوف على وجود الناصر المفقود في الحال بغير إشكال، وكيف يظن به عليه السلام تمكنا من حرب المتقدمين على من رآه لا يستطيع الجلوس في بيته دونهم لولا قبيح العصبية وشديد العناد. وأما البيعة، فإن أريد بها الرضا فمن أفعال القلوب التي لا يعلمها غيره تعالى، بل لا ظن بها فيه، لفقد أمارتها وثبوت ضدها. وإن أريد الصفقة باليد فغير نافعة، لا سيما مع كونها واقعة عن امتناع شديد، وتخلف ظاهر، وتواصل إنكار عليه، وتقبيح لفعله، وموالاة مراجعة بتهديد تارة وتخويف أخرى وتحشيم وتقبيح، إلى غير ذلك مما هو معلوم، ودلالة ما وقع على هذا الوجه على كراهية المبايع واضحة. وأما إظهار التسليم، فعند فقد كل ما يظن معه الانتصار ولهذا صرح عليه السلام عند التمكن من القول بوجود الأنصار بأكثر ما في نفسه من ظلم القوم له وتقدمهم عليه بغير حق، وسنورد طرفا منه فيما بعد إن شاء الله، وذلك مانع من وقوع تسليمه عن رضى. وأما حضور مجالسهم، فللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المتمكن منه، وتنبيه الغافل وإرشاد الضال، وتعليم الجاهل واستدراك الفائت، وهذه أمور يختص وجوبها ( به ) مضافا إلى غيرها، تمكن منها ومنع من تلك، فوجب عليه فعل ما تمكن منه ويسقط عنه فرض الممنوع منه. وأما الصلاة خلفهم، فلا دلالة على كونه عليه السلام مقتديا بهم، لكون الاقتداء من أفعال القلوب، ولأنه أقرء القوم وأفقههم، فلا يجوز له الاقتداء بهم حسب ما نص عليه شارع الجماعة صلى الله عليه وآله، ولأنه إمام الذي لا يجوز التقدم عليه، ولا يجوز له اتباع رعيته. فهذه أصولنا الموافقة للأدلة تمنع من كونه عليه السلام مقتديا بغيره. فأما أصول القوم، فإنهم يجيزون الصلاة خلف الفاسق، فكيف تكون صلاة المسلم خلف أبي بكر دلالة على إمامته أو فضله، أو قادحة في عدالة المصلي أو إمامته، لولا غفلة السائل وجهله بأصوله وأصول خصمه. وأما أخذ العطاء، فليسوا بذي مال يخصهم إعطاؤه، وإنما هو مال الله الذي جعله لأنصار الإسلام، وأمير المؤمنين علي عليه السلام زعيم النصرة وأحق الأنصار به. على أن فرض تصريف هذا المال مردود إليه جملة، فتمكنه من البعض لا يقتضي رضاه بالمنع من البعض الآخر، ولو كان العطاء من مالهم لم يدل على صواب رأيهم في الإمامة بإعطائه، ولا خطأ علي بأخذه، كسائر العطايا. وأما نكاحه من سبيهم، فبنوا حنيفة لا يعدون أمرين: إما كونهم مستحقين المسبي في الله، أو غير مستحقين. وكونهم مستحقين يقتضي إباحة ملك سبيهم، وإن كان السابي ظالما ليس بإمام ولا بمأموم عدل، لولا ذلك يحرم نكاح المسبي في كل زمان لا إمام فيه منصوص عليه ولا مجتاز، وقد أجمع المسلمون على خلاف ذلك. وكونهم غير مستحقين يقتضي كونه عليه السلام عاقدا على خولة الحنفية، لكونه عالما بما يحل ويحرم، وممن لا يقدم على ما يعلمه حراما باتفاق. وأما مناكحة عمر، فالتقية المبيحة للامساك عن النكير - لما فعلوه من تقلد أمر الإمامة - مبيحة لذلك، لكونه مستصغرا في جنبه. على أن حال عمر في خلافه لا تزيد على حال عبد الله بن أبي السلول وغيره من المنافقين، وقد كانوا يناحكون في زمن النبي صلى الله عليه وآله، لاظهار الشهادتين وانقيادهم للملة، وهذه حال عمر. وعلم علي عليه السلام بالدليل كفر عمر كعلم النبي صلى الله عليه وآله بالوحي كفر ابن أبي السلول وغيره، فكما لا يمنع ذلك من مناكحتهم، فكذلك هذا. وأما ما روي عن العباس من قوله لعلي عليه السلام: أدخل بنا إلى النبي صلى الله عليه وآله -الحديث- فغير معلوم، فيلزم تأوله، والأشبه أن يكون كذبا، من حيث كان ظاهره يقتضي جهل العباس رضي الله عنه بالنص المعلوم لنا اليوم ولمن يتجدد إلى يوم القيامة، حسب ما وضحت الحجة به لكل متأمل لا يجوز على العباس جهلها. على أنه لو كان ثابتا لكان الوجه في سؤاله لعلي عليه السلام استعلام النبي صلى الله عليه وآله عن الأمر، وهل يصير إلى المستحق له بالنص أم يدفع عنه؟ فامتنع عليه السلام من ذلك، لعلمه بإعلام النبي صلى الله عليه وآله له بخروج الأمر عنه إلى القوم المخالفين لما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله من خلافته عليهم، لئلا يخبر به النبي صلوات الله عليه وآله ظاهرا فيظن من لا بصيرة له أن ذلك نص، فتحصل شبهة، فلذلك ما عدل عن إجابة العباس رضي الله عنه إلى ما سأل، وليس في امتناعه عليه ولا قول العباس له دلالة على عدم النص، لما بيناه من ثبوته، واحتمال قول العباس لما يوافق الثابت بالأدلة. وأما امتناعه من بيعة العباس وأبي سفيان، فلأنه عليه السلام رأى بشاهد الحال فسادا في بيعتهم، إما لأنه صلى الله عليه وآله لو بايع للزمه القيام بما لا ناصر له عليه، أو لخوف ضرر ممن تم له السلطان بمظاهرته بالمناقشة له. في سلطانه ببيعة ذين الرجلين المعظمين في قومهما، ألا ترى إلى لجاجهم في بيعته خوفا منه وإلجائه إليها مع إظهار الامساك ولزوم منزله، فكيف به لو علم كونه مبايعا لنفسه، فلذلك ما عدل عن بيعتهما. وأما دخوله في الشورى، فللضرورة الداعية إلى ذلك، إذ كان العاقد لها موجبا على القوم الذين يخبرهم الدخول فيها، وهو ممن قد علمت حاله وشديد إقدامه وتهجمه على مخالفه. وليحتج صلى الله عليه وآله على القوم بمناقبه وذرائعه إلى الخلافة، وما أنزل الله فيه، وذكره رسوله صلى الله عليه وآله من النصوص الدالة على إمامته، وما كان متمكنا لولا دخوله في الشورى من ذلك، فصار دخوله لهذا الوجه واجبا ليس يقدح في إمامته، ولا منصوب لعاقد الشورى. وليتوصل عليه السلام بالدخول مع القوم إلى القيام بما جعل إليه النظر فيه من الأمور الدينية التي من أوضح برهان على ما تقولها الشيعة من مشاركة عمر للقوم في سوء الرأي في الإسلام وأهله، واتفاقهم على عداوة النبوة وأهلها والمتحققين بولايتها لمن أنصف نفسه وتأمل هذه الحال. ومنها: يمينه سالما مولى أبي حذيفة، وإخباره أنه لو كان حيا ما يخالجه في تقليده أمر الإمامة شك. وخطأه في هذا من وجوه: أولها: أنه إخبار عن إيجابه إمامة سالم من غير روية ولا مشاورة، مع العلم بأن فعلة ليس بحجة، وإيجاب ما ليس على إيجابه دليل قبيح. وثانيها: أنه نقيض لاحتجاجه يوم السقيفة على الأنصار باختصاص الإمامة بقريش، ومبطل لإمامة أبي بكر المبنية على سقوط حجة الأنصار بالقربى وإمامته لكونها فرعا لإمامة أبي بكر بإجماع، ومفسد للظاهر من مذاهب الخصوم في مراعاة القرشية في صفات الإمام. ثالثها: حصول العلم الضروري بفساد رأي من رجح سالما على علي بن أبي طالب عليه السلام والعباس رضي الله عنه والمختارين الشورى ووجوه بني هاشم وأعيان المهاجرين والأنصار في شئ من أحواله فضلا عن جميعها، ومن تأمل خطاب هذا القائل علم أن مقصوده الوضع من الصحابة والقرابة واستخفافه بأقدارهم، وتهاونه بنكيرهم عليه وقلة نكره بالمناقضة بينهم بأدنى تأمل. ورابعها: أنه تحقيق لما ترويه الشيعة من تقدم المعاهدة منه ومن صاحبه وأبي عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة على نزع هذا الأمر من بني هاشم لو قد مات محمد صلى الله عليه وآله، لولا ذلك لا يكن ليمينه سالما وإخباره عن فقد الشك فيه مع حضور وجوه الصحابة وأهل السوابق والفضائل والذرائع التي ليس لسالم منها شئ وجه يعقل، وكذلك القول في يمينه أبا عبيدة بن الجراح على الرواية الأخرى. وليس لأحد أن يجعل سكوت الصحابة عنه دلالة على صوابه فيما ذكرناه عنه من المطاعن عليه. لأن السكوت لا يدل على الرضى بجنب الاحتمال لغيره، وهو ها هنا محتمل للخوف وحصول المفسدة كاحتماله للرضي، فلا يجوز القطع إلا بدلالة. ولأن البرهان واضح يخطبه فيما قدمناه، والأمر ظاهر على وجه لا لبس فيه من المناقصة للظاهر والتحجر والأمر بقتل من لا يستحق القتل على رأي أحد، وإيجاب قول المشهود له بضعف الرأي والدين، ويمين الموالي الفجار والشك في رجوه الأبرار فلا اعتبار في شئ من ذلك بسكوت محتمل. على أن تأمل هذا يوضح عن فساد طريقتهم في كون الامساك عن النكير حجة في الدين، لحصوله مع ما يعلم قبحه بقريب من الاضطرار.

 

في دفن الرجلين مع النبي في حجرته ومما يعم الرجلين

في دفن الرجلين مع النبي في حجرته ومما يعم الرجلين: أمرهما بالدفن مع النبي صلى الله عليه وآله في حجرته. وفيه: ترك لتوقيره من ضرب المعاول لديه، لثبوت حرمته بعد الوفاة كالحياة. وفيه: أن هذه الحجرة لا تخلو أن تكون موروثة كما نقول، أو صدقة كما يقولون. وكونها موروثة يقتضي قبح التصرف فيها بغير إذن الوارث، ولم يستأذناه بغير شبهة. وكونها صدقة يمنع من التصرف فيها على كل حال، كسائر الصدقات. ودعوى كونها لعائشة باطل من وجوه: منها: أن الظاهر كونها ملكا له عليه السلام، ولا دلالة بانتقالها. ومنها: قوله تعالى: (لا تدخلوا بيوت النبي)، فأضاف البيوت إليه، ولأن المعلوم أنه صلى الله عليه وآله لما هاجر إلى المدينة ابتاع مكان مسجده وحجرته فبناه، فلما وصل أهله وأزواجه أنزل كلا منهم منازله. ومنها: أنه لم يرو أحد إيذان عائشة بدفن النبي صلى الله عليه وآله في بيت سكناها، ولو كان بيتا لها لم يدفن إلا بإذنها. ومنها: أن غاية ما يتعلق به في ذلك دعوى عائشة، وقد ردوا دعوى فاطمة عليها السلام وهي أعدل، وقوله سبحانه: (وقرن في بيوتكن) يفيد السكنى، بدليل تناول هذا الإطلاق لجميع الأزواج، ولا أحد يدعي ملكا لواحدة منهن، عدا عائشة.

 

بعض مطاعن الثالث

وأما مطاعن الثالث فأمور كثيرة: منها: رده الحكم بن أبي العاص بعد نفي رسول الله صلى الله عليه وآله إياه وإباحة دمه متى دخل دار الإسلام، وإقرار المتقدمين ذلك النفي، وإدخاله المدينة على مراغمة من بني هاشم وسائر المسلمين، واتخاذ ابنه مروان بطانة، وبسط يده ورواية في أمور المسلمين، وإعطاؤه خس إفريقية، مع ظهور حاله وسوء رأيه في الإسلام وأهله. ومنها: تقليده المشهورين بالفسق والتهمة على الإسلام أمور المسلمين. كالوليد بن عقبة بن أبي معيط - المشهود له ولسائر نسله بالنار للأخوة التي بينهما - على الكوفة، وتوقفه عن عزله مع ظهور فساده في الولاية ومجاهرته بالفسق، وتوقفه عن إقامة الحد عليه مع إقامة الشهادة بشرب الخبر وإتيانه المسجد وصلاته بالناس و هو سكران. وتقليد سعيد بن العاص بعد عزله الوليد وإقراره على الولاية، مع عظيم الشكاية لجوره وقبيح سيرته، وقوله: إنما هذا السواد بستان لقريش، إلى أن أخرجه المسلمون منها قسرا مراغمة لعثمان، ورده بعد ذلك واليا عليهم، ومنعهم له من دخول الكوفة بالاضطرار وتقليد عبد الله بن عامر بن كريز على البصرة، للخؤولة التي بينهما، وعبد الله بن أبي سرح على مصر للرضاعة التي بينهما، ويعلى بن أمية - ويقال ابن منية - على اليمن، وأسيد بن الأخنس بن الشريق على البحرين، لكونه ابن عمته. وعزل المأمونين من الصحابة على الدين المختارين الولاية المرضيين السيرة، وهذا من عظيم المنكرات. ومنها: استئثاره بمال الله تعالى وتفريقه في بني أمية، وتفضيلهم في العطاء على المهاجرين والأنصار وفي هذا ما فيه. ومنها: تمزيق المصاحف وتحريقها وطرحها في الحشوش، وهذا ضلال. ومنها: استخفافه بعبد الله بن مسعود، وأمره بضربه بغير جرم حتى كسرت أضلاعه بالضرب وموته من ذلك، وهو من وجوه الصحابة. ومنها: ضرب عمار بن ياسر لإنفاذه وصية ابن مسعود حتى فتق، وإغماؤه من الضرب يوما وليلة. ومنها: إخراج أبي ذر إلى الشام لامره بالمعروف، ثم حمله من الشام -لإنكاره على معاوية خلافه للكتاب والسنة- مهانا معسفا، واستخفافه به، ونيله من عرضه، وتسميته بالكذاب مع شهادة النبي صلى الله عليه وآله له بالصدق، ونفيه عن المدينة إلى الربذة حتى مات بها رحمه الله تعالى مغربا. ومنها: استخفافه بعلي عليه السلام حين أنكر عليه تكذيب أبي ذر. ومنها: عزل عبد الله بن الأرقم عن بيت المال لما أنكر عليه إطلاق الأموال لبني أمية بغير حق. ومنها: قوله لعبد الرحمن بن عوف: يا منافق، وهو الذي اختاره وعقد له. ومنها: حرمانه عائشة وحفصة ما كان أبو بكر وعمر يعطيانهما، وسبه لعائشة، وقوله: - وقد أنكرت عليه الأفاعيل القبيحة - لئن لم تنتهي، لأدخلن عليك الحجرة سودان الرجال وبيضانها. ومنها: هدر دم الهرمزان وجفينة قتيلي ابن عمر، واعتذاره من ذلك بأن الناس قريبوا عهد بقتل أبيه. ومنها: حماية الكلاء وتحريمه على المسلمين وتخصصه به، ومنع غلمانه الناس منه وتنكيلهم بمن أراده. ومنها: ضربه عبد الله بن حذيفة بن اليمان حتى مات من ضربه، لإنكاره عليه ما يأتيه غلمانه إلى المسلمين في رعي الكلاء، ومنها: أكله الصيد وهو محرم مستحلا، وصلاته بمنى أربعا، وإنكاره متعة الحج، مع إجماع الأمة على خلاف ما فعل. ومنها: ضربه عبد الرحمن بن حنبل الجمحي - وكان بدريا - مائة سوط، وحمله على جمل يطاف به في المدينة، لإنكاره عليه الأحداث، وإظهاره عيوبه في الشعر، وحبسه بعد ذلك موثقا بالحديد، حتى كتب إلى علي وعمار من الحبس: أبلغ عليا وعمارا فإنهما بمنزل الرشد إن الرشد مبتدر لا تتركا جاهلا حتى يوقره دين الله وإن هاجت به مرر لم يبق لي منه إلا السيف إذ علقت حبائل الموت فينا الصادق ( البرر ) يعلم بأني مظلوم إذا ذكرت وسط الندى حجاج القوم والعذر فلم يزل علي عليه السلام بعثمان يكلمه، حتى خلى سبيله على أن لا يساكنه بالمدينة، فسيره إلى خيبر، فأنزله قلعة بها تسمى القموص، فلم يزل بها حتى ناهض المسلمون عثمان، وساروا إليه من كل بلد، فقال في الشعر: لولا علي فإن الله أنقذني على يديه من الأغلال والصفد لما رجوت لدى شد بجامعة يمنى يدي غياث الفوت من أحد نفسي فداء علي إذ يخلصني من كافر بعدما أغضى على صمد ومنها: تسيير حذيفة بن اليمان إلى المدائن، حين أظهر ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله فيه وأنكر أفعاله، فلم يزل يعرض بعثمان حتى قتل. ومنها: نفي الأشتر ووجوه أهل الكوفة عنها إلى الشام، حين أنكروا على سعيد بن العاص، ونفيهم من دمشق إلى حمص. ومنها: معاهدته لعلي عليه السلام ووجوه الصحابة على الندم على ما فرط منه، والعزم على ترك معاودته ونقض ذلك، والرجوع عنه مرة بعد مرة، وإصراره على ما ندم منه، وعاهد الله تعالى وأشهد القوم: على تركه من الاستئثار بالفئ، وبطانة السوء، وتقليد الفسقة أمور المسلمين. ومنها: كتابه إلى ابن أبي سرح بقتل رؤساء المصريين، والتنكيل بالأتباع وتخليدهم الحبس، لإنكارهم ما يأتيه ابن أبي سرح إليهم ويسير به فيهم من الجور الذي اعترف به وعاهد على تغييره. ومنها: تعريضه نفسه ومن معه من الأهل والأتباع للقتل، ولا يعزل ولاة السوء ومنها: استمراره على الولاية مع إقامته على المنكرات الموجبة للفسخ، وتحريم التصرف في أمر الأمة، وذلك تصرف قبيح، لكونه غير مستحق عندهم مع ثبوت الفسق.

 

ما يقدح في عدالة القوم

ومما يقدح في عدالة الثلاثة: قصدهم أهل بيت نبيهم عليهم السلام بالتحيف، والأذى، والوضع من أقدارهم، واجتناب ما يستحقونه من التعظيم. فمن ذلك: أمان كل معتزل بيعتهم ضررهم، وتصدهم عليا عليه السلام بالأذى لتخلفه عنهم، والإغلاظ له في الخطاب، والمبالغة في الوعيد، وإحضار الحطب لتحريق منزله، والهجوم عليه بالرجال من غير إذنه، والإتيان به ملببا، واضطرارهم بذلك زوجته وبناته ونساؤه وحامته من بنات هاشم وغيرهم إلى الخروج عن بيوتهم، وتجريد السيوف من حوله، وتوعده بالقتل إن امتنع من بيعتهم، ولم يفعلوا شيئا من ذلك بسعد بن عبادة، ولا بالخباب بن المنذر وغيرهما ممن تأخر عن بيعتهم، حتى مات أو طويل الزمان. ومن ذلك: ردهم دعوى فاطمة عليها السلام وشهادة علي والحسنين عليهم السلام، وقبول دعوى جابر بن عبد الله في الجنينات، وعائشة في الحجرة والقميص والنعل وغيرهما. ومنها: تفضيل الناس في العطاء، والاقتصار بهم على أدنى المنازل. ومنها: عقد الرايات والولايات لمسلمة القبح والمؤلفة قلوبهم ومكيدي الإسلام من بني أمية وبني مخزوم وغيرها، والإعراض عنهم واجتناب تأهلهم لشئ من ذلك. ومنها: موالاة المعروفين ببغضهم وحسدهم وتقديمهم على رقاب العالم، كمعاوية وخالد وأبي عبيدة والمغيرة وأبي موسى ومروان وعبد الله بن أبي سرح وابن كريز ومن ضارعهم في عداوتهم، والغض من المعروفين بولايتهم وقصدهم بالأذى، كعمار وسلمان وأبي ذر والمقداد وأبي بن كعب وابن مسعود ومن شاركهم في التخصص بولايتهم عليهم الصلاة والسلام. ومنها: قبض أيديهم عن فدك مع ثبوت استحقاقهم لما على ما بيناه، وإباحة معاوية الشام، وأبي موسى العراق، وابن كريز البصرة، وابن أبي سرح مصر والمغرب، وأمثالهم من المشهورين بكيد الإسلام وأهله. وتأمل هذا بعين إنصاف يكشف لك عن شديد عداوتهم، وتحاملهم عليهم، كأمثاله من الأفعال الدالة على تميز العدو من الولي. ولا وجه لذلك إلا تحققهم بصاحب الشريعة صلوات الله عليه وعلى آله في النسب، وتقدمهم لديه في الدين، وتحققهم من بذل الجهد في طاعته، والمبالغة في نصيحته ونصرة ملته، بما لا يشاركون فيه. وفي هذا ما لا يخفى مما فيه على متأمل. ( النكير على أبي بكر وعمر وأمور متفرقة ) ومما يقدح في عدالتهم: ما حفظ عن وجوه الصحابة وفضلاء السابقين والتابعين من الطعن عليهم، وذم أفعالهم، والتصريح بذمهم، وتصريحهم هم بذلك عند الوفاة، وتحسرهم على ما فرط منهم. فأما أقوال الصحابة والتابعين القادحة في عدالتهم: