عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المظفر
|
الفصل الأول الإلهيات نعتقد إن الله تعالى واحد أحد ليس كمثله شئ، قديم لم يزل ولا يزال، هو الأول والآخر، عليم حكيم عادل حي قادر غني سميع بصير. ولا يوصف بما توصف به المخلوقات، فليس هو بجسم ولا صورة، وليس جوهرا ولا عرضا، وليس له ثقل أو خفة، ولا حركة أو سكون، ولا مكان ولا زمان، ولا يشار إليه. كما لا ند له، ولا شبه، ولا ضد، ولا صاحبة له ولا ولد، ولا شريك، ولم كين له كفوا أحد. لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. ومن قال بالتشبيه في خلقه بأن صور له وجها ويدا وعينا، أو أنه ينزل إلى السماء الدنيا، أو أنه يظهر إلى أهل الجنة كالقمر، (أو نحو ذلك) فإنه بمنزلة الكافر به جاهل بحقيقة الخالق المنزه عن النقص، بل كل ما ميزناه بأوهامنا في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا (على حد تعبير الإمام الباقر عليه السلام) وما أجله من تعبير حكيم! وما أبعده من مرمى علمي دقيق! وكذلك يلحق بالكافر من قال إنه يتراءى لخلقه يوم القيامة، وإن نفى عنه التشبيه بالجسم لقلقة في اللسان، فإن أمثال هؤلاء المدعين جمدوا على ظواهر الألفاظ في القرآن الكريم أو الحديث، وأنكروا عقولهم وتركوها وراء ظهورهم. فلم يستطيعوا أن يتصرفوا بالظواهر حسبما يقتضيه النظر والدليل وقواعد الاستعارة والمجاز.
ونعتقد بأنه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات، فكما يجب توحيده في الذات ونعتقد بأنه واحد في ذاته ووجوب وجوده، كذلك يجب - ثانيا - توحيده في الصفات، وذلك بالاعتقاد بأن صفاته عين ذاته كما سيأتي بيان ذلك، وبالاعتقاد بأنه لا شبه له في صفاته الذاتية، فهو في العلم والقدرة لا نظير له وفي الخلق والرزق لا شريك له وفي كل كمال لا ند له. وكذلك يجب - ثالثا - توحيده في العبادة فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه، وكذا إشراكه في العبادة في أي نوع من أنواع العبادة، واجبة أو غير واجبة، في الصلاة وغيرها من العبادات. ومن أشرك في العبادة غيره فهو مشرك كمن يرائي في عبادته ويتقرب إلى غير الله تعالى، وحكمه حكم من يعبد الأصنام والأوثان، لا فرق بينهما. أما زيارة القبور وإقامة المآتم فليست هي من نوع التقرب إلى غير الله تعالى في العبادة، كما توهمه بعض من يريد الطعن في طريقة الإمامية، غفلة عن حقيقة الحال فيها، بل هي من نوع التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة كالتقرب إليه بعيادة المريض وتشييع الجنائز وزيارة الأخوان في الدين ومواساة الفقير، فإن عيادة المريض - مثلا - في نفسها عمل صالح يتقرب به العبد إلى الله تعالى. وليس هو تقربا إلى المريض يوجب أن يجعل عمله عبادة لغير الله تعالى أو الشرك في عبادته. وكذلك باقي أمثال هذه الأعمال الصالحة التي منها زيارة القبور، وإقامة المآتم، وتشييع الجنائز، وزيارة الأخوان. أما كون زيارة القبور وإقامة المآتم من الأعمال الصالحة الشرعية فذلك يثبت في علم الفقه وليس هنا موضع إثباته. والغرض أن إقامة هذه الأعمال ليست من نوع الشرك في العبادة كما يتوهمه البعض. وليس المقصود منها عبادة الأئمة، وإنما المقصود منها إحياء أمرهم، وتجديد ذكرهم، وتعظيم شعائر الله فيهم "وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ". فكل هذه أعمال صالحة ثبت من الشرع استحبابها، فإذا جاء الانسان متقربا بها إلى الله تعالى طالبا مرضاته، استحق الثواب منه ونال جزاءه.
ونعتقد أن من صفاته تعالى الثبوتية الحقيقية الكمالية التي
تسمى بصفات (الجمال
والكمال)، كالعلم والقدرة والغنى والإرادة والحياة -
هي كلها عين ذاته ليست هي صفات زائدة عليها، وليس وجودها إلا وجود الذات،
فقدرته من حيث الوجود حياته. وأما الصفات الثبوتية الإضافية كالخالقية والرازقية والتقدم والعلية فهي ترجع في حقيقتها إلى صفة واحدة حقيقية وهي القيومية لمخلوقاته وهي صفة واحدة تنتزع منها عدة صفات باعتبار اختلاف الآثار والملاحظات. وأما الصفات السلبية التي تسمى بصفات (الجلال)، فهي ترجع جميعها إلى سلب واحد هو سلب الإمكان عنه، فإن سلب الإمكان لازمة بل معناه سلب الجسمية والصورة والحركة والسكون والثقل والخفة وما إلى ذلك، بل سلب كل نقص. ثم إن مرجع سلب الإمكان في الحقيقة إلى وجوب الوجود، ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية، فترجع الصفات الجلالية (السلبية) آخر الأمر إلى صفات الكمالية (الثبوتية). والله تعالى واحد من جميع الجهات لا تكثر في ذاته المقدسة ولا تركيب في حقيقة الواحد الصمد. ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية لما عز عليه أن يفهم كيف أن صفاته عين ذاته فتخيل أن الصفات الثبوتية ترجع إلى السلب ليطمئن إلى القول بوحدة الذات وعدم تكثرها، فوقع بما هو أسوأ، إذ جعل الذات التي هي عين الوجود ومحض الوجود والفاقدة لكل نقص وجهة إمكان، جعلها عين العدم ومحض السلب أعاذنا الله من شطحات الأوهام وزلات الأقلام. كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى أن صفاته الثبوتية زائدة على ذاته فقال بتعدد القدماء ووجود الشركاء لواجب الوجود، أو قال بتركيبه تعالى عن ذلك، قال مولانا أمير المؤمنين وسيد الموحدين عليه السلام: "وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه، بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصفه سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه جزأه، ومن جزأه فقد جهله...". ونعتقد أن من صفاته تعالى الثبوتية الكمالية أنه عادل غير ظالم، فلا يجوز في قضائه ولا يحيف في حكمه، يثيب المطيعين، وله أن يجازي العاصين، ولا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقون. ونعتقد أنه سبحانه لا يترك الحسن عند عدم المزاحمة ولا يفعل القبيح، لأنه تعالى قادر على فعل الحسن وترك القبيح مع فرض علمه بحسن الحسن وقبح القبيح وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح، فلا الحسن يتضرر بفعله حتى يحتاج إلى تركه، ولا القبيح يفتقر إليه حتى يفعله. وهو مع كل ذلك حكيم لا بد أن يكون فعله مطابقا للحكمة وعلى حسب النظام الأكمل. فلو كان يفعل الظلم والقبح - تعالى عن ذلك - فإن الأمر في ذلك لا يخلو عن أربع صور: 1 - أن يكون جاهلا بالأمر فلا يدري أنه قبيح. 2 - أن يكون عالما به ولكنه مجبور على فعله وعاجز عن تركه. 3 - أن يكون عالما به وغير مجبور عليه ولكنه محتاج إلى فعله. 4 - أن يكون عالما به وغير مجبور عليه ولا يحتاج إليه فينحصر في أن يكون فعله له تشهيا وعبثا ولهوا. وكل هذه الصور محال على الله تعالى وتستلزم النقص فيه وهو محض
الكمال، فيجب أن نحكم أنه منزه عن
الظلم وفعل ما هو قبيح.
فرب أمثال هؤلاء الذين صوروه على عقيدتهم الفاسدة، ظالم جائر
سفيه لاعب كاذب مخادع يفعل القبيح ويترك الحسن الجميل وقال: "وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ" وقال: "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ" وقال: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ" إلى غير ذلك من الآيات الكريمة. سبحانك ما خلقت هذا باطلا. نعتقد أنه تعالى لا يكلف عباده إلا بعد إقامة الحجة عليهم، ولا يكلفهم إلا ما يسعهم وما يقدرون عليه وما يطيقونه وما يعلمون، لأنه من الظلم تكليف العاجز والجاهل غير المقصر في التعليم. أما الجاهل المقصر في معرفة الأحكام والتكاليف فهو مسؤول عند الله تعالى ومعاقب على تقصيره، إذ يجب على كل إنسان أن يتعلم ما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية. ونعتقد أنه تعالى لا بد أن يكلف عباده ويسن لهم الشرايع وما فيه صلاحهم وخيرهم ليدلهم على طرق الخير والسعادة الدائمة ويرشدهم إلى ما فيه الصلاح، ويزجرهم عما فيه الفساد والضرر عليهم وسوء عاقبتهم، وإن علم أنهم لا يطيعونه، لأن ذلك لطف ورحمة بعباده وهم يجهلون أكثر مصالحهم وطرقها في الدنيا
والآخرة، ويجهلون الكثير مما يعود عليهم بالضرر والخسران. والله تعالى هو
الرحمن الرحيم |
|