موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

 

مسائل في الإلهيات

في بقائه تعالى

 

- البقاء ليس زائدا على الذات

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 65 - 67

البحث السابع: في البقاء.

وفيه مطلبان: الأول: أنه ليس زائدا على الذات.

وذهب الأشاعرة إلى أن الباقي إنما يبقى ببقاء زائد على ذاته، وهو عرض قائم بالباقي، وأن الله تعالى باق ببقاء قائم بذاته تعالى. ولزمهم من ذلك المحال الذي تجزم الضرورة ببطلانه من وجوه: الأول: أن البقاء، إن عني به الاستمرار لزم اتصاف العدم بالصفة الثبوتية، وهو محال بالضرورة، بيان الملازمة: أن الاستمرار كما يتحقق في جانب الوجود، كذا يتحقق في جانب العدم، لإمكان تقسيم المستمر إليهما، ومورد التقسيم مشترك، ولأن معنى الاستمرار: كون الأمر في أحد الزمانين كما كان في الزمان الآخر. وإن عني به صفة زائدة على الاستمرار، فإن احتاج كل منهما إلى صاحبه دار، وإن لم يحتج أحدهما إلى الآخر أمكن تحقق كل منهما بدون صاحبه، فيوجد بقاء من غير استمرار وبالعكس، وهو باطل بالضرورة. وإن احتاج أحدهما إلى صاحبه انفك الآخر عنه، وهو ضروري البطلان. الثاني: أن وجود الجوهر في الزمان الثاني، لو احتاج إلى البقاء لزم الدور، لأن البقاء عرض يحتاج في وجوده إلى الجوهر، فإن احتاج إلى وجود هذا الجوهر الذي فرض باقيا، كان كل من البقاء ووجود الجوهر محتاجا إلى صاحبه، وهو عين الدور المحال. وإن احتاج إلى وجود جوهر غيره لزم قيام الصفة بغير الموصوف، وهو غير معقول. أجابوا بمنع احتياج البقاء إلى الجوهر، فجاز أن يقوم بذاته لا في محل، ويقتضي وجود الجوهر في الزمان الثاني، وهو خطأ، لأنه يقتضي قيام البقاء بذاته، فيكون جوهرا مجردا، والبقاء لا يعقل إلا عرضا قائما بغيره. وأيضا يلزم أن يكون هو بالذاتية أولى من الذات، وتكون الذات بالوصفية أولى منه، لأنه مجرد مستغن عن الذات، والذات محتاجة إليه، والمحتاج أولى بالوصفية من المستغني، والمستغني أولى بالذاتية من المحتاج. ولأنه يقتضي بقاء جميع الأشياء، لعدم اختصاصه بذات دون أخرى (حينئذ). الثالث: أن وجود الجوهر في الزمان الثاني، هو وجوده في الزمان الأول، ولما كان وجوده في الزمان الأول غنيا عن هذا البقاء، كان وجوده في الزمان الثاني كذلك، لامتناع كون بعض أفراد الطبيعة محتاجا لذاته إلى شيء، وبعض أفرادها مستغنيا عنه.

- الله تعالى باق لذاته

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 67

المطلب الثاني: في أن الله تعالى باق لذاته.

الحق ذلك، لأنه لو احتاج في بقائه إلى غيره كان ممكنا ولا يكون واجبا، للتنافي بالضرورة بين الواجب والممكن.

وخالفت الأشاعرة في ذلك، وذهبوا إلى أنه تعالى باق بالبقاء. وهو خطأ لما تقدم، ولأن البقاء: إن قام بذاته تعالى لزم تكثره، واحتياج البقاء إلى ذاته تعالى، مع أن ذاته محتاجة إلى البقاء، فيدور.. وإن قام بغيره، كان وصف الشئ حالا في غيره، وإن غيره محدث، وإن قام البقاء بذاته، كان مجردا.

وأيضا بقاؤه تعالى باق، لامتناع تطرق العدم إلى ذاته (صفاته) تعالى. ولأنه يلزم أن يكون محلا للحوادث، فيكون له بقاء آخر، ويتسلسل. وأيضا: صفاته تعالى باقية، فلو بقيت بالبقاء لزم قيام المعنى بالمعنى.

- يصح البقاء على الأجسام

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 68

خاتمة: تشتمل على حكمين:

الأول: البقاء يصح على الأجسام بأسرها.

وهذا حكم ضروري لا يقبل التشكيك. وخالف فيه النظام من الجمهور، فذهب إلى امتناع بقاء الأجسام بأسرها، بل كل آن يوجد فيه جسم ما، يعدم ذلك الجسم في الآن الذي بعده، ولا يمكن أن يبقى جسم من الأجسام، فلكيها، وعنصريها، بسيطها، ومركبها، ناطقها وغيرها. آنين. ولا شك في بطلان هذا القول، لقضاء الضرورة بأن الجسم الذي شاهدته حال فتح العين، هو الذي شاهدته قبل تغميضها، والمنكر لذلك سوفسطائي، بل السوفسطائي لا يشك في أن بدنه الذي كان به بالأمس هو بدنه الذي كان الآن، وأنه لا يتبدل بدنه من أول لحظة إلى آخرها، وهؤلاء جزموا بالتبدل.

- البقاء يصح على الأعراض

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 68 - 71

الثاني: في صحة بقاء الأعراض.

ذهبت الأشاعرة: إلى أن الأعراض غير باقية، بل كل لون، وطعم، ورايحة، وحرارة، وبرودة، ورطوبة، ويبوسة، وحركة، وسكون، وحصول في مكان، وحياة، وعلم، وقدرة، وتركب، وغير ذلك من الأعراض، فإنه لا يجوز أن يوجد آنين متصلين، بل يجب عدمه في الآن الثاني من آن وجوده.

وهذا مكابرة للحس، وتكذيب للضرورة الحاكمة بخلافه، فإنه لا حكم أجلى عند العقل من أن اللون الذي شاهدته في الثوب حين فتح العين، هو الذي شاهدته قبل طبقها، وأنه لم يعدم ولم يتغير، وأي حكم أجلى عند العقل من هذا وأظهر منه؟ ثم إنه يلزم منه محالات:

الأول: أن يكون الإنسان وغيره يعدم في كل آن، ثم يوجد في آن بعده، لأن الإنسان ليس انسانا باعتبار الجواهر الأفراد التي فيه عندهم، بل لا بد في تحقق كونه انسانا من أعراض قائمة بتلك الجواهر: من لون، وشكل، ومقدار، وغيرها من مشخصاته، ومعلوم بالضرورة أن كل عاقل يجد نفسه باقية لا تتغير في كل آن، ومن خالف ذلك كان سوفسطائيا. وهل إنكار السوفسطائيين للقضايا الحسية، عند بعض الاعتبارات أبلغ من إنكار كل أحد بقاء ذاته، وبقاء جميع المشاهدات آنين من الزمان؟. فلينظر المقلد المنصف في هذه المقالة، التي ذهب إليها الذي قلده، ويعرض على عقله حكمه بها، وهل يقصر حكمه ببقائه، وبقاء المشاهدات عن أجلى الضروريات؟ ويعلم أن إمامه الذي قلده: إن قصر ذهنه عن إدراك فساد هذه المقالة، فقد قلد من لا يستحق التقليد، وأنه قد التجأ إلى ركن غير شديد.. وإن لم يقصر ذهنه، فقد غشه، وأخفى عنه مذهبه، وقد قال صلى الله عليه وآله: "من غشنا فليس منا".

الثاني: أنه يلزم تكذيب الحس الدال على الوحدة، وعدم التغير، كما تقدم.

الثالث: أنه لو لم يبق العرض إلا آنا واحدا لم يدم نوعه (لم يلزم تأبيد نوعه)، فكان السواد إذا عدم، لم يجب أن يخلفه سواد آخر، بل جاز أن يحصل عقيبه بياض، أو حمرة، أو غير ذلك، وأن لا يحصل شئ من الألوان، إذ لا وجه لوجوب ذلك الحصول، لكن دوامه يدل على وجوب بقائه.

الرابع: لو جوز العقل عدم كل عرض في الآن الثاني من وجوده مع استمراره في الحس، لجوز ذلك في الجسم، إذ الحكم ببقاء الجسم إنما هو مستند إلى استمراره في الحس. وهذا الدليل لا يتمشى، لانتقاضه بالأعراض عندهم، فيكون باطلا، فلا يمكن الحكم ببقاء شئ من الأجسام آنين، لكن الشك في ذلك هو عين السفسطة.

الخامس: أن الحكم بامتناع انقلاب الشئ من الامكان الذاتي إلى الامتناع الذاتي ضروري، وإلا لم يبق وثوق بشئ من القضايا البديهية، وجاز أن ينقلب العالم من إمكان الوجود إلى وجوب الوجود، فيستغني عن المؤثر، فيسد باب إثبات الصانع تعالى، بل ويجوز انقلاب واجب الوجود إلى الامتناع، وهو ضروري البطلان. وإذا تقرر هذا فنقول: الأعراض إن كانت ممكنة لذاتها في الآن الأول، فتكون كذلك في الآن الثاني، وإلا لزم الانتقال من الامكان الذاتي إلى الامتناع الذاتي. وإذا كانت ممكنة في الثاني جاز عليها البقاء.

وقد احتجوا بوجهين: الأول: البقاء عرض، فلا يقوم بالعرض. الثاني: أن العرض لو بقي لما عدم، لأن عدمه لا يستند إلى ذاته، وإلا لكان ممتنعا، ولا إلى الفاعل، لأن أثر الفاعل الايجاد، ولا إلى طريان الضد، لأن طريان الضد على المحل مشروط بعدم الضد الأول عنه، فلو علل ذلك العدم به، دار، ولا إلى انتفاء شرط، لأن شرطه الجوهر لا غير، وهو باق، والكلام في عدمه كالكلام في عدم العرض.

والجواب عن الأول: المنع من كون البقاء عرضا زائدا على الذات.. سلمنا. لكن نمنع امتناع قيام العرض بمثله، فإن السرعة والبطء عرضان قائمان بالحركة، وهي عرض.

والجواب عن الثاني: أنه لم لا يعدم لذاته في الزمان الثالث، كما يعدم عندكم لذاته في الزمان الثاني؟.. سلمنا، لكن جاز أن يكون مشروطا بأعراض لا تبقى، فإذا انقطع وجودها عدم. سلمنا، لكن يستند إلى الفاعل، ونمنع انحصار أثره في الايجاد، فإن العدم ممكن لا بد له من سبب. سلمنا، لكن يعدم بحصول المانع، ونمنع اشتراط طريان الثاني بعدم الضد الأول، بل الأمر بالعكس.

وبالجملة فالاستدلال على نقيض الضروري باطل، كما في شبه السوفسطائية، فإنها لا تسمع لما كانت الاستدلالات في مقابل الضروريات.

- القدم والحدوث اعتباريان

نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 71 - 77

المبحث العاشر: في أن القدم والحدوث اعتباريان.

ذهب بعض الأشاعرة إلى أن القدم وصف ثبوتي، قائم بذات الله تعالى، وذهبت الكرامية إلى أن الحدوث وصف ثبوتي قائم بذات الحادث.

وكلا القولين باطل، لأن القدم لو كان موجودا مغايرا للذات لكان: إما قديما، أو حادثا. فإن كان قديما، كان له قدم آخر، ويتسلسل. وإن كان حادثا، كان الشيء موصوفا بنقيضه، وكان الله تعالى محلا للحوادث، وكان الله تعالى قبل حدوثه ليس بقديم، والكل معلوم البطلان.

وأما الحدوث، فإن كان قديما لزم قدم الحادث الذي هو شرطه، وكان الشيء موصوفا بنقيضه، وإن كان حادثا تسلسل، والحق أن القدم والحدوث من الصفات الاعتبارية.