موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

 

في إثبات الحسن والقبح العقليين

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 417-420

 

قال صاحب تجريد العقائد: "الثالث في أفعاله، الفعل المتصف بالزائد إما حسن أو قبيح، والحسن أربعة".

أقول: لما فرغ من إثباته تعالى وبيان صفاته شرع في بيان عدله وأنه تعالى حكيم لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب وما يتعلق بذلك من المسائل، وبدأ بقسمة الفعل إلى الحسن والقبيح وبين أن الحسن والقبح أمران عقليان، وهذا حكم متفق عليه بين المعتزلة. وأما الأشاعرة فإنهم ذهبوا إلى أن الحسن والقبح أنما يستفادان من الشرع فكل ما أمر الشارع به فهو حسن وكل ما نهى عنه فهو قبيح، ولولا الشرع لم يكن حسن ولا قبح، ولو أمر الله تعالى بما نهى عنه لا نقلب القبيح إلى الحسن.

والأوائل ذهبوا إلى أن من الأشياء ما هو حسن ومنها ما هو قبيح بالنظر إلى العقل العملي، وقد شنع أبو الحسين على الأشاعرة بأشياء ردية وما شنع به فهو حق إذ لا تتمشى قواعد الاسلام بارتكاب ما ذهب إليه الأشعرية من تجويز القبائح عليه تعالى وتجويز إخلاله بالواجب، وما أدري كيف يمكنهم الجمع بين المذهبين.

واعلم: أن الفعل من التصورات الضرورية، وقد حده أبو الحسين بأنه ما حدث عن قادر مع أنه حد القادر بأنه الذي يصح أن يفعل وأن لا يفعل فلزمه الدور، على أن الفعل أعم من الصادر عن قادر وغيره. إذا عرفت هذا، فالفعل الحادث إما أن لا يوصف بأمر زائد على حدوثه وهو مثل حركة الساهي والنائم وإما أن يوصف وهو قسمان حسن وقبيح، فالحسن ما لا يتعلق بفعله ذم القبيح بخلافه، والحسن إما أن لا يكون له وصف زائد على حسنه وهو المباح ويرسم بأنه ما لا مدح فيه على الفعل والترك، وإما أن يكون له وصف زائد على حسنه فإما أن يستحق المدح بفعله والذم بتركه وهو الواجب، أو يستحق المدح بفعله ولا يتعلق بتركه ذم وهو المندوب، أو يستحق المدح بتركه ولا يتعلق بفعله ذم وهو المكروه، فقد انقسم الحسن إلى الأحكام الأربعة: الواجب والمندوب والمباح والمكروه ومع القبيح تبقى الأحكام الحسنة والقبيحة خمسة.

 

قال: "وهما عقليان للعلم بحسن الإحسان وقبح الظلم من غير شرع".

أقول: استدل المصنف رحمه الله على أن الحسن والقبح أمران عقليان بوجوه، هذا أولها وتقريره أنا نعلم بالضرورة حسن بعض الأشياء وقبح بعضها من غير نظر إلى شرع، فإن كل عاقل يجزم بحسن الإحسان ويمدح عليه، وبقبح الإساءة والظلم ويذم عليه، وهذا حكم ضروري لا يقبل الشك وليس مستفادا من الشرع لحكم البراهمة والملاحدة به من غير اعتراف منهم بالشرائع.

 

قال: "ولانتفائهما مطلقا لو ثبتا شرعا".

أقول: هذا وجه ثان يدل على أن الحسن والقبح عقليان، وتقريره أنهما لو ثبتا شرعا لم يثبتا لا شرعا ولا عقلا، والتالي باطل إجماعا فالمقدم مثله، بيان الشرطية أنا لو لم نعلم حسن بعض الأشياء وقبحها عقلا لم نحكم بقبح الكذب فجاز وقوعه من الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا، فإذا أخبرنا في شيء أنه قبيح لم نجزم بقبحه وإذا أخبرنا في شئ أنه حسن لم نجزم بحسنه لتجويز الكذب ولجوزنا أن يأمرنا بالقبيح وأن ينهانا عن الحسن لانتفاء حكمته تعالى على هذا التقدير.

 

العودة لصفحة العلامة الحلي