موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

في القضاء والقدر

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 432-435

 

 

قال صاحب تجريد العقائد: "والقضاء والقدر إن أريد بهما خلق الفعل لزم المحال أو الإلزام صح في الواجب خاصة أو الأعلام صح مطلقا وقد بينه أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الأصبغ".

أقول: يطلق القضاء على الخلق والاتمام، قال الله تعالى: (فقضاهن سبع سماوات في يومين) أي خلقهن وأتمهن، وعلى الحكم والإيجاب كقوله تعالى:

(وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) أي أوجب وألزم، وعلى الإعلام والإخبار كقوله تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) أي أعلمناهم وأخبرناهم، ويطلق القدر على الخلق كقوله تعالى: (وقدر فيها أقواتها) والكتابة كقول الشاعر:

 

 

واعلم بأن ذا الجلال قد قدر  *  في الصحف الأولى التي كان سطر

 

والبيان كقوله تعالى: (إلا امرأته قدرناها من الغابرين) أي بينا وأخبرنا بذلك.

إذا ظهر هذا فنقول للأشعري: ما تعني بقولك: إنه تعالى قضى أعمال العباد وقدرها، إن أردت به الخلق والإيجاد فقد بينا بطلانه وإن الأفعال مستندة إلينا، وإن عني به الإلزام لم يصح إلا في الواجب خاصة، وإن عني به أنه تعالى بينها وكتبها وأعلم أنهم سيفعلونها فهو صحيح، لأنه تعالى قد كتب ذلك أجمع في اللوح المحفوظ وبينه لملائكته، وهذا المعنى الأخير هو المتعين للاجماع على وجوب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره ولا يجوز الرضا بالكفر وغيره من القبائح ولا ينفعهم الاعتذار بوجوب الرضا به من حيث إنه فعله تعالى وعدم الرضا به من حيث الكسب لبطلان الكسب أولا، وثانيا فلأنا نقول: إن كان كون الكفر كسبا بقضائه تعالى وقدره وجب الرضا به من حيث هو كسب وهو خلاف قولكم، وإن لم يكن بقضاء وقدر بطل استناد الكائنات بأجمعها إلى القضاء والقدر.

واعلم أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وسلامه قد بين معنى القضاء والقدر وشرحهما شرحا وافيا في حديث الأصبغ بن نباتة لما انصرف من صفين فإنه قام إليه شيخ فقال له: أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله تعالى وقدره، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطأنا موطئا ولا هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بقضاء وقدر، فقال له الشيخ: عند الله احتسب عنائي ما أرى لي من الأجر شيئا، فقال له: مه أيها الشيخ بل عظم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين، فقال الشيخ: كيف والقضاء والقدر ساقانا، فقال: ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ولم تأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسئ ولا المسئ أولى بالذم من المحسن، تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب، وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها، أن الله تعالى أمر تخييرا ونهى تحذيرا وكلف يسيرا لم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يرسل الرسل عبثا ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) فقال الشيخ: وما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلا بهما، فقال: هو الأمر من الله تعالى والحكم وتلا قوله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول:

 

أنت الأمام الذي نرجو بطاعته  *  يوم النشور من الرحمن رضوانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا  *  جزاك ربك عنا فيه إحسانا

 

قال أبو الحسن البصري ومحمود الخوارزمي: وجه تشبيهه عليه السلام المجبرة بالمجوس من وجوه: أحدها: أن المجوس اختصوا بمقالات سخيفة واعتقادات واهية معلومة البطلان وكذلك المجبرة.

وثانيها: أن مذهب المجوس أن الله تعالى يخلق فعله ثم يتبرأ منه كما خلق إبليس ثم انتفى منه وكذلك المجبرة قالوا: إنه تعالى يفعل القبائح ثم يتبرأ منها.

وثالثها: أن المجوس قالوا: إن نكاح الأخوات والأمهات بقضاء الله وقدره وإرادته، ووافقهم المجبرة حيث قالوا: إن نكاح المجوس لأخواتهم وأمهاتهم بقضاء الله وقدره وإرادته.

ورابعها: أن المجوس قالوا: إن القادر على الخير لا يقدر على الشر وبالعكس، والمجبرة قالوا: إن القدرة موجبة للفعل غير متقدمة عليه، فالانسان القادر على الخير لا يقدر على ضده وبالعكس.

 

 

العودة لصفحة العلامة الحلي