موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

في اللطف وماهيته وأحكامه

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 444-449

 

 

قال صاحب تجريد الاعتقاد: "واللطف واجب لتحصيل الغرض به".

أقول: اللطف هو ما يكون المكلف معه أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد من فعل المعصية ولم يكن له حظ في التمكين ولم يبلغ حد الالجاء.

واحترزنا بقولنا: ولم يكن له حظ في التمكين عن الآلة، فإن لها حظا في التمكين وليست لطفا.

وقولنا: ولم يبلغ حد الالجاء، لأن الالجاء ينافي التكليف واللطف لا ينافيه.

هذا اللطف المقرب.

وقد يكون اللطف محصلا وهو ما يحصل عنده الطاعة من المكلف على سبيل الاختيار، ولولاه لم يطع مع تمكنه في الحالين، وهذا بخلاف التكليف الذي يطيع عنده لأن اللطف أمر زائد على التكليف فهو من دون اللطف يتمكن بالتكليف من أن يطيع أو لا يطيع، وليس كذلك التكليف لأن عنده يتمكن من أن يطيع وبدونه لا يتمكن من أن يطيع أو لا يطيع، فلم يلزم أن يكون التكليف الذي يطيع عنده لطفا.

إذا عرفت هذا فنقول: اللطف واجب خلافا للأشعرية، والدليل على وجوبه أنه يحصل غرض المكلف فيكون واجبا وإلا لزم نقض الغرض، بيان الملازمة أن

المكلف إذا علم أن المكلف لا يطيع إلا باللطف، فلو كلفه من دونه كان ناقضا لغرضه كمن دعا غيره إلى طعام وهو يعلم أنه لا يجيبه إلا إذا فعل معه نوعا من التأدب، فإذا لم يفعل الداعي ذلك النوع من التأدب كان ناقضا لغرضه، فوجوب اللطف يستلزم تحصيل الغرض.

 

قال: "فإن كان من فعله تعالى وجب عليه وإن كان من المكلف وجب أن يشعره به ويوجبه وإن كان من غيرهما شرط في التكليف العلم بالفعل".

أقول: لما ذكر وجوب اللطف شرع في بيان أقسامه وهو ثلاثة: الأول: أن يكون من فعل الله تعالى، فهذا يجب على الله تعالى فعله لما تقدم. الثاني: أن يكون من فعل المكلف، فهذا يجب على الله تعالى أن يعرفه إياه ويشعره به ويوجبه عليه.

الثالث: أن يكون من فعل غيرهما، فهذا ما يشترط في التكليف بالملطوف فيه العلم بأن ذلك الغير يفعل اللطف.

 

قال: "ووجوه القبح منتفية والكافر لا يخلو من لطف والأخبار بالسعادة والشقاوة ليس مفسدة".

أقول: لما ذكر أقسام اللطف شرع في الاعتراضات على وجوبه مع الجواب عنها، وقد أورد من شبهات الأشاعرة ثلاثة:

الأولى: قالوا: اللطف أنما يجب إذا خلا من جهات المفسدة لأن جهات المصلحة لا تكفي في الوجوب ما لم تنتف جهات المفسدة، فلم لا يجوز أن يكون اللطف الذي توجبونه مشتملا على جهة قبح لا تعلمونه فلا يكون واجبا. وتقرير الجواب أن جهات القبح معلومة لنا لأنا مكلفون بتركها وليس هنا وجه قبح وليس ذلك استدلالا بعدم العلم على العلم بالعدم.

الثانية: أن الكافر إما أن يكلف مع وجود اللطف أو مع عدمه، والأول باطل وإلا لم يكن لطفا لأن معنى اللطف هو ما حصل الملطوف فيه عنده، والثاني إما أن يكون عدمه لعدم القدرة عليه فيلزم تعجيز الله تعالى وهو باطل، أو مع وجودها فيلزم الاخلال بالواجب. والجواب أن اللطف ليس معناه هو ما حصل الملطوف فيه فإن اللطف لطف في نفسه سواء حصل الملطوف فيه أو لا بل كونه لطفا من حيث إنه يقرب إلى الملطوف فيه ويرجح وجوده على عدمه، وامتناع ترجيحه أنما يكون لمعارض أقوى هو سوء اختيار المكلف فيكون اللطف في حقه مرجوحا.

ويمكن أن يكون ذلك جوابا عن سؤال آخر لهم، وتقريره أن اللطف لو كان واجبا لم تقع معصية من مكلف أصلا لأنه تعالى قادر على كل شئ، فإذا قدر على اللطف لكل مكلف في كل فعل لم تقع معصية لأنه تعالى لا يخل بالواجب لكن الكفر والمعاصي موجودة. وتقرير الجواب أن نقول: إنما يصح أن يقال: يجب أن يلطف للمكلف إذا كان له لطف يصلح عنده ولا استبعاد في أن يكون بعض المكلفين لا لطف له سوى العلم بالمكلف والثواب مع الطاعة والعقاب مع المعصية والكافر له هذا اللطف.

الثالثة: أن الأخبار بأن المكلف من أهل الجنة أو من أهل النار مفسدة لأنه إغراء بالمعاصي وقد فعله تعالى وهو ينافي اللطف. والجواب أن الأخبار بالجنة ليس إغراء مطلقا لجواز أن يقترن به من الألطاف ما يمتنع عنده من الإقدام على المعصية وإذا انتفى كونه إغراء على هذا التقدير بطل قولهم إنه مفسدة على الإطلاق وأما الأخبار بالنار فليس مفسدة أيضا لأن الأخبار إن كان للجاهل كأبي لهب انتفت المفسدة فيه لأنه لا يعلم صدق إخباره تعالى فلا يدعوه ذلك إلى الإصرار على الكفر، وإن كان عارفا كإبليس لم يكن إخباره تعالى بعاقبته داعيا إلى الاصرار على الكفر لأنه يعلم أنه بإصراره عليه يزداد عقابه فلا يصير مغريا عليه.

 

قال: "ويقبح منه تعالى التعذيب مع منعه دون الذم".

أقول: المكلف إذا منع المكلف من اللطف قبح منه عقابه لأنه بمنزلة الأمر بالمعصية والملجئ إليها، كما قال الله تعالى: (ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا) فأخبر أنهم لو منعهم اللطف في بعثه الرسول لكان لهم أن يسألوا بهذا السؤال ولا يكون لهم هذا السؤال إلا مع قبح إهلاكهم من دون البعثة ولا يقبح ذمه لأن الذم حق مستحق على القبيح غير مختص بالمكلف بخلاف العقاب المستحق للمكلف، ولهذا لو بعث الانسان غيره على فعل القبيح ففعله لم يسقط حق الباعث من الذم كما أن لإبليس ذم أهل النار وإن كان هو الباعث على المعاصي.

 

قال: "ولا بد من المناسبة وإلا ترجح بلا مرجح بالنسبة إلى المنتسبين".

أقول: لما فرغ من الاعتراضات على وجوب اللطف شرع في ذكر أحكامه وقد ذكر منها خمسة: الأول: أنه لا بد وأن يكون بين اللطف والملطوف فيه مناسبة، والمراد بالمناسبة هنا كون اللطف بحيث يكون حصوله داعيا إلى حصول الملطوف فيه، وهذا ظاهر لأنه لولا ذلك لم يكن كونه لطفا أولى من كون غيره لطفا فيلزم الترجيح من غير مرجح، ولم يكن كونه لطفا في هذا الفعل أولى من كونه لطفا في غيره من الأفعال وهو ترجيح من غير مرجح أيضا، وإلى هذين أشار بقوله: وإلا ترجح بلا مرجح بالنسبة إلى المنتسبين، وعنى بالمنتسبين اللطف والملطوف فيه، هذا ما فهمناه من هذا الكلام.

 

قال: "ولا يبلغ الإلجاء".

أقول: هذا الحكم الثاني من أحكام اللطف وهو أن لا يبلغ في الدعاء إلى الملطوف فيه إلى حد الالجاء، لأن الفعل الملجئ إلى فعل آخر يشبه اللطف في كون كل منهما داعيا إلى الفعل غير أن المتكلمين لا يسمون الملجئ إلى الفعل لطفا، فلهذا شرطنا في اللطف زوال الالجاء عنه إلى الفعل.

 

قال: "ويعلم الملكف اللطف إجمالا أو تفصيلا".

أقول: هذا هو الحكم الثالث من أحكام اللطف وهو وجوب كونه معلوما للمكلف إما بالاجمال أو بالتفصيل، لأنه إذا لم يعلمه ولم يعلم الملطوف فيه ولم يعلم المناسبة بينهما لم يكن داعيا له إلى الفعل الملطوف فيه فإن كان العلم الاجمالي كافيا في الدعاء إلى الفعل لم يجب التفصيل كما يعلم على الجملة كون الألم الواصل إلى البهيمة لطفا لنا وإن كان اللطف لا يتم إلا بالتفصيل وجب حصوله ويكفي العلم الاجمالي في المناسبة التي بين اللطف والملطوف فيه.

 

قال: "ويزيد اللطف على جهة الحسن".

أقول: هذا هو الحكم الرابع وهو كون اللطف مشتملا على صفة زائدة على الحسن من كونه واجبا كالفرائض أو مندوبا كالنوافل هذا فيما هو من فعلنا، وأما ما كان من فعله تعالى فقد بينا وجوبه في حكمته.

 

قال: "ويدخله التخيير".

أقول: هذا هو الحكم الخامس وهو أن اللطف لا يجب أن يكون معينا بل يجوز أن يدخله التخيير بأن يكون كل واحد من الفعلين قد اشتمل على جهة من المصلحة المطلوبة من الآخر فيقوم مقامه ويسد مسده، أما في حقنا فكما في الكفارات الثلاث، وأما في حقه تعالى فلجواز أن يخلق لزيد ولدا يكون لطفا له وإن كان يجوز حصول اللطفية بخلق ولد غير ذلك الولد من أجزاء غير أجزاء الولد الأول وعلى صورة غير صورته، وحينئذ لا يجب أحد الفعلين بعينه بل يكون حكمه حكم الواجب المخير.

 

قال: "بشرط حسن البدلين".

أقول: لما ذكر أن اللطف يجوز أن يدخله التخيير نبه على شرط كل واحد من البدلين أعني اللطف وبدله، وأطلق على كل واحد منهما اسم البدل بالنظر إلى صاحبه، إذ ليس أحدهما بالأصالة أولى من الآخر، وذلك الشرط كون كل واحد منهما حسنا ليس فيه وجه قبح، وهذا مما لم تتفق الآراء عليه فإن جماعة من العدلية ذهبوا إلى تجويز كون القبيح كالظلم منا لطفا قائما مقام إمراض الله تعالى.

واستدلوا بأن وجه كون الألم من فعله تعالى لطفا هو حصول المشاق وتذكر العقاب وذلك حاصل بالظلم منا فجاز أن يقوم مقامه. وهذا ليس بجيد لأن كونه لطفا جهة وجوب والقبيح ليس له جهة وجوب واللطف إنما هو في علم المظلوم بالظلم لا في نفس الظلم، كما نقول: إن العلم بحسن ذبح البهيمة لطف لنا وإن لم يكن الذبح نفسه لطفا.

 

 

العودة لصفحة العلامة الحلي