موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

في الكرامات

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 475-497

 

 

قال صاحب تجريد الاعتقاد: "وقصة مريم وغيرها تعطي جواز ظهوره على الصالحين".

قال: اختلف الناس هنا، فذهب جماعة من المعتزلة إلى المنع من إظهار المعجز على الصالحين كرامة لهم ومن إظهاره على العكس على الكذابين إظهارا لكذبهم، وجوزه أبو الحسين منهم وجماعة أخرى من المعتزلة والأشاعرة وهو الحق، واستدل المصنف رحمه الله بقصة مريم فإنها تدل على ظهور معجزات عليها وغيرها مثل قصة آصف وكالأخبار المتواترة المنقولة عن علي عليه السلام وغيره من الأئمة، وحمل المانعون قصة مريم على الإرهاص لعيسى عليه السلام وقصة آصف على أنه معجز لسليمان عليه السلام مع بلقيس كأنه يقول: إن بعض اتباعي يقدر على هذا مع عجزكم عنه، ولهذا أسلمت بعد الوقوف على معجزاته، وقصة علي عليه السلام على تكملة معجزات النبي عليه السلام.

 

قال: "ولا يلزم خروجه عن الأعجاز ولا التنفير ولا عدم التميز ولا إبطال دلالته ولا العمومية".

أقول: هذه وجوه استدل بها المانعون من المعتزلة: الأول: قالوا: لو جاز ظهور المعجزة على غير الأنبياء إكراما لهم لجاز ظهورها عليهم وإن لم يعلم بها غيرهم، لأن الغرض هو سرورهم، وإذا جاز ذلك بلغت في الكثرة إلى خروجها عن الإعجاز. والجواب المنع من الملازمة، لأن خروجها عن حد الإعجاز وجه قبح ونحن أنما نجوز ظهور المعجزة إذا خلا عن جهات القبح فنجوز ظهورها ما لم تبلغ في الكثرة إلى حد خروجها عن الإعجاز.

الثاني: قالوا: لو جاز ظهور المعجزة على غير النبي لزم التنفير عن الأنبياء، إذ علة وجوب طاعتهم ظهور المعجزة عليهم، فإذا شاركهم في ذلك من لا تجب طاعته هان موقعه، ولهذا لو أكرم الرئيس بنوع ما كل أحد هان موقع ذلك النوع لمن يستحق الاكرام. والجواب بمنع انحطاط مرتبة الإعجاز كما لو ظهر على نبي آخر فإنه لو لم يظهر إلا على نبي واحد لكان موقعه أعظم، فكما لا تلزم الإهانة مع ظهوره على جماعة من الأنبياء كذا لا تلزم الإهانة مع ظهوره على الصالحين.

الثالث: احتجاج أبي هاشم قال: المعجز يدل بطريق الإبانة والتخصيص، وفسره قاضي القضاة بأن المعجز يدل على تميز النبي عن غيره، إذ الأمة مشاركون له في الانسانية ولوازمها فلولا المعجز لما تميز عنهم فلو شاركه غيره فيه لم يحصل الامتياز. والجواب أن امتياز النبي يحصل بالمعجز واقتران دعوى النبوة، وهذا شيء يختص به دون غيره ولا يلزم من مشاركة غيره له في المعجزة مشاركته له في كل شيء.

الرابع: لو جاز إظهار المعجز على غير النبي لبطلت دلالته على صدق مدعي النبوة، والتالي باطل فالمقدم مثله، بيان الملازمة أن ثبوت المعجز في غير صورة النبوة ينفي اختصاصه بها، وحينئذ لا يظهر الفرق بين مدعي النبوة وغيرها في المعجز فبطلت دلالته، إذ لا دلالة للعام على الخاص.

(والجواب) المنع من الملازمة، لأن المعجز مع الدعوى مختص بالنبي، فإذا ظهرت المعجزة على شخص فإما أن يدعي النبوة أو لا، فإن ادعاها علمنا صدقه إذ اظهار المعجزة على يد الكاذب قبيح عقلا، وإن لم يدع النبوة لم يحكم بنبوته. والحاصل أن المعجزة لا تدل على النبوة ابتداء بل تدل على صدق الدعوى، فإن تضمنت الدعوى النبوة دلت المعجزة على تصديق المدعي في دعواه ويستلزم ذلك ثبوت النبوة.

الخامس: قالوا: لو جاز إظهار المعجز على صادق ليس بنبي لجاز إظهاره على كل صادق، فجاز إظهار المعجز على المخبر بالجوع والشبع وغيرهما.

والجواب لا يلزم العمومية أي لا يلزم إظهار المعجز على كل صادق إذ نحن أنما نجوز إظهاره على مدعي النبوة أو الصلاح إكراما له وتعظيما، وذلك لا يحصل

لكل مخبر بصدق.

 

قال: "ومعجزاته عليه السلام قبل النبوة تعطي الإرهاص".

أقول: اختلف الناس هنا، فالذين منعوا الكرامات منعوا من إظهار المعجزة على سبيل الارهاص إلا جماعة منهم وجوزه الباقون، واستدل المصنف رحمه الله على تجويزه بوقوع معجزات الرسول صلى الله عليه وآله قبل النبوة كما نقل من انشقاق إيوان كسرى، وغور ماء بحيرة ساوا، وانطفاء نار فارس وقصة أصحاب الفيل والغمام الذي كان يظله عن الشمس وتسليم الأحجار عليه، وغير ذلك مما ثبت له عليه السلام قبل النبوة.

 

قال: "وقصة مسيلمة وفرعون إبراهيم تعطي جواز إظهار المعجزة على العكس".

أقول: اختلف الناس هنا، فالذين منعوا الكرامات منعوا من إظهار المعجزة على يد الكاذبين على العكس من دعواهم إظهارا لكذبهم، واستدل المصنف رحمه الله بالوقوع على الجواز كما نقل عن مسيلمة الكذاب لما ادعى النبوة، فقيل له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله دعا لأعور فرد الله عينه الذاهبة، فدعا لأعور فذهبت عينه الصحيحة. وكما نقل أن إبراهيم عليه السلام لما جعل الله تعالى عليه النار بردا وسلاما قال نمرود عند ذلك: إنما صارت كذلك هيبة مني فجاءته نار في تلك الحال فأحرقت لحيته.

لا يقال: يكفي في التكذيب ترك المعجز عقيب دعواهم فيبقى إظهار المعجز على العكس خرقا للعادة من غير فائدة فيكون عبثا، لأنا نقول: قد يتضمن

المصلحة إظهاره على العكس إظهارا لتكذيبه في الحال بحيث يزول الشك لتجويز أن يقال: تأخير المعجز عقيب الدعوى قد يكون لمصلحة ثم يوجد بعد وقت آخر فلا يحصل الجزم التام بالتكذيب.

 

العودة لصفحة العلامة الحلي