موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

في وقوع العدم وكيفيته

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 544-548

 

 

قال صاحب تجريد الاعتقاد: "والسمع دل عليه".

أقول: يدل على وقوع العدم السمع وهو قوله تعالى: (هو الأول والآخر) وقوله تعالى: (كل شيء هالك إلا وجهه) وقال تعالى: (كل من عليها فإن) وقد وقع الاجماع على الفناء وإنما الخلاف في كيفيته على ما يأتي.

 

قال: "ويتأول في المكلف بالتفريق كما في قصة إبراهيم عليه السلام".

أقول: المحققون على امتناع إعادة المعدوم وسيأتي البرهان على وجوب المعاد، وهاهنا قد بين أنه تعالى يعدم العالم وذلك ظاهر المناقضة فبين المصنف مراده من الإعدام، أما في غير المكلفين وهم من لا يجب إعادته فلا اعتبار به إذ لا يجب إعادته فجاز إعدامه بالكلية ولا يعاد، وأما المكلف الذي يجب إعادته فقد تأول المصنف رحمه الله معنى إعدامه بتفريق أجزائه ولا امتناع في ذلك، فإن المكلف بعد تفريق أجزائه يصدق عليه أنه هالك بمعنى أنه غير منتفع به، أو يقال: إنه هالك بالنظر إلى ذاته، إذ هو ممكن وكل ممكن فإنه بالنظر إلى ذاته لا يجب له الوجود فلا يوجد، إذ لا وجود إلا للواجب بذاته أو بغيره فهو هالك بالنظر إلى ذاته، فإذا فرق أجزاءه كان هو العدم فإذا أراد الله تعالى إعادته جمع تلك الأجزاء وألفها كما كانت فذلك هو المعاد، ويدل على هذا التأويل قوله تعالى في سؤال إبراهيم عليه السلام عن كيفية الإحياء للأجزاء في الآخرة، لأنه تعالى لا يحيي الموتى في دار التكليف وإنما الإحياء يقع في الآخرة، فسأل عليه السلام عن كيفية ذلك الإحياء وهو يشتمل على السؤال عن جميع المقدمات التي يفعلها الله تعالى حتى يهيئهم ويعدهم لنفخ الروح، فأمره الله تعالى بأخذ أربعة من الطير وتقطيعها وتفريق أجزائها ومزج بعض الأجزاء ببعض ثم يفرقها ويضعها على الجبال ثم يدعوها، فلما دعاها ميز الله تعالى أجزاء كل طير عن الآخر وجمع أجزاء كل طير وفرقها عن أجزاء الآخر حتى كملت البنية التي كانت عليها أولا ثم أحياها الله تعالى ولم يعدم تلك الأجزاء فكذا في المكلف، هذا ما فهمناه من قوله: كما في قصة إبراهيم عليه السلام، فهذا هو كيفية الإعدام.

 

قال: "وإثبات الفناء غير معقول لأنه إن قام بذاته لم يكن ضدا وكذا إن قام بالجوهر".

أقول: لما ذكر المذهب الحق في كيفية الإعدام شرع في إبطال مذهب المخالفين في ذلك. واعلم أن من جملة من خالف في كيفية الإعدام جماعة من المعتزلة ذهبوا إلى أن الإعدام ليس هو التفريق بل الخروج عن الوجود بأن يخلق الله تعالى للجواهر ضدا هو الفناء، وقد اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:

أحدها: قال ابن الأخشيد: إن الفناء ليس بمتحيز ولا قائم بالمتحيز إلا أنه يكون حاصلا في جهة معينة، فإذا أحدثه الله تعالى فيها عدمت الجواهر بأسرها.

الثاني: قال ابن شبيب: إن الله يحدث في كل جوهر فناءا ثم ذلك الفناء يقتضي عدم الجوهر في الزمان الثاني فيجعله قائما بالمحل. الثالث: قال أبو علي وأبو هاشم ومن تابعهما: إن الفناء يحدث لا في محل فيفني الجواهر كلها حال حدوثه، ثم اختلفوا فذهب أبو هاشم وقاضي القضاة إلى أن الفناء الواحد كاف في عدم كل الجواهر، وذهب أبو علي وأصحابه إلى أن لكل جوهر فناءا مضادا له لا يكفي ذلك الفناء في عدم غيره. فإذا عرفت هذا فنقول: القول بالفناء على كل تقدير فرضوه باطل لأن الفناء إن قام بذاته كان جوهرا، إذ معنى الجوهر ذلك فلا يكون ضدا للجوهر وإن كان غير قائم بذاته كان عرضا إذ هو معناه فيكون حالا في الجوهر إما ابتداء أو بواسطة، وعلى كلا التقديرين فيستحيل أن يكون منافيا للجواهر.

 

قال: "ولانتفاء الأولوية".

أقول: يفهم من هذا الكلام أمران: أحدهما: إقامة دليل ثان على امتناع قيام الفناء بالجوهر، وتقريره أن نقول: لو كان الفناء قائما بالجوهر لكان عرضا حالا فيه ولم يكن اقتضاؤه لنفي محله أولى من اقتضاء محله لنفيه بل كان انتفاء هذا الحال بالمحل أولى، إذ منع الضد دخول الضد الآخر في الوجود مع إمكان إعدامه له أولى من اعدام المتجدد للضد الباقي وبالخصوص إذا كان محلا له. الثاني: إقامة دليل ثان على انتفاء الفناء، وتقريره أن نقول: لو كان الفناء ضدا للجواهر لم يكن إعدامه للجوهر الباقي أولى من اعدام الجوهر الباقي له بمعنى منعه عن الدخول في الوجود بل هو أولى لما تقدم.

 

قال: "ولاستلزامه انقلاب الحقائق أو التسلسل".

أقول: القول بالفناء يستلزم أحد أمرين محالين: أحدهما: انقلاب الحقائق، والثاني: التسلسل، وكل مستلزم للمحال فإنه محال قطعا، أما استحالة الأمرين فظاهر، وأما بيان الملازمة فلأن الفناء إما أن يكون واجب الوجود بذاته أو ممكن الوجود، والقسمان باطلان. أما الأول فلأنه قد كان معدوما وإلا لم توجد الجواهر ثم صار موجودا وذلك يعطي إمكانه، وأما الثاني فلأنه يصح عليه العدم وإلا لم يكن ممكنا، فعدمه إن كان لذاته كان ممتنعا بعد أن كان ممكنا، وذلك يستلزم انقلاب الحقائق وإن كان بسبب الفاعل بطل أصل دليلكم، وإن كان بوجود ضد آخر لزم التسلسل، هذا ما خطر لنا في معنى هذا الكلام.

 

قال: "وإثبات بقاء لا في محل يستلزم الترجيح من غير مرجح أو اجتماع النقيضين".

أقول: ذهب قوم منهم ابن شبيب إلى أن الجوهر باق ببقاء موجود لا في محل، فإذا انتفى ذلك البقاء انتفى ذلك الجوهر، والمصنف رحمه الله أحال هذا المذهب أيضا باستلزامه المحال، وذكر أن القول بذلك يستلزم أمرين: أحدهما: الترجيح من غير مرجح، والثاني: اجتماع النقيضين.

والذي يخطر لنا في تفسير ذلك أمران: أحدهما: أن يقال: البقاء إما جوهر أو عرض، والقسمان باطلان فالقول به باطل، أما الأول فلأنه لو كان جوهرا لم يكن جعله شرطا لجوهر آخر أولى من العكس، فإما أن يكون كل واحد منهما شرطا لصاحبه وهو دور، أو لا يكون أحدهما شرطا للآخر وهو المطلوب. وأما الثاني فلأنه لو كان عرضا قائما بذاته لزم اجتماع النقيضين، إذ العرض هو الموجود في المحل، فلو كان البقاء قائما لا في محل مع كونه عرضا لزم ما ذكرناه.

الثاني: أن يقال: البقاء إما واجب لذاته أو ممكن لذاته، والقسمان باطلان، أما الأول فلأن وجوده بعد العدم يستلزم جواز عدمه والوجوب يستلزم عدم جوازه وذلك جمع بين النقيضين، وأما الثاني فلأن عدمه في وقت دون آخر ترجيح من غير مرجح لاستحالة استناده إلى ذاته وإلا لكان ممتنع الوجود مع إمكانه وذلك جمع بين النقيضين، ولا إلى الفاعل ولا إلى الضد وإلا لجاز مثله في الجواهر، فالقول بذلك هنا مع استحالته في الجواهر ترجيح من غير مرجح، ولا إلى انتفاء الشرط وإلا لزم أن يكون للبقاء بقاء آخر فليس أحدهما بكونه صفة للآخر أولى من العكس وذلك ترجيح من غير مرجح.

 

قال: "وإثباته في المحل يستلزم توقف الشئ على نفسه إما ابتداء أو بواسطة".

أقول: ذهب جماعة من الأشاعرة والكعبي إلى أن الجواهر تبقى ببقاء قائم بها، فإذا أراد الله تعالى إعدامها لم يفعل البقاء فانتفت الجواهر، والمصنف رحمه الله أبطل ذلك باستلزامه توقف الشئ على نفسه إما ابتداء أو بواسطة. وتقريره أن حصول البقاء في المحل يتوقف على وجود المحل في الزمان الثاني، لكن حصوله في الزمان الثاني إما أن يكون هو البقاء أو معلوله، ويستلزم من الأول توقف الشئ على نفسه ابتداء ومن الثاني توقفه على معلوله المتوقف عليه، وذلك يقتضي توقف الشيء على نفسه بواسطة، فهذا ما يمكن حمل كلامه عليه.

 

 

 

العودة لصفحة العلامة الحلي