موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

في أقسام التوبة

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 570-573

 

 

قال صاحب تجريد الاعتقاد: "والذنب إن كان في حقه تعالى من فعل قبيح كفى فيه الندم والعزم وفي الاخلال بالواجب اختلف حكمه من بقائه وقضائه وعدمهما، وإن كان في حق آدمي استتبع إيصاله إن كان ظلما أو العزم عليه مع التعذر أو الارشاد إن كان إضلالا وليس ذلك أجزاء".

أقول: التوبة إما أن تكون من ذنب يتعلق به تعالى خاصة أو يتعلق به حق الآدمي، والأول إما أن تكون عن فعل قبيح كشرب الخمر والزنا أو إخلال بواجب كترك الصلاة والزكاة. (فالأول) يكفي في التوبة منه الندم عليه والعزم على ترك العود إليه، (وأما الثاني) فتختلف أحكامه بحسب القوانين الشرعية فمنه ما لا بد مع التوبة منه من فعله أداءا كالزكاة، ومنه ما يجب معه القضاء كالصلاة اليومية، ومنه ما يسقطان عنه كالعيدين وهذا الأخير يكفي فيه الندم والعزم على ترك المعاودة كما في فعل القبيح.

وأما ما يتعلق به حق الآدمي فيجب فيه الخروج إليهم منه، فإن كان أخذ مال وجب رده على مالكه أو على ورثته إن مات ولو لم يتمكن من ذلك وجب العزم عليه، وكذا إن كان حد قذف وإن كان قصاصا وجب الخروج إليهم منه بأن يسلم نفسه إلى أولياء المقتول، فإما أن يقتلوه أو يعفوا عنه بالدية أو بدونها، وإن كان في بعض الأعضاء وجب تسليم نفسه ليقتص منه في ذلك العضو إلى المستحق من المجني عليه أو الورثة، وإن كان إضلالا وجب إرشاد من أضله ورجوعه عما اعتقده بسببه من الباطل إن أمكن ذلك.

واعلم أن هذه التوابع ليست أجزاء من التوبة فإن العقاب يسقط بالتوبة، ثم إن قام المكلف بالتبعات كان ذلك إتماما للتوبة من جهة المعنى، لأن ترك التبعات لا يمنع من سقوط العقاب بالتوبة عما تاب منه بل يسقط العقاب ويكون ترك القيام بالتبعات بمنزلة ذنوب مستأنفة تلزمه التوبة منها، نعم التائب إذا فعل التبعات بعد إظهار توبته كان ذلك دلالة على صدق الندم، وإن لم يقم بها أمكن جعله دلالة على عدم صحة الندم.

 

قال: "ويجب الاعتذار إلى المغتاب مع بلوغه".

أقول: المغتاب إما أن يكون قد بلغه اغتيابه أو لا، ويلزم على الفاعل للغيبة في الأول الاعتذار منه إليه لأنه أوصل إليه ضرر الغم فوجب عليه الاعتذار منه والندم عليه، وفي الثاني لا يلزمه الاعتذار ولا الاستحلال منه لأنه لم يفعل به ألما، وفي كلا القسمين يجب الندم لله تعالى لمخالفته النهي والعزم على ترك المعاودة.

 

قال: "وفي إيجاب التفصيل مع الذكر إشكال".

أقول: ذهب قاضي القضاة إلى أن التائب إن كان عالما بذنوبه على التفصيل وجب عليه التوبة عن كل واحد منها مفصلا، وإن كان يعلمها على الاجمال وجب عليه التوبة كذلك مجملا، وإن كان يعلم بعضها على التفصيل وبعضها على الاجمال وجب عليه التوبة عن المفصل بالتفصيل وعن المجمل بالاجمال، واستشكل المصنف رحمه الله إيجاب التفصيل مع الذكر لإمكان الاجزاء بالندم على كل قبيح وقع منه وإن لم يذكره مفصلا.

 

قال: "وفي وجوب التجديد إشكال".

أقول: إذا تاب المكلف عن معصية ثم ذكرها هل يجب عليه تجديد التوبة؟

قال أبو علي: نعم بناء على أن المكلف القادر بقدرة لا ينفك عن الضدين إما الفعل أو الترك، فعند ذكر المعصية إما أن يكون نادما عليها أو مصرا عليها، والثاني قبيح فيجب الأول. وقال أبو هاشم: لا يجب لجواز خلو القادر بقدرة عنهما.

 

قال: "وكذا المعلول مع العلة".

أقول: إذا فعل المكلف العلة قبل وجود المعلول هل يجب عليه الندم على المعلول أو على العلة أو عليهما، مثاله الرامي إذا رمى قبل الإصابة؟ قال الشيوخ: يجب الندم على الإصابة لأنها هي القبيح وقد صارت في حكم الموجود لوجوب حصوله عند حصول السبب. وقال القاضي: يجب عليه ندمان: أحدهما على الرمي لأنه قبيح، والثاني على كونه مولدا للقبيح، ولا يجوز أن يندم على المعلول لأن الندم على القبيح أنما هو لقبحه، وقبل وجوده لا قبح.

 

قال: "ووجوب سقوط العقاب بها".

أقول: المصنف رحمه الله استشكل وجوب سقوط العقاب بها. (واعلم) أن الناس اتفقوا على سقوط العقاب بالتوبة، واختلفوا فقالت المعتزلة: إنه يجب سقوط العقاب بها. وقالت المرجئة: إن الله تعالى يتفضل عليه بإسقاط العقاب لا على جهة الوجوب.

احتجت المعتزلة بوجهين: الأول: أنه لو لم يجب إسقاط العقاب لم يحسن تكليف العاصي، والتالي باطل إجماعا فالمقدم مثله، بيان الشرطية أن التكليف إنما يحسن للتعريض للنفع وبوجود العقاب قطعا لا يحصل الثواب وبغير التوبة لا يسقط العقاب فلا يبقى للعاصي طريق إلى إسقاط العقاب عنه، ويستحيل اجتماع الثواب والعقاب فيكون التكليف قبيحا. الثاني: أن من أساء إلى غيره واعتذر إليه بأنواع الاعتذارات وعرف منه الاقلاع عن تلك الإساءة بالكلية فإن العقلاء يذمون المظلوم إذا ذمه بعد ذلك.

(والجواب عن الأول) لا نسلم انحصار سقوط العقاب في التوبة لجواز سقوطه بالعفو أو بزيادة الثواب، سلمنا لكن نمنع عدم اجتماع الاستحقاقين لأن عقاب الفاسق عندنا منقطع، (وعن الثاني) بالمنع من قبح الذم، سلمنا لكن نمنع المساواة بين الشاهد والغائب، وأما المرجئة فقد احتجوا بأنه لو وجب سقوط العقاب لكان إما لوجوب قبولها أو لكثرة ثوابها، والقسمان باطلان. أما الأول فلأن من أساء إلى غيره بأنواع الإساءات وأعظمها كقتل الأولاد ونهب الأموال ثم اعتذر إليه فإنه لا يجب قبول عذره، وأما الثاني فلما بينا من إبطال التحابط.

 

 

العودة لصفحة العلامة الحلي