موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي

 

 

الله تعالى ليس بمرئي

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 410-414

 

قال صاحب تجريد الاعتقاد: "والرؤية".

أقول: وجوب الوجود يقتضي نفي الرؤية أيضا، (واعلم) أن أكثر العقلاء ذهبوا إلى امتناع رؤيته تعالى، والمجسمة جوزوا رؤيته لاعتقادهم أنه تعالى جسم، ولو اعتقدوا تجرده لم تجز رؤيته عندهم، والأشاعرة خالفوا العقلاء كافة هنا وزعموا أنه تعالى مع تجرده تصح رؤيته، والدليل على امتناع الرؤية أن وجوب وجوده يقتضي تجرده ونفي الجهة والحيز عنه فينتفي الرؤية عنه بالضرورة، لأن كل مرئي فهو من جهة يشار إليه بأنه هنا أو هناك، ويكون مقابلا أو في حكم المقابل، ولما انتفى هذا المعنى عنه تعالى انتفت الرؤية.

 

قال: "وسؤال موسى لقومه".

أقول: لما استدل على نفي الرؤية شرع في الجواب عن احتجاج الأشاعرة، وقد احتجوا بوجوه أجاب المصنف عنها، الأول: أن موسى عليه السلام سأل الرؤية ولو كانت ممتنعة لم يصح منه السؤال.

والجواب أن السؤال كان من موسى عليه السلام لقومه ليبين لهم امتناع الرؤية لقوله تعالى: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة) وقوله: (أفتهلكنا بما فعل السفهاء منا).

 

قال: "والنظر لا يدل على الرؤية مع قبوله التأويل".

أقول: تقرير الوجه الثاني لهم أنه تعالى حكى عن أهل الجنة النظر إليه فقال: (إلى ربها ناظرة) والنظر المقرون بحرف (إلى) يفيد الرؤية لأنه حقيقة في تقليب الحدقة نحو المطلوب التماسا لرؤيته، وهذا متعذر في حقه تعالى لانتفاء الجهة عنه فبقي المراد منه مجازه وهو الرؤية التي هي معلول النظر الحقيقي واستعمال لفظ السبب في المسبب من أحسن وجوه المجاز.

والجواب المنع من إرادة هذا المجاز، فإن النظر وإن اقترن به حرف (إلى) لا يفيد الرؤية، ولهذا يقال: نظرت إلى الهلال فلم أره، وإذا لم يتعين هذا المعنى للإرادة أمكن حمل الآية على غيره، وهو أن يقال: إن (إلى) واحد الآلاء ويكون معنى ناظرة أي منتظرة، أو نقول: إن المضاف هنا محذوف وتقديره: إلى ثواب ربها. (لا يقال) الانتظار سبب الغم والآية سيقت لبيان النعم، (لأنا نقول) سياق الآية يدل على تقدم حال لأهل الثواب والعقاب على استقرارهم في الجنة والنار بقوله: (وجوه يومئذ ناضرة) بدليل قوله تعالى: (ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة) فإن في حال استقرار أهل النار في النار قد فعل لها فاقرة فلا يبقى للظن معنى، وإذا كان كذلك فانتظار النعمة بعد البشارة بها لا يكون سببا للغم بل سببا للفرح والسرور ونضارة الوجه، كمن يعلم وصول نفع إليه يقينا في وقت فإنه يسر بذلك وإن لم يحضر الوقت كما أن انتظار العقاب بعد الانذار بوروده يوجب الغم ويقتضي بسارة الوجه.

 

قال: "وتعليق الرؤية على استقرار الجبل المتحرك لا يدل على الإمكان".

أقول: هذا جواب عن الوجه الثالث للأشعرية، وتقرير احتجاجهم أن الله سبحانه وتعالى علق الرؤية في سؤال موسى عليه السلام على استقرار الجبل والاستقرار ممكن، لأن كل جسم فسكونه ممكن والمعلق على الممكن ممكن. والجواب أنه تعالى علق الرؤية على الاستقرار لا مطلقا بل على استقرار الجبل حال حركته واستقرار الجبل حال الحركة محال فلا يدل على إمكان المعلق.

 

قال: "واشتراك المعلولات لا يدل على اشتراك العلل مع منع التعليل والحصر".

أقول: هذا جواب عن شبهة الأشاعرة من طريق العقل استدلوا بها على جواز رؤيته تعالى، وتقريرها أن الجسم والعرض قد اشتركا في صحة الرؤية وهذا حكم مشترك يستدعي علة مشتركة ولا مشترك بينهما إلا الحدوث أو الوجود، والحدوث لا يصلح للعلية لأنه مركب من قيد عدمي فيكون عدميا فلم يبق إلا الوجود فكل موجود تصح رؤيته والله تعالى موجود.

وهذا الدليل ضعيف جدا لوجوه:

الأول: المنع من رؤية الجسم بل المرئي هو اللون والضوء لا غير.

الثاني: لا نسلم اشتراكهما في صحة الرؤية فإن رؤية الجوهر مخالفة لرؤية العرض.

الثالث: لا نسلم أن الصحة ثبوتية بل هي أمر عدمي لأن جنس صحة الرؤية وهو الإمكان عدمي فلا يفتقر إلى العلة.

الرابع: لا نسلم أن المعلول المشترك يستدعي علة مشتركة فإنه يجوز اشتراك العلل المختلفة في المعلولات المتساوية.

الخامس: لا نسلم الحصر في الحدوث والوجود وعدم العلم لا يدل على العدم مع أنا نتبرع بذكر قسم آخر وهو الإمكان وجاز التعليل به وإن كان عدميا لأن صحة الرؤية عدمية.

السادس: لا نسلم أن الحدوث لا يصلح للعلية، وقد بينا أن صحة الرؤية عدمية على أنا نمنع من كون الحدوث عدميا لأنه عبارة عن الوجود المسبوق بالغير لا المسبوق بالعدم.

السابع: لم لا يجوز أن تكون العلة هي الوجود بشرط الإمكان أو بشرط الحدوث، والشروط يجوز أن تكون عدمية. الثامن: المنع من كون الوجود مشتركا لأن وجود كل شيء نفس حقيقته، ولو سلم كون الوجود الممكن مشتركا لكن وجود الله تعالى مخالف لغيره من الوجودات لأنه نفس حقيقته، ولا يلزم من كون بعض الماهيات علة لشيء كون ما يخالفه علة لذلك الشيء.

التاسع: المنع من وجود الحكم عند وجود المقتضي فإنه جاز وجود مانع في حقه تعالى إما ذاته أو صفة من صفاته أو قبول الحكم يتوقف على شرط كالمقابلة هنا وهي تمتنع في حقه تعالى فلا يلزم وجود الحكم فيه.

 

 

 

العودة لصفحة العلامة الحلي