موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي >> مناهج اليقين في أصول الدين

 

المنهج الثاني عشر

في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 

بحث في معنى الأمر بالمعروف

مسألة: شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

مسألة: بحث في كيفية وجوبها

مسألة: في أقسام المعروف والمنكر

مسألة: بحث في الدعاء

مسألة: أقسام ما يتناوله الدعاء

 

 

بحث في معنى الأمر بالمعروف

الامر هو طلب الفعل بالقول على جهة الاستعلاء، والمعروف كل فعل حسن اختص بوصف زائد على حسنه إذا علم ذلك فاعله أو دل عليه.

والامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان بالشرع، فإن ذلك معلوم من دين محمد عليه السلام، وقال آخرون إن وجوبهما عقلي، وأورد عليهم أنه لو كان كذلك لما ارتفع معروف ولما وقع منكر أو كان اللّه تعالى مخلا بالواجب والتالي بقسميه باطل فالمقدم مثله.

بيان الشرطية أن الأمر بالمعروف هو الحمل على فعل المعروف والنهي عن المنكر هو المنع منه، فلو كانا واجبين بالعقل لكانا واجبين على اللّه تعالى، لأن كل واجب عقلي فإنه يجب على كل من حصل فيه وجه الوجوب، ولو وجبا على اللّه تعالى لزم أحد المحذورين.

وأما بطلانهما، أما الثاني فظاهر بما سلف من حكمته، وأما الأول فلأنه يلزم الإلجاء وينافي التكليف.

لا يقال هذا وارد عليكم في وجوبهما على المكلف، لأن الأمر هو الحمل والنهي هو المنع، ولا فرق بين الحمل والمنع في اقتضائها الإلجائين ما إذا صدرا من المكلف او من اللّه تعالى، وذلك قول بابطال التكليف.

لأنا نقول: لا نسلم انه يلزم الإلجاء، لأن منع المكلف لا يقتضي الامتناع، أقصى ما في الباب أنه يكون مقربا ويجري ذلك مجرى الحدود في باب اللطف، ولهذا يقع هذه الأفعال مع حصول الإنكار وإقامة الحدود.

مسألة: شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

من شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن يعلم الآمر والناهي كون المعروف معروفا والمنكر منكرا وهو ظاهر.

ومن شروطهما أن يكون المعروف مما سيقع والمنكر مما سيترك، فإنهما بعد وقوعهما لو أمر ونهى بهما لكان عابثا.

ومنها: أن يجوز تأثير إنكاره، لأن الغرض هو ارتفاع المنكر ووقوع المعروف، وتوجيههما الى من لا يؤثران فيه عبث.

ومنها: أن يعلم أنه لا مفسدة في ذلك دينية ولا دنيوية والا لزم استلزام الإنكار المنكر وهو مفسدة.

مسألة: بحث في كيفية وجوبها

اختلفوا في وجوبهما فذهب الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللّه الى أنهما واجبان على الأعيان، مستدلا بقوله عليه السلام:«لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر»،وبفحوى قوله تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ عَلىٰ لِسٰانِ دٰاوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمٰا عَصَوْا وَ كٰانُوا يَعْتَدُونَ كٰانُوا لاٰ يَتَنٰاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ، وبالامر الوارد للنبي عليه السلام بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر مع وجوب التأسي به.

وذهب السيد المرتضى رحمه اللّه الى أنهما واجبان على الكفاية، لأن الغرض منهما وقوع المعروف وارتفاع المنكر، فمتى حصلا بفعل واحد كان توجه الأمر بهما على غيره عبثا.

مسألة: في أقسام المعروف والمنكر

الآمر بالمعروف ينقسم الى واجب وندب تبعا لانقسام المعروف إليهما، أما المنكر فلما كان كله قبيحا كان النهي عنه كله واجبا، ولهما قسمة أخرى باعتبار الفاعل، وذلك لأنهما قد يجبان باللسان واليد والقلب.

مسألة: بحث في الدعاء

الدعاء هو طلب المنافع ودفع المضار بالقول منه تعالى، هذا في العرف وأما في الوضع فإنه عبارة عن الطلب، ويمضي في الكتب أنه يقتضي الرتبة،

وهو خطأ فإن العقلاء يسمون السيد داعيا لعبده الى سقيه الماء ويقولون: إنه تعالى دعانا الى عبادته.

ومن شروط حسن الدعاء علم الداعي كون ما يطلبه بدعائه مقدورا لمن يدعوه، وهذا يتضمن أن من دعا اللّه تعالى يجب أن يكون عارفا به وبصفاته.

ومن شروط حسنه أن يعلم حسن ما طلبه، وذلك إنما يكون بأن لا يكون فيه وجه قبح.

ومن شروطه أن لا يكون الداعي عالما بأن ما طلبه لا يقع كمن يسأل اللّه تعالى إحياء الموتى وغفران عقاب الكفار.

واختلف الشيخان هاهنا، فقال أبو علي أن ذلك قبيح عقلا، وقال ابو هاشم ان قبحه شرعي.

مسألة: أقسام ما يتناوله الدعاء

ينقسم ما يتناوله الدعاء الى قسمين:

أحدهما: قد تقدم العلم بأنه واجب مفعول لا محالة والفائدة فيه التقرب والتعبد لا طلب ما يتناوله الدعاء كالصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله.

والثاني: أن لا يعلم وجوبه وحصول فعله وهو قسمان:

أحدهما: أن يكون واجبا وقد خفي علينا وجوبه، مثل أن يكون لطفا في التكليف، وينقسم الى ما يكون مصلحة مطلقا والى ما يكون مصلحة ولطفا عند الدعاء ولولاه لم يكن كذلك، والقسم الأول لا يكون وقوعه إجابة للدعاء، وفي القسم الثاني يمكن أن يسمى وقوعه إجابة للدعاء لأن للدعاء تأثيرا في فعله.

وأما الثاني: وهو ما ليس بواجب من التفضل والإحسان وذلك مما يجوز أن يفعل وأن لا يفعل فاذا فعله اللّه تعالى عند الدعاء فهو إجابة له.

لا يقال: اذا أشرطتم في الدعاء أن يكون مصلحة ولا شك في أنه تعالى حكيم لا يخل بالمصلحة فلا فائدة فيه.

لأنا نقول: جاز أن لا يكون مصلحة إلا بالدعاء كما قلنا، وأما فيما علم كونه مصلحة فالدعاء فيه تعبد وقد سلف.

أما الاوائل فحاصل كلامهم في الدعوات المستجابة أن العلل قديمة عامة الفيض، وإنما يحدث ما يحدث بسبب حدوث استعداد مستند الى حادث سابق، فجاز أن يكون الدعاء الحادث علة معددة لوجود المدعو به، وهذا ضعيف لأنه لا فرق بين حدوث الدعاء وحدوث زيد في ذلك.

واذ قد وفقنا اللّه تعالى لإتمام ما أردناه وإنهاء ما قصدناه، فلنحمد اللّه تعالى حمدا لا يتناهى ونشكره شكرا لا يضاهى، ونسأله أن يجعل ما كتبناه حجة لنا لا علينا، ويوفقنا للاستعداد ليوم اللقاء والثبات على الدين الحق الى يوم الفناء، وأن يصلي على أشرف الذوات المطهرات وأعظم النفوس المفارقات، ونخصص من بينهم أولاهم بالإحسان وأعمهم بالامتنان محمدا المصطفى وعترته الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين بافضل الصلوات وأكمل التحيات، ونسأل إخواننا الصالحين القارئين لهذا الكتاب أن لا يخلونا من دعاء مستجاب، وأن يصلحوا ما فيه من خلل ونقصان وخطأ ونسيان، وأن يترحموا علينا عقيب صلواتهم ويذكرونا في خلواتهم، والحمد للّه رب العالمين.

فرغ المصنف ادام اللّه ظله وجلاله وزاد جماله واعطاه آماله بأشرف الذوات اعني محمد وآله عن تصنيفه سادس ربيع الاخر من سنة ثمانين وستمائة.