الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

فصل
في تتبع ما ذكره مما يتعلق بوجوب الإمامة


قال صاحب الكتاب بعد أن ذكر ما ينقسم إليه الخلاف في الإمامة:

" إعلم أن جميع (1) من جعل صفة الإمام صفة النبي يصح له أن يوجب فيه جميع (1) ما يجب في النبي، كما أن من جعل صفة الإمام صفة الإله يصح له أن يوجب فيه ما يجب الله تعالى، والكلام مع هذين الفريقين لا يقع في الإمامة، إلى آخر كلامه (2)... " (3)

قال السيد الشريف المرتضى رضي الله عنه:

أما من جعل للإمام جميع صفات النبي صلى الله عليه وآله. ولم يجعل بينهما مزية في حال فالكلام معه - وإن لم يسقط جملة من حيث لم يعلم بطلان قوله ضرورة - فإنه لا يكون كلاما في الإمامة، بل في النبوة، وهل هي واجبة في كل حال أم لا؟؟ فإن من جعل للإمام بعض صفات النبي أو أكثرها، وجعل بينهما مزية معقولة فالكلام معه لا محالة كلام في

____________

(1) كلمة " جميع " ساقطة في الموضعين من مطبوعة المغني.

(2) ما حذفه المرتضى من كلام القاضي يتعلق بالغلاة والمفوضة والقائلين بالتناسخ ممن وصفوا بالتشيع وما هم منه بفتيل ولا نقير.

(3) المغني ج 20 ق 1 ص 2.


الصفحة 36
الإمامة، وكيف لا يكون كلاما في الإمامة وهو لا يعدو أن يكون كلاما في صفاته، أو في صفة ما يتولاه (1) ويقوم به، لأن من قال من الإمامية: إن الإمام لا يكون إلا معصوما، (2) فاضلا، أعلم الناس إنما خالف خصومه في صفات الإمام، وكذلك إذا قال: إنه حجة في الدين، وحافظ للشرع، ولطف (3) في فعل الواجبات والامتناع من المقبحات، فخلافه إنما هو فيما يتولاه الإمام ويحتاج فيه إليه، فكيف ظن صاحب الكتاب أن الكلام مع من لم يوافقه في صفات الإمام وفيما يتولاه لا يكون كلاما في الإمامة؟ وهذا يؤدي إلى أن الكلام في الإمامة إنما يختص به المعتزلة (4)

____________

(1) أي في صفات الإمام وما يتولاه من الأمور.

(2) الدليل العقلي على وجوب عصمة الإمام أن الخطأ من البشر ممكن ولا يمكن رفع الخطأ الممكن إلا بالرجوع إلى المجرد من الخطأ وهو المعصوم ولا يمكن افتراض عدم عصمته لأدائه إلى التسلسل أو الدور. أما التسلسل فإن الإمام إذا لم يكن معصوما احتاج إلى إمام آخر، لأن العلة المحوجة إلى نصبه هي جواز الخطأ على الرعية، فلو جاز عليه الخطأ لاحتاج إلى إمام آخر فإن كان معصوما وإلا لزم التسلسل، وأما الدور فلحاجة الإمام إذا لم يكن معصوما للرعية لترده إلى الصواب مع حاجة الرعية إلى الاقتداء به " الألفين للعلامة الحلي ص 4 " أما الدليل النقلي فقوله تعالى لإبراهيم عليه السلام: (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) البقرة 124 فدلت هذه الآية على أمرين: أن نصب الإمام من قبل الله تعالى، والثاني عصمة الإمام، لأن المذنب ظالم ولو لنفسه.

(3) دليل اللطف مفاده: أن العقل يحكم بوجوب اللطف على الله تعالى. وهو فعل ما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية ويوجب إزاحة العلة وقطع العذر بما لا يصل إلى حد الالجاء (هوية التشيع للدكتور الوائلي).

(4) المعتزلة: طائفة من طوائف المسلمين وهم فرق متعددة أنهاها الشهرستاني في الملل والنحل إلى اثنتي عشرة فرقة وسبب تسميتهم بالمعتزلة أن واصل بن عطاء كان من أصحاب الحسن البصري فبينما هو في حلقة درسه إذ سأل الحسن البصري رجل ما تقول في صاحب الكبيرة؟

فقال الحسن: إن جماعة من المسلمين يعتبرونه مؤمنا ويقولون: لا يضر مع الإيمان سيئة، ولا تنفع مع الكفر حسنة، وجماعة آخرون يعتبرونه كافرا، فقال واصل: أنا لا أقول إن صاحب الكبيرة مؤمنا ولا أقول كافرا وإنما هو بمنزلة بين منزلتين. ليس بكافر ولا مؤمن، واعتزل واصل بعد هذه الواقعة مجلس الحسن، واتخذ له مجلسا خاصا جعل يقرر فيه هذا الرأي وتبعه على ذلك جماعة فقال الحسن: اعتزلنا واصل فسموا بالمعتزلة، ولهم أصول خمسة لا يستحق برأيهم أن يوصف بالاعتزال من لم يقل بها التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين.


الصفحة 37
وبعض الزيدية (1)، ويخرج خلاف الإمامية والكلام عليهم من أن يكون كلاما في الإمامة، ويؤدي إلى أن ما سطره المتكلمون - قديما وحديثا - عليهم في الإمامة ليس بكلام فيها، وهذا حد لا يصير إليه ذو عقل.

وبعد، فإن الكلام مع الزيدية إذا كان كلاما في الإمامة على ما اعترف به صاحب الكتاب، ونحن نعلم أنهم لم يوافقوا في جميع صفات الإمام لأنهم يعتقدون: أنه لا يكون إلا الأفضل، فإذا كان الكلام معهم في الإمامة من حيث وافقوا على بعض صفات الإمام وخالفوا في بعض فكذلك الكلام مع الإمامية لأنهم وافقوا المعتزلة في بعض صفاته وخالفوهم في بعض، وكذلك وافقوهم في بعض ما يتولاه ويقوم به وإن خالفوا في بعض آخر.

فأما من جعل للإمام ما هو صفة الإله فخارج عن هذه الجملة، لأن الكلام في الإمامة هو الواقع بين أوجب على الله تعالى نصب الإمام

____________

(1) الزيدية: هم الذين ساقوا الإمامة بعد علي والحسن والحسين عليهم السلام في أولاد فاطمة عليها السلام بأن يكون كل فاطمي عالم شجاع سخي خرج بالإمامة فهو إمام واجب الطاعة وجوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة ولعل نسبتهم إلى زيد رضي الله عنه من هنا لأنه جامع لهذه الصفات لا أن زيدا يخالف الأئمة عليهم السلام في العقيدة والفقه.


الصفحة 38
في كل زمان وبين من لم يوجبه، فمن قال: إن الله تعالى هو الإمام فقد خرج عن هذا الباب جملة.

فأما قوله: " فجملة أمرهم أنهم لما غلوا في الإمامة وانتهوا بها إلى ما ليس لها من القدر (1) ذهبوا في الخطأ كل مذهب " إلى قوله: " والأصل فيهم (2) الإلحاد لكنهم تستروا بهذا المذهب " (3) فسباب وتشنيع على المذهب بما لا يرتضيه أهله (4) من قول الشذاذ منهم، ومن أراد أن يقابل هذه الطريقة المذمومة بمثلها، واستحسن ذلك لنفسه فلينظر في كتب ابن الراوندي (5) في فضائح المعتزلة فإنه يشرف (6) منها على ما يجد به على الخصوم فضلا كثيرا لو أمسكوا معه عن تعيير خصومهم لكان أستر لهم، وأعود عليهم (7)، وقل ما يسلك هذه الطريقة ذو الفضل والتحصيل.

____________

(1) غ " العدد ".

(2) يعني من تقدم ذكره في المغني من الغلاة وأمثالهم.

(3) المغني 20 ق 1 / 13.

(4) أي أهل المذهب لأنهم يكفرون الغلاة وإن نسبوا إليهم وليس قول المرتضى هذا دفاعا عن الغلاة وأضرابهم ولكنه يربأ بفاضل مثل قاضي القضاة أن يكون رده بالتشنيع والسباب.

(5) ابن الراوندي أحمد بن يحيى الحسين الراوندي نسبة إلى راوند قرية تابعة لأصبهان، متكلم مشهور له من الكتب مائة وأربعة عشر كتابا منها كتاب " فضيحة المعتزلة " وكأنه أراد مناقضة كتاب معاصره الجاحظ " فضيلة المعتزلة " اتهم بالزندقة، ولعل هذا الاتهام جاءه من قبل المعتزلة لتحامله عليهم، توفي سنة 245 أو 250 " أنظر معاهد التنصيص 1 / 155. والمنتظم لابن الجوزي 6 / 59.

(6) يشرف: يطلع، والإشراف الاطلاع من فوق.

(7) أعود: أنفع، والعائدة: المنفعة والعطف.


الصفحة 39
فأما قوله: في الطبقة الثانية (1) من الغلاة عنده: " وإنهم نزلوا عن هذه الطبقة لكنهم انتهوا بالإمام إلى صفة النبوة وربما زادوا وربما نقصوا، وهم الذين يوجبون الحاجة إلى الإمام (2) من حيث لا يتم التكليف ولا حال المكلفين إلا به (3)، وبمعرفة (4) ما هو منهم ".

فظن بعيد، لأن من أوجب الحاجة إلى الإمام من حيث لا يتم التكليف إلا به لم يجعله نبيا، ولا بلغ به إلى صفة النبوة، وليس من حيث شارك الإمام النبي في الحاجة إليه من هذا الوجه يكون نبيا، كما أن المعرفة عند الخصوم (5) وإن وجبت من حيث كانت لطفا في التكليف (6) والنبوة طريق وجوبها أيضا اللطف لم يجب عندهم أن تكون المعرفة نبوة، ولا النبوة معرفة لاستبداد (7) كل واحدة منهما بصفة لا يشركها فيها الأخرى، والنبي لم يكن عندنا نبيا لاختصاصه بالصفات التي يشرك فيها الإمام بل لاختصاصه بالأداء عن الله تعالى بغير واسطة، أو بواسطة هو الملك، وهذه مزية بينة.

ثم يقال له: يجب عليك إن قلت " إن النبي يكون نبيا لعصمته ".

____________

(1) يقصد بالطبقة الثانية من يوجبون نصب الإمام على الله تعالى من باب اللطف.

وهم الإمامية ولاحظ تفنيد الشريف لقول القاضي في نسبة الغلو لهم. وفي المغني " الطريقة " بدل " الطبقة ".

(2) في المغني " إلى الأئمة ".

(3) في المغني " إلا بهم ".

(4) وفيه " ولمعرفة ما معهم وطريقتهم في ذلك ".

(5) يريد بالخصوم هنا المعتزلة.

(6) المغني ج 20 ق 1 ص 14.

(7) أنظر المغني ج 12 / 492 فما بعدها.


الصفحة 40
أن تجعل الأمة أنبياء لأنهم عندك أجمعهم معصومون (1) وأنت أيضا تجوز أن يكون في آحاد الأمة من هو معصوم فيجب عليك أن تجعله نبيا، وإن جعلته نبيا من حيث أداء الشرع لزمك مثل ذلك في الأمة (2) لأنها المؤدية للشرع عندك، فإن عدلت عن هذا كله، وقلت: إن النبي وإن شارك غيره في هذه الصفات - وإن لم يكن ذلك الغير نبيا - فإنما كان نبيا لاختصاصه بصفة كذا وكذا، وأشرت إلى صفة لا يشركه فيها من ليس بنبي لزمك أن تقنع منا بمثل ذلك.

فأما حكايته عنهم القول (3) " أن الإمام يزيد في العلم على الرسول، وكذلك في العصمة، وتعليله بأن ذلك يجب له من حيث انقطع الوحي عنه (4) " فحكاية طريفة (5) لا نعلم أحدا من الإمامية ذهب إليها وإلى معناها، ولا أعتقده، وهذه كتب مقالاتهم، ومصنفات شيوخهم خالية من صريح هذه الحكاية وفحواها معا (6) وكيف يقول الإمامية هذا؟! وهم إذا أفرغوا وسعهم (7) وبلغوا غايتهم انتهوا بالإمام في العصمة والكمال والفضل والعلم إلى مرتبة

____________

(1) اعتمادا منهم على ما روي (لا تجتمع أمتي على ضلالة) أنظر الملل والنحل 1 / 13 وحول هذا الحديث كلام لا يسع المجال ذكره.

(2) أي لزمك القول بعصمة الأمة وتجويز العصمة في آحادها أن تنتهي بالأمة وآحادها إلى صفة النبوة كما نسبت ذلك إلى الإمامية.

(3) لأن صاحب المغني قال " وربما قالوا ".

(4) نقل الشريف الحكاية بمعناها لا بحروف ما في المغني 20 / 14.

(5) طريفة: غريبة، والطريف: الغريب من الثمر وغيره.

(6) فحوى الكلام - مقصور وممدود: معناه.

(7) افرغوا: بذلوا، والوسع - مثلث الواو -: الطاقة.


الصفحة 41
النبي، وكانت تلك عندهم الغاية القصوى؟ ولو لم يكشف عن غلط حاكي هذه المقالة إلا ما هو معروف من مذهبهم وأن النبي لا بد أن يكون إماما (1)، وأن ما يجب للإمام لكونه إماما يجب للنبي لأن النبوة تعم المنزلتين (2) فكيف يتوهم مع هذا عليهم القول بأن الإمام يزيد - فيما ذكره - على النبي؟

فأما قوله: " ولولا (3) أن الكلام في كون الإمام حجة، وأن الزمان لا يخلو منه، وقد دخل في الإمامة من جهة التعليل [ وصار مع القوم عند لزوم ما الزموا من ارتكاب ذلك ] (4) لم يكن لإدخاله في الإمامة وجه... " (5) فقد مضى الكلام عليه، وبينا أن ذلك لا بد أن يكون كلاما في الإمامة لأنه كلام في صفة الإمام وما يتولاه (6) فأما حكايته عن بعض الإمامية: " إيجاب الإمام من حيث كان تمكينا، وأنه باطل " (7). فغير صحيح، فإن التمكين قد يطلق ويراد به ما يرجع إلى ما يصح به الفعل من القدرة والآلات، وقد يراد به ما يسهل الفعل ويدعو إليه من الألطاف، فالإمام تمكين من الوجه الثاني،

____________

(1) أنظر تفصيل هذه المسألة في تفسير الرازي 1 / 709.

(2) أي النبوة والإمامة.

(3) في المغني: " فلولا ".

(4) الزيادة بين المعقوفين من المغني.

(5) المغني 20 ق / 1 / 15.

(6) أي ما يتولاه من أمور الإمامة.

(7) المغني 20 ق 1 / 18.


الصفحة 42
وليس بتمكين من الوجه الأول، وإن كنا تمنع من إطلاق القول بأنه ليس بتمكين إلا بتقييد (1) فأما ما حكاه عن بعضهم من أنه " لولا الإمام لما قامت السماوات والأرض ولا صح من العبد الفعل ".

فليس نعرفه قولا لأحد من الإمامية تقدم ولا تأخر، اللهم (2) إلا أن يريد ما تقدم حكايته من قول الغلاة (3)، فإن أراد ذلك فقد قال: إن الكلام مع أولئك ليس بكلام في الإمامة، وأحال به على ما مضى في كتابه من أن الإله لا يكون جسما، على أن من قال بذلك من الغلاة - إن كان قاله - فلم يوجبه من حيث كان إماما، وإنما أوجبه من حيث كان إلها (4) وصاحب الكتاب إنما شرع في حكاية تعليل من أوجب الإمامة، وذكر أقوال المختلفين فيها، وفي وجوبها وما احتيج له إلى الإمام.

وفي الجملة، فليس يحسن بمثله من أهل العلم أن يحكي في كتابه ما لا يرجع في العلم بصحته إلا إليه، ولا يسمع إلا من جهته، فإن فضلاء أهل العلم يرغبون عن أن يحكوا عن أهل المذاهب إلا ما يعترفون به، وهو موجود في كتبهم الظاهرة المشهورة! (5) فأما حكايته من كون الإمام بيانا وما يتصل بذلك، فعندنا أن أخذ

____________

(1) " بأنه ليس بتمكين أو أنه تمكين بتقييد " خ ل.

(2) اللهم - هنا - جملة دعائية معناها الاستثناء، تدل على أن ما بعدها قليل بالنسبة لما قبلها.

(3) المغني 20 ق 1 / 18.

(4) أي جعلهم للإمام صفات الإله.

(5) وعلى ذلك جرى معظم من كتب عن الإمامية قديما وحديثا فإن أكثر ما كتبوه عنهم أخذوه من كتب خصومهم لا من كتبهم مع أنها في متناول الجميع!.


الصفحة 43
ما احتج به إلى الإمام (1) كونه بيانا، بمعنى أنه مبين للشرع، وكاشف عن ملتبس (2) الدين وغامضه، غير أن هذه العلة ليست الموجبة للحاجة إلى الإمام في كل زمان، وفي كل حال، لأن الشرع إذا كان قد أجاز أن لا تقع العبادة به لم يحتج إلى مبين فيه.

فأما قول بعض أصحابنا: " أنه ينبه على الأدلة والنظر فيها " فالحاجة لا شك في ذلك إليه واضحة إلا أنه ليس يصح أن يتعلق في إيجاب الإمامة بما يجوز أن يقوم غير الإمام مقامه، وقد يجوز أيضا أن ينبه على الأدلة والنظر فيها غير الإمام، وقد يجوز أيضا أن يتفق لبعض المكلفين الفكر فيما يدعو إلى النظر من غير خاطر ولا منبه، بل يستغني عن المنبه، ولا يكون عندنا مستغنيا عن الإمام.

وأما قوله " إنهم يقولون: لا بد من الإمام ما دام السهو والغلط جائز [ ين ] على المكلفين فيما ينقلونه ويؤدونه (3)، إلى آخر كلامه... (4) ".

فإن هذه العلة في الحاجة إلى الإمام تجري مجرى الأولى (5) في أنها ليست بلازمة في كل حال، وإنما هي مختصة بالأحوال التي يحتاج فيها إلى نقل الشرائع وأدائها، فقد قلنا: إن العقل يجوز ارتفاع التعبد بكل شرع غير أن ذلك وجه صحيح يحتاج فيه إلى الإمام مع التعبد بالشرائع،

____________

(1) احتيج إلى الإمام فيه، خ ل.

(2) التبس الأمر: اختلط واشتبه.

(3) سقطت من المطبوعة " فيما ينقلونه ويؤدونه ".

(4) المغني 20 ق / 1 / 20.

(5) وهي التنبيه على الأدلة والنظر فيها.


الصفحة 44
والمكلفون وإن لم يجز (1) على الجماعة منهم السهو عما يسمعونه من الإمام شفاها، ولا عن كثير مما يؤكد علمهم به من الأخبار فإن تعمد الخطأ عليهم جائز في الحالين (2)، وبين جوازه عليهم فيما يسمعونه من الإمام وهو حاضر موجود العين قريب الدار وبين ما يجوز عليهم (3) بعد وفاة الرسول والإمام فرق واضح، لأن ما يقع من ذلك والإمام موجود يمكن للإمام استدراكه وتلافيه، وما يقع بعد وفاته لا يكون له مستدرك، وإذا استمر منهم الغلط في هذه الأحوال بطلت الحجة بالشرع على من يأتي من الأخلاف (4) فأما قوله: " إن كون (5) الإمام مع الجهل به غير معتبر لأنه بمنزلة غيره عند المكلف [ فإذا كانت الحال هذه ] (6) فلا بد من العلم بالإمام " (7).

فإن الجواب: أن الواجب على الله تعالى أن يوجب العلم به، ويمكن منه، فإن فرط المكلف بالعلم به لم يكن معذورا وإن أخرج نفسه من الانتفاع به، والتمكن من لقائه بأمر يتمكن من إزالته لم يكن أيضا معذورا، ولا سقطت الحجة عنه، فكيف يصح قوله: " إن ذلك يؤدي إلى أن يعذر كل من لم يعرف إمامه لأنه (8) لم يزح علته " (9)؟ وإنما كان يصح كلامه لو

____________

(1) في الأصل: " وإن لم يجر ".

(2) في حال سماعهم وحال ما يتأكد علمهم به.

(3) وهو تعمد الخطأ.

(4) جمع الخلف - بسكون اللام - والمراد به: القرن بعد القرن.

(5) في المغني " أن كونه ".

(6) الزيادة من المغني.

(7) المغني ج 2 ق 1 / 21.

(8) في الأصل " بأنه " وأصلحناه من " المغني ".

(9) المغني 20 ق 1 / 21.


الصفحة 45
كان: كل من لا يعرف الإمام لا يتمكن من معرفته ولا سبيل له إلى الانتفاع به، فأما والأمر بخلاف ذلك فلا إشكال في لزوم الحجة له بتفريطه. وهذا كما يقوله جماعتنا في المعرفة: إن حصولها هو اللطف، ولا عذر لمن لم تحصل له إذا فرط في التوصل إليها من حيث كان متمكنا من تحصيلها.

فأما إلزامه إيجاب أئمة عدة بحسب حاجة المكلفين (1) فغير لازم لو فطن لموضع عمدتنا، لأن الذي يقتضيه العقل والاعتبار الذي ذكرناه اللطف بوجود الرئاسة لا عددا مخصوصا فيها، ولا رئاسة مخصوصة، وإنما يرجع في صفات الرؤساء وأعدادهم إلى أدلة أخر، فليس يمتنع قيام الدليل على أن الإمام يجب أن يكون واحدا في العالم، ويكون أمراؤه وخلفاؤه في الأطراف - إذا كان من ورائهم - يغنون عن وجود جماعة من الأئمة، وكل ذلك غير قادح في أن الرئاسة لطف على ما ذهبنا إليه.

فأما قوله: " لأنهم إذا قالوا: إن الإمام واحد ففي الحال التي تظهر إمامته لا يخلو من أن يقف كل (2) العالم عليه، أو بعضهم، ووقوف الجميع غير ممكن، فيجب أن تكون العلة غير مزاحة، إلى آخر كلامه (3)... ".

فأول ما نقول في ذلك: إنا لا نوجب إمامة واحد في الزمان بالدليل الذي دلنا على وجوب الرئاسة في الجملة، وإنما المرجع في ذلك إلى أمور أخر

____________

(1) المغني ق / 1 / 21.

(2) في المغني " أن يقف حكم العالم ".

(3) المغني 20 ق 1 / 21.


الصفحة 46
وقد يجوز أن تختلف المصلحة فيه، فيكون تارة إماما واحدا، وتارة جماعة، فإن أراد بما يسأل عنه من حال ظهور إمامته، ولزوم الحجة لها ابتداء الإمامة، وأول الأئمة ففي ذلك الحال إذا لم يتمكن الجميع من العلم بحال الإمام الظاهر في أحد المواضع قد يجوز عندنا بل يجب إقامة أئمة عدة لتكون علة الجميع مزاحة.

فأما أن يسأل عن الأحوال التي تلي الابتداء من حيث لم يمكن من هو في أطراف البلاد العلم بحال الإمام وظهوره عند حصول النص عليه ونصبه إماما فعندنا أن هؤلاء - وإن لم يتمكنوا من العلم بما ذكر في الحال - فهم عالمون بإمامة الإمام الذي هو قبل ذلك الإمام الظاهر، ومتصرفون من قبل أمرائه وولاته، وبحسب تدبيرهم، وهذا كاف لهم في مصلحتهم، وليس يتصل بهم فقد الإمام وموته إلا مع اتصال غيره وظهوره، وقيامه بهم مقامه (1)، فليس يخلو في حال من الأحوال من المعرفة بالإمام، وإنما كان في كلامه شبهة لو أمكن أن يتصل بهم فقد الإمام، ويعروا (2) من اعتقاد إمامته من غير أن يتصل بهم قيام الإمام الآخر مقامه، فأما والأمر على ما ذكرناه فالقدح بمثل ذلك ساقط.

فأما تعلقه بالفترة بين الرسل فبعيد لأن المعلوم من حال الفترة هو خلو الزمان من النبي لا من الإمام، فمن أين " أن الفترة إذا ثبتت في الرسل وجبت في الأئمة " (3)؟ وهذا يلزم من جعل النبوة في كل حال

____________

(1) لأن من شرائط الإمامة - عند الإمامية - نص المتقدم على المتأخر.

(2) يقال: أعراه وعراه فهو عار، والأصل فيها العرى - بضم العين - من الثياب ثم استعملت بمعنى الخلو والفراغ.

(3) ما بين القوسين خلاصة ما في المغني.


الصفحة 47
واجبة دون ما اعتبرناه (1).

فأما حكايته عنا ما نذهب به من كون الإمام لطفا، وقوله: " إن جعلتموه لطفا على وجه يعم (2) أمكنكم هذا القول، وإلا فيجب أن تجوزوا في ذلك (3) خلو بعض الأزمنة منه، أو بعض المكلفين " (4). ثم قوله من بعد ذلك " لم نقل إن هذه المعرفة لطف إلا بدليل، فبينوا أن مثله من الأدلة قائم [ فيما ذكرتم ] (5) ليتم ما ذكرتم... ".

فالإمامة عندنا لطف في الدين، والذي يدل على ذلك أنا وجدنا أن الناس متى خلوا من الرؤساء ومن يفزعون إليه في تدبيرهم وسياستهم اضطربت أحوالهم، وتكدرت عيشتهم، وفشا فيهم فعل القبيح. وظهر منهم الظلم والبغي، وأنهم متى كان لهم رئيس أو رؤساء يرجعون إليهم في أمورهم كانوا إلى الصلاح أقرب، ومن الفساد أبعد، وهذا أمر يعم كل قبيل وبلدة وكل زمان وحال، فقد ثبت أن وجود الرؤساء لطف بحسب ما نذهب إليه.

فأما تعلقه بعموم اللطف في المعرفة وإيجابه علينا إلحاق الإمامة بها في ذلك (6) فبعيد، لأن المعرفة لم تعم كل تكليف ومكلف من حيث كانت

____________

(1) في الأصل " من اعتبرناه ".

(2) أي يعم جميع الأزمنة والمكلفين. وكلمة يعم مطموسة في المغني ولذا ترك المحققون مكانها فارغا وأبدلوه بالتعليق " والظاهر عدم الحاجة إليها ".

(3) " في ذلك " ساقطة من المغني.

(4) في المغني " من الإمام ".

المغني 20 ق 1 / 25.

(5) الزيادة من المغني.

(6) قال القاضي في المغني 20 ق 1 / 23: " فإن قالوا: كذلك " - أي أن الإمامة واجبة من حيث كانت لطفا - " نقول: ولا يمتنع في اللطف أن يعم كل التكليف وكل المكلفين كما يقولونه في المعرفة بالله تعالى إلى غير ذلك، قيل لهم: لم نقل إن المعرفة لطف إلا بدليل فبينوا أن مثله في الأدلة قائم " الخ.


الصفحة 48
لطفا بل من حيث اختصت بما أوجب ذلك فيها، وليس بممتنع في الألطاف أن يختلف بعضها، فيكون بعضها عاما من كل وجه، وبعضها خاصا من كل وجه، وبعض آخر عاما من وجه وخاصا من وجه آخر.

فمثال ما هو عام من كل وجه المعرفة، فإنها تعم كل مكلف وتكليف أمكن أن تكون لطفا فيه، ويعم أيضا الأحوال.

فأما ما يعم من وجه ويخص من آخر كالصلاة لأنها تجب على كل مكلف غير معذور بحصول منع أو ما يجري مجراه (1)، وليس يمكن القطع على عموم كونها لطفا في كل تكليف، بل لا يمتنع أن تكون خاصة في التكليف، وإن كانت عامة في المكلفين، فأما الأحوال فمما لا شبهة في أنها ليست بعامة لها لوجودنا أحوالا لا يجب فيها فعل الصلاة بل لا يحسن،.

فأما الأحوال التي لا يجب فيها فهي الأحوال التي لم توقت للصلاة الواجبة.

وأما التي لا يحسن فيها فهي التي نهى الله عز وجل عن الصلاة مع حضورها (2)

____________

(1) كالحيض والنفاس للمرأة، وفقد الطهورين على قول من يقول بمعذورية فاقدهما.

(2) أي مع حضور تلك الحال كصلاة السكارى وقد نهى سبحانه عن الصلاة في تلك الحال.


الصفحة 49
فأما ما هو خاص من كل وجه فكخلق الولد لزيد، أو تثمير مال عمرو، فإنه لا يمتنع أن يكون لطفا في بعض تكاليفه، بل في واحد منها، وكذلك لا يمتنع أن يكون له لطفا (1) دون غيره من الناس، وكذلك أيضا في الأحوال حتى يكون لطفا في حال ولا يكون لطفا في أخرى، فإذا ثبت [ ت ] هذه الجملة فما المانع من أن يكون وجود الإمام لطفا لكل مكلف كان على صفته من يجوز فيه فعل القبيح وفي كل حال وإن جوزنا اختصاصه ببعض التكاليف دون بعض، فليس يجب إذا سوينا بينه وبين المعرفة لما ألزمنا الخصوم أن يكون مختصا بمكلف دون آخر، وبحال دون حال، وكان قصدنا بذلك إلحاقه بالمعرفة في شمول من اختص بالصفة التي ذكرناها من المكلفين وعموم الأحوال أن يلزمنا التسوية بينه وبين المعرفة في كل وجه.

على أنا لم يظهر لنا القطع على كون الإمام لطفا في كل الأفعال والتكاليف لظهوره فيما يتعلق بأفعال الجوارح لأنه لا يمتنع أيضا أن يكون لطفا فيما يختص القلوب من الاعتقادات والقصود (2)، لأن المعلوم من حال الناس أن صلاح سرائرهم كالتابع لصلاح ظواهرهم، واستقامة أمورهم. وحسن طريقتهم فيما يقع من أفعالهم الظاهرة من أبر الدواعي إلى استقامة ضمائرهم أيضا، وعلى هذا يمكن أن يكون الإمام لطفا في الكل.

وإنما تكلفنا ما تقدم من الكلام حيث كان هذا الوجه كأنه غير مقطوع عليه، ومما يمكن أن يعترض التجويز فيه بخلاف ما قررناه.

____________

(1) لطفا خبر للمبتدأ الذي هو ضمير يكون.

(2) جمع قصد: وهو إتيان الشئ.


الصفحة 50
فأما قوله: " ولا فرق بين من قال: الإمامة لطف وبين من قال مثله في الإمارة، وسائر من يقوم بشئ من أمور (1) الدين، وبين من يقول ذلك في إمام واحد، وبين من يقول في إمامين أو أئمة (2)... " فقد تقدم من كلامنا ما يفسده، وبينا أن العقول دالة على وجوب الرئاسة في الجملة، وليست دالة على عدد الرؤساء ولا صفاتهم.

والإمارة وما جرى مجراها من أمر الولايات رئاسة في الدين، ومكان اللطف بها والانتفاع ظاهر، وإنما لم نجعل إمام الكل ورئيس الجميع بصفة الأمراء لعلل أخر سنذكرها إن شاء الله تعالى، وإنما كان يلزم كلامه لو كنا نجعل الدليل على وجوب الإمامة بصفاتها التي تختص بها ما قدمناه من وجوب الرئاسة فيقال: " إن العقول لا تفرق فيما أوجبتموه بين رئاسة الإمام والأمير ورئاسة واحد وجماعة ".

فأما إذا عولنا في وجوب الرئاسة في الجملة على ما ذكرناه، وفي صفات الرئيس وعدد الرؤساء على غير لم يلزمنا كلامه.

فأما تكراره القول " بأن معرفة الإمام لا تمكن جميع المكلفين إذا كان واحدا " فقد بينا ما فيه، وفصلنا الكلام تفصيلا يزيل الشبهة.

فأما قوله: " فقد كان يجب على هذا القول أن يتمكن كل مكلف من معرفة الأمور من قبله، ومتى قالوا لنا (3): يجب ذلك في حال دون حال، قيل لهم: فجوزوه في قوم دون قوم (4) " إلى قوله -: " وقد كان

____________

(1) في المغني " أمر ".

(2) المغني 20 / 23 وفيه " و " بدل " أو ".

(3) في المغني " وهنا قالوا لنا إنما ".

(4) غ " في يوم دون يوم ".


الصفحة 51
يجب على هذا التعليل أن نعرف (1) إمام زماننا، وإلا فيجب أن نكون معذورين " (2) فقد تقدم شئ من الكلام على معناه، وجملته: أن معرفة الإمام ومعرفة ما يؤديه وإن لم يحصلا لكل أحد فإن الجميع متمكنون من حصول المعرفة له (3)، واستماع الأدلة منه، لأنهم قادرون على إزالة خوفه فيمكن عند ذلك من الظهور، والدلالة على نفسه. وبيان ما يلزمه بيانه، فارتفاع المعرفة به، وبما يؤديه إذا كان يرجع إلينا، وكنا متمكنين من إزالته لم يجب ما ظنه من ثبوت عذر من لم يعرف إمام زمانه.

فأما قوله: " إن خبرهم - أعني خبر الأئمة (4) - أغني عن مشاهدة الإمام، فخبر الرسول والتواتر بأن يغني عن الإمام أولى... (5) " فقدمنا ما يفصل به بين الأمرين، وبينا الفرق بين لزوم الحجة بالأخبار التي يكون الإمام من ورائها، وحاضرا لها، ومتمكنا من استدراك ما يقع فيها من الغلط وبين الأخبار التي لا إمام من ورائها، ولا معصوم يرجع إليه عند وقوع الغلط فيها، وهذا فرق واضح في استغنائها عن مشاهدة الإمام بالخبر عنه إذا كان موجودا وعدم استغنائنا عن الرسول بالأخبار بعد وفاته إذا لم يكن في الزمان إمام يتلافى ما يقع من الغلط فيها، فأما قوله: " فإن قالوا: إنا لا نقول: إن الإمام مصلحة من حيث

____________

(1) غ " يعرف ".

(2) المغني 20 ق 1 / 24.

(3) أي للإمام.

(4) لا يخفى أن عبارة " أعني خبر الأئمة " توضيح من الشريف حيث لا توجد في المغني.

(5) المغني 20 ق 1 / 24.


الصفحة 52
ظننتم لكن لما نعلمه من أن اجتماع الكلمة على رئيس (1) واحد مطاع أقرب إلى التآلف على الخير والطاعة، والعدول عن الظلم والفساد، إلى آخر السؤال (2)... ".

ثم قوله: " قيل لهم: لكن (3) الوجه الذي له قلنا: إنها (4) لطف - يعني المعرفة - يختص كل مكلف، وكل فعل من أفعاله، إذ لا أحد من العقلاء إلا وهو عالم أن خوف المضرة صارف، ورجاء المنفعة داع، إلى آخر كلامه... (5) " فقد بينا فيما مضى اختلاف الألطاف في عمومها وخصوصها وأنه لا يجب حمل بعضها على بعض، وبينا غرضنا في تشبيه الإمامة بالمعرفة، والوجه الذي من أجله جمعنا بينهما، وأنه لا يلزمنا عليه التسوية بينهما من كل وجه، وأن ذلك وإن تعذر لم يقدح في كون الإمامة لطفا من الوجه الذي ذكرناه.

فأما قوله: " لا أحد من العقلاء إلا وهو عالم أن خوف المضرة صارف ورجاء المنفعة داع " فكذلك، لا أحد من العقلاء إلا وهو عالم بأن وجود الرؤساء وانبساط أيديهم مقلل لوقوع الظلم والفساد، والبغي

____________

(1) في المغني " من اجتماع الكلمة على واحد " وقال المحقق: لعل كلمة (إن) سقطت من هنا فصواب العبارة " من أن اجتماع " ولو أنه رجع إلى الشافي لأغناه ذلك عن التعب بالتوجيه في مواضع كثيرة من الكتاب.

(2) المغني 20 ق 1 / 24.

(3) في المغني " إن ".

(4) في المغني " أنه " وهو خطأ لأن المراد المعرفة لا الإمام كما فسر ذلك السيد الشريف في جملته المعترضة.

(5) المغني: 20 ق 1 / 24.