الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

أهل الأخبار بأسرهم بين زمان حدوث أقوالهم والزمان الذي كانت فيه أقوالهم مفقودة، وبين الأحوال التي تظاهرت فيه مذاهبهم وانتشرت في الجماعات والأحوال التي كانت فيها مقصورة على العدد القليل، وهذا في بابه يجري في وجوب الظهور مجرى ما نوجبه من ظهور التواطؤ متى وقع من الجماعات.

وقد قيل إن أحد ما يعلم به استيفاء الجماعة المتوسطة في النقل للشروط أن ينقل إلينا الجماعة التي تلينا أنها أخذت الخبر المخصوص عن جماعة لها مثل صفتها، وأن تلك الجماعة أخبرتهم بأنها أخذت أيضا الخبر عن جماعة هذه صفتها، حتى يتصل النقل بالمخبر عنه، وهذا وجه، لأن العلم بحال الجماعة لها مثل (1) صفتها وأن تلك الجماعة في امتناع التواطؤ والاتفاق على الكذب فيها ضروري، يحصل لكل من خالطهم واختبر العادة في أمثالهم وإذا كان العلم بحالهم ضروريا وخبرت الجماعة التي تلينا عن تلك الحال وقد عرفنا ثبوت الشروط فيهم وجب أن تكون صادقة، وجرى خبرها عن حال الجماعة التي نقلت عنها في أنه لا يكون إلا صدقا مجرى نفس الخبر الذي تلقته عن الجماعة فكما لا يجوز أن تكون كاذبة في أنها تلقت ذلك عن غيرها، وسمعته منه فكذلك لا يجوز أن تكون كاذبة فيما خبرت به من صفته، لأن الأمرين جميعا يرجعان إلى الضرورة، وليس مما يصح أن تعترض فيه الشبهة.

وهذا يبطل قول من اعترض هذا الوجه، بأن قال: لعلهم غالطون

____________

(1) في مثل، خ ل.

الصفحة 76
فيما خبروا به من صفة الجماعة، ومتوهمون ما لا أصل له ويبطل أيضا قوله: " كيف السبيل إلى العلم بتساوي الجماعات في العدد وهو أمر غير منضبط ولا منحصر؟ ومن أي وجه يعلم الجماعة التي تلينا (1) مساواة من نقلت عنه لها في الكثرة والعدد؟ " لأنا لم نعتمد على ما ظنه من تساوي العدد والكثرة، وإنما اعتبرنا أن تخبر الجماعة بأن لمن نقلت عنه مثل صفتها في استحالة التواطؤ والاتفاق على الكذب، وهذا معلوم ضرورة على ما تقدم ولا اعتبار معه بزيادة العدد ولا بنقصانه.

فإن قالوا: دلوا على ثبوت الشروط التي ذكرتموها فيمن نقل النص من الشيعة كما وعدتم.

قيل لهم: لا شبهة بأن الشيعة في هذه الأزمان قد بلغوا من الكثرة والانتشار والتفرق في البلدان إلى حد معلوم ضرورة أنه لا يبلغه من يجوز عليه التواطؤ والاتفاق على الكذب عن المخبر الواحد، وانتفاء ذلك عن جماعات الشيعة في وقتنا بل عن بعض طوائفهم مما لا يصح أن يشك فيه عاقل خالطهم وكان عارفا بالعادات على أن التواطؤ لو وقع منهم بمراسلة أو بمكاتبة أو على وجه من الوجوه لم يكن بد من ظهوره، لأن العادة جارية بظهور ذلك إذا وقع من الجماعة التي لا تبلغ في الظهور والتفرق مبلغ الشيعة، لا سيما مع تتبع مخالفيهم الشديد مذاهبهم (2) وتطلب عثراتهم، وكذلك ما يجمع على الفعل أو القول من إكراه السلطان وتخويفه، ولو كان اتفق لهم لوجب ظهوره عن آخره على مجرى العادة، وإن كان العلم بارتفاع إكراه السلطان وحمله على النص معلوما لجميع العقلاء، لأن

____________

(1) خ " تليها ".

(2) خ " لهم ".

الصفحة 77
الظاهر من أحوال السلاطين الذين نفذ أمرهم ونهيهم، وتمكنوا من بلوغ مرادهم، وكانوا بحيث يحمل تخويفهم على الأخبار، ويلجئ إليها دفع النص وبلوغ الغاية في قصد معتقده وراويه، فأسباب الخوف والحمل قد حصلت على ما ذكرناه، في العدول عن نقل النص لا في نقله، وفي حصول العلم بتعدد الإشارة إلى زمن بعينه وقع التواطؤ فيه على النص، ووجوب ظهوره لو كان واقعا دلالة على بطلانه، وإذا كانت هذه صفة الشيعة ووجدناهم يذكرون أنهم وجدوا أسلافهم وهم فيما ذكرناه على مثل صفتهم ينقلون عن أسلافهم، وهذه صفتهم إلى أن يتصل النقل بالنبي صلى الله عليه وآله أنه نص على أمير المؤمنين بالإمامة بعده، واستخلفه على أمته بألفاظ مخصوصة نقلوها منها قوله عليه السلام: (سلموا على علي بإمرة المؤمنين) (1) وقوله صلى الله عليه وآله مشيرا إليه وآخذا بيده: (هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا) (2) وقوله صلى الله عليه وآله في يوم الدار وقد جمع بني عبد المطلب وتكلم بكلام مشهور قال في آخره:

(أيكم يبايعني، أو يؤازرني - على ما جاءت به الرواية - يكن (3) أخي ووصيي وخليفتي من بعدي) (4) فلم يقم إليه عليه السلام أحد من

____________

(1) رواه ابن مردويه بسنده عن بريدة: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نسلم على علي بأمير المؤمنين، وعن سالم مولى حذيفة بن اليمان.

(2) نقل ذلك ابن طاووس في كتاب اليقين ص 10 وقد مر رواية ابن عساكر لها في تاريخه.

(3) في الأصل " أن يكن ".

(4) حديث يوم الدار لما جمع رسول الله صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب عند نزول قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) وتكلم بكلام مشهور: (أيكم يبايعني إلى آخر ما في المتن رواه جماعة من المفسرين والمؤرخين كالطبري في تاريخه 2 / 321 بلفظ (إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا) وقد تقدم تخريجه والعجب منه أنه لما ذكر هذه الرواية في تفسيره كنى عن بعض ألفاظها ولم يصرح فذكر: (أيكم يوازرني على هذا الأمر فيكون أخي وكذا وكذا).

الصفحة 78
الجماعة سوى أمير المؤمنين عليه السلام فليس يخلون فيما نقلوه من أحد أمرين أما أن يكونوا صادقين أو كاذبين، فإن كانوا كاذبين فيما نقلوه، وقد تقدم أن الكذب لا يفعل إلا لغرض زائد، وأنه لا يجري مجرى الصدق، وأنه لا يخرج عن الأقسام التي قدمناها، وهي التواطؤ وما جرى مجراه، أو الشبهة، أو الاتفاق، فيجب إذا علمنا انتفاء الأقسام الثلاثة عن خبرهم أن يقطع على صدقهم، لأنه لا منزلة في الخبر بين الصدق والكذب، وقد بينا استحالة التواطؤ وما قام مقامه فيهم، وبينا أيضا استحالة وقوع الخبر منهم اتفاقا، وهذا مما لا يكاد يشتبه على عاقل لأنه معلوم من حالهم ضرورة عند اختبارها، وإنما المشتبه غيره مما سنوضحه.

فأما الشبهة والالتباس فمعلوم أيضا ارتفاعهما لأنهم لم يخبروا عن أمر يرجع فيه إلى النظر والاستدلال فيصح دخول الشبهة عليهم، بل خبروا عن أمر مدرك يعلم ضرورة، وليس يصح أيضا التباسه بغيره، لأنهم عارفون بالنبي صلى الله عليه وآله وبأمير المؤمنين عليه السلام معرفة تزيل الشك، وتحيل أن يكون اعتقدوا في القائل أو المقول فيه خلاف الحق، ولم يكن القول المسموع من بعد فيجوز أن يتوهموا فيه خلاف ما هو عليه، فإذا كانت جميع أسباب الشبهة واللبس ومظانهما مرتفعة، لم يكن لتجويز الاشتباه وجه، ولم يبق إلا أن ندل على حصول ما شرطناه في أسلاف الشيعة كحصوله في أخلافهم، ويعلم ذلك بالوجهين اللذين قدمناهما.

أحدهما - إن خبر النص لو كان ينتهي في أصله إلى فرقة قليلة العدد، أو آحاد ولدوه وأحدثوا الاحتجاج به بعد أن لم يكن معروفا، ونشروه في الجماعات، لوجب بمقتضى العادة أن يظهر ظهورا لا يمكن دفعه، ويشترك كل من كانت له معرفة بالأخبار والاختلاط بأهلها في العلم به، ولكان الزمان الذي ظهر فيه النص بعد أن لم يكن ظاهرا

الصفحة 79
معروفا، والرجال الذين أبدعوا (1) دعواه بعد أن لم يدعوها معلومين بأعيانهم مشارا إليهم بأسمائهم على الوجه الذي وجبت في الفرق الناشئة والمذاهب الحادثة التي قدمنا ذكرها، وفي ارتفاع العلم بشئ مما ذكرناه في نقل الشيعة للنص وتعذر إشارة من حمل نفسه من مخالفيها على ادعاء ذلك عليهم إلى زمان بعينه، ورجال بأسمائهم، واقتصارهم على التظني (2) والتوهم دلالة على سلامة نقلهم من الاختلال.

وهذا الذي قضينا به في نقل الشيعة أوجب منه في نقل ساير الفرق لأنه لم تمن (3) فرقة، ولا بلي أهل مذهب بما بليت به الشيعة من التتبع والقصد، وظهور كلمة أهل الخلاف، حتى أنا لا نكاد نعرف زمانا تقدم سلمت فيه الشيعة من الخمول، ولزوم التقية، ولا حالا عريت فيها من قصد السلطان، وعصبيته وميله وانحرافه، هذا إلى كثرة ما جرى بينها وبين خصومها من الخوض في النص على مر الدهر واجتهاد (4) جماعة مخالفيها في الطعن عليه، والثلم له، وتطلب ما يدحضه (5)، وبعض هذه الأمور يكشف السرائر ويظهر الضمائر، ولا يثبت معها ضعف الخبر أن يظهر، وزمان حدوثه أن يعرف، حتى لا يشك فيه اثنان، ولا يمتري (6) لسانان، وليس ما وقع من ذوي العز والتمكن، وقوة السلطان وكثرة

____________

(1) خ " ادعوا ".

(2) التظني أصله التظنن قلبت النون الثانية ياء وهو من الظن مثل تقضى من تقضض.

(3) لم تمن: أي لم تبل.

(4) خ: " اجتماع ".

(5) يدحضه: يبطله، والضمائر للنص.

(6) الامتراء في الشئ: الشك فيه.

الصفحة 80
الأعوان، مما حكمنا بظهور أمثاله في العادة يخفى وينكتم فكيف بما يقع من فرقة مغمورة مقهورة، وقد تظافر عليها المفرقون (1) واصطلح في قصدها المختلفون، ومن تأمل صورة الشيعة بعين منصف علم صحة قولنا.

والوجه الآخر - إنا وجدنا من يلينا منهم والشروط التي اعتبرناها حاصلة بغير شك فيهم، يذكرون أنهم نقلوا خبر النص وتلقوه عمن صفته في امتناع التواطؤ والاتفاق كصفتهم، فلا بد أن يكونوا صادقين، لأن تجويز الكذب عليهم في صفة من أخذوا الخبر عنه كتجويزه في سماع الخبر، لأنا قد بينا أن الأمرين جميعا يعودان إلى علم الضرورة، وإذا ثبتت الجملة التي قدمناها فقد وضح كون خبر النص صدقا، ووجب المصير إليه والعمل عليه.

فإن قالوا: لو كان النص حقا ونقلكم له متصلا، ووقوعه في الأصل ظاهرا لوجب أن يقع العلم به لكل من سمع الأخبار على حد وقوعه بنص النبي صلى الله عليه وآله على أن الكعبة قبلة، وعلى صيام شهر رمضان، وما أشبههما من أركان العبادات الظاهرة، ويجري في وجوب حصول العلم به مجرى تأميره عليه السلام زيد بن حارثة وخالد بن الوليد إلى غير من ذكرناه من ولاته وقضاته وفي علمنا بالفرق بين النص وبين هذه الأمور في باب العلم دليل على الفرق بينه وبينها في صحة النقل وسلامته.

قيل لهم: ليس يجب إذا كان النص حقا والمخبر عنه صادقا والخبر به متواترا أن يجري مجرى كل من كان بهذه الصفة في عموم العلم به، وارتفاع الشك فيه، لأنا وإن كنا عالمين بمساواة النظر لما ذكرته في

____________

(1) المقترفون، خ ل.

الصفحة 81
الصحة وسلامة النقل، فقد علمنا أيضا أن النص قد اتفق فيه ما لم يتفق في سائر ما قصصته لأن النص على الكعبة، وإيجاب صوم شهر رمضان، وتأمير فلان وفلان، مما لم يدع أحدا في ماض ولا مستقبل داع إلى كتمانه، ولا انعقدت رئاسة على أبطاله، ولا قوبل راو له في أصله أو فرعه بالتكذيب، أو لقي بالتبديع (1)، بل سلم جميع الناس عالمهم وجاهلهم مليهم وذميهم فاتضح لذلك طريق العلم به، وارتفع كل شك فيه وليس هذا حال النص فإن جميع ما عددناه اتفق فيه وعرض في أصوله وفروعه، وفي اتفاق بعضه ما يقتضي الريب وتطرق الشبهة، ويمنع من مساواة ما أجمع على تسليمه وتصديق راويه مما تقدم.

ومما يبين أن حصول اليقين بما ذكره السائل، وارتفاع الشكوك عنه، لم يكن لأجل صحته في نفسه، أو ظهوره في أصله، أو عموم فرضه، أو لزوم الحجة به، على ما يظنه خصومنا أنه لو كان كذلك لوجب حصول اليقين، وزوال الشبهة في كل ما جرى مجراه في وقوع النص عليه، ولزوم الحجة به، وعموم فرضه وظهوره، ولو كان ذلك واجبا لكان علمنا بكيفية الصلاة والطهارة وصفات الحج وحدود الزكاة إلى غير ما ذكرناه من العبادات الشرعية المنصوص على أحكامها على حد علمنا بوقوع النص في الجملة على وجوبها، وعلى حد علمنا بسائر ما تعدد من أحوال النبي صلى الله عليه وآله الظاهرة كتأميره أمراءه وحجته، وهجرته، وغزواته المشهورة، فلما كان العلم بسائر هذه الأمور عاما لا طريق للشك عليه، ولا مجال للشبهة فيه، والعلم بحدود العبادات التي ذكرناها وكيفية أحكامها، خاصا قد تنازعه أهل العلم وتجاوبوه،

____________

(1) أي لقيه الناس بأنه من أهل البدع.

الصفحة 82
واعتقدت كل فرقة فيه مذهبا يخالف مذهب الأخرى، وكل من تمسك في ذلك بطريقة يرى أن الحجة هدته إليها وأن الشبهة صرفت مخالفيه عنها، بطل أن يكون ما اشترك في وقوع النص أو عموم الفرض أو لزوم الحجة به يجب اشتراكه في حصول العلم، وزوال الشك، وثبت أن الاعتبار الذي اعتبرناه هو الواجب، وليس يمكن أحدا أن يدفع وقوع النص على شروط جميع ما ذكرناه من العبادات وكيفياتها، لأنه لا سبيل إلى امتثالها إلا بعد بيان أحكامها، وكيفية فعلها، فما يوجب بيان فرضها ووجوبها على الجملة يوجب بيان أحكامها، لأن ارتفاع أحد البيانين مخل بالامتثال، ولأن كثيرا من أحكام ما عددناه لا طريق للاجتهاد فيه، بل المرجع في العلم به إلى النصوص، ولا يمكنه أن يقول: إن بيان أحكام هذه العبادات وقع في الأصل مختلفا فنقل على اختلافه، ولم يقع العلم بطريقة واحدة فيه كما وقع بما ذكر متقدما لأن هذا لا يمكن أن يقال في جميع ما اختلف فيه، وإنما يذكر في الأذان فإن أذان مؤذنيه عليه السلام وقع مختلفا (1) وإن ذكر في غيره فلا بد أن يكون مما طريقه التخيير، أو مما يسوغ فيه اختلاف العمل، وكل ذلك غير دافع للكلام، لأن هذه الأحكام إن كان بيانها وقع في الأصل على وجه واحد فالاعتراض بها لازم للقوم ظاهر اللزوم، وإن كان وقع مختلفا لإباحة أو تخيير أو غيرهما فليس هذا أولا في كل ما عارضنا به، ويكفي أن يكون في جملته حكم واحد يخالف ما ذكروه في أن معارضتنا تكون متوجهة.

____________

(1) أي في فصول الأذان وانظر التفصيل في المحلى لابن حزم الظاهري ج 3 ص 149 - 163، وعمدة القاري للعيني 2 / 625 والخلاف للشيخ الطوسي 1 / 83.

الصفحة 83
ثم لو سلمنا وقوع الجميع مختلفا لكان الكلام أيضا لازما لأنا نقول كان يجب أن يعلم وقوعه على الوجه الذي وقع عليه من الاختلاف كما علمنا سائر ما ذكر مما وقع متفقا، لأنه لا فرق بين أن يظهر بيان الحكم ويكرره متفقا، وبين أن يظهره ويكرره مختلفا في أن العلم بحاله في الاختلاف والاتفاق يجب حصوله، وهذا يوجب أن نكون عالمين بوقوع الأذان مثنى، ووقوعه مفردا (1) وبأنه صلى الله عليه وآله قطع السارق من مواضع مختلفة (2) إلى جميع ما وقع الاختلاف فيه، وكان مرجعه إلى النص على حد علمنا بوجوب الأذان في الجملة ونصه على الكعبة، وصيام الشهر المعين، وفي عدم العلم بأحد الأمرين ودخول الشبهة فيه، وحصوله في الآخر، وانتفائها عنه دلالة على صحة قولنا، ولو سلمنا لهم ما لا يزالون يقولونه عند هذه المعارضة من أن الأحكام التي أشرتم إليها، ووقع اختلاف الناس فيها لم يكن من الرسول صلى الله عليه وآله نص فيها، وتوقيف عليها، وإنما وكل فيها أمته إلى الاستدلال والاجتهاد، وإن كنا قد بينا فساده بما تقدم لكان معنى كلامنا هذا أيضا مبطلا له لأن من جملة ما ذكرناه من الأحكام ما علمنا حدوثه على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وأنه قد كان منه عليه السلام فيه فعل مخصوص كعلمنا بأنه عليه السلام قد كان يتطهر في كثير من الأوقات بين أصحابه في السفر والحضر ويصلي بهم بحيث يشاهدونه، ويؤذن له في اليوم والليلة خمس دفعات، أذانا ظاهرا، وقد قطع عليه السلام بعض السراق، فهب أن للاجتهاد

____________

(1) المراد وقوع فصوله.

(2) أي: لوجب أن نعلم هل قطع كف السارق أم اكتفى بقطع الأصابع منها.

الصفحة 84
مجالا في تفصيل أحكام العبادات وحدودها، ما بالنا لا نعلم صفة فعله عليه السلام لما ذكرناه من صلاة وطهارة وأذان وقطع؟ وكيف ذهبت الأمة عن نقل ذلك على وجهه إن كانت لم تنقله، أو كيف ذهبت عن علمه إن كان نقل؟ وإلا جرى علمنا بصفة طهارته وصلاته وما عددناه من أفعاله مجرى علمنا بنصه في الجملة على الصلاة والطهور وكذا وكذا.

وليس لأحد أن يقول: إن ما فعله النبي صلى الله عليه وآله مما ذكرتموه وروي عنه لا اختلاف في ثبوت الرواية به، وإنما ذهب المختلفون مع اعترافهم بصفة فعله إلى جواز خلاف ما فعله لتأويل آيات أو لطرق من الاستدلال لأنه لم يصح عندهم أن الرسول صلى الله عليه وآله حظر أن يفعل في هذه العبادات خلاف ما فعله كما يصح عندهم صفة ما فعله منها، ولأن وقوع العلم بفعله على بعض الصفات إنما يدل على صواب اتباعه في تلك الصفة ولا يمنع من قيام دلالة أخرى على جواز إيقاعه على وجه آخر، والذي وردت به الروايات في طهارته غسل الرجلين لا مسحهما ومسح جميع الرأس لا بعضه (1) وفي القطع أنه قطع السارق من الرسغ (2) وليس يخالف في هذا عنه عليه السلام من خالف في جواز المسح على الرجلين وببعض الرأس، وقطع السارق من الأصابع أو المنكب (3) من الوجه الذي ذكرناه لأن هذا من قائله نهاية المكابرة لأنا نعلم ضرورة أن من خالف في مسح جميع الرأس من الشيعة وفي غسل الرجلين بدلا من

____________

(1) يراجع في تفصيل هذه المسألة " الوضوء في الكتاب والسنة " للشيخ نجم الدين العسكري ذلك الكتاب القيم الذي لم يؤلف في هذا الموضوع مثله.

(2) الرسغ - بضم أوله وثانيه، وبسكون الثاني أيضا -: الموصل بين الكف والذراع.

(3) المنكب - كمجلس -: مجمع عظم العضد والكتف.

الصفحة 85
مسحهما، وخالف منهم (1) في قطع السارق ومن الخوارج لا يصحح الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله بخلاف مذهبه ولا يسلم أنه عليه السلام فعل شيئا من ذلك إلا على الوجه الذي ذهب هو دون مخالفيه إليه، وكيف يتوهم هذا عاقل وهو يعلم أن الشيعة تبدع من مسح جميع رأسه أو غسل رجليه، وتقول إن غسل الرجلين لا يجزي عن مسحهما، ولا صلاة لمن استعمل الغسل بدلا من المسح، وكذلك لا صلاة لمن مسح جميع رأسه معتقدا أن الفرض لا يتم له إلا به وعندهم أن النبي صلى الله عليه وآله لم يستعمل قط في رجليه إلا المسح دون الغسل، ولا قطع السارق إلا من حيث يقتضي مذهبهم قطعه.

وبعد، فإذا جاز أن يكون الرواية بذلك ظاهرة عن النبي صلى الله عليه وآله مستفيضة مع خلاف الشيعة فيها، وتدينهم ببطلانها جاز أن يكون النص صحيحا والخبر به حقا مع خلاف من خالف فيه، وأي شئ قيل في خلاف الشيعة من قذف لهم بالمكابرة، ودفع المعلوم، أو دخول الشبهة أمكن أن يقول الشيعة مثله لمخالفيهم في النص، وكان لهم أن

____________

(1) منهم أي من الإمامية فإنهم يرون أن قطع السارق من أصول الأصابع وتترك له الابهام والكف لأن اسم اليد يقع على جملة هذا العضو إلى المنكب ويقع أيضا إلى المرفق، وإلى الزند والى الكف فيجعل كل ذلك غاية، قال تعالى (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) البقرة 79، ومعلوم أن الكتابة بالأصابع، وقال تعالى في قصة يوسف: (فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن) يوسف والمراد عقرن أكفهن فحملوا اليد على أدنى ما تناولته هذه اللفظة وهو أصول الأصابع عملا بما ورد في ذلك عن أئمتهم عليهم السلام، والقطع بهذه الصورة أولى بالحكمة وأرفق بالمقطوع لأنه إذا قطع من الزند فاته من المنافع أكثر مما يفوته إذا قطع من الأشاجع، أما غير الإمامية فيذهبون إلى قطع يد السارق من الرسغ، والخوارج يذهبون إلى قطعها من الكتف باعتبار وقوع اسم اليد عليها ينظر في ذلك كتب الحدود من المدونات الفقهية لفقهاء المذاهب.

الصفحة 86
يقولوا أيضا إذا قيل لهم: إن الرواية بخلاف مذهبكم في المسح وغيره ولكنكم ذهبتم عن علم ذلك بالشبهة، كيف أمكن أن تدخل الشبهة علينا في هذا ولم تدخل في العلم بالوضوء على الجملة؟ وألا علمنا صفة وضوئه عليه السلام وموضع قطعة السارق كما علمنا أنه عليه السلام توضأ وقطع، وإن جاز أن يختلف هذان العلمان جاز أن يخالف العلم بالنص وسائر ما ذكر من تأمير الأمراء، والنص على الكعبة وغيرها.

وليس له أن يقول: أن النص من النبي صلى الله عليه وآله وإن كان واقعا على أحكام ما ذكرتموه من العبادات، وتفصيل حدودها فلم يقع ذلك منه ظاهرا بحضرة جميع أصحابه، بل اختص بمعرفة بيانه عليه السلام لهذه الأحكام آحادا وجماعات قليلة، وليس هذا مذهبكم في النص لأنكم تدعون ظهوره لجميع الأمة لأنا نعلم وجوب حدود العبادات المذكورة وشروطها علينا، ولزوم العمل لنا بها على حد لزومها ووجوبها، على من شهد النبي صلى الله عليه وآله فلا بد أن يقع بيانه عليه السلام لها في الأصل على حد ينقطع به عذر الحاضرين والغائبين، ومن شهد عصره صلى الله عليه وآله ومن لم يلحق بعصره ممن يأتي من بعد، لأن التكليف عام في كل هؤلاء، ولم نوجب وقوع بيانه عليه السلام لما ذكرناه بحضرة جميع الأمة أو أكثرهم، بل الذي نوجبه أن يقع على من تقوم به الحجة، وينقطع العذر، وقد يقع كذلك وإن اختص بحضرة بعض الأمة، وإذا كان ظهوره على وجه الحجة واجبا فقد ساوى ما نقوله في النص، لأنا لا نذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وآله نص على أمير المؤمنين عليه السلام النص الذي نسميه الجلي، الذي علم حاضروه مراده منه باضطرار بحضرة جميع الأمة، بل نذهب إلى أنه وقع بمشهد ممن تقوم الحجة بنقله، فإن لم يجب عند المخالف حصول العلم بكيفية ما عددناه من

الصفحة 87
العبادات على حد حصوله بوجوبها، ولزوم العبادة بها من جهة أن بيان كيفيتها لم يقع بحضرة جماعة الأمة فكذلك لا يجب وقوع العلم بالنص على حد وقوعه بإيجاب الصلاة في الجملة، والنص على الكعبة، لأن النص لم يقع بحضرة جماعة الأمة، وإن كان واقعا بحضرة من تقوم الحجة به من جماعتهم.

وليس له أن يقول: إن النص يخالف أحكام العبادات، لأن فرضه عام لكل مكلف وفروض العبادات يدخلها الاختصاص، لأنها بأسرها تسقط في كثير من الأحوال وعند ضروب من الأعذار، وإنما ألزمناكم عموم العلم بالنص وارتفاع الشبهة عنه، وحصوله على حد الضرورة لعموم فرضه، فمعارضتكم بما ذكرتموه من أحكام العبادات غير لازمة، لأن خصوص ما ذكر من العبادات وسقوطه في بعض الأحوال بالعذر غير مدفوع، إلا أنه عام من وجه آخر لأن للصلاة والطهارة من العموم ما ليس للزكاة والحج والجهاد، فليس فيها إلا ما يدخله العموم والخصوص بحسب الإضافات، والعلم بالنص قد يدخله الخصوص على وجه من الوجوه، لأنه قد يسقط مع فقد العقل أو نقصانه عن الحد الذي يتوصل به إلى معرفته، ولو لم يدخله الخصوص جملة وخالف سائر العبادات الشرعية لكان كلامنا متوجها أيضا لأنه كان يجب أن يعم العلم بحدود الصلاة والطهارة وما أشبههما، من العبادات وكيفيتها جميع من عمه فرضها، ولزمه العمل بها حتى يشترك جميع من وجبت عليه الطهارة والصلاة في العلم بما وقع من بيان الرسول صلى الله عليه وآله فيهما وصفة فعله لهما كما اشتركوا في العلم على الجملة بوجوبهما، وقد علمنا خلاف هذا على أن العلم بوجوب الطهارة والصلاة قد عم من لزمته هذه العبادات ومن لم تلزمه لأن من سقط عنه فرض الطهارة أو فرض الصلاة

الصفحة 88
لضرب من العذر (1) لأنه يعلم وجوب هاتين العبادتين عليه من دين الرسول صلى الله عليه وآله على حد علمه بسائر الأمور الظاهرة، ولم يخرجه سقوط فرضهما عنه عن عموم علمهما له وهذا يوجب أن عموم العلم غير تابع لعموم الفرض ويبطل اعتبار من اعتبر في هذا الباب عموم الفرض وفرق بين النص وبين العبادات بذلك، ويحقق معارضتنا لأنا نقول حينئذ: إذا كان العلم بعموم فرض الطهارة والصلاة وما أشبههما عاما لكل من لزمه فعلهما ومن لم يلزمه فالأعم العلم بصفات هذه العبادات أيضا وأحكامها من لزمته ومن لم تلزمه فإن قيل إنما عم العلم بوجوب هذه العبادات التي ذكرتموها لمن سقط عنه فعلها بالعذر، ومن لم يسقط عنه من جهة أنه من سقط عنه فرض العمل بها لم يسقط عنه فرض العلم، وعذره في الاخلال بالعمل لا يكون عذرا في الاخلال بالعلم، قلنا: قد لحق إذا العلم بهذه العبادات وأحكامها في العموم بالنص على الإمام، وبطل فرقهم بين العلم بها وبين العلم بالإمام بالخصوص والعموم، ونحن لم نعارض إلا بوجوب العلم لا بوجوب العمل. فإذا وقع الاعتراف بأن العلم بالعبادات عام وإن سقط العمل بها في بعض الأحوال صح حمل النص عليها.

فإن قيل: نراكم تذكرون فيما يمنع من وقوع العلم بالنص على حد وقوعه بالأمور الظاهرة التي ألزمناكم وجوب مساواته لها لو كان حقا، أسبابا مبنية على مذهبكم في النص كقولكم: إن النص عدل عنه الجمهور، ولقي راويه بالتكذيب ورمي بالتضليل، وانعقدت الرئاسات على بطلانه إلى سائر ما قدمتموه في صدر كلامكم، وهذا غير مسلم لكم

____________

(1) كسقوط الطهارة بالماء لفاقده وقعود الحائض والنفساء في أيامهما عن الصلاة والصيام.

الصفحة 89
لأنه كالتابع لصحة النص فكيف يصح أن يجعلوه عذرا في ارتفاع العلم به.

قلنا: قد غلطت علينا غلطا ظاهرا لأنا لم نذكر في جملة جوابنا من الأسباب المانعة من حصول العلم بالنص، وزوال الريب فيه إلا ما هو معلوم ومسلم، وإنما الخلاف في كونه سببا مانعا من العلم بالنص ومخلا بوقوع العلم به على الحد المذكور، أو في وقوعه على جهة الصواب والوجوب لأنه لا خلاف في أن العمل بعد الرسول صلى الله عليه وآله وقع من أكثر الأمة بخلاف النص والرئاسة المنعقدة لمن انعقدت له في تلك الحال كانت مبنية على رد النص وإبطاله، وأن من ادعاه وأظهر التدين به في مستقبل الأحوال عند التمكن من إظهاره كان مكذبا مهجنا (1) يصدقه واحد ويكذبه ألف، وأنه لم يتفق منذ وقع النص إلى زماننا هذا وقت واحد سلمته الأمة فيه، أو أمسكت عن تكذيب راويه، أو كان المسلم أو الممسك أكثر من المكذب المنازع، ونحن نعلم أنه لم يتفق فيما عورضنا به من العلم بالنص على الكعبة، وما جرى مجراها بشئ مما ذكرناه، بل الحاصل فيه عكس هذه الأمور وأضدادها من التسليم والاجماع والتصديق ووقوع العمل في الأصول والفروع، وليس يمكن أحدا أن يدفع شيئا مما عددناه أو يشير إلى خلاف فيه، لأن وقوع العمل بخلاف النص لا ينكره أحد من مخالفي الشيعة ولا أحد ممن اختلط بأهل الأخبار من الخارجين عن الملة، ومخالفو الشيعة يزيدون في ذلك عليهم ويقولون: إن العمل بخلاف النص وقع من جميع الأمة وأنهم ما فعلوا من العمل بخلافه إلا الواجب الذي لهم أن يفعلوه، وهذا زيادة على قول الشيعة: إن الأكثر

____________

(1) تهجين الأمر تقبيحه.

الصفحة 90
عمل بخلافه، وإنما اقتصرت الشيعة على ذكر الأكثر لما صح عندها من اعتقاد جماعة من القوم صحة النص والعمل عليه باطنا، والمخالف للشيعة أيضا يعترف بأن من ادعى النص وأظهر القول به في جميع الأزمان كان مكذبا مرميا بالبدعة، وخلاف الجماعة، وإن كان يقول: إن التهجين له والتكذيب واقع موقعه، فكأنه لا خلاف في حصول ما ذكرناه، وإنما يرجع الخلاف إلى وقوعه صوابا وواجبا، أو على جهة الخطأ والقبيح، وليس لهم أن يقولوا إن الذي قررتموه (1) من عمل الأمة بخلاف النص وإظهارهم ما يقتضي إبطاله دال على عدم النص، لأنه لو كان حقا لما جاز أن تعمل الأمة بخلافه لأن هذا عدول عن السؤال الذي أجبنا عنه، وإنما وقع الجواب عن قولهم: لو كان النص حقا لساوى العلم به العلم بالنص على الكعبة وما أشبهها، وإذ قد بينا الفرق بين الأمرين، وما يمنع من تساوي العلمين لم يكن لهم أن يعدلوا إلى سؤال آخر لم يتضمن ما سألوا عنه ولا معناه وسيأتي الجواب عن هذه الشبهة وما ماثلها فيما بعد عند النقض على صاحب الكتاب بعون الله تعالى.

ثم يقال للقوم: ما بال العلم بأن النبي صلى الله عليه وآله لم ينص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة وكذب من ادعى ذلك غير حاصل على حد حصول العلم بأنه لم ينص بالإمامة على أبي هريرة أو المغيرة بن شعبة، وإن لم ينص على قبلة تخالف جهة الكعبة، وصوم شهر آخر غير شهر رمضان، وما بال العلم بنفي النص الذي ادعته الشيعة لم يعم جميع من عمه العلم بنفي الأمور التي عددناها، وعندكم أن انتفاء النص عن الجميع بمنزلة واحدة، وإذا جاز أن ينتفي النص عن أمرين فيعلم انتفاءه

____________

(1) قدرتموه، خ ل.

الصفحة 91
عن أحدهما قوم دون قوم وعلى حد دون حد، ولا يعلم العلم بانتفائه جميع من عمه العلم بانتفاء الآخر جاز أيضا أن يقع النص على أمرين فيعم العلم بأحدهما ولا يعم العلم بالآخر ويقع العلم بأحدهما على وجه لا يقع العلم بالآخر عليه، وإذا جعلتم كون العلم بالنص على أمير المؤمنين عليه السلام مخالفا للعلم بما ذكرتموه من النصوص دليلا على بطلانه، وقلتم:

لو كان حقا لساوى العلم به سائر ما وقع النص عليه فانفصلوا ممن جعل كون ما يدعى من العلم بانتفاء النص مخالفا للعلم بانتفاء ما ذكرناه من النصوص التي علمنا انتفاءها كالنص على أبي هريرة وعلى خلاف الكعبة دليلا على صحة النص وقال: لو كان باطلا تساوى العلم ببطلان سائر ما انتفى النص عنه.

فإن قالوا: ليس يجب وإن كان النص الذي تدعيه الشيعة منتفيا أن يعلم انتفاءه كل من علم انتفاء غيره على حد واحد لأن هذا غير واجب فيما لم يكن، وإن كان واجبا فيما كان، ووقع من النصوص.

قلنا لهم: انفصلوا ممن عكس القضية وقال: ليس يجب إذا كان النص الذي يدعيه الشيعة حقا أن يعلمه كل من علم النص على غيره من الأمور الظاهرة على حد واحد لأن هذا لا يجب في كل ما كان، وإن كان واجبا فيما لم يكن.

فإن قالوا: فنحن نقول إن العلم بانتفاء النص الذي تدعونه كالعلم بانتفاء النص على أبي هريرة بالإمامة وسائر ما عددتموه وحال من ادعى أحدهما كحال من ادعى الآخر.

قيل لهم: إذا بلغتم إلى هذا الحد بلغنا معكم إلى مثله، وقلنا لكم: إن العلم بثبوت النص الذي نذهب إليه في حصول اليقين به،