الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

على ما ذكره إلا أن الأمر بخلافه، لأنا قد بينا فيما تقدم أن الإمام حجة في الشرع وأدائه، وأنه يستفاد من جهته، وأن الحال ربما انتهت إلى أن يكون الشرع لا يعلم إلا من جهته، بأن يعرض الناقلون عن نقله، فكيف يحتاج الإمام في تعلم العلم واستفادته على هذا إلى من يحتاج إليه في ذلك بعينه، ولا شبهة في ارتفاع التناقض عن حاجته إلى الشهود مع حاجتهم إليه لاختلاف وجه الحاجة وقد بينا أن الأمر فيما نتكمل عليه بخلاد ذلك.

فأما الموضع الآخر فليس يجوز أن تكون الحاجة إلى أمر من الأمور واجبة وذلك الأمر جائز حصوله وارتفاعه مع القول بأن المحتاج إليه مزاح العلة، لأن وجوب حاجته يقتضي وجوب وجود ما يحتاج إليه حتى يكون مزاح العلة، وهذه الجملة تقتضي أن تكون الأمة إذا وجب عملها بالشرائع إلى أن تقوم الساعة، ووجب بوجوب ذلك علمها بالشرائع يرجع في العلم إلى من يجب حصوله له، ولا يجوز عدمه من جهته، لأن ذلك يؤدي إلى انتفاء إزاحة العلة في التكليف، وقد اعترف صاحب الكتاب بمعنى ما ذكرناه بقوله عقيب هذا الكلام. " ولذلك نقول: إن جملة العلوم يجب أن تكون محفوظة في الأمة وإن تفرقت في العلماء لكي يصح أن يظفر بها من يطلبها من أهل العلم. فأما وجوب حصول ذلك في الواحد فغير واجب لأنه لا فرق بين أن يوجد مفترقا في صحة التوصل إليه أو مجتمعا عند واحد " وهذا تصريح منه كما ترى لوجوب حصول العلم وإمكان الوصول إليه لتكون العلة مزاحة وما استأنفه من ذلك كالناقض لما قدمه، لأنه أراد أن يبين أن حصول المحتاج إليه ليس يجب من حيث تعلقت الحاجة به، وشبهه بالرزق وهو الآن قد اعترف بوجوب وجوده وحصوله، إلا أنه قال: ليس يجب أن يحصل عند واحد بعينه بلا فرق في إزاحة العلة بين وجوده مفترقا ومجتمعا، والأمر في ذلك على ما قال لأن

الصفحة 172
إزاحة العلة لا تقتضي وجود العلم في جهة واحدة بعينه، غير أن الدليل إذا دل على أن من عدا الإمام لا يجب عصمته، ولا يؤمن الخطأ عليه لم يجز أن تتعلق الحاجة في إصابة العلم المحتاج إليه به، ووجوب تعلقها بالمعصوم الذي يؤمن من تغييره وتبديله، ويوثق بوجود العلم في كل حال عنده، وإذا لم يكن من هذه صفته إلا واحدا وجب بهذا الترتيب المرجع في علوم الشريعة إلى واحد.


الصفحة 173

 

فصل
في اعتراض كلامه في الأفضل
(1)


إعلم أنه قد بني هذا الفصل على أن العقل لا يدل على كون الإمام أفضل، وعلى أن هذه الصفة غير واجبة لمن كان إماما، وأن المرجع في أنها مراعاة وغير مراعاة إلى الشرع وأدلته، وهذا بناء منه على فساد وتفريع على خطأ، لأنا قد بينا فيما سلف من هذا الكتاب أن العقل دال على أن الإمام لا يكون إلا الأفضل وأن الشرع لا مدخل له في هذا الباب، وقد كان من حقنا أن نتجاوز هذا الفصل من كلامه لكنا نتكلم على نكت منه، ففي الكلام عليها ضرب من الفائدة.

أما استدلاله على أن الفضل في غالب الظن، وفي الظاهر غير معتبر في الإمام بقول عمر لأبي عبيدة: امدد يدك أبايعك، مع ظهور فضل أبي بكر على أبي عبيدة، وتأويله قول أبي عبيدة في جوابه: ما لك في الاسلام فهة (2) غيرها، على أنه لم يرد بذلك الخطأ في الدين، بل أراد الزلل في الرأي والتدبير، واستدلاله على صحة تأويله بأن أبا عبيدة كان يجوز الخطأ في الدين على عمر بعد الاسلام، فلا يجوز أن يريد بهذا النفي

____________

(1) لخص المرتضى ما قاله قاضي القضاة في هذا الفصل وهي في " المغني " من ص 215 إلى 234.

(2) الفهة: السقطة والجهلة ونحوها.


الصفحة 174
الخطأ في الدين على عمر، وبأن هذا الانكار لو كان لأجل فضل أبي بكر لكان عمر أعرف بذلك من أبي عبيدة، فكيف يخفى عليه منه ما يظهر لأبي عبيدة؟ قال: (إنما أراد أبو عبيدة ما لأبي بكر من المزية في سكون الناس (1) إليه، أو مزيته في الأخبار (2) المأثورة فيه نحو قوله: (إن وليتم أبا بكر)، وقوله (اقتدوا باللذين من بعدي) فباطل لا شبهة في تهافته، لأنه ليس يكون في الانكار ما هو أبلغ من قول أبي عبيده لعمر ما قاله له، وحمل ذلك على الخطأ في الرأي دون الدين باطل، لأن إضافة الفهة إلى الاسلام تدل على أنها خطأ في الدين دون التدبير، ولأن إطلاق لفظ الخطأ في عرف الشرع لا يحمل إلا على الدين، وإنما يعدل به إلى التدبير في بعض المواضع لدلالة.

فأما تصحيحه لتأويله بأن أبا عبيدة كان يجوز الخطأ على عمر بعد الاسلام، فطريف لأنه وإن كان يجوز ذلك عليه فليس يمتنع أن يكون أبو عبيدة لم يظهر له من عمر خطأ بعد الاسلام إلا ما دعاه إليه من المبايعة، وإن كان لا يجوز الخطأ عليه فليس في تجويز الشئ دلالة على وقوعه وظوره.

وقوله - " إن عمر كان أعلم بفضل أبي بكر من أبي عبيدة، فكذلك عمر كان أعلم بمزية أبي بكر في سكون الناس إليه والأخبار المأثورة فيه من أبي عبيدة " فكيف جاز أن يقول ما قاله فليس له في هذا الباب إلا مثل ما عليه، لأنه إن جاز له أن يدعي أن مزية أبي بكر فيما بينه من السكون وغيره وخفيت على عمر جاز لخصمه أن يدعي أن مزيته في الفضل خفيت على عمر، وإن قال: إن ذلك لم يخف عليه، وإنما عرض البيعة على أبي

____________

(1) في النفوس، خ ل.

(2) غ " أو ما له مزية في الأخبار ".


الصفحة 175
عبيدة لوجه من الوجوه، قيل له: فأجز أن يكون عالما بالفضل والمزية معا، وإنما عرض البيعة للوجه الذي نذكره.

فأما ارتضاؤه في علة تقديم أبي بكر للإمامة مبادرة إطفاء الفتنة المتخوفة عقيب موت الرسول صلى الله عليه وآله لما كان من الأنصار، وأن تأخير العقد في تلك الحال كان يؤدي إلى أمور يبعد تلافيها فلهذا قدموا المفضول على الفاضل، فأول ما يقال له في ذلك: لسنا نرضى منك بادعاء فتنة لم تظهر أسبابها، ولم تقو إمارتها، ولم تلح دلالتها، حتى يجعل ذلك ذريعة إلى دفع الفاضل عن مقامه، فأشر إلى هذه الفتنة التي ادعيتها، وزعمت أنها كانت متخوفة، فإن أشاروا إلى ما كان من الأنصار من حضور السقيفة، وجذب الأمر إلى جهتهم، فهذا لم يكن من الأنصار ابتداء حتى يحمل على تقديم المفضول على الفاضل، والمعروف في الرواية أن النفر من المهاجرين ابتدؤا بحضور السقيفة فبلغ الأنصار أن المهاجرين قد اجتمعوا للخوض في باب الإمامة فصاروا إلى السقيفة وجرى بينهم ما جرى، على أن الأنصار لم يكونوا عندكم ممن يرتكب العناد، ويحمله اللجاج على خلاف الرسول صلى الله عليه وآله ولم يحضروا السقيفة للمغالبة والمجاذبة، وإنما حضروا للتدبير والمشاورة، ولهذا يقولون إنهم رجعوا عند رواية الخبر المتضمن لإخراجهم من نصاب الإمامة، وسلموا وانقادوا وأذعنوا ولم يبق منهم من هو مقيم على الخلاف إلا واحد يدعي قوم استمراره على الخلاف، وتنفون أنتم ذلك عنه، فأي فتنة تتخوف ممن هذه حاله في الإمامة، وطلب السلامة، والانقياد للحق.

فأما ما لا يزال يقول مخالفونا في هذا الموضع من أن العقد إنما بودر إليه خوفا من فتنة المنافقين الذين كانوا في خلال المؤمنين، يتربصون بهم الدوائر، فإن موت رسول الله صلى الله عليه وآله قوي في نفوسهم وشد من

____________

(1) المراد به سعد بن عبادة.


الصفحة 176
أطماعهم، فلم يكن يؤمن من جهتهم لو لم يبادروا بالعقد من الفتنة ما لا يتلافى، فأوضح فسادا مما تقدم، لأنه دعوى لا شاهد عليها واخبار على الحال بما لم يظهر له دلالة، ولا إمارة لأنه لم يكن في تلك الحال في المدينة من المنافقين من يعبأ به، ويعتد بمكانه، وإنما كان هناك النفسان والثلاثة ممن قد قمعه عز الاسلام، وطأطأ رأسه، وفل حده، وجعله مغمورا مقهورا لا ملجأ له يأوي إليه، ولا فئة يستنصر بها وقبض الرسول صلى الله عليه وآله والاسلام ممتد الاطناب، مستبد (1) الأصحاب كثير العدد، قوي العدد، ولم يكن للنفاق ولأهله صولة ولا للباطل ولا لأهله دولة، فأي فتنة تتخوفها الألوف الكثيرة من ذوي البأس والغلبة، والتمكن في الاسلام من نفر يسير حقير لا بطش لهم ولا منة؟ وهذا قول يرغب بأهل العلم والعقل عن الاعتماد عليه، والاعتلال في هذا الأمر الجليل بمثله.

ثم يقال لصاحب الكتاب: إذا جاز أن يحمل خوف الفتنة على تأخير المقدم وتقديم المؤخر في باب الفضل فألا جاز أن يحمل خوف الفتنة على العقد للفاسق؟ أو لمن لا علم له جملة ولا فضل، أو لمن هو في أدنى طبقات العلم والفضل، فلا يكون أفضل، ولا كالأفضل.

فإن قال: لأن كونه أفضل ليس من الشرائط الواجبة التي لا بد منها، وإنما هو كالترجيح، وكونه عدلا من الشروط الواجبة كذلك كونه ذا حظ من العلم.

قيل له: هذا اقتراح لا فرق بينك وبين من عكسه، وقال: إن الفضل هو الذي لا بد منه، وإن العدالة هي التي تجري مجرى الترجيح.

____________

(1) لعلها " مسند " أي مستقيم أو " مشتد " بمعنى قوي، وإن ل " مستبد " وجه بمعنى متباعد ويريد به الكثرة والسعة ولكنه بعيد.


الصفحة 177
وبعد، فاجز على موجب هذا الفرق أن يعقد في حال الضرورة لمن هو خال من العلم جملة، وإن كان عدلا.

فإن قال: فكأنكم بطعنكم على الوجه الذي اخترناه في علة تقديم أبي بكر مصوبون لمن اعتل في تقديمه بأنه كان أفضلهم من حيث لم يكن بأعزهم عشيرة، ولا بأكثرهم مالا.

قلنا: أليس يجب من حيث طعنا على بعض العلل أن نكون مصوبين لغيرها، وكل ما حكيته من التعليل فاسد عندنا، لأنه مبني على أن الاختيار كان صوابا صحيحا، وإنما الخلاف في علة تقديم المفضول على الفاضل ونحن إن لا نقول بصحة ذلك الاختيار وصوابه فنحتاج إلى ذكر علته وعندنا أنه كان فاسدا وإنما حمل قوما عليه الحمية والعصبية، وانقاد آخرون للشبهة، وأمسك الباقون للتقية، فلا معنى للكلام في طلب العلل، وهذا المعنى قد مضى فيه كلام كثير وسيأتي فيه كلام آخر عند الحاجة إليه بعون الله تعالى.

ثم ذكر صاحب الكتاب الخلال التي تقدم المفضول على الفاضل لأجلها في كلام طويل جملته أنه عد من جملة ذلك أن تكون بعض الشرائط التي يحتاج إليها في الإمامة مفقودة في الفاضل، موجودة عند المفضول، كالعلم والمعرفة بالسياسة، أو يكون الفاضل عبدا أو ضريرا أو زمنا أو شديد الجبن والجزع، أو يكون الأفضل من غير قريش، أو يكون المفضول مشتهر الفضل عند العامة والخاصة، والأفضل خفي الفضل، أو يعرف من انقياد الناس للمفضول، وسكونهم إليه، واستنامتهم (1) إلى ولايته ما لا يعرف في الفاضل، أو يكون المفضول في البلد الذي مات فيه

____________

(1) استنام إلى الشئ سكن واطمأن.


الصفحة 178
الإمام، فيخاف من تأخير العقد وإرجائه إلى أن يحضر الفاضل البعيد الدار من فتنة، واضطراب، أو يكون في الفاضل صوارف ليست مثلها في المفضول كالعجلة والحدة، والبخل الشديد، وما أشبه ذلك (1).

يقال له: إن من كان ناقص العلم والسياسة أو مفقود الشجاعة، أو معروفا بالحدة والعجلة، والبخل الشديد، فليس الأفضل بالإطلاق، وإنما أوجبنا الإمامة لمن كان أفضل في كل الخلال المراعاة في باب الإمامة، فمن كان أفضل في شئ ومفضولا في غيره لم يكن الأفضل بالإطلاق.

فإذا قال لنا قائل: أفرأيتم لو اتفق أن يكون الأفضل في العبادة والثواب ناقصا في العلم والسياسة، ويكون الأفضل في السياسة والعلم مفضولا في الثواب والعبادة، من الذي ينصب إماما منهما.

قلنا: متى لم يكن الأفضل في سائر الخلال واحدا، وانقسم الفضل القسمة التي ذكرها السائل، وجب أن ينصب الفاضل في العبادة، والناقص في السياسة، إماما لمن كان دونه في كل ذلك، وينصب الفاضل في السياسة المفضول في الثواب والعبادة إماما لمن كان أيضا دونه في كل ذلك، ولا يقدم المفضول على الفاضل فيما كان أفضل منه فيه، وليس ينكر ما ذكرناه لأن اختصاص ولاية الإمام بفريق دون فريق من طريق العقل جائز، ولا يمتنع أيضا لو اتفق ما ذكروه أن يجعل الفاضل في العبادة إماما للمفضول فيها، والفاضل في السياسة إماما للمفضول، وهذا أيضا غير منكر.

فأما ظهور الفضل عند العامة والخاصة، فليس بعلة توجب تقديم

____________

(1) انظر المغني 20 ق 1 / 230 علما بأن ما في المتن تلخيص لما هناك.


الصفحة 179
المفضول على الفاضل، لأن ذلك لو جاز أن يكون علة لجاز أن يقدم من كان قليل العلم نزر المعرفة (1) بالأحكام، إلا أن حاله منتشرة عند العامة على الأفضل في العلم المبرز في العلم بالأحكام، فلما كان لا اعتبار بما عند العامة، وما يظهر لهم في باب العلم لم يكن أيضا بما عندهم اعتبار في باب الفضل، وهذا إنما يصح أن يراعيه ويجعله علة من يذهب إلى أن نصب الإمام باختيار الأمة، فتعتبر في صفاته ما يظهر لها، فأما على المذهب الصحيح الذي دللنا فيما تقدم عليه من أن الإمامة لا تكون إلا بنص الله تعالى فلا يجب اعتبار ذلك.

فأما الاستنامة والسكون والانقياد للمفضول، والانحراف عن الفاضل، والنفور عن ولايته فليس يجوز أن يكون علة في تقديم المفضول وتأخير الفاضل لأن الاستنامة والسكون إذا كانا إلى من لم تتكامل صفاته، أو من كان غيره أحق منه وأولى بالتقديم لم يكن بهما اعتبار، ألا ترى إن الناس لو سكنوا إلى الفاسق، ومن لا علم عنده بشئ من الأحكام، ونفروا عن العدل العالم بالأحكام لم يكن ذلك علة في تقديم الفاسق الجاهل، وتأخير العدل العالم، على أن صاحب الكتاب كأنه ناقض لهذا الموضع بقوله بعد هذا الفصل: " ولذلك قال شيخنا أبو علي: إن نفور الناس عن أمير المؤمنين عليه السلام لما كان منه من قتل الأقارب " لا يعد علة بها يقدم الغير عليه، لأن ذلك من عظيم مناقبه في الدين، وأقوى ما يدل على شدته في ذات الله تعالى.

قال: " وعلى هذا الوجه حمل ما ذكر من فظاظة عمر وحدته لأن ذلك كان في ذات الله تعالى وفي دينه، فما حل هذا المحل لا يجوز تقديم

____________

(1) نزر المعرفة: قليلها.


الصفحة 180
المفضول على الفاضل (1)) وهذا كما ترى كلام من لا يراعي أسباب النفار والسكون، ويعتبر بما كان له سبب مؤثر في حال من يختار للإمامة ولا يعتبر ما لم يكن مؤثرا في حاله بل كان ما أوجب النفار عنه رافعا لمنزلته، ومقدما لرتبته.

فأما كون المفضول في البلد الذي مات فيه الإمام وبعد دار الفاضل، وخوف الفتنة من تأخير العقد، فإنما يصح له أيضا أن يكون سببا عند من جعل الإمامة بالاختيار، وذلك فاسد، على أنه يوجب أن يعقد للفاسق، والخالي من كل علوم الدين إذا كان في البلد الذي توفي فيه الإمام وخيفت الفتنة من تأخير العقد، وهذا مما لا فضل فيه.

ثم قال صاحب الكتاب: " فإن قيل: إن كان الأفضل أولى بالإمامة فيجب بعد العقد للإمام الذي هو الأفضل إذا صار غيره أفضل منه أن يعقد له وينقض عقد الأول " ثم قال: " قيل له: لا يمتنع في هذا الشرط أن يعتبر في الأول على بعض الوجوه، ولا يعتبر بعد ذلك لأن كثيرا من الأحكام قد تعرض ولا يمنع من صحة العقد، وإن كان في الابتداء يمنع منه كالعلة (2) التي تطرأ على النكاح فلا تمنع من صحته، وإن منعت في الابتداء إلى غير ذلك فهو موقوف على الدلالة، وقد ثبت بالدليل أن عقد الإمام لا ينقض بذلك، وهو الإجماع، على أن شيخنا أبا علي قد ذكر فيما أظن أن الإمام إذا كف بصره لا يفسخ إمامته وإنما ينوب عنه غيره وهو على جملة الإمامة فلم ينقض عقد الإمامة لهذه الخلة، وهو في باب المنع أقوى من كون المفضول مفضولا... " (3).

____________

(1) غ " تقديم المفضول عليه ".

(2) غ " كالعدة ".

(3) المغني 20 ق 1 / 231.


الصفحة 181
يقال له: السؤال لازم، ولم يجب عنه بشئ مقنع، والذي يؤكده أن كل شئ جعل مانعا من العقد للإمام ابتداء، فهو متى عرض بعد العقد صار سببا للفسخ وتغيرت الإمامة (1)، ألا ترى أن العدالة لما أن كانت مطلوبة، وكان الفسق مانعا من العقد ابتداء فكذلك لو ظهر الفسق بعد العقد، وتغيرت العدالة كان ذلك يوجب الفسخ، وكذلك العلم المخصوص لما كان فقده مانعا من ابتداء العقد منع أيضا لو قدرنا أن الخروج عن العلم يعرض في المستقبل، إما بنسيان أو غيره وسائر الشروط المراعاة ابتداء هي مراعاة مع الاستمرار، فكيف خرج الفضل في هذه القضية عن سائر الصفات؟ والذي ذكره من العلة في النكاح لا ينفعه شيئا، لأنا لم نقل كل أمر منع في كل عقد ابتداء منع عارضا، وإنما خصصنا بذلك الإمامة دون غيرها.

وأما ادعاؤه الإجماع على أن عقد الإمامة لا ينقض بذلك، فباطل لأنا خارجون عن هذا الإجماع، وعندنا أن الإمامة لو كانت بالاختيار، وكان الفضل فيها مراعى ابتداء لوجب أن يكون مراعى في المستقبل، ويجب أن تنقض إمامة من صار مفضولا كما يمنع من العقد للمفضول.

فأما ما حكاه عن أبي علي في الإمام إذا كف بصره، فإن كان أبو علي ممن يقول: إن كف البصر مانع من العقد في الابتداء فيجب أن ينقض به متى عرض في الإمام، وهو مناقض متى لم يلتزم ذلك، والحجة ما اعتبرناه في أن المانع من العقد ابتداء يمنع منه ثانيا، وإن لم يكن يقول ذلك فلا معنى للاحتجاج بقوله.

ثم قال صاحب الكتاب: " فإن قيل: لو قطع بالنص على فضل الواحد أكان يجوز العدول عنه إلى غيره؟ قيل له: قد يجوز ذلك لأن الذي

____________

(1) خ " ونقض الإمامة ".


الصفحة 182
يعتبر في هذا الباب هو الفضل في الظاهر دون الباطن فإذا قوي الظن بالإمارات أن غيره مثله أو أفضل منه، لم يمتنع أن يقدم عليه وذلك بمنزله أن يسمع من الرسول صلى الله عليه وآله وصفه الرجل أنه قرشي (3) فلا يجب أن لا يقدم غيره عليه، وإن لم يثبت النسب قطعا، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون من لا يقطع على فضله أفضل منه، وإنما كان يجب ما سأل عنه لو كان الفضل المطلوب هو المتيقن،... " (2).

يقال له: لا شبهة في أن الفضل المقطوع عليه أولى أن يقدم صاحبه من الفضل المظنون، وإنما يعتبر الفضل في الظاهر دون الباطن من يعتبره في هذا الباب من حيث لم يكن له إلى الباطن سبيل، ولا عليه دليل لأن الظن إنما يكون له حكم، ويقوم مقام العلم عند تعذر العلم فأما مع حصول العلم فلا حكم للظن، ولهذا لو علمنا بخبر الرسول صلى الله عليه وآله عدالة بعض الشهود لكانت شهادته أولى من شهادة من يظن عدالته ولا يقطع عليها، وما أظن أحدا يسوي في هذا الباب بين شهادة المقطوع على عدالته، والمظنونة عدالته، ولا يجعل الرجحان والمزية في جهة العلم.

فأما الذي جعله أصلا من وصف الرسول صلى الله عليه وآله لرجل بأنه قرشي فلا يمتنع أن يقدم غيره ممن يظن أنه قرشي، والخلاف في الأمرين واحد والحجة على فساد قوله في الأصل والفرع جميعا ما ذكرناه.

____________

(1) غ " أن كل قرشي ".

(2) المغني 20 ق 1 / 231.


الصفحة 183

 

فصل
في اعتراض كلامه في " أن الأئمة من قريش "
(1)


إعلم أن المذهب في هذا الباب وإن كان واحدا لأنا نوافقه على أن الإمامة لا تصلح في غير قريش، فلنا أن نتكلم فيه من حيث اختلفنا في الدلالة، والطرق الموصلة إلى هذا المذهب، وإنما ذكرنا هذه المقدمة لئلا يظن ظان أن الخلاف منا واقع في المذهب.

قال صاحب الكتاب: " قد استدل شيوخنا على ذلك بما روي عنه صلى الله عليه وآله (إن الأئمة من قريش) وروى عنه أنه قال: (إن هذا الأمر لا يصلح إلا في هذا الحي من قريش) وقووا ذلك بما كان يوم السقيفة من كون ذلك سببا لصرف الأنصار عما كانوا عزموا عليه، لأنهم عند هذه الرواية انصرفوا عن ذلك، وتركوا الخوض فيه، وقووا ذلك بأن أحدا لم ينكره في تلك الحال، وأن أبا بكر استشهد في ذلك الحاضرين فشهدوا به [ على النبي صلى الله عليه ] (2) حتى صار خارجا عن باب خبر الواحد إلى الاستفاضة (3) وقووا ذلك بأن ما جرى (4) هذا المجرى إذا ذكر

____________

(1) انظر " المغني 20 ق 1 / 234.

(2) الزيادة من " المغني ".

(3) غ " إلى الكثرة ".

(4) غ " من جرى ".


الصفحة 184
في ملأ من الناس وادعى عليهم المعرفة، فتركهم النكير يدل على صحة الخبر المذكور ".

يقال له: ليس يصح احتجاجك بهذه الطريقة التي سلكتها إلا بعد أن تبين أشياء منها أن أبا بكر ذكر يوم السقيفة ما حكيته، واحتج به، وأن ذلك وارد من جهة توجب العلم، ومنها أنه لما احتج بذلك سلمت الأمة له احتجاجه، وصدقته عليه، ورضيت به، ومنها أن اللفظ موجب لنفي الإمامة عمن ليس بقرشي وأنها لا تجوز إلا في قرشي، وما رأينا صاحب الكتاب بين شيئا مما ذكرناه، وإنما عول على جملة الدعوى، ونحن نبين أن شيئا من ذلك لم يثبت.

أما احتجاج أبي بكر على الأنصار بالخبر المتضمن (إن الأئمة من قريش) فأكثر من روى الخبر، ونقل السير نقل خبر السقيفة وما جرى فيها لم يذكره بلفظ ولا معنى بل ذكر من احتجاج أبي بكر وغيره على الأنصار وجوها وطرقا ليس من جملتها هذا الخبر المدعى، وقد روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في كتابه التاريخ قصة السقيفة وما جرى فيها من الاحتجاج (1) ونحن نذكر ما حكاه على طوله ليعلم خلوه من ذلك، قال روي (2) عن هشام بن محمد عن أبي مخنف عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري (3) أن النبي صلى الله عليه وآله لما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: نولي هذا الأمر من بعد محمد صلى الله عليه وآله سعد بن عبادة وأخرجوه إليهم وهو

____________

(1) انظر تاريخ الطبري 3 / 218 - 223 حوادث سنة 11.

(2) في الطبري " حدثنا هشام ".

(3) هو عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري الأشهلي قال ابن الأثير في أسد الغابة 3 / 200: " له صحبة ".


الصفحة 185
مريض، قال فلما اجتمعوا قال لابنه أو لبعض بني عمه: إني لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كلامي ولكن تلق مني قولي فاسمعوه، فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرفع به صوته فيسمع أصحابه، فقال:

بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه " يا معشر الأنصار إن لكم سابقة في الدين، وفضيلة في الاسلام، ليست لقبيلة من العرب، إن محمدا صلى الله عليه وسلم لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن، وخلع الأنداد فما آمن به من قومه إلا رجال قليل، والله ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا رسوله، ولا أن يعزوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيما عموا به، حتى إذا أراد الله بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة، وخصكم بالنعمة، فرزقكم الإيمان به وبرسوله، والمنع له ولأصحابه، والإعزاز له ولدينه، والجهاد لأعدائه، وكنتم أشد الناس على عدوه منكم، وأثقله على عدوه من غيركم، حتى استقامت العرب لأمر الله طوعا وكرها، وأعطى البعيد المقادة صاغرا واخرا وحتى أثخن الله لرسوله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب، وتوفاه الله إليه وهو عنكم راض، وبكم قرير العين، استبدوا بهذا الأمر دون الناس، فإنه لكم دون الناس " فأجابوه بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول، ولن نعدو ما رأيت نوليك هذا الأمر فإنك فينا مقنع، ولصالح المؤمنين رضا، ثم إنهم ترادوا الكلام، فقالوا: فإن أتت مهاجرة قريش، فقالوا: نحن المهاجرون وصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأولون، ونحن عشيرته وأولياؤه، فعلام تنازعوا الأمر من بعده، فقالت طائفة منهم: فإنا نقول إذا فمنا أمير ومنكم أمير، ولن نرضى بدون هذا أبدا، فقال سعد بن عبادة حين سمعها: هذا أول الوهن، وأتى عمر الخبر فأقبل إلى منزل النبي صلى الله عليه وآله فأرسل إلى أبي بكر، وأبو بكر في الدار وعلي بن أبي طالب عليه السلام دائب في جهاز النبي

الصفحة 186
صلى الله عليه وآله فأرسل إلى أبي بكر أن اخرج إلي، فأرسل إليه إني مشتغل، فأرسل إنه قد حدث الأمر لا بد لك من حضوره فخرج إليه، فقال أما علمت أن الأنصار قد اجتمعت في سقيفة بني ساعدة يريدون أن يولوا هذا الأمر سعد بن عبادة، وأحسنهم مقالة من يقول: منا أمير ومن قريش أمير، فمضيا مسرعين نحوهم، فلقيا أبا عبيدة فتماسوا إليه فلقيهم عاصم بن عدي (1) وعويم بن ساعدة (2) وقالا لهم: ارجعوا فإنه لن يكون إلا ما تحبون، فقالوا: لا نفعل فجاؤوهم وهم مجتمعون، فقال عمر بن الخطاب: أتيناهم وقد كنت زورت في نفسي كلاما أردت أن أقوم به فيهم، فلما أن دفعت إليهم، ذهبت لأبتدئ المنطق، فقال لي أبو بكر: رويدا حتى أتكلم، ثم أنطق بعد بما أحببت فنطق، فقال عمر:

فما شئ كنت أريد أن أقول به، إلا وقد أتى عليه، قال عبد الله بن عبد الرحمن فبدأ أبو بكر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا إلى خلقه، وشهيدا على أمته ليعبدوا الله ويوحدوه، وهم يعبدون من دونه آلهة شتى يزعمون أنها لمن عبدها شافعة، ولهم نافعة، وإنما هي من حجر منحوت، وخشب منجور، ثم قرأ (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) (3) (وقالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) (4) فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخص المهاجرين

____________

(1) عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان حليف الأنصار كان سيد بني العجلان صحابي توفي سنة 45 بعد أن عمر 115 أو 120 سنة (انظر أسد الغابة 3 / 75).

(2) في نسخة " عويمر " والصواب " عويم " كما في الطبري، وهو عويم بن ساعدة الأنصاري قال ابن الأثير في أسد الغابة 4 / 158: " له أثر في بيعة أبي بكر الصديق ".

(3) يونس 18.

(4) الزمر 3.


الصفحة 187
الأولين الأولين من قومه بتصديقه، والإيمان به، والمواساة له، والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم، وتكذيبهم إياهم، وكل الناس لهم مخالف، وعليهم زار، فلم يستوحشوا لقلة عددهم، وتشنف (1) الناس لهم وإجماع قومهم عليهم أول من عبد الله في الأرض، وآمن بالله وبالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم في ذلك إلا ظالم، وأنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين، ولا سابقتهم العظيمة في الاسلام، رضيكم الله أنصارا لدينه ورسوله، وجعل إليكم هجرته، وفيكم جلة أصحابه وأزواجه، فليس بعد المهاجرين الأولين أحد عندنا بمنزلتكم فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تفاوتون (2) بمشورة، ولا تقضى دونكم الأمور، فقام إليه المنذر بن الحباب (3) - هكذا روى الطبري والذي رواه غيره أنه الحباب المنذر (4) فقال: يا معشر الأنصار أملكوا على أيديكم فإن الناس في فيئكم وظلكم، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم، أنتم أهل العز والثروة، وأولوا العدد والتجربة، وذووا البأس والنجدة، وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون، فلا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم، وتنتقض أموركم، إن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير، فقال عمر بن الخطاب هيهات لا يجتمع اثنان في قرن (5) إنه والله

____________

(1) في الطبري " وشنف الناس لهم " والشنف: البغض.

(2) يقال: تفوت فلان على فلان في كذا، وافتات عليه إذا انفرد برأيه ولم يستشره.

(3) في الأصل " المنذر بن حباب " والصواب ما أثبتناه.

(4) في الأصل " الحسان بن المنذر " وليس في الصحابة من هو بهذا الاسم فهو تحريف " حباب " وما في المتن من المخطوطة وانظر تلخيص الشافي 3 / 63.

(5) القرن - بفتح القاف وسكون الراء - الحبل المفتول من لحاء الشجر.


الصفحة 188
لا يرضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع أن يولى أمورها من كانت النبوة فيهم، وولي أمورهم منهم، ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة، والسلطان المبين، من ذا ينازعنا سلطان محمد صلى الله عليه وآله وإمارته، ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط في هلكة (1) فقام الحباب بن المنذر، وفي رواية غير الطبري الحسان بن المنذر (2) فقال يا معشر الأنصار أملكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم ما سألتموهم، فأجلوهم من هذه البلاد، وتولوا عليهم هذه الأمور، فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم، فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من لم يكن يدين أنا جذيلها المحكك، وأنا عذيقها المرجب (3) أما والله لئن شئتم لنعيدنها جذعة فقال له عمر: إذا يقتلك الله، قال:

بل إياك يقتل، فقال أبو عبيدة: يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من بدل وغير، فقام بشير بن سعد (4) أبو النعمان بن بشير فقال: يا معشر الأنصار أما والله لئن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين، وسابقة في هذا الدين، ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا

____________

(1) دل بباطل: جاء بدليل باطل، والجنف - بالتحريك - الجور والميل عن الحق. والإثم: فعل ما لا يحل، والمتورط: الواقع في الورطة - بفتح الواو وسكون الراء أي الهلكة.

(2) لاحظ ما تقدم ص 187 برقم 4.

(3) قال الزمخشري في الفائق 1 / 180 " الجذيل تصغير جذل - بالكسر - وهو في الأصل عوه ينصب للجربى تحتك به فتسشفى به، والمحكك: الذي كثر به الاحتكاك حتى صار مملسا، والمرجب المدعوم بالرجبة وهي خشبة ذات شعبتين ومعناه أني ذو رأي يشفي بالاستشفاء به كثيرا في مثل هذه الحادثة وأنا في كثرة التجارب والعلم بموارد الأحوال فيها وفي أمثالها ومصادرها كالنخلة الكثيرة " الحمل ".

(4) بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي، قال ابن الأثير: " يقال: إنه أول من بايع أبا بكر الصديق رضي الله عنه يوم السقيفة من الأنصار، وقتل يوم عين التمر مع خالد بن الوليد بعد انصرافه من اليمامة سنة اثنتي عشرة " (أسد الغابة 1 / 195).