الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

صلى الله عليه وسلم والكدح لأنفسنا فما نبتغي أن نستطيل بذلك على الناس، ولا نبتغي من الدنيا عرضا، فإن الله ولي المنة علينا بذلك ألا إن محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش، وقومه أحق به، وأولى، وأيم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم، فقال أبو بكر: هذا عمر وأبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا، فقالا: لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك، وأنت أفضل المهاجرين (وثاني اثنين إذ هما في الغار) وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين، فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك، أو يتولى هذا الأمر عليك؟ أبسط يدك نبايعك، فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه، فنادى المنذر بن الحباب يا بشير بن سعد عقتك عقاق ما أحوجك إلى ما صنعت أنفست (1) على ابن عمك الإمارة، فقال: لا والله ولكن كرهت أن أنازع قوما حقا جعله الله تعالى لهم، فلما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وما تدعو إليه قريش، وما يطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن الحضير (2) وكان أحد

____________

(1) في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: " عقك عقاق " وعقاق - بفتح العين وتخفيف القاف - مبنية على الكسر مثل حذام ورواش، كأنه دعاء عليه بأن يعقه العاق، وهو الولد الذي يعصي أباه ويترك الشفقة عليه والاحسان إليه ونفس فلان على فلان الشئ حسده عليه.

(2) أسيد بن حضير - بضم الأول فيهما - قال ابن الأثير: " كان أبو بكر الصديق يكرمه ولا يقدم عليه أحدا ويقول: لا خلاف عنده " قال: " وله في بيعة أبي بكر أثر عظيم " قال: " توفي في شعبان سنة وحمل عمر بن الخطاب (رض) نعشه حتى وضعه في البقيع وصلى عليه " (أسد الغابة 1 / 92).


الصفحة 190
النقباء: والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم فيها معهم نصيبا أبدا، فقوموا فبايعوا أبا بكر، فقاموا إليه فبايعوه، فانكسر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا اجتمعوا له من أمرهم.

قال هشام: قال أبو مخنف وحدثني أبو بكر بن محمد الخزاعي إن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايقت بهم السكك ليبايعوا أبا بكر، فكان عمر يقول: ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر.

قال هشام: عن أبي مخنف قال: قال: عبد الله بن عبد الرحمن، وأقبل الناس من كل جانب يبايعون أبا بكر، وكادوا يطأون سعد بن عبادة، فقال ناس من أصحاب سعد: اتقوا سعدا لا تطؤه، فقال عمر: اقتلوه قتله الله، ثم قام على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتى يندر عضوك (1) فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر، قال: والله لئن حصصت (2) منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة، فقال أبو بكر: مهلا يا عمر الرفق هاهنا أبلغ، فأعرض عنه عمر، وقال سعد: أما والله لو أرى من قوتي ما أقوى على النهوض لسمعتم مني في أقطارها وسككها زئيرا يجحرك (3) وأصحابك، أما والله إذا لألحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع، احملوني من هذا المكان فحملوه، فأدخلوه داره وترك أياما ثم

____________

(1) تندر: تزال عن موضعها، والذي في الطبري " تندر عضدك ".

(2) حص الشعر حصا: حلقه.

(3) يجحرك - بتقديم الجيم على الحاء المهملة - أي يلجئكم إلى دخول الجحر وهو الغار البعيد القعر، والمراد أنهم ينكمشون في بيوتهم.


الصفحة 191
بعث إليه أن أقبل فبايع، فقد بايع الناس، وبايع قومك، فقال: أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي، وأخضب منكم سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي، ولا أفعل وأيم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي، وأعلم ما حسابي فلما أتى أبو بكر بذلك قال له عمر:

لا تدعه حتى يبايع، فقال بشير بن سعد إنه قد لج وأبى (1) فليس بمبايعكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته، وطائفة من عشيرته، فاتركوه فليس تركه بضائركم إنما هو رجل واحد، فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد، واستنصحوه لما بدا لهم منه، وكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يجتمع معهم، ولا يحج معهم، ولا يفيض بإفاضتهم، فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر (2).

وهذا الخبر يتضمن من شرح أمر السقيفة ما للناظر فيه معتبر، ويستفيد الواقف عليه أشياء:

منها: خلوه من احتجاج قريش على الأنصار بجعل النبي صلى الله عليه وآله الإمامة فيهم لأنه تضمن من احتجاجهم عليهم ما يخالف ذلك، وأنهم إنما ادعوا كونهم أحق بالأمر من حيث كانت النبوة فيهم، ومن حيث كانوا أقرب إلى النبي صلى الله عليه وآله نسبا، وأولهم له اتباعا.

ومنها، إن الأمر إنما بني في السقيفة على المغالبة والمخالسة (3) وإن كلا منهم كان يجذبه إليه بما اتفق له، وعن (4) من حق وباطل، وقوي وضعيف.

____________

(1) لج: تمادى.

(2) تاريخ الطبري 3 / 222. حوادث سنة 11.

(3) المخالسة: المخاتلة.

(4) عن بمعنى عرض.


الصفحة 192
ومنها، إن سبب ضعف الأنصار، وقوة المهاجرين عليهم انحياز بشير بن سعد حسدا لسعد بن عبادة، وانحياز الأوس بانحيازه عن الأنصار.

ومنها، أن خلاف سعد وأهله وقومه كان باقيا لم يرجعوا عنه، وإنما أقعدهم عن الخلاف فيه بالسيف قلة الناصر.

وقد روى الطبري بعد هذا الخبر من طرق أخر خبر السقيفة فلم يذكر فيه الاحتجاج بأن (الأئمة من قريش) مع إنه جمع في كتابه هذه الروايات المختلفة.

وروى الزهري من طرق كثيرة خبر السقيفة الذي يتضمن أن عمر ابن الخطاب خطب على المنبر فذكر ما كان في يوم السقيفة، ومنازعة الأنصار للمهاجرين واحتجاج كل فريق منهم على الآخر بقوة أسبابه إلى هذا الأمر، فما في جميع الأخبار ما تضمن احتجاج أحد عليهم، ممن حضر بأن النبي قال: (الأئمة من قريش) بل تضمنت الأخبار الرواية التي رواها الزهري كلها على اختلافها، إن أبا بكر لما سمع كلام سعد بن عبادة وخطبته التي مضى معناها في الخبر الذي رواه الطبري، قال أما بعد فما ذكرتم فيكم من خير فأنتم أهله، وأن العرب لن تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا.

وروى عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟ قالوا: بلى، قال:

فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر بعد ذلك

الصفحة 193
ولسنا ننكر بعد ذلك أن يكون هذا الخبر مرويا على الوجه الذي ادعوه لكن رواه قليل من كثير، وواحد من جماعات، والقوم عكسوا القصة فأوردوه مورد ما لا خلاف فيه، وما لا يعرف سواه، وإذا كانت الرواية بغيره أظهر كان العمل بخلافه مما هو الظاهر في الرواية أوجب، والذي يدل على ضعف هذه الدعوى ما تظاهرت به الرواية عن أبي بكر من قوله عند حضور الموت: ليتني كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن ثلاثة أشياء ذكر من جملتها (1) ليتني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر حق، وكيف يقول هذا القول من يروي عنه صلى الله عليه وآله (الأئمة من قريش) و (إن هذا الأمر لا يصلح إلا لهذا الحي من قريش).

____________

(1) الأشياء الثلاثة من التسعة التي رويت عنه فعن عبد الرحمن بن عوف قال: إنه دخل على أبي بكر الصديق (رض) في مرضه الذي توفي فيه فأصابه مهتما فقال له عبد الرحمن في جملة كلام له إنك لا تأسى على شئ من الدنيا قال أبو بكر (رض) أجل إني لا آسى على شئ من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن ليتني تركتهن، وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عنهن، فأما الثلاث التي وددت أني تركتهن فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شئ وإن كانوا قد غلقوه على الحرب، ووددت أني لم أحرق الفجاءة السلمي وأني قتلته سريحا أو خليته نجيحا، ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين - يريد عمر أو أبا عبيدة - فكان أحدهما أميرا وكنت وزيرا، وأما اللاتي تركتهن فوددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيرا كنت قتلته فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه ووددت أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة فإن ظفر المسلمون ظفروا، وإن هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد، وددت أني إذ وجهت خالد إلى الشام كنت وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق فكنت قد بسطت يدي كليهما في سبيل الله - ومد يديه - ووددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هذا الأمر؟ فلا ينازعه أحد، ووددت أني سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب، ووددت أني كنت قد سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمة فإن في نفسي منهما شئ، أخرجه أبو عبيد في الأموال ص 131 والطبري في التاريخ 3 / 430 حوادث سنة 13 والمسعودي في مروج الذهب 2 / 308 وابن عبد ربه في العقد الفريد 4 / 267.


الصفحة 194
فأما الكلام على الفصل الثاني وهو أن يسلم أن أبا بكر احتج بذلك يوم السقيفة لكنا ننازعه في صحته فواضح، وذلك أن أبا بكر لم يكن معصوما فينتفي الخطأ عنه فمن أين ما رواه صحيح؟ فإن احتج في صحته بالاجماع، وترك النكير وأن أبا بكر استشهد في ذلك بالحاضرين فشهدوا به، فأول ما فيه أن ترك النكير غير معلوم، ولا مسلم لأن سعد بن عبادة وولده وأهل بيته كانوا مقيمين على الخلاف على ما تضمنته الروايات، وأي نكير في الخبر أبلغ من الخلاف في متضمنه؟ ثم لو ارتفع الخلاف والنكير على ما ادعى لم يكن دالا على الرضا والإجماع، لأن ارتفاع النكير على ضربين أحدهما، أن يرتفع على وجه يعلم أنه لولا الرضا لم يكن مرتفعا، والوجه الآخر أن يرتفع ويكون ارتفاعه مجوزا فيه الرضا وغيره، وإنما يدل على صحة الخبر ارتفاع النكير على وجه لا يكون إلا للرضا، ومن تأمل خبر السقيفة، وما جرى فيها وسبب رجوع الأنصار عن الأمر علم أن الكف وترك النكير لم يكونا للرضا.

فأما الاستشهاد بالحاضرين فمما لا يستحسن ادعاءه منصف لأن من روى احتجاج أبي بكر على قلته لم يرو الاستشهاد، على أن أحدا لا يمكنه أن يدعي أنه استشهد جميع الحاضرين من المهاجرين والأنصار فشهدوا له، وإنما يجوز أن يدعي أنه استشهد بعضهم، ومن استشهده فشهد له يجوز عليه من الخطأ ما يجوز عليه، على أنه يمكن أن يكون من سمع هذا الخبر من أبي بكر يوم السقيفة لم ينكره، لأنه لم يعلم بأن الأمر بخلاف ما ادعاه، ورواه، وإنما يجب أن يرد من الأخبار ما لا يجوز أن يكون صحيحا، وليس إذا لم يردوه وينكروه فقد صدقوه وشهدوا به، لأن أخبار الآحاد في الشريعة الواردة بما يجوز أن يكون صحيحا غير مردودة ولا مصدقة، وليس له أن يقول إنهم عملوا به، والعمل في مثل هذا الموضع

الصفحة 195
تابع للعلم، فلهذا وجب أن يكونوا مصدقين له وأن يكون صحيحا، وذلك أن الخروج أولا لم تعلم به، وأقاموا على خلافه، وعمل بعض الأمة لا يكون حجة، ثم غير مسلم أنهم عملوا به على وجه، لأن أكثر ما يدعى في ذلك أنهم عقدوا لأبي بكر، وكان ذلك عملا بالخبر وليس الأمر كذلك، لأن العقد لأبي بكر والبيعة له لا يدلان على العمل بالخبر، لأن من أجاز الإمامة في غير قريش لا يمنعها في قريش فكيف يكون العقد لقريش عملا بالخبر.

وأما الكلام على الفصل الثالث، وهو على تسليم الاحتجاج بالخبر وصته، وبيان أنه ليس في ظاهره ما يتناول موضع الخلاف لأنه خبر محض، والخبر المحض لا يجوز صرفه إلى معنى الأمر إلا بدلالة وأكثر ما يقتضيه أن يكون كل إمام يعقد له من غير قريش فمن أين أنه لا يجوز عقدها لغير قريش؟ وليس له أن يقول: أي فائدة في هذا القول؟ وذلك أن الفائدة فيه ثابتة لأن يقطع على أحد المجوزين قبل وقوعه لأن السامع لهذا القول كان يجوز حصول الإمامة في قريش وغيرهم، وبهذا الخبر يستفيد أنها لا تثبت إلا في قريش، وليس له أن يقول: فقد عقدت الإمامة لغير قرشي، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله لم ينف دعوى الإمامة في غير قريش، وإنما نفى ثبوتها في غيرهم، ولم تثبت الإمامة على الحقيقة إلا لقرشي، وإن جاز أن يدعي الشبهة لغير قرشي، وليس له أن يقول: إن هذا وإن كان خبرا ففيه معنى الأمر، ويجري مجرى قوله تعالى: (ومن دخله كان آمنا) (1) وما أشبهه، وذلك أن الظاهر كونه خبرا فلا يعدل إلى أن يجعل له معنى الأمر إلا بدليل فأما قوله تعالى: (ومن دخله

____________

(1) آل عمران 97.


الصفحة 196
كان آمنا) فالضرورة تدعو إلى جعله أمرا لأنه لو كان خبرا كان كذبا وإذا كان أمرا كان صحيحا.

فأما اللفظ الآخر الذي رواه من قوله: (إن هذا الأمر لا يصلح إلا في هذا الحي من قريش) فضعيف لا يكاد يعرف، واللفظ هو المعروف (1)، وقد روينا في خبر الزهري من طرقه المختلفة إن هذا اللفظ إنما حكاه أبو بكر عن نفسه، ولم يسنده إلى الرسول صلى الله عليه وآله وإنه قال صلى الله عليه وآله: (إن العرب لن تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش) ولو سلم هذا اللفظ على علاته (2) لم يكن أيضا فيه حجة ودليل، لأن القائل قد يقول هذه الولاية لا تصلح إلا لفلان، إذا كان أقوم بها من غيره وأولى، وإن جازت في غيره، وهذا اللفظ لا يكاد يستعمل إلا في التفضيل والترجيح، ولا يستعمل في الأغلب في التحريم ونفي الجواز، وهذه الجملة تأتي على ما ذكره.

ثم قال صاحب الكتاب: بعد كلام لا وجه لذكره: " فإن قيل:

فقد روي عن عمر ما يدل على خلاف ذلك، وهو قوله: " لو كان سالم حيا ما يخالجني فيه الشكوك " ولم يكن من قريش ".

ثم قال " قيل له ليس في الخبر بيان الوجه الذي لا يتخالجه الشك فيه، ويحتمل أن يريد أن يدخله في المشورة والرأي دون الشورى فلا يصح أن يقدح به فيما قلناه، بل لو ثبت عنه النص الصريح في ذلك لم يجز أن يعترض به على ما رويناه في الخبر،... (3).

يقال له: هذا تأويل من لم يعرف الخبر المروي عن عمر على حقيقته

____________

(1) " واللفظ معروف " خ ل.

(2) يقال: جرى الأمر على علاته أي على كل حال.

(3) المغني 20 ق 1 / 236.


الصفحة 197
أو من يعرف ذلك، ويظن أن من قرأ كلامه لا يجمع بينه وبين الرواية ويقابلها به، وفي الخبر على ما نقله جميع الرواة تصريح بالوجه الذي تمنى حضور سالم له، وإنه الخلافة دون المشورة والرأي وقد روى الطبري في تاريخه عن شيوخه من طرق مختلفة أن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له: يا أمير المؤمنين لو استخلفت قال: من استخلف لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا استخلفته، فإن سألني ربي قلت سمعت نبيك عليه السلام يقول (إنه أمين هذه الأمة) ولو كان سالم مولى أبي حذيفة أيضا حيا استخلفته، فإن سألني ربي قلت سمعت نبيك عليه السلام يقول: (إن سالما شديد الحب لله) فقال له رجل أدلك عليه عبد الله بن عمر، فقال قاتلك الله، والله ما أردت الله بهذا، ويحك كيف استخلف رجلا عجز عن طلاق امرأته (1) وروى أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في كتابه المعروف بتاريخ الأشراف عن عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع أن عمر بن الخطاب كان مستندا إلى ابن عباس وعنده ابن عمر وسعيد بن زيد (2) فقال: اعلموا أني لم أقل في الكلالة شيئا، ولم استخلف بعدي أحدا، وإنه من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو حر من مال الله، قال سعيد بن زيد: أما إنك لو أشرت برجل من المسلمين أئتمنك الناس، فقال عمر: لقد رأيت من أصحابي حرصا سيئا وأنا جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر الستة الذين مات رسول الله صلى الله عليه وآله

____________

(1) تاريخ الطبري 4 / 228 حوادث سنة 23، ومسألة طلاق ابن عمر لزوجته نقلها ابن حجر في الصواعق ص 104 قال: " أي لأنه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقها في الحيض فقال صلى الله عليه وسلم لعمر: مره فليراجعها ".

(2) هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي العدوي صهر عمر وابن عمه أحد العشرة المبشرة توفي بالعقيق وقيل بالمدينة سنة 50 أو 51 وقيل سنة 58 (انظر أسد الغابة 2 / 308).


الصفحة 198
وهو عنهم راض، ثم قال: لو أدركني أحد رجلين فجعلت هذا الأمر إليه لوثقت به سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجراح، فقال رجل يا أمير المؤمنين فأين أنت عن عبد الله بن عمر، فقال له قاتلك الله والله ما أردت الله بها استخلف رجلا لم يحسن أن يطلق امرأته، قال عفان: يعني بالرجل الذي أشار عليه بعبد الله بن عمر المغيرة بن شعبة، وهذا كما ترى تصريح بأن تمنى سالم إنما كان لأن يستخلفه كما أنه تمنى أبا عبيدة لذلك فأي تأويل يبقى مع هذا الشرح والبيان؟ ولسنا ندري ما نقول في رجل بحضرته مثل أمير المؤمنين عليه السلام ومنزلته في خلال الفضل منزلته، وباقي أهل الشورى الذين كانوا في الفضل الظاهر على أعلى طبقاته، ثم يتمنى مع ذلك حضور سالم تمني من لا يجد عنه عوضا، وإن ذلك لدليل قوي على سوء رأيه في الجماعة، ولو كان تمنيه لحضوره إنما هو للمشورة والرأي على ما ادعى صاحب الكتاب وأصحابه، وإن كانت الأخبار المروية تمنع من ذلك - لكان الخطب أيضا جليلا لأنا نعلم أنه لم يكن في هذه الجماعة التي ذكرناها إلا من هو لا يساوي سالما إن لم يفضله في الرأي وجودة التحصيل فكيف يرغب عنهم في الرأي واختيار من يصلح للأمر فيتلهف على حضور من لا يدنيهم في علم ولا رأي؟

فإن قيل: كيف يجوز أن يطلب عمر سالما لتولية الخلافة وهو بالأمس يشهد بأن النبي صلى الله عليه وآله قال (إن الأئمة من قريش) ويدفع الأنصار بهذه الحجة عن الأمر، وهل يدل ذلك إلا على ما قلناه، من إنه أراد المشورة والرأي لأن المنحرف عن عمر المدعي لفساد إمامته لا يمكنه أن يدفع عقله، وفرط تحصيله، وإنه ممن لا يناقض على رؤوس الاشهاد.

قلنا: ليس يجوز أن يدفع المنقول من الرواية المعروف منها بأن الأمر

الصفحة 199
كان يجب أن يكون على خلاف ما تضمنته، وإنما يتأول المحتمل من الكلام، وقد تضمنت الأخبار المروية في هذا الباب ما لا يسوغ معه هذا التأويل المتعسف المضمحل فلم يبق إلا أن يبين عذر عمر في هذا القول ويجمع بين قوله هاهنا وقوله يوم السقيفة، وأحسن ما يقال في ذلك وأدخله في تنزيه عمر عن المناقضة أن يكون الخبر الذي يتضمن حصر الإمامة في قريش لا أصل له ولم يجز له ذكر يوم السقيفة على ما بينا أن الروايات المتظاهرة وردت به فقد مضى من شرحها وأنها خالية من الاحتجاج به ما فيه كفاية.

ثم حكى صاحب الكتاب عن أبي علي أنه كان يستدل على أن الإمامة لا تصلح إلا في قريش بطريقة أخرى، وهي " إنهم أجمعوا قديما على أن قريشا تصلح للإمامة ولا إجماع أن الإمامة تصلح في غيرها، ولا يجوز إثبات الإمامة بغير حجة سمعية، فيجب لذلك أن يكون الإمام من قريش،... " (1).

يقال له: هذا من ركيك الاستدلال وضعيفه لأنهم وإن أجمعوا على أن قريشا تصلح للإمامة، وليس هذا موضع الخلاف فلم يجمعوا على أن غيرها لا يصلح وهو موضع الخلاف، وليس إذا لم يكن في غير قريش إجماع وجب نفي الإمامة عنهم، لأن الحق قد ثبت بالاجماع وغيره، وليس مقصورا على الإجماع.

وقوله: " ولا يجوز إثبات الإمامة بغير حجة سمعية " صحيح إلا أنه لم يبق من صلاح غير قريش للإمامة من الحجج السمعية إلا الإجماع، دون ما عداه فمن أين إنه لا حجة سمعية في ذلك؟ على أنه يلزمه على

____________

(1) حكايته عن أبي علي في المغني 20 ق 1 / 236.


الصفحة 200
هذه الطريقة إذا كانت صحيحة أن تكون الإمامة مقصورة على ولد الحسن والحسين عليهما السلام لأن فيمن عداهم من الناس اختلافا ولا إجماع على صلاح غيرهم للإمامة، ولا اختلاف فيهم، ولا أحد يدفع أنهم يصلحون للإمامة، وقد ألزم صاحب الكتاب نفسه هذا الالزام، وأجاب عنه بما يقتضي هدم استدلاله، لأنه قال: (ولا يجب أن لا يثبت الشئ إلا من جهة الإجماع بل قد يثبت بغيره فليس الخلاف إمارة الفساد وإن كان الإجماع إمارة الصحة) وهذا بعينه يمكن أن يقال له في استدلاله لأنه أضاف في خلال كلامه إلى ذلك أن الإجماع الذي يريده إجماع الصحابة والسلف المتقدم.

قال: " وقد علمنا أنهم لم يطلبوا للإمامة العترة ولا اعتقدوا لها موضعا أخص من قريش، وإنما حدث الخلاف من بعد وهو خلاف ممن يطعن في طريقة الاختيار على ما نقوله، وقد بينا أنه لا نص في الإمامة فلم يبق بعده إلا الطريقة التي سلكناها ".

فيقال له في ذلك: لعمري إن الخلاف في هذا الباب هو ممن يقول بالنص ويفسد الاختيار، وإذا كان كلامك في هذا الفصل لا يصح إلا بعد أن يبطل النص ويصح الاختيار فقد تقدم من الأدلة على صحة النص، وفساد الاختيار ما فيه كفاية.

وأما قوله: " إن الصحابة لم تطلب للإمامة العترة ولا موضعا أخص من قريش " فقد بينا العلة في أن الطلب لذلك لم يظهر ودللنا على سبب الإعراض عن منازعة من لم يكن من العترة وتكرر في ذلك ما لا حاجة بنا إلى إعادته.


الصفحة 201

 

فصل
في الاعتراض على كلامه
فهل يجوز العدول عن قريش في باب الإمامة أم لا؟


حكي عن أبي علي (1) أنه كان يجوز أن لا يوجد في قريش من يصلح للإمامة، وأن ذلك إذا اتفق وجب أن ينصب من غيرهم، وفرق بين النسب وبين العلم والفضل والعدالة، فقال: " إن فقد القرشي لا يؤثر ويجوز أن ينصب من غيرهم لأنه ليس بشرط واجب، وليس كذلك باقي الشروط لأنها واجبة، وفقدها مؤثر فلا يجوز أن ينصب للإمامة من تفقد فيه " وحكى في آخر الباب عن أبي عبد الله الحسين بن علي البصري (2) (إنه لا يمتنع أن يقال: إنه لا يجوز أن تخلو قريش ممن يصلح للإمامة لمكان الخبر) ثم سأل نفسه فقال: " إن قيل: ألا قلتم أن الخبر متضمن صحة وجود من يصلح ومن يلزم العقد له فيهم أبدا ليصح بهذا التكليف قيل له: إذا كان التكليف معلقا بشرط فما الذي يمنع من أن لا يوجد ولا يلزم ذلك التكليف، فعند ذلك يرجع إلى الدلالة فإذا وجب بالآيات التي ألزم الله عز وجل فيها القيام بالحدود ونصب إمام فواجب أن ينصب من غيرهم ".

ثم قال: " فإن قيل: فهلا قلتم: إنه متى لم يوجد فيهم من يصلح

____________

(1) كذلك ص 239.

(2) من شيوخ المعتزلة وقد تقدم ذكره غير مرة.


الصفحة 202
لذلك سقط التكليف في نصب الأئمة؟ كما لو وجد كل من يصلح لهذا الشأن مختل العدالة لسقط هذا التكليف.

ثم قال: " قيل له: إذا كان ما لأجله يجب نصب الإمام من إقامة الحدود والقيام بالأحكام وغير ذلك لا يخص حال وجود من يصلح لذلك فيهم من حال عدمه (1) فيجب أن يكون التكليف قائما، (2)... ".

يقال له: إن المذهب الذي حكيته عن أبي علي يبعد عن الصواب لأنه لما أجاز أن تخلو قريش ممن يصلح للإمامة أجاز أن ينصب من غيرهم، ولم يجز ذلك في باقي الشروط، ونحن نبين أن ذلك مناقضة، لأنه إذا كنا إنما نرجع في أوصاف الإمام وشروط إمامته إلى النص والسمع على ما تذهب أنت وأصحابك إليه، والنص وارد في هذه الصفات أجمع على حد واحد، لأنه قد دل النص على أن من شرط الإمام أن يكون من قريش، كما دل على أن من شرطه العدالة، والعلم المخصوص، ونحن نعلم أن هذه الصفات لم تحصر في هذا الباب إلا بما تقتضيه المصلحة، وكأن المصلحة تقتضي كون الإمام على صفات منها أن يكون من قريش، فكيف يجوز أن نقيم من غير قريش إذا لم نجد قرشيا، ولم نجز أن نقيم غير عالم أو غير عدل إذا لم نجد عالما عدلا؟ وقوله: " هذا شرط لا بد منه وهذا شرط منه بد " اقتراح لأنه لا فرق بينه وبين من عكسه وقال: الذي لا بد منه هو النسب، وباقي الشروط منها بد وكل ذلك غير صحيح، لأنا إنما نعلم أنه لا بد منه من حيث اقتضاء النص وعلقت الإمامة به، وهذه الطريقة عامة لسائر الشروط فلا وجه

____________

(1) غ " منهم في حال ".

(2) المغني 20 ق 1 / 240.


الصفحة 203
لتقسيمها، على أن صاحب الكتاب بتحقيقه قول أبي علي وارتضائه له ناقض لما استدل به في هذا الكتاب في باب الإجماع (1)، على أنه لا بد في كل عصر من إثبات مؤمنين ليصح أن يتبعوا له، وأنه لا يجوز خلو الزمان ممن هذه صفته لأنه استدل هناك على هذا بقوله: (ومن يشاقق الرسول) الآية.. (2) وادعاء أن توعدها على ترك اتباع سبيلهم يقتضي أن يكونوا متمكنين في كل عصر من اتباع سبيلهم ولا يكونون متمكنين من ذلك إلا بوجود المؤمن في كل عصر وهو هاهنا يقول: (إن إيجابه إقامة الأئمة من قريش لا يقتضي وجود من يصلح للإمامة في قريش، وإن كان إيجابا وتكليفا ويجعله مشروطا بوجود من يصلح لذلك وهو هناك منع من هذا أشد منع وأحال أن يكون إيجابه اتباع سبيل المؤمنين مشروطا، وقد كلمناه على هذا الفصل في موضعه من هذا الكتاب بكلام طويل لا معنى في إعادته، وإنما أردنا الآن التنبيه على وجه المناقضة، وإلا فالخبر لا يقتضي بظاهره وجود من يصلح في قريش كما إن الآية لا تقتضي وجود مؤمنين في كل عصر.

فأما تعلقه في الجواب عما سأل عنه نفسه من أن التكليف إذا كان معلقا بشرط فما الذي يمنع من سقوطه عند انتفاء شرطه بالآيات التي ألزم الله تعالى فيها إقامة الحدود والأحكام، وإن ذلك إذا كان مستمرا وجب أن يستمر التكليف، ويعدل إلى غير قريش إذا لم يوجد فيهم من يصلح للإمامة فبعيد من الصواب، لأن الآيات التي ذكرها إذا كانت موجبة لإقامة الحدود، وموجبة لإقامة من يقيمها على مستحقها فإنما توجب إقامة من له صفة مخصوصة متى لم تحصل ولم يمكن تحصيل من هو عليها

____________

(1) باب الإجماع في أول الجزء السابع عشر من المغني.

(2) النساء من الآية 115.


الصفحة 204
فينبغي أن يسقط التكليف كما لو قدرنا فقد يختص بالعدالة والعلم المخصوص يسقط التكليف في إقامة الإمام وإن كانت الآيات المتضمنة لإقامة الحدود ثابتة..

فإن قلت: علمي بوجوب إقامة الحدود، وتنفيذ الأحكام، وأن ذلك موجب نصب من يتولاه ويقوم به يمنعني من أن أجوز خلو الزمان من عدل عالم يصلح للإمامة.

قيل لك: فألا كان علمك بما ذكرت يمنعك من أن تجيز خلو الزمان من قرشي يصلح للأمة؟ وألا توصلت إلى الأمرين توصلا واحدا؟ فإذا جاز أن يعدل عن القرشي عند فقده إلى غيره لأجل إثبات التكليف، فألا جاز أن يعدل عن العالم والعدل إلى غيرهما عند فقدهما من أجل إثبات التكليف؟

قال صاحب الكتاب: " وقد يبين صحة ما ذكرناه أن الإمام يجوز أن يعتمد فيما إليه على الصالحين من غير قريش، وذلك يبين * إنهم أهل القيام بهذه الأمور، ولا يجوز لو تعذر عليه أهل الصلاح أن يعتمد على الفساق وذلك * (1) يبين التفرقة بين الأمرين وصح ما نقوله نحن، وجملة القول في ذلك أن كل شرط في الإمام لو فقد صلح أن يكون أميرا يقوم بما إلى الإمام، فيجب أن لا يمتنع على بعض الوجوه أن يكون إماما، وكل شرط لو فقد لم يصلح أن يكون أميرا وحاكما فيجب أن يمتنع من عقد الإمامة له... " (2).

يقال له: لم زعمت أن الإمام إذا جاز أن يعتمد على غير

____________

(1) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".

(2) المغني 20 ق 1 / 241 والعبارة مشوشة في المغني.


الصفحة 205
قريش في الإمارة جاز أن يكون الإمام غير قرشي، وكيف تكون الإمامة قياسا للإمارة في هذا الباب وأحد شروط الإمام أن يكون قرشيا بلا خلاف بيننا وبين صاحب الكتاب، وليس من شرط الأمير أن يكون قرشيا، فكان محصول كلامه إذا جاز أن يولى الأمير مع تكامل شرائطه المطلوبة فيه، فألا جاز أن يولى الإمام مع اختلال بعض شرائطه المطلوبة فيه، ولا خفاء بما في هذا الكلام.

فأما قوله: " إن كل شرط في الإمام لو فقد صلح أن يكون أميرا فيجب أن لا يمتنع على بعض الوجوه أن يكون إماما وكل شرط لو فقد لم يصلح أن يكون أميرا أو حاكما [ يقوم بما إلى الإمام ] (1) فيجب أن يمنع من عقد الإمامة فيفسد بما ذكرناه لأنا قد بينا الفرق بين الإمارة والإمامة * وأن النسب مطلوب في الإمامة دون الإمارة * (2) على أنه مقتصر على دعوى من غير أصل رد إليه كلامه " (3).

فيقال له: لم زعمت أن الأمر على ما ادعيت، وما الدليل على صحة العقد الذي عقدته؟ على أن هاهنا شرطا لو فقد صلح أن يكون من يفقد فيه أميرا وإن لم يصلح أن يكون إماما لأن من شرط الإمامة عندنا وعنده أن يكون بصيرا باختيار الخلفاء والنائبين عنه، عالما من يصلح لذلك ممن لا يصلح له، وهذا الشرط يصلح أن يكون الأمير أميرا والحاكم حاكما مع فقده ولا يصلح أن يكون إماما مع فقده على أن أكثر أصحابنا لا يسلم له ما ذكره في الأمير لأن عندهم أن الفضل في النسب أحد جهات الفضل، ولا يجوز أن يقدم المفضول في شئ منه على

____________

(1) الزيادة من المغني.

(2) ما بين النجمتين ساقط من المغني.

(3) المغني 20 ق 1 / 241.


الصفحة 206
الفاضل، ومن ذهب إلى أن هذا المذهب يتناول كلما نورد عليه من إمارة غير قرشي إلا بأن لا يكون إمارة صحيحة، أو ترد من جهة من ليس له أن يؤمر أو بأن يكون مخصوصا بمن له من النسب ما لا يفضل عليه نسب المؤمر وعلى كل حال فقد سقط ما تعلق به.

ثم ذكر صاحب الكتاب - بعد هذا كلاما في أن الإمام يجب أن يكون واحدا في الزمان، وأنه لا يمتنع أن يجتمع في وقت واحد جماعة تصلح للإمامة، وكلاما في أن من يصلح للإمامة لا يصير إماما إلا بأمر مجدد وكل ذلك لا خلاف بيننا وبينه فيه، ولا معنى لتتبعه إلا أنه عول في أن من يصلح للإمامة لا يصير إماما بذلك، وأنه لا بد من تجدد أمر يصير به إماما على أن قال: " لا خلاف بين من لا يقول بالنص في كل إمام أنه لا يصير إماما بأن يصلح لذلك ويجتمع فيه " الشرائط " (1) وهذا لا معنى له ولا فائدة له في إخراجه من يقول بالنص عن هذا الإجماع لأنه لا خلاف في ذلك بالإطلاق، ومن يقول بالنص يذهب إلى أنه لولا النص أو ما يقوم مقامه من المعجز لم يصر الإمام إماما، وإن اجتمعت فيه شرائط الإمامة، وكملت له خلالها، ومن يقول من أصحابنا أن الإمامة مستحقة وأنها تجري مجرى الثواب لا يذهب إلى أنه يصير إماما بنفس الاستحقاق، بل لا بد عنده من نص عليه وإشارة إليه.

____________

(1) كلام صاحب المغني الذي أشار إليه المرتضى يبتدئ من ص 243 وينتهي في ص 251 في فصول ثلاثة.