الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

أموالهم، ورجع مالك إلى منزله، فلما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الاسلام وأن يأتوه بكل من لم يجب وإن امتنع أن يقتلوه فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني يربوع واختلفت السرية فيهم، وفيهم (1) أبو قتادة الحرث بن ربعي (2) وكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا فلما اختلفوا فيهم أمر بهم خالد فحبسوا وكانت ليلة باردة لا يقوم لها شئ، فأمر خالد بن الوليد مناديا فنادى أدفئوا أسراءكم فظنوا أنه أمرهم بقتلهم، لأن هذه اللفظة تستعمل في لغة كنانة للقتل فقتل ضرار بن الحارث الأزور (3) مالكا وتزوج خالد زوجته أم تميم بنت المنهال (4) وفي خبر آخر أن السرية التي بعث فيها خالد لما غشيت القوم تحت الليل له راعوهم، فأخذ القوم السلاح، قال: فقلنا: إنا لمسلمون، فقالوا:

ونحن المسلمون، قلنا: فما بال السلاح قالوا لنا: فما بال السلاح

____________

(1) ش " في أمرهم وفي السرية أبو قتادة ".

(2) أبو قتادة الأنصاري اسمه الحارث بن ربعي أو النعمان كان بدريا يعبر عنه بفارس النبي صلى الله عليه وآله شهد مع علي عليه السلام مشاهده كلها، وولاه مكة ثم عزله مات بالكوفة وهو ابن سبعين وصلى عليه علي عليه السلام وكبر عليه سبعا (كذا في سفينة البحار ج 2 / 406 عن الاستيعاب) ولعل المراد بالتكبير سبعا تكرارها بناء على استحباب؟؟ ذلك إذا الميت من أهل الشرف في الدين وانظر أسد الغابة 5 / 274.

(3) ضرار بن الأزور الأسدي قيل اسم الأزور مالك كان شاعرا فارسا قتل يوم أجنادين، وقيل في اليمامة وقيل: توفي في خلافة عمر بالكوفة أسد الغابة 3 / 39 وذكره له ابن حجر في الإصابة 2 / 200 قصة مع امرأة من بني أسد كقصة خالد مع امرأة مالك.

(4) أم تميم بنت المنهال اسمها ليلى وكانت من أشهر نساء العرب بالجمال، يقال إنه لم ير أجمل من عينيها ولا ساقيها انظر تفصيل القضية في " النص والاجتهاد " ص 138.


الصفحة 166
معكم، قلنا: فضعوا السلاح، فلما وضعوا ربطوا أسارى فأتوا بهم خالد ابن الوليد، فحدث أبو قتادة خالد بن الوليد بأن القوم نادوا بالاسلام، وأن لهم أمانا فلم يلتفت خالد إلى قوله، وأمر بقتلهم، وقسم سبيهم فحلف أبو قتادة ألا يسير تحت لواء خالد في جيش أبدا فركب فرسه شاذا (1) إلى أبي بكر وخبره بالقصة، وقال له: إني نهيت خالد عن قتله فلم يقبل قولي وأخذ بشهادة الأعراب الذين غرضهم الغنائم، وإن عمر لما سمع ذلك تكلم فيه عند أبي بكر وأكثر وقال: إن القصاص قد وجب عليه، فلما أقبل خالد بن الوليد قافلا دخل المسجد وعليه قباء له عليه صدأ الحديد معتجرا (2) بعمامة له قد غرز في عمامته سهما، فلما أن دخل المسجد قام إليه عمر فنزع الأسهم عن رأسه فحطمها، ثم قال: يا عدي نفسه (3) أعدوت على امرئ مسلم فقتلته، ثم نزوت على امرأته والله لأرجمنك بأحجارك، وخالد لا يكلمه ولا يظن إلا أن رأي أبي بكر مثل رأي عمر فيه، حتى دخل على أبي بكر واعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه فخرج خالد وعمر جالس في المسجد، فقال: هلم يا ابن أم شملة، فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه ودخل بيته.

وقد روي أيضا أن عمر لما ولي جمع من بقي من عشيرة مالك بن نويرة واسترجع ما وجد عند المسلمين من أموالهم وأولادهم ونسائهم فرد ذلك جميعا عليهم مع نصيبه الذي كان فيهم.

وقيل: إنه ارتجع بعض نسائهم من نواحي دمشق وبعضهن حوامل فردهن على أزواجهن فالأمر ظاهر في خطأ خالد وخطأ من تجاوز عنه.

____________

(1) شاذا: أي مفردا.

(2) اعتجر العمامة: لبسها.

(3) عدي: تصغير عدو.


الصفحة 167
وقول صاحب الكتاب: (إنه يجوز أن يخفى على عمر ما يظهر لأبي بكر ليس بشئ لأن الأمر في قصة خالد لم يكن مشتبها بل كان مشاهدا معلوما لكل من حضره وتأوله في القتل إن كان تأول لا يعذره، وما رأيناه حكم فيه بحكم المتأول ولا غيره ولا تلافي خطأه وزلله وكونه سيفا من سيوف الله على ما ادعاه لا يسقط عنه الأحكام ويبرئه من الآثام.

فأما قول متمم: لو قتل أخي على ما قتل عليه أخوك لما رثيته، فإنه لا يدل على أنه كان مرتدا، وكيف يظن عاقل أن متمما اعترف بردة أخيه وهو يطالب أبا بكر بدمه والاقتصاص من قاتله ورد سبيه، وإنما أراد في الجملة التقرب إلى عمر بتقريظ أخيه، ثم لو كان ظاهر هذا القول كما ظنه لكان إنما يفيد تفضيل زيد وقتلته على قتلة مالك، والحال في ذلك أظهر لأن زيدا قتل في بعض المسلمين، ذابا عن وجوههم، ومالك قتل على شبهة، وبين الأمرين فرق.

فأما قوله في النبي صلى الله عليه وآله: " صاحبك " فقد قال أهل العلم: إنه أراد القرشية، لأن خالدا قرشي، وبعد فليس، في ظاهر إضافته إليه دلالته على نفيه له عن نفسه، ولو كان علم من مقصده الاستخفاف والإهانة على ما ادعاه صاحب الكتاب لوجب أن يعتذر بذلك خالد عند أبي بكر وعمر، ويعتذر به أبو بكر له لما طالبه عمر بقتله، فإن عمر ما كان يمتنع من قتل قادح في نبوة النبي صلى الله عليه وآله وإن كان الأمر على ذلك فأي معنى لقول أبي بكر تأول فأخطأ، وإنما تأول فأصاب إن كان الأمر على ما ذكره (1).

____________

(1) نقل ابن أبي الحديد عن الشافي كل ما ورد تحت هذا العنوان إيرادا ونقضا مع اختلاف يسير في بعض الكلمات والحروف. (انظر شرح نهج البلاغة ج 17 ص 202 - 207)

الصفحة 168
قال صاحب الكتاب: " شبهه لهم أحرى، قالوا: لم سمي بخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله مع أنه لم يستخلفه " ثم شرع في الجواب عن ذلك وهذا مما لا نقوله إذا سلمنا لهم صحة الاختيار، لأنه قد يجوز إذا صح الاختيار أن يأمر بالاستخلاف كما يجوز أن يستخلف هو، وإنما يطعن بذلك من أصحابنا من لم يسلم أن النبي صلى الله عليه وآله استخلفه، ولا أمر أحدا باستخلافه على جملة ولا تفصيل، وإذا ورد الكلام هذا المورد عاد إلى الاختيار وصحته وقد مضى ما في ذلك (1).

قال صاحب الكتاب: " شبهة لهم أخرى (2)، قالوا: ومما يؤثر في حاله وحال عمر دفنهما مع الرسول صلى الله عليه وآله في بيته وقد منع الله تعالى لكل من ذلك في حال حياته فكيف بعد الممات بقوله تعالى: (لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) (3) وأجاب عن ذلك بأن الموضع كان ملكا لعائشة وهي حجرتها التي كانت معروفة بها، قال: (وقد بينا أن هذه الحجر كانت أملاكا لنساء الرسول وأن القرآن ينطق بذلك [ في قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) (4) ] (5) وذكر أن عمر استأذن عائشة في أن يدفن في ذلك الموضع حتى قال: إن لم تأذن فادفنوني في البقيع وعلى هذا

____________

(1) اختصر المرتضى كلام القاضي كما مر في نقضه مر الكرام (انظر المغني - 20 ق 1 / 355).

(2) هذه الشبهة اختصرها المرتضى هنا وهي في المغني 20 ق 1 / 355 - 356، كما نقلها ابن أبي الحديد مع نقض المرتضى لها في شرح نهج البلاغة 17 / 214 - 217.

(3) الأحزاب / 53.

(4) الأحزاب / 330.

(5) التكملة من شرح النهج وقال ابن أبي الحديد: " فأما احتجاج قاضي القضاة بقوله: " وقرن في بيوتكن " فاعتراض المرتضى عليه قوي لأن هذه الإضافة إنما تقتضي التخصيص فقط لا التمليك ".


الصفحة 169
الوجه يحمل ما روي عن الحسن عليه السلام أنه لما مات أوصى أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وآله فإن لم يترك ففي البقيع فلما كان من مروان سعيد بن العاص (1) ما كان دفن بالبقيع وإنما أوصى بذلك بإذن عائشة ويجوز أن يكون علم من عائشة أنها جعلت الموضع في حكم الوقف فاستباحوا ذلك لهذا الوجه، قال: وفي دفنه عليه السلام في ذلك ما يدل على فضل أبي بكر لأنه عليه السلام لما مات اختلفوا في موضع دفنه وكثر القول حتى روى أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال ما يدل على أن الأنبياء إذا ماتوا دفنوا حيث ماتوا فزال الخلاف في ذلك ".

يقال له: ليس يخلو موضع قبر النبي صلى الله عليه وآله من أن يكون باقيا على ملكه أو يكون انتقل في حياته إلى عائشة على ما ادعاه، فإن كان الأول لم يخل من أن يكون ميراثا بعده أو صدقة فإن كان ميراثا فما كان يحل لأبي بكر ولا لعمر من بعده أن يأمرا بدفنهما فيه إلا بعد إرضاء الورثة الذين هم على مذهبنا فاطمة عليه السلام وجماعة الأزواج وعلى مذهبهم هؤلاء والعباس ولم نجد واحدا منهما خاطب أحدا من هؤلاء الورثة عن ابتياع هذا المكان، ولا استنزله عنه بثمن ولا غيره، وإن كان صدقة فقد كان يجب أن يرضى عنه جماعة المسلمين وابتياعه منهم، هذا إن جاز الابتياع لما يجري هذا المجرى وإن كان انتقل في حياته فقد كان يجب أن يظهر سبب انتقاله والحجة فيه، فإن فاطمة عليها السلام لم يقنع منها في انتقال فدك إلى ملكها بقولها ولا شهادة من شهد لها، فأما تعلقه بإضافة البيوت إلى ملكهن (2) بقوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) فمن ضعيف الشبهة، لأنا قد بينا فيما مضى من الكتاب أن هذه الإضافة لا

____________

(1) انظر تذكرة الخواص ص 183.

(2) ش " إليهن ".


الصفحة 170
تقتضي الملك وإنما تقتضي السكنى، والعادة في استعمال هذه اللفظة فيما ذكرناه ظاهرة قال الله تعالى: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) ولم يرد تعالى إلا حيث يسكن وينزلن دون حيث يملكن بلا شبهة (1) وأطرف من كل شئ تقدم قوله: (إن الحسن عليه السلام استأذن عائشة في أن يدفن في البيت حتى منعه مروان وسعيد بن العاص) لأن هذه مكابرة منه ظاهرة، فإن المانع للحسن من ذلك لم يكن إلا عائشة (2) ولعل من ذكر من مروان وسعيد وغيرهما أعانها، واتبع في ذلك أمرها، وروي أنها خرجت في ذلك اليوم على بغل حتى قال ابن عباس يوما على بغل ويوما على جمل (3) فكيف تأذن عائشة وهي في ذلك مالكة للموضع على قولهم، ويمنع منه مروان وغيره ممن لا ملك له في الموضع.

ولا شركة ولا يد، وهذا من قبيح ما يرتكب وأي فضل لأبي بكر في روايته عن النبي صلى الله عليه وآله حديث الدفن وعملهم بقوله إن صح فمن مذهب صاحب الكتاب وأصحابه العمل بخبر الواحد العدل في أحكام الدين العظيمة فكيف لا يعمل بقول أبي بكر في الدفن وهم يعملون بقول من هو دونه فيما هو أعظم من ذلك وهذا بين.

____________

(1) ش " وما أشبهه ".

(2) يراجع مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني ص 74 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 / 50 و 51.


الصفحة 171

 

فصل(1)
في تتبع كلامه في إمامة عمر بن الخطاب


إعلم أن جميع ما قدمناه من الكلام في إمامة أبي بكر كاف في إمامة عمر وعثمان معا لأن إمامتهما مبينة على إمامة أبي بكر وصحة اختياره لأن طريقهم إلى إمامة عمر من وجهين:

أحدهما: بنص أبي بكر، والآخر رضا الجماعة الذين تنعقد الإمامة عندهم به والوجه الأول مبني على صحة إمامة أبي بكر حتى يكون عهده وعقده مؤثرين، فما أبطل إمامة أبي بكر مبطل لهذا الوجه.

والوجه الثاني: مبني على أن العقد لواحد بخمسة به يصير إماما وذلك أيضا مبني على صحة الاختيار وصحة إمامة أبي بكر، وأن إمامته انعقدت على هذا الوجه، وقد تكلمنا على إبطال كل ذلك فبطل ما هو مبني عليه وإمامة عثمان أيضا مبنية على الوجه الأخير فما أفسده يفسدها ولم يحل صاحب الكتاب من كلامه على أن عمر يصلح للإمامة إلا على ما ذكره في أبي بكر من الآيات والأخبار وغيرها، وقد تكلمنا في ذلك بما فيه كفاية فلا معنى لتتبع ما أورده في هذا الفصل بأكثر من هذه الجملة الكافية

____________

(1) اختصر المرتضى هذا الفصل مع أنه في المغني يقع في ست صفحات.


الصفحة 172

الصفحة 173

 

فصل
في تتبع كلامه وجوابه عن المطاعن على عمر
(1)


قال صاحب الكتاب: " أحد (2) ما طعن به عليه، قولهم: إنه بلغ من قلة علمه أنه لم يعلم أن الموت يجوز على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه أسوة (3) الأنبياء في ذلك حتى قال ذلك اليوم: والله ما مات محمد، ولا يموت حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم، فلما تلا عليه أبو بكر قوله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون) (4) وقوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)... (5) قال: أيقنت بوفاته، وكأني لم أسمع هذه الآية، فلو كان يحفظ القرآن، أو يكفر فيه لما قال ذلك. وهذا يدل على بعده من حفظ القرآن، ومن هذا حاله لا يجوز أن يكون إماما ".

ثم قال: " وهذا لا يصح، وذلك لأنه روي عنه أنه قال: كيف

____________

(1) نقل ابن أبي الحديد هذا الفصل في الجزء الثاني عشر من شرح نهج البلاغة ص 195 فما بعدها مع تفاوت يسير في بعض الحروف والكلمات نشير إلى المهم منها برمز - ش.

(2) ش " أول ما طعن به ".

(3) الأسوة: القدوة.

(4) الزمر / 30.

(5) آل عمران / 144.


الصفحة 174
يموت وقد قال الله تعالى: (ليظهره على الدين كله) (1) وقال:

(وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) (2) ولذلك نفى موته عليه السلام، لأنه حمل الآية على أنها خبر عن ذلك في حال حياته، حتى قال أبو بكر: إن الله قد وعده بذلك وسيفعله، وتلا عليه ما تلا فأيقن عند ذلك بموته، وإنما ظن أن موته يتأخر عن ذلك الوقت، لا أنه منع من موته.

ثم قال: " فإن قيل: فلم قال لأبي بكر عند قراءة الآية: كأني لم أسمعها ووصف نفسه بأنه أيقن بالوفاة! ".

وأجاب بأن قال: " لما كان الوجه في ظنه ما أزال أبو بكر فيه الشبهة جاز أن يتيقن ".

ثم سأل نفسه عن سبب يقينه فيما لا يعلم إلا بالمشاهدة.

وأجاب: " بأن قرينة الحال عند سماع الخبر أفادته اليقين، ولو لم يكن في ذلك إلا خبر أبي بكر، وادعاؤه لذلك والناس مجتمعون، لحصل اليقين، وقوله: كأني لم أقرأ هذه الآية، ولم أسمعها تنبيه عن ذهابه (3) عن الاستدلال بها لا أنه على الحقيقة لم يقرأها ولم يسمعها، ولا يجب فيمن ذهب عن بعض أحكام الكتاب أن يكون لا يعرف القرآن لأن ذلك لو دل لوجب أن لا يحفظ القرآن إلا من يعرف جميع أحكامه ".

ثم ذكر: " أن حفظ جميع القرآن غير واجب، ولا يقدح الاخلال به في الفضل ".

وحكي عن أبي علي: " أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يحط علمه

____________

(1) التوبة / 33.

(2) النور / 55.

(3) ش " على ذهوله ".


الصفحة 175
بجميع الأحكام. ولم يمنع ذلك من فضله، واستدل بما روي حديثا من قوله: " كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله حديثا نفعني الله به ما شاء أن ينفعني، وإذا حدثني غيره أحلفته، فإن حلف لي صدقته، وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر، وذكر أنه عليه السلام لم يعرف أي موضع يدفن رسول الله صلى الله عليه وآله فيه حتى رجع إلى ما رواه أبو بكر، وذكر قصة الزبير في موالي صفية، وأن أمير المؤمنين عليه السلام أراد أن يأخذ ميراثهم كما أن عليه أن يحمل عقلهم (1) حتى أخبره عمر بخلاف ذلك من أن الميراث للأب والعقل على العصبة ".

ثم سأل نفسه فقال: " كيف يجوز ما ذكرتموه على أمير المؤمنين عليه السلام مع قوله: " سلوني قبل أن تفقدوني " وقوله: " إن ها هنا علما جما " يومي إلى قلبه، وقوله: " لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم. وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل القرآن بقرآنهم " وقوله: " كنت إذا سألت أجبت وإذا سكت ابتديت (2) ".

وأجاب عن ذلك ب " أن هذا إنما يدل على عظم المحل في العلم من غير أن يدل على الإحاطة بالجميع ".

وحكي عن أبي علي استبعاده ما روي من قوله: " لو ثنيت لي الوسادة " إلى آخر الخبر، قال: (لأنه لا يجوز أن يصف نفسه بأنه يحكم بما لا يجوز، ومعلوم أنه عليه السلام لا يحكم بين الجميع إلا بالقرآن،

____________

(1) العقل - بسكون ثانية - الدية، وعقل عن فلان إذا أدى عنه جنايته.

(2) يعني إذا سأل النبي صلى الله عليه وآله أجابه، وإذا أمسك عن السؤال ابتداه.


الصفحة 176
ثنيت له الوسادة أو لم تثن، وذلك يدل على أن هذا الخبر موضوع) (1) يقال له: ليس يخلو خلاف عمر في وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله من أن يكون على سبيل الانكار لموته على كل حال، والاعتقاد بأن الموت لا يجوز عليه على كل وجه، أو يكون منكرا لموته في تلك الحال، من حيث لم يظهر دينه على الدين كله، وما أشبه ذلك مما قال صاحب الكتاب: (إنها كانت شبهة في تأخر موته عن تلك الحال).

فإن كان الوجه الأول، فهو مما لا يجوز خلاف العقلاء في مثله، والعلم بجواز الموت على سائر البشر لا يشك فيه عاقل، والعلم من دينه عليه السلام بأنه سيموت كما مات من قبله ضروري، وليس يحتاج في مثل هذا إلى الآيات التي تلاها أبو بكر، من قوله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون) وما أشبهها.

وإن كان خلافه على الوجه الثاني، فأول ما فيه أن هذا الخلاف لا يليق بما احتج به أبو بكر من قوله تعالى: (إنك ميت وإنهم ميتون) (2) لأنه لم ينكر على هذا جواز الموت، وإنما خالف في تقدمه، وقد كان يجب أن يقول له: وأي حجة في هذه الآيات على من جوز عليه صلى الله عليه وآله الموت في المستقبل، وأنكره في هذه الحال!

وبعد، فكيف دخلت الشبهة البعيدة على عمر من بين سائر الخلق! ومن أين زعم أنه لا يموت حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم!

وكيف حمل معنى قوله تعالى: (ليظهره على الدين كله) وقوله:

____________

(1) كل ما نقله المرتضى ملتقط من الصفحات 9 - 12 من ق 2 ج 20 من المغني.

(2) الزمر / 30.


الصفحة 177
(وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا) على أن ذلك لا يكون في المستقبل بعد الوفاة! وكيف لم يخطر هذا لعمر وحده، ومعلوم أن ضعف الشبهة إنما يكون من ضعف الفكرة، وقلة التأمل والبصيرة! وكيف لم يوقن بموته لما رأى ما عليه أهل الاسلام من اعتقاد موته، وما ركبهم من الحزن والكآبة لفقده، وهلا دفع بهذا اليقين ذلك التأويل البعيد، فلم يحتج إلى موقف ومعرف، وقد كان يجب - إن كانت هذه شبهة - أن يقول في حال مرض الرسول صلى الله عليه وآله: وقد رأى من جزع أهله وأصحابه وخوفهم عليه الوفاة حتى يقول أسامة بن زيد معتذرا من تأخره (1) عن الخروج في الجيش الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكرر ويردد الأمر حينئذ بتنفيذه: لم أكن لأسأل عنك الركب، -: ما هذا الجزع والهلع وقد أمنكم الله بكذا وكذا من وجه كذا، وليس هذا من أحكام الكتاب التي يعذر من لا يعرفها على ما ظنه صاحب الكتاب.

فأما ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من خبر الاستحلاف في الأخبار، فقد بينا في صدر هذا الكتاب الكلام عليه، ودللنا على أنه غير مقتض لذهاب بعض الأخبار عليه من حيث يجوز أن يكون استحلافه ليرهب المخبر ويخوفه من الكذب على النبي صلى الله عليه وآله، لأن العلم بصحة الحكم الذي يتضمنه الخبر لا يقتضي صدق المخبر، وذكرنا أيضا أنه لا تاريخ لهذا الخبر، ويمكن أن يكون استحلافه عليه السلام في الأخبار (2) إنما كان في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وفي تلك الحال لم يكن محيطا بجميع الأحكام (3).

____________

(1) ش " من تباطئه ".

(2) ش " الرواة ".

(3) انظر شرح نهج البلاغة ج 2 / 41 و 42 و ج 12 / 195 - 200.


الصفحة 178
فأما حديث الدفن، وإدخاله في باب أحكام الدين التي يجب معرفتها، فطريف وقد يجوز أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام سمع من النبي صلى الله عليه وآله في باب الدفن مثل ما سمع أبو بكر، وكان عازما على العمل به، حتى روى أبو بكر ما رواه فعمل بما كان يعلمه لا من طريق أبي بكر وظن الناس أن العمل لأجله، ولم يكن ذلك كذلك ويجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله خبر وصيه في موضع دفنه ولم يعين له موضعا بعينه، فلما روى أبو بكر ما روى رأى موافقته، فليس في هذا دلالة على أنه عليه السلام استفاد حكما لم يكن عنده فأما موالي صفية فقد تقدم قولنا في شأنهم، وبطلان ما ظنه صاحب الكتاب في قصتهم [ وليس سكوته حيث سكت عند عمر رجوعا عما أفتى به، ولكنه كسكوته عن كثير من الحق تقية ومداراة للقوم (1) ] وأما قوله عليه السلام: (سلوني قبل أن تفقدوني) وقوله: (إن ها هنا لعلما جما) إلى غير ذلك فإنه لا يدل على عظم المحل في العلم فقط، على ما ظنه صاحب الكتاب، بل هو قول واثق بنفسه، آمن من أن يسأل عما لا يعلمه، وكيف يجوز أن يقول مثله على رؤس الاشهاد، وظهور المنابر: (سلوني قبل أن تفقدوني) وهو يعلم أن كثيرا من الأحكام في الدين يعزب (2) عنه، وأين كان أعداؤه، والمنتهزون لفرصته وزلته عن سؤاله عن مشكل المسائل، وغوامض الأحكام، والأمر في هذا ظاهر.

فأما استبعاد أبي علي لما روي عنه عليه السلام: (لو ثنيت لي

____________

(1) الزيادة من (شرح نهج البلاغة).

(2) عزب - بالمهملة والزاي - أي بعد وهي مثل غرب - بالمعجمة والراء - معنى ووزنا.


الصفحة 179
الوسادة) للوجه الذي ظنه، فمن بعيد الاستبعاد، لأنه لم يفطن لغرضه عليه السلام، وإنما أراد كنت أقاضيهم إلى كتبهم الدالة على البشارة بنبينا صلى الله عليه وآله، وصحة شرعه، فأكون حاكما - حينئذ - عليهم بما تقتضيه كتبهم من هذه الشريعة وأحكام هذا القرآن، وهذا من أحسن الأغراض وجليلها وعظيمها في العلم.

قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى، وأحد ما طعنوا به على عمر أنه أمر برجم حامل حتى نبهه معاذ (1) وقال له: إن يكن لك سبيل عليها، فلا سبيل لك على ما في بطنها فرجع عن حكمه وقال: لولا معاذ لهلك عمر، قالوا: ومن يجهل هذا القدر لا يجوز أن يصير إماما، لأنه يجري مجرى أصول الشرع، بل العقل يدل على ذلك، لأن الرجم عقوبة، ولا يجوز أن يعاقب من لا يستحق).

ثم قال: (وهذا غير لازم، لأنه ليس في الخبر أنه أمر برجمها مع علمه بأنها حامل، لأنه ليس ممن يخفى عليه هذا القدر، وهو أن الحامل لا ترجم حتى تضع، وإنما ثبت عنده زناها فأمر برجمها على الظاهر، وإنما قال ما قال في معاذ لأنه نبهه على أنها حامل).

ثم قال: (فإن قيل إذا لم تكن منه معصية فكيف يهلك لولا معاذ!) وأجاب عن ذلك - ب (أنه لم يرد: لهلك من جهة العذاب، وإنما أراد:

أنه كان يجري بقوله قتل من لا يستحق القتل كما يقال للرجل هلك من الفقر إذ افتقر وصار الفقر سببا لهلاكه (2) ويجوز أن يريد بذلك تقصيره في

____________

(1) الإصابة 3 / 427، وفتح الباري 12 / 120.

(2) في المغني " إذ افتقر وصار سببا لقتل الخطأ " ولا يخفى الخلل في العبارة.


الصفحة 180
تعرف حالها، لأن ذلك لا يمتنع أن يكون خطيئة وإن صغرت، (1)...) يقال له: ما تأولت به في الخبر من التأويل البعيد، لأنه لو كان الخبر على ما ظننته لم يكن تنبيه معاذ له على هذا الوجه، بل كان يجب أن ينبهه بأن يقول له: هي حامل، ولا يقول له: إن كان لك سبيل عليها، فلا سبيل لك على ما في بطنها، لأن هذا القول من عنده أنه أمر برجمها مع العلم بأنها حامل، وأقل ما يجب لو كان الأمر على ما ظنه صاحب الكتاب أن يقول لمعاذ: ما ذهب علي أن الحامل لا ترجم، وإنما أمرت برجمها لفقد علمي بحملها، فكان ينفي بهذا القول عن نفسه الشبهة، وفي إمساكه عنه مع شدة الحاجة إليه دليل على صحة قولنا، وقد كان يجب أيضا أن يسأل عن الحمل لأنه أحد الموانع من الرجم، فإذا علم ارتفاعه (2) أمر بالرجم، وصاحب الكتاب قد اعترف بأن ترك المسألة عن ذلك تقصير وخطيئة، وادعى أنها صغيرة، ومن أين له ذلك ولا دليل يدل عنده في غير الأنبياء عليهم السلام أن معصية عنده صغيرة.

فأما إقراره بالهلاك لولا تنبيه معاذ فهو يقتضي التعظيم والتفخيم لشأن الفعل، ولا يليق ذلك إلا بالتقصير الواقع، أما في الأمر برجمها مع العلم بأنها حامل، أو ترك البحث عن ذلك والمسألة عنه، وأي لوم عليه في أنه كان يجري بقوله قتل من لا يستحق القتل إذا لم يكن عن تفريط منه ولا تقصير.

قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى، واحد ما طعنوا به في ذلك خبر المجنونة التي أمر برجمها فنبهه أمير المؤمنين عليه السلام،

____________

(1) المغني 20 ق 2 / 12.

(2) أي الحمل.


الصفحة 181
وقال: " إن القلم (1) مرفوع عن المجنون حتى يفيق " فقال: " لولا علي لهلك عمر " وذلك يدل على أنه لم يعرف الظاهر من الشريعة).

ثم قال: (وهذا غير لازم لأنه ليس في الخبر أنه عرف جنونها، فيجوز أن يكون الذي نبه عليه جنونها دون الحكم، لأنه كان يعلم أن في حال الجنون لا يقام الحد، وإنما قال: " لولا علي لهلك عمر " لا من جهة المعصية والإثم، لكن من جهة أن حكمه لو نفذ لعظم غمه، ويقال في شدة الغم: إنه هلاك كما يقال في الفقر وغيره هلاك، وذلك مبالغة منه لما كان يلحقه من الغم الذي زال بهذا التنبيه. على أن هذا الوجه مما لا يمتنع في الشريعة أن يكون صحيحا، وأن يقال: إذا كانت مستحقة للحد فإقامته عليها تصح، وإن لم يكن لها عقل، لأنه لا يخرج الحد من أن يكون واقعا موقعه، ويكون قوله عليه السلام: (رفع القلم عن ثلاث) يراد بذلك زوال التكليف عنهم دون زوال إجراء الحكم عليهم، ومن هذا حاله لا يمتنع أن يكون مشتبها فيرجع فيه إلى غيره، فلا يكون الخطأ فيه مما يعظم فيمنع من صحة الإمامة (2)...) يقال له: الكلام في هذا يقرب من الخبر الذي تقدمه، لأنه لو كان أمر برجم المجنونة من غير علم بجنونها لما قال له أمير المؤمنين عليه السلام: " أما علمت أن القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق! " بل كان يقول له بدلا من ذلك: هي مجنونة، ولكان أيضا لما سمع من التنبيه له على ما يقتضي

____________

(1) في المغني " العلم " وقال المعلق: " لعله الحد " وإذا خفي حديث رفع القلم مع اشتهاره على المحقق الفاضل فتمحل التوجيه فكيف خفي على الدكتور طه حسين وقد راجع الكتاب وعلى شيخ الأزهر وقد أشرف عليه!!

(2) المغني 20 ق 2 / 13.


الصفحة 182
الاعتقاد فيه أنه أمر برجمها مع العلم بجنونها يقول متبرئا عن الشبهة: ما علمت بجنونها، ولست ممن يذهب عليه أن المجنون لا يرجم واستعظامه لما أمر به (1) وقوله: " لولا علي لهلك عمر " يدل على أنه كان تأثم وتحرج بوقوع الأمر بالرجم، وأنه مما لا يجوز ولا يحل له أن يأمر به، وإلا فلا معنى لهذا الكلام.

أما ذكره الغم، فأي غم كان يلحقه إذا فعل ما له أن يفعله! ولم يكن منه تقصير ولا تفريط، لأنه إذا كان جنونها لم يعلم به، وكانت المسألة عن حالها والبحث لا يجبان عليه، فأي وجه لتألمه وتوجعه، واستعظامه لما فعله! وهل هذا إلا كرجم المشهود عليه بالزنا في أنه لو ظهر للإمام بعد ذلك براءة ساحته (2) لم يجب أن يندم على فعله ويستعظمه، لأنه وقع صوابا مستحقا.

فأما قوله: (كان لا يمتنع في العقل أن يقام على المجنون الحد) وتأوله الخبر المروي بما يقتضي زوال التكليف دون الأحكام، فإن أراد أنه لا يمتنع في العقل (3) أن يقام على المجنون ما هو من جنس الحد بغير استخفاف ولا إهانة فذلك صحيح، كما يقام على التائب، وأما الحد في الحقيقة فهو الذي يضامه (4) الاستخفاف والإهانة فلا يقام إلا على المكلفين ومستحقي العقاب، وبالجنون قد زال التكليف فزال استحقاق العقاب الذي يتبعه الحد.

____________

(1) ش " فلما رأيناه استعظم ما أمر به ".

(2) غ " سابقة ".

(3) الشرع خ ل.

(4) يضامه: أي يضم إليه.


الصفحة 183
وقوله: " لا يمتنع أن يرجع فيما هذا حاله من المشتبه إلى غيره " فليس هذا من المشتبه الغامض، بل يجب أن يعرفه العوام فضلا عن العلماء، على أنا قد بينا أن الإمام لا يجوز أن يرجع إلى غيره في جلى ولا مشتبه من أحكام الدين.

وقوله: (إن الخطأ في ذلك لا يعظم فيمنع من صحة الإمامة) فقد بينا أنه اقتراح بغير حجة، لأنه إذا اعترف بالخطأ فلا سبيل إلى القطع على أنه صغير.

قال صاحب الكتاب - بعد أن ذكر الطعن بمفارقة جيش أسامة وأحال على ما تقدم مما قد تكلمنا عليه وبينا ما فيه مما لا حاجة بنا إلى إعادته (شبهة أخرى لهم قال: وأحد ما طعنوا به حديث أبي العجفاء (1) وأنه منه من مغالاة الصداق في النساء (2) اقتداء بما كان من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صداق فاطمة عليه السلام حتى قامت المرأة ونبهته بقوله تعالى: (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا) (3) على جواز ذلك فقال: " كل الناس أفقه من عمر ".

وبما روي أنه تسور على قوم ووجدهم على منكر، فقالوا له إنك أخطأت من جهات تجسست وقال الله تبارك وتعالى: (ولا

____________

(1) أبو العجفاء هرم بن نسيب السلمي تابعي يروي عن عمر بن الخطاب عداده في أهل البصرة روى عنه محمد بن سيرين أورده ابن حبان في كتاب الثقاة (تاج العروس 8 / 190 مادة " عجف "..).

(2) في ش " في صدقات النساء ".

(3) النساء 20.


الصفحة 184
تجسسوا) (1) ودخلت بغير أذن ولم تسلم، وأجاب عن ذلك بأن قال:

(علمنا بتقدم عمر في العلم وفضله فيه (2) ضروري فلا يجوز أن يقدح فيه بأخبار آحاد غير مشهورة (3) وإنما أراد في المهور أن المستحب الاقتداء (4) برسول الله صلى الله عليه وآله وأن المغالاة فيها ليس بمكرمة، ثم عند التنبيه علم أن ذلك مبني على طيب النفس، فقال ما قال على جهة التواضع، لأن من أظهر الاستفادة من غيره وإن قل علمه فقد تعاطي الخضوع، ونبه على أن طريقته أخذ الفائدة أينما وجدها وصير نفسه قدوة في ذلك وأسوة، وذلك يحسن من الفضلاء.

فأما حديث التجسس (5) فإن فعله فقد كان له ذلك. لأن للإمام أن يجتهد في إزالة المنكر بهذا الجنس من الفعل، وإنما لحقه على ما يروي في الخبر الخجل " لأنه لم يصادف الأمر على ما ألقي إليه في إقدامهم على المنكر، (6)...).

يقال له: أما تعويلك على العلم الضروري بكونه من أهل العلم والاجتهاد فذلك لا ينفعك إذا صح لأنه قد يذهب على من هو بهذه الصفة كثير من الأحكام حتى ينبه عليها، أو يجتهد فيها وليس العلم الضروري ثابتا بأنه عالم بجميع أحكام الدين فيكون قاضيا على هذه الأخبار.

____________

(1) الحجرات 12.

(2) غ " وما كان فيه من الاجتهاد في المسائل والتنبيه وغير ذلك ضروري ".

(3) غ " مشهورة النقل ".

(4) غ " وأما حديث المهور فإنما أراد أن المستحب الاقتداء ".

(5) غ " فأما ما روي من حديث التجسس ".

(6) المغني 20 ق 2 / 14.