الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

صلى الله عليه وآله وصهره، وسابقته، وبلائه، فقال عمر: إن فيه بطالة (1) وفكاهة، قلت: فأين أنت عن طلحة؟ قال: فأين الزهو والنخوة، قلت: عبد الرحمن، قال: هو رجل صالح على ضعف فيه، قلت: فسعد، قال: ذاك صاحب مقنب (2) وقتال لا يقوم بقرية لو حمل أمرها قلت: فالزبير قال: وعقة لقس (3) مؤمن الرضى، كافر الغضب، شحيح، وإن هذا الأمر لا يصلح له إلا القوي في غير عنف، رفيق في غير ضعف، جواد في غير سرف (4)، قلت: أين أنت وعثمان؟ قال: لو وليها لحمل بني أبي معيط على رقاب الناس، ولو فعلها لقتلوه، وقد روي من غير هذا الطريق أن عمر قال لأصحاب الشورى: روحوا إلي فلما نظر إليهم، قال: قد جائني كل واحد منهم يهز عقيرته يرجو أن يكون خليفة أما أنت يا طلحة أفلست القائل إن قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم لننكحن أزواجه من بعده فما جعل الله محمدا بأحق ببنات أعمامنا منا، فأنزل الله فيك: (وما كان لكم أن تؤذوا

____________

(1) البطالة - بفتح الباء -: التعطل والتفرغ عن العمل، وعلق ابن أبي الحديد على ذلك بقوله: " لقد كان عليه السلام على قدم عظيمة من الوقار والجد، والسمت العظيم، والهدى الرصين، ولكنه كان طلق الوجه سمح الأخلاق، وعمر كان يريده مثله من ذوي الفضاضة والخشونة، لأن كل واحد يستحسن طبع نفسه، ولا يستحسن طبع من يباينه، في الخلق والطبع " قال: "... وأنا أعجب من لفظة عمر - إن كان قالها - إن فيه بطالة، وحاش لله أن يوصف علي عليه السلام بذلك! وإنما يوصف به أهل الدعابة واللهو، وما أظن عمر - إن شاء الله - قالها. وأظنها زيدت في كلامه، وإن الكلمة ها هنا دالة على انحراف شديد " (الشرح 12 / 279).

(2) المقنب: جماعة من الفرسان.

(3) وعقه لقيس: أي كله شراسة، وشدة الخلق، وخبث النفس، قال الزمخشري في الفائق: " وروي أنه قال: ضرس ظبيس، أو قال: ضميس).

(4) قال في الفائق: " لا يصلح أن يلي هذا الأمر إلا حصيف العقدة: قليل الغرة، الشديد في غير عنف، اللين في عير ضعف الجواد في غير سرف، البخيل في غير وكف ".


الصفحة 204
رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا (1)) وأما أنت يا زبير، فوالله ما لان قلبك يوما ولا ليلة، وما زلت جلفا جافيا، وأما أنت يا عثمان فوالله لروثة أهلك خير (2) منك. وأما أنت يا عبد الرحمن فإنك رجل ما تحب قومك جميعا، وأما أنت يا سعد فأنت رجل عصبي، وأما أنت يا علي فوالله لو وزن إيمانك بإيمان أهل الأرض لرجح، فقام علي عليه السلام موليا فقال عمر: والله إني لأعلم مكان رجل لو وليتموها إياه لحملكم على المحجة البيضاء قالوا: من هو؟ قال: هذا المولى من بينكم، قالوا: فما يمنعك من ذلك؟ قال: ليس إلى ذلك سبيل، وفي خبر آخر رواه البلاذري في تاريخه: إن عمر لما خرج أهل الشورى من عنده قال إن ولوها الأجلح سلك بهم الطريق، قال ابن عمر: فما يمنعك منه يا أمير المؤمنين؟ قال أكره أن أتحملها حيا وميتا فوصف كل واحد من القوم كما ترى بوصف قبيح يمنع من الإمامة ثم جعلها في جملتهم حتى كأن تلك الأوصاف تزول في حال الاجتماع، ونحن نعلم أن الذي ذكره كان مانعا من الإمامة في كل واحد على الانفراد، فهو مانع مع الاجتماع، مع إنه وصف عليا عليه السلام بوصف لا يليق به، ولا ادعاه عدو قط عليه، وهو معروف بضده من الركانة والبعد عن المزاح والفكاهة، وهذا معلوم ضرورة لمن سمع أخباره عليه السلام وكيف يظن به ذلك وقد روي عن ابن عباس أنه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أطرق هبنا أن

____________

(1) الأحزاب 53.

(2) نقل ذلك الزمخشري في الفائق 2 / 425، 426، وابن أبي الحديد في شرح النهج 12 / 143 وقال ابن أبي الحديد: - فأما الرواية الأخرى التي قال فيها لعثمان: لروثة خير منك، فهي من روايات الشيعة ولسنا نعرفها من كتب غيرهم.


الصفحة 205
نبتدءه بالكلام، وهذا لا يكون إلا ومن شدة التزمت (1) والتوقر، وما يخالف الدعابة والفكاهة، ومما تضمنته الشورى من المطاعن، أنه قال: لا أتحملها حيا وميتا، وهذا كان علة عدوله عن النص على واحد بعينه، وهو قول متلمس متخلص لا يفتات (2) على الناس في آرائهم ثم نقض هذا بأن نص على ستة من بين العالم كله، ثم رتب العدد ترتيبا مخصوصا يؤل إلى أن اختيار عبد الرحمن هو المقدم، وأي شئ يكون التحمل أكثر من هذا وأي فرق بين أن يتحملها بأن ينص على واحد بعينه، وبين أن يتحملها بما فعله من الحصر والترتيب!

ومن جملة المطاعن أنه أمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن البيعة أكثر من ثلاثة أيام، ومعلوم: أن بذلك لا يستحقون القتل، لأنهم إذا كانوا إنما كلفوا: أن يجتهدوا آراءهم في اختيار الإمام، فربما طال زمان الاجتهاد، وربما قصر بحسب ما يعرض فيه من العوارض، فأي معنى للأمر بالقتل، ثم أمر بقتل من يخالف الأربعة، وما يخالف العدد الذي فيه عبد الرحمن، وكل ذلك مما لا يستحق به القتل.

وأما تضعيف أبي علي لذكر القتل، فليس بحجة مع أن جميع من روى قصة الشورى روى ذلك، وقد ذكر ذلك الطبري في تاريخه (3) وغيره.

فأما تأوله الأمر بالقتل على أن المراد به إذا تأخر على طريق شق

____________

(1) التزمت: الوقار.

(2) المتملس والمتخلص في معنى واحد، ولا يفتات: لا يستبد.

(3) انظر تاريخ الطبري 4 / 229 حوادث سنة 23.


الصفحة 206
العصا وطلب الأمر من غير وجهه، فبعيد من الصواب لأنه ليس في ظاهر الخبر ذلك، ولأنهم إذا شقوا العصا، وطلبوا الأمر من غير وجهه من أول يوم، وجب أن يمنعوا ويقاتلوا، فأي معنى لضرب الأيام الثلاثة إطلاقا؟.

فأما تعلقه بالتهديد فكيف يجوز أن يتهدد الإنسان على فعل بما لا يستحقه، وإن علم أنه لا يعزم عليه.

فأما قوله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) (1) فيخالف ما ذكر، لأن الشرك يستحق به إحباط الأعمال، وليس يستحق بالتأخر عن البيعة القتل.

فأما ادعاء صاحب الكتاب (أن الجماعة دخلوا في الشورى على سبيل الرضى، وأن عبد الرحمن أخذ عليهم العهد أن يرضوا بما يفعله، فمن قرأ قصة الشورى على وجهها، وعدل عما تسوله النفس من بناء الأخبار على المذاهب، علم أن الأمر بخلاف ما ذكره.

وقد روى الطبري في تاريخه، عن أشياخه من طرق مختلفة، أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لما خرج من عند عمر بعد خطابه للجماعة بما تقدم ذكره لقوم كانوا معه من بني هاشم إن طمع (2) فيكم قومكم لم تؤمروا أبدا، وتلقاه العباس بن عبد المطلب فقال عليه السلام: يا عم عدلت عنا، قال: وما علمك؟ قال: قرن بي عثمان وقال: كونوا مع الأكثر، وإن رضي رجلان رجلا، ورجلان رجلا فكونوا مع الذين فيهم

____________

(1) الزمر / 65.

(2) في الطبري " إن أطيع ".


الصفحة 207
عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان فيوليها عبد الرحمن عثمان، أو يوليها عثمان عبد الرحمن، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني بله (1) إني لا أرجو إلا أحدهما فقال له العباس: لم أدفعك في شئ إلا رجعت إلي متأخرا (2) أشرت إليك عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله أن تسأله فيمن هذا الأمر فأبيت، وأشرت عليك بعد وفاته أن تعاجل الأمر فأبيت وأشرت عليك حين سماك عمر في الشورى ألا تدخل معهم فأبيت فاحفظ عني واحدة فكل ما عرض عليك القوم فقل لا إلا أن يولوك، واحذر هؤلاء الرهط فإنهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم به لنا غيرنا [ وغيرهم ] (3)، وأيم الله لا تناله إلا بشر لا ينفع معه خير، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام أما والله لأن بقي عمر لأذكرنه ما فعل وأتى، ولئن مات ليتداولنها بينهم، ولئن فعلوا لتجدنني حيث يكرهون، ثم تمثل:


حلفت برب الراقصات عشية غدون خفافا يبتدرن المحصبا
ليحتلبن رهط ابن يعمر قاربا نجيعا بنو الشداخ وردا مصلبا (4)

____________

(1) في الطبري " مستأخرا ".

(2) بله، بمعنى: دع، وهي مبنية على الفتح، وقيل: معناها سوى.

(3) التكملة من شرح نهج البلاغة عن الشافي.

(4) الراقصات الإبل، وخفاف مسرعات، ويبتدرن: يستبقن، والمحصب: موضع رمي الجمار بمنى، أو الشعب بين مكة ومنى كان الخارجون من مكة إلى منى ومن منى إلى مكة يقيمون به ساعة من الليل قبل التوجه إلى مقصدهم ليحتلبن توكيد للحلب وفي الطبري " ليختلين " والتخلي هو أن تترك الناقة الغزيرة للحلب بعد أن يدني ولدها فتعطف عليه ويترك تحتها ريثما تستدر ثم يجر من تحتها وتسمى خلية والشداخ - كشداد: يعمر بن عوف الكناني: و " نجيعا " مفعول " يحتلبن ".


الصفحة 208
فالتفت فرأى أبا طلحة الأنصاري تركه مكانه، فقال أبو طلحة لا ترع أبا حسن (1).

فإن قيل: أي معنى لقول العباس إني دعوتك إلى أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيمن هذا الأمر من قبل وفاته، أليس هذا مبطلا لما تدعونه من النص.

قلنا: قد مضى الكلام على هذا المعنى فيما مضى من الكتاب، وبينا أنه لا يمتنع أن يريد العباس رضي الله عنه سؤاله عمن يصل الأمر إليه، وينتقل إلى يديه، لأنه قد يستحقه من لا يصل إليه، [ وقد يصل إلى من لا يستحقه ] وليس يمتنع أن يريد إنا كنا نسأله صلى الله عليه وآله قبل الموت ليتجدد ويتأكد، ويكون لقرب العهد أبعد من أن يطرح.

فإن قيل: أليس قد أنكرتم على صاحب الكتاب هذا التأويل بعينه فيما استعمله فيما روي عن أبي بكر من قوله: ليتني كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وآله هل للأنصار في هذا الأمر حق؟

قلنا: إنما أنكرناه في ذلك الخبر لأنه لا يليق به من حيث قال: فكنا لا ننازعه أهله، وهذا قول من لا علم له بأنه ليس للأنصار حق في الإمامة، ومن كان يرجع في أن لهم حقا في الأمر أو لا حق لهم فيه، إلى ما يسمعه مستأنفا وليس في هذا الخبر الذي ذكرناه ما في ذلك الخبر.

وروى العباس بن هشام الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف في إسناده أن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه شكا إلى العباس رضوان الله عليه وما سمع من قول عمر كونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن

____________

(1) الطبري 4 / 230 حوادث سنة 23.


الصفحة 209
وقال: والله لقد ذهب الأمر منا فقال العباس: فكيف قلت ذاك يا ابن أخي قال: إن سعدا لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن، وعبد الرحمن نظير عثمان وصهره فأحدهما يختار لصاحبه لا محالة وإن كان الزبير وطلحة معي لن ينفعاني إذا كان ابن عوف في الثلاثة الآخرين.

وقال ابن الكلبي: عبد الرحمن زوج أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وأمها أروى بنت كريز، وأروى أم عثمان فلذلك قال صهره.

وفي رواية الطبري أن عبد الرحمن بن عوف دعا عليا عليه السلام فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وآله وسلم، وسيرة الخليفتين بعده، فقال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي.

وفي خبر آخر عن أبي الطفيل (1) أن عبد الرحمن قال لعلي عليه السلام: هلم يدك خذها بما فيها على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر فقال علي عليه السلام آخذها بما فيها على أن أسير فيكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله جهدي، فترك يده وقال: هلم يدك يا عثمان أن تأخذها بما فيها على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر وعمر قال:

نعم، قال: هي لك يا عثمان.

وفي رواية الطبري أنه قال لعثمان مثل قوله لعلي عليه السلام

____________

(1) أبو الطفيل عامر بن وائلة الليثي صحابي كان شيعة لعلي عليه السلام وشهد معه مشاهدة ويروى بعض أحداثها كما روى عنه عمر طويلا حتى مات بالكوفة أو مكة سنة 110 على الأصح وهو آخر من مات من الصحابة (انظر أسد الغابة 5 / 233).


الصفحة 210
فقال: نعم فبايعه فقال علي عليه السلام: ختونة حنت دهرا (1) وفي خبر آخر، نفعت الختونة يا ابن عوف، ليس هذا أول ما تظاهرتم علينا فيه (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك والله كل يوم هو في شأن.

وفي غير رواية الطبري أن عبد الرحمن قال له: قد قلت ذلك لعمر فقال علي عليه السلام أو لم يكن ذلك كما ظننت.

وروى الطبري أن عبد الرحمن قال: يا علي لا تجعل على نفسك سبيلا فإني نظرت وشاورت الناس، فإذا هم لا يعدلون بعثمان، فخرج علي عليه السلام وهو يقول: سيبلغ الكتاب أجله.

وفي رواية الطبري أن الناس لما بايعوا عثمان تلكأ علي عليه السلام فقال عثمان: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أو في بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما... (2)) فرجع عليه السلام حتى بايعه وهو يقول:

" خدعة وأي خدعة " (3).

وروى البلاذري في كتابه عن الكلبي، عن أبيه عن أبي مخنف في إسناد له: إن أمير المؤمنين عليه السلام لما بايع عبد الرحمن عثمان كان قائما فقعد، فقال له عبد الرحمن: بايع وإلا أضرب عنقك، ولم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره. فيقال: إن عليا عليه السلام خرج مغضبا فلحقه أصحاب الشورى، فقالوا له: بايع، وإلا جاهدناك فأقبل معهم يمشي

____________

(1) الختونة: المصاهرة، والذي في الطبري " حبوته حبوة دهر " والحبوة:

العطاء.

(2) الفتح 10.

(3) الطبري 4 / 238 وفيه " خدعة وإيما خدعة ".


الصفحة 211
حتى بايع عثمان فأي رضا هاهنا، وأي إجماع، وكيف يكون مختارا من يهدد بالقتل والجهاد!

وهذا المعنى يعني حديث التهديد بضرب العنق لو روته الشيعة لتضاحك المخالفون منه، ولتغامزوا وقالوا: وهذا من جملة ما يدعونه من المحال، ويروونه من الأحاديث، وقد أنطق الله به رواتهم، وأجراه على أفواه ثقاتهم.

وقد تكلم المقداد في ذلك اليوم بكلام طويل نفند (1) فيه ما فعلوه من بيعة عثمان، وعدولهم بالأمر عن أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن قال له عبد الرحمن: يا مقداد اتق الله فإني خائف عليك الفتنة، ثم جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أتقاتل فنقاتل؟ فقال عليه السلام: فبمن نقاتل، وتكلم أيضا عمار فيما رواه أبو مخنف فقال: يا معشر قريش أين تصرفون هذا الأمر من أهل بيت نبيكم؟ تحولونه ها هنا مرة وهاهنا مرة أما والله ما أنا بآمن أن ينزعه الله منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله، ووضعتموه في غير أهله، فقال له هشام بن الوليد (2): يا ابن سمية لقد عدوت طورك، وما عرفت قدرك، وما أنت وما رأته قريش لأنفسها وإمارتها، فتنح عنها، وتكلمت قريش بأجمعها وصاحت بعمار وانتهرته، فقال: الحمد لله ما زال أعوان الحق قليلا.

وروى أبو مخنف أن عمارا رحمه الله قال في ذلك اليوم:


يا ناعي الاسلام قم فانعه قد مات عرف وأتى منكر

____________

(1) التفنيد: اللوم وتضعيف الرأي.

(2) هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي أخو خالد بن الوليد من المؤلفة قلوبهم (انظر الإصابة ق 1 حرف الهاء بترجمته) وفي الطبري " فقال رجل من بني مخزوم " ولا أدري لم هذه الكناية.


الصفحة 212
أما والله لو أن لي أعوانا لقاتلتهم، وقال لأمير المؤمنين عليه السلام: لئن قاتلتهم بواحد لأكونن ثانيا، فقال عليه السلام: والله ما أجد عليهم أعوانا ولا أحب أن أعرضكم لما لا تطيقون.

وروى أبو مخنف عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام وكنت حاضرا بالمدينة فإذا هو واجم كئيب، فقلت: ما أصاب قوم صرفوا هذا الأمر عنكم، فقال: صبر جميل فقلت: سبحان الله إنك لصبور قال: فأصنع ماذا؟ قلت: تقوم في الناس وتدعوهم إلى نفسك إنك أولى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالعمل والسابقة، وتسألهم النصر على هؤلاء المتظاهرين عليك، فإن أجابك عشرة من مائة شددت بالعشرة على المائة وإن دانوا لك كان لك ما أحببت، وإن أبوا قاتلتهم، فإن ظهرت عليهم فهو سلطان الله الذي أتاه نبيه صلى الله عليه وآله وكنت أولى به منهم، إذ ذهبوا بذلك فرده الله إليك، وإن قتلت في طلبه قتلت شهيدا، وكنت أولى بالعذر عند الله في الدنيا والآخرة، فقال: أو تراه كان تابعي من كل مائة عشرة؟ فقلت له: أرجو ذلك قال: لكن لا أرجو، ولا والله من المائة اثنين، وسأخبرك من أين ذلك إن الناس إنما ينظرون إلى قريش، فيقولون هم قوم محمد صلى الله عليه وآله وقبيلته، وإن قريشا تنظر فينا ويقولون إن لهم بالنبوة فضلا على سائر قريش، وإنهم أولياء هذا الأمر من دون قريش والناس، إنهم إن ولوه لم يخرج هذا السلطان منهم إلى أحد ابدا، ومتى كان في غيرهم تداولتموه بينكم، فلا والله لا تدفع هذا السلطان قريش طائعة إلينا أبدا فقلت: أفلا أرجع إلى المصر فأخبر الناس بمقالتك هذه، وأدعو الناس إليك؟ فقال: يا جندب ليس هذا زمان ذاك، فرجعت فكلما ذكرت للناس شيئا من فضل علي عليه السلام زبروني، وقهروني حتى رفع ذلك من أمري إلى الوليد بن عقبة، فبعث

الصفحة 213
إلي فحبسني، وهذه الجملة التي أوردناها قليل من كثير في أن الخلاف كان واقعا، والرضا كان مرتفعا والأمر إنما تم بالحيلة والمكر والخداع، وأول شئ مكر به عبد الرحمن أنه ابتدأ فأخرج نفسه من الأمر ليتمكن من صرفه إلى من يريد، وليقال أنه لولا إيثار الحق، وزهده في الولاية لما أخرج نفسه، ثم عرض على أمير المؤمنين عليه السلام ما يعلم أنه لا يجيب إليه، ولا تلزمه الإجابة إليه من السيرة فيهم بسيرة الرجلين، وعلم أنه لا يتمكن من أن يقول: إن سيرتهما لا تلزمني، لئلا ينسب إلى الطعن عليهما، وكيف يلزم سيرتهما وكل واحد منهما لم يسر بسيرة صاحبه، بل اختلفا وتباينا في كثير من الأحكام، هذا بعد أن قال لأهل الشورى: وثقوا لي من أنفسكم بأنكم ترضون باختياري إذا خرجت نفسي، فأجابوه على ما رواه أبو مخنف بإسناده إلى ما عرض عليهم إلا أمير المؤمنين عليه السلام فإنه قال: أنظر، لعلمه بما يجر هذا المكر حتى أتاهم أبو طلحة فأخبره عبد الرحمن بما عرض، وبإجابة القوم إياه إلا عليا عليه السلام، فأقبل أبو طلحة على علي عليه السلام فقال: يا أبا الحسن إن أبا محمد ثقة لك وللمسلمين فما بالك تخالفه وقد عدل بالأمر عن نفسه، فلن يتحمل المأثم لغيره فاحلف علي عليه السلام عبد الرحمن أن لا يميل إلى هوى، وأن يؤثر الحق، ويجتهد للأمة، ولا يحامي ذا قرابة، فحلف له، وهذا غاية ما تمكن منه أمير المؤمنين عليه السلام في الحال، لأن عبد الرحمن لما أخرج نفسه من الأمر ظنت به الجماعة الخير، وفوضوا إليه الاختيار، فلم يقدر أمير المؤمنين عليه السلام أن يخالفهم، وينقض ما اجتمعوا عليه، فكان أكثر ما تمكن منه أن أحلفه وصرح بما يخاف من جهته من الميل إلى الهوى وإيثار القرابة غير أن ذلك كله لم يغن شيئا.

وأما قول صاحب الكتاب: (إن دخوله عليه السلام في الشورى

الصفحة 214
دلالة على أنه لا نص عليه بالإمامة (1) ولو كان عليه نص لصرح به في تلك الحال وكان ذكره أولى من ذكر الفضائل والمناقب) فقد تقدم الكلام في هذا مستقصى وبينا المانع (2) من تصريحه عليه السلام في تلك الحال وغيرها بالنص وذكرنا أيضا علة دخوله في الشورى ولو لم يدخل فيها إلا ليحتج بما احتج به من مقاماته وفضائله، وذرائعه (3) ووسائله إلى الإمامة، وبالأخبار الدالة عند تأملها على النص والإشارة بالإمامة إليه لكان غرضا صحيحا، وداعيا قويا، وكيف لا يدخل في الشورى وعندهم أن واضعها قد أحسن النظر للمسلمين، وفعل ما لم يسبق إليه من التحرز للدين!

فأول ما كان يقال له: - لو امتنع منها - إنك مصرح بالطعن على واضعها، وعلى جماعة المسلمين بالرضا بها، وليس طعنك إلا لأنك ترى أن الأمر لك، وإنك أحق به، فيعود الأمر إلى ما كان عليه السلام يخافه من تفرق الأمة، ووقوع الفتنة، وتشتت الكلمة، وفي أصحابنا القائلين بالنص من يقول: إنه عليه السلام إنما دخل في الشورى لتجويزه أن ينال الأمر منها، وعليه أن يتوصل إلى ما يلزمه القيام به من كل وجه يظن أنه توصل إليه وقول صاحب الكتاب: (إن التقية لا يمكن أن يتعلق بها لأن الأمر لم يكن استقر لواحد) طريف لأن الأمر وإن لم يكن في تلك الحال مستقرا لأحد فمعلوم أن الإظهار لما يطعن في المتقدمين من ولاة الأمر لا

____________

(1) في المغني " وصح دلالة دخوله في الشورى أن لا نص عليه ".

(2) ع " إن المانع من ذكر النص كونه يقتضي تضليل من تقدم عليه وتفسيقهم، وليس كذلك تعديد المناقب والفضائل، وأما دخوله في الشورى فلو لم يدخل فيها إلا ليحتج بما احتج به من مقاماته " الخ خ ل.

(3) الذرائع جمع ذريعة وهي الوسيلة.


الصفحة 215
يتمكن منه، ولا يرضى به، وكذلك الخروج مما يتفق أكثرهم عليه ويرضى جهودهم به، لا يقرون أحدا عليه، بل يعدونه شذوذا عن الجماعة، وخلافا على الأمة، فأما قوله: (إن الأفعال لا يقدح فيها بالظنون، بل يجب أن تحمل على ظاهر الصحة، وإن الفاعل إذا تقدمت له حالة تقتضي حسن الظن به يجب أن يحمل فعله على ما يطابقها) فإنا متى سلمنا له هذه المقدمة لم يتم قصده فيها، لأن الفعل إذا كان له ظاهر وجب أن يحمل على ظاهره إلا بدليل يعدل بنا عن ظاهره، كما يجب مثله في الألفاظ، وقد بينا أن ظاهر الشورى وما جرى فيها يقتضي ما ذكرناه للإمارات اللائحة الوجوه الظاهرة، فما عدلنا عن ظاهر إلى محتمل، بل المخالف هو الذي يسومنا أن نعدل عن الظاهر.

فأما الفاعل وما تقدم له من الأحوال فمتى تقدم للفاعل حالة تقتضي أن يظن به الخير من غير علم ولا يقين، فلا بد من أن يؤثر فيها، ويقدح أن يرى له حالة أخرى تقتضي ظن القبيح به لدلالة ظاهرها على ذلك، وليس لنا أن نقضي بالأولى على الثانية وهما جميعا مظنونتان، لأن ذلك بمنزلة أن يقول قائل: اقضوا بالثانية على الأولى، وليس كذلك إذا تقدمت للفاعل حالة تقتضي العلم بالخير منه، ثم تليها حالة تقتضي ظن القبيح به، لأنا حينئذ نقضي بالعلم على الظن ونبطل حكمه لمكان العلم، وإذا صحت هذه الجملة فما تقدمت لمن ذكر حالة تقتضي العلم بالخير، وإنما تقدم ما يقتضي حسن الظن، فليس لنا أن لا نسئ الظن عند ظهور إمارات سوء الظن، لأن كل ذلك مظنون غير معلوم.

وقوله: (ولو أراد ذلك ما منعه من أن ينص على عثمان مانع، كما لم يمنع ذلك أبا بكر من النص عليه) ليس بشئ، لأنه فعل ما يقوم

الصفحة 216
مقام النص على من أراد إيصاله إليه، وصرفه عمن أراد أن يصرفه عنه من غير شناعة للتصريح، وحتى لا يقال ما قيل في أبي بكر، ويراجع في نصه كما روجع أبو بكر، ولم يتعسف أبعد الطريقين وغرضه يتم من أقربهما.

فأما بيان صاحب الكتاب: (إن الانتقال من الستة إلى الأربعة في الشورى ومن الأربعة إلى الثلاثة لا يكون تناقضا) فهو رد على من زعم أن ذلك تناقض، فليس من هذا الوجه طعنا بل قد بينا وجوه المطاعن ففصلناها.

فأما قوله: (إن الأمور المستقبلة لا تعلم وإنما تحصل فيها إمارة) ردا على من قال: إن عمر كان يعلم أن عليا عليه السلام وعثمان لا يجتمعان وأن عبد الرحمن يميل إلى عثمان، فكلام في غير موضعه، لأن المراد بذلك الظن لا العلم وإن عبر عن الظن بالعلم فعلى طريقة في الاستعمال معروفة، لا يتناكرها المتكلمون.

ولعل صاحب الكتاب قد استعمل في العلم موضع الظن فيما لا يحصى كثرة من كتابه هذا وغيره.

وقد بينا فيما ذكرناه من رواية الكلبي عن أبي مخنف أن أمير المؤمنين عليه السلام أول من سبق إلى هذا المعنى في قوله للعباس شاكيا إليه:

ذهب والله الأمر منا لأن سعدا لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن، وعبد الرحمن صهر عثمان فأحدهما مختار لصاحبه لا محالة، وإن كان الزبير وطلحة معي فلن انتفع بذلك إذا كان ابن عوف في الثلاثة الآخرين.

فأما قوله: (إن عبد الرحمن كان زاهدا في الأمر والزاهد أقرب إلى التثبت) فقد بينا وجه إظهار الزهد فيه، وأنه جعله الذريعة إلى مراده.


الصفحة 217
فأما قوله: (إن الضعف الذي وصفه به إنما أراد به الضعف عن القيام بالإمامة لا ضعف الرأي) فهب إن الأمر كذلك أليس قد جعله أحد من يجوز أن يختار للإمامة، ويفوض إليه مع أنه ضعيف عنها، وهذا بمنزلة أن يصفه بالفسق ثم يدخله في جملة القوم، لأن الضعف عن الإمامة مانع منها كما أن الفسق كذلك، وهذا الكلام يأتي على جميع ما ذكره في الفصل (1).

قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى وربما قالوا: إنه أبدع في الدين ما لا يجوز كالتراويح، وما عمله في الخراج الذي وضعه على السواد، وفي ترتيب الجزية، وكل ذلك مخالف القرآن والسنة، لأنه تعالى جعل الغنيمة للغانمين، والخمس منها لأهل الخمس، فخالف القرآن وكذلك السنة تنطق في الجزية أن على كل حالم دينارا فخالف ذلك، والسنة أن الجماعة لا تكون إلا في المكتوبات فخالف السنة).

وأجاب عن ذلك: (إن قيام شهر رمضان قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه عمله ثم تركه، وإذا علم أن الترك ليس بنسخ صار سنة يجوز أن يعمل بها، وإذا كان ما لأجله ترك عليه السلام من التنبيه بذلك على أنه ليس بفرض ومن تخفيف التعبد ليس بقائم في فعل عمر لم يمتنع أن يدوم عليه، * وإذا كان فيه الدعاء إلى الصلاة والتشدد في حفظ القرآن * (2) فما الذي يمنع أن يعمل به [ على وجه أنه مسنون ] (3).

____________

(1) كلام القاضي في هذا الباب ورد المرتضى عليه أورده ابن أبي الحديد في شريح نهج البلاغة ج 12 ص 256 - 270 مع تفاوت بسيط في بعض الحروف والكلمات.

(2) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".

(3) التكملة من " المغني ".


الصفحة 218
قال: (فأما أمر الخراج فأصله الستة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أن لمن يتولى الأمر ضربا من الاختيار في الغنيمة، وكذلك فصل بين الأموال والرجال فجعل الاختيار في الرجال إلى الإمام في القتل والاسترقاق والمفاداة، وفصل بينه وبين المال، وإن كان الجميع غنيمة، وذكر أن الغنيمة لم تضف إلى الغانمين على سبيل الملك وإنما المراد أن لهم في ذلك من الاختصاص والحق ما ليس لغيرهم فإذا عرض ما يقتضي تقديم أمر آخر جاز للإمام أن يفعل، ورأى عمر في أرض السواد الاحتياط للاسلام أن يقر في أيديهم على الخراج الذي وضعه [ لما فيه من الأحوال المؤدية للقوة بفعله ] (1) وأن في الناس من يقول فعل ذلك برضا الغانمين، وبأن عوض [ بعضهم ] (1) واستدل على صحة فعله بالاجماع من الأمة، وبأنه لما أفضى الأمر إلى أمير المؤمنين تركه [ على جملته، ولو كان ذلك منكرا لغيره كما غير في أيامه الأمور المنكرة (1) ] وذكر في الجزية أن طريقها الاجتهاد وأن الخبر المروي في هذا الباب ليس بمقطوع به، ولا معناه معلوم (2) ذكر أنه تكلم على ما فيه من المطاعن وعلى المشهور منها دون ما يعلم أنه لا أصل له وحكي عن أبي علي أنه لو جاز أن يعول في الطعن على مثل ذلك لم يسلم أحد من الطعن، وعارض بالخوارج وطعنهم على أمير المؤمنين عليه السلام ثم نبه على ما ترك مما ادعى أن الأمر في بطلانه ظاهر نحو ما روي عن أبي بكر وكلامه في الصلاة وقوله: لا يفعلن خالد ما آمره وما روي من أن عمر قال لأبي بكر يوم الغدير إن محمدا لمفتون بابن عمه [ ولو قدر أن يجعله نبيا لفعل (1) ] وحديث ما عزم عليه من إحراق بيت فاطمة عليها

____________

(1) الزيادة من " المغني " وكل زيادة تحت هذه الرقم فمنه أيضا.

(2) كل ما نقله المرتضى في هذا الباب من " المغني " نقله باختصار (انظر المغني ج 20 ق ص 27 - 29).


الصفحة 219
السلام [ ونحو ما رووه عن عمر قال: ثلاثة أشياء كانت على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما وزادوا على ذلك وحي على خير العمل، في الأذان ]... (1).

يقال له: أما التراويح فلا شبهة أنها بدعة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (يا أيها الناس إن الصلاة باليل في شهر رمضان من النافلة جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجتمعوا ليلا في شهر رمضان في النافلة، ولا تصلوا صلاة الضحى، فإن قليلا في سنة خير من كثير في بدعة، ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة سبيلها في النار).

وقد روي أن عمر خرج في شهر رمضان ليلا فرأى المصابيح في المساجد فقال: وما هذا؟ فقيل له: إن الناس قد اجتمعوا لصلاة التطوع، فقال: بدعة، ونعمت البدعة، فاعترف كما ترى بأنها بدعة، وقد شهد الرسول صلى الله عليه وآله بأن كل بدعة ضلالة.

وقد روي أن أمير المؤمنين عليه السلام لما اجتمعوا إليه بالكوفة فسألوه أن ينصب لهم إماما يصلي بهم نافلة شهر رمضان زجرهم، وعرفهم أن ذلك خلاف السنة فتركوه، واجتمعوا لأنفسهم وقدموا بعضهم، فبعث إليهم الحسن عليه السلام فدخل عليهم المسجد ومعه الدرة فلما رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا واعمراه فأما ادعاؤه أن قيام شهر

____________

(1) ما بين المعقوفين ساقط في " الشافي " وأعدناه من " المغني " والمظنون أنها أيضا ساقطة من نسخة " المغني " التي نقض المرتضى ما فيها لأنه لم يتعرض للرد عليها كما ترى، ونهي عمر (رض) عن هذه الثلاثة نص عليه علاء الدين علي بن محمد القوشجي وهو من أئمة المتكلمين على مذهب الأشاعرة في أواخر مبحث الإمامة من شرح التجريد تجد تفصيل ذلك في كتاب " النص والاجتهاد " لشرف الدين ص 206.


الصفحة 220
رمضان كان في أيام الرسول صلى الله عليه وآله ثم تركه فمغالطة منه لأنا لا ننكر قيام شهر رمضان بالنوافل على سبيل الانفراد وإنما أنكرنا الاجتماع على ذلك.

فإن ادعى أن الرسول صلى الله عليه وآله صلاها جماعة في أيامه فإنها مكابرة ما أقدم عليها أحد ولو كان كذلك ما قال عمر: إنها بدعة، وإن أراد غير ذلك فهو ما لا ينفعه لأن الذي أنكرناه غيره والذي ذكره من أن فيه التشدد في حفظ القرآن والمحافظة على الصلاة ليس بشئ لأن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله بذلك أعلم، ولو كان كما قاله لكانا يسنان هذه الصلاة ويأمران بها، وليس لنا أن نبدع في الدين بما يظن أن فيه مصلحة لأنه لا خلاف في أن ذلك لا يسوغ ولا يحل.

فأما أمر الخراج فهو خلاف لنص القرآن لأن الله تعالى جعل الغنيمة في وجوه مخصوصة فمن خالفها فقد أبدع، وليس للإمام ولا لغيره أن يجتهد فيخالف النص، فبطل قوله: (إنه رأى من الاحتياط للاسلام أن تقر في أيديهم على الخراج) لأن خلاف النص لا يكون من الاحتياط، والله ورسوله أعلم بالاحتياط منه، ولو كان أرضى الغانمين عن ذلك أو عوضهم بينة على ما ادعاه صاحب الكتاب، لوجب أن يظهر ذلك، ويعلم وما عرفنا من ذلك شيئا، ولا نقله الناقلون، وما ادعاه من الإجماع فمعوله فيه على ترك النكير الذي قد تقدم الكلام عليه وتكرر، وكذلك تقدم الكلام في وجه إقرار أمير المؤمنين عليه السلام ما أقره من أحكام القوم وادعاؤه أن خبر الجزية غير معلوم، ولا مقطوع به، فهب أن ذلك سلم على ما فيه أليس من مذهبه أن أخبار الآحاد في الشريعة يعمل بها وإن لم تكن معلومة فألا عمل عمر بالخبر الذي روي في هذا الباب، وعدل عن اجتهاده الذي أداه إلى مخالفة النص.


الصفحة 221
فأما ما عارض به من مذهب الخوارج فمن المعارضة البعيدة، لأن الخوارج لم تنقم على أمير المؤمنين عليه السلام إلا ما هو معلوم وقوعه، وإنما اشتبه عليهم صفته، وهل يدخل في باب القبح أو الحسن، وعلينا أن نبين لهم زوال القبح عن ذلك، وأنه حسن صواب، وما نعرف أحدا منهم يطعن بما يخالف ما ذكرناه.

فأما تقسيمه الشبه إلى بعيد وقريب وخفي البطلان وظاهره، فما وجدناه عول في هذا التمييز بين الأمرين إلا على استبعاده، وادعائه أن ذلك ظاهر البطلان، ومثل هذا لا يكون حجة، وقد كان يجب أن يبين من أي وجه كان خبر خالد بن الوليد وما شاكله من السخف والبطلان بحيث لا يجوز أن يتكلم عليه، وما الذي بعد هذا وقرب ما تكلم عليه، فإنه ما اعتمد في ذلك إلا على ما لا حجة فيه ولا شبهة فأما خبر الاحراق فقد مضى ما فيه كفاية فيما تقدم فلا معنى لإعادته (1).

____________

(1) ما تقدم في هذا الباب من كلام القاضي ونقض المرتضى منقول في شرح نهج البلاغة ج 2 / 281 - 284 باختلاف يسير.