عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
القرن الرابع -26- الجوهري الجرجاني المتوفى حدود 380 أمـــــا أخـــــذت عـــــليكم إذ نـــزلت بكم * (غـــــدير خـــــم) عــقودا بعد أيمان ؟ ! وقـــــد جـــــذبت بضبعــي خير من وطي * البطـــــحاء مـــــن مضر العليا وعدنان وقلـــــت والله يـــــأبى أن اقـــــصـــر أو * أعـــــف المســـــألة عـن شرح وتبيان : هـــــذا عـــــلي مـــــولى مـن بعثت له * مـــــولى وطـــــابق ســري فيه إعلاني هـــــذا ابـــن عمي ووالي منبري وأخي * ووارثــي دون أصحـــابي وإخـــــوانـــي محـــل هـــــذا إذا قــــايست مـــــن بدني * محل هارون من موسى بن عمران(1) وله في (المناقب) لابن شهر آشوب ج 2 ص 203 قوله: و (غدير خم) ليـــس ينكر فضله * إلا زنـــــيم فـــــاجـــــر كـــــفــار من ذا عليه الشمس بعد مغيبها * ردت بـــــبابل ؟ فاستـــبن يا حار وعليــه قد ردت ليوم المصطفى * يومـــــا وفـــــي هذا جـرت أخبار حـــــاز الفـضايل والمناقب كلها * أنى تحـــــيط بمدحـه الأشعار ؟ ! * (الشاعر) * : أبو الحسن علي بن أحمد الجرجاني ويعرف بالجوهري كما ذكر ذلك في غير مورد من شعره، مقياس من مقاييس الأدب، وأحد أعضاد العربية، ومن المفلقين في صاغة القريض، كان من صنائع الوزير الصاحب ابن عباد وندمائه وشعرائه، تعاطى صناعة الشعر في ريعان من عمره وأوليات أمره، وكان يرمي إلى المغازي البعيدة بلفظ قريب، وترتيب سهل، وكان في إعطاء المحاسن إياه زمامها كما قيل: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مناقب ابن شهر آشوب ج 1 ص 532 طبع ايران، والصراط المستقيم للبياضي العاملي.
/ صفحة 83 / جذع يبن على المذاكي القرح (2 ). وكان الصاحب يعجب به أشد الاعجاب، ويروقه مستحسن شعره المجانس لحسن روائه، ومناسبة روحه وشمائله خفة وظرفا، وقد اصطنعه لنفسه واختاره للسفارة بينه وبين العمال والأمراء فكان يمثله في رسالاته أحسن تمثيل، فيملأ العيون جمالا، والقلوب كمالا، وقد أطراه أبلغ إطراء فيما كتبه إلى أبي العباس الضبي [ أحد شعراء الغدير ] بإصبهان واستحثه على إكرامه وجلب مراضيه والكتاب مذكور في (اليتيمة) ج 4 ص 26 وها نحن نأخذ منه لبابه قال: فإن يقل مولاي: من ذا الذي هذا خطبه وهذه خطته ؟ ! أقل: من فضله برهان حق، وشعره لسان صدق، و من أطبق أهل جلدته على أنه معجزة بلدته، فلا يعد لجرجان بعيدا ولا قريبا، أو لأختها طبرستان قديما ولا حديثا مثله، ومن أخذ برقاب النظم أخذه، وملك رق القوافي ملكه، ذاك على اقتبال شبابه وريعان عمره، وقبل أن تحدثه الآداب، وقبل جري المذكيات غلاب - أبو الحسن الجوهري - أيده الله، وبناؤه منذ حين وخصوصه بي كالصبح المبين، إلا أن لمشاهدة الحاضر ومعاينة الناظر، مزية لا يستقصيها الخبر، وإن امتد نفسه وطال عنانه ومرسه، وقد ألف إلى هذه الفضيلة التي فرع بينها، وأوفى على ذوي التجربة والتقدمة فيها نفاذا في أدب الخدمة، ومعرفة بحق الندام والعشرة، و قبولا يملأ به مجلس الحفلة، إنصاتا للمتبوع إلا إذا وجب القول، وإعظاما للمخدوم إلا إذا خرج الأمر، وظرفا يشحن مجلس الخلوة، وحديثا يسكت به العناد، ويطاول البلابل، فإن اتفق أن يفسح له الفارسية نظما ونثرا طفح آذيه، وسال آتيه، فالسنة أهل مصره إلا الأفراد بروق إذا وطئوا أعقاب العجم، وقيود إذا تعاطوا لغات العرب، حتى أن الأديب منهم المقدم والعليم المسوم يتلعثم إذا حاضر بمنطقه كأنه لم يدر من عدنان، ولم يسمع من قحطان، ومن فضول أخينا أو فضله أنه يدعي الكتابة، ويدارس البلاغة، ويمارس الانشاء، ويهذي فيه ما شاء، وكنت أخرجته إلى ناصر الدولة أبي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (2) الجذع بالحركتين: صغير البهائم والشاب الحديث. بين من أبن بالمكان: أقام به وثبت ولزم: المذاكي ج المذكي، من الخيل ما تم سنه وكملت قوته. القرح ج القارح هو من ذي الحافر الذي شق نابه وطلع.
/ صفحة 84 / الحسن محمد بن إبراهيم فوفق التوفيق كله صيانة لنفسه، وأمانة في ودائع لسانه و يده، وإظهارا لنسك لم أعهده في مسكه، حتى خرج وسلم على نقده، وإن نقده لشديد لمثله، ومولاي يجريه بحضرته مجراه بحضرتي، فطعامه ومنامه وقعوده وقيامه إما بين يدي، أو بأقرب المجالس لدي، ولا يقولن: هذا أديب وشاعر، أو وافد و زائر، بل يحسبه قد تخفف بين يديه أعواما وأحقابا، وقضى في التصرف لديه صبا و شبابا، وهذا إنما يحتاج إلى وسيط وشفيع ما لم ينشر بزه، ولم يظهر طرزه، و إلا فسيكون بعد شفيع من سواه، ووسيط من عداه، فهناك يحمد الله درقه وحدقه، و وجنة مطرفة، وما أكثر ما يفاخرنا بمناظر جرجان وصحاريها ورفارفها وحواشيها فليملأ مولاي عينه من منتزهات إصبهان، فعسى طماحه أن يخف وجماحه أن يقل. والثعالبي لم يئل جهدا في الثناء عليه وقال: عهدي به وقد ورد نيسابور رسولا إلى الأمير أبي الحسن في سنة سبع وسبعين وثلثمائة، وذكر نبذا راقية من شعره في مجلدات (اليتيمة )، وترجمه صاحب (رياض العلماء) ووصف فضله وشعره، ومن قوله، في رثاء الإمام السبط الشهيد عليه السلام: وجــــدي بكوفان ما وجـدي بكوفان * تهــمي عليه ضلوعي قبل أجفاني أرض إذا نفخــــت ريح العراق بها * أتـــــت بشــاشتها أقصى خراسان ومن قتيل بأعلى كربلاء على جهد * الصــدى فـــــتراه غـــــير صــديان وذي صفـــــائح يستسقى البقيع به * ري الجـــوانح من روح ورضوان 5 هـــــذا قسيـم رسول الله من ادم * قـــــدا معا مثـــــل ما قد الشراكان وذاك سبطــــا رســــول الله جدهما * وجه الهدى وهما في الوجه عينان واخجـــــلتا مـن أبيهم يوم يشهدهم * مضـــــرجين نشـــاوى مـن دم قان يقـــــول: يا أمــــة حف الضلال بها * واستـــــبدلت للعــمى كفرا بإيمـان مـــــاذا جنيت عـــــليكم إذ أتيـــتــكم * بخــير ما جاء من آي وفرقان ؟ ! 10 ألـــم أجركم وأنتم في ضلالتكم * عـلى شفا حفرة من حر نيران ؟ ! ألـــــم أؤلـــــف قـــــلوبـا منكم فرقا * مثـــــارة بـــين أحقاد وأضغان ؟ ! أمـــــا تركـــــت كتـــــاب الله بــينكم * وآية العـــــز فــي جمع وقرآن ؟ !
/ صفحة 85 / ألــــــم أكــــــن فيــكم غوثا لمضطهد ؟ ! * ألــــــم أكــــــن فيـــكم ماء لظمآن ؟ ! قتــلتـــموا ولــــــدي صبـــــرا على ضمأ * هــــذا وترجون عند الحوض إحساني 15 سبيتم ثكــــــلتكم أمهــــــاتــــــكــــــم * بني البــــــتول وهم لحـــمي وجثماني مــــــزقتم ونكثــــــتم عــــــهد والـــــدهم * وقــــــد قطعــــــتم بـذاك النكث أقراني يا رب خــــــذلي منهــــــم إذ هــم ظلموا * كــــــرام رهــــطي وراموا هدم بنياني مــــــاذا تجيــــــبون والزهراء خصمكم * والحاكــــــم الله للمظـلوم والجاني ؟ ! أهــــــل الــــــكساء صـلاة الله ما نزلت * عــــــليكم الـــــدهر من مثنى ووحدان 20 أنــــــتم نجــــوم بني حوا ما طلعت * شــــــمس النــهار وما لاح السما كان مــــــا زلت منــــكم على شوق يهيجني * والدهــــــر يأمــــــرني فيــــــه. ينهاني حــــــتى أتيتــــــك والتــــــوحيد راحلتي * والعــــــدل زادي وتقـــوى الله إمكاني هــــــذي حــــــقايق لفــــــظ كـلما برقت * ردت بلألئهــــــا أبــــــصار عـــــــميان هي الحــــــلي لبــــــني طه وعـــتـرتهم * هي الــــــردى لبــــــني حـرب ومروان 25 هي الجواهر جاء [الجوهري] بها * محبـــــة لكـــــم مـــــن أرض جــرجان وله قصيدة يرثي بها الإمام الشهيد قتيل الطف عليه السلام في يوم عاشوراء ذكرها له الخوارزمي في مقتله، وابن شهر آشوب في مناقبه، والعلامة المجلسي في المجلد العاشر من البحار: يا أهل عاشور يا لهفي على الدين * خـــــذوا حـــــدادكم يا آل يـــــاسين اليوم شقق جـــــيب الدين وانتهبت * بنـــــات أحـمد نهب الروم والصين اليـــــوم قام بأعـــلى الطف نادبهم * يقـــــول: مــــن ليتيم أو لمسكين؟! اليوم خــــضب جيب المصطفى بدم * أمسى عـــبير نحور الحور والعين اليـــــوم خر نجوم الفخر من مضر * عـــــلى مناخـــــر تــــذليل وتوهين اليـــــوم أطفئ نـــــور الله متـــــقدا * وجــــررت لهم التقوى على الطين الـــــيوم هتك أسبـــاب الهدى مزقا * وبرقعـــــت غـــرة الاسلام بالهون اليـــــوم زعزع قـــدس من جوانبه * وطـــــاح بالخـيل ساحات الميادين اليـــــوم نال بـــــنو حــرب طوايلها * مما صلـــــوه بـــــبدر ثـــــم صفين
/ صفحة 86 / 10 اليوم جدل سبط المصطفى شرقا * من نفـــــسه بنجيع غـــــير مسنـون زادوا عـــــليه بحــــسب الماء غلته * تـــــبا لـــــرأي فـــــريق منــه مغبون نالـــــوا أزمـــــة دنيـــــاهم ببغــيهم * فليتـــــهم سمـــــحوا منــــها بماعون حـــــتى يصيح بقنسرين (1) راهبها * يا فـــــرقة الغــــي يا حزب الشياطين أتهـــــزون بـــــرأس بـــــات منتصبا * عـــــلى القـــــناة بدين الله يوصيني؟! 15 آمنت ويحكـــــم بالله مهتـــــديــا * وبالنـــــبي وحـــــب المـــرتضى ديني فجـــــدلوه صريعـــــا فـــــوق جبهته * وقسمـــــوه بأطـــــراف السكـــــاكـين وأوقـــــروا صهوات الخيل من إحن * عـــــلى أســـــاراهم فعـــل الفراعـين مصعـــــدين عـــــلى أقتــاب أرحلهم * محمولـــــة بــــين مضروب ومطعون أطفـــــال فاطمـة الزهراء قد فطموا * من الثـــــدي بأنـــــياب الثعـــــابـــــين 20 يا أمة ولـــــي الشيـطان رايتها * ومكـــــن الغـــــي منهـــــا كــل تمكين مـــــا المـــرتضى وبنوه من معاوية * ولا الفـــــواطم مـــــن هنـــد وميسون آل الـــــرسول عباديـد السيوف فمن * هـــــام على وجهـــــه خوفا ومسجون يا عـــــين لا تـــــدعي شيـــئا لغادية * تهـــــمي ولا تـــــدعي دمعـــا لمحزون قومـــي عـلي جدث بالطف فانتقضي * بكـــــل لـــــؤلـــــؤ دمـــــع فيـك مكنون 25 يا آل أحــمد إن (الجوهري) لكم * سيـــــف يقـــــطع عـــنكم كل موصون وذكر له الثعالبي كثيرا من شعره في (اليتيمة) 4 ص 29 - 41 ومما ذكر له من قصيدة في شريف حسني قوله: لا عـــــتـــــب إن بـــذلت عيني بما أجد * فـــــقد بكـــــى لـي عوادي لما عهدوا لـــــو أن لـــــي جــسدا يقوى لطفت به * على العـــــزاء ولكــن ليس لي جسد تبعـــــتهم بذمـــــاء كـــــان يمــــــسكه * تعـــــلل بخـــــيال كـــــلما بـــــعـــــدوا يا ليـــــلة غـــــمضت عــــنـي كواكبها * ترفـــــقي بجـــــفون غـــــمضها رمــد 5 أهوى الصباح وما لي فيه منتصف * مـــــن الظـــــلام ولكـــــن طالما أجــد لـــــو أن لي أمـــــدا في الشوق أبلغه * صبرت عـــــنك ولكـــــن ليـس لي أمد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) قنسرين بكسر أوله وفتح ثانيه وتشديده: مدينة بينهما وبين حلب مرحلة.
/ صفحة 87 / بكيت بعد دموعــــي فـي الهوي جلدي * وهــــل سمعــــت بــــبال دمعه جلد ؟ ! تــــذوب نار فــــؤادي في الهوى بردا * وهــــل سمعــــت بـــــنار ذوبها برد ؟ ! قــــالوا: ألفت رباجي (1) فقلت لهم: * الحــــب أهــــل وإدراك المنــــى ولــــد أنــــدى محــــاسن جــــي انــــه بــــلد * طلــــق النهــــار ولــــكن ليــــله نــــكـد 10 إذا استحــــب بــــلاد للمعاش بها * فحيثــــما نعــــمت حــــالي بــــه بــــلــد وللمكارم قــــوم لا خــــفــــاء بــــهــم * هــــم يــــعــــرفون بسيماهم إذا شهدوا لله معــــشر صــــدق كلــــما تلــــيـــت * عـلى الورى سورة من مجدهم سجدوا ذريــــــــة أبهــــرت طــــه بجــــدهــــم * وهــــل أتــــى بأبــــيهم حــين تنتقد ؟ ! وإن تصنــــع شعــــر فـــــي ذوي كرم * يــــا بن النــــبي فشعـــري فيك مقتصد 15 أصبت فيـــك رشاري غير مجتهد * وليــــس كــــل مصيــــب فـــــيك مجتهد بسطــــت عـــرض فناء الدهر مكرمة * طــــرائق الحــــمد فــــي حــــافاتها قدد توفي المترجم بجرجان بعد سنة 377 وقبل سنة 385 فقد بعثه الصاحب بن عباد رسولا إلى الأمير أبي الحسن ناصر الدولة سنة 377 ووجهه بعدها إلى أبي العباس الضبي إلى إصفهان، ولما انقلب من إصبهان إلى جرجان لم تطل به الأيام حتى أصبح مقبورا كما ذكره الثعالبي، فوفاة المترجم في حياة الصاحب المتوفى 385 تستدعي وقوعها بين التاريخين حدود 380. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) جي بالفتح ثم التشديد: مدينة بينها وبين اصبهان نحو ميلين، قال ياقوت في المعجم وتسمى الآن عند المعجم: شهرستان وعند المحدثين: المدينة. |
|