عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
الجزء الخامس بقية شعراء الغدير في القرن السادس وشعراءه في القرن السابع وهم اثنا عشر شاعرا والله المستعان وفي هذا الجزء من أهم الأبحاث العلمية الدينية ما لا غنى عنه لكل ديني ابتغى الحق وارتاد الحقيقة
بقية شعراء الغدير في القرن السادس
-53- السيد محمد الأقساسي المتوفى ح 575
وحــــق عــــلي خـير من وطأ الثرى * وأفخــــر مــــن بعـــد النبي قد افتخر خــــليفته حــــقا ووارث عــــلــــمــه * بــــه شــرفت عدنان وافتخرت مضر ومن قام في يوم " الغدير " بعضده * نبــــي الهــــدى حـــقا فسائل به عمر ومن كسر الأصنام لم يخش عارهـا * وقـــد طـــال ما صلى لها عصبة أخر وصهــــر رســول الله في ابنته التي * عــــلى فـضلها قد أنزل الآي والسور أليــــة عــــبد حــــق مــن لا يرى له * ســــوى حــــبه يــــوم القــيامة مدخر لأحــــزنني يــــوم الـــــوداع وسرني * قــــدومك بالجـــلى من الأمن والظفر عارض الشاعر بهذه الأبيات بيتين لبعض العامة وهما : وحـــق أبــــي بكــــر الذي هو خير من * على الأرض بعد المصطفى سيد البشر لقـــــد أحـــــدث التـــــوديع عند وداعنا * لـــــواعجه بـــــين الجوانح تستعر (1) * (الشاعر) * محمد بن علي بن فخر الدين أبي الحسين حمزة بن كمال الشرف أبي الحسن محمد ابن أبي القاسم الحسن الأديب ابن أبي جعفر محمد بن علي الزاهد ابن محمد الأصغر الأقساسي ابن يحيى بن الحسين ذي العبرة ابن زيد الشهيد بن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام. * (آل الأقساسي) * من أرفع البيوت العلوية لها أغصان باسقة موصولة بالدر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الطليعة في شعراء الشيعة 2 مخطوط.
/ صفحة 4 / النبوي اليافع، بزغت بهم العراق عصورا متطاولة، وإن كان منبعث غرسهم الزاكي الكوفة من قرية كبيرة أو كورة يقال لها : أقساس مالك (1) وهم بين عالم متبحر، و محدث ثقة، ولغوي متضلع، وشاعر متأنق، وأمير ظافر، ونقيب فاضل وأول من عرف بهذه النسبة السيد محمد الأصغر ابن يحيي. وأولاده تتشعب عدة شعب منهم : بنو جوذاب وهم : أولاد علي محمد الأصغر. و بنو الموضح أولاد أحمد بن محمد الأصغر. و بنو قرة العين أولاد أحمد بن علي الزاهد بن محمد الأصغر. و بنو صعوة أولاد أحمد بن محمد بن علي الزاهد بن محمد الأصغر. ومن بني صعوة طاهر بن أحمد ذكره السمعاني في " الأنساب " فقال : طاهر بن أحمد بن محمد بن علي الأقساسي كان يلقب بصعوة، وكان دينا ثقة يروي عن أبي الحسن بن محمد بن سليمان العربي العدوي عن حراش عن أنس بن مالك. والأقساسيون هم سلسلة المترجم. جده الأعلى أبو القاسم الحسن الأقساسي المعروف بالأديب ابن أبي جعفر محمد ترجمه ابن عساكر في " تاريخ الشام " 4 ص 247 فقال : إنه قدم دمشق وكان أديبا شاعرا دخل دمشق في المحرم سنة 347 ونزل في الحرمين وكان شيخا مهيبا نبيلا حسن الوجه والشيبة، بصيرا بالشعر واللغة يقول الشعر، من أجود آل أبي طالب حظا، وأحسنهم خلقا، وكان يعرف بالأقساسي نسبة إلى موضوع نحو الكوفة. وقال ابن الفوطي كما في المحكي عن مجمع آدابه : سافر الكثير وكان قد تأدب وكتب مليحا وله جماعة من الأصحاب قرأت بخطه إلى ابن نباتة السعدي : إن العـــــراق ولا أغشك ثلة * قـــــد نام راعيها فأين الذيب بنـــيانها الخـــــــراب وأهلها * سوط العذاب عليهم مصبوب ملكوا وسامهم الدنية معشر * لا العقل راضهم ولا التهذيب ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) معجم البلدان 1 ص 312 : منسوبة إلى مالك بن عبد هند بن نجم " بضم الأول وفتح الثاني " بن منعة بن برجان " إلى آخر النسب " والقس : تتبع الشئ وطلبه، وجمعه : أقساس فيجوز أن يكون مالك تطلب هذا الموضوع وتتبع عمارته فسمى بذلك.
/ صفحة 5 / كل الفضائل عندهم مهجورة * والحر فيهم كالسماح غريب وكمال الدين الشرف أبو الحسن (1) محمد بن أبي القاسم الحسن المذكور ولاه الشريف علم الهدى [ المترجم في شعراء القرن الخامس ] نقابة الكوفة وإمارة الحاج فحج بالناس مرارا وتوفي سنة 415 كما في كتب التاريخ (2) ورثاه الشريف المرتضى بقوله(3): عرفت ويا لــــيتني مــــا عرفت * فمــــر الحــــياة لمــــن قد عرف فهــــا أنا ذا طــــول هـذا الزمان * بــــين الجــــوى تــــارة والأسف فمــــن راحــــل لا إيــــــاب لــــه * ومــــاض ولــــيس لـه من خلف فــــلا الدهر يمتعــــني بالمقــــيم * ولا هــــو يرجـع لــــي من سلف أرونـــي إن كنــــتم تــــقــــدرون * مــــن ليـس يكرع كأس التلف؟5 ومـــن ليس رهنا لداعي الحمام * إذا مــــا دعـــا باسمه أو هتف ؟ ومــــا الدهر إلا الغرور الخدوع * فمــــاذا الغــرام بـه والكلــــف ؟ ومــــا هــــو إلا كلـــمح البـروق * وإلا هــــبــــوب خـــريف عصف ولــــم أر يـــومـــــا وإن ساءني * كيـــــوم حــمـام "كمال الشرف" كــــأني بعــــد فــــراق لـــــــــــه * وقـــــطع لأسبـاب تلك الألف 10 أخــــو ســـــفــــر شاســع ما له * مــــن الــــزاد إلا بقــــــايا لطــف وعــــوضنـــــي بالــرقاد السهاد * وأبـــــدلني بالضــيــــاء الســرف فــــراق ومـــــا بعــــده ملتــــقى * وصـــــد ولــيــــس لـه منعــــطف وعاتـــــبت فيك صروف الزمان * ومن عـــــاتب الــدهر لم ينتصف وقـــــد خطف الموت كل الرجال * ومثـــــلك مـن بيننا ما خطف 15 ومـــــا كــنـــــت إلا أبـي الجنان * عـلـــى الضيـــــم محتــميا بالأنف ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كناه العلم الحجة السيد ابن طاووس في كتاب " اليقين " بأبي يعلى. (2) منتظم ابن الجوزي 8 ص 19، كامل ابن الأثير 9 ص 127، تاريخ ابن كثير 12 ص 18، مجالس المؤمنين ص 211. (3) توجد القصيدة في ديوان الشريف المرتضى المخطوط. وذكر منها أبياتا ابن الجوزي في المنتظم 8 ص 20.
/ صفحة 6 / خـــــــليا من العـار صفر الإزار * مـــــدى الدهر من دنس أو نطف وأذري الـــــــدموع ويــــــا قلما * يـــــــرد الفـــــــوائت دمــع ذرف ومـــــــن أين ترنو إليك العيون * وأنت بـبوغائها في سخف ؟ 20 فبـــــــن ما مـــــــللت وكـم بائن * مضـى موسعا من قلى أو شنف وسقـــــــي ضريحـك بين القبور * مـــــــن الـــبر ما شئته واللطف ولا زال من جانبـــــــيه النسيــم * يعـــــــاوده والريـــــــاض الأنف وصيـــــــرك الله مـــــــن قاطني * الجـــــــنان وسكــان تلك الغرف تجـــــــاور آبــــــاءك الطاهرين * ويتـــــــبع الـــــــسالفين الخــلف قال ابن الأثير في " الكامل " 9 ص 121 : حج بالناس أبو الحسن الأقساسي سنة 412 فلما بلغوا فيد حصرهم العرب فبذل لهم الناصحي (1) [ أبو محمد قاضي القضاة ] خمسة آلاف دينار فلم يقنعوا، وصمموا العزم على أخذ الحاج وكان مقدمهم رجلا يقال له حمار بن عدي [ بضم العين ] من بني نبهان فركب فرسه وعليه درعه وسلاحه وجال جولة يرهب بها، وكان من سمرقند شاب يوصف بجودة الرمي، فرماه بسهم فقتله وتفرق أصحابه وسلم الحاج فحجوا وعادوا سالمين. وقال في ص 127 : في هذه السنة " يعني 415 " عاد الحجاج من مكة إلى العراق على الشام لصعوبة الطريق المعتاد، وكانوا لما وصلوا إلى مكة بذل لهم الظاهر العلوي صاحب مصر أموالا جليلة، وخلعا نفيسة، وتكلف شيئا كثيرا وأعطى لكل رجل في الصحبة جملة من المال ليظهر لأهل خراسان ذلك، وكان على تسيير الحاج الشريف أبو الحسن الأقساسي، وعلى حجاج خراسان " حسنك " نايب يمين الدولة ابن سبكتكين فعظم ما جرى على الخليفة القادر بالله وعبر [ حسنك ] دجلة وسار إلى خراسان، وتهدد القادر بالله ابن الأقساسي فمرض ومات ورثاه المرتضى وغيره. لكمال الشرف شرح قصيدة السلامي (2) التي أولها : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) من بيوتات نيسابور العلمية تنتمي إلى ناصح بن طلحة بن جعفر بن يحيى، ذكر السمعاني جمعا من رجالها في " الأنساب " في حرف النون. (2) محمد بن عبد الله المخزومي من أولاد الوليد بن المغيرة كان من مقدمي شعراء العراق ولد 336 وتوفي 393، ترجمه الثعالبي، وابن الجوزي في المنتظم، وابن خلكان في تاريخه.
/ صفحة 7 / سلام على زمزم والصفا... ينقل عنه سيدنا الحجة السيد ابن طاوس في كتاب " اليقين " في الباب الخامس والخمسين بعد المائة، والباب الذي بعده. م - وقال ابن الجوزي في " المنتظم " 8 ص 19 : ولأبي الحسن الأقساسي شعر مليح ومنه قوله في غلام اسمه بدر : يا بــــــدر وجهـــــك بدر * وغــــــنج عيـنيك سحر ومــــــاء خــــــديك ورد * وماء ثغــــــرك خـــــمر أمــــــرت عــــنك بصبر * وليـــــس لي عنك صبر تأمــــــرني بالتــــــسلي * ما لي من الشوق أمر] وجد المترجم فخر الدين أبو الحسين حمزة بن كمال الشرف محمد ذكره النسابة العمري في " المجدي " وقال : هو نقيب الكوفة كان صديقي ذا فضل وحلم ورياسة ومواساة. ولفخر الدين هذا أخ يسمى أبو محمد يحيى ذكره السمعاني في " الأنساب " وقال : كان ثقة نبيلا سمع أبا عبد الله محمد بن عبد الله القاضي الجعفري، روى لنا عنه أبو القاسم إسماعيل بن أحمد السمرقندي (1) وأبو الفضل محمد بن عمر الأرموي (2) ببغداد وأبو البركات عمر بن إبراهيم الحسني (3) بالكوفة، وكانت ولادته في شوال سنة خمس وتسعين وثلثمائة وتوفي سنة نيف وسبعين وأربعمائة. وذكره الحموي في معجم البلدان ج 1 ص 312. وأما شاعرنا المعني بالترجمة فذكره ابن الأثير في كامله 11 ص 174 وقال : وفيها [ يعني سنة 575 ] توفي محمد بن علي بن حمزة الأقساسي نقيب العلويين بالكوفة وكان ينشد كثيرا : رب قوم في خلائقهم * غرر قد صيروا غررا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كان مكثرا من الحديث عالي الرواية ولد بدمشق 454 وتوفي 536. (2) الأرموي من أهل " أرمية " احدى بلاد آذربايجان سكن بغداد وتخرجها عليه كثير من أعلامها، ولد 457 وتوفي 547. (3) مفتي الكوفة كان مشاركا في العلوم ولد سنة 442 وتوفي 539 وصلى عليه ثلاثون ألفا. حسيني النسب من ذرية زيد الشهيد.
/ صفحة 8 / ستــر المال القبيح لهم * سترى إن زال ما سترا وله أخوه علم الدين أبو محمد الحسن النقيب الطاهر ابن علي بن حمزة ولد في الكوفة ونشأ بها توفي 593، ذكره ابن كثير في " البداية والنهاية " 13 ص 16 فقال : كان شاعرا مطبقا، امتدح الخلفاء والوزراء، وهو من بيت مشهور بالأدب والرياسة والمروءة، قدم بغداد فامتدح المقتفي والمستنجد وابنه المستضئ وابنه الناصر فولاه [ الناصر ] النقابة، وكان شيخا مهيبا جاوز الثمانين، وقد أورد له ابن الساعي قصائد كثيرة منها : إصبـر على كيد الزما * ن فـما يدوم على طريقه سبـــق القضاء فكن به * راض ولا تطــلب حقيقة كم قـــــد تغــــــلب مرة * وأراك من سعة وضيقه مــا زال فــــــي أولاده * يجري على هذه الطريقة وترجمه سيدنا القاضي المرعشي في [ مجالس المؤمنين ] ص 211، وقال : الميرزا في [ رياض العلماء ] كان من أجلة السادات والشرفاء والعلماء والأدباء والشعراء بالكوفة، يروي عنه الشيخ علي بن علي بن نما وهو من مشايخ أصحابنا. ولعلم الدين مقرظا كتاب " الافصاح عن شرح معاني الصحاح " (1) كما في " تجارب السلف " لابن سنجر ص 310 قوله : ملــــك ملكـــــه الفصاحة حتى * ماله فـــــي اقتنائها من ملاح وأبــــــان البــــيان حــــتى لقد * أخرس بالنطق كل ذي إفصاح وجـــــلا كل غامض من معان * حمــلتها لنا متــــون الصحاح فـــــي كتـــــاب وحقه ما رعاه * قبــــله ذو هــــدى ولا إصلاح وخلف علم الدين ولده قطب الدين أبا عبد الله الحسين نقيب نقباء العلويين في بغداد، وكان عالما شاعرا مطلعا على السير والتواريخ قلد النقابة بعد عزل قوام الدين " أبي علي الحسن بن معد المتوفى 636 " عن النقابة سنة 624. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تأليف عون الدين يحيى بن هبيرة المتوفى 555 وهو يشتمل على تسعة عشر كتابا. راجع تاريخ ابن خلكان 2 ص 394.
/ صفحة 9 / وفي الحوادث الجامعة ص 220 : توفي فيها " يعني سنة 645 " النقيب قطب الدين أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن علي المعروف بابن الأقساسي العلوي ببغداد، وكان أديبا فاضلا يقول شعرا جيدا، بدرت منه كلمة في أيام الخليفة الناصر على وجه التصحيف وهي : - أردنا خليفة جديد - فبلغت الناصر فقال : لا يكفي حلقة لكن حلقتين، وأمر بتقييده وحمله إلى الكوفة فحمل وسجن فيها فلم يزل محبوسا إلى أن استخلف الظاهر " سنة 623 " فأمر بإطلاقه، فلما استخلف المستنصر بالله " 624 " رفق عليه فقربه وأدناه ورتبه نقيبا وجعله من ندمائه، وكان ظريفا خليعا طيب الفكاهة حاضر الجواب. وصل الملك الناصر ناصر الدين داود بن عيسى في المحرم سنة 633 إلى بغداد واجتاز بالحلة السيفية وبها الأمير شرف الدين علي، ثم توجه منها إلى بغداد فخرج إلى لقائه النقيب الطاهر قطب الدين أبو عبد الله الحسين ابن الأقساسي، وفي سلخ ربيع الأول من السنة المذكورة وصل الأمير ركن الدين إسماعيل صاحب الموصل إلى بغداد وخرج إلى لقائه النقيب الحسين بن الأقساسي وخادمان من خدم الخليفة. قصد الخليفة المستنصر بالله سنة 634 مشهد الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام في ثالث رجب فلما عاد أبرز ثلاثة آلاف دينار إلى أبي عبد الله بن الحسين الأقساسي نقيب الطالبيين وأمره أن يفرقها على العلويين المقيمين في مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسين وموسى بن جعفر عليهم السلام (1 ). حضر في سنة 637 (2) الأمير سليمان بن نظام الملك متولي المدرسة النظامية مجلس أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي بباب بدر، فتاب وتواجد وخرق ثيابه و كشف رأسه، وقام وأشهد الواعظ والجماعة على أنه قد أعتق جميع ما يملكه من رقيق، ووقف أملاكه، وخرج ما يملكه، فكتب إليه النقيب الطاهر أبو عبد الله الحسين ابن الأقساسي أبياتا طويلة يقول فيها (3): يا ابن نظام الملك يا خير من * تاب ومن لاقــــــى بــه الزهد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحوادث الجامعة 77 - 79 ملخصا : (2) الحوادث الجامعة ص 95. (3) الحوادث الجامعة ص 124.
/ صفحة 10 / يا ابــــن وزير الدولتين الذي * يــــروح للمجــــد كما يـــغــــدو يا بن الــــذي أنشأ مــن ماله * مـدرسة طــــالعــــهــــا سعــــد قـــد سرني زهدك عن كل ما * يرغــــب فيــــه الحــر والعبد 5 بــــان لك الحق وأبصرت ما * أعــــينــــنا عــــن مثــــله رمــد وقلــــت للدنيا : إليك ارجعي * ما عــــن نــــزوعي عنك لي بد مـــا لذلي بعدك حتى استوى * في في منــــك الصـــاب والشهد شيمتــــك الغــدر كما شيمتي * حـسن الــوفــاء المحض والود إلى أن قال : لا يقصد النــــاس إلى دورهم * لكــــن إلـــى منزلك القصد 10 وخــــدمة الناس لهـــا حرمة * وكـــــان ما تفعـــــله يـــــبــــدو والنـــاس قد كانوا رقودا وقد * أيقــظـــــتهم فانتـــــبه الضـــــد وقسمــــت فيك ظنون الورى * وكــلهم للقـــــول يـــــعـــــتـــــد فبعـــــضهم قال : يدوم الفتى * وبعـــــضهم قـــــد قــــال : يرتد وقــــد أتى تشرين وهو الذي * إليـــــه عــــين العيش تمتد 15 ما يسكـــــن البيت وقد جاءه * إلا مـــــريض مســـــه الجــــهد وكـــــل ما يفعـــــله حيـــــلـة * منـــــه ونـــــصب مـــــا لــه حد فقـــــلت : لا والله مــــا رأيه * هـــــذا ولا فـيكـــــم لـــــه نـــــد وإنـــــما هـــــذا سليــمان قد * صفـــــا لـــــه فـــي زهده الورد مثــل سليمان الذي أعرضت * يـــــوما عليه الضمر الجرد 20 فعـــــان أن يدخـــــلها قلـــبه * والهـــــزل لا يشبـــــهه الجــــد ويقول فيها : ليهنـــــك الــــرشد إلى كل ما * يضـــــل عــنه الجاهـل الوغد أسقــــطت من جيش أبي مرة * (1) وأكثـــــر النــاس له جند وقـــــمت لله بمـــــا يــــرتجى * بمـــــثله الجنـــــة والخـــــلــد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أبو مرة كنية لإبليس.
/ صفحة 11 / فاصبر فما يدرك غايات ما * يطـــــلب إلا الحــازم الجلد وفي سنة 643 (2) تقدم الخليفة [ المستعصم أبو أحمد عبد الله ] بإرسال طيور من الحمام إلى أربع جهات لتصنيف أربعة أصناف منها مشهد حذيفة بن اليمان بالمداين، ومشهد العسكري بسر من رأى، ومشهد غني بالكوفة، والقادسية، ونفذ مع كل عدة من الطيور عدلان ووكيلا، وكتب بذلك سجل شهد فيه العدول على القاضي بثبوته عنده، وسميت هذه الأصناف باليمانيات. والعسكريات. والغنويات. و القادسيات. ونظم النقيب الطاهر قطب الدين الحسين بن الأقساسي في ذلك أبياتا و عرضها على الخليفة أولها : خليفة الله يا من سيف عزمته * موكل بصروف الدهر يصرفها ويقول فيها : إن الحــــمام التي صنفتها شرفت * على الحمام التي من قبل نعرفها والقــــــادسيات أطيــــــار مقدسة * إذ أنــــــت يا مالك الدنيا مصنفها وبعــــــدها غــنــــويات تـــنال بها * غــــنى الحياة وما يهوي مؤلفها والعسكــــــريات أطــــيار مشرفة * وليس غـــيرك في الدنيا يشرفها ثم الحمــــــام اليمانيات ما جعـلت * إلا سيـوفا على الأعداء ترهفها لا زلـــــت مستعصما بالله في نعم * يهـــــدي لمجدك أسناها وألطفها ثم سأل أن يقبض منها من يد الخليفة فأجاب سؤاله وأحضره بين يديه وقبضه فلما عاد إلى داره نظم أبياتا أولها: إمام الهــــــدى أوليتــــني منك أنعما * رددن عـــلي العــيش فينان أخضرا وأحضرتني في حضرة القدس ناظرا * إلى خـــــير خلق الله نفسا وعنصرا وعــــــليت قـــدري بالحمام وقبضها * منــــــاولة مــــــن كـف أبلج أزهرا رفعـــــت بها ذكري وأعليت منصبي * فحزت بها عزا ومجدا على الورى حــــــمام إذا خـــــفت الحمام ذكرتها * فصــــــرت بذاك الذكر منها معمرا ويقول في آخرها : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (2) الحوادث الجامعة 203.
/ صفحة 12 / قضى الله أن يبقى إماما معـــــــظما * مدى الدهر ما لاح الصباح وأسفرا فــدم يا أميــــــــر المـــؤمنين مخلدا * على الملك منصور الجيوش مظفرا في المحرم من سنة 630 (1) قلد العدل مجد الدين أبو القاسم هبة الدين بن المنصوري الخطيب نقابة نقباء العباسيين والصلاة والخطابة، وخلع عليه قميص أطلس بطراز مذهبا ودراعة خارا أسود، وعمامة ثوب خارا أسود مذهب بغير ذوابة، وطيلسان قصب كحلي، وسيف محلى بالذهب، وامتطى فرسا بمركب ذهبا وقرئ بعض عهده في دار الوزارة وسلم إليه، وركب في جماعة إلى دار أنعم عليه بسكناها في المطبق من دار الخلافة وأنعم عليه بخمسمائة دينار، وهو من أعيان عدول مدينة السلام وأفاضل أرباب الطريقة المتكلمين بلسان أهل الحقيقة، كان يصحب الفقراء دائما ويأخذ نفسه بالرياضة والسياحة والصوم الدائم والتخشن والتباعد من العالم، وكان الموفق عبد الغافر ابن الفوطي من جملة تلامذته فعمل فيه أبياتا طويلة، ولما انتهى حالها إلى الديوان أنكر ذلك عليه ووكل به أياما ولم يخرج إلا بشفاعته وأول الأبيات : ناديت شيخـــي من شدة الحرب * وشيخـــــنا فـي الحرير والذهب في دستـــــه جـــــالسا بـبسملة * بـــــين يديـــــه من قام في أدب وركبـــــة منـــــه كنـــت أعهده * يـــــذم أربـــــابها عــــلى الرتب وكـــــان أبـــــناؤها لــديه على * سخـــــط من الله شامل الغضب أصاب في الرأي من دعاك لها * وأنـــــت لما أجـــبت لم تسب 5 أول صـــوت دعاك عن عرض * لبـــــيته مقـــــبلا عــــلى السبب ويقول فيها : قد كنـــــت ذاك الــــذي تظن به * لـــو لم تكن مسرعا إلى الرتب شيخي أين الذي يعــلمنا الزهد * ويعـــــتـــــده مـــــن القــــرب ؟ أيـــــن الـــــذي لـم يزل يسلكنا * إلى خروج عن كل مكتسب؟10 أيـــــن الـــــذي لــم يزل يعرفنا * فضل التمري بالجوع والتعب؟ ومنها : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الحوادث الجامعة ص 38.
/ صفحة 13 / أيــن الـــــذي لـــــم يـــــزل يرغبنا * في الصوف لبساله وفي الجشب؟ وأيـــــن من غـــــرنا بزخـــــرفــة * متـــــى اعتـــــقدناه زاهد العرب ؟ وأي ذاك التجـــــريد يشعـــــرنــــا * إن ســـــواه في الســعي لم يخب ؟ وأيـــــن مـــــن لـــــم يــزل يذم لنا * الدنيا وقـــــول المحـــال والكذب ؟ وأيـــــن مـــــن لـــــم يـزل بأدمعه * يخدعــــنا باكيا على الخشب ؟ 15 وأيـــــن مـــــن كــان في مواعظه * يصول زجـــــرا عــن كل مجتنب ؟ ويقـــــطع القـــــول لا يـــــتمـــــمه * منغـــــلبا بالســـــماع والــطرب ؟ ويقـــــسم الغـــــمر أنـــــه رجــــل * ليـــــس لـــــه في الوجود من أرب لو كـــــانت الأرض كـــــلها ذهــبا * أعـــــرض عــــنها إعراض مكتئب أسفـــــر ذاك الـــــناموس مختـيلا * عـن راغب في التراث مستلب 20 وكـــــان ذاك الصـــــراخ يزعجـنا * شكـــــوى فقـــــير على الدنا وصب شيخـــــي بعـــــد الذم الصريح لما * أبـــــيته جئـــــته عـــــلى طـــــلــب نسيـــــت ما قـــــلته عـــــلـى ورع * عـــــني لمـــــا اكتـــــسبت بالـدأب ويـــــل لـــــه إن يمـــــت بخـــدمته * يمـــــت كـــــفورا وليـــس بالعجب مـــا كــــان مــال السلطان مكتسبا * لــمسلم سالم من العطب (1) 25 فكتب النقيب قطب الدين الحسين بن الأقساسي إلى النقيب مجد الدين المذكور أبياتا كالمعتذر عنه والمسلي له يقول في أولها: إن صـــــاحـــــب النبي كلهم * غـــــيـــــر علي وآله النجب مالوا إلى الملك بعد زهدهم * واضطربوا بعده على الرتب وكلهـــــم كــان زاهدا ورعا * مشجعـا في الكلام والخطب فأخذ عليه مآخذ فيما يرجع إلى ذكر الصحابة والتابعين وتصدى له جماعة وعملوا قصايد في الرد عليه، وبالغوا في التشنيع عليه، حتى أن قوما استفتوا عليه الفقهاء ونسبوه إلى أنه طعن في الصحابة والتابعين ونسبهم إلى قلة الدين فأفتاهم الفقهاء بموجب ما صدرت به الفتيا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بعد هذا البيت أربعة عشر بيتا ضربنا عنها صفحا.
/ صفحة 14 / وقال ابن أبي الحديد في شرح " نهج البلاغة " ج 2 ص 45 : سألت بعض من أثق به من عقلاء شيوخ أهل الكوفة عما ذكره الخطيب أبو بكر في تاريخه [ ج 1 ص 138 ] إن قوما يقولون : إن هذا القبر الذي تزوره الشيعة إلى جانب الغري هو قبر المغيرة بن شعبة ؟ ! فقال : غلطوا في ذلك قبر المغيرة وقبر زياد بالثوية من أرض الكوفة ونحن نعرفهما وننقل ذلك عن آبائنا وأجدادنا وأنشدني قول الشاعر يرثي زيادا وقد ذكره أبو تمام في الحماسة. صلــــى الإله عــــلى قبر وطهره * عند الثوية يسفي فوقه المور(1) زفـــت إليه قريش نعــــش سيدها * فالحــــلم والجود فيه اليوم مقبور أبا المغـــيرة والدنيا مفجـــعــــــة * وإن من غـــــره الدنيا لمغـــــرور ... إلخ . وسألت قطب الدين نقيب الطالبيين أبا عبد الله الحسين بن الأقساسي رحمه الله تعالى عن ذلك فقال : صدق من أخبرك، نحن وأهلها كافة نعرف مقابر ثقيف إلى الثوية وهي إلى اليوم معروفة وقبر المغيرة فيها إلا أنها لا تعرف قد ابتلعها السبخ وزبد الأرض وفورانها فطمست واختلط بعضها ببعض، ثم قال : إن شئت أن تتحقق أن قبر المغيرة في مقابر ثقيف فانظر إلى كتاب " الأغاني " لأبي الفرج علي بن الحسين، والمح ما قاله في ترجمة المغيرة وأنه مدفون في مقابر ثقيف، ويكفيك قول أبي الفرج فإنه الناقد البصير والطبيب الخبير فتصفحت ترجمة المغيرة في الكتاب المذكور فوجدت الأمر كما قاله النقيب. توجد ترجمة قطب الدين الأقساسي في تاريخ ابن كثير 13 ص 173، قد أثنى عليه وقال : أورد له ابن الساعي أشعارا كثيرة رحمه الله. أفرد العلامة سيدنا المرعشي في [ مجالس المؤمنين ] ص 212 ترجمة باسم عز الدين بن الأقساسي وقال : إنه من أشراف الكوفة ونقبائها، كان فاضلا أديبا، له في قرض الشعر يد غير قصيرة، روي أن الخليفة المستنصر العباسي خرج يوما إلى زيارة قبر سلمان الفارسي سلام الله عليه ومعه السيد المذكور ابن الأقساسي فقال له الخليفة في الطريق : إن من الأكاذيب ما يرويه غلاة الشيعة من محبي علي بن أبي طالب عليه السلام ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المور : التراب تثيره الريح.
/ صفحة 15 / من المدينة إلى المداين لما توفي سلمان وتغسيله إياه ومراجعته في ليلته إلى المدينة فأجابه ابن الأقساسي بالبديهة بقوله : أنكرت ليلة إذ صــــار الوصي إلى * أرض المدايـــــن لمـــا أن لها طلبا وغسل الطــــهر سلمانا وعاد إلى * عراص يثــــرب والاصباح ما وجبا وقلــــت : ذلك من قول الغلاة وما * ذنـــــب الغـلاة إذا لم يوردوا كذبا ؟ فآصـــــف قـبل رد الطرف من سبأ * بعــرش بلقيس وافى يخرق الحجبا فـــــأنت فـي آصف لم تغل فيه بلى * فـــــي (حـيدر) أنا غال ان ذا عجبا إن كان أحمد خير المرسلين ؟ فذا * خـــير الوصيين أو كل الحديث هبا هذه الأبيات ذكرها العلامة السماوي في [ الطليعة ] ونسبها إلى شاعرنا في الغدير السيد محمد الأقساسي، وحسب أنه هو صاحب المستنصر، ذاهلا عن تاريخي ولادة المستنصر ووفاة السيد صاحب الغديرية فإن السيد توفي كما مر سنة 575، والخليفة المستنصر ولد سنة 589 بعد وفاة السيد بأربعة عشر سنة واستخلف في سنة 624. وجعل العلامة السيد الأمين في " أعيان الشيعة " في الجزء الحادي والعشرين ص 233 ترجمة تحت عنوان أبي محمد عز الدين الحسن بن حمزة الأقساسي وذكر القصة والأبيات له ولم يعلم هو من أين نقله، والحسن بن حمزة يكون عم شاعرنا فيتقدم على المستنصر بأكثر من صاحب الغديرية. وذكر ابن شهر آشوب في " المناقب " 1 ص 449 هذه الأبيات بتغيير يسير و زيادة ونسبها إلى أبي الفضل التميمي (1) وإليك لفظها. سمعــــت مني يسيرا من عجائبه * وكل أمر (علي) لم يـــــزل عجــــبا أدريت فــي ليلة سار الوصي إلى * أرض المداين لمـــــا أن لهــا طلبا فألحــد الطهر (سلمانا) وعاد إلى * عــــراص يثرب والاصباح ما قربا كآصـــــف قبل رد الطرف من سبأ * بعـرش بلقيس وافى تخرق الحجبا فكيف في آصف لم تغل أنت ؟ بلى * بحـــــيدر أنـــــا غـــــال أورد الكذبا إن كان أحمد خير المرسلين ؟ فذا * خـــير الوصيين أو كل الحديث هبا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أحد شعراء أهل البيت.
/ صفحة 16 / وقلت ما قلت من قول الغلاة فما * ذنـــب الغلاة إذا قالوا الذي وجبا؟ فرواية ابن شهر آشوب هذه الأبيات تثبت عدم كونها من نظم السيد قطب الدين الأقساسي أيضا إذ ابن شهر آشوب توفي سنة 588 قبل ولادة المستنصر بسنة، وقبل وفاة السيد القطب بسبع وخمسين سنة، ولعلها لأبي الفضل التميمي أو لغيره من أسلاف آل الأقساسي الأولين، وأنشدها قطب الدين للمستنصر. لفت نظر : يبلغني من وراء حجب البغضاء والإحن تكذيب هذه المكرمة الباهرة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وعزوها إلى الغلو مستندا إلى إحالة طي هذه المسافة البعيدة في هذا الوقت اليسير، ولو عقل المسكين أن هاتيك الإحالة على فرضها عادية لا عقلية، وإلا لما صح حديث المعراج [ ولم يكن إلا جسمانيا ] المتواتر المعدود من ضروريات الدين. ولا صحت قصة آصف بن برخيا المحكية في القرآن الكريم، ولما تمكن عفريت من الجن من أن يأتي بعرش بلقيس قبل أن يقوم سليمان من مقامه، ولم يرده سليمان ولا الذكر الحكيم، غير أن سليمان أراد ذلك بأسرع منه، وشمول القدرة الآلهية على التسيير الحثيث والبطئ شرع سواء، كما أنها بالنسبة إلى كلية الأمور الصعبة والسهلة كذلك، فقد يكرم الله الولي المقرب بأقداره على أشياء لم يقدر عليه من هو دونه، وقد خلق الله الناس أطوارا، فتراهم متفاوتين في القدر، فيقوى هذا على ما لا يقوى عليه ذاك، وليس لقدرة الله سبحانه حد محدود، ومن هنا وهناك اختلفت عاديات الموجودات في شؤونها وأطوارها، فالمسافة التي يطويها الفارس في أمد محدود، غير ما يطويه الراجل، وللسيارات البخارية عدو مرب على الجميع، وإنك تستصغر ذلك العدو إذا قسته بالطائرات الجوية لأنك تجدها تطوي في خمس ساعات مثلا ما تطويه الناس في خمسة أشهر. وهذه طيارة مستكشفة بريحية 19 تحركت من باريك في صباح 24 ابريل سنة 1924 فوصل في المساء إلى بخارست بعد أن قطع 1250 ميلا في 11 ساعة، وفي اليوم التالي أضاف إليها 770 ميلا أخرى، ولم تمض عليه خمسة أيام حتى كان قد وصل إلى الهند، وقطع مسافة قدرها 3730 ميلا، وقد وصلت سرعة الطيارات إلى ما فوق
/ صفحة 17 / 150 ميلا في الساعة الواحدة، وتحارب البعض منها في ارتفاع بلغ 22000 قدما (1) ومن الممكن أن يكشف لنا العلم في مستقبله ما هو أسرع سيرا من هاتيك كلها. إذن فأي وازع من أن يكون من عاديات الولي مهما أراد التمكن من أمثال هذا السير ؟ ! وما ذلك على الله بعزيز. على أنا لا نساوي مولانا أمير المؤمنين ومن جرى مجراه من أئمة الهدى عليهم السلام بغيرهم من أفراد الرعية، ولا بأحد من أولياء الله المقربين ولا بأحد من حملة العلم والمكتشفين، فنجوز فيهم صدور المعجز متى اقتضته المصلحة، بل : هو من واجب مقامهم. وإن تعجب فعجب أن فئتا ممن ران على قلوبهم ما كانوا يعملون تحاول دحض هذه المكرمة في مولانا أمير المؤمنين وهم يخضعون لمثلها في غيره ممن هو دونه من دون أي غمز ونكير. 1 - روى الحافظ ابن عساكر في تاريخه 4 ص 33 عن السري بن يحيى قال : كان حبيب بن محمد العجمي البصري يرى يوم التروية بالبصرة ويوم عرفة بعرفات. 2 - قال الحافظ ابن كثير في تاريخه 13 ص 94 : ذكروا أن الشيخ عبد الله اليونيني المتوفى 617 كان يحج في بعض السنين في الهواء، وقد وقع هذا لطائفة كبيرة من الزهاد وصالحي العباد ولم يبلغنا هذا عن أحد من أكابر العلماء وأول من يذكر عنه هذا : حبيب العجمي، وكان من أصحاب الحسن البصري ثم من بعده من الصالحين. 3 - كان أحمد بن محمد أبو بكر الغساني الصيداوي المتوفى 371 ينام بعد ما صلى العصر إلى ما قبل صلاة المغرب، فجاءه رجل ذات يوم يزوره بعد العصر فغفل فتحدث معه وترك عادة النوم فلما انصرف سأله الخادم عنه فقال : هذا عريف الأبدال يزورني في السنة مرة. قال : فلم أزل أرصده إلى مثل ذلك الوقت حتى جاء الرجل فوقفت حتى فرغ من حديثه ثم سأله الشيخ أين تريد ؟ فقال : أزور أبا محمد الضرير في مغار، قال الخادم : فسألته أن يأخذني معه فقال : بسم الله، فمضيت معه فخرجنا حتى صرنا عند قناطر الماء فأذن المؤذن المغرب قال : ثم أخذ بيدي وقال : قل : بسم الله، قال : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بسائط الطيران ص 82، 118.
/ صفحة 18 / فمشينا دون العشر خطأ فإذا نحن عند المغارة وهي مسير إلى ما بعد الظهر قال : فسلمنا على الشيخ وصلينا عنده وتحدثنا عنده فلما ذهب ثلث الليل قال لي : تحب أن تجلس ههنا أو ترجع إلى بيتك ؟ فقلت : أرجع فأخذ بيدي وسمى ببسم الله ومشينا نحو العشر خطأ فإذا نحن على باب صيدا فتكلم بشئ فانفتح الباب ودخلت ثم عاد الباب. [ تاريخ ابن عساكر 1 ص 443 ]. 4 - كان ببغداد رجل من التجار قال : إني صليت يوما الجمعة وخرجت فرأيت بشر الحافي يخرج من المسجد مسرعا فقلت في نفسي : انظر إلى هذا الرجل الموصوف بالزهد لا يستقر في المسجد ثم إنني اتبعته فرأيته تقدم إلى الخباز واشترى بدرهم خبزا فقلت : انظر إلى الرجل يشتري خبزا، ثم اشترى شواء بدرهم فازددت عليه غيظا، ثم تقدم إلى الحلوائي فاشترى فالوذجا فقلت : والله لا أتركه حتى يجلس ويأكل ثم إنه خرج إلى الصحراء فقلت : إنه يريد الخضرة، فما زال يمشي إلى العصر وأنا أمشي خلفه، فدخل قرية وفي القرية مسجد وفيه رجل مريض فجلس عند رأسه وجعل يلقمه فقمت لأنظر في القرية وبقيت ساعة ثم رجعت فقلت للعليل : أين بشر ؟ فقال : ذهب إلى بغداد، فقلت : كم بيني وبين بغداد ؟ قال : أربعون فرسخا، فقلت. إنا لله و إنا إليه راجعون، أيش عملت في نفسي ؟ وليس معي ما أكتري ولا أقدر على المشي، فقال لي : اجلس حتى يرجع فجلست إلى الجمعة القابلة فجاء بشر في ذلك الوقت ومعه شئ فأعطاه إلى المريض فأكله فقال له العليل : يا أبا نصر هذا الرجل صحبك من بغداد وبقي عندي منذ الجمعة فرده إلى موضعه، فنظر إلي كالمغضب وقال : لم صحبتني ؟ فقلت : أخطأت، فقال : قم فامش فمشيت معه إلى قرب المغرب فلما قربنا قال : أين محلتك من بغداد ؟ فقلت : في موضع كذا قال : إذهب ولا تعد. [ تاريخ ابن عساكر 3 ص 236 ]. 5 - قال الشيخ الجليل أبو الحسن علي : كنت يوما جالسا عند باب خلوة خالي الشيخ أحمد [ الرفاعي المتوفى 587 ] رضي الله عنه وليس فيها غيره وسمعت عنده حسا فنظرت فإذا عنده رجل ما رأيته قبل فتحدثا طويلا ثم خرج الرجل من كوة في حائط الخلوة ومر في الهوى كالبرق الخاطف فدخلت على خالي وقلت له : من الرجل ؟ فقال : أو رأيته ؟ قلت : نعم، قال : هو الرجل الذي يحفظ الله به قطر البحر المحيط، وهو أحد
/ صفحة 19 / الأربعة الخواص، إلا أنه هجر منذ ثلاث وهو لا يعلم، فقلت له : يا سيدي ما سبب هجره ؟ قال : إنه مقيم بجزيرة في البحر المحيط، ومنذ ثلاث ليالي أمطرت جزيرته حتى سالت أوديتها، فخطر في نفسه : لو كان هذا المطر في العمران. ثم استغفر الله تعالى، فهجر بسبب اعتراضه، فقلت له : أعلمته ؟ قال : لا إني استحييت منه، فقلت له لو أذنت لي لأعلمته، فقال : أو تفعل ذلك ؟ قلت : نعم، فقال : رنق فرنقت ثم سمعت صوتا : يا علي ارفع رأسك. فرفعت راسي من رنقي فإذا أنا بجزيرة في البحر المحيط فتحيرت في أمري وقمت أمشي فيها فإذا ذلك الرجل فسلمت عليه وأخبرته، فقال ناشدتك الله إلا فعلت ما أقول لك، قلت : نعم. قال. ضع خرقتي في عنقي واسحبني على وجهي وناد علي : هذا جزاء من تعرض على الله سبحانه. قال فوضعت الخرقة في عنقه وهممت بسحبه وإذا هاتف يقول : يا علي دعه فقد ضجت عليه ملائكة السماء باكية عليه وسائلة فيه وقد رضي الله عنه. قال : فأغمي علي ساعة ثم سرى عني وإذا أنا بين يدي خالي في خلوته والله ما أدري كيف ذهبت ولا كيف جئت [ مرآة الجنان 3 ص 411 ]. 6 - حكى الشيخ الصالح غانم بن يعلى التكريتي قال : سافرت مرة من اليمن في البحر المالح فلما توسطنا بحر الهند وغلب علينا الريح أخذتنا الأمواج من كل جانب وانكسرت بنا السفينة فنجوت على لوح منها فألقاني إلى جزيرة فطفت فيها فلم أر فيها أحدا وإذا هي كثيرة الخيرات رأيت فيها مسجدا فدخلته، فإذا فيه أربعة نفر فسلمت عليهم، فردوا علي السلام، وسألوني عن قصتي فأخبرتهم، وجلست عندهم بقية يومي ذلك، فرأيت من توجههم وحسن إقبالهم على الله تعالى أمرا عظيما، فلما كانت وقت العشاء دخل الشيخ حيوة الحراني، فقاموا يبادرون إلى السلام عليه، فتقدم وصلى بهم العشاء، ثم استرسلوا في الصلاة إلى طلوع الفجر، فسمعت الشيخ حيوة يناجي ويقول : إلهي لا أجد لي في سواك مطمعا [ إلى آخر الدعاء ] ثم قال : بكى بكاء شديدا، ورأيت الأنوار قد حفت بهم، وأضاء ذلك المكان كإضاءة القمر ليلة البدر ثم خرج الشيخ حيوة من المسجد وهو يقول: سير المحب إلى المحبوب إعجال * والقـــلـــب فيه من الأحوال بلبال أطــوي المحانة من قفر على قدم * إليــــك يدفعـــــني سهـــل وأجبال
/ صفحة 20 / فقال لي أولئك النفر : اتبع الشيخ فتبعته وكانت الأرض برها وبحرها و سهلها وجبلها يطوى تحت أقدامنا طيا كنت أسمعه كلما خطا خطوة يقول : يا رب حيوة كن لحيوة. وإذا نحن بحران في أسرع وقت، فوافينا الناس يصلون بها صلاة الصبح. [ مرآة الجنان 3 ص 421 ]. 7 - ذكر محمد بن علي الحباك خادم الشيخ جلال الدين السيوطي المتوفى 911 : إن الشيخ قال له يوما وقت القيلولة وهو عند زاوية الشيخ عبد الله الجيوشي بمصر بالقرافة : أتريد أن تصلي العصر بمكة بشرط أن تكتم ذلك علي حتى أموت ؟ قال : فقلت نعم. قال : فأخذ بيدي وقال : غمض عينيك فغمضتها فرحل بي نحو سبع وعشرين خطوة ثم قال لي : افتح عينيك فإذا نحن بباب المعلاة فزرنا أمنا خديجة، والفضل بن عياض، و سفيان بن عيينة، وغيرهم ودخلت الحرم فطفنا وشربنا من ماء زمزم، وجلسنا خلف المقام حتى صلينا العصر، وطفنا وشربنا من ماء زمزم ثم قال لي : يا فلان ليس العجب من طي الأرض لنا وإنما العجب من كون أحد من أهل مصر المجاورين لم يعرفنا. ثم قال لي : إن شئت تمضي معي وإن شئت تقيم حتى يأتي الحاج ؟ ! قال : فقلت أذهب مع سيدي. فمشينا إلى باب المعلاة وقال لي : غمض عينيك فغمضتها فهرول بي سبع خطوات ثم قال لي : افتح عينك فإذا نحن بالقرب من الجيوشي فنزلنا إلى سيدي عمر بن الفارض. [ شذرات الذهب 8 ص 50 ]. 8 - ذكر السخاوي في طبقاته : أن الشيخ معالي سأل الشيخ سلطان بن محمود البعلبكي المتوفى 641 فقال : يا سيدي كم مرة رحت إلى مكة في ليلة ؟ قال : ثلاث عشرة مرة، قلت : قال الشيخ عبد الله اليونيني : لو أراد أن لا يصلي فريضة إلا في مكة لفعل. [ شذرات الذهب 5 ص 211 ] 9 - ذكر الحافظ ابن الجوزي في " صفة الصفوة " 4 ص 228 عن سهل بن عبد الله قال : لقد رأيت رجلا يقال له : مالك بن القاسم جبلي وقد جاء ويده غمرة فقلت له : إنك قريب عهد بالأكل ؟ فقال لي استغفر الله فإنني منذ أسبوع لم آكل، ولكن : أطعمت والدتي وأسرعت لألحق صلاة الفجر وبينه وبين الموضع الذي جاء منه سبعمائة فرسخ. فهل أنت مؤمن بذلك ؟ فقلت : نعم. فقال : الحمد لله الذي أراني مؤمنا موقنا.
/ صفحة 21 / 10 - روى ابن الجوزي في " صفة الصفوة " 4 ص 293 عن موسى بن هارون قال : رأيت الحسن بن الخليل مرة بعرفات وكلمته، ثم رأيته يطوف بالبيت فقلت : ادع الله لي أن يقبل حجي. فبكا ودعا لي ثم أتيت مصر فقلت : إن الحسن كان معنا بمكة فقالوا : ما حج العام وقد كان يبلغني أنه يمر إلى مكة في كل ليلة فما كنت أصدق حتى رأيته فعاتبني وقال : شهرتني ما كنت أحب أن تحدث بها عني، فلا تعد بحقي عليك. قال الأميني : في وسع الباحث أن يؤلف من أمثال هذه القصص المبثوثة في طي الكتب والمعاجم تأليفا حافلا ونحن اقتصرنا بالمذكور روما للاختصار، ويستفاد منها إن الولي الذي من عليه بطي الأرض له أن يأخذ معه من شاء وأراد من أخلاءه وخدمه، فتطوى لصاحبه الأرض أيضا كرامة لذلك الولي الصالح فضلا عن نفسه، وهذه كلها لا يناقش فيها مهما لم يكن الولي الموصوف من العترة الطاهرة وإلا فهناك كل الجدال والمناقشة، وكل الهوس والهياج. |