عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
نوادر الأثر في علم عمر
-1-
أخرج الإمام مسلم في صحيحه في باب التيمم بأربعة طرق عن عبد الرحمن بن أبزي: إن رجلا أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء ؟ فقال عمر: لا تصل. فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين ! إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد ماء فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب وصليت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك ؟ فقال عمر: إتق الله يا عمار ! قال: إن شئت لم أحدث به ؟ . وفي لفظ: قال عمار: يا أمير المؤمنين ! إن شئت لما جعل الله علي من حقك أن لا أحدث به أحدا ؟ ولم يذكر . سنن أبي داود 1 ص 53 . سنن ابن ماجة 1 ص 200 . مسند أحمد 4 ص 265 . سنن النسائي 1 ص 59، 61 . سنن البيهقي 1 ص 209 . صورة أخرى: كنا عند عمر فأتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين ! إنما نمكث الشهر والشهرين و لا نجد الماء ؟ فقال عمر: أما أنا فلم أكن لأصلي حتى أجد الماء . فقال عمار: يا أمير المؤمنين تذكر حيث كنا بمكان كذا ونحن نرعى الإبل فتعلم إنا أجنبنا ؟ قال: نعم، قال: فإني تمرغت في التراب فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فحدثته فضحك وقال: كان الطيب كافيك وضرب بكفيه الأرض ثم نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وبعض ذراعه ؟ قال: اتق الله يا عمار، قال يا أمير المؤمنين ! إن شئت لم أذكره ما عشت أو ما حييت ؟ قال: كلا والله ولكن نوليك من ذلك ما توليت . مسند أحمد 4 ص 319 . سنن أبي داود 1 ص 53 . سنن النسائي 1 ص 60 .
/ صفحة 84 /
تحريف وتدجيل هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه 1 ص 45 في باب: المتيمم هل ينفخ فيهما، وفي أبواب بعده غير أنه راقه أن يحرفه صونا لمقام الخليفة فحذف منه جواب عمر - لا تصل - أو: - أما أنا فلم أكن لأصلي ذاهلا عن أن كلام عمار عندئذ لا يرتبط بشئ، ولعل هذا عند البخاري أخف وطئة من إخراج الحديث على ما هو عليه . وذكره البيهقي محرفا في سننه الكبرى 1 ص 209 نقلا عن الصحيحين، وأخرجه النسائي في سننه 1 ص 60 وفيه مكان جواب عمر: فلم يدر ما يقول . وأخرجه البغوي في المصابيح 1 ص 36 وعده من الصحاح غير أنه حذف صدر الحديث وذكر مجئ عمار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحسب . وذكره الذهبي في تذكرته 3 ص 152 محرفا وأردفه بقوله: قال بعضهم: كيف ساغ لعمار أن يقول مثل هذا فيحل له كتمان العلم ؟ والجواب: إن هذا ليس من كتمان العلم فإنه حدث به واتصل ولله الحمد بنا، وحدث في مجلس أمير المؤمنين، وإنما لاطف عمر بهذا لعلمه بأنه كان ينهى عن الاكثار من الحديث خوف الخطأ، ولئلا يتشاغل الناس به عن القرآن . قال الأميني: هناك شئ هام أمثال هذه الكلمات المزخرفة والأبحاث الفارغة المعدة لتعمية البسطاء من القراء عما في التاريخ الصحيح، ليت شعري ما أغفلهم عن قول عمر: لا تصل - أو: - أما أنا فلم أكن لأصلي ؟ ! يقوله وهو أمير المؤمنين والمسألة سهلة جدا عامة البلوى شايعة . وما أغفلهم عن قوله لعمار: اتق الله يا عمار ؟ وعن تركه الصلاة يوم أجنب في السرية بعد ما جاء الاسلام بالطهورين ؟ وعن جهله بآية التيمم وحكم القرآن الكريم ؟ وعن غضه البصر عن تعليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمارا بكيفية التيمم ؟ ما أذهلهم عن هذه الطامات الكبرى وأشغلهم بعمار وكلمته ؟ نعم الحب يعمي ويصم، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا . ويظهر من العيني في عمدة القاري 2 ص 172، وابن حجر في فتح الباري 1 ص 352 ثبوت تينك الفقرتين (1) من لفظ عمر في الحديث ولذلك جعلاه مذهبا له، قال العيني: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أعني قول عمر: لا تصل . وقوله: أما أنا فلم أكن لأصلي حتى أجد الماء .
/ صفحة 85 / فيه (يعني في الحديث) أن عمر رضي الله عنه لم يكن يرى للجنب التيمم لقول عمار له: فأما أنت فلم تصل، وقال: إنه جعل آية التيمم مختصة بالحدث الأصغر و أدى اجتهاده إلى أن الجنب لا يتيمم . وقال ابن حجر: هذا مذهب مشهور عن عمر . يعرب الحديث عن أن هذا الاجتهاد من الخليفة كان في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو أعجب شئ طرق أذن الدهر، كيف أكمل الله دينه ومثل مسألة التيمم العامة البلوى كانت غير معلومة في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبقي فيها مجالا لمثل الخليفة أن يجهل بها أو يجتهد فيها ؟ وكيف فتح باب الاجتهاد بمصراعيه على الأمة مع وجوده صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهرانيها ؟ . فهلا سأل الرجل رسول الله بعد ما خالفه عمار، ورآه يتمعك بالتراب فيصلي ؟ . وهلا أخبره عمار يوم أجنبا بما علمه رسول الله من هديه وسنته في التيمم ؟ وهلا علم رسول الله ترك عمر الصلاة - وهي أهم الفرايض وأكملها - مهما أجنب ولم يجد الماء وأخبره بما جاء به الاسلام وقرر في شرعه المقدس ؟ وهلا سأل عمر بعده صلى الله عليه وآله وسلم رجالا خالفوه في رأيه هذا مثل علي أمير المؤمنين وابن عباس وأبي موسى الأشعري والصحابة كلهم غير عبد الله بن مسعود ؟ وهل كان عمل أولئك القائلين بالتيمم على الجنب الفاقد للماء اتباعا للسنة الثابتة المسموعة من رسول الله ؟ أو كان مجرد رأي واجتهاد أيضا لدة اجتهاد الخليفة ؟ وهلا كان الخليفة يثق بعمار يوم أخبره عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يعدل عن رأيه ؟ ولم ير ابن مسعود أن عمر قنع بقول عمار (1) . وهل خفي على الخليفة ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عمران بن الحصين ؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم فقال: يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم ؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك (2) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن البيهقي 1 ص 226، تيسير الوصول 3 ص 97 . (2) صحيح البخاري 1 ص 129، صحيح مسلم، مسند أحمد 4 ص 434، سنن النسائي 1 ص 171، سنن البيهقي 1 ص 219، تيسير الوصول 3 ص 98 .
/ صفحة 86 / وهل عزب عنه ما رواه سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ؟ قال: جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا نكون في الرمل وفينا الحائض والجنب والنفساء فيأتي علينا أربعة أشهر لا نجد الماء ؟ قال: عليك بالتراب يعني التيمم . وفي لفظ آخر: إن أعرابا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا نكون في هذه الرمال لا نقدر على الماء ولا نرى الماء ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر وفينا النفساء والحائض والجنب ؟ قال: عليكم بأرض . وفي لفظ الأعمش: جاء الأعراب إلى النبي . صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نكون بالرمل ونعزب عن الماء الشهرين والثلاثة وفينا الجنب والحائض ؟ فقال: عليكم بالتراب (1) . وهل ذهب عليه ما أخبر به أبو ذر من السنة ؟ قال: كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فاصلي بغير طهور فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهو في رهط من أصحابه وهو في ظل المسجد فقال: أبو ذر ؟ فقلت: نعم هلكت يا رسول الله ! فقال: وما أهلكك ؟ قال: إني كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فاصلي بغير طهور فأمر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فجاءت به جارية سوداء بعس يتخضخض ما هو بملآن فتسترت إلى بعيري فاغتسلت ثم جئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر إن الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين فإذا وجدت الماء فامسسه جلدك (2) . م - وهلا قرع سمعه حديث الأسقع ؟ قال: كنت ارحل للنبي صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رحل لنا يا أسقع . فقلت: بأبي أنت وأمي أصابتني جنابة وليس في المنزل ماء . فقال: تعال يا أسقع ! أعلمك التيمم مثل ما علمني جبرئيل، فأتيته فنحاني عن الطريق قليلا فعلمني التيمم) . (3) وقبل كل شئ آيتا التيمم إحديهما في سورة النساء آية 43 وهي قوله: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا، وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سنن البيهقي 1 ص 216، 217 . (2) سنن البيهقي 1 ص 217، 220 . (3) تاريخ الخطيب البغدادي 8 ص 377 .
/ صفحة 87 / منكم من الغايط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا . وقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنزلت هذه الآية إذا أجنب فلم يجد الماء تيمم وصلى حتى يدرك الماء فإذا أدرك الماء اغتسل (1) . والآية الثانية في سورة المائدة آية 6 وهي قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين، وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه)، فإن المراد من الملامسة في آية النساء هو الجماع لا محالة كما عن أمير المؤمنين و ابن عباس وأبي موسى الأشعري وتبعهم في ذلك الحسن وعبيدة والشعبي وآخرون و هذا مذهب كل من نفى الوضوء بمس المرأة كأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر والثوري والأوزاعي وغيرهم . وذلك أن المولى سبحانه أسلف بيان حكم الجنب عند وجدان الماء بقوله: حتى تغتسلوا . وقوله: فاطهروا . ثم شرع في صور حكم عدم التمكن من استعمال الماء لمرض أو سفر أو فقدانه واستطرد هنا ذكر الحدث الأصغر بقوله: أو جاء أحد منكم من الغايط . فنوه بذكر الجنابة بقوله: أو لامستم النساء . ولو أريد به غير الجماع لكان مختزلا عما قبله . وعبر عن الجماع باللمس المرادف للمس (2) الذي أريد به الجماع فحسب في قوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن . وقوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن . وقوله تعالى: ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن . ولغير واحد من فقهاء القوم وأئمتهم كلمات ضافية في المقام تكشف عن جلية الحال نقتصر منها بكلمة الإمام أبي بكر الجصاص الحنفي المتوفى 370 قال في أحكام القرآن 2 ص 450 - 456: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سنن البيهقي 1 ص 216 . (2) راجع معاجم اللغة .
/ صفحة 88 / أما قوله تعالى " أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا " فإن السلف قد تنازعوا في معنى الملامسة المذكورة في هذه الآية فقال علي وابن عباس وأبو موسى والحسن وعبيدة والشعبي: هي كناية عن الجماع وكانوا لا يوجبون الوضوء لمن مس امرأته . وقال عمر وعبد الله بن مسعود: المراد اللمس باليد وكانا يوجبان الوضوء بمس المرأة ولا يريان للجنب أن يتيمم، فمن تأوله من الصحابة على الجماع لم يوجب الوضوء من مس المرأة ومن حمله على اللمس باليد أوجب الوضوء من مس المرأة ولم تجز التيمم للجنب . ثم أثبت عدم نقض الوضوء بمس المرأة على كل حال لشهوة أو لغير شهوة بالسنة النبوية فقال: اللمس يحتمل الجماع على ما تأوله علي وابن عباس وأبو موسى . و يحتمل اللمس باليد على ما روي عن عمر وعبد الله بن مسعود، فلما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ . أبان ذلك عن مراد الله تعالى . ووجه آخر يدل على أن المراد منه الجماع وهو أن اللمس وإن كان حقيقة للمس باليد فإنه لما كان مضافا إلى النساء وجب أن يكون المراد منه الوطئ كما أن الوطئ حقيقته المشي بالاقدام فإذا أضيف إلى النساء لم يعقل منه غير الجماع، كذلك هذا ونظيره قوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، يعني من قبل أن تجامعوهن . وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجنب بالتيمم في أخبار مستفيضة ومتى ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حكم ينتظمه لفظ الآية وجب أن يكون فعله إنما صدر عن الكتاب كما أنه قطع السارق وكان في الكتاب لفظ يقتضيه كان قطعه معقولا بالآية وكسائر الشرايع التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم مما ينطوي عليه ظاهر الكتاب . ويدل على أن المراد الجماع دون لمس اليد إن الله تعالى قال: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم . إلى قوله: وإن كنتم جنبا فاطهروا . أبان به عن حكم الحدث في حال وجود الماء ثم عطف عليه قوله: وإن كنتم مرضى أو على سفر . إلى قوله: فتيمموا صعيدا طيبا . فأعاد ذكر حكم الحدث في حال عدم الماء فوجب أن يكون قوله: أو لامستم النساء على الجنابة لتكون الآية منتظمة لهما مبينة لحكمهما في حال وجود الماء وعدمه، ولو كان المراد اللمس باليد لكان ذكر التيمم مقصورا على حال الحدث
/ صفحة 89 / دون الجنابة غير مفيد لحكم الجنابة في حال عدم الماء، وحمل الآية على فائدتين أولى من الاقتصار بها على فائدة واحدة، وإذا ثبت أن المراد الجماع انتفى اللمس باليد لما بينا من امتناع إرادتهما بلفظ واحد . فإن قيل: إذا حمل على اللمس باليد كان مفيدا لكون اللمس حدثا وإذا جعل مقصورا على الجماع لم يفد ذلك، فالواجب على قضيتك في اعتبار الفائدتين حمله عليهما جميعا فيفيد كون اللمس حدثا، ويفيد أيضا جواز التيمم للجنب، فإن لم يجز حمله على الأمرين لما ذكرت من اتفاق السلف على أنهما لم يرادا ولامتناع كون اللفظ مجازا وحقيقة أو كناية وصريحا، فقد ساويناك في إثبات فائدة مجددة بحمله على اللمس باليد مع استعمالنا حقيقة اللفظ فيه، فما جعلك إثبات فائدة من جهة إباحة التيمم للجنب أولى ممن أثبت فائدته من جهة كون اللمس باليد حدثا ؟ . قيل له: لأن قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة مفيد لحكم الأحداث في حال وجود الماء ونص مع ذلك على حكم الجنابة، فالأولى أن يكون ما في نسق الآية من قوله: أو جاء أحد منكم من الغايط - إلى قوله: أو لامستم النساء . بيانا لحكم الحدث والجنابة في حال عدم الماء، كما كان في أول الآية بيانا لحكمهما في حال وجوده، وليس موضع الآية في بيان تفصيل الأحداث، وإنما هي في بيان حكمها وأنت متى حملت اللمس على بيان الحدث فقد أزلتها عن مقتضاها وظاهرها فلذلك كان ما ذكرناه أولى ؟ ودليل آخر على ما ذكرناه من معنى الآية وهو أنها قد قرئت على وجهين: أو لامستم النساء . ولمستم . فمن قرأ: أو لامستم . فظاهره الجماع لا غير، لأن المفاعلة لا تكون إلا من اثنين إلا في أشياء نادرة كقولهم: قاتله الله وجازاه وعافاه الله ونحو ذلك، وهي أحرف معدودة لا يقاس عليها أغيارها، والأصل في المفاعلة إنها بين اثنين كقولهم: قاتله، وضاربه، وسالمه، وصالحه، ونحو ذلك، وإذا كان ذلك حقيقة اللفظ فالواجب حمله على الجماع الذي يكون منهما جميعا، ويدل على ذلك أنك لا تقول لامست الرجل و لامست الثوب إذا مسته بيدك لانفرادك بالفعل، فدل على أن قوله: أو لامستم . بمعنى أو جامعتم النساء فيكون حقيقته الجماع، وإذا صح ذلك وكانت قراءة من قرأ:
/ صفحة 90 / أو لمستم . يحتمل اللمس باليد ويحتمل الجماع وجب أن يكون ذلك محمولا على ما لا يحتمل إلا معنى واحد لأن ما لا يحتمل إلا معنى واحدا فهو المحكم، وما يحتمل معنيين فهو المتشابه، وقد أمرنا الله تعالى بحمل المتشابه على المحكم ورده إليه بقوله: هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب . الآية . فلما جعل المحكم أما للمتشابه فقد أمرنا بحمله عليه، وذم متبع المتشابه باقتصاره على حكمه بنفسه دون رده إلى غيره بقوله: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه . فثبت بذلك أن قوله " أو لمستم " لما كان محتملا للمعنيين كان متشابها وقوله " أو لامستم " لما كان مقصورا في مفهوم اللسان على معنى واحد كان محكما، فوجب أن يكون معنى المتشابه مبينا عليه . ويدل على أن اللمس ليس بحدث: أن ما كان حدثا لا يختلف فيه الرجال والنساء ولو مست امرأة امرأة لم يكن حدثا، كذلك مس الرجل إياها (1) وكذلك مس الرجل الرجل ليس بحدث . فكذلك مس المرأة . ودلالة ذلك على ما وصفنا من وجهين: أحدهما إنا وجدنا الأحداث لا تختلف فيها الرجال والنساء فكل ما كان حدثا من الرجل فهو من المرأة حدث، وكذلك ما كان حدثا من المرأة فهو حدث من الرجل، فمن فرق بين الرجل والمرأة فقوله خارج عن الأصول، ومن جهة أخرى: أن العلة في مس المرأة المرأة والرجل الرجل إنه مباشرة من غير جماع فلم يكن حدثا كذلك الرجل والمرأة . ا ه . فترى بعد هذه كلها أن رأي الخليفة شاذ عن الكتاب والسنة الثابتة وإجماع الأمة، واجتهاد محض تجاه النصوص المسلمة، ولذلك خالفته الأمة الإسلامية جمعاء من يومها الأول حتى اليوم، وأصفقت على وجوب التيمم على الجنب الفاقد للماء ولم يتبعه فيما رآه أحد إلا عبد الله بن مسعود - إن صحت النسبة إليه - . ويظهر من صحيحة الشيخين - البخاري ومسلم - عن شقيق أن الاجتهاد المذكور في آيتي التيمم والتأويل في قوله (أو لامستم) كما ذكر من مختلفات التابعين ومن بعدهم، وكان مفاد الآيتين متفقا عليه عند الصحابة ولم يكن قط اختلاف بينهم فيه وإنما كره ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يعني ليس بحدث بالنسبة إلى المرأة .
/ صفحة 91 / عمر وتابعه الوحيد التيمم للجنب الفاقد للماء لغاية أخرى . قال شقيق: كنت بين عبد الله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما فقال أبو موسى: أرأيت يا أبا عبد الرحمن ؟ لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا كيف يصنع بالصلاة ؟ فقال لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا . فقال أبو موسى: كيف بهذه الآية في سورة المائدة " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " ؟ قال عبد الله: لو رخص لهم في هذا الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد . فقال له أبو موسى: و إنما كرهتم هذا لذا ؟ قال: نعم . فقال أبو موسى لعبد الله: ألم تسمع قول عمار لعمر رضي الله عنهما: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا، وضرب بكفيه ضربة على الأرض ثم نفضها ثم مسح بها ظهر كفه بشماله: وظهر شماله بكفه ثم مسح بهما وجهه، فقال عبد الله: أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار ؟ صورة أخرى للبخاري: قال شقيق: كنت عند عبد الله وأبي موسى فقال له أبو موسى: أرأيت يا أبا عبد الله إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع ؟ فقال عبد الله: لا يصلي حتى يجد الماء . قال أبو موسى: فيكف تصنع بقول عمار ؟ حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم: كان يكفيك . قال: أولم تر أن عمر لم يقنع منه بذلك . فقال له أبو موسى: فدعنا من قول عمار، كيف تصنع بهذه الآية ؟ فما درى عبد الله ما يقول فقال: إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم، فقلت لشقيق: فإنما كره عبد الله لهذا ؟ قال: نعم (1) ما أرأف هذا القائل بالجنب الفاقد للماء وأشفقه عليه إذا رأى له ترك الصلاة ولو لم يجد الماء شهرا ؟ وما أقساه على من برد عليه الماء وأوشك أن يتيمم ؟ فنهى عن التيمم شدة على هذا ورأفة بذاك، فكأن ترك الجنب الفاقد للماء الصلاة وإعراضه عما في الكتاب والسنة أخف وطئة عنده من تيمم من اتخذ البرد عذرا وترك الغسل، وكأنه أعرف بصالح المجتمع الديني من مشرع الدين لهم، وكأنه يرى أن الشارع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري ج 1 ص 128، 129، صحيح مسلم 1 ص 110، سنن ابن داود 1 ص 53، وفي تيسير الوصول 3 ص 97: أخرجه الخمسة إلا الترمذي . سنن البيهقي 1 ص 226 .
/ صفحة 92 / الأقدس فاتته رعاية ما تنبه له من المفسدة من التيمم عند برد الماء فتداركه هذا الفقيه الضليع في الفقاهة برأيه الفطير وحجته الداحضة، وكأنه وكأنه ...
-2- أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده 1 ص 192 بإسناده عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صلى أحدكم فشك في صلاته فإن شك في الواحدة والثنتين فليجعلها واحدة، وإن شك في الثنتين والثلاث فليجعلها ثنتين، وإن شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثا، حتى يكون الوهم في الزيادة ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم يسلم . قال محمد بن إسحاق: وقال لي حسين بن عبد الله: هل أسنده لك ؟ فقلت: لا . فقال: لكنه حدثني أن كريبا مولى ابن عباس حدثه عن ابن عباس قال: جلست إلى عمر بن الخطاب فقال: يا بن عباس ! إذا اشتبه على الرجل في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص ؟ قلت: يا أمير المؤمنين ! ما أدري ما سمعت في ذلك شيئا، فقال عمر: والله ما أدري - وفي لفظ البيهقي -: لا والله ما سمعت منه صلى الله عليه وسلم فيه شيئا ولا سألت عنه . فبينا نحن على ذلك إذ جاء عبد الرحمن بن عوف فقال: ما هذا الذي تذكران ؟ فقال له عمر: ذكرنا الرجل يشك في صلاته كيف يصنع ؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا . الحديث . وفي لفظ آخر : في مسند أحمد: عن كريب عن ابن عباس أنه قال له عمر: يا غلام ! هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ما ذا يصنع ؟ قال: فبينا هو كذلك إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف فقال: فيم أنتما ؟ فقال عمر: سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع ؟ فقال عبد الرحمن: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا شك أحدكم .. الحديث (1) . ألا تعجب من خليفة لا يعرف حكم شكوك الصلاة، وهو مبتلى بها في اليوم والليلة خمسا ؟ ولم يهتم بأمرها حتى يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها إلى أن يؤل أمره إلى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مسند أحمد 1 ص 190، سنن البيهقي 2 ص 332 بعدة طرق .
/ صفحة 93 / السؤال عن غلام لا يعرفها أيضا فينبأه بها عبد الرحمن بن عوف، أنا لا أدري كيف كان يفعل وهو بتلك الحال لو شك في صلاة يأم فيها المؤمنين ؟ وطبع الحال يقضي بوقوع ذلك لكل أحد في عمره ولو دفعات يسيرة، وأنا في بهيتة من الحكم البات بأعلمية رجل هذا مبلغ علمه، وهذه سعة اطلاعه على الأحكام، زه بأمة هذا شأن أعلمها . كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا .
-3- أخرج الحافظان ابن أبي حاتم والبيهقي عن الدئلي: أن عمر بن الخطاب رفعت إليه امرأة ولدت لستة فهم برجمها، فبلغ ذلك عليا فقال: ليس عليها رجم . فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فأرسل إليه فسأله فقال: قال الله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين. وقال: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا فستة أشهر حمله وحولين فذلك ثلاثون شهرا . فخلى عنها . وفي لفظ النيسابوري والحافظ الكنجي: فصدقه عمر وقال: لولا علي لهلك عمر . وفي لفظ سبط ابن الجوزي: فخلى وقال: أللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب . صورة أخرى: أخرج الحافظ عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر بإسنادهم عن الدئلي قال: رفع إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر فأراد عمر أن يرجمها فجاءت أختها إلى علي بن أبي طالب فقالت: إن عمر يرجم أختي فأنشدك الله إن كنت تعلم أن لها عذرا لما أخبرتني به فقال علي: إن لها عذرا فكبرت تكبيرة سمعها عمر ومن عنده فانطلقت إلى عمر فقالت: إن عليا زعم أن لأختي عذرا فأرسل عمر إلى علي ما عذرها ؟ قال: إن الله يقول: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين . فقال: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا . وقال: وفصاله في عامين . وكان الحمل هنا ستة أشهر . فتركها عمر، قال: ثم بلغنا إنها ولدت آخر لستة أشهر . صورة ثالثة: أخرج الحافظان العقيلي وابن السمان عن أبي حزم بن الأسود: أن عمر أراد
/ صفحة 94 / رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر فقال له علي: إن الله تعالى يقول: وحمله وفصاله ثلثون شهرا . وقال تعالى: وفصاله في عامين . فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين . فترك عمر رجمها وقال: لولا علي لهلك عمر . السنن الكبرى 7 ص 442، مختصر جامع العلم ص 150، الرياض النضرة 2 ص 194، ذخائر العقبى ص 82، تفسير الرازي 7 ص 484، أربعين الرازي 466، تفسير النيسابوري 3 في سورة الأحقاف، كفاية الكنجي ص 105، مناقب الخوارزمي ص 57، تذكرة السبط ص 87، الدر المنثور 1 ص 288 و ج 6 ص 40 نقلا عن جمع من الحفاظ، كنز العمال 3 ص 96 نقلا عن خمس من الحفاظ، و ج 3 ص 228 نقلا عن غير واحد من أئمة الحديث . العجب العجاب : أخرج الحفاظ عن بعجة بن عبد الله الجهني قال: تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له تماما لستة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان فأمر بها أن ترجم فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه فأتاه فقال: ما تصنع ؟ ليس ذلك عليها قال الله تبارك وتعالى: وحمله وفصاله ثلثون شهرا وقال: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين . فالرضاعة أربعة وعشرون شهرا والحمل ستة أشهر . فقال عثمان: والله ما فطنت لهذا، فأمر بها عثمان أن ترد فوجدت قد رجمت، وكان من قولها لأختها: يا أخية لا تحزني فوالله ما كشف فرجي أحد قط غيره، قال: فشب الغلام بعد فاعترف الرجل به وكان أشبه الناس به قال: فرأيت الرجل بعد ويتساقط عضوا عضوا على فراشه (1) . أليس عارا أن يشغل فراغ النبي الأعظم أناس هذا شأنهم في القضاء ؟ أمن العدل أن يسلط على الأنفس والأعراض والدماء رجال هذا مبلغهم من العلم ؟ أمن الانصاف أن تفوض النواميس الإسلامية وطقوس الأمة وربقة المسلمين إلى يد خلائف هذه سيرتهم ؟ لا ها الله . وربك يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة، سبحان الله وتعالى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه مالك في الموطأ 2 ص 176، والبيهقي في السنن الكبرى 7 ص 442، و أبو عمر في العلم ص 150، وابن كثير في تفسيره 4 ص 157، وابن الديبع في تيسير الوصول 2 ص 9، والعيني في عمدة القاري 9 ص 642، والسيوطي في الدر المنثور 6 ص 40 نقلا عن ابن المنذر وابن أبي حاتم .
/ صفحة 95 / عما يشركون، وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون، فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم .
-4- أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن نافع بن جبير: أن ابن عباس أخبره قال: لصاحب امرأة التي أتي بها عمر وضعت لستة أشهر فأنكر الناس ذلك فقلت لعمر: لا تظلم، قال: كيف ؟ قلت . إقرأ وحمله وفصاله ثلثون شهرا . والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين، كم الحول ؟ قال: سنة، قلت . كم السنة ؟ قال . اثنا عشر شهرا، قلت . فأربعة وعشرون شهرا حولان كاملان، ويؤخر الله من الحمل ما شاء ويقدم، قال . فاستراح عمر إلى قولي . الدر المنثور سورة الأحقاف 6 ص 40، وأوعز إليه ابن عبد البر في كتاب " العلم " ص 150 .
-5- عن مسروق بن الأجدع قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء ؟ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الاكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها، فلا عرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم . قال: ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ؟ قال: نعم . فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال: وأي ذلك ؟ فقالت: أما سمعت الله يقول: وآتيتم إحداهن قنطارا ؟ قال: فقال اللهم غفرا، كل الناس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله - أو - فمن طابت نفسه فليفعل . أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير، وسعيد بن منصور في سننه، والمحاملي في
/ صفحة 96 / أماليه، وابن الجوزي في سيرة عمر ص 129، وابن كثير في تفسيره 1 ص 467 عن أبي يعلى وقال: إسناده جيد قوي، والهيثمي في مجمع الزوائد 4 ص 284، والسيوطي في الدر المنثور 2 ص 133، وفي جمع الجوامع كما في ترتيبه 8 ص 298، وفي الدرر المنتثرة ص 243 نقلا عن سبعة من الحفاظ ومنهم أحمد وابن حبان والطبراني، وذكره الشوكاني في فتح القدير 1 ص 407، والعجلوني في كشف الخفاء 1 ص 269 نقلا عن أبي يعلى وقال: سنده جيد، وابن درويش الحوت في أسنى المطالب ص 166 وقال: حديث كل أحد أعلم أو أفقه من عمر . قاله عمر لما نهى عن المغالاة في الصداق وقالت امرأة: قال الله " وآتيتم إحديهن قنطارا " رواه أبو يعلى وسنده جيد، وعند البيهقي منقطع . صورة أخرى: عن عبد الله بن مصعب قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية وإن كانت بنت ذي الفضة (يعني يزيد بن الحصين الحارثي) فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال، فقامت امرأة من صف النساء طويلة في أنفها قطس فقالت: ما ذاك لك . قال: ولم ؟ قالت: إن الله تعالى يقول: وآتيتم إحداهن قنطارا . الآية . فقال عمر: إمرأة أصابت ورجل أخطأ . أخرجه الزبير بن بكار في الموفقيات، وابن عبد البر في جامع العلم كما في مختصره ص 66، وابن الجوزي في سيرة عمر ص 129، وفي كتابه: الأذكياء ص 162، والقرطبي في تفسيره 5 ص 99، وابن كثير في تفسيره 1 ص 467، والسيوطي في الدر المنثور 2 ص 133، وفي جمع الجوامع كما ترتيبه الكنز 8 ص 298 عن ابن بكار وابن عبد البر، والسندي في حاشية سنن ابن ماجة 1 ص 584، والعجلوني في كشف الخفاء 1 ص 270، و ج 2 ص 118 . صورة ثالثة: أخرج البيهقي في سننه الكبرى 7 ص 233 عن الشعبي قال: خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال: ألا لا تغالوا في صداق النساء فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شئ ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سبق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال ثم نزل، عرضت له امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين أكتاب الله تعالى أحق أن يتبع أو قولك ؟ قال: بل كتاب الله تعالى، فما ذاك ؟ قالت: نهيت الناس
/ صفحة 97 / آنفا أن يغالوا في صداق النساء والله تعالى يقول في كتابه: وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا . فقال عمر رضي الله عنه: كل أحد أفقه من عمر . مرتين أو ثلاثا . الحديث . وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في الكنز 8 ص 298 نقلا عن سنن سعيد بن منصور والبيهقي، ورواه السندي في حاشية السنن لابن ماجة 1 ص 583، والعجلوني في كشف الخفاء 1 ص 269 و ج 2 ص 118 . صورة رابعة: قام عمر خطيبا فقال: أيها الناس لا تغالوا بصداق النساء فلو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثني عشر أوقية، فقامت إليه امرأة فقالت له: يا أمير المؤمنين ! لم تمنعنا حقا جعله الله لنا ؟ والله يقول: وآتيتم إحداهن قنطارا . فقال عمر كل أحد أعلم من عمر، ثم قال لأصحابه: تسمعونني أقول مثل القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امرأة لبست من أعلم النساء . تفسير الكشاف 1 ص 357، شرح صحيح البخاري للقسطلاني 8 ص 57 . صورة خامسة: أخرج الحافظان عبد الرزاق وابن المنذر بالإسناد عن عبد الرحمن السلمي قال: قال عمر بن الخطاب: لا تغالوا في مهور النساء، فقالت امرأة: ليس ذلك يا عمر ! إن الله يقول وآتيتم إحداهن قنطارا من ذهب - قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود - فلا يحل لكم أن تأخذوا منه شيئا، فقال عمر: إن امرأة خاصمت عمر فخصمته . تفسير ابن كثير 1 ص 467، إرشاد الساري للقسطلاني 8 ص 57، حاشية السندي على سنن ابن ماجة 1 ص 583، كنز العمال 8 ص 298، كشف الخفاء 1 ص 269 و ج 2 ص 118 . صورة سادسة: قال عمر رضي الله عنه على المنبر: لا تغالوا بصدقات النساء، فقالت امرأة: أنتبع قولك أم قول الله: وآتيتم إحداهن قنطارا ؟ فقال عمر: كل أحد أعلم من عمر، تزوجوا على ما شئتم . تفسير النسفي هامش تفسير الخازن 1 ص 353، كشف الخفاء 1 ص 388 .
/ صفحة 98 / صورة سابعة: إن عمر قال على المنبر: ألا لا تغالوا في مهور نساءكم فقامت امرأة فقالت: يا ابن الخطاب الله يعطينا وأنت تمنعنا ؟ وتلت الآية فقال: كل الناس أفقه منك يا عمر . تفسير القرطبي 5 ص 99، تفسير النيسابوري ج 1 سورة النساء، تفسير الخازن 1 ص 353، الفتوحات الإسلامية 2 ص 477 وزاد فيه: حتى النساء . صورة ثامنة: قال عمر مرة: لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي إلا ارتجعت ذلك منها، فقالت له امرأة: ما جعل الله لك ذلك إنه تعالى قال: وآتيتم إحداهن قنطارا . الآية . فقال: كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال، ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت ؟ فاضلت إمامكم ففضلته (1) (فنضلته) . وفي لفظ الخازن: إمرأة أصابت وأمير أخطأ (2) وفي لفظ القرطبي: أصابت امرأة وأخطأ عمر . وفي لفظ الرازي في أربعينه ص 467: كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت . وفي لفظ الباقلاني في التمهيد ص 199: إمرأة أصابت ورجل أخطأ، وأمير ناضل فنضل، كل الناس أفقه منك يا عمر ! صورة تاسعة: صعد عمر رضي الله عنه المنبر فقال: أيها الناس لا تزيدوا في مهور النساء على أربعمائة درهم فمن زاد ألقيت زيادته في بيت مال المسلمين فهاب الناس أن يكلموه فقامت امرأة في يدها طول فقالت له: كيف يحل لك هذا ؟ والله يقول: وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا . فقال عمر رضي الله عنه: إمرأة أصابت ورجل أخطأ . المستطرف 1 ص 70 نقلا عن المنتظم لابن الجوزي . جمع الحاكم النيسابوري طرق هذه الخطبة لعمر بن الخطاب في جزء كبير كما قاله في المستدرك 2 ص 177 وقال: تواترت الأسانيد الصحيحة بصحة خطبة أمير المؤمنين عمر بن خطاب رضي الله عنه بذلك . وأقره الذهبي في تلخيص المستدرك، وأخرجها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 ص 61 و ج 3 ص 96 . (2) تفسير الخازن 1 ص 353 .
/ صفحة 99 / الخطيب البغدادي في تاريخه 3 ص 257 بعدة طرق وصححها غير أنه لم يذكر تمام الحديث بل يذكر الخطبة فحسب ثم يقول . الحديث بطوله . ولعل الخليفة أخذ برأي امرأة أصابت وتزوج بأم كلثوم وجعل مهرها أربعين ألفا كما في تاريخ ابن كثير 7 ص 81، 139، الإصابة 4 ص 492، الفتوحات الإسلامية 2 ص 472 .
-6- عن أنس بن مالك قال: إن عمر قرأ على المنبر: فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا " سورة عبس " قال: كل هذا عرفناه فما الأب ؟ ثم رفض عصا كانت في يده فقال: هذا لعمر الله هو التكلف، فما عليك أن لا تدري ما الأب ؟ اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه . وفي لفظ: قال إنس: بينا عمر جالس في أصحابه إذ تلا هذه الآية: " فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا " ثم قال: هذا كله عرفناه فما الأب ؟ قال: وفي يده عصية يضرب بها الأرض فقال: هذا لعمر الله التكلف، فخذوا أيها الناس بما بين لكم فاعملوا به، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه . وفي لفظ: قرأ عمر وفاكهة وأبا فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب ؟ ثم قال: مه نهينا عن التكلف، وفي النهاية: ما كلفنا وما أمرنا بهذا . وفي لفظ: إن عمر رضي الله عنه قرأ هذه الآية فقال: كل هذا قد عرفناه فما الأب ؟ ثم رفض عما كانت بيده وقال: هذا لعمر الله التكلف، وما عليك يا ابن أم عمر أن لا تدري ما الأب ؟ ثم قال: إتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه . وفي لفظ المحب الطبري: ثم قال: مه قد نهينا عن التكلف، يا عمر إن هذا من التكلف، وما عليك ألا تدري ما الأب ؟ .
/ صفحة 100 / وعن ثابت: إن رجلا سأل عمر بن الخطاب عن قوله وفاكهة وأبا: ما الأب ؟ فقال عمر: نهينا عن التعمق والتكلف . هذه الأحاديث أخرجها سعيد بن منصور في سننه، وأبو نعيم في المستخرج، وابن سعد، وعبد بن حميد، وابن الأنباري، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن جرير في تفسيره 30 ص 38، والحاكم في المستدرك 2 ص 514 وصححه هو وأقره الذهبي في تلخيصه، والخطيب في تاريخه 11 ص 468، والزمخشري في الكشاف 3 ص 253، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة 2 ص 49 نقلا عن البخاري والبغوي والمخلص الذهبي، والشاطبي في الموافقات 1 ص 21، 25، وابن الجوزي في سيرة عمر ص 120، وابن الأثير في النهاية 1 ص 10، وابن تيمية في مقدمة أصول التفسير ص 30، وابن كثير في تفسيره 4 ص 473 وصححه، والخازن في تفسيره 4 ص 374، والسيوطي في الدر المنثور 6 ص 317 عن جمع من الحفاظ المذكورين، وفي كنز العمال 1 ص 227 نقلا عن سعيد بن منصور، وابن أبي شبيه، وأبي عبيد في فضائله، وابن سعيد في طبقاته، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والأنباري في المصاحف، والحاكم، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن مردويه، وأبو السعود في تفسيره - هامش تفسير الرازي - ج 8 ص 389 وقال: وروي مثل هذا لأبي بكر بن أبي قحافة أيضا، والقسطلاني في إرشاد الساري 10 ص 298 نقلا عن أبي نعيم، وعبد بن حميد، والعيني في " عمدة القاري " 11 ص 468، وابن حجر في " فتح الباري " 13 ص 230 وقال: قيل: إن الأب ليس بعربي ويؤيده خفاؤه على مثل أبي بكر وعمر . قال الأميني: كيف خفي هذا القيل الذي جاء به ابن حجر على أئمة اللغة العربية جمعاء فأدخلت الأب في معاجمها من دون أي إيعاز إلى كونه دخيلا، وهب أن الأب غير عربي فهل قوله تعالى في تفسيره وما قبله " متاعا لكم ولأنعامكم " ليس بعربي أيضا ؟ فما عذر الشيخين عندئذ في خفائه عليهما ؟ وكيف يؤيد به قول القائل ؟ نعم: يروق ابن حجر أن يدافع عنهما ولو بالتهكم على لغة العرب ونفي كلمتها عنها . لفت نظر: هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه (1) غير أنه سترا على جهل الخليفة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في كتاب الاعتصام باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه .
/ صفحة 101 / بالأب حذف صدر الحديث وأخرج ذيله، وتكلف بعد النهي عن التكلف، ولا بهمه جهل الأمة عندئذ بمغزى قول عمر، قال: عن أنس قال: كنا عند عمر فقال: نهينا عن التكلف . وكم وكم في صحيح البخاري من أحاديث لعبت بها يد تحريفه ؟ وسيوافيك غير واحد منها .
-7- قضاء الخليفة على مجنونة قد زنت عن ابن عباس قال: أتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسا فأمر بها أن ترجم فمر بها علي رضي الله عنه فقال: ما شأن هذه ؟ فقالوا: مجنونة بني فلان زنت فأمر بها عمر أن ترجم . فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين أما علمت ؟ " أما تذكر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ . وعن النائم حتى يستيقظ . وعن المعتوه حتى يبرأ . وأن هذه معتوهة بني فلان لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها فخلى سبيلها، وجعل عمر يكبر . صورة أخرى: عن أبي ظبيان قال: شهدت عمر بن الخطاب أتي بامرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا بها ليرجموها فلقيهم علي فقال لهم: ما بال هذه ؟ قالوا: زنت فأمر برجمها . فانتزعها علي من أيديهم فردهم إلى عمر فقالوا: ردنا علي، قال: ما فعل هذا إلا لشئ فأرسل إليه فجاءه فقال: مالك رددت هذه ؟ قال: أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل ؟ قال: بلى فهذه مبتلاه بني فلان فلعله أتاها وهوبها، قال له عمر: لا أدري، قال: وأنا لا أدري فترك رجمها . أبو ظبيان هو الحصين بن جندب الجنبي بفتح الجيم الكوفي المتوفى 90 يروي القصة عن ابن عباس . صورة ثالثة: أمر سيدنا عمر رضي الله عنه برجم زانية فمر عليها سيدنا علي رضي الله عنه في أثناء الرجم فخلصها فلما أخبر سيدنا عمر بذلك قال: إنه لا يفعل إلا عن شئ فلما سأله قال: إنها مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها . فقال عمر: لولا علي لهلك عمر .
/ صفحة 102 / صورة رابعة : بلفظ الحاكم والبيهقي: أتي عمر رضي الله عنه بمبتلاة قد فجرت فأمر برجمها فمر بها علي بن أبي طالب ومعها الصبيان يتبعونها فقال: ما هذه ؟ قالوا: أمر بها عمر أن ترجم، قال: فردها وذهب معها إلى عمر رضي الله عنه وقال: ألم تعلم أن القلم رفع عن المجنون حتى يعقل، وعن المبتلى حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم ؟ قال الحاكم حديث صحيح، ورواه شعبة عن الأعمش بزيادة ألفاظ . صورة خامسة : بلفظ البيهقي: مر علي بمجنونة بني فلان قد زنت وهي ترجم فقال علي لعمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين ! أمرت برجم فلانة ؟ قال: نعم قال: أما تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق ؟ قال: نعم: فأمر بها فخلى عنها . أخرجه أبو داود في سننه بعدة طرق 2 ص 227، وابن ماجة في سننه 2 ص 227، والحاكم في المستدرك 2 ص 59 و ج 4 ص 389 وصححه، والبيهقي في السنن الكبرى 8 ص 264 بعدة طرق، وابن الأثير في جامع الأصول كما في تيسير الوصول 2 ص 5، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة 2 ص 196 باللفظ الثاني نقلا عن أحمد، وفي ذخائر العقبي ص 81، وذكره القسطلاني في إرشاد الساري 10 ص 9 نقلا عن البغوي وأبي داود والنسائي وابن حبان، والمناوي في فيض القدير 4 ص 357 بالصورة الثانية فقال: واتفق له - لعلي عليه السلام - مع أبي بكر نحوه، والحفني في حاشية شرح العزيزي على الجامع الصغير 2 ص 417 باللفظ الثالث، والدمياطي في مصباح الظلام 2 ص 56 باللفظ الثالث، وسبط ابن الجوزي في تذكرته ص 57 بلفظ فيه قول عمر: لولا علي لهلك عمر، وابن حجر في فتح الباري 12 ص 101، والعيني في عمدة القاري 11 ص 151 .
/ صفحة 103 / لفت نظر: أخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه (1) غير أنه مهما وجد فيه مسة بكرامة الخليفة حذف صدره تحفظا عليها، ولم يرقه إيقاف الأمة على قضية تعرب عن جهله بالسنة الشايعة أو ذهوله عنها عند القضاء فقال: قال علي لعمر: أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يدرك، وعن النائم حتى يستيقظ؟
-8- عن أبي سعيد الخدري قال: حججنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك فقبله، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: بل يا أمير المؤمنين ! يضر وينفع ولو علمت ذلك من تأويل كتاب الله لعلمك أنه كما أقول قال الله تعالى: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم . الآية (2) فلما أقروا أنه الرب عز وجل وأنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق وألقمه في هذا الحجر وأنه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وافى بالموافاة فهو أمين الله في هذا الكتاب، فقال له عمر: لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن ! . وفي لفظ: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن ! . أخرجه الحاكم في المستدرك 1 ص 457، وابن الجوزي في سيرة عمر ص 106، والأزرقي في تاريخ مكة كما في العمدة، والقسطلاني في إرشاد الساري 3 ص 195، والعيني في عمدة القاري 4 ص 606 بلفظيه . والسيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه 3 ص 35 نقلا عن الجندي في فضائل مكة، وأبي الحسن القطان في الطوالات، والحاكم، وابن حبان، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3 ص 122، وأحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلامية 2 ص 486 .
-9- عن محمد بن الزبير قال: دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بشيخ قد التوت ترقوتاه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في كتاب المحاربين باب لا يرجم المجنون والمجنونة . (2) سورة الأعراف آية 172 .
/ صفحة 104 / من الكبر فقلت: يا شيخ من أدركت . قال عمر: قلت: فما غزوت ؟ قال: اليرموك، قلت: فحدثني بشئ سمعته، قال: خرجنا مع قتيبة حجاجا فأصبنا بيض نعام وقد أحرمنا، فلما قضينا نسكنا ذكرنا ذلك لأمير المؤمنين عمر فأدبر وقال: اتبعوني حتى انتهى إلى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب حجرة منها فأجابته امرأة فقال: أثم أبو الحسن ؟ قالت: لا، فمر في المقتاة . فأدبر وقال: اتبعوني حتى انتهى إليه وهو يسوي التراب بيده فقال: مرحبا يا أمير المؤمنين ! فقال إن هؤلاء أصابوا بيض نعام وهم محرمون قال: ألا أرسلت إلي ؟ قال: أنا أحق بإتيانك، قال: يضربون الفحل قلائص أبكارا بعدد البيض فما نتج منها أهدوه . قال عمر: فإن الإبل تخدج، قال علي: والبيض يمرض، فلما أدبر قال عمر: أللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو حسن إلى جنبي (1).
-10- مر عمر يوما يشاب من فتيان الأنصار وهو ظمآن فاستقاه فجدح (2) له ماء بعسل فلم يشربه وقال: إن الله تعالى يقول: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا . فقال له الفتي: يا أمير المؤمنين ! إنها ليست لك ولا لأحد من أهل القبلة إقرأ ما قبلها: ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم وفي حياتكم الدنيا واستمتعتم بها (3) فقال عمر: كل الناس أفقه من عمر (4).
-11- أمر الخليفة بضرب غلام خاصم أمه عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه قال: خاصم غلام من الأنصار أمه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجحدته فسأله البينة فلم تكن عنده وجاءت المرأة بنفر فشهدوا إنها لم تزوج وإن الغلام كاذب عليها وقد قذفها فأمر عمر بضربه، فلقيه علي رضي الله عنه فسأل عن أمرهم فدعاهم ثم قعد في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وسأل المرأة فجحدت فقال للغلام: إجحدها كما جحدتك فقال: يا بن عم رسول الله إنها أمي، قال: إجحدها ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الرياض النضرة 2 ص 50، 194، ذخائر العقبى 82، كفاية الشنقيطي ص 57 . (2) جدح وأجدح واجتدح: حلط . (3) سورة الأحقاف آية 20 . (4) شرح النهج لابن أبي الحديد 1 ص 61 .
/ صفحة 105 / وأنا أبوك والحسن والحسين أخواك . قال: قد جحدتها وأنكرتها، فقال علي لأولياء المرأة: أمري في هذه المرأة جائر ؟ قالوا: نعم وفينا أيضا، فقال علي: أشهد من حضر أني قد زوجت هذا الغلام من هذه المرأة الغريبة منه، يا قنبر ائتني بطينة فيها دراهم فأتاه بها فعد أربعمائة وثمانين درهما فقذفها مهرا لها وقال للغلام: خذ بيد امرأتك ولا تأتينا إلا وعليك أثر العرس . فلما ولي قالت المرأة: يا أبا الحسن الله الله هو النار، هو والله ابني . قال: كيف ذلك ؟ قالت: إن أباه كان زنجيا وإن أخواتي زوجوني منه فحملت بهذا الغلام وخرج الرجل غازيا فقتل وبعث بهذا إلى حي بني فلان فنشأ فيهم وأنفت أن يكون ابني، فقال علي أنا أبو الحسن، وألحقه وثبت نسبه . ذكره ابن القيم الجوزية في (الطرق الحكمية) ص 45 .
-12- 1 - إن عمر بن الخطاب سأل رجلا كيف أنت ؟ فقال: ممن يحب الفتنة، ويكره الحق، ويشهد على ما لم يره . فأمر به إلى السجن، فأمر علي برده فقال صدق، فقال: كيف صدقته ؟ قال: يحب المال والولد وقد قال الله تعالى: إنما أموالكم و أولادكم فتنة . ويكره الموت وهو الحق . ويشهد أن محمدا رسول الله ولم يره . فأمر عمر رضي الله عنه بإطلاقه وقال: الله يعلم حيث يجعل رسالته . (الطرق الحكمية) لابن القيم الجوزية ص 46 . 2 - عن حذيفة بن اليمان إنه لقي عمر بن الخطاب فقال له عمر: كيف أصبحت يا بن اليمان ؟ فقال: كيف تريدني أصبح ؟ أصبحت والله أكره الحق وأحب الفتنة، وأشهد بما لم أره، وأحفظ غير المخلوق، وأصلي غير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء . فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره وقد أعجله أمر، وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك، فبينا هو في الطريق إذ مر بعلي بن أبي طالب فرأى الغضب في وجهه، فقال: ما أغضبك يا عمر ؟ فقال: لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت ؟ فقال: أصبحت أكره الحق، فقال: صدق يكره الموت وهو حق . فقال: يقول: وأحب الفتنة، قال: صدق يحب المال والولد وقد قال الله تعالى: إنما أموالكم وأولادكم فتنة، فقال: يا علي يقول: وأشهد بما لم أره فقال:
/ صفحة 106 / صدق يشهد لله بالوحدانية والموت والبعث والقيامة والجنة والنار والصراط ولم ير ذلك كله، فقال: يا علي وقد قال إنني أحفظ غير المخلوق قال: صدق يحفظ كتاب الله تعالى القرآن وهو غير مخلوق (1)، قال: ويقول: أصلي على غير وضوء فقال: صدق يصلي على ابن عمي رسول الله على غير وضوء والصلاة عليه جائزة، فقال: يا أبا الحسن ! قد قال: أكبر من ذلك، فقال: وما هو ؟ قال: قال: إن لي في الأرض ما ليس لله في السماء . قال: صدق له زوجة وولد وتعالى الله عن الزوجة والولد . فقال عمر، كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب . أخرجه الحافظ الكنجي في الكفاية ص 96 فقال: قلت هذا ثابت عند أهل النقل ذكره غير واحد من أهل السير، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص 18 . 3 - روي أن رجلا أتي به إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان صدر منه أنه قال لجماعة من الناس وقد سألوه كيف أصبحت ؟ قال: أصبحت أحب الفتنة، و أكره الحق . وأصدق اليهود والنصارى، وأومن بما لم أره، وأقر بما لم يخلق . فأرسل عمر إلى علي رضي الله عنهما فلما جاءه أخبره بمقالة الرجل قال: صدق يحب الفتنة قال الله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة، ويكره الحق يعني الموت وقال الله تعالى: وجاءت سكرة الموت بالحق . ويصدق اليهود والنصارى، قال الله تعالى: وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ . ويؤمن بما لم يره، يؤمن بالله عز وجل، ويقره بما لم يخلق يعني الساعة . فقال عمر رضي الله عنه: أعوذ بالله من معظلة لا علي بها (2) . 4 - أخرج الحفاظ ابن أبي شيبة . وعبد بن حميد . وابن المنذر عن إبراهيم التميمي قال: قال رجل عند عمر: أللهم اجعلني من القليل، فقال عمر: ما هذا الدعاء ؟ فقال الرجل إني سمعت الله يقول: " وقليل من عبادي الشكور " (3) فأنا أدعوه أن يجعلني من ذلك القليل، فقال عمر: كل الناس أفقه من عمر . وفي لفظ القرطبي: كل الناس أعلم منك يا عمر، وفي لفظ الزمخشري: كل الناس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هذه الفقرة خرافة دست في الحديث اختلقها أنصار المذهب الباطل في خلق القرآن . (2) نور الأبصار للشبلنجي ص 79 . (3) سورة سبأ آية 13 .
/ صفحة 107 / أعلم من عمر . تفسير القرطبي 14 ص 227، تفسير الكشاف 2 ص 445، تفسير السيوطي 5 ص 229 . 5 - جاءت امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت: يا أمير المؤمنين ! إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل فقال لها: نعم الرجل زوجك، وكان في مجلسه رجل يسمى كعبا فقال: يا أمير المؤمنين " إن هذه المرأة تشكو زوجها في أمر مباعدته إياها عن فراشه فقال له: كما فهمت كلامها أحكم بينهما . فقال كعب: علي بزوجها فأحضر فقال له: إن هذه المرأة تشكوك . قال: أفي أمر طعام أم شراب ؟ قال: بل في أمر مباعدتك إياها عن فراشك فأنشأت المرأة تقول: يا أيهـــــا القاضي الحكيم انشده * ألهى خليلي عن فراشي مسجده نـهاره وليــــــله لا يــــــرقــــــده * فــــــلست في أمر النساء أحمده فأنشأ الزوج يقول: زهــــــدني في فرشها وفي الحلل * إنــــــي امـــرؤ أذهلني ما قد نزل في سورة النمل وفي سبع الطول * وفــــــي كتـــــاب الله تخويف يجل فقال له القاضي: إن لهـــا عــليك حقا لم يزل * في أربع نصيبــها لمن عقل فعاطها ذاك ودع عنك العلل ثم قال: إن الله تعالى أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع فلك ثلاثة أيام بلياليهن ولها يوم وليلة . فقال عمر رضي الله عنه: لا أدري من أيكم أعجب ؟ أمن كلامها أم من حكمك بينهما ؟ إذهب فقد وليتك البصرة . صورة أخرى: عن قتادة والشعبي قالا: جاءت عمر امرأة فقالت: زوجي يقول الليل ويصوم النهار . فقال عمر: لقد أحسنت الثناء على زوجك . فقال كعب بن سوار: لقد شكت . قال عمر: كيف ؟ قال: تزعم إنه ليس لها من زوجها نصيب قال: فإذا قد فهمت ذلك فاقض بينهما، فقال: يا أمير المؤمنين ! أحل الله له من النساء أربعا فلها من كل أربعة أيام يوم ومن
/ صفحة 108 / كل أربع ليال ليلة . م - وفي لفظ أبي عمر في الاستيعاب: إن امرأة شكت زوجها إلى عمر فقالت: إن زوجي يقوم الليل ويصوم النهار، وأنا أكره أن أشكوه إليك فهو يعمل بطاعة الله، فكان عمر لم يفهم عنها . الحديث . وفي لفظ آخر له: قال عمر لكعب بن سوار: عزمت عليك لتقضين بينهما فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهم . إلخ . قال أبو عمر: هو مشهور) . وعن الشعبي: إن امرأة جاءت إلى عمر فقالت: يا أمير المؤمنين ! أعدني على زوجي يقوم الليل ويصوم النهار، قال: فما تأمريني أتأمريني أن أمنع رجلا من عبادة ربه (1) .
-13- إجتهاد الخليفة في قراءة الصلاة 1 - عن عبد الرحمن بن حنظلة بن الراهب: إن عمر بن الخطاب صلى المغرب فلم يقرأ في الركعة الأولى فلما كانت الثانية قرأ بفاتحة الكتاب مرتين فلما فرغ وسلم سجد سجدتي السهو . ذكره ابن حجر في فتح الباري 3 ص 69 وقال: رجاله ثقات وكأنه مذهب لعمر . وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2 ص 382 ولفظه: صلى بنا عمر بن الخطاب فلم يقرأ في الركعة الأولى شيئا فلما قام في الركعة الثانية قرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ثم عاد فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة: ثم مضى فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين بعد ما سلم . وفي لفظ: سجد سجدتين ثم سلم . وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في كنز العمال 4 ص 213 نقلا عن جمع من الحفاظ باللفظ الثاني . 2 - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: إن عمر بن الخطاب كان يصلي بالناس المغرب فلم يقرأ فيها فلما انصرف قيل له: ما قرأت . قال: فكيف كان الركوع والسجود ؟ قالوا: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ألكني والألقاب للدولابي 1 ص 192، الاستيعاب في ترجمة كعب بن سوار وجمع ألفاظه، الأذكياء لابن الجوزي ص 49، 142، المستطرف لشهاب الدين الأبشيهي 1 ص 70، شرح ابن أبي الحديد 3 ص 105، تاريخ الخلفاء السيوطي ص 96، الإصابة 3 ص 315 .
/ صفحة 109 / حسنا . قال: فلا بأس إذن . أخرجه البيهقي في السنن 2 ص 347، 381، وحكاه السيوطي عن مالك و عبد الرزاق والنسائي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 4 ص 213، وقال البيهقي: قال الشافعي: وكان أبو سلمة يحدثه بالمدينة وعند آل عمر لا ينكره أحد . والإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات . 3 - عن إبراهيم النخعي: إن عمر بن الخطاب صلى بالناس صلاة المغرب فلم يقرأ شيئا حتى سلم فلما فرغ قيل له: إنك تقرأ شيئا . فقال: إني جهزت عيرا إلى الشام فجعلت أنزلها منقلة منقلة حتى قدمت الشام فبعتها وأقتابها وأحلاسها وأحمالها فأعاد عمر وأعادوا . وعن الشعبي: أن أبا موسى الأشعري قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين ! أقرأت في نفسك ؟ قال: لا، فأمر المؤذنين فأذنوا وأقاموا وأعاد الصلاة بهم . السنن الكبرى للبيهقي 2 ص 382، كنز العمال 4 ص 213 . يظهر من هذه الموارد وتكرر القصة فيها إن الخليفة لم يستند في صلواته هاتيك إلى أصل مسلم فمرة لم يقرأ في الركعة الأولى فيقضيها في الثانية ويسجد سجدتي السهو قبل السلام أو بعده، وأخرى اكتفى بحسن الركوع والسجود عن الإعادة و سجدتي السهو، وطورا نراه يحتاط بالاعادة أو أنه يرى ما أتى به باطلا فيعيد ويعيدون فهل هذه اجتهادات وقتية ؟ أو أنه لم يعرف للمسألة ملاكا يرجع إليه ؟ والعجب من ابن حجر إنه يعد الشذوذ عن الطريقة المثلي مذهبا، ويسع كل شاذ أن يتترس بمثل هذا المذهب فيستر عواره، وفي هذه الأحاديث إعراب عن مبلغ خضوع الخليفة وخشوعه في صلواته .
-14- عن مسعود الثقفي قال: شهدت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشرك الأخوة من الأب والأم ومع الأخوة من الأم في الثلث، فقال له رجل: قضيت في هذا عام أول بغير هذا . قال: كيف قضيت ؟ قال: جعلته للأخوة من الأم ولم تجعل للأخوة من
/ صفحة 110 / الأب والأم شيئا، قال: تلك على ما قضينا وهذا على ما قضينا . وفي لفظ: تلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ما قضينا اليوم . أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6 ص 255، بعدة طرق، والدارمي في سننه 1 ص 154 مختصرا، وأبو عمر في " العلم " ص 139 . قال الأميني: كان أحكام القضايا تدور مدار ما صدر عن رأي الخليفة سواء أصاب الشريعة أم أخطأ، وكأن الخليفة له أن يحكم بما شاء وأراد، وليس هناك حكم يتبع وقانون مطرد في الاسلام، ولعل هذا أفظع من التصويب المدحوض بالبرهنة القاطعة .
-15- أخرج الحافظان الدارقطني وابن عساكر: إن رجلين أتيا عمر بن الخطاب وسألاه عن طلاق الأمة فقام معهما فمشى حتى أتى حلقة في المسجد فيها رجل أصلع فقال: أيها الأصلع ! ما ترى في طلاق الأمة ؟ فرفع رأسه إليه ثم أومى إليه بالسبابة والوسطى فقال لهما عمر: تطليقتان، فما أحدهما: سبحان الله جئناك وأنت أمير المؤمنين فمشيت معنا حتى وقفت على هذا الرجل فسألته فرضيت منه أن أومى إليك . الحديث . راجع الجزء الثاني ص 299 من كتابنا هذا .
-16- أتي عمر بن الخطاب بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور فأمر برجمها فتلقاها علي فقال: ما بال هذه ؟ فقالوا: أمر عمر برجمها فردها علي وقال: هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها ؟ ولعلك انتهرتها أو أخفتها ؟ قال: قد كان ذلك . قال أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا حد على معترف بعد بلاء، إنه من قيد أو حبس أو تهدد فلا إقرار له، فخلا سبيلها ثم قال: عجزت النساء أن تلدن مثل علي بن أبي طالب، لولا علي لهلك عمر . الرياض النضرة 2 ص 196، ذخاير العقبى ص 80، مطالب السئول ص 13، مناقب الخوارزمي ص 48، الأربعين للفخر الرازي ص 466 .
/ صفحة 111 /
-17- دخل علي على عمر وإذا امرأة حبلى تقاد ترجم فقال: ما شأن هذه ؟ قالت: يذهبون بي ليرجموني . فقال: يا أمير المؤمنين ! لأي شئ ترجم ؟ إن كان لك سلطان عليها فمالك سلطان على ما في بطنها، فقال عمر: كل أحد أفقه مني - ثلاث مرات - فضمنها علي حتى وضعت غلاما ثم ذهب بها إليه فرجمها . أخرجه الحافظ محب الدين الطبري في الرياض النضرة 2 ص 196، وذخاير العقبى ص 81 فقال: هذه غير تلك - القضية السابقة - لأن اعتراف تلك كان بعد تخويف فلم يصح فلم ترجم وهذه رجمت . وذكره الحافظ الكنجي في الكفاية ص 105 .
-18- رأي الخليفة في الحائض بعد الافاضة قال ابن المنذر: قال عامة الفقهاء بالامصار: ليس على الحائض التي قد أفاضت طواف وداع وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت: أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا لطواف الوداع، وكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الافاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها، ثم أسند عن عمر بإسناد صحيح إلى نافع عن ابن عمر قال: طافت امرأة بالبيت يوم النحر ثم حاضت فأمر عمر بحبسها بمكة بعد أن ينفر الناس حتى تطهر وتطوف البيت . قال: وقد ثبت رجوع ابن عمر (1) وزيد بن ثابت عن ذلك، وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة، يشير بذلك إلى ما تضمنته أحاديث (2) هذا الباب، وقد روى ابن أبي شيبة من طريق القاسم بن محمد: إن الصحابة كانوا يقولون: إذا أفاضت المرأة قبل أن تحيض فقد فرغت إلا فإنه كان يقول: يكون آخر عهدها بالبيت (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الحج باب إذا حاضت المرأة عن ابن عباس إنه رخص للحائض أن تنفر إذا أفاضت قال: وسمعت ابن عمر يقول: إنها لا تنفر، ثم سمعته يقول بعد: إن النبي رخص لهن . وأخرج البيهقي عن زيد بن ثابت ما ظاهره رجوعه عن رأيه . (2) أخرجها البخاري في صحيحه في كتاب الحيض في باب المرأة تحيض بعد الافاضة وفي كتاب الحج باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت، ومسلم في صحيحه، والدارمي في سننه 2 ص 68، وأبو داود في سننه 1 ص 313، والترمذي في صحيحه 1 ص 177، وابن ماجة في سننه 2 ص 251، والبيهقي في سننه 5 ص 162، والبغوي في مصابيح السنة 1 ص 182 . (3) فتح الباري 3 ص 462 .
/ صفحة 112 / وعن الحارث بن عبد الله بن أوس قال: أتيت عمر بن الخطاب فسألته عن المرأة تطوف بالبيت ثم تحيض ؟ فقال: ليكن آخر عهدها الطواف بالبيت قال الحارث: فقلت كذلك أفتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) فقال عمر: تبت يداك أو ثكلتك أمك سألتني عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كيما أخالفه (2) . م - وأخرج أبو النضر هاشم بن القاسم الليثي المتوفى 207 المتسالم على ثقته بإسناد رجاله كلهم ثقات عن هاشم بن يحيى المخزومي: إن رجلا من ثقيف أتى عمر بن الخطاب فسأله عن امرأة حاضت وقد كانت زارت البيت يوم النحر ألها أن تنفر قبل أن تطهر ؟ قال عمر: لا . فقال له الثقفي: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتاني في هذه المرأة بغير ما أفتيت به . فقام إليه عمر يضربه بالدرة ويقول: لم تستفتني في شئ قد أفتى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم " إيقاظ الهمم للعمري الفلاني ص 9 ") . قال الأميني: أنا لا أدري كيف ذهب على عمر ما عرفته الصحابة أجمع - ويزعم موسى جار الله أنه أعلمهم - فخالفوه في الفتيا وتبعتهم علماء الأمصار، وأما زيد وابن عمر فوافقوه ردحا من الزمن ولا أدري أكان فرقا من درته ؟ أو موافقة له في رأيه ؟ ولا أدري متى عدلا عن ذلك أبعد موته ؟ أم أبان حياته ؟ وإن تعجب فعجب إنه لم يعدل عن رأيه بعد ما وقف على السنة لكنه خاشن الحارث بن عبد الله وضرب الثقفي بدرته لما أخبراه بها، واستمر على مذهبه الخاص به خلاف السنة المتبعة، لماذا ؟ أنا لا أدري . ورأى ابن عباس أن لهذه السنة أصلا في الكتاب الكريم قد عزب عن الخليفة أيضا، أخرجه البيهقي في سننه الكبرى 5 ص 163 عن عكرمة أن زيد بن ثابت قال: تقيم حتى تطهر، ويكون آخر عهدها بالبيت . فقال ابن عباس: إذا كانت قد طافت يوم النحر فلتنفر . فأرسل زيد بن ثابت إلى ابن عباس إني وجدت الذي قلت كما قلت قال: فقال ابن عباس: إني لأعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء ولكني أحببت أن أقول بما في كتاب الله ثم تلا هذه الآية " ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق " ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يعني على خلاف ما أفتى به عمر . (2) سنن أبي داود 1 ص 313، مختصر جامع العلم لأبي عمر ص 227 .
/ صفحة 113 / فقد قضت التفث ووفت النذر وطافت بالبيت، فما بقي ؟
-19- م أخرج ابن المبارك قال: حدثنا أشعث عن الشعبي عن مسروق قال: بلغ عمر: إن امرأة من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها فأرسل إليها ففرق بينهما وعاقبهما وقال: لا ينكحها أبدا وجعل الصداق في بيت المال وفشا ذلك بين الناس فبلغ عليا كرم الله وجهه فقال: رحم الله أمير المؤمنين ! ما بال الصداق وبيت المال ؟ إنهما جهلا فينبغي للإمام أن يردهما إلى السنة قيل: فما تقول أنت فيها ؟ قال: لها الصداق بما استحل من فرجها، ويفرق بينهما، ولا جلد عليهما، وتكمل عدتها من الأول ثم تكمل العدة من الآخر، ثم يكون خاطبا . فبلغ ذلك عمر فقال: يا أيها الناس ردوا الجهالات إلى السنة . وروى ابن أبي زائدة عن أشعث مثله وقال فيه: فرجع عمر إلى قول علي. أحكام القرآن للجصاص 1: 504) . وفي لفظ عن مسروق: أتي عمر بامرأة قد نكحت في عدتها ففرق بينهما وجعل مهرها في بيت المال وقال: لا يجتمعان أبدا، فبلغ عليا فقال إن كان جهلا فلها المهر بما استحل من فرجها، ويفرق بينهما، فإذا انقضت عدتها فهو خاطب من الخطاب . فخطب عمر وقال: ردوا الجهالات إلى السنة . فرجع إلى قول علي . وفي لفظ الخوارزمي: ردوا قول عمر إلى علي . وفي التذكرة: فقال عمر: لولا علي لهلك عمر . وأخرج البيهقي في سننه عن مسروق قال: قال عمر رضي الله عنه في امرأة تزوجت في عدتها: النكاح حرام، والصداق حرام، وجعل الصداق في بيت المال وقال: لا يجتمعان ما عاشا . وأخرج عن عبيد بن نضلة (نضيلة) قال: رفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة تزوجت في عدتها فقال لها: هل علمت أنك تزوجت في العدة ؟ قالت: لا . فقال لزوجها: هل علمت ؟ قال: لا . قال: لو علمتما لرجمتكما فجلدهما أسياطا وأخذ المهر فجعله صدقة في سبيل الله قال: لا أجيز مهرا، لا أجيز نكاحه . وقال: لا تحل لك أبدا
/ صفحة 114 / صورة أخرى للبيهقي . أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة تزوجت في عدتها فأخذ مهرها فجعله في بيت المال وفرق بينهما وقال: لا يجتمعان . وعاقبهما، فقال علي رضي الله عنه: ليس هكذا ولكن هذه الجهالة من الناس، ولكن يفرق بينهما، ثم تستكمل بقية العدة من الأول، ثم تستقبل عدة أخرى، وجعل لها علي رضي الله عنه المهر بما استحل من فرجها، قال: فحمد الله عمر رضي الله عنه وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس ردوا الجهالات إلى السنة (1) قال الأميني: لماذا جلدهما الخليفة ؟ ولماذا أخذ المهر ؟ وبأي كتاب أم بأية سنة جعل الصداق في بيت المال وصيره صدقة في سبيل الله ؟ ولم وبم حرم المرأة على الرجل ؟ أنا لا أدري فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . وليت الخليفة لا ينسى نفسه ويأخذ بقوله: ردوا الجهالات إلى السنة . قبل قضاءه بالأقضية الشاذة عن الكتاب والسنة . م - وإن تعجب فعجب قول الجصاص في أحكام القرآن 1: 505: وأما ما روي عن عمر إنه جعل المهر في بيت المال فإنه ذهب إلى إنه مهر حصل لها من وجه محظور فسبيله أن يتصدق به فلذلك جعله في بيت المال ثم رجع فيه إلى قول علي رضي الله عنه، ومذهب عمر في جعل مهرها لبيت المال إذ قد حصل لها ذلك من وجه محظور يشبه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشاة المأخوذة بغير إذن مالكها قدمت إليه مشوية فلم يكد يسيغها حين أراد الأكل منها فقال: إن هذه الشاة تخبرني إنها أخذت بغير حق فأخبروه بذلك فقال: أطعموها الأسارى . ووجه ذلك عندنا إنما صارت لهم بضمان القيمة فأمرهم بالصدقة بها لأنها حصلت لهم من وجه محظور ولم يكونوا قد أدوا القيمة إلى أصحابها . ا ه . أعمى الجصاص حب الخليفة فرام أن يدافع عنه ولو بما يسمه بسمة الجهل، ألا مسائل هذا المدافع الوحيد عن المال المحصل من وجوه الحظر متى كان سبيله ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) السنن الكبرى للبيهقي 7 ص 441، 442، الموافقات لابن السمان، كتاب العلم لأبي عمر 2 ص 187، الرياض النضرة 2 ص 196، ذخاير العقبى ص 81، مناقب الخوارزمي ص 57، تذكرة السبط ص 87 .
/ صفحة 115 / أن يتصدق به حتى يتخذه الخليفة مذهبا وإن لم يكن الموضوع من مصاديقه ؟ ولماذا لا يرد إلى صاحبه ولا يحل مال امرء إلا بطيب نفسه ؟ ثم ما وجه الشبه بين مال استحقت به المرأة بما استحل من فرجها، وبين شاة حللته اليد لرسول الله، وسوغت له التصرف فيها ؟ غيران حسن الوقوف عند الشبهات وإن علمت من غير طريق عادي دعاه صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكف عنها، من دون ترتب أحكام الغصب عليها من ردها إلى صاحبها عرف أو لم يعرف، فلا صلة بين الموضوعين، على أن جهل الخليفة في المسألة ليس من ناحية جعل الصداق في بيت المال فحسب حتى يرقع، وإنما خالف السنة من شتى النواحي كما عرفت) .
-20- أخرج الدارمي في سننه 2 ص 354 عن الشعبي أنه قال: أول جد ورث في الاسلام عمر فأخذ ماله، فأتاه علي وزيد فقالا: ليس لك ذلك إنما كنت كأحد الأخوين . وفي لفظ البيهقي . إن أول جد ورث في الاسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مات ابن فلان بن عمر فأراد عمر أن يأخذ المال دون إخوته، فقال له علي وزيد رضي الله عنهما: ليس لك ذلك . فقال عمر: لولا أن رأيكما اجتمع لم أر أن يكون ابني ولا أكون أباه . السنن الكبرى 6 ص 247 . وأخرج الدارمي أيضا عن مروان بن الحكم: أن عمر بن الخطاب لما طعن استشارهم في الجد فقال: إني كنت رأيت في الجد رأيا فإن رأيتم أن تتبعوه فاتبعوه . فقال له عثمان: إن نتبع رأيك فإنه رشد وإن نتبع رأي الشيخ فلنعم ذو الرأي كان . (مستدرك الحاكم 4 ص 340) . قال الشعبي: كان من رأي أبي بكر وعمر رضي الله عنها أن يجعلا الجد أولى من الأخ، وكان عمر يكره الكلام فيه، فلما صار عمر جدا قال: هذا أمر قد وقع لا بد للناس من معرفته فأرسل إلى زيد بن ثابت فسأله فقال: كان من رأي أبي بكر رضي الله عنه أن نجعل الجد أولى من الأخ . فقال: يا أمير المؤمنين ! لا تجعل شجرة نبتت فانشعب منها غصن فانشعب في الغصن غصن فما يجعل الغصن الأول أولى من الغصن الثاني وقد
/ صفحة 116 / خرج الغصن من الغصن ؟ قال: فأرسل إلى علي رضي الله عنه فسأله فقال له كما قال زيد إلا أنه جعل سيلا سال فانشعب منه شعبة ثم انشعبت منه شعبتان فقال: أرأيت لو أن هذه الشعبة الوسطى رجع أليس إلى الشعبتين جميعا ! . الحديث . (السنن الكبرى 6 ص 247) . وعن سعيد بن المسيب عن عمر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم كيف قسم الجد ؟ قال: ما سؤالك عن ذلك يا عمر ؟ إني أظنك تموت قبل أن تعلم ذلك . قال سعيد بن المسيب فمات عمر قبل أن يعلم ذلك . أخرجه الطبراني في الأوسط، والهيثمي في مجمع الزوائد 4 ص 227 وقال: رجاله رجال الصحيح . وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 15 نقلا عن عبد الرزاق والبيهقي وأبي الشيخ في الفرائض . وأخرج البيهقي في سننه 6: 247 عن زيد بن ثابت: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استأذن عليه يوما فأذن له فقالت: يا أمير المؤمنين ! لو أرسلت إلي جئتك . فقال عمر رضي الله عنه: إنما الحاجة لي إني جئتك لتنظر في أمر الجد فقال زيد: لا والله ما نقول فيه . فقال عمر رضي الله عنه: ليس هو بوحي حتى نزيد فيه وننقص منه إنما هو شئ نراه، فإن رأيته ووافقني تبعته وإلا لم يكن عليك فيه شئ . فأبى زيد فخرج مغضبا قال: قد جئتك وأنا أظنك ستفرغ من حاجتي، ثم أتاه مرة أخرى في الساعة التي أتاه المرة الأولى فلم يزل به حتى قال: فسأكتب لك فيه فكتبه في قطعة قتب وضرب له مثلا إنما مثله مثل شجرة نبتت على ساق واحد فخرج فيها غصن ثم خرج في الغصن غصن آخر، فالساق يسقي الغصن فإن قطع الغصن الأول رجع الماء إلى الغصن يعني الثاني وإن قطعت الثاني رجع الماء إلى الأول فأتي به . فخطب الناس عمر ثم قرأ قطعة القتب عليهم ثم قال: إن زيد بن ثابت قد قال في الجد قولا وقد أمضيته قال: وكان أول جد كان فأراد أن يأخذ المال كله مال ابن ابنه دون إخوته فقسمه بعد ذلك عمر بن الخطاب . وأخرج البيهقي في السنن الكبرى 6 ص 245 عن عبيدة قال: إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا .
/ صفحة 117 / وعن عبيدة قال: حفظت عن عمر مائة قضية في الجد قال وقال: إني قد قضيت في الجد قضايا مختلفة كلها لا آلو فيه عن الحق، ولئن عشت إن شاء الله إلى الصيف لأقضين فيها بقضية تقضي به المرأة وهي على ذيلها . وأخرج البيهقي في السنن عن طارق بن شهاب قال: أخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتفا وجمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ليكتب في الجد وهم يرون أنه يجعله أبا فخرجت عليه حية فتفرقوا، فقال: لو أن الله أراد أن يمضيه لأمضاه . وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 1 ص 61: كان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم ينقضه ويفتي بضده وخلافه، قضى في الجد مع الإخوة قضايا كثيرة مختلفة، ثم خاف من الحكم في هذه المسألة فقال: من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه . قال الأميني: أنا لا أدري أن هذه القضايا المتناقضة البالغ عددها إلى المائة في موضوع واحد هل كلها موافقة للواقع ؟ وليس من المعقول ذلك . أو أن بعضها موافق ؟ فلم لم يرجع إليه في جميع الموارد . وهل هي كلها عن اجتهاد الخليفة ؟ أو أنها متخذة من الصحابة ؟ وهل الصحابة كانوا يفتون بذلك عن آرائهم ؟ أو اتخذوها عن النبي الأمين ؟ فإن كان سماعا ؟ فلا تختلف الفتيا فيه ولا سيما مع قرب العهد به صلى الله عليه وسلم . وإن كان اجتهادا منهم ؟ فمن ذا الذي يعترف لهم يعترف لجميعهم بالتأهل للاجتهاد ؟ على أن لنا بعد التنازل لهم بالأهلية حق النظر فيما اجتهدوا وفيما استندوا إليه، ومثل هذا الاجتهاد الفارغ لا حجة فيه حتى من نفس الخليفة . ثم إن خليفة المسلمين كيف يسوغ له الجهل بما شرعه نبي الاسلام حتى يربكه ذلك في التناقض ؟ فيأخذ الحق في بعض الموارد من أفواه الرجال، ويمضي على ضلته حيث لم يصادف أحدا منهم . وما أعضلت هذه المسألة على الخليفة ؟ ولم يمكن من تعلمها طيلة حياته، وما شأنه وقد ظن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه يموت قبل أن يعلمها ومات ولم يعلم ؟ وما سوغ له القضاء في تلكم القضايا الجمة وهو لا يعلم حكمها وقد أخبره النبي الأعظم بذلك ؟ ولست أدري كيف حفظتها الأمة وتلقتها في قرونها الخالية من دون أن تصعب على أي فقيه أو متفقه وقد أشكلت على الخليفة وهو مع ذلك أعلم الصحابة في زمانه
/ صفحة 118 / على الإطلاق عند صاحب الوشيعة ؟ .
-21- رأي الخليفة في امرأة تسررت غلامها عن قتادة: إن امرأة اتخذت مملوكها وقالت: تأولت آية من كتاب الله - أو ما ملكت أيمانهم - (1) فأتي بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: تأولت آية من كتاب الله عز وجل على غير وجهها، قال: فضرب العبد وجز رأسه، وقال: أنت بعده حرام على كل مسلم .
صورة أخرى للقرطبي تسررت امرأة غلامها فذكر ذلك لعمر فسألها: ما حملك على ذلك ؟ قالت: كنت أراه يحل لي بملك يميني كما يحل للرجل المرأة بملك اليمين . فاستشار عمر في رجمها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: تأولت كتاب الله عز وجل على غير تأويله لا رجم عليها . فقال عمر: لا جرم ! والله لا أحلك لحر بعده أبدا . عاقبها بذلك ودرأ الحد عنها، وأمر العبد ألا يقربها (2) . قال الأميني: ليتني أدري وقومي ما هذه العقوبات الفادحة بعد سقوط الحد عن المرأة ومملوكها بالجهل والتأويل ؟ وما معنى عذابهما بعد عفو المولى سبحانه عنهما ؟ و بأي كتاب أم بأية سنة ضرب العبد، وجز رأسه، وحرم المرأة على كل مسلم، ونهى العبد عن قربها ؟ فهل دين الله مفوض إلى الخليفة ؟ أم أن الاسلام ليس إلا الرأي المجرد ؟ فإن كان هذا أو ذاك ؟ فعلى الاسلام السلام، وإن لم يكن لا هذا ولا ذاك ؟ فمرحبا بالخلافة الراشدة، وزه بتلك الآراء الحرة . ثم أنى هذه العقوبات من صحيحة عمر نفسه وعائشة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ادرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم لمسلم مخرجا فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ بالعقوبة (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة المؤمنون آية 8 . (2) تفسير ابن جرير الطبري 6 ص 68، سنن البيهقي 7 ص 127، تفسير ابن كثير 3: 239، تفسير القرطبي 12 ص 107، الدر المنثور . (3) كتاب الإمام للشافعي 7 ص 214، مستدرك الحاكم 4 ص 384، صحيح الترمذي 1 ص 267، تاريخ الخطيب البغدادي 5 ص 331، سنن البيهقي 2 ص 238، مشكاة المصابيح ص 303، تيسير الوصول 2 ص 20 . جامع مسانيد أبي حنيفة 2 ص 214 . |