عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
- 93-
عن عروة: أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا ثم أصبح يوما وقد عزم الله له فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن وإني ذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتابا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله وإني والله لا أشوب كتاب الله بشئ أبدا (1) . وقد اقتفى أثر الخليفة جمع وذهبوا إلى المنع عن كتابة السنن خلافا للسنة الثابتة عن الصادع الكريم (2) ].
-94- أضف إلى الحوادث الأربعة: حادث مشكلات القرآن . وحادث السؤال عما لم يقع . وحادث الحديث عن رسول الله . وحادث كتابة السنن . رأي الخليفة واجتهاده حول الكتب والمؤلفات . أتى رجل من المسلمين إلى عمر فقال: إنا لما فتحنا المداين أصبنا كتابا فيه علم من علوم الفرس وكلام معجب . فدعا بالدرة فجعل يضربه بها ثم قرأ نحن نقص عليك أحسن القصص ويقول: ويلك أقصص أحسن من كتاب الله ؟ إنما هلك من كان قبلكم لأنهم اقبلوا على كتب علمائهم وأساقفتهم وتركوا التوراة والانجيل حتى درسا وذهب ما فيهما من العلم . صورة أخرى: عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: أتى عمر بن الخطاب رضوان الله عليه رجل فقال: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) طبقات ابن سعد 3 ص 206، مختصر جامع بيان العلم ص 33 . (2) راجع سنن الدارمي 1 ص 125، مستدرك الحاكم 1 ص 104 - 106، مختصر جامع العلم ص 36، 37.
/ صفحة 298 / يا أمير المؤمنين ! إنا لما فتحنا المدائن أصبت كتابا فيه كلام معجب، قال: أمن كتاب الله ؟ قال: لا . فدعى بالدرة فجعل يضربه بها فجعل يقرأ: الر تلك آيات الكتاب المبين . إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون . إلى قوله تعالى: وإن كنت من قبله لمن الغافلين . ثم قال: إنما أهلك من كان قبلكم أنهم أقبلوا على كتب علمائهم وأساقفتهم وتركوا التوراة والانجيل حتى درسا وذهب ما فيهما من العلم . وأخرج عبد الرزاق، وابن الضريس في فضائل القرآن والعسكري في المواعظ، والخطيب عن إبراهيم النخعي قال: كان بالكوفة رجل يطلب كتب دانيال وذلك الضريبة فجاء فيه كتاب من عمر بن الخطاب أن يرفع إليه فلما قدم على عمر علاه بالدرة ثم جعل يقرأ عليه: الر تلك آيات الكتاب المبين - حتى بلغ - الغافلين . قال: فعرفت ما يريد فقلت: يا أمير المؤمنين ! دعني فوالله لا أدع عندي شيئا من تلك الكتب إلا أحرقته فتركه . راجع سيرة عمر لابن الجوزي ص 107، شرح ابن أبي الحديد 3 ص 122، كنز العمال 1 ص 95 . وجاء في تاريخ مختصر الدول لأبي الفرج الملطي المتوفى 684 ص 180 من طبعة بوك في اوكسونيا سنة 1663 م ما نصه: وعاش (يحيى الغراما طيقي) إلى أن فتح عمرو بن العاص مدينة الاسكندرية ودخل على عمرو وقد عرف موضعه من العلوم فأكرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم تكن للعرب بها أنسة ما هاله ففتن به وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر فلازمه وكان لا يفارقه ثم قال له يحيى يوما: إنك قد أحطت بحواصل الاسكندرية وختمت على كل الأصناف الموجودة بها، فمالك به انتفاع فلا نعارضك فيه، وما لا انتفاع لك به فنحن أولى به . فقال له عمرو: ما الذي تحتاج إليه ؟ قال: كتب الحكمة التي في الخزائن الملوكية . فقال عمرو: هذا ما لا يمكنني أن آمر فيه إلا بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب . فكتب إلى عمر وعرفه قول يحيى فورد عليه كتاب عمر يقول فيه: وأما الكتب التي ذكرتها فإن كان فيها ما وافق كتاب الله ؟ ففي كتاب الله عنه غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله ؟ فلا حاجة إليه فتقدم بإعدامها . فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمامات الاسكندرية وإحراقها في مواقدها فاستنفدت في مدة ستة أشهر
/ صفحة 299 / فاسمع ما جرى واعجب . هذه الجملة من كلام الملطي ذكرها جرجي زيدان في تاريخ التمدن الاسلامي 3 ص 40 برمتها فقال في التعليق عليها: النسخة المطبوعة في مطبعة الآباء اليسوعيين في بيروت قد حذفت منها هذه الجملة كلها لسبب لا نعلمه . وقال عبد اللطيف البغدادي المتوفى 629 الهجري في الافادة والاعتبار ص 28: رأيت أيضا حول عمود السواري من هذه الأعمدة بقايا صالحة بعضها صحيح وبعضها مكسور ويظهر من حالها إنها كانت مسقوفة والأعمدة تحمل السقف وعمود السواري عليه قبة هو حاملها . وأرى إنه الرواق الذي كان يدرس فيه ارسطوطاليس وشيعته من بعده وأنه دار المعلم التي بناها الاسكندر حين بنى مدينته، وفيها كانت خزانة الكتب التي أحرقها عمرو بن العاص بإذن عمر رضي الله عنه . صورة مفصلة : وقال القاضي الأكرم جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي المتوفى 646 في كتابه تراجم الحكماء المخطوط (1) في ترجمة يحيى النحوي: وعاش (يحيى النحوي) إلى أن فتح عمرو بن العاص مصر والاسكندرية ودخل على عمرو وقد عرف موضعه من العلم واعتقاده وما جرى له مع النصارى فأكرمه عمرو ورأى له موضعا وسمع كلامه في إبطال التثليث فأعجبه وسمع كلامه أيضا في انقضاء الدهر ففتن به وشاهد من حججه المنطقية وسمع من ألفاظه الفلسفية التي لم يكن للعرب بها أنسة ما هاله، وكان عمرو عاقلا حسن الاستماع صحيح الفكر فلازمه وكاد لا يفارقه، ثم قال له يحيى يوما: إنك قد أحطت بحواصل الاسكندرية وختمت على كل الأجناس الموصوفة الموجودة بها، فأما مالك به انتفاع فلا أعارضك فيه، وأما ما لا نفع لكم به فنحن أولى به، فأمر بالإفراج عنه . فقال له عمرو: وما الذي تحتاج إليه ؟ قال: كتب الحكمة في الخزائن الملوكية وقد أوقعت الحوطة عليها ونحن محتاجون إليها ولا نفع لكم بها . فقال له: ومن جمع هذه الكتب وما قصتها ؟ فقال له يحيى: إن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) توجد نسخة في دار الكتب الخديوية مكتوبة سنة 1197 كما في تاريخ التمدن الاسلامي 3 ص 42 .
/ صفحة 300 / بطولو ماوس فيلادلفوس من ملوك الاسكندرية لما ملك حبب إليه العلم والعلماء وفحص عن كتب العلم وأمر بجمعها وأفرد لها خزائن فجمعت وولى أمرها رجلا يعرف بابن زمرة (زميرة) وتقدم إليه بالاجتهاد في جمعها وتحصيلها والمبالغة في أثمانها وترغيب تجارها ففعل واجتمع من ذلك في مدة خمسون ألف كتابا ومائة وعشرون كتابا، ولما علم الملك باجتماعها وتحقق عدتها قال لزميرة: أتى بقي في الأرض من كتب العلم ما لم يكن عندنا ؟ فقال له زميرة: قد بقي في الدنيا شئ في السند والهند وفارس وجرجان والارمان وبابل والموصل وعند الروم . فعجب الملك من ذلك وقال له: دم على التحصيل فلم يزل على ذلك إلى أن مات، وهذه الكتب لم تزل محروسة محفوظة يراعيها كل من يلي الأمر من الملوك وأتباعهم إلى وقتنا هذا، فاستكثر عمرو ما ذكره يحيى وعجب منه وقال له: لا يمكنني أن آمر بأمر إلا بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب . وكتب إلى عمر وعرفه بقول يحيى الذي ذكر، واستأذنه ما الذي يصنعه فيها ؟ فورد عليه كتاب عمر يقول فيه: وأما الكتب التي ذكرتها فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله ؟ ففي كتاب الله عنه غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله تعالى ؟ فلا حاجة إليها فتقدم بإعدامها . فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمامات الاسكندرية وإحراقها في مواقدها وذكرت عدة الحمامات يومئذ وأنسيتها، فذكروا انها استنفدت في مدة ستة أشهر، فاسمع ما جرى واعجب . ا ه . وفي فهرست ابن النديم المتوفى 385 إيعاز إلى تلك المكتبة المحروقة قال في صحيفة 334: وحكى إسحاق الراهب في تاريخه ابن بطولوماوس فيلادلفوس من ملوك الاسكندرية لما ملك فحص عن كتب العلم وولى أمرها رجلا يعرف بزميرة فجمع من ذلك على ما حكي أربعة وخمسين ألف كتاب ومائة وعشرين كتابا . وقال له: أيها الملك قد بقي في الدنيا شئ كثير في السند والهند وفارس وجرجان والارمان وبابل والموصل وعند الروم . ا ه . ومؤسس تلك المكتبة هو بطليموس الأول وهو الذي بنى مدرسة الاسكندرية المعروفة باسم الرواق وجمع فيها جميع علوم تلك الأزمان من فلسفة ورياضيات وطب وحكمة وآداب وهيئة وكانت المدرسة توصل للقصر الملكي، وبويع لولده بطليموس
/ صفحة 301 / الثاني - الملقب بفيلادلفوس (أي محب أخيه) - بالملك حياة أبيه قبل موته بسنتين سنة خمس وثمانين ومائتين قبل الميلاد أي سنة سبع وتسعمائة قبل الهجرة وله من العمر أربع وعشرون سنة ومات سنة ست وأربعين ومائتين قبل الميلاد أي سنة ثمان وستين وثمانمائة قبل الهجرة فكانت مدة حكمه ثمانيا وثلاثين سنة، وكان على سيرة أبيه في حب العلم وأهله والعناية بخزانة كتب الاسكندرية وجمع الكتب فيها (1) . وكان رأي الخليفة هذا عاما على جميع الكتب في الأقطار التي فتحتها يد الاسلام قال صاحب " كشف الظنون " 1 ص 446: إن المسلمين لما فتحوا بلاد فارس وأصابوا من كتبهم كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في شأنها وتنقيلها للمسلمين فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أن اطرحوها في الماء، فإن يكن ما فيها هدى ؟ فقد هدانا الله تعالى بأهدى منه، وإن يكن ضلالا ؟ فقد كفانا الله تعالى . فطرحوها في الماء أو في النار فذهبت علوم الفرس فيها . وقال في ج 1 ص 25 في أثناء كلامه عن أهل الاسلام وعلومهم: إنهم أحرقوا ما وجدوا من الكتب في فتوحات البلاد . وقال ابن خلدون في تاريخه 1 ص 32: فالعلوم كثيرة والحكماء في أمم النوع الانساني متعددون، وما لم يصل إلينا من العلوم أكثر مما وصل، فأين علوم الفرس التي أمر عمر رضي الله عنه بمحوها عند الفتح ؟ . قال الأميني: ليس النظر في كتب الأولين على إطلاقه محظورا ولا سيما إذا كانت كتبا علمية أو صناعية أو حكمية أو أخلاقية أو طبية أو فلكية أو رياضية إلى أمثالها، وأخص منها ما كان معزوا إلى نبي من الأنبياء عليهم السلام كدانيال إن صحت النسبة ولم يطرقه التحريف، نعم: إذا كان كتاب ضلال من دعاية إلى مبدء باطل، أو دين منسوخ، أو شبهة موجهة إلى مبادئ الاسلام يحرم النظر فيه للبسطاء القاصرين عن الجواب والنقد، وأما من له منة الدفع أو مقدرة الحجاج فإن نظره فيه لإبطال الباطل وتعريف الناس بالحق الصراح من أفضل الطاعات . ولا منافاة بين كون القرآن أحسن القصص وبين أن يكون في الكتب علم ناجع، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الكافي في تاريخ مصر 1 ص 208 - 210 .
/ صفحة 302 / أو حكمة بالغة، أو صناعة تفيد المجتمع، أو علوم يستفيد بها البشر، وإن كان ما في القرآن أبعد من ذلك مغزى، وأعمق منتهى، وأحكم صنعا، غير أن قصر الأفهام عن مغازي القرآن الكريم ترك الناس لا يستنبطون تلك العلوم، مع إخباتهم إلى إنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، فالمنع عن النظر في تلك الكتب جناية على المجتمع وإبعاد عن العلوم، وتعزير الناظر فيها لا يساعده قانون الاسلام العام كتابا وسنة . والله يعلم ما خسره المسلمون بإبادة تلك الثروة العلمية في الاسكندرية وتشتيتها في بلاد الفرس من حضارة راقية، وصنايع مستطرفة لا ترتبطان بهدى أو ضلال كما حسبه الخليفة في كتب الفرس، ولا تناطان بموافقة الكتاب أو مخالفته كما زعمه في أمر مكتبة الاسكندرية العامرة، وما كان يضر المسلمين لو حصلوا على ذلك الثراء العلمي ؟ فأوقفهم على ثروة مالية، وبسطة في العلم، وتقدم في المدنية، ورقي في العمران، وكمال في الصحة، وكل منها يستتبع قوة في الملك، وهيبة عند الدول، وبذخا في العالم كله، وسعة في أديم السلطة، فهل يفت شئ من ذلك في عضد الهدى ؟ أو يثلم جانبا من الدين ؟ نعم أعقب ذلك العمل الممقوت تقهقرا في العلوم، وفقرا في الدنيا، وسمعة سيئة لحقت العروبة والاسلام، وفي النقاد من يحسبه توحشا، وفيهم من يعده من عمل الجاهلين، ونحن نكل الحكم فيه إلى العقل السليم، والمنطق الصحيح . على أن الخليفة كان يسعه أن ينتقي من هذه الكتب ما أوعزنا إليه مما ينجع المجتمع البشري، ويتلف ما فيه الالحاد والضلال، لكنه لم يفعل ومضى التاريخ كما وقعت القصة .
95 عن محمد بن كعب القرظي مر عمر بن الخطاب برجل يقرأ هذه الآية " والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه " (1) فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا ؟ فقال: أبي بن كعب . فقال: لا تفارقني حتى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة التوبة آية 100 .
/ صفحة 303 / أذهب بك إليه فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا ؟ قال: نعم . قال: لا سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال: نعم، قال: لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا . وأخرج الحاكم وأبو الشيخ عن أبي سلمة ومحمد التيمي قالا مر عمر بن الخطاب برجل يقرأ: والذين اتبعوهم بإحسان . بالواو، فقال: من أقرأك هذه ؟ فقال: أبي . فأخذ به إليه فقال: يا أبا المنذر أخبرني هذا إنك أقرأته هكذا . فقال: أبي: صدق وقد تلقنتها كذلك من في رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال عمر: أنت تلقنتها كذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: نعم . فأعاد عليه فقال في الثالثة وهو غضبان: نعم والله لقد أنزلها الله على جبريل عليه السلام وأنزلها جبريل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ولم يستأمر فيها الخطاب ولا ابنه . فخرج عمر رافعا يديه وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر . وفي لفظ من طريق عمر بن عامر الأنصاري: فقال أبي: والله أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تبيع الخيط . فقال عمر: نعم إذن فنعم، إذن نتابع أبيا . وفي لفظ: قرأ عمر: والأنصار (رفعا) اللذين بإسقاط الواو نعتا للأنصار، حتى قاله زيد بن ثابت: إنه بالواو فسأل عمر أبي بن كعب فصدق زيدا فرجع إليه عمر وقال: ما كنا نرى إلا أنا رفعنا رفعة لا ينالها معنا أحد وفي لفظ: فقال عمر: فنعم إذن نتابع أبيا . وفي لفظ الطبري: إذا نتابع أبيا . وفي لفظ: أن عمر سمع رجلا يقرأه بالواو فقال: من أقرأك ؟ قال: أبي . فدعاه فقال: أقرأنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنك لتبيع القرظ بالبقيع . قال: صدقت وإن شئت قلت: شهدنا وغبتم، ونصرنا وخذلتم، وآوينا وطردتم، ثم قال عمر: لقد كنت أرانا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا . راجع تفسير الطبري 1 ص 7، مستدرك الحاكم 3 ص 305، تفسير القرطبي 8 ص 238، تفسير ابن كثير 2 ص 383، تفسير الزمخشري 2 ص 46، الدر المنثور 3 ص 269، كنز العمال 1 ص 287، ذكر لفظ أبي الشيخ ثم حكاه عن جمع من الحفاظ، وذكر تصحيح الحاكم إياه، وفي ص 285 نقله عن أبي عبيد في فضائله وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه، تفسير الشوكاني 2 ص 379، روح المعاني طبع المنيرية 1 ص 8 .
/ صفحة 304 / 2 - أخرج أحمد في مسنده عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى عمر فقال: أكلتنا الضبع . قال مسعر: يعني السنة قال: فسأله عمر ممن أنت ؟ فما زال ينسبه حتى عرفه فإذا هو موسى فقال عمر: لو أن لامرئ واديا أو واديين لابتغى إليهما ثالثا . فقال ابن عباس: ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب . فقال عمر لابن عباس: ممن سمعت هذا ؟ قال: من أبي . قال: فإذا كان بالغداة فاغد علي قال: فرجع إلى . أم الفضل فذكر ذلك لها فقالت: ومالك وللكلام عند عمر ؟ وخشي ابن عباس أن يكون أبي نسي فقالت أمه: إن أبيا عسى أن لا يكون نسي - فغدا إلى عمر ومعه الدرة فانطلقنا إلى أبي فخرج أبي عليهما وقد توضأ فقال: إنه أصابني مذي فغسلت ذكري أو فرجي - مسعر شك - فقال عمر: أو يجزئ ذلك ؟ قال: نعم . قال سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: نعم . قال: وسأله عما قال ابن عباس فصدقه . وفي المسند عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى عمر يسأله فجعل ينظر إلى رأسه مرة وإلى رجليه أخرى هل يرى عليه من البؤس شيئا ثم قال له عمر: كم مالك ؟ قال: أربعون من الإبل . قال ابن عباس: فقلت: صدق الله ورسوله: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب . فقال عمر: ما هذا ؟ فقلت: هكذا أقرأنيها أبي . قال: فمر بنا إليه قال: فجاء إلى أبي فقال: ما يقول هذا ؟ قال أبي: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفأثبتها ؟ فأثبتها . وفي المحكي عن أحمد: قال " عمر ": إذا أثبتها في المصحف ؟ قال: نعم . وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال: قلت: يا أمير المؤمنين إن أبيا يزعم إنك تركت من آيات الله آية لم تكتبها قال: والله لأسألن أبيا فإن أنكر لتكذبن فلما صلى صلاة الغداة غدا على أبي . فأذن له وطرح له وسادة وقال: يزعم هذا أنك تزعم أني تركت آية من كتاب الله لم أكتبها فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب فقال عمر: أفأكتبها ؟ قال: لا أنهاك . قال: فكأن أبيا شك أقول من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قرآن منزل ؟ . راجع مسند أحمد 5 ص 117، كنز العمال 1 ص 279 نقلا عن أحمد، وسعيد بن
/ صفحة 305 / منصور، وأبي عوانة، الدر المنثور 6 ص 378 . 3 - عن أبي إدريس الخولاني قال: كان أبي يقرأ: إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية (1) ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام فأنزل الله سكينته على رسوله . فبلغ ذلك عمر فاشتد فبعث إليه فدخل عليه فدعا ناسا من أصحابه فيهم زيد ابن ثابت فقال: من يقرأ منكم سورة الفتح ؟ فقرأ زيد على قرائتنا اليوم فغلظ له عمر فقال أبي، أأتكلم ؟ قال: تكلم . فقال: لقد علمت أني كنت أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم ويقرئني وأنت بالباب، فإن أحببت أن أقرئ الناس على ما أقرأني أقرأت وإلا لم أقرأ حرفا ما حييت ؟ قال: بل اقرأ الناس . وفي لفظ: فقال أبي: والله يا عمر إنك لتعلم أني كنت أحضر وتغيبون، وأدعى وتحجبون، ويصنع بي، والله لئن أحببت لألزمن بيتي فلا أحدث أحدا بشئ ؟ راجع تفسير ابن كثير 4 ص 194، الدر المنثور 6 ص 79 حكاه عن النسائي والحاكم وذكر تصحيح الحاكم له، كنز العمال 1 ص 285 نقلا عن النسائي وابن أبي داود في المصاحف والحاكم . ثم قال: وروى ابن خزيمة بعضه . 4 - عن ابن مجلز قال: إن أبي بن كعب قرأ: من الذين استحق عليهم الأوليان (2) فقال عمر: كذبت . قال: أنت أكذب . فقال رجل: تكذب أمير المؤمنين ؟ قال: أنا أشد تعظيما لحق أمير المؤمنين منك، ولكن كذبته في تصديق كتاب الله، ولم أصدق أمير المؤمنين في تكذيب كتاب الله . فقال عمر: صدق . أخرجه ابن جرير الطبري وعبد بن حميد وابن عدي كما في الدر المنثور 2 ص 344، وكنز العمال 1 ص 285. 5 - عن خرشة بن الحر قال: رأى معي عمر بن الخطاب لوحا مكتوبة فيه: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله (3) فقال: من أملى عليك هذا ؟ قلت: أبي بن كعب . قال: إن أبيا أقرأنا للمنسوخ قرأها فامضوا إلى ذكر الله . عن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت عمر يقرؤها قط إلا فامضوا إلى ذكر الله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الفتح آية 26 . (2) سورة المائدة آية 107 . (3) سورة المائدة آية 9 .
/ صفحة 306 / عن إبراهيم قال: قيل لعمر: إن أبيا يقرأ: فاسعوا إلى ذكر الله . قال عمر: أبي أعلمنا بالمنسوخ كان يقرأها فامضوا إلى ذكر الله . أخرجه أبو عبيد في فضائله، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن الأنباري في المصاحف، وعبد الرزاق، والشافعي، والفرباني، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في السنن كما في الدر المنثور 6 ص 219، وكنز العمال 1 ص 285 . 6 - عن بجالة قال: مر عمر بن الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم (1) وهو أب لهم . فقال: يا غلام حكها . قال: هذا مصحف أبي فذهب إليه فسأله فقال له أبي: إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالاسواق . وأغلظ لعمر . أخرجه سعيد بن منصور، والحاكم، والبيهقي في السنن 7: 69، والقرطبي في تفسيره 14 ص 126، وحكى عن الأولين في كنز العمال 1 ص 279 . 7 - قرأ أبي بن كعب: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا إلا من تاب (2) فإن الله كان غفورا رحيما . فذكر لعمر فأتاه فسأله عنها قال: أخذتها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لك عمل إلا الصفق بالبيع. أخرجه ابن مردويه وعبد الرزاق كما في كنز العمال 1 ص 278 . 8 - عن المسور بن مخرمة قال: قال عمر بن الخطاب لعبد الرحمن بن عوف: ألم تجد فيما أنزل علينا: أن جاهدوا كما جاهدتم أول مرة ؟ فإنا لم نجدها . قال: أسقط فيما أسقط من القرآن . أخرجه أبو عبيد كما في الاتقان 2 ص 42، وكنز العمال 1 ص 278 . 9 - عن ابن عباس وعدي بن عدي عن عمر إنه قال: إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم . أو: أن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم . ثم قال لزيد بن ثابت: أكذلك ؟ قال: نعم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الأحزاب آية 6 . (2) سورة النساء آية 22 .
/ صفحة 307 / أخرجه البخاري في صحيحه 10 ص 43 . وأبو عبيد كما في الاتقان 2 ص 42، . 10 - أخرج مالك والشافعي عن سعيد بن المسيب عن عمر في خطبة له قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم يقول قائل: لا نجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله تعالى لكتبتها: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة . فإنا قد قرأنا ها . وفي لفظ أحمد عن عبد الرحمن بن عوف: لولا أن يقول قائلون أو يتكلم متكلمون أن عمر رضي الله عنه زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت . وفي لفظ البخاري عن ابن عباس: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى أن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فضيلة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو كان الاعتراف . وفي لفظ ابن ماجة عن ابن عباس: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: ما أجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة من فرائض الله . ألا وإن الرجم حق إذا أحصن الرجل وقامت البينة أو كان حمل أو اعتراف وقد قرأتها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة . رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده . وفي لفظ أبي داود: وأيم الله لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها . وفي لفظ البيهقي: ولولا أني أكره أن أزيد في كتاب الله لكتبته في المصحف، فإني أخاف أن يأتي أقوام فلا يجدونه فلا يؤمنون به . راجع مسند أحمد 1 ص 29، 50، اختلاف الحديث للشافعي المطبوع هامش كتاب الأم له 7 ص 251، موطأ مالك 2 ص 168، صحيح البخاري 10 ص 43، صحيح مسلم 2 ص 33، صحيح الترمذي 1 ص 229، سنن الدارمي 2 ص 179، سنن ابن ماجة 2 ص 115، سنن أبي داود 2 ص 230، مسند الطيالسي ص 6، سنن البيهقي 8 ص 211 - 213، أحكام القرآن للجصاص 3 ص 317 . قال الأميني: كل هذه تكشف عن انحسار علم الخليفة عن ترتيل القرآن الكريم
/ صفحة 308 / وإن هؤلاء المذكورين أعلم منه به، وإنما ألهاه عنه الصفق بالاسواق، أو بيع الخيط أو القرظة، ولم يكن له عمل إلا الصفق بالبيع . ما بال الخليفة - وهو القدوة والأسوة في الكتاب والسنة - يتبع آراء الناس في كتاب الله ؟ ويمحو ويثبت في المصحف بقول أناس آخرين ؟ ولم يفرق بين الكتاب و السنة ؟ ويعير سمعه إلى هذا وذلك ؟ ويقبل من هذا قوله: أثبتها . ويصدق لآخر رأيه في إسقاط شئ من القرآن، ويرى آيا محرفة من الكتاب تمنعه عن إدخالها فيه خشية قول القائلين وتكلم المتكلمين، وهذا هو التحريف الذي يعزونه إلى الشيعة، ويشنون به عليهم الغارات، والشيعة عن بكرة أبيهم براء من تلكم الخزاية، فقد أصفق المحققون منهم على نفي ذلك نفيا باتا كما أسلفناه في الجزء الثالث ص 101 . وشتان بين من هذا شأنه وبين من قال فيه التابعي العظيم أبو عبد الرحمن السلمي القارئ المجع على ثقته وجلالته: ما رأيت ابن أنثى أقرأ لكتاب الله تعالى من علي . وقال أيضا: ما رأيت أقرأ من علي عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو من الذين حفظوه أجمع بلا شك عندنا (1) . وقد مر بعض أحاديث علمه عليه السلام بالكتاب ص 193 .
-96- إجتهاد الخليفة في الأسماء والكنى 1 - عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب ابنا له تكنى أبا عيسى، وإن المغيرة بن شعبة تكنى بأبي عيسى فقال له عمر: أما يكفيك أن تكنى بأبي عبد الله ؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا عيسى فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وإنا في جلستنا (2) فلم يزل يكنى بأبي عبد الله حتى هلك . صورة أخرى: إن المغيرة استأذن على عمر فقال: أبو عيسى . قال: من أبو عيسى ؟ فقال: المغيرة بن شعبة . قال: فهل لعيسى من أب ؟ فشهد له بعض الصحابة إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكنيه بها . فقال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غفر له وإنا لا ندري ما يفعل بنا وكناه أبا عبد الله .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) طبقات القراء 1 ص 546، مفتاح السعادة 1 ص 351 . (2) وفي لفظ أبي داود: جلجننا .
/ صفحة 309 / راجع سنن أبي داود 2 ص 309، سنن البيهقي 9 ص 310، الاستيعاب 1 ص 250، تيسير الوصول 1 ص 39، الكنى والأسماء للدولابي 1 ص 85، زاد المعاد لابن القيم 1 ص 262، نهاية ابن الأثير 1 ص 198، الإصابة 2 ص 413، ج 3 ص 453 . 2 - جاءت سرية لعبيد الله بن عمر إلى تشكوه فقالت: يا أمير المؤمنين ! ألا تعذرني من أبي عيسى ؟ قال: ومن أبو عيسى ؟ قالت: ابنك عبيد الله . قال: ويحك ! وقد تكنى بأبي عيسى ؟ ودعاه وقال: أيها اكتنيت بأبي عيسى ؟ فحذر وفزع فأخذ يده فعضها حتى صاح ثم ضربه وقال: ويلك هل لعيسى أب ؟ أما تدري ما كنى العرب ؟ أبو سلمة . أبو حنظلة أبوعرفطة . أبو مرة. راجع شرح ابن أبي الحديد 3 ص 104، عمدة القاري 7 ص 143 . 3 - كان عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة: لا تسموا أحدا باسم نبي، و أمر جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم المسمين بمحمد حتى ذكر له جماعة من الصحابة إنه صلى الله عليه وسلم أذن لهم في ذلك فتركهم . (عمدة القاري 7 ص 143) . 4 - عن حمزة بن صهيب: إن صهيبا كان يكنى أبا يحيى، ويقول: إنه من العرب، ويطعم الطعام الكثير . فقال له عمر بن الخطاب: يا صهيب مالك تتكنى أبا يحيى وليس لك ولد ؟ وتقول إنك من العرب، وتطعم الطعام الكثير، وذلك سرف في المال فقال صهيب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى، وأما قولك في النسب فأنا رجل من النمر بن قاسط من أهل الموصل، ولكني سبيت غلاما صغيرا قد عقلت أهلي وقومي . وأما قولك في الطعام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: أطعم الطعام، ورد السلام . فذلك الذي يحملني على أن أطعم الطعام . وفي لفظ لأبي عمر: قال عمر: ما فيك شئ أعيبه يا صهيب ! إلا ثلاث خصال لولاهن ما قدمت عليك أحدا، هل أنت مخبري عنهن ؟ فقال صهيب: ما أنت بسائل عن شئ إلا صدقتك عنه . قال: أراك تنسب عربيا ولسانك أعجمي، وتتكنى بأبي يحيى اسم نبي، وتبذر مالك . قال: أما تبذير مالي فما أنفقه إلا في حقه، وأما اكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بأبي يحيى أفأتركها لك ؟ وأما انتسابي إلى العرب فإن الروم سبتني صغيرا فأخذت لسانهم وأنا رجل من النمر بن قاسط لو انفلقت عني
/ صفحة 310 / روثة لانتسبت إليها . أخرجه أحمد في مسنده 6 ص 16، والحاكم في المستدرك 4 ص 288، وابن ماجة شطرا منه في سننه 2 ص 406، وأبو عمر في الاستيعاب في ترجمة صهيب ج 1 ص 315، والهيثمي في مجمع الزوائد 8 ص 16 . 5 - سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلا ينادي رجلا: يا ذا القرنين . قال: أفرغتم من أسماء الأنبياء فارتفعتم إلى أسماء الملائكة ؟ . راجع حياة الحيوان 2 ص 21، فتح الباري 6 ص 295 . قال الأميني: تكشف هذه الروايات عن موارد من الجهل . 1 - نهي الخليفة عن التسمية باسم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وأمره المسمين به بتغيير أسمائهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسم أحدهم محمدا فقد جهل . (1) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إذا سميتم محمدا فلا تضربوه ولا تحرموه . (2) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إذا سميتم الولد محمدا فأكرموه، وأوسعوا له في المجلس، ولا تقبحوا له وجها . طب 3 ص 91 . وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله ليوقف العبد بين يديه يوم القيامة إسمه أحمد أو محمد فيقول الله تعالى له: عبدي أما استحيتني وأنت تعصيني وإسمك إسم حبيبي محمد . فينكس العبد رأسه حياء ويقول: أللهم إني قد فعلت، فيقول الله عز وجل: يا جبريل خذ بيد عبدي وأدخله الجنة فإني أستحي أن أعذب بالنار من إسمه إسم حبيبي . (3) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: من ولد له مولود فسماه محمدا حبا لي وتبركا بإسمي كان هو ومولوده في الجنة . (4) وقالت عائشة رضي الله عنها: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه الطبري وابن عدي والهيثمي في مجمع الزوائد 8 ص 49، والسيوطي في الجامع الصغير في حرف الميم . (2) مجمع الزوائد 8 ص 48، السيرة الحلبية 1 ص 89 . (3) المدخل لابن الحاج 1 ص 129 . (4) أخرجه ابن عساكر، وذكره المناوي في فيض القدير 6 ص 237، والحلبي في السيرة النبوية 1 ص 89 .
/ صفحة 311 / إني قد ولدت غلاما فسميته محمدا وكنيته أبا القاسم فذكر لي إنك تكره ذلك فقال: ما الذي أحل إسمي وحرم كنيتي ؟ أو: ما الذي حرم كنيتي وأحل إسمي ؟(1) . وقد سمى صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن طلحة بن عبيد الله محمدا وكناه بأبي القاسم (2) ومحمد هذا كان ممن هم عمر أن يغير إسمه(3) . م - وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير واحد من ولدان عصره محمدا منهم: محمد بن ثابت بن قيس الأنصاري (4) و محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري (5) . و محمد بن عمارة بن حزم الأنصاري (6) . و محمد بن أنس بن فضالة الأنصاري (7) . و محمد بن يفديدويه " بالمهملتين " الهروي (8) . وقال صلى الله عليه وآله وسلم لرجل أنصاري هم بأن يسمي ابنه محمدا فكرهوه وسألوه صلى الله عليه وآله وسلم: سموا باسمي (9) . وفي رجل ولد له غلام فسماه القاسم فقالوا له: لا نكنيك به فسأله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي (10) . على أن تحسين الأسماء مما رغبت فيه الشريعة المطهرة ومحمد أحسنها، وخير الأسماء ما عبد به وحمد فجاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله: إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم (11). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) السنن الكبرى للبيهقي 9 ص 310، مصابيح السنة 2 ص 149، زاد المعاد 1 ص 262 . (2) الاستيعاب 1 ص 236، أسد الغابة 4 ص 322 . (3) مجمع الزوائد 8 ص 48، 49 . (4) الاستيعاب 1 ص 233، أسد الغابة 4 ص 313، الإصابة 3 ص 472 . (5) الاستيعاب 1 ص 237، أسد الغابة 4 ص 327، الإصابة 3 ص 476 . (6) الإصابة 3 ص 476 . (7) الاستيعاب 1 ص 234، أسد الغابة 4 ص 312، الإصابة 3 ص 370 . (8) أسد الغابة 4 ص 332، الإصابة 2 ص 385 . (9) مسند أحمد 3 ص 369، 385 . (10) مسند أحمد 3 ص 303 . (11) سنن أبي داود 2 ص 307، سنن البيهقي 9 ص 306، مصابيح السنة 2 ص 148 .
/ صفحة 312 / وقال صلى الله عليه وآله وسلم: من حق الولد على الوالد أن يحسن إسمه وأن يحسن أدبه . (1) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أبردتم إلي بريدا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم . (2) وفي جامع الترمذي 2 ص 107، عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يغير الاسم القبيح . وممن غير إسمه عاصية بنت عمر فسماها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميلة كما في صحيح الترمذي 2 ص 137، ومصابيح السنة 2 ص 148 . 2 - نهيه عن التسمي بأسماء الأنبياء وهي أحسن الأسماء بعد تلكم الأسماء المشتقة من أسماء الله الحسنى من محمد وعلي والحسن والحسين . وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: ما من أهل بيت فيه اسم نبي إلا بعث الله تبارك وتعالى إليهم ملكا يقدسهم بالغداوة والعشي (3) . وقال صلى الله عليه وآله وسلم سموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة (4) . 3 - تذمره من التكني بأبي عيسى مستدلا بقوله: فهل لعيسى من أب . أكان الخليفة يحسب أن من يكنى به يرى نفسه أبا لعيسى بن مريم ويكنى به حتى يقال عليه: فهل لعيسى من أب ؟ أو أنه لم ير لعيسى الذي كناه به أبوه من أب ؟ وكان يحسب أن الآباء يكنون بأسماء أولادهم ومن هنا قال لصهيب: مالك تكنى أيا يحيى وليس لك ولد ؟ . 4 - وأعجب من هذه كلها أن الخليفة بعد سماعه من المغيرة إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كناه بأبي عيسى لم يتزحزح عن رأيه، وقد صدقه في مقاله، لكنه عد ذلك ذنبا مغفورا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأراد أن لا يذنب هو ولفيفه إذ لا يدري ما يفعل بهم، وليت شعري هل أثبت كون ذلك إثما مستتبعا للعذاب أو المغفرة ببرهان قاطع ؟ ثم علم أن رسول الله ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 8 ص 47 . (2) مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 8 47، زاد المعاد لابن القيم 1 ص 258 . (3) المدخل لابن الحاج 1 ص 128 . (4) سنن أبي داود 2 ص 307، سنن البيهقي 9 ص 306، الاستيعاب في ترجمة أبي وهب 2 ص 700، زاد المعاد لابن القيم 1 ص 258، 260 وأثبته .
/ صفحة 313 / صلى الله عليه وآله وسلم ارتكبه فحكم بالمغفرة له بدلالة الآية الكريمة من سورة الفتح ؟ لا . لم يثبت ذلك إلا بتلك السفسطة من قوله: هل لعيسى من أب ؟ إن كان الأول ؟ - ولا أقوله - فمرحبا بنبي غير معصوم - والعياذ بالله - وإن كان الثاني ؟ فزه بقائل لا يعلم . 5 - أنه بعد ما حسب كون هاتيك التكنية سيئة جعل التعزيز بها عض اليد قبل الضرب ولم تسمع أذن الدهر بمثل ذلك التعزير القاسي قط . 6 - إن مما اختاره الخليفة من كنى العرب: أبو مرة . وقد مر نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن التسمية بمرة . على أن أبا مرة كنية إبليس كما في المعاجم (1) وقيل تكنى بابنة له تسمى مرة . وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن التسمية بحيات وقال: فإن الحيات الشيطان . وأخرج أبو داود في سننه 2 ص 308 عن مسروق قال: لقيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال من أنت ؟ قلت: مسروق بن الأجدع، فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الأجدع الشيطان . فكأنه كان ناسيا ذلك حين أمر بالتكني بأبي مرة، أو لم يكن يعلم أنها كنية إبليس، أو كان له رأي تجاه الرأي النبوي . والله أعلم . وكذلك التكني بأبي حنظلة فقد عد ابن القيم حنظلة من أقبح الأسماء كما في زاد المعاد 1 ص 260 . 7 - حسبانه أن ذا القرنين من أسماء الملائكة وقد عزب عنه إنه كان غلاما روميا اعطي الملك كما فيما أخرجه الطبري، وفي صحيحة عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه كان رجلا أحب الله فأحبه، وناصح الله فناصحه، لم يكن نبيا ولا ملكا (2) . وفي القرآن الكريم آيات كريمة في ذكر ذي القرنين كأنها عزبت عن الخليفة برمتها، وخفيت عليه تسمية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا أمير المؤمنين بذي القرنين، فقال على رؤس الاشهاد: يا أيها الناس أوصيكم بحب ذي قرنيها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب فإنه لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق، من أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني (3) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) قاموس اللغة 2 ص 133، تاج العروس 2 ص 539، لسان العرب 7 ص 18 . (2) فتح الباري 6 ص 295، كنز العمال 1 ص 254 . (3) الرياض النضرة 2 ص 214، تذكرة السبط ص 17، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 451 .
/ صفحة 314 / وقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: إن لك في الجنة بيتا - ويروي: كنزا - وأنت لذو قرنيها . وقال شراح الحديث: أي ذو طرفي الجنة وملكها الأعظم تسلك ملك جميع الجنة كما سلك ذو القرنين جميع الأرض . أو ذو قرني الأمة فأضمرت وإن لم يتقدم ذكرها كقوله تعالى: حتى توارت بالحجاب . أراد الشمس ولا ذكر لها، قال أبو عبيد: وأنا أختار هذا التفسير الأخير على الأول . قالوا: ويروى عن علي رضي الله عنه وذلك أنه ذكر ذا القرنين فقال: دعا قومه إلى عبادة الله تعالى فضربوه على قرنه ضربتين وفيكم مثله . فنرى أنه أراد نفسه، يعني أدعو إلى الحق حتى يضرب رأسي ضربتين يكون فيهما قتلي . أو ذو جبليها الحسن والحسين - سبطي الرسول - رضي الله عنهما روي ذلك عن ثعلب . أو ذو شجنتين في قرني رأسه إحداهما من عمرو بن عبدود يوم الخندق، والثانية من ابن ملجم لعنه الله . قال أبو عبيد: وهذا أصح ما قيل (1) . ا ه . وبعد خفاء ما في الكتاب والسنة على الخليفة لا يسعنا أن نؤاخذه بالجهل بشعر رجالات الجاهلية، وقد ذكر ذو القرنين في شعر امرؤ القيس، وأوس ابن حجر، و طرفة بن العبد، وقال الأعشى بن ثعلبة: والصعب ذو القرنين أمسى ثاويا * بالحنو فــــي جــــــدث هناك مقيم وقال الربيع بن ضبيع . والصعب ذو القرنين عمر ملكه * ألفيــــن أمسى بعــــد ذاك رميما وقال قيس بن ساعدة: والصعب ذو القرنين أصبح ثاويا * باللحد بــــين ملاعــــب الأريـــاح وقال تبع الحميري: قد كان ذو القــــرنين قبلي مسلمـا * ملكــــا تــــدين لـه الملوك وتحشد بلــــغ المشـارق والمغارب يبتغي * أسبــــاب أمــــر من حـــكيم مرشد فرأى مغيب الشمس عند غروبها * في عــــين ذي خــلب وثأط حـــرمد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) نوادر الأصول للحكيم الترمذي ص 307، مستدرك الحاكم 3 ص 123، الرياض النضرة 2 ص 210، النهاية لابن الأثير 3 ص 278، لسان العرب 17 ص 210، قاموس اللغة 4 ص 258، تاج العروس 9 ص 307، كنز العمال 1 ص 254 .
/ صفحة 315 / من بعــــده بلقيــــس كانت عمتي * ملكتهم حتى أتاهــــا الهــــدهــــد وقال النعمان بن بشير الصحابي الأنصاري: ومن ذا يعادينا من الناس معشر * كــــرام وذو القــرنين منا وحاتم ثم ما المانع عن التسمي بأسماء الملائكة ؟ وما أكثر من سمي بأسماء أفضل الملائكة كجبرئيل . وميكائيل . وإسرافيل ؟ فإنها بالعبرانية وترجمتها بالعربية عبد الله و عبيد الله وعبد الرحمن كما فيما أخرجه ابن حجر، وفي صحيح البخاري عن عكرمة إن جبر . وميك . وسراف: عبد . وإيل: الله (1) وقد ورد في الصحيح: إن أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن (2) ولا وازع إذا وقعت التسمية بتلكم الألفاظ العبرانية أيضا . 8 - حسبانه أن في إطعام الطعام سرفا في المال فأفحمه صهيب بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه، وجاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم: يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام . وعن عبد الله بن عمرو: إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الاسلام خير ؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف (3) م - وأخرج الخطيب في تاريخه 4 ص 212 من طريق ابن عمر قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وكونوا عبادا كما وصفكم الله عز وجل) . 9 - أخذه صهيبا بالتكنية وليس له ولد ولم يكن هذا من شرطها، هذا عبد الله بن مسعود كناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا عبد الرحمن قبل أن يولد له . كما في المستدرك 3 ص 313 . وهذا محمد بن طلحة كناه صلى الله عليه وآله وسلم أبا القاسم وهو رضيع . وهذا أخو أنس بن مالك بين عينيه كناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأبي عمير وكان صغيرا لم يبلغ الحلم، وهذا أنس كناه صلى الله عليه وآله وسلم أبا حمزة ولا حمزة له، وهذه نساء النبي كلها كانت تكنى غير عائشة فكناها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأم عبد الله وغير واحد منهن لم يكن لها ولد . راجع صحيحي البخاري و مسلم، وسنن البيهقي 9 ص 310، ومصابيح السنة 2 ص 149، وزاد المعاد 1 ص 261، والاستيعاب، وأسد الغابة، والإصابة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري باب: من كان عدوا لجبريل . في كتاب التفسير، صحيح الترمذي 1 ص 340، فتح الباري 8 ص 134 . (2) أخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه كما في الإصابة 2 ص 399 . (3) سنن ابن ماجة 2 ص 399، تاريخ الخطيب 8 ص 169، زاد المعاد لابن القيم 1 ص 277 قال: ثبت عنه في الصحيحين .
/ صفحة 316 /
-97- عن عبد الله بن عمر قال: شرب أخي عبد الرحمن بن عمر وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحارث ونحن بمصر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسكرا فلما صحا إنطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر فقالا: طهرنا فإنا سكرنا من شراب شربناه . قال عبد الله بن عمر: فلم أشعر إنهما أتيا عمرو بن العاص قال: فذكر لي أخي: إنه قد سكر . فقلت له: ادخل الدار أطهرك . قال: إنه قد حدث الأمير قال عبد الله فقلت: والله لا تحلق اليوم على رؤس الناس، ادخل أحلقك . وكانوا إذ ذاك يحلقون مع الحد فدخل معي الدار قال عبد الله: فحلقت أخي بيدي ثم جلدهما عمرو بن العاص فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك فكتب إلى عمرو: أن ابعث إلي عبد الرحمن بن عمر على قتب ففعل ذلك عمرو فلما قدم عبد الرحمن على عمر رضي الله عنه جلده وعاقبه من أجل مكانه منه ثم أرسله فلبث أشهرا صحيحا ثم أصابه قدره فيحسب عامة الناس أنه مات من جلد عمر ولم يمت من جلده . عن عمرو بن العاص - في حديث - قال قائل: هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة على الباب يستأذنان، فقلت: يدخلان . فدخلا وهما منكسران فقالا: أقم علينا حد الله فإنا قد أصبنا البارحة شرابا فسكرنا قال: فزبرتهما وطردتهما فقال عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرت أبي إذا قدمت . قال فحضرني رأي وعلمت أني إن لم أقم عليهما الحد غضب علي عمر في ذلك وعزلني وخالفه ما صنعت فنحن على ما نحن عليه إذ دخل عبد الله بن عمر فقمت إليه فرحبت به وأردت أجلسه في صدر مجلسي فأبى علي وقال: أبي نهاني أن أدخل عليك إلا أن لا أجد من ذلك بدا إن أخي لا يحلق على رؤوس الناس شيئا فأما الضرب اصنع ما بدا لك . قال: وكانوا يحلقون مع الحد قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحد ودخل ابن عمر بأخيه إلى بيت من الدار فحلق رأسه ورأس أبي سروعة فوالله ما كتبت إلى عمر بشئ مما كان حتى إذا تحينت كتابه (وذكر فيه): فإذا جاءك كتابي هذا فابعث بعبد الرحمن بن عمر في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع . فبعث به كما قال أبوه وأقرأت ابن عمر كتاب أبيه وكتبت إلى عمر كتابا أعتذر فيه وأخبره إني
/ صفحة 317 / ضربته في صحن داري وبالله الذي لا يحلف بأعظم منه إني لأقيم الحدود في صحن داري على الذمي والمسلم، وبعث بالكتاب مع عبد الله بن عمر قال أسلم: فقدم بعبد الرحمن على أبيه فدخل عليه وعليه عباءة ولا يستطيع المشي من مركبه فقال: يا عبد الرحمن فعلت كذا وفعلت، السياط . فكلمه عبد الرحمن بن عوف وقال: يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد مرة . فلم يلتفت إلى هذا عمر وزبره فجعل عبد الرحمن يصيح: أنا مريض وأنت قاتلي . فضربه الحد ثانية وحبسه ثم مرض فمات رحمه الله . ذكره البيهقي في السنن الكبرى 8 ص 312، وابن عبد ربه في العقد الفريد 3 ص 470، والخطيب البغدادي في تاريخه 5 ص 455، وابن الجوزي في سيرة عمر ص 170، وفي ط 207، والمحب الطبري في الرياض النضرة 2 ص 32، والقسطلاني في إرشاد الساري 9 ص 439 وصححه . وقال أبو عمر في الاستيعاب 2 ص 394: عبد الرحمن بن عمر الأوسط هو أبو شحمة وهو الذي ضربه عمرو بن العاص بمصر في الخمر ثم حمله إلى المدينة فضربه أبوه أدب الوالد، ثم مرض ومات بعد شهر، هكذا يرويه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه، وأما أهل العراق فيقولون: إنه مات تحت سياط عمر وذلك غلط، وقال الزبير: أقام عليه حد الشارب فمرض ومات . وذكر ابن حجر في الإصابة 3 ص 72 كلام أبي عمر فقال: أخرج عبد الرزاق القصة مطولة عن معمر بالسند المذكور وهو صحيح . وقال الطبري في تاريخه 4 ص 150، وابن الأثير في الكامل 2 ص 207، وابن كثير في تاريخه 7 ص 48: وفي هذه السنة (أي سنة 14) ضرب عمر بن الخطاب ابنه في الشراب ؟ ؟ وجماعة فيه . قال الأميني: يقع الكلام على هذه المسألة من شتى النواحي: فإن الحد كفارة وطهور فلا يبقى معه على المحدود بعد وزر يحد عليه ثانيا، وقد ثبت ذلك في السنة الشريفة . 1 - عن خزيمة بن ثابت مرفوعا: من أقيم عليه حد غفر له ذلك الذنب . وفي لفظ آخر له: من أصاب ذنبا فأقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته .
/ صفحة 318 / أخرجه أحمد في مسنده 5 ص 214، 215، والدارمي في سننه 2 ص 182، والبيهقي في سننه 8 ص 328، والخطيب التبريزي في المشكاة ص 308 . 2 - عن عبادة بن الصامت مرفوعا: من أصاب منكم حدا فعجلت له عقوبته فهو كفارته وإلا فأمره إلى الله . وفي لفظ آخر له: من أتى منكم حدا مما نهي عنه فأقيم عليه الحد فهو كفارة له، ومن أخر عنه الحد فأمره إلى الله إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له . وفي لفظ ثالث له: من أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له . راجع صحيح البخاري 10 ص 25، صحيح مسلم 2 ص 39، صحيح الترمذي 1 ص 271، مسند أبي داود 79، سنن ابن ماجة 2 ص 129، سنن البيهقي 8 ص 328 . 3 - وأخرج الشافعي في حديث مرفوعا: ما يدريك لعل الحدود نزلت كفارة للذنوب . سنن البيهقي 8 ص 328 . 4 - عن علي أمير المؤمنين إنه قال: من أتى شيئا من حد فأقيم عليه الحد فهو كفارته، سنن البيهقي 8 ص 329 . 5 - عن عبد الرحمن بن أبي ليلي: إن عليا رضي الله عنه أقام على رجل حدا فجعل الناس يسبونه ويلعنونه، فقال علي رضي الله عنه: أما عن ذنبه هذا فلا يسأل . سنن البيهقي 8 ص 329 . 6 - عن عبد الله بن معقل: إن عليا رضي الله عنه ضرب رجلا حدا فزاده الجلاد سوطين فأقاده منه علي رضي الله عنه . سنن البيهقي 8 ص 222 . وإن كان الخليفة يحسب أن حد عمرو بن العاص كان ملغى لوقوعه في صحن الدار فقد أخبره الرجل إن ذلك عادته الجارية في الحدود كلها وليس من شرط الحد أن يكون على رؤس الاشهاد بل يكتفى بضرب الحد سرا كما عزاه القسطلاني في إرشاده 9 ص 439 إلى الجمهور، ولو صدق هذا الحسبان لوجب أن يحد أبا سروعة أيضا في القضية وغيره ممن حده عمرو بن العاص في صحن داره . ولو أراد بذلك تعزيرا وتأديبا كما اعتذر عنه البيهقي في سننه 8 ص 313، و أبو عمر كما مر، والقسطلاني في الارشاد 9 ص 439 فإنه بعد مخالفته للفظ الحديث من
/ صفحة 319 / أنه أقام عليه الحد ثانيا زيادة لم تفوض إليه لما ذكرناه من أن الحد كفارة ولا يسأل بعده المحدود عن ذنبه فلا حد ولا تعزير، ولا بأس ولا تأديب . ثم إن صح التعزير فإنه لا يزيد في السنة على عشرة أسواط كما مر في ص 175 فلماذا ساوى بينه وبين الحد ؟. وأعطف على هذا أمره عمرو بن العاص بأن يبعث ولده على قتب في عباءة فدخل عليه ولم يستطع المشي من مركبه، فإن كل ذلك إيذاء درأه الحد ولم يبحه الشرع . ثم لماذا لم يكن له مرتدع عن تأجيل ما ارتآه من الحد الجديد بمرضه ولم يرجأه حتى يبرأ، وهو حكم المريض المحدود في السنة الشريفة . وإن تعجب بعد ذلك كله فعجب قول ابن الجوزي في سيرة عمر من إنه لا ينبغي أن يظن بعبد الرحمن بن عمر إنه شرب الخمر، وإنما شرب النبيذ متأولا وظن أن ما شرب منه لا يسكر، وكذلك أبو سروعة وأبو سروعة من أهل بدر فلما خرج بهما الأمر إلى السكر طلبا التطهير بالحد، وقد كان يكفيهما مجرد الندم على التفريط غير أنهما غضبا لله سبحانه على أنفسهما المفرطة فأسلماها إلى إقامة الحد، وأما كون عمر أعاد الضرب على ولده فليس ذلك حدا وإنما ضربه غضبا وتأديبا وإلا فالحد لا يكرر . إنتهى بلفظه . وإن صحت هذه المزعمة يوجه النقد إلى عمرو وعمر إن علما ذلك وإلى نفس المحدودين حيث عرضا أنفسهما على الحد من دون أي موجب له وكان يكفيهما الندم كما حسبه ابن الجوزي، والحق إنه لا حاجة إليه أيضا لأنهما لم يقترفا ذنبا بعد اعتقاد أنه لا يسكر فلا توبة عنه، وإن كان كامل الإيمان يتضجر عن مثله وعلى هذا فإنهما لا يملكان لأنفسهما أن يعرضا ها على هذا الايلام الشديد والاضرار المؤلم إن لم يكن ذلك تشريعا . لكن من أين أتت ابن الجوزي هذه الرؤيا الصادقة ؟ فأراد تبرئة الرجلين مما اجترحاه من السيئة مع اعترافهما بذلك بكل صراحة فألقاهما في هوة الإضرار بالنفس المحظور شرعا، والتشرع في الدين المحرم، والكذب الصراح الذي هو من الكبائر، والحق بمن أقام الحد أو لاتبعة إقامته من دون موجب له، والغضب الذي عزاه إلى الخليفة في حده الثاني سواء كانا شربا الخمر كما اعترفا به أو لم يشرباها على ما تحمله ابن الجوزي، وشذ به عن أئمة الحديث ورجال التاريخ، وذلك واضح من هذا البيان الضافي .
/ صفحة 320 /
-98- جهل الخليفة بما يقرأ يوم العيد عن عبيد الله قال: خرج عمر رضي الله عنه يوم عيد فأرسل إلى أبي واقد الليثي بأي شئ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في مثل هذا اليوم ؟ فقال: بقاف واقتربت . صحيح مسلم 1 ص 242، سنن أبي داود 2 ص 280، موطأ مالك 1 ص 147، سنن ابن ماجة 1 ص 188، صحيح الترمذي 1 ص 106، سنن النسائي 3 ص 184، سنن البيهقي 3 ص 294 واللفظ لابن ماجة . قال الأميني: هذه رواية صحيحة أخرجها الأئمة في الصحاح كما عرفت، و رميها بالإرسال بأن عبيد الله بن عبد الله لم يدرك عمر مدفوع بأن الرواية في صحيح مسلم عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد ولا شك أن عبيد الله أدرك أبا واقد، وبهذا رد هذه الرمية البيهقي والسندي والسيوطي وغيرهم . فهلم معي نسائل الخليفة عن أنه لماذا عزب عنه العلم بما كان يقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين ؟ أو كان ناسيا له فأراد أن يستثبت كما اعتذر به السيوطي في " تنوير الحالك 1 ص 147 " ؟ أو أنه ألهاه عنه الصفق في الأسواق ؟ كما اعتذر به هو في غير هذا المورد، وقد تقدم في ص 158 ويأتي بعيد هذا ووصفه به غير واحد، ويبعد النسيان إن حكما مطردا كهذا يكرر في كل عام مرتين على رؤس الاشهاد ومزدحم الجماهير لا ينسى عادة . وأما احتمال السيوطي الآخر من أراد إعلام الناس بذلك فكان من الممكن إعلامهم بهتاف نفسه هتافا مسمعا وعمله المستمر المتبع فيه سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فالحاجة غير ماسة إلى الإرسال والسؤال .
-99- 1 - عن عمر رضي الله عنه إنه قال على المنبر: ما تقولون في قوله تعالى: أو يأخذهم على تخوف ؟ (1) فسكتوا فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا، التخوف: التنقص . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة النحل آية 47 .
/ صفحة 321 / قال: فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال: نعم . قال شاعرنا - زهير - أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد مكة واكتنازه: تخـــــوف الـــرحل منها تامكا قردا * كما تخوف عود النبعة السفن (1) فقال عمر: أيها الناس عليكم بديوانكم لا يضل . قالوا: وما ديواننا ؟ قال: شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم . راجع تفسير الكشاف 2 ص 165، تفسير القرطبي 10 ص 110، تفسير البيضاوي 1 ص 667 . 2 - عن أبي الصلت الثقفي: أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية: (2) ومن يرد الله أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا . بنصب الراء، وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول الله حرجا بالخفض فقال: ايتوني رجلا من كنانة أو اجعلوا راعيا وليكن مدلجيا فأتوا به فقال له عمر: يا فتى ما الحرجة ؟ فقال: الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شئ . فقال عمر رضي الله عنه: كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شئ من الخير . راجع تفسير ابن كثير 2 ص 175، تفسير الخازن 2 ص 53، الدر المنثور 3 ص 45، كنز العمال 1 ص 285 نقلا عن عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبي الشيخ . 3 - عن عبد الله بن عمر قال: قرأ عمر بن الخطاب هذه الآية: ما جعل عليكم في الدين من حرج (3) ثم قال: ادعوا لي رجلا من بني مدلج قال عمر: ما الحرج فيكم ؟ قال: الضيق . كنز العمال 1 ص 257 . 4 - أخرج الحاكم عن سعيد بن المسيب: إن عمر بن الخطاب أتى على هذه الآية: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم (4) فأتى أبي بن كعب فسأله أينا لم يظلم ؟ فقال له: يا أمير المؤمنين إنما ذاك الشرك، أما سمعت قول لقمان لابنه: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ؟ المستدرك 3 ص 305 .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تمك السنام: طال وارتفع . القرد: المتراكم بعض لحمه فوق بعض . النبعة، شجرة من أشجار الجبال يتخذ منها القسي . السفن: القشر . (2) سورة الأنعام آية 125 . (3) سورة الحج آية 78 . (4) سورة الأنعام آية 82 .
/ صفحة 322 / إني أعذر الخليفة إن عزب عنه علم الكتاب والسنة أو تقاصر عن الحكم في القضايا فإن الامتهان بالبرطشة (1) والصفق بالأسواق، والاحتراف ببيع الخيط والقرظة (2) في إملاق لا يحدوه إلا إلى تحري لماظة يقتات بها ألهته عن العلوم، لكن لا أعذره على عدم معرفته باللغة وهي لغته تلوكها أشداقه في آناء الليل وأطراف النهار .
-100- عن أبي عمر الشيباني قال: خبر عمر بن الخطاب رضوان الله عليه برجل يصوم الدهر فجعل يضربه بمخفقته (3) ويقول: كل يا دهر يا دهر (4) . قال الأميني: لقد أربكني الموقف فلا أدري على أي النقلين ألقي ثقتي ؟ أعلى رواية ابن الجوزي هذه من حديث المخفقة ؟ أم على نقله الآخر في سيرة عمر ص 146 من أنه كان يصوم الدهر . وروى الطبري وجعفر الفريابي في السنن وحكى عنهما السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 4 ص 332 من إنه كان يسرد الصيام، وفي سنن البيهقي 4 ص 301: أن عمر بن الخطاب قد كان يسرد الصيام قبل أن يموت، وسرد عبد الله بن عمر في آخر زمانه، وذكره ابن كثير في تاريخه 7 ص 135 ورواه المحب الطبري في الرياض 2 ص 38 واستدل به على أن سرد الصوم أفضل من صوم يوم وفطر يوم . وليس هناك نهي عن ذلك في السنة الشريفة، وما يشعر بظاهره النهي عنه مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا صام من صام الأبد . وقوله: من صام الأبد فلا صام ولا أفطر . فهو منزل على صوم الأبد المستلزم بصوم الأيام المحرمة صومها أو على صورتي إيجابه الضعف أو تفويت الحق، وبدون هذه لا نهي عنه كما في صحيح مسلم 1 ص 319، وسنن البيهقي 4 ص 299، وكثير من كتب الفقه وشروح مجامع الحديث وأخرج ابن جرير عن أم كلثوم قالت قيل لعائشة: تصومين الدهر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صيام الدهر ؟ قالت: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع النهاية 1 ص 78، قاموس اللغة 2 ص 262، تاج العروس 4 ص 721، وقال: هو الذي يكتري للناس الإبل والحمير ويأخذ عليه جعلا . (2) راجع صحيفة 158، 303، 306 . (3) المخفقة . الدرة التي يضرب بها . (4) سيرة عمر لابن الجوزي ص 174 .
/ صفحة 323 / نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن صيام الدهر ولكن من أفطر يوم الفطر ويوم النحر فلم يصم الدهر (1) . وقال النووي في شرح صحيح مسلم هامش الارشاد 5 ص 51: وفي هذه الروايات المذكورة في الباب النهي عن صيام الدهر، واختلف العلماء فيه فذهب أهل الظاهر إلى منع صيام الدهر نظرا لظواهر هذه الأحاديث قال القاضي وغيره، وذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الأيام المنهي عنها وهي العيدان والتشريق، ومذهب الشافعي و أصحابه أن سرد الصيام إذا أفطر العيدين والتشريق لا كراهة فيه بل هو مستحب بشرط أن لا يلحقه به ضرر ولا يفوت حقا فإن تضرر أو فوت حقا فمكروه، واستدلوا بحديث حمزة بن عمرو وقد رواه البخاري ومسلم أنه قال: يا رسول الله إني أسرد الصوم أفأصوم في السفر ؟ فقال: إن شئت فصم . وهذا لفظ رواية مسلم فأقره صلى الله عليه وسلم على سرد الصيام، ولو كان مكروها لم يقره لا سيما في السفر، وقد ثبت عن ابن عمر بن الخطاب إنه كان يسرد الصيام، وكذلك أبو طلحة وعائشة وخلائق من السلف قد ذكرت منهم جماعة في شرح المهذب في باب صوم التطوع وأجابوا عن حديث لا صام من صام الأبد بأجوبة أحدها: إنه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيدين والتشريق وبهذا أجابت عائشة رضي الله عنها . والثاني: إنه محمول على من تضرر به أو فوت به حقا، ويؤيده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر ونم وقم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر . والنهي كان خطابا لعبد الله بن عمرو بن العاص وقد ذكر مسلم عنه أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة قالوا: فنهى ابن عمرو وكان لعلمه بأنه سيعجز، وأقر حمزة بن عمر ولعلمه بقدرته بلا ضرر . والثالث: أن معنى لا صام أنه يجد من مشقته ما يجد ها غيره فيكون خبرا لادعاء ... إلخ . وقال في شرح حديث صم يوما وأفطر يوما: إختلف العلماء فيه فقال المتولي من أصحابنا وغيره من العلماء هو أفضل من السرد لظاهر هذا الحديث . وفي كلام غيره إشارة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كنز العمال 4 ص 334 .
/ صفحة 324 / إلى تفضيل السرد وتخصيص هذا الحديث بعبد الله بن عمرو ومن في معناه، وتقديره لا أفضل من هذا في حقك، ويؤيد هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم ينه حمزة بن عمرو وعن السرد وأرشده إلى يوم ويوم، ولو كان أفضل في حق كل الناس لأرشده إليه وبينه له فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز . والله أعلم . والباحث يجد كثيرا من هذه الكلمات في غضون التآليف لأئمة الفقه وشراح الحديث . وممن يؤثر عنه صوم الدهر . 1 - عثمان بن عفان المقتول 35 . الاستيعاب 2 ص 477 . 2 - عبد الله بن مالك الأزدي المتوفى 56 / 59، يه 8 ص 99، صب 2 ص 364 . 3 - أسود بن يزيد النخعي المتوفى 75، يه 9 ص 12 . 4 - أبو بكر بن عبد الرحمن القرشي المتوفى 94، يه 9 ص 116 . 5 - الفقيه أبو خالد مسلم المخزومي المتوفى 108، بق 1 ص 235 . 6 - سعد بن إبراهيم المدني المتوفى 125، صه 113، هب 1 ص 173 . 7 - وكيع بن الجراح المتوفى 196، طب 13 ص 470، بق 1 ص 282 . 8 - مصعب بن عبد الله بن الزبير المتوفى 233، م 3 ص 172 . 9 - محمد بن علي أبو العباس الكرخي المتوفى 343، ظم 6 ص 376 . 10 - أبو بكر النجاد شيخ الحنابلة بالعراق المتوفى 348، ظم 6 ص 390، يه 11 ص 234 . 11 - أحمد بن إبراهيم النيسابوري المتوفى 386، يه 11 ص 319 . 12 - أبو القاسم عبد الله بن أحمد الحربي المتوفى 412، طب 10 ص 382، ظم 8 ص 4 . 13 - أبو الفرج المعدل أحمد بن محمد المتوفى 415، طب 5 ص 67، يه 12 ص 18، ظم 8 ص 17 . 14 - أبو العباس أحمد الأبيوري المتوفى 425، طب 5 ص 51 . 15 - أبو عبد الله الصوري محمد بن علي المتوفى 441، طب 3 ص 103، ظم 8 ص 143 .
/ صفحة 325 / 16 - عبد الملك بن الحسن المتوفى 472، يه 12 ص 120 . 17 - أبو البركات يحيى الأنباري المتوفى 552، يه 12 ص 237 . 18 - الحافظ عبد الغني المقدسي المتوفى 600، يه 13 ص 39 . 19 - الفقيه محمود البغدادي الحنبلي المتوفى 609، هب 5 ص 39 . 20 - الشيخ محيي الدين النووي المتوفى 677، يه 13 ص 279 . 21 - عبد العزيز بن دنف الحنبلي البغدادي . هب 5 ص 184 (1) . وليس هذا الإصفاق منهم إلا لما عرفوه من جوازه في شرع الاسلام، هذا كله ولكن للمخفقة شأنها، وللخليفة اجتهاده، ولعله كان يرى اختصاص هذا الحكم به من دون الناس وإلا فما وجه ضرب الرجل المتعبد بالمخفقة ؟
إن هذا لهو القصص الحق ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون وإن الظن لا يغني من الحق شيئا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع في عرفان الرموز المذكورة مقدمة الجزء الخامس صحيفة ط، ى . |