عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
ـ 14 ـ أخرج أبو عبيد في الغريب وعبد الرزاق والطحاوي وابن حزم عن بي المهلب قال: كتب عثمان: إنه بلغني إن قوما يخرجون إما لتجارة أو لجباية أو لحشرية(1) يقصرون الصلاة وإنما يقصر الصلاة من كان شاخصا أو بحضرة عدو ومن طريق قتادة عن عياش المخزومي: كتب عثمان إلى بعض عماله: إنه لا يصلي الركعتين المقيم ولا البادي ولا التاجر، إنما يصلي الركعتين من معه الزاد والمزاد. وفي لفظ ابن حزم: إن عثمان كتب إلى عماله: لا يصلي الركعتين جاب ولا تاجر ولا تان(2) إنما يصلي الركعتين.. الخ. وفي لسان العرب: في حديث عثمان رضي الله عنه أنه قال: لا يغرنكم جشركم من صلاتكم فإنما يقصر الصلاة من كان شاخصا أو يحضره عدو. قال أبو عبيد: الجشر القوم يخرجون بدوابهم إلى المرعى، ويبيتون مكانهم ولا يأوون إلى البيوت(3) . وفي هامش سنن البيهقي 3: 137: شاخصا: يعني رسولا في حاجة، وفي النهاية: شاخصا: أي مسافرا ومنه حديث أبي أيوب: فلم يزل شاخصا في سبيل الله. قال الأميني: من أين جاء عثمان بهذا القيد في السفر ؟ والأحاديث المأثورة في صلاته مطلقات كلها كما أوقفناك عليها في ص 111 - 115، وقبلها عموم قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة(4) ولأبي حنيفة وأصحابه والثوري وأبي ثور في عموم الآية نظر واسع لم يخصوه بالمباح من السفر بل قالوا بأنه يعم سفر المعصية أيضا كقطع الطريق والبغي كما ذكره ابن حزم في المحلى 4: 264، والجصاص في أحكام القرآن 2: 312، وابن رشد في بداية المجتهد 1: 163، وملك العلماء في البدايع 1: 93، والخازن في تفسيره 1: 413. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كذا في النسخ بالمهملة والصحيح كما يأتي، الجشر. بالمعجمة. (2) التناية: هي الفلاحة والزراعة " نهاية ابن الأثير ". (3) سنن البيهقي 3: 126، المحلى لابن حزم 5: 1، نهاية ابن الأثير 2: 325، لسان العرب 5: 207، كنز العمال 4: 239، تاج العروس: 100 و ج 4: 401.
/ صفحة 186 / وليس لحضور العدو أي دخل في القصر والاتمام وإنما الخوف وحضور العدو لهما شأن خاص في الصلوات، وأحكام تخص بهما، وناموس مقرر لا يعدوهما. فمقتضى الأدلة كما ذهبت إليه الأمة جمعاء: إن التاجر والجابي والتاني والجشرية وغيرهم إذا بلغوا مبلغ السفر فحكمهم القصر، فهم وبقية المسافرين شرع سواء، وإلا فهم جميعا في حكم الحضور يتمون صلاتهم من دون أي فرق بين الأصناف، وليس تفصيل الخليفة إلا فتوى مجردة ورأيا يخص به، وتقولا لا يؤبه له تجاه النصوص النبوية، وإطباق الصحابة، واتفاق الأمة، وتساند الأئمة والعلماء، وإنما ذكرناه هنا لإيقافك على مبلغ الرجل من الفقاهة، أو تسرعه في الفتيا من غير فحص عن الدليل، أو أنه عرف الدليل لكنه لم يكترث له وقال قولا أمام قول رسول الله صلى الله عليه وآله. كناطـــح صخــــرة يوما ليقلعها * فلم يضرها فأوهى قرنه الوعل على أن التاجر جاء فيه ما أخرجه ابن جرير الطبري وغيره من طريق علي كرم الله وجهه قال: سأل قوم من التجار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ! إنا نضرب في الأرض فكيف نصلي ؟ فأنزل الله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة (1) . وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن الأعمش عن إبراهيم قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله ! إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين فأمره أن يصلي بركعتين(2). - 15 - أخرج إمام الحنابلة أحمد وغيره بإسناد صحيح عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تفسير ابن جرير 5: 155، مقدمات المدونة الكبرى لابن رشد 1: 136، تفسير ابن عطية كما في تفسير القرطبي 5: 362، الدر المنثور 2: 209، تفسير الشوكاني 1: 471 تفسير الآلوسي 5: 134. (2) تفسير ابن كثير 1: 544، الدر المنثور 2: 210 . (3) مسند أحمد 1: 100، 104، كتاب الأم للشافعي 7: 157، سنن أبي داود 1: 291، سنن البيهقي 5: 194، تفسير الطبري 7: 45، 46 المحلى لابن حزم 8: 254، كنز العمال 3: 53، نقلا عن أحمد وأبي داود وابن جرير وقال: صححه، وعن الطحاوي و أبي يعلى والبيهقي.
/ صفحة 187 / قال: أقبل عثمان إلى مكة فاستقبلت بقديد فاصطاد أهل الماء حجلا فطبخناه بماء وملح فقدمناه إلى عثمان وأصحابه فأمسكوا فقال عثمان: صيد لم نصده ولم نأمر بصيده اصطاده قوم حل فأطعموناه فما بأس به. فبعث إلى علي فجاء فذكر له فغضب علي و قال: انشد رجلا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتي بقائمة حمار وحش فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا قوم حرم فأطعموه أهل الحل ؟ فشهد اثني عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال علي: أنشد الله رجلا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتي ببيض النعام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قوم حرم أطعموه أهل الحل ؟ فشهد دونهم من العدة من الاثنى عشر قال: فثنى عثمان وركه من الطعام فدخل رحله وأكل الطعام أهل الماء. وفي لفظ آخر لأحمد عن عبد الله بن الحرث: إن أباه ولي طعام عثمان قال: فكأني أنظر إلى الحجل حوالي الجفان فجاء رجل فقال: إن عليا رضي الله عنه يكره هذا فبعث إلى علي وهو ملطخ يديه بالخبط فقال: إنك لكثير الخلاف علينا فقال علي: أذكر الله من شهد النبي صلى الله عليه وسلم أتي بعجز حمار وحش وهو محرم فقال: إنا محرمون فأطعموه أهل الحل. فقام رجال فشهدوا ثم قال: أذكر الله رجلا شهد النبي صلى الله عليه وسلم أتي بخمس بيضات بيض نعام فقال: إنا محرمون فأطعموه أهل الحل فقام رجال فشهدوا، فقام عثمان فدخل فسطاطه وتركوا الطعام على أهل الماء. وفي لفظ الإمام الشافعي: إن عثمان أهديت له حجل وهو محرم فأكل القوم إلا عليا فإنه كره ذلك. وفي لفظ لابن جرير: حج عثمان بن عفان فحج علي معه فأتي عثمان بلحم صيد صاده حلال فأكل منه ولم يأكله علي فقال عثمان: والله ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا فقال علي: وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما. " سورة المائدة: 96 ". وفي لفظ: إن عثمان بن عفان رضي الله عنه نزل قديدا فأتي بالحجل في الجفان شائلة بأرجلها فأرسل إلى علي رضي الله عنه وهو يضفر (1) بعيرا له فجاء والخبط ينحات من يديه، فأمسك علي وأمسك الناس فقال علي: من هاهنا من أشجع ؟ هل تعلمون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ضفر الدابة يضفر ها ضفرا: ألقى اللجام في فيها. والضفر: ما شددت به البعير من الشعر المضفور. والمضفور والضفير: الحبل المفتول. الضفائر: الدوائب المضفورة.
/ صفحة 188 / أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء أعرابي ببيضات نعام وتتمير (1) وحش فقال: أطعمهن أهلك فإنا حرم ؟ قالوا: بلى. فتورك عثمان عن سريره ونزل فقال: خبثت علينا. وفي لفظ البيهقي: كان الحارث خليفة عثمان رضي الله عنه على الطائف، فصنع لعثمان رضي الله عنه طعاما وصنع فيه من الحجل واليعاقيب ولحوم الوحش قال: فبعث إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فجاء الرسول وهو يخبط لأباعر له، فجاءه وهو ينفض الخبط من يده فقالوا له: كل. فقال: اطعموه قوما حلالا فإنا قوم حرم، ثم قال علي رضي الله عنه: أنشد الله من كان هاهنا من أشجع، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله ؟ قالوا: نعم. وأخرج الطبري من طريق صبيح بن عبد الله العبسي قال: بعث عثمان بن عفان أبا سفيان بن الحرث على العروض فنزل قديدا فمر به رجل من أهل الشام معه باز و سقر فاستعار منه فاصطاد به من اليعاقيب فجعلهن في حظيرة فلما مر به عثمان طبخهن ثم قدمهن إليه فقال عثمان: كلوا فقال بعضهم: حتى يجئ علي بن أبي طالب. فلما جاء فرأى ما بين أيديهم قال علي: إنا لا نأكل منه. فقال عثمان مالك لا تأكل ؟ فقال: هو صيد لا يحل أكله وأنا محرم. فقال عثمان: بين لنا. فقال علي: " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ". فقال عثمان: أو نحن قتلناه ؟ فقرأ عليه: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما. وأخرج سعيد بن منصور كما ذكره ابن حزم من طريق بسر بن سعيد قال: إن عثمان بن عفان كان يصاد له الوحش على المنازل ثم يذبح فيأكله وهو محرم سنتين من خلافته، ثم إن الزبير كلمه فقال: ما أدري ما هذا يصاد لنا ومن أجلنا، لو تركناه فتركه. قال الأميني: هذه القصة تشف عن تقاعس فقه الخليفة عن بلوغ مدى هذه المسألة، أو أنه راقه إتباع الخليفة الثاني في الرأي حيث كان يأمر المحرم بأكل لحم الصيد، ويحذر أهل الفتوى عن خلافه مهددا بالدرة إن فعل وسيوافيك ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) التتمير: التقديد. والتتمير: التيبيس. والتتمير: أن يقطع اللحم صغار أو يجفف. واللحم المتمر: المقطع (لسان العرب) . / صفحة 189 / تفصيله إن شاء الله تعالى، غير أن عثمان أفحمه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بالكتاب والسنة فلم يجد ندحة من الدخول في فسطاطه والاكتفاء بقوله: إنك لكثير الخلاف علينا. وهذا القول ينم عن توفر الخلاف بين مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وبين الخليفة، ومن الواضح الجلي إن الحق كلما شجر خلاف بين مولانا علي عليه السلام وبين غيره كائنا من كان لا يعدو كفة الإمام صلوات الله عليه للنص النبوي: علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة (1) وقوله: علي مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض (2) وإنه باب مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله، ووارث علمه، وعيبة علمه وأقضى أمته (3) وكان سلام الله عليه منزها عن الخلاف لاتباع هوى أو احتدام بغضاء بينه وبين غيره، فإن ذلك من الرجس الذي نفاه الله عنه عليه السلام في آية التطهير. وقد طأطأ كل عيلم لعلمه، وكان من المتسالم عليه إنه أعلم الناس بالسنة ؟ ولذلك لما نهى عمر عبد الله بن جعفر عن لبس الثياب المعصفرة في الاحرام جابهه الإمام عليه السلام بقوله: ما أخال أحدا يعلمنا السنة (4) فسكت عمر إذ كان لم يجد منتدحا عن الاخبات إلى قوله، ولو كان غيره عليه السلام لعلاه بالدرة، ولذلك كان عمر يرجع إليه في كل أمر عصيب فإذا حله قال: لولا علي لهلك عمر(5) أو نظير هذا القول وسيوافيك عن عثمان نفسه قوله: لولا علي لهلك عثمان. فرأي الإمام الطاهر هو المتبع وهو المعتضد بالكتاب بقوله تعالى: وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما، كما استدل به عليه السلام على عثمان، فبعمومه كما حكاه ابن حزم في المحلى 7: 249 عن طائفة ظاهر في أن الشئ المتصيد هو المحرم ملكه وذبحه وأكله كيف كان، فحرموا على المحرم أكل لحم الصيد وإن صاده لنفسه حلال، وإن ذبحه حلال، وحرموا عليه ذبح شئ منه وإن كان قد ملكه قبل إحرامه. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع ما مر في الجزء الثالث ص 155 158 ط 1، و 176 180 ط 2. (2) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 158 ط 1، و 180 ط 2. (3) راجع ما فصلناه في الجزء السادس ص 54 73 ط 1، و 61 81 ط 2. (4) كتاب الأم للإمام الشافعي 2: 126، المحلى لابن حزم 7: 260. (5) راجع نوادر الأثر في علم عمر في الجزء السادس من كتابنا هذا.
/ صفحة 190 / وقال القرطبي في تفسيره 6: 321: التحريم ليس صفة للأعيان، وإنما يتعلق بالافعال فمعنى قوله: وحرم عليكم صيد البر. أي فعل الصيد، وهو المنع من الاصطياد، أو يكون الصيد بمعنى المصيد على معنى تسمية المفعول بالفعل، وهو الأظهر لإجماع العلماء على إنه لا يجوز للمحرم قبول صيد وهب له، ولا يجوز له شراؤه ولا اصطياده ولا استحداث ملكه بوجه من الوجوه، ولا خلاف بين علماء المسلمين في ذلك لعموم قوله تعالى: وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما، ولحديث الصعب بن جثامة. وقال في ص 322: وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر: إنه لا يجوز للمحرم أكل صيد على حال من الأحوال، سواء صيد من أجله أولم يصد لعموم قوله تعالى: وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما. قال ابن عباس: هي مبهمة. وبه قال طاووس، وجابر بن زيد وأبو الشعثاء، وروي ذلك عن الثوري، وبه قال إسحاق، واحتجوا بحديث ابن جثامة ه ويعتضد رأي الإمام عليه السلام ومن تبعه بالسنة الشريفة الثابتة بما ورد في الصحاح والمسانيد وإليك جملة منه: 1 - عن ابن عباس قال: يا زيد بن أرقم ! هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي إليه عضد صيد فلم يقبله وقال: إنا حرم ؟ قال: نعم. وفي لفظ: قدم زيد بن أرقم فقال له ابن عباس يستذكره: كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام ؟ قال: نعم أهدى له رجل عضوا من لحم صيد فرده وقال: إنا لا نأكل إنا حرم. وفي لفظ مسلم: إن زيد بن أرقم قدم فأتاه ابن عباس رضي الله عنه فاستفتاه في لحم الصيد فقال: أتي رسول الله بلحم صيد وهو محرم فرده. راجع صحيح مسلم 1: 450، سنن أبي داود 1: 291، سنن النسائي 5: 184، سنن البيهقي 5: 194، المحلى لابن حزم 7: 250 وقال: رويناه من طرق كلها صحاح. 2 - عن الصعب بن جثامة قال: مربي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بالأبواء أو بودان (1) وأهديت له لحم حمار وحش فرده علي فلما رأى في وجهي الكراهية قال: إنه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ودان بفتح الواو قرية جامعة بين مكة والمدينة، بينها وبين الأبواء نحو من ثمانية أميال من الجحفة، ومنها الصعب بن جثامة " معجم البلدان " / صفحة 191 / ليس بنا رد عليك ولكننا حرم. وفي لفظ: إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلحم حمار وحش فرده وقال: إنا حرم لا نأكل الصيد. راجع صحيح مسلم 1: 449، مسند أحمد 4: 37، سنن الدارمي 2: 39، سنن ابن ماجة 2: 262، سنن النسائي 5: 18 ؟، سنن البيهقي 5: 192 بعدة طرق، أحكام القرآن للجصاص 2: 586، تفسير الطبري 7: 48، تيسير الوصول 1: 272. 3 - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم شق حمار وحش وهو محرم فرده. وفي لفظ أحمد: إن الصعب بن جثامة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم عجز حمار فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقطر دما. وفي لفظ طاووس في حديثه: عضدا من لحم صيد. وفي لفظ مقسم: لحم حمار وحش. وفي لفظ عطاء في حديثه: أهدي له صيد فلم يقبله وقال: إنا حرم. وفي لفظ النسائي: أهدى الصعب بن جثامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش تقطر دما وهو محرم وهو بقديد فردها عليه. وفي لفظ ابن حزم: إنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش فرده عليه وقال: إنا حرم لا نأكل الصيد. وفي لفظ: لولا إنا محرمون لقبلناه منك. راجع صحيح مسلم 1: 449، مسند أحمد 1: 290، 338، 341، مسند الطيالسي ص 171، سنن النسائي 5: 185، سنن البيهقي 5: 193، المحلى لابن حزم،: 249 وقال: رويناه من طرق كلها صحاح، أحكام القرآن للجصاص 2: 586، تفسير القرطبي 6: 322. (لفت نظر) أخرج البيهقي في تجاه هذا الصحيح المتسالم عليه في السنن الكبرى 5: 193 من طريق عمرو بن أمية الضميري إن الصعب بن جثامة أهدى للنبي عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم. ثم قال: وهذا إسناد صحيح، فإن كان محفوظا فكأنه رد الحي وقبل اللحم والله أعلم. ا هـ. لا أحسب هذا مبلغ علم البيهقي وإنما أعماه حبه لتبرير الخليفة في رأيه الشاذ عن الكتاب والسنة، فرأى الضعيف صحيحا، وأتى في الجمع بينه وبين الصحيح المذكور بما / صفحة 192 / يأباه صريح لفظه، ولهذه الغاية أخرج البخاري ذلك الصحيح المتسالم عليه في صحيحه 3: 165 وحذف منه كلمة: الشق. والعجز. والرجل. والعضد. واللحم. وتبعه في ذلك الجصاص في أحكام القرآن 2: 586 حيا الله الأمانة وعقب ابن التركماني رأي البيهقي فيما أخرجه فقال في سنن الكبرى: قلت: هذا في سنده يحيى بن سليمان الجعفي عن ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب هو الغافقي المصري، ويحيى بن سليمان ذكره الذهبي في الميزان والكاشف عن النسائي إنه ليس بثقة وقال ابن حبان: ربما أغرب. والغافقي قال النسائي ليس بذلك القوي. وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال أحمد: كان سيئ الحفظ يخطئ خطئا كثيرا، و كذبه مالك في حديثين، فعلى هذا لا يشغل بتأويل هذا الحديث لأجل سنده ولمخالفته للحديث الصحيح، وقول البيهقي: رد الحي وقبل اللحم يرده ما في الصحيح إنه عليه السلام رده. ا هـ. 4 - عن عبد الله بن الحرث عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بلحم صيد وهو محرم فلم يأكله. مسند أحمد 1: 105، سنن ابن ماجة 2: 263. 5 - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين إنها قالت له: يا ابن أختي إنما هي عشر ليال فإن يختلج في نفسك شئ فدعه. يعني أكل لحم الصيد. موطأ مالك 1: 257، سنن البيهقي 5: 194، تيسير الوصول 1: 273. 6 - عن نافع قال: أهدي إلى ابن عمر ظبيا مذبوحة بمكة فلم يقبلها، وكان ابن عمر يكره للمحرم أن يأكل من لحم الصيد على كل حال. رواه ابن حزم في المحلى 7: 250 من طريق رجاله كلهم ثقات. ولو كان عند الخليفة علم بسنة نبيه لعله لم يك يخالفها، ولو كان عنده ما يجديه في الحجاج تجاه هذه السنة الثابتة لأفاضه وما ترك النوبة لأتباعه ليحتجوا له بعد لاي من عمر الدهر بما لا يغني من الحق شيئا، قال البيهقي في سننه 5: 194: أما علي وابن عباس رضي الله عنهما فإنهما ذهبا إلى تحريم أكله على المحرم مطلقا، وقد خالفهما عمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم ومعهم حديث أبي قتادة وجابر والله أعلم. ا هـ.
/ صفحة 193 / أما حديث أبي قتادة قال: انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم وكنت مع أصحابي فجعل بعضهم يضحك إلى بعض فنظرت فإذا حمار وحش فحملت عليه فطعنته فأثبته فاستعنت بهم فأبوا أن يعينوني فأكلنا منه، فلحقت برسول الله وقلت: يا رسول الله ! إني أصبت حمار وحش ومعي منه فاضلة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للقوم: كلوا. وهم محرمون (1) . فهو غير واف بالمقصود لأن قصته كانت عام الحديبية السادس من الهجرة كما هو صريح لفظه وكثير من أحكام الحج شرعت في عام حجة الوداع السنة العاشرة ومنها تعيين المواقيت ولذلك ما كان أبو قتادة محرما عند ذا، مع إحرام رسول الله وإحرام أصحابه. قال ابن حجر في فتح الباري 4: 19: قيل كانت: هذه القصة قبل أن يوقت النبي المواقيت. وقال السندي في شرح سنن النسائي 5: 185 عند ذكر حديث أبي قتادة: قوله " عام الحديبية " بهذا تبين أن تركه الاحرام ومجاوزته الميقات بلا إحرام كان قبل أن تقرر المواقيت، فإن تقرير المواقيت كان سنة حج الوداع كما روي عن أحمد. ومنها أحكام الصيد النازلة في سورة المائدة التي هي آخر ما نزل من القرآن، و روي عن النبي صلى الله عليه وآله: إنه قرأها في حجة الوداع وقال: يا أيها الناس إن سورة المائدة آخر ما نزل فأحلوا حلالها وحرموا حرامها. وروي نحوه عن عائشة موقوفا وصححه الحاكم وأقره ابن كثير، وأخرجه أبو عبيد من طريق ضمرة بن حبيب، وعطية بن قيس مرفوعا (2) . فليس من البدع أن يكون غير واحد من مواضيع الحج لم يشرع لها حكم في عام الحديبية ثم شرع بعده ومنها هذه المسألة، وكان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حاضرا في عام الحديبية وقد شاهد قصة أبي قتادة كما شاهد ها غيره " على فرض صحتها " ومع ذلك أنكر على عثمان وكذلك الشهود الذين استنشدهم صلوات الله عليه فشهدوا له ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 3: 163، صحيح مسلم 1: 450، سنن النسائي 5: 185، سنن ابن ماجة 2: 363، سنن البيهقي 5: 188. (2) مستدرك الحاكم 2: 311، تفسير القرطبي 6: 31، تفسير الزمخشري 1: 403، تفسير ابن كثير 2: 2، تفسير الخازن 2: 448، تفسير الشوكاني 2: 1. - 14 - / صفحة 194 / لم يعزب عنهم ما وقع في ذلك العام، لكنهم شهدوا على التشريع الأخير الثابت. ولو كان لقصة أبي قتادة مقيل من الصحة أو وزن يقام لما ترك عثمان الاحتجاج به لكنه كان يعلم أن الشأن فيها كما ذكرناه، وإن العمل قبل التشريع لا حجية له، وأفحمه الإمام عليه السلام بحجته الداحضة، فتوارى عن الحجاج في فسطاطه وترك الطعام على أهل الماء. وأما حديث جابر فقد أخرجه غير واحد من أئمة الفقه والحديث ناصين على ضعفه من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيد البر لكم حلال وأنتم حرم إلا ما اصطدتم وصيد لكم (1) قال النسائي في سننه: أبو عبد الرحمن عمرو بن أبي عمرو ليس بالقوي في الحديث وإن كان قد روى عنه مالك. وقال ابن حزم في المحلى: أما خبر جابر فساقط لأنه عن عمرو بن أبي عمرو وهو ضعيف. وقال ابن التركماني في شرح سنن البيهقي عند قول الشافعي: إن ابن أبي يحيى أحفظ من الدراوردي (2) : قلت: الدراوردي احتج به الشيخان وبقية الجماعة، وقال ابن معين: ثقة حجة، ووثقه القطان وأبو حاتم وغيرهما، وأما ابن أبي يحيى فلم يخرج له في شئ من الكتب الخمسة، ونسبه إلى الكذب جماعة من الحفاظ كابن حنبل وابن معين وغيرهما، وقال بشر بن المفضل: سألت فقهاء المدينة عنه فكلهم يقولون: كذاب أو نحو هذا، وسئل مالك: أكان ثقة ؟ فقال: لا ولا في دينه، وقال ابن حنبل: كان قدريا معتزليا جهميا كل بلاء فيه، وقال البيهقي في التيمم والنكاح: مختلف في عدالته. ومع هذا كله كيف يرجح على الدراوردي ؟. قال: ثم لو رجع عليه هو ومن معه فالحديث في نفسه معلول عمرو بن أبي عمرو ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كتاب الأم 2: 176، سنن أبي داود 1: 291، سنن النسائي 5: 187، سنن البيهقي 5: 190، المحلى لابن حزم 7: 253. (2) الرجلان وردا في طريقي الشافعي للحديث.
/ صفحة 195 / مع اضطرابه في هذا الحديث متكلم فيه. قال ابن معين وأبو داود: ليس بالقوي زاد يحيى: وكان مالك يستضعفه. وقال السعدي: مضطرب الحديث. قال: والمطلب قال فيه ابن سعد: ليس يحتج بحديثه لأنه يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، وعامة أصحابه يدلسون، ثم الحديث مرسل، قال الترمذي: المطلب لا يعرف له سماع من جابر. فظهر بهذا أن الحديث فيه أربع علل: إحداها: الكلام في المطلب. ثانيها: إنه ولو كان ثقة فلا سماع له من جابر فالحديث مرسل. ثالثها: الكلام في عمرو. رابعها: إنه ولو كان ثقة فقد اختلف عليه فيه كما مر. ا هـ. ثم ذكر ما استشكل به الطحاوي في الحديث من وجهة النظر من قوله: إن الشئ لا يحرم على إنسان بنية غيره أن يصيد له. هذا مجمل القول في حديث أبي قتادة وجابر، فلا يصلحان للاعتماد ورفع اليد عن تلكم الصحاح المذكورة الثابتة، ولا يخصص بمثلهما عموم، ولا يتم بهما تقييد مطلقات الكتاب، والمعول عليه في المسألة هو كتاب الله العزيز والسنة الشريفة الثابتة، وما شذ عنهما من رأي أي بشر يضرب به عرض الجدار، فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. ـ 16 ـ أخرج أحمد والدورقي من طريق الحسن بن سعد عن أبيه إن يحيس (1) وصفية كانا من سبي الخمس فزنت صفية برجل من الخمس وولدت غلاما فادعى الزاني ويحيس فاختصما إلى عثمان فرفعهما عثمان إلى علي بن أبي طالب، فقال علي: أقضي فيهما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر وجلدهما خمسين خمسين (2) . قال الأميني هل علمت أنه لماذا رد الخليفة الحكم إلى أمير المؤمنين عليه السلام ؟ لقد رفعه إليه إن كنت لا تدري لأنه لم يكن عنده ما يفصل به الخصومة، ولعله كان ملأ سمعه قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة (3) ويعلم في الجملة أن هناك فرقا في كثير من الأحكام بين الأحرار والمملوكين، لكن عزب عنه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في مسند أحمد: يحنس. (2) مسند أحمد 1: 104، تفسير ابن كثير 1: 478، كنز العمال 3: 227. (3) سورة النور آية: 2.
/ صفحة 196 / إن مسألة الحد أيضا من تلكم الفروع، فكأنه لم يلتفت إلى قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان، فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب. الآية (1). أو أن الآية الكريمة كانت نصب عينيه لكن لم يسعه فهم حقيقتها لأن قيد ذاكرته إن حد المحصنات هو الرجم، غير إنه لم يتسن له تعرف أن الرجم لا يتبعض، فالذي يمكن تنصيفه من العذاب هو الجلد، فالآية الشريفة دالة بذلك على سقوط الرجم عن المحصنات من الإماء وإنما عليهن نصف الجلد الثابت عليها في السنة الشريفة (2) . وأخرج أحمد في مسنده 1: 136 من طريق أبي جميلة عن علي عليه السلام قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمة له سوداء زنت لأجلدها الحد قال: فوجدتها في دمائها فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك فقال لي: إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين. وذكره ابن كثير في تفسيره 1: 476 وفيه: إذا تعافت من نفاسها فاجلدها خمسين. و ذكره الشوكاني في نيل الأوطار 7: 292 باللفظ المذكور. وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وصححه وليس في لفظهم " خمسين ". هب أن الخليفة نسيها لبعد العهد لكنه هل نسي ما وقع بمطلع الأكمة منه على العهد العمري ؟ من جلده المحصنات من الإماء خمسين جلدة كما أخرجه الحافظ (3) أو أن الخليفة وقف على مغازي الآيات الكريمة، ولم تذهب عليه السنة النبوية، وكان على ذكر مما صدر على عهد عمر لكن أربكه حكم العبد لأنه رأى الآية الكريمة نصا في الإماء، وكذلك نصوص الأحاديث، ولم يهتد إلى اتحاد الملاك بين العبيد والإماء ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة النساء آية: 25. (2) صحيح البخاري 10: 48، صحيح مسلم 2: 37، سنن أبي داود 2: 239، سنن ابن ماجة 2: 119، سنن البيهقي 8: 342، موطأ مالك 2: 170، كتاب الأم للشافعي 6: 121، تفسير القرطبي 12: 159. (3) موطأ مالك 2: 170، سنن البيهقي 8: 242، تفسير ابن كثير 1: 6 47، كنز العمال 3: 86.
/ صفحة 197 / من المملوكية، وهو الذي أصفق عليه أئمة الحديث والتفسير كما في كتاب الأم للشافعي 6: 144، أحكام القرآن للجصاص 2: 206، سنن البيهقي 8: 243، تفسير القرطبي 5: 146، ج 12: 159، تفسير البيضاوي 1: 270، تيسير الوصول 2: 4، فيض الإله المالك للبقاعي 2: 311، فتح الباري 12: 137، فتح القدير 1: 416، تفسير الخازن 1: 360، وقال الشوكاني في نيل الأوطار 7: 292: لا قائل بالفرق بين الأمة والعبد كما حكى ذلك صاحب البحر. أو أن الخليفة حسب أن ولد الزانية لا بد وأن يكون للزاني، ولم يشعر بمقاربة زوجها إياها أو إمكان مقاربته منذ مدة يمكن أن ينعقد الحمل فيها، وبذلك يتحقق الفراش الذي يلحق الولد بصاحبه، كما حكم به مولانا أمير المؤمنين عليه السلام والأصل فيه قوله صلى الله عليه وآله: الولد للفراش وللعاهر الحجر. لقد أنصف الخليفة في رفع حكم هذه المسألة إلى من عنده علم الكتاب والسنة فإنه كان يعلم علم اليقين إن ذلك عند العترة الطاهرة لا البيت الأموي، وليته أنصف هذا الانصاف في كل ما يرد عليه من المسائل، وليته علم إن حاجة الأمة إنما هي إلى إمام لا يعدوه علم الكتاب والسنة فأنصفها، غير أن..... إذا لم تستطع شيئا فدعه * وجـاوزه إلى ما تستطيع - 17 - رأي الخليفة في عدة المختلعة (1) عن نافع أنه سمع ربيع بنت معوذ بن عفراء وهي تخبر عبد الله بن عمر إنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان فجاء معاذ بن عفراء إلى عثمان فقال: إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أتنتقل ؟ فقال له عثمان: تنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى حيضة، خشية أن يكون بها حبل. فقال عبد الله عند ذلك: عثمان خيرنا وأعلمنا. وفي لفظ آخر: قال عبد الله: أكبرنا وأعلمنا. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سنن البيهقي 7: 450، 451، سنن ابن ماجة 1: 634، تفسير ابن كثير 1: 276 نقلا عن ابن أبي شيبة، زاد المعاد لابن القيم 2: 403، كنز العمال 3: 223، نيل الأوطار 7: 35.
/ صفحة 198 / وفي لفظ عبد الرزاق عن نافع عن الربيع ابنة معوذ إنها قالت: كان لي زوج يقل الخير علي إذا حضر ويحزنني إذا غاب فكانت مني زلة يوما فقلت له: اختلعت منك بكل شئ أملكه. فقال: نعم. ففعلت فخاصم إبني معاذ بن عفراء إلى عثمان فأجاز الخلع وأمره أن يأخذ عقاص رأسي فما دونه، أو قالت: دون عقاص رأس. وفي لفظ عن نافع: إنه زوج ابنة أخيه رجلا فخلعها فرفع ذلك إلى عثمان فأجاذه فأمرها أن تعتد حيضة. وفي لفظ ابن ماجة من طريق عبادة الصامت: قالت: الربيع: اختلعت من زوجي ثم جئت عثمان فسألت ماذا علي من العدة ؟ فقال: لا عدة عليك إلا أن يكون حديث عهد بك فتمكثين عنده حتى تحيضين حيضة.. الخ. قال الأميني: المطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، نصا من الله العزيز الحكيم (1) من غير فرق بين أقسام الطلاق المنتزعة من شقاق الزوج والزوجة، فإن كان الكره من قبل الزوج فحسب فالطلاق رجعي. أو من قبل الزوجة فقط فهو خلعي. أو منهما معا فمباراة. فليس لكل من هذه الأقسام حكم خاص في العدة غير ما ثبت لجميعها بعموم الآية الكريمة المنتزع من الجمع المحلى باللام المطلقات وعلى هذا تطابقت فتاوى الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم وفي مقدمهم أئمة المذاهب الأربعة قال ابن كثير في تفسيره 1: 276: مسألة وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه في رواية عنهما وهي المشورة إلى أن المختلعة عدتها عدة المطلقة بثلاثة قروء إن كانت ممن تحيض، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر، وبه يقول سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعروة، وسالم، وأبو سلمة، وعمر بن عبد العزيز، وابن شهاب، والحسن، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وأبو عياض، وخلاس بن عمر، و قتادة، وسفيان الثوري، والأوزاعي، والليث بن سعد، وأبو عبيد، وقال الترمذي (2) : وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة وغيرهم، ومأخذهم في هذا أن الخلع طلاق فتعتد كسائر المطلقات. ا هـ. هذه آراء أئمة المسلمين عند القوم وليس فيها شئ يوافق ما ارتآه عثمان وهي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع سورة البقرة: 228. (2) قاله في صحيحه 1: 142.
/ صفحة 199 / مصافقة مع القرآن الكريم كما ذكرناه. وقد احتج لعثمان بما رواه الترمذي في صحيحه 1: 142 من طريق عكرمة عن ابن عباس: إن امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة وهذه الرواية باطلة إذ المحفوظ عند البخاري والنسائي من طريق ابن عباس في قصة امرأة ثابت ما لفظه: قال ابن عباس: جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ! إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الاسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته ؟ (وكانت صداقها) قالت: نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إقبل الحديقة وطلقها تطليقة. فامرأة ثابت نظرا إلى هذه اللفظة مطلقة تطليقة والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء. على أن الاضطراب الهائل في قصة امرأة ثابت يوهن الأخذ بما فيها، ففي لفظ: إنها جميلة بنت سلول. كما في سنن ابن ماجة. وفي لفظ أبي الزبير: إنها زينب. وفي لفظ: إنها بنت عبد الله. وفي لفظ لابن ماجة والنسائي: إنها مريم العالية. وفي موطأ مالك: إنها حبيبة بنت سهل. وذكر البصريون: إنها جميلة بنت أبي (1) وجل هذه الألفاظ كلفظ البخاري والنسائي يخلو عن ذكر العدة بحيضة، فلا يخصص حكم القرآن الكريم بمثل هذا. على إنه لو كان لها مقيل في مستوى الصدق والصحة لما أصفقت الأئمة على خلافها كما سمعت من كلمة ابن كثير. وقد يعاضد رأي الخليفة بما أخرجه الترمذي في صحيحه 1: 142 عن الربيع بنت معوذ (صاحبة عثمان) أنها اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة. قال الترمذي: حديث الربيع الصحيح إنها أمرت أن تعتد بحيضة. وبهذا اللفظ جاء في حديث سليمان بن يسار عن الربيع قالت: إنها اختلعت من زوجها فأمرت أن تعتد بحيضة. وقال البيهقي بعد رواية هذا الحديث: هذا أصح وليس فيه من أمرها ولا على ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع نيل الأوطار 7: 34 37.
/ صفحة 200 / عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد روينا في كتاب الخلع أنها اختلعت من زوجها زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه. ثم أخرج حديث نافع المذكور في صدر العنوان فقال: هذه الرواية تصرح بأن عثمان رضي الله عنه هو الذي أمرها بذلك، وظاهر الكتاب في عدة المطلقات يتناول المختلعة وغيرها، فهو أولى وبالله التوفيق. هـ(1). فليس للنبي صلى الله عليه وآله في قصة بنت معوذ حكم وما رفعت إليه صلى الله عليه وآله، وإنما وقعت في عصر عثمان وهو الحاكم فيها، وقد حرفتها عن موضعها يد الأمانة على ودايع العلم والدين لتبرير ساحة عثمان عن لوث الجهل، ولو كان لتعدد القصة وزن يقام عند الفقهاء وروايتها بمشهد منهم ومرأى لما عدلوا عنها على بكرة أبيهم إلى عموم الكتاب ولما تركوها متدهورة في هوة الإهمال. وعلى الباحث أن ينظر نظرة عميقة إلى قول ابن عمر وقد كان في المسألة أولا مصافقا في رأيه الكتاب ومن عمل به من الصحابة وعد في عدادهم، ثم لمحض أن بلغه رأي الخليفة المجرد عن الحجة عدل عن فتواه فقال: عثمان خيرنا وأعلمنا. أو قال: أكبرنا وأعلمنا. هكذا فليكن المجتهدون، وهكذا فلتصدر الفتاوى. - 18 - أخرج مالك من طريق سعيد بن المسيب إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تنتظر أربعة أشهر وعشرا، ثم تحل. وقضى بذلك عثمان بن عفان بعد عمر. وأخرج أبو عبيد بلفظ: إن عمر وعثمان رضي الله عنهما قالا: امرأة المفقود تربص أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا، ثم تنكح. وفي لفظ الشيباني: إن عمر رضي الله عنه أجل امرأة المفقود أربع سنين. وفي لفظ شعبة من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: قضى عمر رضي الله عنه في المفقود تربص امرأته أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها، ثم تربص بعد ذلك أربعة أشهر وعشرا ثم تزوج. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سنن البيهقي 7: 451.
/ صفحة 201 / ومن طريق ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه في امرأة المفقود قال: إن جاء زوجها وقد تزوجت خير بين امرأته وبين صداقها، فإن اختار الصداق كان على زوجها الآخر، وإن اختار امرأته اعتدت حتى تحل، ثم ترجع إلى زوجها الأول وكان لها من زوجها الآخر مهرها بما استحل من فرجها. قال ابن شهاب: وقضى بذلك عثمان بعد عمر رضي الله عنهما. وفي لفظ الشافعي: إذا تزوجت فقدم زوجها قبل أن يدخل بها زوجها الآخر كان أحق بها فإن دخل بها زوجها الآخر فالأول المفقود بالخيار بين امرأته والمهر (1) قال الأميني: من لي بمتفقه في المسألة ؟ يخبرني عن علة تريث المفقود عنها زوجها أربع سنين، أهو مأخوذ من كتاب الله ؟ فأين هو ؟ أم أخذ من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله فمن ذا الذي رواها ونقلها ؟ والصحاح والمسانيد للقوم خالية عنها، نعم ربما يتشبث للتقدير بأنها نهاية مدة الحمل قال البقاعي في فيض الإله المالك 2: 263: وسبب التقدير بأربع سنين إنها نهاية مدة الحمل وقد أخبر بوقوعه لنفسه الإمام الشافعي وكذا الإمام مالك وحكي عنه أيضا أنه قال: جارتنا امرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، تحمل كل بطن أربع سنين، وورد هذا عن غير تلك المرأة أيضا. ا هـ. وهذا التعليل حكاه ابن رشد في مقدمات المدونة الكبرى 2: 101 عن أبي بكر الأبهري ثم عقبه بقوله: وهو تعليل ضعيف لأن العلة لو كانت في ذلك هذا لوجب أن يستوي فيه الحر والعبد (2) لاستوائهما في مدة لحوق النسب. ولوجب أن يسقط جملة في الصغيرة التي لا يوطأ مثلها إذا فقد عنها زوجها فقام عنها أبوها في ذلك فقد قال: إنها لو أقامت عشرين سنة ثم رفعت أمرها لضرب لها أجل أربعة أعوام وهذا يبطل تعليله إبطالا ظاهرا. ا هـ. وليت هذا المتشبث أدلى في حجته بذكر أناس تريثوا في الأرحام النزيهة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) موطأ مالك 2: 28، كتاب الأم للشافعي 7: 219، سنن البيهقي 7: 445، 446 (2) التفصيل بين الحر والعبد بأن امرأة الحر يضرب لها الأجل أربعة أعوام ولامرأة العبد تربص عامين كما نص عليه ابن رشد رأي مجرد لا دليل عليه.
/ صفحة 202 / عن الخنا أربعا قبل فتيا الخليفتين وإلا فما غناء قصة وقعت بعدهما بردح طويل من الزمن ولا يدرى أصحيحة هي أم مكذوبة ؟ وعلى فرض الصحة فهل كان الخليفتان يعلمان الغيب ؟ وإنه سينتج المستقبل الكشاف رجلا يكون حجة لما قدراه من مدة التربص ؟ أو كان ما قدراه فتوى مجردة ؟ فنحتت لها الأيام علة بعد الوقوع. على أن أقصى مدة الحمل محل خلاف بين الفقهاء، ذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري إلى أنه عامان، ومذهب الشافعي أنه أربعة أعوام، وأختار ابن القاسم أن أكثره خمسة أعوام (1) وروى أشهب عن مالك سبعة أعوام على ما روى: إن امرأة ابن عجلان ولدت ولدا مرة لسبعة أعوام (2) ولعل أبناء عجلان آخرين في أرجاء العالم لا يرفع أمر حلائلهم إلى مالك والشافعي وقد ولدن أولادا لثمانية أو تسعة أو عشرة أعوام، دع العقل والطبيعة والبرهنة تستحيل ذلك كله، ما هي وما قيمتها تجاه ما جاءت به امرأة عجلان وحكم به مالك ؟ أو وجاه ما أتت به أم الإمام الشافعي فأفتى به. نقل ابن رشد في سبب التقدير بأربعة أعوام عللا غير هذا وإن رد ها وفندها، منها إنها المدة التي تبلغها المكاتبة في بلد الاسلام مسيرا ورجوعا، ومنها: إنه جهل إلى أي جهة سار من الأربع جهات، فلكل جهة تربص سنة فهي أربع سنين. هذا مبلغ علمهم بفلسفة آراء جاء بها عمر وعثمان فأين يقع هو من حكم ما صدع به النبي الأقدس ؟. ثم يخبرني هذا المتفقه عن هذه العدة التي أثبتها الخليفتان لماذا هي ؟ فإن كانت عدة الوفاة ؟ فإنها غير جازمة بها، ولا تثبت بمجرد مرور أربع سنين أو أكثر وفي رواية عن عمر كما سمعت إنه قضى في المفقود تربص امرأته أربع سنين ثم يطلقها ولي روجها ثم تربص بعد ذلك أربعة أشهر وعشرا ثم تزوج (3) . فعلى هذا إنها عدة الطلاق فيجب أن تكون ثلاثة قروء، فما هذا أربعة أشهر وعشرا ؟ وعلى فرض ثبوت هذه العدة ولو بعد الطلاق من باب الأخذ بالحائطة فما علاقة الزوج بها ؟ حتى إنه إذا جاء ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في الفقه على المذاهب الأربعة 4: 535: إنه خمس سنين على الراجح. (2) راجع مقدمات المدونة الكبرى للقاضي ابن رشد 2: 102. (3) سنن البيهقي 7: 445.
/ صفحة 203 / بعد النكاح خير بين امرأته وبين صداقها، وقد قطع الشرع أي صلة بينهما ورخص في تزويجها، فنكحت على الوجه المشروع، قال ابن رشد (1) : ألا ترى إنها لو ماتت بعد العدة لم يوقف له ميراث منها، وإن كان لو أتى في هذه الحالة كان أحق بها، ولو بلغ هو من الأجل ما لا يجئ إلى مثله من السنين وهي حية لم تورث منه، وإنما يكون لها الرضا بالمقام على العصمة ما لم ينقض الأجل المفروض، وأما إذا انقضى واعتدت فليس ذلك لها وكذلك إن مضت بعد العدة. ثم ما وجه أخذ الصداق من الزوج الثاني عند اختيار الأول الصداق ولم يأت بمأثم وإنما تزوج بامرأة أباحها له الشريعة. وأعجب من كل هذه أن هذه الروايات بمشهد من الفقهاء كلهم ولم يفت بمقتضاها أئمة المذاهب في باب الخيار، قال مالك في الموطأ 2: 28: إن تزوجت بعد انقضاء عدتها فدخل بها زوجها أو لم يدخل بها فلا سبيل لزوجها الأول إليها. و قال: وذلك الأمر عندنا، وإن أدركها زوجها قبل أن تتزوج فهو أحق بها. وقال الشافعي وأبو حنيفة والثوري: لا تحل امرأة المفقود حتى يصح موته. قاله القاضي ابن رشد في بداية المجتهد 2: 52 فقال: وقولهم مروي عن علي وابن مسعود. وقال الحنفية: يشترط لوجوب النفقة على الزوج شروط: أحدها أن يكون العقد صحيحا فلو عقد عليها عقدا فاسدا أو باطلا وأنفق عليها ثم ظهر فساد العقد أو بطلانه فإن له الحق في الرجوع عليها بما أنفقه. ومن ذلك ما إذا غاب عنها زوجها فتزوجت بزوج آخر ودخل بها ثم حضر زوجها الغائب فإن نكاحها الثاني يكون فاسدا، ويفرق القاضي بينهما، وتجب عليها العدة بالوطئ الفاسد، ولا نفقة لها على الزوج الأول ولا على الزوج الثاني (2) . قال الشافعي في كتاب " الأم " 5: 221: لم أعلم مخالفا في أن الرجل أو المرأة لو غابا أو أحدهما برا أو بحرا علم مغيبهما أو لم يعلم فماتا أو أحدهما فلم يسمع لهما بخبر ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مقدمات المدونة الكبرى 2: 104. (2) الفقه على المذاهب الأربعة 3: 565.
/ صفحة 204 / أو أسرهما العدو فصيروهما إلى حيث لا خبر عنهما لم نورث وحدا منهما من صاحبه إلا بيقين وفاته قبل صاحبه، فكذلك عندي امرأة الغائب أي غيبة كانت مما وصفت أو لم أصف بأسار عدو أو بخروج الزوج ثم خفي مسلكه أو بهيام من ذهاب عقل أو خروج فلم يسمع له ذكر أو بمركب في بحر فلم يأتي له خبر أو جاء خبر أن غرق كان يرون إنه قد كان فيه ولا يستيقنون إنه فيه، لا تعتد امرأته ولا تنكح أبدا حتى يأتيها بيقين وفاته، ثم تعتد من يوم استيقنت وفاته وترثه، ولا تعتد امرأة من وفاة ومثلها يرث إلا ورثت زوجها الذي اعتدت من وفاته، ولو طلقها وهو خفي الغيبة بعد أي هذه الأحوال كانت، أو آلى منها، أو تظاهر، أو قذفها، لزم ما يلزم الزوج الحاضر في ذلك كله، وإذا كان هذا هكذا لم يجز أن تكون امرأة رجل يقع عليها ما يقع على الزوجة تعتد لا من طلاق ولا وفاة، كما لو ظننت أنه طلقها أو مات عنها لم تعتد من طلاق إلا بيقين، وهكذا لو تربصت سنين كثيرة بأمر حاكم واعتدت وتزوجت فطلقها الزوج الأول المفقود لزمها الطلاق، وكذا إن آلى منها، أو تظاهر، أو قذفها، لزمه ما يلزم الزوج، وهكذا لو تربصت بأمر حاكم أربع سنين ثم اعتدت فأكملت أربعة أشهر و عشرا ونكحت ودخل بها أو نكحت ولم يدخل بها أو لم تنكح وطلقها الزوج الأول المفقود في هذه الحالات لزمها الطلاق لأنه زوج، وهكذا لو تظاهر منها أو قذفها أو آلى منها لزمه ما يلزم المولى غير إنه ممنوع من فرجها بشبهة بنكاح غيره فلا يقال له فئ حتى تعتد من الآخر إذا كانت دخلت عليه، فإذا أكملت عدتها أجل من يوم تكمل عدتها أربعة أشهر، وذلك حين حل له فرجها وإن أصابها فقد خرج من طلاق الايلاء وكفر وإن لم يصبها قيل له: أصبها أو طلق. قال: وينفق عليها من مال زوجها المفقود من حين يفقد حتى يعلم يقين موته، وإن أجلها حاكم أربع سنين أنفق عليها فيها وكذلك في الأربعة الأشهر والعشر من مال زوجها، فإذا نكحت لم ينفق عليها من مال الزوج المفقود لأنها مانعة له نفسها، وكذلك لا ينفق عليها وهي في عدة منه لو طلقها أو مات عنها ولو بعد ذلك، ولم أمنعها النفقة من قبل إنها زوجة الآخر، ولا إن عليها منه عدة، ولا إن بينهما ميراثا، ولا إنه يلزمها طلاقه، ولا شئ من الأحكام بين الزوجين إلا لحوق الولد به إن أصابها وإنما / صفحة 205 / منعتها النفقة من الأول لأنها مخرجة نفسها من يديه ومن الوقوف عليه، كما تقف المرأة على زوجها الغائب بشبهة، فمنعتها نفقتها في الحال التي كانت فيها مانعة له نفسها بالنكاح والعدة، وهي لو كانت في المصر مع زوج فمنعته نفسها منعتها نفقتها بعصيانها، ومنعتها نفقتها بعد عدتها من زوجها الآخر بتركها حقها من الأول وإباحتها نفسها لغيره، على معنى إنها خارجة من الأول، ولو أنفق عليها في غيبته ثم ثبتت البينة على موته في وقت ردت كل ما أخذت من النفقة من حين مات فكان لها الميراث. ولو حكم لها حاكم بأن تزوج فتزوجت فسخ نكاحها وإن لم يدخل بها فلا مهر لها، وإن دخل بها فأصابها فلها مهر مثلها لا ما سمي لها وفسخ النكاح وإن لم يفسخ حتى مات أو ماتت فلا ميراث لها منه ولا له منها. قال: ومتى طلقها الأول وقع عليها طلاقه، ولو طلقها زوجها الأول أو مات عنها وهي عند الزوج الآخر كانت عند غير زوج فكانت عليها عدة الوفاة والطلاق ولها الميراث في الوفاة والسكنى في العدة في الطلاق وفيمن رآه لها بالوفاة، ولو مات الزوج الآخر لم ترثه وكذلك لا يرثها لو ماتت.. الخ. فأنت بعد هذه كلها جد عليم بأنه لو كان على ما أفتى به الخليفتان مسحة من أصول الحكم والفتيا لما عدل عنه هؤلاء الأئمة، ولما خالفهما قبلهم مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ولما قال عليه السلام في امرأة المفقود إذا قدم وقد تزوجت امرأته: هي امرأته إن شاء طلق وإن شاء أمسك ولا تخير. ولما قال عليه السلام: إذا فقدت المرأة زوجها لم تتزوج حتى تعلم أمره. ولما قال عليه السلام: إنها لا تتزوج. ولما قال عليه السلام: ليس الذي قال عمر رضي الله عنه بشئ، هي امرأة الغائب حتى يأتيها يقين موته أو طلاقها، ولها الصداق من هذا بما استحل من فرجها ونكاحه باطل ولما قال عليه السلام: هي امرأة الأول دخل بها الآخر أو لم يدخل بها. ولما قال عليه السلام: امرأة ابتليت فلتصبر لا تنكح حتى يأتيها يقين موته(1). قال ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كتاب الأم للشافعي 5: 223، البيهقي 7: 4 44، 446، مقدمات المدونة الكبرى 2: 103.
/ صفحة 206 / الشافعي بعد ذكر الحديث: وبهذا نقول. وأمير المؤمنين كما تعلم أفقه الصحابة على الإطلاق، وأعلم الأمة بأسرها، وباب مدينة العلم النبوي، ووارث علم النبي الأقدس على ما جاء عنه صلى الله عليه وآله، فليتهما رجعا إليه صلوات الله عليه في حكم المسألة ولم يستبدا بالرأي المجرد كما استعلماه في كثير مما أربكهما من المشكلات، وأنى لهما باقتحام المعضلات وهما هما ؟ وأي رأي هذا ضربت عنه الأمة صفحا ؟ وكم له من نظير ؟ وكيف أوصى النبي الأعظم باتباع أناس هذه مقاييس آرائهم في دين الله، وهذا مبلغهم من العلم، بقوله فيهم: عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها ؟ (1) خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق (سورة ص: 22) . - 19 - أخرج البيهقي في السنن الكبرى،: 417 بالإسناد عن أبي عبيد قال: أرسل عثمان رضي الله عنه إلى أبي يسأل عن رجل طلق امرأته ثم راجعها حين دخلت في الحيضة الثالثة. قال أبي: إني أرى إنه أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، وتحل لها الصلاة. قال: لا أعلم عثمان رضي الله عنه إلا أخذ بذلك. قال الأميني: صريح الرواية إن الخليفة كان جاهلا بهذا الحكم حتى تعلمه من أبي ؟ وأخذ بفتياه، ولا شك إن الذي علمه هو خير منه، فهلا ترك المقام له أو لمن هو فوقه ؟ وفوق كل ذي علم عليم، ولو ترك الأمر لمن لا يسأل غيره في أي من مسائل الشريعة لدخل مدينة العلم من بابها. وحسبك في مبلغ علم الخليفة قول العيني في عمدة القاري 2: 733: إن عمر كان أعلم وأفقه من عثمان. وقد أوقفناك على علم عمر في الجزء السادس وذكرنا نوادر الأثر في علمه، فانظر ماذا ترى ؟. - 20 - أخرج الإمامان: الشافعي ومالك وغيرهما بالإسناد عن فريعة بنت مالك بن سنان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أسلفنا الحديث في الجزء السادس ص 330 ط 2 وبينا المعنى الصحيح المراد منه.
/ صفحة 207 / أخبرت: إنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة وإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له قال: فكيف قلت: فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به. قال الشافعي في (الرسالة) : وعثمان في إمامته وفضله وعلمه يقضي بخبر امرأة بين المهاجرين والأنصار. قال في اختلاف الحديث: أخبرت الفريعة بنت مالك عثمان بن عفان إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تمكث بيتها وهي متوفى عنها حتى يبلغ الكتاب أجله فأتبعه وقضى به. قال ابن القيم في زاد المعاد: حديث صحيح مشهور في الحجاز والعراق وأدخله مالك في موطأه، واحتج به وبنى عليه مذهبه، ثم ذكر تضعيف ابن حزم إياه وفنده وقال: ما قاله أبو محمد فغير صحيح. وذكر قول ابن عبد البر في شهرته، وإنه معروف عند علماء الحجاز والعراق. راجع الرسالة للشافعي ص 116، كتاب الأم له 5: 208، اختلاف الحديث له: هامش كتابه الأم 7: 22، موطأ مالك 2: 36، سنن أبي داود 1: 362، سنن البيهقي 7: 434، أحكام القرآن للجصاص 1: 496، زاد المعاد 2: 404، الإصابة 4: 386، نيل الأوطار 7: 100 فقال: رواه الخمسة وصححه الترمذي ولم يذكر النسائي و ابن ماجة إرسال عثمان. قال الأميني: هذه كسابقتها تكشف عن قصور علم الخليفة عما توصلت إليه المرأة المذكورة، وهاهنا نعيد ما قلناه هنالك، فارجع البصر كرتين، وأعجب من خليفة يأخذ معالم دينه من نساء أمته وهو المرجع الوحيد للأمة جمعا، يومئذ في كل ما جاء به الاسلام المقدس كتابا وسنة، وبه سد فراغ النبي الأعظم، وعليه يعول في مشكلات الأحكام وعويصات المسائل فضلا عن مثل هذه المسألة البسيطة.
/ صفحة 208 / ثم اعجب من ابن عمر أنه يرى من هذا مبلغ علمه أعلم الصحابة في يومه، ما عشت أراك الدهر عجبا. - 21 - رأي الخليفة في الاحرام قبل الميقات أخرج البيهقي في السنن الكبرى 5: 31 بالإسناد عن داود بن أبي هند إن عبد الله (1) بن عامر بن كريز حين فتح خراسان قال: لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي محرما فأحرم من نيسابور فلما قدم على عثمان لامه على ما صنع قال: ليتك تضبط من الوقت الذي يحرم منه الناس. لفظ آخر من طريق محمد بن إسحاق قال: خرج عبد الله بن عامر من نيسابور معتمرا قد أحرم منها، وخلف على خراسان الأحنف بن قيس، فلما قضى عمرته أتى عثمان ابن عفان رضي الله عنه وذلك في السنة التي قتل فيها عثمان رضي الله عنه فقال له عثمان رضي الله عنه: لقد غررت بعمرتك حين أحرمت من نيسابور. وقال ابن حزم في المحلى 7: 7 7: روينا من طريق عبد الرزاق نا ؟ معمر عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قال: أحرم عبد الله بن عامر من حيرب (2) فقدم عثمان بن عفان فلامه فقال له: غررت وهان عليك نسكك. وفي لفظ ابن حجر: غررت بنفسك. فقال ابن حزم: قال أبو محمد (يعني نفسه) : وعثمان لا يعيب عملا صالحا عنده ولا مباحا وإنما يعيب ما لا يجوز عنده لا سيما وقد بين إنه هوان بالنسك والهوان بالنسك لا يحل وقد أمر الله تعالى بتعظيم شعائر الحج. وذكره ابن حجر في الإصابة 3: 61 وقال: أحرم ابن عامر من نيسابور شكرا لله تعالى وقدم على عثمان فلامه على تغريره بالنسك. فقال: كره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان، ثم ذكر الحديث من طريق سعيد بن منصور وأبي بكر ابن أبي شيبة وفيه: أن ابن عامر أحرم من خراسان. فذكره من طريق محمد بن سيرين والبيهقي فقال: قال البيهقي: هو عن عثمان مشهور (3) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هو ابن خال عثمان بن عفان. كما في الإصابة راجع ج 3: 61. (2) وفي نسخة: جيرب. ولم أجدهما في المعاجم. (3) توجد كلمة البيهقي هذه في سننه الكبرى 5: 31.
/ صفحة 209 / وذكر هذه كلها في تهذيب التهذيب 5: 273 غير كلمة البيهقي في شهرة الحديث وفي تيسير الوصول 1: 265: عن عثمان رضي الله عنه: إنه كره أن يحرم الرجل من خراسان وكرمان. أخرجه البخاري في ترجمته. قال الأميني: إن الذي ثبت في الاحرام بالحج أو العمرة إن هذه المواقيت حد للأقل من مدى الاحرام بمعنى إنه لا يعدوها الحاج وهو غير محرم، وأما الاحرام قبلها من أي البلاد شئ أو من دويرة أهل المحرم، فإن عقده باتخاذ ذلك المحل ميقاتا فلا شك إنه بدعة محرمة كتأخيره عن المواقيت، وأما إذا جئ به للاستزادة من العبادة عملا بإطلاقات الخير والبر، أو شكرا على نعمة، أو لنذر عقده المحرم فهو كالصلاة والصوم وبقية القرب للشكر أو بالنذر أو لمطلق البر، تشمله كل من أدلة هذه العناوين ولم يرد عنه نهي من الشارع الأقدس، وإنما المأثور عنه وعن أصحابه ما يلي: 1 - أخرج أئمة الحديث بإسناد صحيح من طريق الأخنسي عن أم حكيم عن أم سلمة مرفوعا: من أهل من المسجد الأقصى لعمرة أو بحجة غفر الله ما تقدم من ذنبه. قال الأخنسي: فركبت أم حكيم عند ذلك الحديث إلى بيت المقدس حتى أهلت منه بعمرة. وفي لفظ أبي داود والبيهقي والبغوي: من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. أو: وجبت له الجنة. وفي لفظ: ووجبت له الجنة. وفي لفظ ابن ماجة: من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له. وفي لفظ له أيضا: من أهل بعمرة من بيت المقدس كانت له كفارة لما قبلها من الذنوب. قالت: فخرجت أمي من بيت المقدس بعمرة. وقال أبو داود بعد الحديث: يرحم الله وكيعا أحرم من بيت المقدس يعني إلى مكة. راجع مسند أحمد 6: 299، سنن أبي داود 1: 275، سنن ابن ماجة 2: 235 سنن البيهقي 5: 30، مصابيح السنة للبغوي 1: 170، والترغيب والترهيب للمنذري 2: 61 ذكره بالألفاظ المذكورة وصححه من طريق ابن ماجة وقال: ورواه ابن حبان في صحيحه. / صفحة 210 / 2 - أخرج ابن عدي والبيهقي من طريق أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله (1) ": إن من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك. سنن البيهقي 5: 30، الدر المنثور 1: 208، نيل الأوطار 5: 26 قال: ثبت ذلك مرفوعا من حديث أبي هريرة. 3 - أخرج الحفاظ من طريق علي أمير المؤمنين أنه قال في قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله: إتمامها أن تحرم بهما من دويرة أهلك. أخرجه وكيع، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس في ناسخه ص 34، وابن جرير في تفسيره 2: 120، والحاكم في المستدرك 2: 276، وصححه وأقره الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى 6: 30، والجصاص في أحكام القرآن 1: 337، 354، تفسير ابن جزي 1: 74، تفسير الرازي 2: 162 تفسير القرطبي 2: 343، تفسير ابن كثير 1: 230، الدر المنثور 1: 208، نيل الأوطار 5: 26. 4 - قال الجصاص في أحكام القرآن 1: 310: روي عن علي وعمر وسعيد بن جبير وطاوس قالوا: إتمامها أن تحرم بهما من دويرة أهلك. وقال في ص 337: أما الاحرام بالعمرة قبل الميقات فلا خلاف بين الفقهاء فيه. وروي عن الأسود بن يزيد قال: خرجنا عمارا، فلما انصرفنا مررنا بأبي ذر فقال: أحلقتم الشعث وقضيتم التفث ؟ أما إن العمرة من مدركم. وإنما أراد أبو ذر: أن الأفضل إنشاء العمرة من أهلك، كما روي عن علي: تمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك. وقال الرازي في تفسيره 2: 162: روي عن علي وابن مسعود: إن إتمامهما أن يحرم من دويرة أهله. وقال في ص 172: اشتهر عن أكابر الصحابة إنهم قالوا: من إتمام الحج أن يحرم المرء من دويرة أهله. وقال القرطبي في تفسيره 2: 343 بعد ذكره حديث علي عليه السلام: وروي ذلك عن عمر وسعد بن أبي وقاص وفعله عمران بن حصين. ثم قال: أما ما روي عن علي وما فعله عمران بن حصين في الاحرام قبل المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال به عبد الله ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة البقرة: 195.
/ صفحة 211 / ابن مسعود وجماعة من السلف، وثبت أن عمر أهل من إيلياء (1) وكان الأسود وعلقمة وعبد الرحمن وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم، ورخص فيه الشافعي. ثم ذكر حديث أم سلمة المذكورة. وقال ابن كثير في تفسيره 1: 230 بعد حديث علي عليه السلام: وكذا قال ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وسفيان الثوري. 5 - أخرج البيهقي في السنن الكبرى 5: 30 من طريق نافع عن ابن عمر: إنه أحرم من إيلياء عام حكم الحكمين. وأخرج مالك في الموطأ 1: 242: إن ابن عمر أهل بحجة من إيلياء. وذكره ابن الديبع في تيسير الوصول 1: 264، وسيوافيك عن ابن المنذر في كلام أبي زرعة: إنه ثابت. قال الشافعي في كتاب " الأم " 2: 118: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن ديناد عن طاوس قال: " ولم يسم عمرو القائل إلا إنا نراه ابن عباس " الرجل يهل من أهله ومن بعد ما يجاوز أين شاء ولا يجاوز الميقات إلا محرما. إلى أن قال: قلت: إنه لا يضيق عليه أن يبتدئ الاحرام قبل الميقات كمالا يضيق عليه لو أحرم من أهله، فلم يأت الميقات إلا وقد تقدم بإحرامه لأنه قد أتى بما أمر به من أن يكون محرما من الميقات. ا هـ. قال ملك العلماء في بدايع الصنايع 2: 164: كلما قدم الاحرام على المواقيت هو أفضل وروي عن أبي حنيفة: إن ذلك أفضل إذا كان يملك نفسه أن يمنعها ما يمنع منه الاحرام، وقال الشافعي: الاحرام من الميقات أفضل بناء على أصله أن الاحرام ركن فيكون من أفعال الحج، ولو كان كما زعم لما جاز تقديمه على الميقات لأن أفعال الحج لا يجوز تقديمها على أوقاتها (2) وتقديم الاحرام على الميقات جايز بالاجماع إذا كان في أشهر الحج، والخلاف في الأفضلية دون الجواز، ولنا قوله تعالى: وأتموا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إيلياء بالمد وتقصر: اسم مدينة بيت المقدس. (2) لا صلة بين ركنية الاحرام وكونه من افعال الحج وبين عدم جواز تقديمه على المواقيت كما زعمه ملك العلماء، بل هو ركن يجوز تقديمه عليها لما مر من الأدلة.
/ صفحة 212 / الحج والعمرة لله، وروي عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما إنهما قالا: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك. وروي عن أم سلمة.. الخ. وقال القرطبي في تفسيره 2: 345: أجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل أن يأتي الميقات أنه محرم، وإنما منع من ذلك من رأى الاحرام عند الميقات أفضل كراهية أن يضيق المرأ على نفسه ما وسع الله عليه، وأن يتعرض بما لا يؤمن أن يحدث في إحرامه، وكلهم ألزمه الاحرام إذا فعل ذلك، لأنه زاد ولم ينقص. وقال الحافظ أبو زرعة في طرح التثريب 5: 5 قد بينا إن معنى التوقيت بهذه المواقيت منع مجاوزتها بلا إحرام إذا كان مريدا للنسك، أما الاحرام قبل الوصول إليها فلا مانع منه عند الجمهور، ونقل غير واحد الإجماع عليه، بل ذهب طائفة من العلماء إلى ترجيح الاحرام من دويرة أهله على التأخير إلى الميقات وهو أحد قولي الشافعي، ورجحه من أصحابه القاضي أبو الطيب والروياني والغزالي والرافعي وهو مذهب أبي حنيفة، وروي عن عمر وعلي إنهما قالا في قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله: إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، وقال ابن المنذر: ثبت إن ابن عمر أهل من إيلياء يعني بيت المقدس، وكان الأسود وعلقمة وعبد الرحمن وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم. إنتهى. لكن الأصح عند النووي من قولي الشافعي: إن الاحرام من الميقات أفضل، ونقل تصحيحه عن الأكثرين والمحققين، وبه قال أحمد وإسحاق، وحكى ابن المنذر فعله عن عوام أهل العلم بل زاد مالك عن ذلك فكره تقدم الاحرام على الميقات، وقال ابن المنذر: وروينا عن عمر إنه أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة، وكره الحسن البصري وعطاء بن أبي رباح ومالك الاحرام من المكان البعيد. إنتهى. وعن أبي حنيفة رواية أنه إن كان يملك نفسه عن الوقوع في محظور فالاحرام من دويرة أهله أفضل، وإلا فمن الميقات، وبه قال بعض الشافعية. وشذ ابن حزم الظاهري فقال: إن أحرم قبل هذه المواقيت وهو يمر عليها فلا إحرام له أن ينوي إذا صار الميقات تجديد إحرام، وحكاه عن داود وأصحابه وهو قول مردود بالاجماع قبله على خلافه قاله النووي، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل أن يأتي الميقات فهو محرم، وكذا نقل الإجماع في ذلك الخطابي وغيره. ا هـ.
/ صفحة 213 / وذكر الشوكاني في نيل الأوطار 5: 26 جواز تقديم الاحرام على الميقات مستدلا عليه بما مر في قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله. ثم قال: وأما قول صاحب المنار: إنه لو كان أفضل لما تركه جميع الصحابة. فكلام على غير قانون الاستدلال، وقد حكى في التلخيص إنه فسره ابن عيينة فيما حكاه عنه أحمد بأن ينشئ لهما سفرا من أهله. لكن لا يناسب لفظ الاهلال الواقع في حديث الباب ولفظ الاحرام الواقع في حديث أبي هريرة. ا هـ. والامعان في هذه المأثورات من الأحاديث والكلم يعطي حصول الإجماع على جواز تقديم الاحرام على الميقات، وإن الخلاف في الأفضل من التقديم والاحرام من الميقات، لكن الخليفة لم يعطي النظر حقه، ولم يوف للاجتهاد نصيبه، أو أنه عزبت عنه السنة المأثورة، فطفق يلوم عبد الله بن عامر، أو أنه أحب أن يكون له في المسألة رأي خاص، وقد قال شمس الدين أبو عبد الله الذهبي: العـــــلم قـــــال الله قــال رسوله * إن صــــح والاجماع فاجهد فيه وحذار من نصب الخلاف جهالة * بيـــــن الـرسول وبين رأي فقيه وهلم معي واعطف النظرة فيما ذكرناه عن ابن حزم من أن عثمان لا يعيب عملا صالحا.. الخ. فإنه غير مدعوم بالحجة غير حسن الظن بعثمان، وهذا يجري في أعمال المسلمين كافة ما لم يزع عنه وازع، وسيرة الرجل تأبي عن الظن الحسن به، وأما مسألتنا هذه فقد عرفنا فيها السنة الثابتة وإن نهي عثمان مخالف لها، وليس من الهين الفت في عضد السنة لتعظيم إنسان وتبرير عمله، فإن المتبع في كافة القرب ما ثبت من الشرع، ومن خالفه عيب عليه كائنا من كان. وأما تشبثه بالهوان بالنسك فتافه جدا، وأي هوان بها في التأهب لها قبل ميقاتها بقربة مطلقة إن لم يكن تعظيما لشعائر الله، وإنما الهوان المحرم بالنسك إدخال الآراء فيها على الميول والشهوات، ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال و هذا حرام لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون. " النمل 116 ". |