عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
هاهنا ننهي البحث عن المغالاة في مناقب الخلفاء، ويهمنا عندئذ أن نوقف القارئ على شرذمة قليلة من الكثير الوافي مما نسجته يد الغلو من قصص الخرافة، وما لفقته الأهواء والشهوات من فضائل أناس من القوم منذ عهد الصحابة وهلم جرا، ونلمسك باليد الغلو الفاحش :
- 1 - أخرج البيهقي بإسناده عن سعيد بن المسيب : إن زيد بن خارجة الأنصاري توفي زمن عثمان بن عفان فسجي بثوبه، ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره ثم تكلم ثم قال : أحمد أحمد في الكتاب الأول، صدق صدق أبو بكر الصديق، الضعيف في نفسه، القوي في أمر الله في الكتاب الأول، صدق صدق عمر بن الخطاب القوي الأمين في الكتاب الأول، صدق صدق عثمان بن عفان على منهاجهم مضت أربع وبقيت ثنتان أتت بالفتن وأكل الشديد الضعيف، وقامت الساعة، وسيأتيكم عن جيشكم خبر بئر أريس، وما بئر أريس ؟ . وفي لفظ آخر من طريق النعمان بن بشير قال : الأوسط أجلد الثلاثة الذي كان لا يبالي في الله لومة لائم، كان يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، عبد الله أمير المؤمنين صدق صدق كان ذلك في الكتاب الأول . ثم قال : عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس من ذنوب كثيرة، خلت اثنتان وبقي أربع، ثم اختلف الناس وأكل بعضهم بعضا، فلا نظام وانتجت الأكما، ثم ارعوى المؤمنين وقال : كتاب الله وقدره، أيها الناس : أقبلوا على أميركم واسمعوا وأطيعوا، فمن تولى فلا يعهدن دما وكان أمر الله قدرا مقدورا، الله أكبر هذه الجنة وهذه النار، ويقول النبيون والصديقون : سلام عليكم، يا عبد الله ابن رواحة ! هل أحسست لي خارجة لأبيه وسعدا اللذين قتلا يوم أحد ؟ كلا إنها / صفحة 104 / لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى . ثم خفت صوته . فسألت الرهط عما سبقني من كلامه فقالوا : سمعناه يقول : أنصتوا أنصتوا . هذا أحمد رسول الله، سلام عليك يا رسول الله ! ورحمة الله وبركاته . أبو بكر الصديق الأمين، خليفة رسول الله كان ضعيفا في جسمه قويا في أمر الله صدق صدق، وكان في الكتاب الأول إلخ وفي لفظ القاضي في الشفا : قال : انصتوا انصتوا . محمد رسول الله النبي الأمي و خاتم النبيين كان ذلك في الكتاب الأول .. الخ . راجع الاستيعاب 1 : 192، تاريخ ابن كثير 6 : 156، الشفا للقاضي عياض، الروض الأنف 2 : 370، الإصابة 1 : 565، ج 2، 24، تهذيب التهذيب 3 : 410، الخصائص الكبرى 2 : 85، شرح الشفا للخفاجي 3 : 108 فقال : هذا مما روته الطبراني وأبو نعيم وابن مندة و رواه ابن أبي الدنيا عن أنس . وحكاه ص 105 عن ابن عبد البر وابن سيد الناس وابن الأثير والذهبي وابن الجوزي وابن أبي الدنيا . قال الأميني : نعمت الدعاية إلى مبادئ اعتنقها القوم ولم يقتنعوا بابتداعها حتى دعموها بأمثال هذه، وللمنقب أن يسهب في القول هاهنا لكنا نحيله إلى روية القارئ ولنا أن نسائل صاحب هذا المهزأة : هل القيامة قد قامت يوم مات فيه ابن خارجة فكلم الله فيه الموتى ؟ أو كان ذلك جوابا عن مسائلة البرزخ قد سمعه الملأ الحضور ؟ أو أن عقيدة الإمامية في مسألة الرجعة قد تحققت فرجع ابن خارجة - ولم يكن رجوعه في الحسبان - لتحقيق الحقايق، غير أن تحقيقه إياها لم يعد التافهات ؟ وهل كان ابن خارجة متأثرا من عدم إشادته بأمر خلافة الخلفاء إبان حياته وكان ذلك حسرة في قلبه حتى تداركه بعد الموت، وكان من كرامته على الله سبحانه أن منحه بما دار في خلده وهو ميت ؟ أو أن الله تعالى كلمه لإقامة الحجة على الأمة وأراه من الكتاب الأول ما لم يره نبيه الرسول الأمين، وأرجأ هذا البلاغ لابن خارجة ومنحه ما لم يمنحه صاحب الرسالة الخاتمة ؟ وليت شعري لو كان ابن خارجة كشفت له عن الحقايق الراهنة الثابتة في الكتاب الأول، وأذن له ربه أن يبلغ أمة محمد صلى الله عليه وآله ما فيه نجاحها ونجاتها، فلما ذا أخفى عليها اسم رابع الخلفاء الراشدين - أو الخليفة الحق - ولم يذكره ؟ ! أو من الذي أنساه إياه فجاء بلاغا مبتورا ؟ أفتراه لم يأت ذكره في الكتاب الأول وما صدق وما / صفحة 105 / صدق، وهو نفس النبي الأعظم في الكتاب الثاني، والمطهر بآية التطهير، وقد قرنت ولايته بولاية الله وولاية رسوله ؟ إن هذا لشئ عجاب . ولعلك لا تعجب من هذه الهضيمة بعد ما علمت أن سلسلة هذه الرواية تنتهي إلى سعيد بن المسيب ونعمان بن بشير وهما هما، وقد أسلفنا البحث عنهما وأنهما في طليعة مناوئي أمير المؤمنين عليه السلام : وهنا مشكلة أخرى لا تنحل ألا وهي : إن ابن خارجة توفي في عهد عثمان و أيام خلافته، فهل الصحابة العدول أو عدول الصحابة رأوا هذه المكرمة من كثب و صدقوها وأذعنوا بنبأ ابن خارجة العظيم، ثم نسوها مع قرب عهدهم بها كما نسوا عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يوم غدير خم في مائة ألف أو يزيدون، وأصفقوا على بكرة أبيهم المهاجر منهم والأنصار على قتل عثمان بعد تلك الحجة البالغة وما شذ منهم محتجا على المتجمهرين عليه بنبأ ابن خارجة، كأن لم يكن شيئا مذكورا ؟ وأنت تعرف مقدار عقلية أولئك الحفاظ ومكانتهم من العلم والدين والثقة بروايتهم أمثال هذه المخازي وعدهم إياها من الصحاح والمسانيد، قاتل الله الحب المعمي والمصم . - 2 - أخرج البيهقي في عد من تكلم بعد الموت قال : أنا أبو سعيد بن أبي عمر : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب : ثنا يحيى بن أبي طالب : أنا علي بن عاصم : أنا حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن عبيد الأنصاري قال : بينما هو يوارون القتلى يوم صفين أو يوم جمل إذ تكلم رجل من الأنصار من القتلى فقال : محمد رسول الله . أبو بكر الصديق عمر الشهيد، عثمان الرحيم . ثم سكت (1) . قال الأميني : في الاسناد يحيى بن أبي طالب، قال موسى بن هارون : أشهد أنه يكذب عني في كلامه (2) وعلي بن عاصم قال خالد الحذاء : كذاب فاحذروه . وعن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ ابن كثير 6 : 158 . (2) لسان الميزان 6 : 262 .
/ صفحة 106 / شعبة أنه قال : لا تكتبوا عنه . وعن يحيى بن معين : كذاب ليس بشئ : وعنه : ليس بشئ ولا يحتج به، ليس ممن يكتب حديثه، وقال يزيد بن هارون : ما زلنا نعرفه بالكذب وقال البخاري : ليس بالقوي عندهم (1) . والنظر في المتن لدة النظر في سابقه فيأتي هاهنا جميع ما ذكر هنالك فليس القتيل الأنصاري عن ابن خارجة ببعيد .
- 3 - عن الشعبي قال : خرج رجل من النخع يقال له : شيبان في جيش على حمار له في زمن عمر، فوقع الحمار ميتا، فدعاه أصحابه ليحملوه ومتاعه فامتنع، فقام فتوضأ ثم قام عند رأسه فقال : أللهم إني أسلمت لك طائعا، وهاجرت مختارا في سبيلك ابتغاء مرضاتك، وإن حماري كان يعينني ويكفيني عن الناس، فقوني به، وأحيه لي، ولا تجعل لأحد علي منة غيرك . فنفض الحمار رأسه وقام فشد عليه ولحق بأصحابه . وذكر ابن أبي الدنيا من طريق مسلم بن عبد الله النخعي قصة مثل هذه وسمى صاحب الحمار نباتة بن يزيد . وأخرج الحسن بن عروة قصة حمار عن أبي سبرة النخعي وقال : أقبل رجل من اليمن .. الخ . تاريخ ابن كثير 6 : 153، 292، الإصابة 2 : 169 . قال الأميني : ليس عزيز على الله أن يخلق في مجاهيل أمة محمد صلى الله عليه وآله في عسكر عمر من يضاهي روح الله عيسى بن مريم يحيي الموتى بإذنه ولو كان المحيى حمارا، غير إن هذه وأمثالها تخص برجال زمان أبي بكر وعمر وعثمان ومن بعدهم بمن يحبهم و يعتنق ولائهم، وإن جاء حديث في كرامة غيرهم فمن الصعب المستصعب قبوله، والعقل والشرع والمنطق والبرهنة تأباه، وهنالك يحق كل جبلة ولغط، ويجري كل ما يتصور من المناقشة في الحساب لماذا هي كلها ؟ أنا لا أدري وإن كان المحاسب يدري . وللقوم قصة حمار عدوها من دلائل النبوة ذكرها ابن كثير بالإسناد المتصل في تاريخه 6 : 150 ونحن نذكرها محذوف السند ونحيل البحث عنها إلى أولي الألباب ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب التهذيب 7 : 345 - 348 .
/ صفحة 107 / من الأمة المسلمة . عن أبي منظور قال : لما فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خيبر أصابه من سهمه أربعة أزواج بغال، وأربعة أزواج خفاف، وعشر أواق ذهب وفضة، وحمار أسود ومكتل، قال : فكلم النبي صلى الله عليه وسلم الحمار، فكلمه الحمار فقال له : ما اسمك ؟ قال : يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حمارا كلهم لم يركبهم إلا نبي، لم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، وقد كنت أتوقعك أن تركبني، قد كنت قبلك لرجل يهودي، وكنت أعثر به عمدا، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سميتك يعفور، يا يعفور ! قال : لبيك . قال : تشتهي الإناث ؟ قال : لا . فكان النبي صلى الله عليه وسلم يركبه لحاجته فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر كان لأبي الهيثم بن التيهان فتردى فيها فصارت قبره جزعا منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم . - 4 - عن أنس : كان أسيد بن حضير، وعباد بن بشر عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ظلماء حندس، فلما خرجا أضاءت عصا أحدهما فمشيا في ضوئها، فلما افترقت بهما الطريق أضاءت عصا الآخر . صحيح البخاري 6 : 3، إرشاد الساري 6 : 154، طرح التثريب 1 : 35، أسد الغابة 3 : 101، تاريخ ابن كثير 6 : 152 . قال الأميني : أتصدق إن أحدا لم يكن من علية الصحابة كانت له هذه الكرامة الباهرة في أوليات الاسلام على عهد الصادع الكريم، وتخفى على كل الناس وينحصر علمها بأنس ولم يروها غيره، ولم تشتهر عنه في الملأ الديني ؟ ! ؟ ! أتصدق أن يكون الرجلان لهذه المكانة الرابية من الفضيلة وهما من متأخري المسلمين أسلما بالمدينة، ولم يذكرهما نبي العظمة بتلك الكرامة ولو همسا، ولم / صفحة 108 / يعرفهما أمته ولو ركزا، ولم يعرفهما رجال الدين تبلكم المكرمة طيلة حياة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ لعلك لا يعزب عنك لماذا استحق أسيد هذه المنقبة، وإنها إنما اختلقت بعد رسول الله للرجل لتقدمه على المهاجرين والأنصار يوم السقيفة ببيعة أبي بكر، وهو أول رجل من الأنصار بايع يوم ذاك وشق عصا المسلمين، قال ابن الأثير (1) له في بيعة أبي بكر أثر عظيم . وقال : كان أبو بكر الصديق يكرمه ولا يقدم عليه أحدا . فهو حري بتلك البيعة أن يشرف بوسام من محبذي ذلك الانتخاب الدستوري الذي لم يكن عن جدارة، كما استحق بها أبو عبيدة الجراح - حفار القبور - أن يقبل رجله عمر بن الخطاب (2) ومن هنا تجد عائشة تثني على أسيد بقولها : كان من أفاضل الناس وقولها : ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا بعد رسول الله : سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر (3 )، تقوله أم المؤمنين وهي تعلم أن من الأنصار بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بقية صالحة بدريون عقمت أم الدهور أن تأتي بمثلها كأبي أيوب الأنصاري، وخزيمة ذي الشهادتين، وجابر بن عبد الله، وقيس بن سعد، إلى أناس آخرين . نعم : هؤلاء لا يروق أم المؤمنين ذكرهم لأنهم علويون في ولائهم، وأما أسيد فهو جدير بهذه المدحة البالغة من أم المؤمنين لنقضه عهد المصطفى في أخيه علم الهدى، وتسرعه إلى بيعة أبيها وتدعيمه خلافته، فهو تيمي المبدأ والمنتهى . وعباد بن بشر لا تقصر خطواته في تلك الخلافة عن أسيد، وقد قتل تحت راية أبي بكر يوم اليمامة، ولعائشة ثناء جميل عليه .
- 5 - عن الأعمش عن خيثمة قال : أتى خالد بن وليد برجل معه زق خمر فقال له خالد : ما هذا ؟ فقال : عسل . فقال : أللهم اجعله خلا فلما رجع إلى أصحابه قال : جئتكم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أسد الغاية : 1 : 92 . (2) تاريخ ابن كثير 7 : 55 . (3) أسد الغابة 3 : 100، مجمع الزوايد 9 : 310 .
/ صفحة 109 / بخمر لم يشرب خمر مثله . ثم فتحه فإذا هو خل . فقال : أصابته والله دعوة خالد رضي الله عنه . وفي لفظ : اللهم اجعله عسلا فصار عسلا . تاريخ ابن كثير 7 : 114، الإصابة 1 : 414 . قال الأميني : إقرأ صحيفة حياة خالد السوداء مما مر في الجزء السابع ص 156 - 168 ط 1 وسل عنه بني جذيمة ومالك بن نويرة وامرأته، وسل عنه عمر الخليفة، حتى تعرفه بعجره وبجره، ثم احكم بما تجد الرجل أهلا له .
- 6 - دعا الأسود العنسي - المتنبي - أبا مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب اليمني التابعي المتوفى 60 / 62 فأجج الأسود نارا عظيمة وألقى فيها أبا مسلم فلم تضره، وأنجاه الله منها، فكان يشبه بإبراهيم الخليل، فوفد على أبي بكر مسلما فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به ما فعل بإبراهيم خليل الله . وفي لفظ ابن كثير : فقدم على الصديق فأجلسه بينه وبين عمر وقال له عمر : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أري في أمة محمد من فعل به كما فعل بإبراهيم الخليل وقبله بين عينيه . الاستيعاب 2 : 666، صفة الصفوة 4 : 181، تاريخ ابن عساكر 7 : 318، تذكرة الحفاظ للذهبي 1 : 46، تاريخ ابن كثير 8 : 146، شذرات الذهب 1 : 70، تهذيب التهذيب 12 : 236، وذكره السيد محمد أمين ابن عابدين في العقود الدرية 2 : 393 عن جده العمادي في رسالته (الروضة الريا فيمن دفن في داريا) نقلا عن أبي نعيم وابن عساكر وابن الزملكاني وابن كثير .
- 7 - أتى أبو مسلم الخولاني يوما على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها فوقف عليها ثم حمد الله تبارك وتعالى وأثنى عليه، وذكر مسير بني إسرائيل في البحر، ثم نهر دابته فخاضت الماء وتبعه الناس حتى قطعوا .
/ صفحة 110 / أخرجه ابن عساكر في تاريخه 7 : 317 .
- 8 - كان أبو مسلم الخولاني بيده سبحة يسبح بها فنام والسبحة بيده فاستدارت والتفت على ذراعه وجعلت تسبح فالتفت إليها وهي تدور في ذراعه وهي تقول : سبحانك يا منبت النبات، ويا دائم الثبات . فقال لزوجته : هلمي يا أم مسلم ! وانظري أعجب الأعاجيب، فجاءت والسبحة تدور تسبح فلما جلست سكتت أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام 7 : 318 .
- 9 - كان أبو مسلم الخولاني أتاه جماعة من قومه فقالوا له : أما تشتاق إلى الحج ؟ قال : بلى لو أصبت لي أصحابا فقالوا : نحن أصحابك، فقال : لستم لي بأصحاب أنا أصحابي قوم لا يريدون الزاد ولا المزاد قالوا : سبحان الله وكيف يسافر قوم بلا زاد و لا مزاد ؟ فقال لهم : ألا ترون إلى الطير تغدو وتروح بلا زاد ولا مزاد والله يرزقها وهي لا تبيع ولا تشتري ولا تحرث ولا تزرع ؟ قالوا : فإنا نسافر معك فقال لهم : تهيأوا على بركة الله . فغدوا من غوطة دمشق ليس معهم زاد ولا مزاد، فلما انتهوا إلى المنزل قالوا : يا أبا مسلم ! طعام لنا وعلف لد وابنا فقال لهم : نعم فتنحى بعيدا فتسنم أحجارا فصلى فيه ركعتين، ثم جثى على ركبتيه فقال : إلهي قد تعلم ما أخرجني من منزلي، و إنما خرجت زائرا لك، وقد رأيت البخيل من أولاد آدم تنزل به العصابة من الناس فيوسعهم قرى وإنا أضيافك وزوارك فأطعمنا واسقنا واعلف دوابنا، فأتي بسفرة فمدت بين أيديهم، وجئ بجفنة من ثريد تنجر، وجئ بقلتين من ماء، وجئ بالعلف لا يدرون من يأتي به، فلم تزل هذه حالهم منذ خرجوا من عند أهاليهم حتى رجعوا لا يتكلفون زادا ولا مزادا . أخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام 7 : 318 . قال الأميني : أنا لم أفض في المقام بذأمة، وإنما أوجه نظر الباحث شطر كلمة / صفحة 111 / طاش كبرى زادة قال في مفتاح السعادة 3 : 345 : من يخوض في البراري من غير زاد لتصحيح التوكل ذلك بدعة إذ السلف كانوا يأخذون الزاد ويتوكلون .
- 10 - كان أبو مسلم الخولاني إذا دخل داره فكان في وسطها كبر فيدخل فينزع ردائه وحذاءه وتأتيه إمرأته بطعام فيأكل فجاء ذات ليلة فكبر فلم تجبه، ثم أتى باب البيت فكبر وسلم وكبر فلم تجبه، وإذا البيت ليس فيه سراج وإذا هي جالسة بيدها ود (كذا) تنكت به الأرض فقال لها : مالك ؟ فقالت : الناس بخير وأنت أبو مسلم لو إنك أتيت معاوية فيأمر لك بخادم ويعطيك شيئا تعيش به ؟ فقال : أللهم من أفسد علي أهلي فاعم بصره . وكانت أتتها امرأة فقالت : أنت امرأة أبي مسلم الخولاني فلو كلمت زوجك يكلم معاوية ليخدمكم ويعطيكم . فبينا هذه المرأة في منزلها إذا أنكرت بصرها فقالت : سراجكم طفئ ؟ فقالوا : لا . فقالت : إنا لله، ذهب بصري، فأتت إلى أبي مسلم فلم تزل تناشده الله وتطلب إليه حتى دعا الله فرد بصرها ورجعت امرأته إلى حالها التي كانت عليها . أخرجه ابن عساكر في تاريخه 7 : 317 . قال الأميني : ما أقسى صاحب هذه المعاجز حيث أعمى امرأة مسلمة من غير ذنب تستحق لأجله مثل هذه العقوبة ؟ فإن مراجعة معاوية كبقية المسلمين وهو أميرهم فيما حسبوه - والرجل في الرعيل الأول من شيعته - للتوسيع عليه ليس فيها اقتراف مأثم ولا اجتراح سيئة تستحق المسكينة عليها التنكيل بها، فهلا دعا الله سبحانه أن يهديها وامرأته أن يثبت قلبيهما على الصبر والتقوى إن كان يعلم من نفسه إجابة دعوته ؟ لكنه أبى إلا القسوة، أو أن المغالي في فضله افتعل له ذلك ذاهلا عن إن ما افتعله يمس كرامة الرجل، ونحن نجل ساحة قدس المولى سبحانه عن أن تكون عنده إجابة لمثل هذه الدعوة الصادرة عن الجهل .
- 11 - أخرج ابن عساكر في تاريخه 7 : 317 عن بلال بن كعب قال : ربما قال الصبيان
/ صفحة 112 / لأبي مسلم الخولاني : ادع الله يحبس علينا هذا الظبي فيدعو الله فيحبسه حتى يأخذوه بأيديهم . قال الأميني : لقد راق القوم أن لا يدعوا للأنبياء والرسل معجزة أو آية إلا و سحبوها إلى من أحبوه من رجال عاديين، بل راقهم أن يثبتوا لأوليائهم كل شئ أباحه العقل أو أحاله، أنا لا أدري أيريدون بذلك تخفيضا من مقام الرسل ؟ أو ترفيعا لهؤلاء ؟ ! وأياما أرادوا فحسب رواة السوء رواية غير المعقول، وخلط الحابل بالنابل . أتعرف أبا مسلم الخولاني صاحب هذه الخزعبلات ؟ أتدري لماذا استحق الرجل بنسج هذه الكرامات له على نول الافتعال ؟ أتصدق أن يكون تحت راية ابن هند في الفئة الباغية رجل إلهي يؤمن به وبإيمانه، ويصدق زلفاه إلى ربه، فضلا عن أن يكون صاحب حفاوة وكرامة ؟ ! ؟ ! أتزعم أن تربي قاعة الشام في عصر معاوية إنسانا يعرف ربه، ويكون من أمره على بصيرة، ولا تزحزحه عن سبيل الحق والرشاد رضايخ ذلك الملك العضوض ؟ ! نعم إنما نسجت يد الاختلاق هذه المفتعلات كوسام لأبي مسلم شكرا على تقدمه في ولاء أبناء بيت أمية، وعداءه المحتدم لأهل بيت الوحي، كان الرجل عثمانيا أموي النزعة، خارجا على إمام زمانه تحت راية القاسطين، وهو القائل : يا أهل المدينة ! كنتم بين قاتل وخاذل، فكلا جزى الله شرا، يا أهل المدينة ! لأنتم شر من ثمود إن ثمود قتلوا ناقة الله، وأنتم قتلتم خليفة الله، وخليفة الله أكرم عليه من ناقته . وهو الذي كان سفير معاوية إلى علي في حرب صفين، وقد أتى ببعض كتبه إلى الإمام عليه السلام ولما أقام عليه السلام عليه الحجة وأفحمه فخرج وهو يقول : الآن طاب الضراب وهو الذي كان يرتجز يوم صفين ويقول : ما علتي ما علتي وقد لبست درعتي أموت عند طاعتي ؟ ! (1) أترى من يموت في طاعة ابن هند، ويركض وراء أهوائه وشهواته، ويتخذه إماما متبعا في أفعاله وتروكه، ويحارب إمام زمانه المطهر بلسان الله تعالى ولم يعرفه، ويضرب الصفح عما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حرب علي عليه السلام وسلمه عامة، وفي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صفين نصر بن مزاحم 95 - 98، تاريخ ابن عساكر 7 : 319، شرح ابن أبي الحديد 3 : 408 .
/ صفحة 113 / قتاله يوم صفين خاصة، وتكون له خطوات واسعة وأشواط بعيدة في تلكم البوائق المدلهمة، والمواقف الموبقة، توهب له من المولى سبحانه وتعالى تلك المنزلة الرفيعة من الكرامة التي تضاهي منازل الأنبياء، ويقصر عنها مقام كل ولي صادق ؟ ! لا ها الله، إن هي إلا اختلاق، لا تساعدها البرهنة الصادقة، ولا يسوغها الاسلام ومبانيه ومباديه، ولا يقبلها العقل والمنطق . قاتل الله العصبية العمياء، إلى أي هوة من التعاسة والانحطاط تحدو البشر ؟ تجعل أبا مسلم الشامي الخارجي الباغي المحارب إمام وقته زاهدا عابدا ناسكا ذا كرامات ومقامات، وتعرف سيد غفار أشبه الناس بعيسى بن مريم زهدا وهديا وبرا ونسكا، الممدوح بلسان النبي الأعظم (1) شيوعيا اشتراكيا يموت في المعتقل غفرانك اللهم وإليك المصير .
- 12 - عن ربعي بن خراش (2) العبسي قال : مرض أخي الربيع بن خراش فمرضته ثم مات فذهبنا نجهزه، فلما جئنا رفع الثوب عن وجهه ثم قال : السلام عليكم، قلنا : وعليك السلام، قدمت ؟ قال : بلى ولكن لقيت بعدكم ربي ولقيني بروح وريحان ورب غير غضبان، ثم كساني ثيابا من سندس أخضر، وإني سألته أن يأذن لي أن أبشركم فأذن لي، وإن الأمر كما ترون، فسددوا وقاربوا، وبشروا و لا تنفروا (3) . وفي لفظ أبي نعيم : إنه توفي أخي - ربيع بن حراش - فبينا نحن حوله وقد بعثنا من يبتاع له كفنا إذ كشف عن وجهه فقال : السلام عليكم . فقال القوم : وعليك السلام يا أخاه ! عيشا بعد الموت ؟ يعني حياة . قال : نعم إني لقيت ربي بعدكم فلقيت ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الجزء الثامن ص 315 - 324 ط 1 . (2) كذا بالمعجمة في غير واحد من المصادر والصحيح كما في تهذيب التهذيب : حراش . مهملة الأول . (2) تاريخ ابن كثير 6 : 158، الروض الأنف 2 : 370، صفة الصفوة 3 : 19 .
/ صفحة 114 / ربا غير غضبان، واستقبلني بروح وبريحان واستبرق، ألا وإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ينتظر الصلاة علي، فعجلوا بي ولا تؤخروني، ثم كان بمنزلة حصاة رمي بها في الطست (1) . وفي لفظ : مات أخي الربيع فسجيته فضحك فقلت : يا أخي ! أحياة بعد الموت ؟ قال : لا، ولكني لقيت ربي فلقيني بروح وريحان ووجه غير غضبان، فقلت : كيف رأيت الأمر ؟ قال : أيسر مما تظنون، فذكر لعائشة فقالت : صدق ربعي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أمتي من يتكلم بعد الموت (2) . قال الأميني : لست أدري لماذا استحال القوم القول بالرجعة، وليست هي إلا رجوع الحياة للميت بعد زهوق النفس، وهم يروون أمثال هذه الرواية وما مر في ص 103 مخبتين إليها من دون أي غمز بها، وإن مغزاها إلا من مصاديق الرجعة . نعم لهم أن يناقشوننا الحساب باقترابها من الموت وبعدها عنه، أو بطول أمدها وقصره، أو بقصر جوازها على تأييد المذهب فحسب، أو بحصر نطاقها بغير العترة الطاهرة فقط، غير إن هذه كلها لا تؤثر في جوهرية الامكان، ولا تصيره محظورا غير سائغ عقلا أو شرعا . وشتان بين قصة ابن حراش هذه وبين ما جاء به ابن سعد في طبقاته 3 : 273 عن سالم بن عبد الله بن عمر قال : سمعت رجلا من الأنصار يقول : دعوت الله أن يريني عمر في النوم فرأيته بعد عشر سنين وهو يمسح العرق عن جبهته فقلت : يا أمير المؤمنين ! ما فعلت ؟ فقال : الآن فرغت، ولولا رحمة ربي لهلكت . وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 99 . وأخرج ابن الجوزي في سيرة عمر ص 205 عن عبد الله بن عمر قال : رأى عمر في المنام فقال : كيف صنعت ؟ قال : خيرا . كاد عرشي يهوى لولا إني لقيت ربا غفورا . فقال : منذ كم فارقتكم ؟ فقلت : منذ اثنتي عشر سنة . فقال : إنما انفلت الآن من الحساب وروى نحوه الحافظ المحب الطبري في الرياض 2 : 80 . هذا عمر الخليفة وحراجة موقفه في الحساب، لا يستقبله ربه بروح وريحان، ولا يكسوه ثيابا من استبرق أخضر، ولا انتظر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصلي عليه، وقد انفلت ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) حلية الأولياء 3 : 212 . (2) الخصايص الكبرى 2 : 149 .
/ صفحة 115 / من الحساب بعد اثنتي عشرة سنة، ولولا رحمة ربه لهلك . وذاك ابن حراش (1). وأمره الأمر السريع، فانظر مآل الرجلين واحكم .
- 13 - عن أبي هريرة وأنس قالا : جهز عمر بن الخطاب جيشا واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي، وكنت في غزاته فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا بنا فعفوا آثار الماء والحر شديد، فجهدنا العطش ودوابنا وذلك يوم الجمعة، فلما مالت الشمس لغروبها صلى بنا ركعتين، ثم مد يده إلى السماء، وما نرى في السماء شيئا، قال : فوالله ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا، وأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب، فشربنا وسقينا ركابنا واستقينا، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجا في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال : يا علي يا عظيم يا حليم يا كريم . ثم قال : أجيزوا بسم الله . قال : فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فلم نلبث إلا يسيرا فأصبنا العدو عليه فقتلنا وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج فقال مثل مقالته، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا . وفي لفظ الصفوري : وكان الجيش أربعة آلاف . فلم نلبث إلا يسيرا حتى رمي في جنازته . قال : فحفرنا له وغسلناه ودفناه، فأتى رجل بعد فراغنا من دفنه فقال : من هذا ؟ فقلنا : هذا خير البشر، هذا ابن الحضرمي فقال : إن هذه الأرض تلفظ الموتى، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين إلى أرض تقبل الموتى، فقلنا : ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله، قال : فاجتمعنا على نبشه فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه، وإذا اللحد مد البصر نور يتلألأ، قال : فأعدنا التراب إلى اللحد ثم ارتحلنا (2) . قال الأميني : نحن لا ننبس هاهنا ببنت شفة ولا نحوم حول إسناده الباطل، ولا نؤاخذ رواة القصة بقولهم في الحضرمي : هذا خير البشر . وإنه كذب فاحش يخالف ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) لا يوجد له ذكر في معاجم التراجم . (2) تاريخ ابن كثير 6 : 155، نزهة المجالس 2 : 191، وأوعز إليها ابنا الأثير وحجر في أسد الغابة 4 : 7، والإصابة 2 : 498 فقالا : خاض البحر بكلمات قالها ودعا بها .
/ صفحة 116 / ما أجمعت عليه الأمة، وليس على الله بعزيز أن يجعل أفراد جيش جهزه عمر كلها صاحب كرامة، لكنا لا نعرف معنى قولهم : إن هذه الأرض تلفظ الموتى، أي أرض هذه ؟ وفي أي قطر هي ؟ وهل هي تعرف بهذه الصفة عند الملأ ؟ وهل هي شاعرة بخاصتها هذه أو لا تشعر ؟ وهل هي باقية عليها إلى يومنا هذا ؟ وكيف شذت عن بقاع الأرض بهذه الخاصة ؟ ولماذا هي ؟ وكيف تخلفت عن ذاتيها في خصوص هذا المقبور ؟ وهل كان الرجل في القبر لما نبشوه مجللا بالأنوار وقد أعشتهم عن رؤيته فحسبوه مفقودا، أو إنه غادر القبر إلى جهة لا تعرف، وترك فيه أنواره ؟ أنا لا أدري، وهل في منة الراوي أو مدرن القصة أو مفتعلها أو من قاصها الجواب عن هذه الأسؤلة ؟
- 14 - أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشا إلى مدائن كسرى، فلما بلغوا شاطئ الدجلة لم يجدوا سفينة فقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو أمير السرية، وخالد بن الوليد رضي الله عنه : يا بحر ! إنك تجري بأمر الله، فبحرمة محمد صلى الله عليه وسلم وعدل عمر رضي الله عنه إلا ما خليتنا والعبور . فعبروا هم وخيلهم وجمالهم فلم تبتل حوافرها (1) . قال الأميني : ليس في إمكان حوافر الخيل والجمال أن تبتل بعد دعاء ذلك الرجل الإلهي العظيم - سعد - المتخلف عن بيعة الإمام المعصوم، والخارق لإجماع الأمة وهي لا تجتمع على الخطاء، ولا سيما إذا شفعته بزميله خالد بن الوليد الزاني الفاتك الهاتك صاحب المخازي والمخاريق، وإلى الغاية لم يتضح لنا إن الله تعالى بماذا أبر قسم الرجل أبمجموع المقسم به من حرمة محمد وعدل عمر ؟ بحيث كان إبرار القسم منبسطا عليهما معا على حد سواء . أم أنه وليد القسم بحرمة محمد صلى الله عليه وآله فحسب ؟ لما نرتأيه من عدم قيام وزن لعدل عمر عند من أمعن النظرة في أفعاله وتروكه، وقد أسلفنا نبذا من ذلك في نوادر الأثر في الجزء السادس .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) نزهة المجالس للصفوري 2 : 191 .
/ صفحة 117 /
- 15 - أخرج ابن الجوزي في صفة الصفوة 1 : 140 من طريق لبيبة قال : دعا سعد فقال : يا رب إن لي بنين صغارا فأخر عني الموت حتى يبلغوا، فأخر عنه الموت عشرين سنة . قال الأميني : ما أكرم أولاد سعد على الله وفيهم عمر بن سعد قاتل الإمام السبط الشهيد ؟ فحقا كان على الله أن يستجيب دعوة سعد ويؤخر أجله حتى يربي من له قدم وأي قدم في قتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإبادة أهله . وليتني أدري من الذي أخبر سعدا أو لبيبة أو من روى القصة ومن حفظها بأن سعدا قد أتاه أجله المحتوم الذي إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (1) و ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا (2) فأخره الله عنه ببركة دعاءه عشرين عاما مدة معينة ؟ هل تجد مثل هذا العلم عند العاديين من البشر أمثال سعد ولبيبة ؟ وهل لكل ابن أنثى طريق إلى الكشف عن تلكم المغيبات ؟ نعم ليس على الله بمستنكر أن يطلع على غيبه أي إنسان خلق جهولا سعيدا أو شقيا، عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول، فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا (3).
- 16 - عن الحسن البصري قال : مات هرم بن حيان - في خلافة عثمان - في يوم صائف شديد الحر فلما نفضوا أيديهم عن قبره جاءت سحابة تسير حتى قامت على قبره فلم تكن أطول منه ولا أقصر فرشته حتى روته ثم انصرفت . وفي لفظ قتادة : أمطر قبر هرم بن حيان من يومه، وأنبت العشب من يومه (4) . نحن لا نستعظم هذه الكرامة لهرم بن حيان في مماته، فإن بقائه في بطن أمه أربع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة يونس 49 . (2) سورة آل عمران : 145 . (3) سورة الجن : 26، 27 . (4) حلية الأولياء 2 : 122، صفة الصفوة 3 : 139، الإصابة 3 : 601 .
/ صفحة 118 / سنين (1) أعظم وأعجب، سبحان الخالق القادر .
- 17 - عن الأعمش قال : قلت لإبراهيم التيمي المتوفى 92 : بلغني إنك تمكث شهرا لا تأكل شيئا . فقال : نعم وشهرين، وما أكلت منذ أربعين ليلة إلا حبة عنب ناولنيها أهلي فأكلتها ثم لفظتها في الحال . كذا في طبقات الشعراني 1 : 36، وفي إحياء العلوم للغزالي 1 : 309 : إنه كان يمكث أربعة أشهر لم يطعم ولم يشرب . لعل النطس وعلماء الطب يضحكون على هذه العقلية السخيفة، غير إن قصة الطوي عند القوم مشكلة لا تنحل، يحار دونها العقل، ولا يسمع فيها قضاء الطبيعة، ولا يتخذ فيها الناموس المطرد مما خلق الله عليه البشر، ولا يصححها إلا المغالاة في الفضائل، وهناك فئة تضاهي إبراهيم التيمي في هذه الدعوى المجردة، أو تربو عليه في الفضيلة، وسيوافيك ذكر بعضها .
- 18 - روى غيلان بن جرير البصري : إن رجلا كذب على مطرف بن عبد الله الحافظ البصري المتوفى سنة 95 فقال مطرف، اللهم إن كان كاذبا فأمته فخر مكانه ميتا (2) . قال الأميني : ليس هذا المستجاب دعوته ببعيد في القسوة عن أبي مسلم الخولاني الذي أعمى المرأة من غير ذنب، والكذب وإن كان محرما لكن ليس الجزاء عليه إعدام صاحبه، وليس من السهل السائغ أن تستجاب دعوة كل غير معصوم على من عادى عليه وفيهم من رجال الغضب الثائر مثل أبي مسلم الخولاني ومطرف البصري، وإلا لوجب على الأمة المستجابة دعوتهم أن تدعو على الكذبة، وعلى الله أن يجيبهم بقتل رواة هذه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع تفسير روح البيان 4 : 347 . (2) طبقات الحفاظ الذهبي 1 : 60، دول الاسلام 1 : 47، الإصابة 3 : 479، تهذيب التهذيب 1 : 173 .
/ صفحة 119 / القصص فتشاد وتعمر بقاع بأجداث كثيرين من الحفاظ وأئمة الحديث ورماة القول على عواهنه، حتى تستريح أمة محمد صلى الله عليه وآله من هذه السفاسف التي لا مقيل لها من الاعتبار، ولا لها نهاية .
- 19 - عن أبي سليمان المكتب : قال صحبت كرز بن وبرة إلى مكة فكان إذا نزل أخرج ثيابه فألقاها في الرحل ثم تنحى للصلاة فإذا سمع رغاء الإبل أقبل، فاحتبس يوما عن الوقت، فانبث أصحابه في طلبه فكنت فيمن طلبه قال : فأصبته في وهدة يصلي في ساعة حارة وإذا سحابة تظله فلما رآني أقبل نحوي فقال : يا أبا سليمان ! لي إليك حاجة، قال : قلت : وما حاجتك يا أبا عبد الله ؟ ! قال : أحب أن تكتم ما رأيت . قال : قلت ذلك لك يا أبا عبد الله ! فقال : أوثق لي فحلفت ألا أخبر به أحدا حتى يموت . حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم 5 : 80، الإصابة 3 : 321 .
- 20 - عن الحسن البصري رحمة الله عليه قال : كان بعبادان رجل فقير أسود يأوي إلى الخرابات فحصل معي شيئ فطلبته فلما وقعت عينه علي تبسم وأشار بيده إلى الأرض فصارت الأرض كلها ذهبا تلمع ثم قال : هات ما معك . فناولته وهالني أمره فهربت . الروض الفائق ص 126 . إقرأ وتعجب . اضحك أو ابك .
- 21 - عن الحارث الغنوي قال : آلى ربعي بن حراش الغطفاني المتوفى 101 / 4، أن لا يضحك حتى يعلم في الجنة هو أو في النار، فلقد أخبرني غاسله إنه لم يزل متبسما على سريره ونحن نغسله حتى فرغنا منه . صفة الصفوة لابن الجوزي 3 : 19، طبقات الشعراني 1 : 37، تاريخ ابن عساكر 5 : 298 . |
|