عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
- 73 - ذكروا : إنه لما قربت وفاة الشيخ عبد القادر الجيلاني جاء سيدنا عزرائيل عليه السلام بمكتوب ملفوف من الرب الجليل في وقت غروب الشمس وأعطاه ولده الشيخ عبد الوهاب وكان مكتوب، على ظهره : يصل هذا المكتوب من المحب إلى المحبوب . فلما رآه ولده بكى وتحسر ودخل بالمكتوب مع سيدنا عزرائيل عليه السلام على حضرة الشيخ، وقبل هذا بسبعة أيام كان معلوما لدى الشيخ انتقاله إلى العالم العلوي، وكان مسرورا ودعا الله لمحبيه ومخلصيه بالمغفرة، وتعهد أن يكون لهم شفيعا يوم القيامة، وسجد لله تعالى وجاء النداء : يا أيتها النفس المطمأنة ! ارجعي إلى ربك راضية مرضية . وضج عالم الناسوت بالبكاء، وابتهج عالم الملكوت باللقاء (1) . هذه نماذج من أوهام جاء بها الغلو في مناقب الشيخ عبد القادر الجيلاني، ونحن لو ذهبنا لنجمع ما عزوه إلى الشيخ من الكرامات وإن شئت قلت : من الخرافات . مما لا يوافقه العقل، ولا يصافق عليه المنطق، ولا يساعده الشرع الاسلامي الأقدس، ولا يدعم بحجة، ولا تصدقه البرهنة لأريناك موسوعة ضخمة تبعثك إلى الضحك تارة وإلى البكاء أخرى .
- 74 - الرفاعي يقبل يد النبي صلى الله عليه وآله قال أبو محمد ضياء الدين الوتري في [روضة الناظر] ص 54 : وفي هذه السنة [يعني 555] حج السيد أحمد الرفاعي (1) رضي الله عنه بإشارة معنوية، وزار قبر جده عليه الصلاة والسلام، وأنشد تجاه القبر الطاهر . في حالة البعد روحي كنت أرسلها * تقـــــــبل الأرض عـني وهي نائبتي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تفريح الخاطر ص 38 . (2) ولد 512 بقرية حسن من أعمال واسط وتوفي 578 توجد ترجمته في غير واحد من معاجم التراجم وأفرد فيها أحمد عزت پاشا العمري الموصلي كتابا أسماه [العقود الجوهرية في مدائح الحضرة الرفاعية] طبع بمصر في المطبعة البهية سنة 1306 في 139 صفحة .
/ صفحة 175 / وهـــــــذه دولـــــة الأشباح قد حضرت * فامدد يمينك كي يحظى بها شفتي(1) فظهرت له يد جده عليه الصلاة والسلام فقبلها والناس ينظرون . وهذه القصة تواتر خبرها، وعلا ذكرها، وصحت أسانيدها، وكتبها الحفاظ والمحدثون، وكثير من أهل الطبقات والمؤرخين، لا ينكرها إلا جاهل قليل الرواية، حاسد لسلطان النبوة، وظهور المعجزة المحمدية، أو معذور من غير هذه الأمة الأحمدية، على إن ظهور هذه المعجزة النبوية في تلك الأعصار التي ظهرت بها البدع، وكثرت بها الفتن، وتفرقت بها الأهواء، وذهب بها أهل الباطل إلى مذاهب كثيرة كالإلحاد والزندقة وغير ذلك مما سلكه الفرق الضالة من طرق الضلالة ما كان إلا لإعلاء كلمة الحق والشريعة والدين على يد هذا السيد الجليل الذي اختصه الله ورسوله بهذه النعمة وأبرزه لهذه الخدمة، لعدم وجود من يماثله أو يشاكله في ذلك القرن من الأولياء والسادات وصالحي الوقت نفعنا الله بهم . وقال في ص 62 : إذا عدت كرامات الرجال كفاه [يعني السيد أحمد الرفاعي] فخرا وشرفا تقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم بين جم غفير من المسلمين حتى سارت بها الركبان، وتواتر خبرها في البلدان، وقصر عندها باع أكابر الإنس والجان، وغبطه عليها الملأ الأعلى، كما قال ذلك في شأنه الشيخ عبد القادر الجيلي عليه الرحمة والرضوان . وفي العقود الجوهرية ص 5 عن العبد الصالح العارف بالله عبد الملك بن حماد إنه قال : قدر الله لي الحج سنة خمسمائة وخمسة وخمسين، وجئت إلى المدينة وتشرفت بزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وفي ذلك الأسبوع جاء لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام شيخنا سيد العارفين إمام الأمة السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه وقد دخل البلدة بقافلة عظيمة من الزوار فلما دخل الحرم الشريف النبوي وقف تجاه القبر الأفضل، والوقت بعد العصر وقد غص الحرم المبارك بالناس وأنشد غائبا عن نفسه حاضرا بمحبوبه : في حالة البعد روحي كنت أرسلها * تقبــــل الأرض عني وهي نائبتي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) نسبهما والقصة برمتها صاحب [تفريح الخاطر] إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، ولا ضير في كل عز ومختلق مهما كانت الغاية تفريح الخاطر غلوا في الفضائل، بعد الغض عن حكم العقل والشرع والمنطق .
/ صفحة 176 / وهـــــذه دولة الأشباح قد حضرت * فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي فظهرت له يد النبي عليه الصلاة والسلام تتلمع بيضاء سوية كأنها زند البرق، فقبلها والناس ينظرونه، وقد من الله تعالى تفضلا علي فرأيتها ورأيت كيف استلمها، وإني أعد هذا الشهود الباهر ذخيرة المعاد، وزاد القدوم على الله تعالى . ثم قال : وكان في القافلة المذكورة الشيخ أحمد الزعفراني، والشيخ عدي بن مسافر الأموي، والسيد عبد الرزاق الحسيني الواسطي، والشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ أحمد الزاهد، والشيخ حيوة بن قيس الحراني، والشيخ عقيل المنبجي العمري، و جماعة من مشاهير أولياء العصر وقد تشرفت الكل برؤيا اليد النبوية الطاهرة الزكية واندرجوا تحت بيعة مشيخته رضي الله عنه وعنهم أجمعين، وخبر هذه القصة متواتر مشهور، وقد ساقه كثير من أعيان الرجال بوجه التفصيل فليراجع . قال الشيخ تقي الدين الفقيه النهروندي المتوفى 594 في قصيدة أولها : أي ســـــــر جــاءت به الأنبياء * وحـــــــديث رواتـــه الأولياء ؟ سلسلته السادات أهل المعالي * وحـــــــكته الأئمـــــــة الأتقياء فــــــروى نشره الصديرين ريا * وأضـــــــاءت بنـــوره البطحاء مد طـــــــه يميــــنه للـــرفاعي * فانجـــــــلت عـندها له الأشياء إلى أن قال : لا تقل كيـــــــف تـــــــم هذا ؟ وأيقن * يفعـــــــل الله ربـــــــنا مـــــــا يشـاء واهجر المارقين واعذر إذا مــــــــا * أنـــــــكر الشـــــــمس مقــلة عمياء أيكون النبي ميتـــــــا ؟ وفــــي القر * آن أحــــــياء ربهـــــــا الشـــــــهداء وبمـــــــد اليميـــــــن لابـن الرفاعي * حجة فـــــــي مقـــــــامها سمحـــــاء شهـــــــدتها المســـــــاء آلاف قـوم * ورآهـــــــا الاقـــــــران والأكفـــــــاء صار ذاك المساء صبحا فما أعجب * يومـــــــا فــيـــــــه الصبــاح مساء ؟ وقال صاحب العقود الجوهرية يمدحه في قصيدة له : ذاك الـــــرفاعي الذي فعله * يعـــــز في النقد على الناقد كم ركب الليث ؟ وكم راكب * ذلل مـــن صولة مستأسد ؟
/ صفحة 177 / كف رسول الله في لثمهـــــا * حــاز بها الفخر على الجاحد قـــــــد مـدها من قبره نحوه * لاحـت إلى الحاضر والشاهد وقال الحافظ الحاج ملا عثمان الموصلي في قصيدة يمدح بها السيد الرفاعي : له الأفـــــــاعي وأســد الغاب طائعة * والجـــــــن تبــــصر من آياته العجبا ألا تـــــــرى إن مــــن ينمى إليه فلا * يخـشى من النار مهما أوقدت لهبا ؟ كفاه تقبيل يمنـــــــى الهـــاشمي أبي * الزهراء فخرا وعنها الغير قد حجبا وقال السيد محمد أبو الهدى الرفاعي في تخميس قصيدة سراج الدين المخزومي : أكــرمت من طه بكف جنابه * بين القفول مذ التجأت ببابه فلثمتـــه وعرفت في أحبابه * نـــورا أراد الله أن تحيى به رغما لمن فتكت به الظلمات وقال من قصيدة يمدحه بها : كفى شرفا تكـــــليم خير الورى له * وامـــــــداده إذ مــــد جهرا له اليدا وليــــس عجيبا حين صح انتسابه * إليـــــــه إذا أبـــــــدى إليــــه توددا كـــــــرامة حـــــــق وهي ثابتة له * ومعجزة للمصطفى خير مـن هدى وقال بهاء الدين السيد محمد الرواس في قصيدة له يمدحه بها . كفاه إن رســـــــول الله مـد له * يـد القبول وزهر العصر نضار وقال من جده خير الورى خلقا * له انطــوى فيه إعزاز وإظهار وقال عبد الحميد أفندي الطرابلسي في قصيدة له يمدحه بها : هــــو الحجة الكبرى على كل قائم * لــــذاك يـــد المختار مدت له جهرا ومـــــــن هـــــذه والله حجة فضله * أجل غيره في القوم حجته صغرى وقال السيد عبد الغفار الأخرس في قصيدة يمدحه بها : تولد من رسول الله شبــــل * بـــــه دانت له كل السباع وقبـل كف والده جــــــهارا * غدت بالنور بادية الشعاع وشاهدها الثقات وكل فـرد * رآهــــــا بانفراد واجتماع فتلك مزية لم يحظ فيــــــها * سواه من مطيع أو مطاع / صفحة 178 / وقال أبو الفرج السيد أحمد شاكر الآلوسي من قصيدة يمدحه بها : هو قطب الوجود غوث البرايا * غيثها المرتجى على الإطلاق كـــــــم له من مناقب سائرات * كمسيــــر البدور في الآفاق ؟ حـــاز من جده الرسول مقاما * لم يزل ذكره مدى الدهر باقي حيثـــــــما زاره وقبـــــــل كـفا * منـــــــه قـد آذنت له بالتلاقي وقال الفقيه يحيى بن عبد الله الواسطي في قصيدة يمدحه بها : مدت لـــــــه يـــــــد طه ثم قبلها * يهنيه مجدا نأى أن يقبل الشركا والمصطفى بكتاب العتق أكرمه * والله أحيــــا له لما دعا السمكا وقال صفي الدين يحيى بن المظفر البغدادي الحنبلي في قصيدة يمدحه بها : ولـــــه إمام الرسل مد يدا لها * فتـــــــحت كنوز حقائق القرآن وقوافل الحجاج سكرى عندها * ما بــــين مبهوت وذي أشجان وقال السيد عبد الحي الحسيني مفتي [غزة هاشم] من قصيدة يمدحه بها: علم الشرق أحـــمد من إليه * مد طـــــــه يمينــــــه إجلالا مد راحا إلى النبي بها كــــل * محــال لو رامه ما استحالا يالراح قد صافحتها المعالي * وشفـــــــاة لقد لثمن الهلالا وقال السيد إبراهيم الراوي الرفاعي الشافعي من قصيدة يمدحه بها : وهو باب النـــــــبي لاثم يمـناه * جهارا وقــــد تجلى تعـــــــالى حـــــــين أبدى محمد معجزات * معجـــــــزات لأحــــــمد إجلالا كيف ؟ وهو شبله وكذا الآباء * تعـــــــلو إن أنجــــــبت أشبالا وقال السيد سراج الدين المخزومي في كتابه [صحاح الأخبار] من قصيدة يمدح بها الرفاعي : يا ابن من كان في الثبوت نبيا * قبل كون القــــوالب الطيـــــــنيه لك جمع في مشهد الوجد بانت * منه للقـــــــوم حــــكمة الفرقيه لـــــك قرب أقام في حالة البعد * منـــــــارا في الروضة الحرميه
/ صفحة 179 / حــــين مدت يد الرسول جهارا * لـــــك يا حـــــــسن خلعة علنيه شاهدتها الألوف من كل أرض * فــــروى نشرها البقاع القصيه وبآذاننا تـــــــواتر هـــذا المجــ * ـــد أقـــــــراط فخــــره جوهريه وذكر القصة القاضي الخفاجي الحنفي في شرح الشفا 3 : 489، والعدوي الحمزاوي في كنز المطالب ص 188 وفيه : فمد يده الشريفة من الشباك فقبلها . وابن درويش الحوت في أسنى المطالب ص 299 وقال : إذا أكرم الله عبدا برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة يمثل له نوره الشريف بصورة جسمه الكريم وربما ظنه الرائي إنه الجسم الشريف لغلبة الحال، ومن ذلك ما وقع لسيدنا الرفاعي رضي الله عنه .. الخ . قال الأميني : لا تهمنا رؤية السيد الرفاعي يد النبي الشريفة وتقبيله إياها وقد جاء القوم بأعظم وأعظم منها، هذا الشيخ عبد القادر الجيلاني استصحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج (1) وهذا جلال الدين السيوطي وقد رأى نفس النبي الأقدس في اليقظة بضعا وسبعين مرة، وروى آخر عنه صلى الله عليه وآله أحاديث، وكان آخر يشاوره في أموره قال الشيخ حسن العدوي الحمزاوي في مشارق الأنوار، وكنز المطالب ص 197 نقلا عن [بهجة النفوس والأسماع] للشعراني عند نقله لمزايا الكمال : منها شدة قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم كل وقت فلا يكاد يحجب عنهم في ليل أو نهار حتى أن بعضهم صحح عنده أحاديث عنه صلى الله عليه وسلم قال بعض الحفاظ بضعفها من طريق النقل الظاهر فتقوت بذلك عنده . قال : وقد أدركت جماعة ممن لهم هذا المقام منهم سيدي علي الخواص (2) والسيد علي المرصفي وأخي أفضل الدين، والشيخ جلال الدين السيوطي، والشيخ نور الدين الشوتي، والشيخ محمد الصوفي ببلاد الفيوم رضي الله عنهم أجمعين . قال : وكان الشيخ نور الدين الشوتي يشاور رسول الله صلى الله عليه وسلم في أموره، وهي ومن جملة ما شاوره فيه حفر البئر التي في زاويتنا فإننا حفرنا ثلاثة آبار وهي تطلع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع كتاب تفريح الخاطر في ترجمته . (2) ترجمه الشعراني في طبقاته الكبرى 2 135 - 153 وبدء ترجمته بقوله : كان رضي الله عنه يتكلم عن معاني القرآن العظيم والسنة الشريفة كلاما نفيسا تحير فيه العلماء وكان محل كشفه اللوح المحفوظ عن المحو والاثبات. وقد أكثر في تلكم الصفحات من هذه المخاريق فراجع .
/ صفحة 180 / فاسدة وماؤها منتن . فقال له صلى الله عليه وسلم : قال لهم : يحفروا في باب الحوش ففعلنا فطلعت بئرا عظيمة وماؤها حلو، فالحمد لله رب العالمين . إقرأ واسأل العقل السليم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده .
- 75 - قال أبو محمد ضياء الدين الوتري في روضة الناظرين ص 133 في ترجمة الشيخ محمد الغزالي الموصلي الشهير بالغزلاني (1) المتوفى 605 نقلا عن الشيخ محمد أبي عبد الله بن تاج ابن القاضي يونس الموصلي أنه قال : كنا مع جماعة من ثقات علماء الموصليين بزيارة الشيخ محمد الغزلاني قدس الله سره وكان الوقت وقت المغرب، وقد أظلم الغار الذي هو فيه فثقل ذلك على الجماعة فكشف ما في خواطرهم وتبسم وقال : ما عندنا زيت ولا لنا سراج، ثم أشار إلى شجرة أمام الغار، فلمعت أغصانها نورا أضاء منه الجبل، فوالله ما بتنا ليلة أبهج وأكثر أنسا عندنا من تلك الليلة . قال الأميني : : إقرأ وتعقل واحكم.
- 76 - قال الجزري : أخبرني بعض شيوخنا الثقات عن شيوخهم : إن الشاطبي القاسم بن فيرة الضرير (2) كان يصلي الصبح بالفاضلية بغلس ثم يجلس للأقراء فكان الناس يتسابقون السرى إليه ليلا، وكان إذا قعد لا يزيد على قوله : من جاء أولا فليقرأ : ثم يأخذ على الأسبق فأسبق، فاتفق أن قال يوما : من جاء ثانيا فليقرأ وبقي الأول وكان من أصحابه لا يدري ما الذنب الذي أوجب حرمانه ففطن إنه أجنب تلك الليلة ولشدة حرصه على النوبة نسي ذلك، فبادر إلى حمام جوار المدرسة فاغتسل ورجع قبل فراغ الثاني والشيخ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) وذلك لأن الغزلان لا زالت كانت تزوره وتأنس به . روضة الناظرين 133 . (2) أبو محمد الضرير المقرئ صاحب القصيدة التي أسماها - حرز الأماني ووجه التهاني - في القرءات عدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا، ولد سنة 538، وتوفي سنة 590 ودفن بالقرافة وقبره مشهور مزور . شذرات الذهب 4 : 302 .
/ صفحة 181 / قاعد أعمى، فلما فرغ الثاني قال الشيخ : من جاء أولا فليقرأ . وهذا من أحسن ما وقع لشيوخ هذه الطائفة بل لا أعلم مثله وقع في الدنيا . مفتاح السعادة 1 : 388 . قال الأميني : ليس الأمر كما حسبه الجزري من أن هذه الحالة من خاصة الشاطبي وما وقع مثلها في الدنيا، وقد أسلفنا ذكر جماعة حسبوا إنهم كانوا يخبرون عن الضمائر ويعلمون المغيب، وكأن القوم اتخذوا المغيبات العوبة يطل عليها كل أعمى أو بصير أو إن الغلو في الفضائل أسف بهم إلى هذه الهوة .
- 77 - قال عمر بن علي السرخسي : كنت مراهقا وقت موت الوخشي (1) الحافظ أبي علي الحسن بن علي البلخي فحضرته فلما وضع في القبر سمعنا صيحة فقيل : خرجت الحشرات من المقبرة وكان في طرقها وإذا انحدرت إليه وأبصرت العقارب والخنافس وهي منحدرة في الوادي والناس ما يتعرضون لها . ذكره الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ 3 : 344 . قال الأميني : دع الحشرات تنحدر، وانظر إلى عقل هذا الحافظ راوي هذه المهزأة فإنه يخبت إلى مثل هذه الأسطورة ويراها مدحا لرجال قومه، فما بال العقارب و الخنافس لم تغادر مقبرة المدينة الطيبة وبقيعها الغرقد ومسجدها الأعظم ولم تنحدر إلى الوادي وكأنها أنست بها، غير إن حشرات مقبرة الوخشي تفر عنه ؟ ! هذا عقل الذهبي وروايته وتراه لما يقف على منقبة من مناقب مولانا أمير المؤمنين ولم ترقه ولا يجد في سندها ومتنها غمزا يتخلص منها بقوله : إن في نفسي منها شيئا . راجع تلخيص المستدرك .
- 78 - قال الحافظ ابن كثير في تاريخه 13 : 94 : ذكروا إن - الشيخ عبد الله اليونيني المتوفى 617 - كان يحج في بعض السنين في الهواء، وقد وقع هذا لطائفة كبيرة من ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) نسبة إلى وخش : قرية من أعمال بلخ .
/ صفحة 182 / الزهاد وصالحي العباد، ولم يبلغنا هذا عن أحد من أكابر العلماء، وأول من يذكر عنه هذا حبيب العجمي، وكان من أصحاب الحسن البصري ثم من بعده من الصالحين رحمهم الله أجمعين . قال الأميني : ليس بعجيب من ابن كثير أن يخبت إلى أمثال هذه الأعاجيب، و يشوه بها صحيفة تاريخه، ويرتفع صخبه متى وقف على منقبة من مناقب أهل البيت عليم السلام هي أدنى من هذه الموهومات التي يمجها الاعتبار، ويحيلها العقل، لكن الحب والبغض يعميان كما إنهما يصمان .
- 79 - قال ابن العلماء الحنبلي في شذرات الذهب 5 : 361 : للشيخ إسماعيل الحضرمي المتوفى 678 كرامات، قال المطري : كادت تبلغ التواتر منها . إن ابن المعطي قيل له في النوم : إذهب إلى الفقيه إسماعيل الحضرمي واقرأ عليه النحو فلما انتبه تعجب لكون الحضرمي لا يحسنه ثم قال : لا بد من الامتثال فدخل عليه وعنده جمع يقرؤن الفقه فبمجرد رؤياه قال : أجزتك بكتب النحو فصار لا يطالع فيه شيئا إلا عرفه بغير شيخ . قال الأميني : خذ العلم من أفواه الرجال أو من إجازاتهم، ما أكثر ما سمعنا التعلم بالدراسة، ولكن هل سمعت أذناك تعلما بإجازة أو تزريقا للعلم بكلمة واحدة ؟ وهل سمعت أكرومة مثلها عن أحد من الرسل ؟ أو أنها فضيلة اختص بها الحضرمي ؟ ولم يتح مثله لأي أحد حتى إن النبي الأعظم لم يعلم عمر بن الخطاب الكلالة بالاجازة وكان يقول : أراك لم تعلمها . ويقول لبنته حفصة : أرى أباك لم يعلمها . إلى مئات من مجهولات الخليفة التي لم يتوفق لاستكناهها باشراق، أو إجازة، أو دراسة، مع حاجته الماسة إليها يوم تسنم عرش الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان غير عازب عن علمه صلى الله عليه وآله وحاجة الأمة إليها، ولم تكن تلكم المجهولات كعلم النحو الذي لا تقوم به دعامة الاسلام و القضاء والفتيا، أضف إليه أخاه يوم المؤاخاة الخليفة الأول، وما أكثر مجهولاته وما خفي عليه من معالم الدين وأحكام الشريعة ؟ وليت باب التعليم بالاجازة كان مفتوحا منذ / صفحة 183 / عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ويعلم صلى الله عليه وآله وسلم ثالث الخلفاء الراشدين عثمان معالم دينه، ولم تك تشوه صفحات الفقه الاسلامي بآراءه الشاذة عن الكتاب والسنة .
- 80 - ذكر السبكي في طبقاته 5 : 51، واليافعي في رياضه ص 96 عن إسماعيل الحضرمي المذكور : إنه مر على بعض المقابر في بلاد اليمن فبكى بكاءا شديدا، وعلاه حزن وترح، ثم ضحك ضحكا حميدا، وعلاه في الحال سرور وفرح، فتعجب الناس الحاضرون هنالك وسألوه عن ذلك فقال رضي الله عنه : كشف لي عن أهل هذه المقبرة فرأيتهم يعذبون فحزنت وبكيت لذلك، ثم تضرعت إلى الله سبحانه وتعالى فيهم فقيل لي : قد شفعناك فيهم فقالت صاحبة هذا القبر : وأنا معهم يا فقيه إسماعيل ! أنا فلانة المغنية . فضحكت وقلت : و أنت معهم . ثم إنه أرسل إلى الحفار وقال : من في هذا القبر القريب العهد ؟ قال : فلانة المغنية التي تشفع لها الشيخ نفع الله تعالى بها . قال الأميني : أنا لا أدري بأيها أعجب ؟ أبدعوى الحضرمي إطلاعه على عالم البرزخ وقبول شفاعته في أهل تلك الجبانة حتى في المغنية ؟ أم باطلاع الحفار على ذلك السر المصون ؟ أم بوقوف المغنية على تلك الشفاعة والتشفع في الحين، ومفاوضتها مع الفقيه في أمرها وهي في قبرها، من دون أي سابقة تعارف بينهما ؟ وإذا كان الكل لم يقع فلا تمايز بين الإعدام، وإنما العجب من بخوع الأعلام بمثل هذه الأوهام .
- 81 - أسلفنا في الجزء الخامس صفحة 21 وقوف الشمس لإسماعيل الحضرمي يوم قال لخادمه وهو في سفر : قل للشمس تقف حتى نصل إلى المنزل . فوقفت حتى بلغ مقصده ثم قال للخادم : أما تطلق ذلك المحبوس ؟ فأمرها الخادم بالغروب فغربت وأظلم الليل في الحال . ذكرها كما مر السبكي في طبقاته 5 : 51، واليافعي في مرآته 4 : 178، وابن / صفحة 184 / العماد في شذراته 5، 362، وابن حجر في الفتاوي الحديثية ص 232 . لعل شرع الهوى يسوغ للانسان زخرف القول، وأن يفوه بما شاء وأراد، وأن ينسلب عن عقله ويكيل كيل المعتوهين، أعوذ بالله من الغلو في الفضائل .
ـ 82 ـ قال اليافعي في مرآت الجنان 4 ص 265 : كان عند السيد أبي محمد عبد الله الدلاوي المتوفى 721 - طفل غابت أمه عفه فبكى فدر ثديه باللبن فأرضع ذلك الطفل حتى سكت . لست أدري ما قيمة أمثال هذه الكتب التاريخية المشحونة بأمثال هذه الأضحوكة، وهي السائرة الدائرة في الملأ العلمي يعول عليها ويؤخذ منها .
- 83 - قال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب 7 : 893 : كان شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي القدسي نزيل القاهرة الشافعي المتوفى 811 يواصل الأسبوع كاملا، وذكر إن السبب فيه أن تعشى مع أبويه قديما فأصبح لا يشتهي أكلا، فتمادى على ذلك ثلاثة أيام، فلما رأى أنه له قدرة على الطي تمادى فيه أربعينا، ثم اقتصر على سبع، وكان فقيها، وكان يذكر أنه يقيم أربعة أيام لا يحتاج إلى تجديد وضوء . قال الأميني : الطبع البشري لا يطيق المثابرة على الجوع أربعين يوما ولا أسبوعا، كما إنه لا يطيق على السهر أربعا، ولعل الفقيه الكردي كانت له نظرية خاصة في مبطلات الوضوء، أو المغالاة في الفضائل كانت تخلق له هذه كلها .
- 84 - ذكر المناوي في طبقاته قال : كان أحمد بن يحيى الشاوي اليمني المتوفى 841 كبير القدر سريا، رفيع الذكر سنيا، صاحب أحوال وكرامات منها : إنه قصده جمع من الزيدية ممن لا يثبت الكرامات، وقصدوا امتحانه وكان عنده جب فيه ماء، فجعل / صفحة 185 / يغرف منه تارة لبنا، وتارة سمنا، وأخرى عسلا، وغير ذلك بحسب ما اقترحوا عليه . ودخل على القاضي عثمان بن محمد الناشري وقد أرجف بموته، ثم خرج وعاد إليه وقال لأهله : قد استمهلت له ثلاث سنين، فأقام القاضي بعدها ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص . شذرات الذهب 7 : 240 . قال الأميني : أنا لا أدري إن الشاوي هل رد أجلا جاءكما هو ظاهر قوله : وقد أرجف بموته . وفي الذكر الحكيم : إذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون ؟ أو أنه موه على آل القاضي بازوف أجله وأنه استمهل له إلى منتهى ثلاثة أعوام ؟ وحسبه الإفك الشائن عندئذ، ومن ذا أعلمه إنه يرجأ إلى منصرم سنين الثلاث ؟ و لعل علمه بذلك كان مدخرا في الجب الذي كان يغرف منه العسل طورا، واللبن تارة، والسمن مرة، والماء أخرى، وهذه المخازي خامسة، ولا بأس عليه فإن البئر بئره والماء ماءه، يغترف منها ما يشاء . فــإن الماء ماء أبي وجدي * وبئري ذو حفرت وذو طويت
- 85 - إمام يعلم حوائج زائريه وهو في قبره قال ابن العماد في شذرات الذهب 7 : 292 : توفي أبو القاسم محمد بن إبراهيم من بيت بني جمعمان سنة 857 وكان إماما مجتهدا وانتهت إليه الرياسة في العلم والصلاح في اليمن وله كرامات منها : إنه كان يخاطبه الفقيه أحمد بن موسى عجيل من قبره، وإذا قصده أحد في حاجة توجه إلى قبره فيقرأ عنده ما تيسر من القرآن ثم يعلمه فيجيبه . قال الأميني : زلة العالم يضرب بها الطبل، وزلة الجاهل يخفيها الجهل .
- 86 - حكي إن السيد يحيى بن السيد بهاء الدين الشرواني الحنفي المتوفى 768 كان لم يأكل طعاما في آخر عمره مقدار ستة أشهر(1). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) شذرات الذهب : 7 : 309 .
/ صفحة 186 / قال الأميني : حبذا لو قبلته الطبيعة البشرية، وخضع له العقل السليم، لكنك تعلم ..
- 87 - قال المناوي في طبقاته في ترجمة إبراهيم بن عبد ربه المتوفى 878 : أخذ عن الشيخ محمد الغمري، والشيخ مدين، قال : دخل مرة بيت الشيخ مدين في مولده فأكل طعام المولد كله . وأكل مرة لحم بقرة كاملة ثم طوى بعدها سنة، و من كراماته ما حكاه الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري إنه قال له : بعدك نسائل في مهماتنا من ؟ قال : من بينه وبين أخيه ذراع من تراب، فاسألني أجيبك، فمرضت بنته فالتمسوا لها بطيخة فما وجدت فجاء إلى قبره وقال : الوعد ثم رجع بعد العشاء فوجد في سلم بيته بطيخة لم يعلم من أين جاءت . شذرات الذهب 7 : 323 . قال الأميني : وصاحب لي بطنه كالهاويه * كــــأن في أحشاءه معاويه أنا في حيرة بين محالات ثلاث : أكل الشيخ البقرة كاملة، وانطوائه على الجوع سنة، وإعطائه البطيخ وهو تحت أطباق الثرى، ولعله كان بينه وبين ابن أبي سفيان آصرة رحم فأتاه ناموس الوراثة عند أكل البقرة من هنالك، ولكني لا أدري من أين أتته الوراثة في الصبر على الطوي سنة، ولم يكن يطيقه معاوية، ولا يطيقه أي إنسان و إن أكل عشرات من البقرة، فإنه يهلك قبل عشر من معشار هذه المدة، ولعلك تقول : إن من المحتمل إنه كان مصابا بدعوتين له وعليه فاجيبتا، وأكل الشيخ وصبر، لكن حديث البطيخة أنا لا أعرف منشأه ومبتداه كما أني أجهل خبره .
- 88 - نشأ داود بن بدر الحسيني المتوفى 881 بشرافات من أعمال الفدس، وكان أهلها كلهم نصارى ليس فيهم مسلم إلا الشيخ وأهل بيته، وكانت حرفة أهل القرية عصر العنب وبيعه فشق ذلك عليه، فتوجه بسببهم فصار كل شئ عملوه خلا وماء وعجزوا / صفحة 187 / فارتحلوا منها، ولم يبق فيها إلا الشيخ وجماعته(1). قال الأميني : ما ظنك ببيئة لم تكن فيها حرفة إلا عصر العنب وبيعه ؟ وكيف كانت تغني هذه الحرفة أهل تلك القرية عن ساير المكاسب ؟ وهل تنحصر حرفة النصارى بعصر العنب وبيعه، ولا يوجد منهم ذو حرفة آخرى ؟ وهل كان الشيخ وأهل بيته يديرون كل تلكم المكاسب والمهن التي تحتاج إليها كل جامعة بشرية ؟
- 89 - قال الإمام أبو محمد ضياء الدين الوتري في [روضة الناظرين] ص 112 في ترجمة السيد محمد أبي المعالي سراج الدين الرفاعي المتوفى 885 : إنه مس بيده المباركة ظهر رجل أحدب فقوم الله تعالى إحديدابه، وصار على أحسن تقويم كأن لم يكن به إحديداب قبل ذلك أبدا . وقال : مر في الشام بغلام ذباح ذبح شاة ووضع السكين في فيه وكان الغلام على طائفة من الحسن والجمال فلما رآه وقف عنده والشاة تختبط مذبوحة وقد قرب خروج روحها فقال للذباح : يا واضع السكين بعد ذبيحـه * فـــي فيه يسقيها رحيق لهاته ضعها بجرح الذبح ثاني مرة * وأنــــا الضمين له برد حياته فأشار إلى الذباح أتباع سيدنا السيد السراج قدس سره بإعادة السكين إلى الجرح، فأعادها، فانتفضت الشاة سليمة لا جراحة فيها ولا ذبح بإذن الله . وقال : ومما حدثنا به الجم الغفير من الثقات أن رجلا ممن ينتمي إلى السيادة ببلدة هيت اسمه كبش اشتهرت به في هيت خرقة الطريقة القادرية، وكان من الأدب مع أهل الله بمعزل، فكان كثيرا ما يسئ فقراء الطرق السائرة وبالخاصة الأحمدية (2) فعاتبه بالواسطة سيدنا السيد سراج الدين ونصحه فأغلظ الجواب فكتب له السيد السراج كتابا وأرسله مع جماعة من أهل هيت كتب فيه مصرحا بغوثية عصره ما هو بحروفه : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) شذرات الذهب ج 7 . (2) أراد بها الرفاعية أتباع السيد أحمد الرفاعي .
/ صفحة 188 / لله في هذا الــــــورى خــــاتم * تجري المقـــادير على نقشه فــــــي نــوعه من سره حالة * تستـــنزل الجبار عن عرشه يفيــض من فيض إله الورى * وبطشـــــه يظهــر من بطشه وإن طغــا بالكبـش لحم الكلا * يدخل رأس الكبش في كرشه فلما وصله الكتاب ضحك وقرأه لأصحابه علنا فلما قرأ البيت الأخير وأتمه سقط في الحال ميتا . قال الأميني : كلام شعري حسن، والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ؟ إنهم يقولون ما لا يفعلون، كبرت كلمة تخرج من أفواهم إن يقولون إلا كذبا .
- 90 - قال المناوي في طبقاته في ترجمة أبي علي حسين الصوفي المتوفى 861 : كان كثير التطور يدخل عليه إنسان فيجده سبعا، ثم يدخل عليه آخر فيجده جنديا، ثم يدخل عليه آخر فيجده فلاحا، أو فيلا وهكذا . وقال آخرون : كان التطور دأبه ليلا ونهارا حتى في صورة السباع والبهائم، ودخل عليه أعداؤه ليقتلوه فقتلوه فقطعوه بالسيوف ليلا، ورموه على كوم بعيد، فأصبحوا فوجدوه قائما يصلي بزاويته، ومكث بخلوة في غيط خارج باب البحر أربعين سنة لا يأكل ولا يشرب . شذرات الذهب 7 : 250 . قال الأميني : من لي بمعتوه يصدق هذه الأفائك ؟ متى سمعت بإنسان يتطور بصور الكواسر والبهائم كالشياطين التي تتشكل بأشكال مختلفة حتى الكلب والخنزير ؟ أو رجل حي بعد ما قطع بالسيوف إربا إربا ؟ أو بشر عاش على الطوي أربعين عاما ؟ هذه هي الحقيقة الراهنة لكن علماء الأمة قالوا قولا في أوليائها ولا سبيل إلى رده، لأنه قول عالم في ولي .
- 91 - السيوطي رأى النبي صلى الله عليه وآله يقظة قال ابن العماد في شذرات الذهب 8 : 54 : ذكر الشيخ عبد القادر الشاذلي في
/ صفحة 189 / كتاب ترجمته : أن جلال الدين السيوطي كان يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فقال لي : يا شيخ الحديث ! فقلت له : يا رسول الله ! أمن أهل الجنة أنا ؟ قال : نعم . فقلت : من غير عذاب يسبق ؟ فقال : لك ذلك . وقال الشيخ عبد القادر : قلت له : كم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقظة ؟ فقال : بضعا وسبعين مرة . قال الأميني : لا يحل هذه المشكلة إلا راء آخر له صلى الله عليه وآله يقظة كما رآه السيوطي فيسأله عن هذه الدعوى، فيخبره إن السيوطي كذب عليه صلى الله عليه وآله وسلم بضعا وسبعين كذبة . أو يوافي رجلا من المتنعمين في الجنة فيسأل عن مبوء السيوطي منها فيقول : أنا قط ما رأيته . وأما إذ لم يتأتيا فإنا نحيل الحكم في هذه القصة إلى العقل السليم لا إلى الغلاة في الفضائل، هذه رؤية القوم النبي يقظة، وأما رؤيتهم في المنام فتربو على المئات، قال أبو عبد الله بن خفيف : سألت أبا جعفر الكتاني كم مرة رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ؟ فقال : كثيرا . فقلت : يكون ألف مرة ؟ فقال : لا . فقلت : فتسعمائة ؟ فقال لا . قلت : فثمانمائة مرة ؟ فقال : لا ؟ قلت : فسبعمائة ؟ مرة ؟ فقال : بيده هكذا أي قريبا منه [حلية الأولياء 10 : 343] . وجمع محمد بن محمد الزواوي البجائي مناماته في جزء وفيها أزيد من مائتي رؤيا رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم وفيها عجائب وغرائب [نيل الابتهاج ص 322] وإن تعجب فعجب ما جاء به الزواوي في مناقب مالك ص 17 قال قال المثنى بن سعيد القصيري : سمعت مالكا يقول : ما بت ليلة إلا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- 92 - ذكر محمد بن علي الحباك خادم الشيخ جلال الدين السيوطي المتوفى 911 : إن الشيخ قال له يوما وقت القيلولة : وهو عند زاوية الشيخ عبد الله الجيوشي بمصر بالقرافة : أتريد أن تصلي العصر بمكة بشرط أن تكتم ذلك علي حتى أموت ؟ قال : فقلت : نعم . قال : فأخذ بيدي وقال : غمض عينيك فغمضها فرحل بي نحو سبع وعشرين خطوة ثم قال لي : افتح عينيك فإذا نحن بباب المعلاة فزرنا أمنا خديجة، والفضل / صفحة 190 / بن عياض، وسفيان بن عيينة، وغيرهم، ودخلت الحرم فطفنا وشربنا من ماء زمزم، وجلسنا خلف المقام حتى صلينا العصر، وطفنا وشربنا من ماء زمزم ثم قال لي : يا فلان ! ليس العجب من طي الأرض لنا، وإنما العجب من كون أحد من أهل مصر المجاورين لم يعرفنا، ثم قال لي : إن شئت تمضي معي، وإن شئت تقيم حتى يأتي الحاج ؟ قال : فقلت : أذهب مع سيدي، فمشينا إلى باب المعلاة وقال لي : غمض عينيك فغمضتها فهرول بي سبع خطوات ثم قال لي : افتح : عينيك فإذا نحن بالقرب من الجيوشي، فنزلنا إلى سيدي عمر بن الفارض . أسلفنا هذه القصة وجملة من لداتها في الجزء الخامس ص 17 - 21 وفصلنا القول هنالك تفصيلا .
- 93 - لما رجع أبو بكر بن عبد الله باعلوي المتوفى 914 من الحج دخل زيلع وكان الحاكم بها يومئذ محمد بن عتيق فاتفق إنه ماتت أم ولد للحاكم المذكور وكان مشغوفا بها فكاد عقله يذهب لموتها، فدخل عليه السيد - باعلوي - لما بلغه عنه من شدة الجزع ليعزيه ويأمره بالصبر وهي مسجاة بين يديه بثوب فعزاه وصبره فلم يفد فيه ذلك، وأكب على قدمي الشيخ يقبلهما وقال : لا سيدي ! إن لم يحي الله هذه مت أنا أيضا، ولم يبق لي عقيدة في أحد، فكشف السيد عن وجهها وناداها باسمها فأجابته : لبيك ورد الله روحها، وخرج الحاضرون ولم يخرج السيد حتى أكلت مع سيدها الهريسة وعاشت مدة طويلة . شذرات الذهب 8 : 63، النور السافر ص 84 . قال الأميني : فليذهب مسيح بن مريم بخاصته من إحياء الموتى بإذن الله حيث شاء، فقد جاء باعلوي ونظراءه أمة كبيرة يشاركونه في المعجز، نعم : الفاصل بين المسيح وهؤلاء أربعة أصابع (1) وإنا وإن لم نر معجز المسيح عليه السلام لكن أخذنا خبره مما هو ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إشارة إلى الحديث المعروف المروي عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام : بين الحق و الباطل أربعة أصابع . الفاصلة بين العين والأذن .
/ صفحة 191 / أثبت من الرؤية ألا وهو القرآن الكريم، على حين إنه معتضد بالاعتبار والبرهنة الصادقة من لزوم نوع المعجز لمثل المسيح من الأنبياء والحجج من الذين عصمهم الله من كل هوى سائد وطهرهم تطهيرا . ونحن إلى الغاية لم نعرف سر إحياء السيد باعلوي أم ولد الحاكم، هل كان للتحفظ على حياة الرجل وقد قال : إن لم يحي الله هذه مت أنا أيضا ؟ . والرائد لا يكذب . وكان المجتمع في حاجة ماسة إلى حياته، أو كان لإبقائه في عقيدته . وكان في نزوعه عنها خسارة أمة محمد صلى الله عليه وآله ؟ أو كان لكلا الأمرين مزدوجا ؟ وهل يعمان هما كل من يدعيهما في موت من يحبه ؟ أو يخصان بالحاكم ؟ أو يقصران على من شاء السيد باعلوي إحياءه ؟ مشكلات لا تنحل .
- 94 ـ ذكر شمس الدين العيدروسي في (النور السافر) ص 84 عن الأمير مرجان أنه قال : كنت في نفر من أصحاب لي في محطة صنعاء الأولى فحمل علينا العدو فتفرق عني أصحابي وسقط بي فرسي لكثرة ما أثخن من الجراحات فدار بي العدو حينئذ من كل جانب فهتفت بالصالحين، ثم ذكرت الشيخ أبا بكر رضي الله عنه، وهتفت به فإذا هو قائم، فوالله العظيم لقد رأيته نهارا، وعاينته جهارا، أخذ بناصيتي وناصية فرسي، وشالني من بينهم حتى أوصلني المحطة، فحينئذ مات الفرس ونجوت أنا ببركته رضي الله عنه ونفع به .
- 95 - قال ابن العماد في شذرات الذهب 8 : 187 : توفي شمس الدين محمد السروي الشهير بابن الحمائل سنة 932، وكان كثير الطيران من بلد لآخر، وكان يغلب عليه الحال ليلا، فيتكلم بألسنة غير عربية من عجم وهند ونوبة وغيرها . إلى أن قال : ومن كراماته : إنه شكى له أهل بلد كبير الفأر في مقات البطيخ فقال لرجل : ناد في الغيط : رسم لكم محمد بن أبي الحمائل أن ترحلوا، فلم يبق فيها فأر، فسأله أهل / صفحة 192 / بلد آخر في ذلك فقال : الأصل الإذن ولم يفعل . قال الأميني : تصك الآذان مكرمة الطيران من بلد إلى آخر، ولم تجدها في الأمم السالفة حتى في معاجز الأنبياء، مرحبا بأمة محمد صلى الله عليه وآله يوجد فيها من يطير بلا جناح موهوب لجعفر بن أبي طالب عليهما السلام الذي يطير به في الجنة، أو يتجول به في ذلك العالم اللطيف، ولا بدع إذ الأمة للرقي والتقدم، ويوم جعفر غير يوم أبي الحمائل، واكتشافات القرن العشرين غير القرون الأولى وعصور الأمم الغابرة . ومن غلبة الحال على أهل الحال ليلا يتأتى التوسع في اللغات، ويمكن للرجل التكلم بأي لغة، إذا الليل له شأن من الشأن، ولغاتها غير لغات النهار، وهناك جزر ومد، ولف ونشر على قسميه : مرتبا ومشوشا، نعوذ بالله من هذيان الليل، وسفه النهار . ولو كان في تلك البلدة لفيف من الهر لاحتمل تصديق هجرة الفئران، ولأغنوا الناس عن معجزة السروي، لكن كفيت الهررة القتال بابن الحمائل، فمرحبا به وبرسمه .
- 96 - قال في شذرات الذهب 8 ص 269 : توفي الشيخ علي ذويب سنة 947 وكان يمشي كثيرا على الماء فإذا أبصره أحد اختفى، وكان يرى كل سنة بعرفة ويختفي من الناس إذا عرفوه .
- 97 - كان سراج الدين عمر العبادي المصري الشافعي الإمام صاحب شرح قواعد الزركشي في مجلدين المتوفى سنة 947 لما حج وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحت له الحجرة الشريفة والناس نيام من غير فاتح فدخلها وزار ثم خرج فعادت الأقفال كما كانت رحمه الله تعالى(1). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) شذرات الذهب 8 : 269 . |
|