وإذْ عرفت في الفصول السابقة موجز الكلام حول تواتر حديث الثقلين فضلاً عن صحته،
بعد أنْ وقفت على طائفةٍ من ألفاظه المعتبرة المشتملة على الأمر بالتمسّك بالكتاب
والعترة، والتأكيد على أنّ الأمة لن تضلّ ما دامت متمسّكةً بهما ومنقادةً لهما
وآخذةً عنهما، والتأكيد على أنهما لن يفترقا حتى يردا الحوض...
اذا عرفت ذلك... فلننظر فيما ذكره الدكتور السّالوس في بحثه حول هذا الحديث الشريف
وفقهه...
وقد جعل الدكتور بحثه في فصلين: « الفصل الأول: الروايات من كتب السُنّة» وهذا
الفصل يبدأ من الصفحة رقم ـ 9 ـ الى الصفحة ـ 33 ـ. ثم « الفصل الثاني: فقه الحديث»
من الصفحة (34) إلى الصفحة (40).
وقد ذكر قبل الفصل الأول:
« الحديث ومنهج الدراسة» جاء فيه:
« يطلق الثقلان على الجن والإنس، قال تعالى في سورة الرحمن (سنفرغ
لكم أيها الثقلان). غير أنّ هذا المعنى ليس المراد هنا، وإنّما المراد:
القرآن الكريم وعترة رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] (1) وسلّم ـ
والثقلان مثنّى ثقل ـ بفتحتين ـ أي: الشيء النفيس الخطير. والمقصود بحديث الثقلين:
ما يروى عن الرسول
____________
(1) نضيف في كلّ موردٍ من موادر الصّلوة والتسليم [وآله] عطفاً على النبي صلّى الله
عليه وآله وسلّم، لأنّ النبي هو أمرنا بذلك في الأحاديث المتفق عليها، لكن بعض من
ينتسب إلى السنّة ويجعل نفسه من أهلها يلتزم بمخالفة هذه السنّة الثابتة عنه لدى
الفريقين!
(68)
ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنه ترك بعده كتاب الله المجيد وأهل بيته الأطهار. قال
الإمام النووي: قال العلماء: سمّيا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما. وقيل: لثقل العمل
بهما والحديث اختلفت أسانيده وتنوّعت متونه».
أقول:
سنتكلّم عن المراد بالثقلين، وعن معنى هذه الكلمة، في الباب الثاني حيث نبحث عن «
فقه الحديث».
وليس المقصود بحديث الثقلين « ما يروى عن الرّسول»!! وإنما هو حديث مقطوع بصدوره
عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم، رواه عنه من أصحابه من عرفت، ورواه عنهم التابعون،
ثم رواه الأئمة والحفّاظ في مختلف القرون، كما عرفت أنّ النبي ـ صلّى الله عليه
وآله وسلّم ـ قد كرّر هذا الكلام مرّةً بعد أخرى، لا سيّما في أواخر حياته الكريمة،
وفي زمنٍ قصير، إذْ لم يكن بين موقفه في يوم عرفة وبين وفاته ثلاثة اشهر... وسيأتي
مزيد بيان لهذا في « فقه الحديث».
وأمّا قوله: « والحديث اختلفت أسانيده وتنوّعت متونه» فاعتراف بالحقيقة، فأسانيده
كثيرة جداً، ومتونه المتنوّعة يجمعها الوصيّة بالكتاب والعترة ووجوب اتّباعهما
وامتثال أوامرهما ونواهيهما... كما ستعرف ذلك.
« وصدر في القاهرة مؤخَّراً كتاب عنوانه حديث الثقلين، ذكر مؤلف الكتاب أنه ينقل
الأخبار الصحيحة الموقوفة المنسوبة إلى أصحابها ورواتها. ونشرت الكتاب جهة علميّة
أيّدت قول المؤلّف. نظرت في الكتاب فوجدته...».
أقول:
هذا الكتاب الصادر في القاهرة بالعنوان المذكور، إنما ألّف في سنة
(69)
(1370) ونشر في القاهرة في سنة (1374) أي قبل أن ينشر (الدكتور) كتابه بأكثر من
(30) سنة، فهل يعبّر عن هذا الزّمان بـ « مؤخَّراً»؟!
ثم لماذا لم يذكر « الجهة العلميّة» التي نشرت الكتاب وأيّدته؟
وإذا كان « الدكتور» يحاول كتم اسم « الجهة العلميّة» التي أيّدت قول مؤلف كتاب
(حديث الثقلين) المطبوع الموجود بين أيدي الناس، فما ظنّك به في المسائل العلميّة،
والقضايا الدقيقة؟
نعم، هذا الكتاب ألّفة العلاّمة الشيخ قوام الدين الوشنوي، ونشرته وأيّدته (دار
التقريب بين المذاهب الإسلامية) في القاهرة، والعلماء الأعلام أصحاب مجلّة (رسالة
الإسلام)...
يقول الدكتور:
« رأيت أنْ أتتبع روايات هذا الحديث الشريف في كتب السنّة قدر الاستطاعة، وأجمع كلّ
الروايات».
لكنّه لم يتطرّق إلاّ لرواياته في (صحيح مسلم) و (مسند أحمد) و (صحيح الترمذي) و
(المستدرك على الصحيحين) مع وجوده في عشرات الكتب غيرها... وهذا ليس ببعيد ممّن
يكتم إسم « الجهة العلمية» التي اعترفت بالحق!! أللهم إلاّ أنْ يكون لقصر باعه الذي
عبّر عنه بـ « قدر الاستطاعة»!!
كلامه في الفصل الأوّل: الروايات من كتب السنّة
وقبل الورود في البحث نشير إلى أنّ عنوان الفصل الأول من كتابه وهو « الروايات من
كتب السنّة» يوهم أنْ ليس لحديث الثقلين ذكر الاّ في الكتب التي ذكرها، وهذا مخالف
للواقع كما نبهّنا عليه من قبل. فإنْ أراد من كلمة « من» في
(70)
العنوان أنّ ما ذكر بعض روايات كتب السنة لا كلّها، فقد اعترفت بالحقيقة، وأنّه لم
يتتّبع روايات هذا الحديث في كتب السنّة...!!
ثم إنّه ذكر:
« أولاً ـ الموطأ، لا نجد في موطأ الإمام مالك ذكراً للثقلين...
ثانياً: ذكر الكتاب والسنّة في غير الموطّأ...».
لكنه يعلم جيّداً: أنّ الكلاٍم ليس في وصيّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم
بالكتاب والسنّة... ولذا يقول ـ بعد ذكر ما اراد ذكره ـ « ولسنا في حاجةٍ إلى أن
نطيل الوقوف هنا، فلا خلاف بين المسلمين في وجوب التمسّك والإعتصام بالقرآن الكريم
والسنّة النبويّة المطهّرة».
فما الغرض من ذكر هذه الأحاديث مع هذا الإعتراف؟
إنْ وجوب التمسّك والإعتصام بالقرآن والسنّة لا خلاف فيه بين المسلمين، كما لا خلاف
بينهم في أنّ ما دَّل على هذا المعنى لا يعارض ما يدل على وجوب التمسّك والاعتصام
بالقرآن والعترة، بل إنّ كلاً منهما مفسّر للآخر ومؤيّد له... فالنبي صلّى الله
عليه وآله وسلّم يأمر بالتمسّك بالقرآن والسنّة، لكنْ لا بالسنّة التي يأتي بها أبو
هريرة وأمثاله من الكذّابين عليه في حياته وبعد وفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم،
بل بالسنّة التي ينقلها العترة الطاهرة وأتباعهم الذين لا خلاف بين المسلمين في
وجوب قبول ما رووه عنه...
لكنّا نعترض على « الدكتور» بأنّ الاحاديث التي أوردها لا أساس لها من الصحّة،
فحديث (الموطأ) لا سند له، وكذا ما جاء في (سيرة ابن هشام)، وما نقله عن (فيض
القدير) عن أبي هريرة ضعيف جدّاً، وهو عن (مستدرك الحاكم) الذي سيطعن « الدكتور»
فيه وفي مولفة نقلاً عن (لسان الميزان)!! ولعلّه لذا نسب الحديث هنا إلى (فيض
القدير) دون (المستدرك)!!
(71)
هذا، وقد تكلَّمنا على كلّ هذا في أحد الفصول الماضية تحت عنوان (حديث الثقلين
والمحاولات السقيمة).
يقول « الدكتور»: « ثالثاً: الصحيحان: لم يرد في صحيح البخاري ذكر لحديث الثقلين،
إلاّ ما أشرنا إليه من قبل من أن الإمام البخاري جعل من كتب صحيحه: كتاب الاعتصام
بالكتاب والسنة».
لكنْ ما المقصود من هذا الكلام؟ فسواء جعل البخاري ذلك من كتب كتابه أو لم يجعل،
فالاعتصام بالكتاب والسنة لا خلاف فيه بين المسلمين... ولكنْ إذا كان إعراض البخاري
عن حديث التمسّك بالكتاب والعترة موهناً له فقد أعرض عن حديث الثقلين الوارد في
الموطّأ!
لكن حديث الموطأ لا سند له، وإعراض البخاري أو غيره عن حديث لا يوهنه إذا كان له
طريق صحيح، وقد نصَّ غير غير واحدٍ من الأئمة على أنّه ليس كلّ ما ليس في الصحيحين
بمردود، وهذه عبارة الإمام النووي ـ كما وصفه « الدكتور» لدى النقل عنه ـ في الدفاع
عن الصحيحين: « فإنّهما لم يلتزما استيعاب الصحيح، بل صحَّ عنهما تصريحهما بأنهما
لم يستوعباه، وإنما قصدا جمع جملٍ من الصحيح، كما يقصد المصنّف في الفقه جمع جملةٍ
من مسائله» (1).
وقال ابن القيّم في حديث أبي الصهباء الذي انفرد به مسلم: « وما ضرَّ ذلك الحديث
انفراد مسلم به شيئاً، ثم هل تقبلون أنتم أو أحد مثل هذا في كلّ حديثٍ ينفرد به
مسلم عن البخاري؟ وهل قال البخاري قط: إن كلّ حديثٍ لم ادخله في كتابي فهو باطل أو
ليس بحجةٍ او ضعيف؟ وكم قد احتجّ البخاري بأحاديث خارج
____________
(1) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 1|37.
(72)
الصحيح وليس لها ذكر في صحيحه؟ وكم صحّح من حديثٍ خارج عن صحيحه؟» (1).
بل أنّهم طعنوا في كثيرٍ من الأحاديث التي أخرجها وحكم بصحتّها، كما تقدَّم في
المقدمة.
على أنّه لو أخرج البخاري حديث التمسّك بالكتاب والعترة في كتابه المعروف بالصحيح
لكان من الممكن أن يقدح « الدكتور» في سنده!! كما فعل بالنسبة إلى سند رواية مسلم
له في كتابه الذي قدَّمه غير واحدٍ من أكابر القوم على كتاب البخاري!
ثم إنَّ البخاري وانْ لم يخرج هذا الحديث الشريف في كتابه المعروف بالصحيح فقد أشار
إليه في تاريخه الكبير حيث عنون « حذيفة» فقال:
« حذيفة بن اسيد أبو سريحة الغفاري، قال سعيد بن سليمان: حدثنا زيد ابن الحسن
الكوفي قال: حدثنا معروف بن خربوذ قال: حدثنا أبو الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري
قال قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: إنكم واردون عليّ الحوض.
نزل الكوفة» (2).
اما الإمام مسلم فقد ذكر أربع روايات لهذا الحديث الشريف، نثبتها هنا كما جاءت في
صحيحه، وكلّها عن زيد بن أرقم، في باب فضائل علي بن أبي طالب.
____________
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد 4|60.
(2) التاريخ الكبير 3|96.
(73)
كتاب فضائل الصّحابة، رضي الله عنهم، والرّوايات هي:
1 ـ حدثني زهير بن حرب وشجاع بن مخلّد جميعاً عن ابن علّية. قال زهير: حدثنا
اسماعيل بن ابراهيم، حدثني أبو حيّان، حدثني يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن
سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم، فلّما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد
خيراً كثيراً، رأيت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وسمعت حديثه، وغزوت معه،
وصلّيت خلفه. لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله
صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. قال: يا ابن أخي، والله لقد كبرت سنّي، وقدم عهدي،
ونسيت بعض الذي كنت اُعي من رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. فما حدّثتكم
فاقبلوا وما لا فلا تكلّفونيه. ثم قال: قام رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم
يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعى خمّاً، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ
وذكّر، ثم قال: أما بعد، ألا أيّها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أنْ يأتي رسول ربي
فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب
الله واستمسكوا به. فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه. ثم قال: وأهل بيتي. أذكّركم الله
في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين:
ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكنْ أهل
بيته من حرم الصّدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل
عباس. قال: كلّ هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم.
2 ـ وحدثنا محمد بن بكّار بن الريّان، حدثنا حسّان (يعني ابن ابراهيم) عن سعيد بن
مسروق، عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم، عن النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم.
وساق الحديث بنحوه، بمعنى حديث زهير.
3 ـ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل. ح وحدثنا إسحاق
(74)
ابن ابراهيم أخبرنا جرير، كلاهما عن أبي حيان، بهذا الإسناد، نحو حديث اسماعيل.
وزاد في حديث جرير: كتاب الله فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على
الهدى، ومن أخطأه ضل.
4 ـ حدثنا محمد بن بكار الريّان، حدثنا حسان (يعني ابن ابراهيم) عن سعيد (وهو ابن
مسروق) عن يزيد بن حيّان، عن زيد بن أرقم قال: دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت
خيراً، لقد صاحبت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وصلّيت خلفه. وساق الحديث
بنحو حديث أبي حيّان، غير أنه قال: ألا وإني تارك فيكم ثقلين، أحدهما: كتاب الله
عزّوجلّ، وهو حبل الله، من اتبعه كان على هدى ومن تركه كان على ضلالة. وفيه: فقلنا:
من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال: لا وأيم الله، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر،
ثم يطلّقها، فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة
بعده».
أقول:
ذكر نصوص روايات مسلم، ولم يتكلّم هنا بشيءٍ حول أسانيدها.
ثم قال:
« رابعاً: مسند الامام أحمد وروايته عن زيد بن أرقم: ذكر الامام أحمد في مسنده سبع
روايات لحديث الثقلين، احداها عن زيد بن أرقم، وهي تتفّق مع ما رواه الامام
مسلم...».
فذكر رواية أحمد المتفقة مع ما رواه مسلم...
وبالنسبة الى أسانيد هذه الروايات قال: « رأينا فيما سبق ما رواه الامامان مسلم
وأحمد عن زيد بن أرقم، وهذا لا خلاف حول صحّته» لكنّه ـ مع ذلك ـ
(75)
ينسب إلى ابن الجوزي القول بأنّ الحديث من الأحاديث الموضوعة، ثمّ يتفضّل فيقول: «
وإنْ كانت الروايات في جملتها كما يبدو لنا لا تجعل الحديث ينزل إلى درجة الموضوع»
(1).
أقول: صارت زحمة (2)!!
وسيتبّين لك حقيقة الأمر... فانتظر...
ثم قال: « خامساً: باقي روايات الثقلين في المسند وغيره:
بالبحث في كتب السنّة نجد روايتين في سنن الترمذي تتّفقان مع روايات مسند الامام
أحمد الستة، التي أشرنا إليها من قبل، وتذكر هنا الروايات الثمانية، ثم نتحدّث
عنها. روايات المسند هي:
1 ـ حدثنا عبدالله، حدثني أبي، حدثنا أسود بن عامر، أخبرنا إسرائيل ـ يعني اسماعيل
بن أبي إسحاق الملائي ـ عن عطية عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلّى الله عليه
[وآله] وسلّم: إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله، حبل ممدود
من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض»
3|14.
2 ـ حدثنا عبدالله، حدثني أبي، حدثنا أبو النضر، حدثنا محمد ـ يعني ابن طلحة ـ عن
الأعمش، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم
قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله عزّوجلّ، كتاب
الله حبل ممدود من السماء الى الأرض،
____________
(1) أنظر: 24.
(2) مثل عراقي، يضربُ لمن يدلي بشيءٍ من الحق ـ لا كلّه ـ ويجعل نفسه متفضّلاً!!
(76)
وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض،
فانظروني بم تخلفوني فيهما؟» 3|17.
3 ـ حدثنا عبدالله، حدثني أبي، ثنا ابن نمير، ثنا عبد الملك ـ يعني ابن أبي سليمان
ـ عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله]: إني قد
تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله عزّوجل حبل ممدود من السماء
إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» 3|26.
4 ـ حدثنا عبدالله، حدثني أبي، ثنا ابن نمير، ثنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطية
العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: إني
قد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لنْ تضلّوا بعدي: الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر،
كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لنْ يفترقا
حتى يردا عليَّ الحوض» 3|59.
5 ـ حدثنا عبدالله، حدثني أبي، ثنا الأسود بن عامر، ثنا شريك، عن الركين، عن القاسم
بن حسّان، عن زيد بن ثابت، قال قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: إني
تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض ـ أو ما بين السماء
الى الأرض ـ وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» 5|181 ـ 182.
6 ـ حدثنا عبدالله، حدثني أبي، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا شريك عن الركين، عن
القاسم بن حسان، عن زيد بن ثابت، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم:
إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله وأهل بيتي. وانهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ
الحوض جميعاً» 5|189 ـ 190.
والترمذي أخرج روايتين، هما:
(77)
1 ـ حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، حدثنا زيد بن الحسن ـ هو الأنماطي ـ عن
جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبدالله قال: رأيت رسول الله ـ صلّى الله عليه
[وآله] وسلّم في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء ـ يخطب، فسمعته يقول: يا
أيها الناس، قد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.
(حسن غريب).
2 ـ حدثنا علي بن المنذر كوفي، حدثنا محمد بن فضيل، قال: حدثنا الأعمش، عن عطية، عن
أبي سعيد، والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم ـ رضي الله عنهما ـ قالا:
قال رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: إني تارك فيكم ما إنْ تمسّكتم به لنْ
تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض
وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (حسن
غريب)». أقول: هنا مؤاخذات:
لقد نصّ « الدكتور» على أنه: « ذكر الامام أحمد في مسنده سبع روايات لحديث الثقلين،
إحداها عن زيد بن أرقم».
لكنّ الموجود في المسند أكثر... فمن رواياته الرواية الآتية وهي عن زيد بن أرقم،
وهذا نصّها:
« حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا أسود بن عامر، ثنا إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة،
عن علي بن ربيعة، قال: لقيت زيد بن أرقم. وهو داخل على المختار أو خارج من عنده ـ
فقلت له: أسمعت رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم
(78)
يقول: إني تارك فيكم الثقلين؟ قال: نعم» (1).
وأخرجه أحمد في كتابه الآخر (فضائل الصحابة) ط | جامعة أُم القُرى، ونصّ محققه على
صحّته.
لكنّ: « الدكتور» أسقطه من الحساب!! لماذا؟ إنّ هذه الرواية من أقوى روايات حديث
الثقلين سنداً ودلالةً، فلا مناص من كتمه!!
وكما كتم ذكر رواية علي بن ربيعة هذه عن زيد، وهي في مسند أحمد، كذلك كتم ذكر رواية
يحيى بن جعدة عنه، وهي في مستدرك الحاكم بسند صحيح على شرط الشيخين، عند الحاكم
والذهبي، كما سترى...
ثم لماذا لم يذكر صحيح الترمذي ولم يعنونه بالاستقلال:
إنّ الغرض من ذلك هو التمهيد للطّعن في أسانيده!!
لقد ذكر الشيخ أحمد محمد شاكر ـ في مقدّمة شرحه وتحقيقه لكتاب الترمذي ـ ترجمةً
وافيةً له وتعريفاً بكتابه، نقلاً عن كبار العلماء السّابقين، حتى ذكر عن بعضهم
التصريح بأنّ كتاب الترمذي أنفع من كتابي البخاري ومسلم، وعن آخر أنه قال بعد ذكر
الموطأ وكتابي البخاري ومسلم: ليس فيهم مثل كتاب أبي عيسى...
فإنْ شئت الوقوف على ذلك فارجع إليه.
وكما لم ينوّه بشأن كتاب الترمذي كذلك عمد إلى تحريفه، للغرض المذكور... ولأجل أن
يتبيّن واقع الأمر ننقل نصّ ما ذكره الترمذي:
« حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، حدثنا زيد بن الحسن، هو الأنماطي ـ
____________
(1) مسند أحمد 4|371.
(79)
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبدالله قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه
[وآله] وسلّم في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: يا أيها
الناس إني قد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي.
قال: وفي الباب عن: أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد.
قال: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
قال: وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحدٍ من أهل العلم» (1).
« حدثنا علي بن المنذر، كوفي، حدثنا محمد بن فضيل، قال: حدثنا الأعمش، عن عطية عن
أبي سعيد، والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن زيد بن أرقم ـ رضي الله عنهما ـ قالا:
قال رسول الله ـ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: إني تارك فيكم ما إنْ تمسكتم به لن
تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الأرض،
وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض. فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
وقال: هذا حديث حسن غريب» (2).
يقول « الدكتور» بعد ايراد الرّوايات الثّمانية عن مسند أحمد والترمذي:
____________
(1) صحيح الترمذي 5|621.
(2) صحيح الترمذي 5|622.
(80)
« هذه هي بقيّة روايات حديث الثقلين، وبالنظر فيها نجد ما يأتي:
1 ـ عن أبي سعيد الخدري خمس روايات، الأربع الأولى من المسند والثانية من سنن
الترمذي، وهذه الروايات كلّها يرويها: عطية عن أبي سعيد.
وعطيّة هو: عطية بن سعد بن جنادة العوفي، والإمام أحمد نفسه ـ صاحب المسند ـ تحدّث
عن عطيّة وعن روايته عن أبي سعيد فقال: بأنّه ضعيف الحديث، وأن الثوري وهشيماً كانا
يضعّفان حديثه، وقال: بلغني أنّ عطيّة كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير وكان
يكنّيه بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد، فيوهم أنه الخدري. وقال ابن حبان: سمع عطيّة
من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات جعل يجالس الكلبي، فإذا قال الكلبي: قال رسول
الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم كذا، فيحفظه، وكنّاه أبا سعيد وروى عنه، فإذا قيل
له: من حدّثك بهذا؟ فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهّمون أنه يريد أبا سعيد الخدري،
وإنما أراد الكلبي. قال: لا يحل كتب حديثه الاّ على التعجب. وقال البخاري في حديثٍ
رواه عطية: أحاديث الكوفيين هذه مناكير. وقال أيضاً: كان هشيم يتكلّم فيه. ولقد
ضعّفه النسائي أيضاً في الضعفاء، وكذلك أبو حاتم. ومع هذا كلّه: وثقه ابن سعد فقال:
كان ثقة إنْ شاء الله وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به، وسئل يحيى بن
معين: كيف حديث عطية؟ قال: صالح (1).
وما ذكره ابن سعد وابن معين لا يثبت أمام ما ذكر من قبل».
أقول:
الطّعن في « عطيّة العوفي» عجيب جدّاً، لأنّه إنْ كان المطلوب كون الرّجل
____________
(1) أنظر: ترجمته في: تهذيب التهذيب، وميزان الاعتدال.
(81)
مجمعاً على وثاقته حتى تقبل روايته، فلا اجماع على عطيّة، بل لا اجماع حتى على
البخاري وأمثاله كما ذكرنا في المقدّمة... إذنْ، لا بدَّ من التحقيق والنّظر
الدقيق، لنعرف من روى عن عطية واعتمد عليه، ولنفهم السبب في طعن من طعن فيه...
لقد أمر « الدكتور» بالرجوع إلى (تهذيب التهذيب) و (ميزان الاعتدال)، وعندما نرجع
إلى الأول منهما وهو أجمع الكتب الرجاليّة للأقوال (1) نجد:
انه يروي عن: أبي سعيد، وأبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وزيد بن أرقم.
وقد رويتم في الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: « خير القرون
قرني ثم الذين يلونهم» (2).
وفي (معرفة علوم الحديث): « النوع الرابع عشر من هذا العلم معرفة التابعين، وهذا
نوع يشتمل على علومٍ كثيرة، فإنهم على طبقاتٍ في الترتيب، ومهما غفل الإنسان عن هذا
العلم لم يفرّق بين الصحابة والتابعين، ثم لم يفرّق أيضاً بين التابعين وأتباع
التابعين. قال الله عزّوجل: (والسابقون الأولون من
المهاجرين والأنصار والذين اتّبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم
جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم).
وقد ذكرهم رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم... فخير الناس قرناً بعد الصحابة
من شافه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم وحفظ عنهم الدين والسنن، وهم
قد شهدوا والوحي والتنزيل...» (3).
____________
(1) تهذيب التهذيب 7|200.
(2) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم. جامع الاصول 9|404.
(3) معرفة علوم الحديث: 41.