والبخاري وانْ لم يخرج عن عطيّة في كتابه المعروف بالصحيح، أخرج عنه في كتابه الآخر
( الأدب المفرد )... وهذا الكتاب وانْ لم يلتزم فيه بالصحّة لكنْ من البعيد أن يخرج
فيه عمّن يراه من الكذّابين ! !
وأبو داود السجستاني أخرج عنه في كتابه الذي جعلوه من الصّحاح الستة، وقال الامام
الحافظ إبراهيم الحربي لمّا صنف أبو داود كتابه: «ألين لأبي داود الحديث كما ألين
لداود الحديد» نقله قاضي القضاة ابن خلّكان (1). وفي المرقاة في شرح
المشكاة: «قال الخطابي شارحه: لم يصنّف في علم الدين مثله، وهو أحسن وضعاً وأكثر
فقهاً من الصحيحين. وقال أبو داود: ما ذكرت فيه حديثاً أجمع الناس على تركه. وقال
ابن الأعرابي: من عنده القرآن وكتاب أبي داود لم يحتج معهما إلى شيء من العلم
ألبتة. وقال الناجي: كتاب الله أصل الاسلام وكتاب أبي داود عيد الاسلام، ومن ثمَّ
صرّح حجة الاسلام الغزالي باكتفاء المجتهد به في الأحاديث، وتبعه أئمة الشافعيّة
على ذلك» (2).
فهذا طرف من كلمات القوم في وصف كتاب أبي داود الذي أخرج فيه عن عطية العوفي.
والترمذي أيضاً أخرج عن عطيّة في كتابه المعدود من الصحاح الستّة
____________
(1) وفيات الأعيان 2|138.
(2) المرقاة في شرح المشكاة 1|22.
( 83
)
عندهم، والذي حكوا عنه أنه قال: «صنّفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا
به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرفضوا به، ومن كان
في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلّم» (1).
وابن ماجة القزويني أيضاً أخرج عن عطية في كتابه الذي نصَّ ابن خلكان على كونه أحد
الصحاح الستة (2)، وقد نقل عن ابن ماجة قوله: «عرضت هذه السنن على أبي
زرعة فنظر فيه وقال: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطّلت هذه الجوامع أو أكثرها.
ثم قال: لعلّه لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثاً ممّا في إسناده ضعف» (3).
وأحمد بن حنبل أخرج عنه فأكثر، ومن ذلك روايات حديث الثقلين، ولا بدَّ من البحث هنا
في جهاتٍ:
الأولى: في رأي أحمد في مسنده وأنه هل شرط الصحيح أولا ؟
والثانية: في رأي العلماء في مسند أحمد.
والثالثة: في رأي أحمد في عطية.
أما رأيه في عطية فسنتكلّم عليه عندما نتعرض لطعن من طعن فيه.
أمّا رأي أحمد بن حنبل في مسنده فقد ذكر الحافظ السيوطي عن بعض
____________
(1) اُنظر مقدّمة الشيخ أحمد محمد شاكر لصحيح الترمذي.
(2) وفيات الأعيان 3|407.
(3) تذكرة الحفاظ 2|189.
( 84
)
العلماء: أن أحمد شرط في مسنده الصحيح (1). وذكر قاضي القضاة السبكي
بترجمة أحمد من ( طبقاته ) عن عبدالله بن أحمد قال: «قلت لأبي: لم كرهت وضع الكتب
وقد عملت المسند ؟ فقال: عملت هذا الكتاب إماماً إذا اختلف الناس في سنّةٍ عن رسول
الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم رجع إليه».
قال السبكي: «قال أبو موسى المديني: لم يخرج إلاّ عمّن ثبت عنده صدقه وديانته، دون
من طعن في أمانته. ثم ذكر باسناده إلى عبد الله ابن الامام أحمد ـ رحمه الله ـ قال:
سألت أبي عن عبد العزيز بن أبان، قال: لم أخرج عنه في المسند شيئاً، لمّا حدّث
بحديث المواقيت تركته».
وأورد السبكي ما ذكره المديني بإسناده إلى حنبل بن اسحاق قال: «جمعنا عمّي ـ يعني
الامام أحمد ـ لي ولصالح ولعبدالله، وقرأ علينا المسند، وما سمعه معنا ـ يعني
تماماً ـ غيرنا، وقال لنا: إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة
وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ]
وسلّم فارجعوا إليه، فإنْ كان فيه والاّ ليس بحجة».
قال السبكي: «قال أبو موسى: ومن الدّليل على أنّ ما أودعه الإمام أحمد ـ رحمه الله
ـ مسنده قد احتاط فيه إسنادا ومتناً، ولم يورد فيه إلاّ ما صحَّ عنده: ما أخبرنا به
أبو علي الحداد. قال: أنا أبو نعيم وأنا ابن الحصين وأنا ابن المذهب قال: أنا
القطيعي، ثنا عبدالله قال: حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي التياح
قال: سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم أنه
قال: يهلك أمتي هذا الحي من قريش. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله ؟ قال: لو أنّ
الناس اعتزلوهم. قال عبدالله: قال أبي في مرضه الذي مات فيه: إضرب على هذا الحديث،
فإنه خلاف الأحاديث عن النبي. يعني قوله: اسمعوا وأطيعوا.
____________
(1) تدريب الراوي 1|171 ـ 172.
( 85
)
وهذا مع ثقة رجال إسناده حين شذّ لفظه مع الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه. فكان
دليلاً على ما قلناه» (1).
وقال شاه ولي الله الدهلوي بعد ذكر طبقةٍ من الكتب: «وكاد مسند أحمد يكون من جملة
هذه الطبقة، فإنّ الإمام أحمد جعله أصلاً يعرف به الصحيح والسقيم. قال: ما ليس فيه
فلا تقبلوه» (2).
وقال جماعة من أعلام الحفّاظ بصحّة أحاديث المسند كلّها، ومنهم:
الحافظ أبو موسى المديني.
وقاضي القضاة السبكي.
والحافظ أبو العلاء الهمداني.
والحافظ عبد المغيث بن زهير الحربي، وله في ذلك مصنَّف.
والحافظ ابن الجوزي عدّ المسند من دواوين الإسلام، وذكره قبل الصحيحين. وهذه عبارته
في مقدمة كتابه الموضوعات:
«فمتى رأيت حديثاً خارجاً عن دواوين الإسلام كالموطّأ ومسند أحمد والصحيحين وسنن
أبي داود والترمذي ونحوها، فانظر فيه. فإنْ كان له نظير في الصحاح والحسان فرتّب
أمره، وإنْ ارتبت فيه فرأيته يباين الأصول فتأمل رجال اسناده، واعتبر أحوالهم من
كتابنا المسمّى بالضعفاء والمتروكين، فإنك تعرف وجه القدح فيه» (3).
وقاضي القضاة السبكي، في كتابه الذي ألفه في زيارة قبر النبي صلّى الله
____________
(1) طبقات الشافعية الكبرى 2|31 ـ 33.
(2) حجة الله البالغة: 134.
(3) الموضوعات 1|99.
( 86
)
عليه وآله وسلّم، وتعرّض فيه للردّ على ابن تيمية، قال في البحث حول حديث: «من زار
قبري وجبت له شفاعتي» بعد ذكر أنه في مسند أحمد: «وأحمد ـ رحمه الله ـ لم يكن يروي
إلاّ عن ثقة، وقد صرّح الخصم ـ يعني ابن تيمية ـ بذلك، في الكتاب الذي صنّفه في
الرّد على البكري، بعد عشر كراريس منه، قال: إنّ القائلين بالجرح والتعديل من علماء
الحديث نوعان، منهم من لم يرو إلاّ عن ثقة عنده كمالك... وأحمد بن حنبل...
وقد كفانا الخصم مؤنة تبيين أن أحمد لا يروي الاّ عن ثقة.
وحينئذٍ لا يبقى له مطعن فيه» (1).
وقال الحافظ جلال الدين السيوطي: «قال شيخ الإسلام ـ يعني ابن حجر العسقلاني ـ في
كتابه: تعجيل المنفعة في رجال الأربعة: ليس في المسند حديث لا أصل له إلاّ ثلاثة
أحاديث أو أربعة، منها حديث عبد الرحمن بن عوف أنه يدخل الجنة زحفاً، قال:
والاعتذار عنه أنه ممّا أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهواً، أو ضرب وكتب من تحت
الضرب».
قال السيوطي: «وقال في كتابه: تجريد زوائد مسند البزاز: إذا كان الحديث في مسند
أحمد لم نعزه إلى غيره من المسانيد».
قال: «وقال الهيثمي في زوائد المسند: مسند أحمد أصح صحيحاً من غيره».
قال: «وقال ابن كثير: لا يوازي مسند أحمد كتاب مسند في كثرته وحسن سياقاته...».
قال: «وقال الحسيني في كتابه: التذكرة في رجال العشرة: عدة أحاديث
____________
(1) شفاء الاسقام في زيارة خير الأنام 10 ـ 11.
( 87
)
المسند أربعون ألفاً بالمكرر» (1).
وقال الدكتور أحمد عمر هاشم ـ استاذ الحديث بجامعة الأزهر ـ في تعليقه على كتاب
تدريب الراوي في هذا الموضع: «وللشيخ ابن تيميّة في ذلك كلام حسن، فقد ذكر في
التّوسل والوسيلة: انه إنْ كان المراد بالموضوع ما في سنده كذّاب، فليس في المسند
من ذلك شيء، وإنْ كان المراد ما لم يقله النبي ـ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم
لغلط راويه وسوء حفظه، ففي المسند والسنن من ذلك كثير».
هذا، وبالاضافة إلى كلّ ما تقدّم... نجد في ترجمة عطيّة:
وثّقه ابن سعد وقال: له أحاديث صالحة.
وقال الدوري عن ابن معين: صالح.
ووثّقه الحافظ سبط ابن الجوزي (2).
وقال الحافظ أبو بكر البزار: يعدّ في التشيع، روى عنه جلّة النّاس.
وأبو حاتم وابن عدي ـ وإنْ ضعّفاه ـ قالا: يكتب حديثه.
ثم إنْ المستفاد من كلمات القوم بترجمة عطية: ان السّبب العمدة في تضعيفه هو
تشيّعه، فعندما نراجع تهذيب التهذيب نجد:
ان الجوزجاني لم يضعّفه وإنما قال: «مائل». وعن ابن عدي: «قد روى عن
____________
(1) تدريب الراوي 1|139.
(2) تذكرة خواص الأمة: 42.
( 88
)
جماعةٍ من الثقات، ولعطية عن أبي سعيد أحاديث عدة وعن غير أبي سعيد، وهو مع ضعفه
يكتب حديثه، وكان يعدّ مع شيعة أهل الكوفة». والبزار لم يضعّفه وإنما ذكر تشيعه
ونصَّ على أنه مع ذلك فقد روي عنه جلّة الناس، والساجي قال: «ليس بحجة» ولم يذكر
لقوله دليلاً إلاّ: «كان يقدّم علياً على الكل».
وقال ابن حجر: «قال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الاشعث، فكتب الحجاج الى محمد بن
القاسم أنْ يعرضه على سبّ علي، فإنْ لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط واحلق لحيته،
فاستدعاه فأبى أنْ يسب، فأمضى حكم الحجاج فيه، ثم خرج إلى خراسان، فلم يزل بها حتى
ولي عمر بن هبيرة العراق، فقدمها فلم يزل بها إلى أنْ توفي سنة 11».
لقد ضُرب الرّجل أربعمائة سوطاً وحلقت لحيته... بأمرٍ من الحجّاج... ثم جاء من
لسانه وسوط الحجاج شقيقان فقال عنه: «مائل» أو ضعّفه، أو اتّهمه... وما ذلك كلّه
إلاّ لأنّه أبى أنْ يسبَّ عليّاً... !!
لقد عرفت في المقدمة أنّ التشيع لا يضّر بالوثاقة، كما نصّ عليه الحافظ ابن حجر
العسقلاني في ( شرح البخاري )، وبنى عليه في غير موضع، منها في ترجمة خالد بن مخلّد
حيث قال: «أمّا التشيّع فقد قدمّنا أنّه إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضرّه، لا
سيّما ولم يكن داعيةً إلى رأيه» (1).
والجوزجاني الذي قال عن عطية «مائل»: كان ناصبيّاً منحرفاً عن علي عليه السلام،
وكان يطلق هذه الكلمة على الرواة الشيّعة... فاستمع الى ابن حجر يقول:
«خ د ت: إسماعيل بن أبان الورّاق الكوفي، أحد شيوخ البخاري ولم يكثر
____________
(1) مقدمة فتح الباري: 398.
( 89
)
عنه، وثّقه النسائي، ومطين، وابن معين، والحاكم أبو أحمد، وجعفر الصائغ،
والدارقطني، وقال في رواية الحاكم عنه: أثنى عليه أحمد وليس بقوي.
وقال الجوزجاني: كان مائلاً عن الحق ولم يكن يكذب في الحديث: يعني: ماعليه الكوفيون
من التشيع.
قلت: الجوزجاني كان ناصبياً منحرفاً عن علي، فهو ضد الشيعي المنحرف عن عثمان.
والصواب موالاتها جمعياً، ولا ينبغي أنْ يسمع قول مبتدع في مبتدع» (1).
أقول:
فلا يسمع قول الجوزجاني في عطيّة وأمثاله إلاّ ناصبي منحرف عن علي !! وأيضاً: قد
عرفت ـ في المقدمة ـ تنبيه الحافظ ابن حجر على عدم الإعتداد بالطعن بسبب الاختلاف
في العقائد قائلاً: «واعلم أنه وقع من جماعةٍ الطعن في جماعةٍ بسبب اختلافهم في
العقائد، فينبغي التنّبه لذلك وعدم الاعتداد به إلاّ بحق» (2).
وقد ذكرنا أنّ الحافظ ابن أبي حاتم الرازي أورد إمامهم الأكبر البخاري في كتاب (
الجرح والتعديل )، وأورده الحافظ الذهبي في كتاب ( المغني في الضعفاء ) لطعن جماعةٍ
من الأئمة في البخاري بسبب اختلافه معهم في مسألة اللّفظ، وهي من أهم المسائل في
العقائد... حتى تضجّر العّلامة السبكي والعلاّمة المنّاوي من فعل الحافظ الذهبي هذا
!!
وممّا يؤكّد ماذكرنا من كون الرجل من رجال الصحاح، وأنّ تضعيف بعضهم
____________
(1) مقدمة فتح الباري: 387.
(2) مقدمة فتح الباري: 382.
( 90
)
إيّاه إنما هو لأجل الاختلاف في العقائد، وأنه لا يعتّد به: حذف الحافظ ابن حجر اسم
عطية العوفي من ميزان الاعتدال، وعدم ذكره في ( لسان الميزان )، مشيراً إلى أنّه لا
ينبغي الاصغاء إلى تكلّم الجوزجاني ومن كان على شاكلته... في مثل عطيّة التابعي
الثقة المعتمد عليه في الكتب المعوّل عليها عندهم...
بقي أنْ نعرف رأي أحمد في عطيّة الذي أكثر عنه في المسند:
جاء في تهذيب التهذيب عن أحمد أنه قال: «هو ضعيف الحديث. ثم قال بلغني أن عطية كان
يأتي الكلبي فيسأله عن التفسير، وكان يكنّيه بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد.
قال أحمد: وحدثنا أبو أحمد الزبيري: سمعت الكلبي يقول: كنّاني عطية أبو سعيد».
أقول:
هنا نقاط نضعها على الحروف، أرجو أن يتأمّلها المحقّقون المنصفون، بعد الالتفات الى
ماذكرناه حول ـ رأي أحمد في المسند ـ وبعد البناء على ثبوت هذا النقل عن أحمد الذي
أكثر من الرواية عن عطيّة عن أبي سعيد:
1 ـ إنّ السبب في قوله: «ضعيف الحديث» هو ماذكره قائلاً: «بلغني» ثم نظرنا فإذا في
الجملة اللاحقة يذكر السند الذي بلغه الخبر به وهو: «أبو أحمد الزبيري سمعت الكلبي
يقول...».
2 ـ هذا الكلبي هو: محمد بن السائب المفسّر المشهور، ووفاته سنة
( 91
)
(146) (1) وقد عرفت أن عطيّة مات سنة (111) (2)، وهذا ما
يجعلنا نتردّد في أصل الخبر ففي أيّ وقت حضر عطيّة التفسير عند الكلبي ؟ وأيّ
مقدارٍ سمع منه ؟
3 ـ قال ابن حجر: «قال ابن حبّان ـ بعد أنْ حكى قصته مع الكلبي بلفظ مستغربٍ فقال:
سمع من أبي سعيد أحاديث، فلمّا مات جعل يجالس الكلبي يحضر بصفته، فإذا قال الكلبي
قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم كذا فيحفظه، وكنّاه أبا سعيد، ويروي
عنه، فاذا قيل له: من حدّثك بهذا ؟ فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهّمون أنه يريد أبا
سعيد الخدري، وانما أراد الكلبي ـ قال: لايحلّ كتب حديثه إلاّ على التعّجب».
يفيد هذا النقل:
( أ ) أنّ السبب في تضعيف ابن حبّان أيضاً هو هذه القصّة...
( ب ) أنّ القصة ـ إنْ كان لها أصل ـ قد زاد القوم عليها أشياء من عندهم.
( ج ) أنّ هذا اللفظ مستغرب بحيث التجأ ابن حجر إلى الطعن فيه.
واعلم أنّ «الدكتور» أورد اللفظ المذكور عن ابن حبان بواسطة ابن حجر وأسقط كلمته
«بلفظٍ مستغرب» ! !.
4 ـ إنّ الكلبي المذكور رجل قد أجمعوا على تركه، متهم عندهم بالكذب والرفض، قال ابن
سعد: «قالوا: ليس بذاك، فيه روايته ضعيف جداً» (3).
وقال الذهبي في وفيات سنة ( 146 ): «فيها: محمد بن السائب أبو نضر الكلبي الكوفي،
صاحب التفسير والأخبار والأنساب، أجمعوا على تركه، وقد اتهم بالكذب والرفض. قال ابن
عدي: ليس لأحدٍ أطول من تفسيره» (4).
____________
(1) أنظر: العبر وغيره حوادث 146.
(2) وهو قول ابن سعد ومطيّن والذهبي. قال الذهبي في تاريخ الإسلام: «وقال خليفة:
مات سنة 127. وهذا القول غلط».
(3) تهذيب التهذيب 9|159.
(4) العبر 1|158.
( 92
)
وفي طبقات المفسرين: «محمد بن السائب بن بشر الكلبي، أبو النضر الكوفي النسابة
المفسر، روى عن: الشعبي وجماعة. وعنه: إبنه، وأبو معاوية، ويزيد، ويعلى بن عبيد،
وخلف. متهم بالكذب، ورمي بالرفض. قال البخاري: تركه القطاّن وابن مهدي. قال مطيّن:
مات سنة (146).
أخرج له: أبو داود في المراسيل، والترمذي وابن ماجة في التفسير.
وله تفسير مشهور، وتفسير الآي الذي نزل في أقوامٍ بأعيانهم، وناسخ القرآن ومنسوخه»
(1).
فأقول:
إذا كان هذا الرجل مجمعاً على تركه ومتّهماً بالكذب والرفض، فكيف روى عنه الجماعة
وحتى بعض أصحاب الصحاح ؟
الواقع: إنهم كانوا يعتمدون عليه في التفسير، فقد ذكر ابن حجر عن ابن عدي: «حدّث
عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير» ولذا روى عنه الترمذي وابن ماجة في التفسير
كما عرفت، ولم يكونوا يعتمدون عليه في الحديث، كما عرفت من عبارة ابن سعد حيث قال:
«في روايته ضعيف جداً»، بل إنّ مثل عطيّة الذي لازم جماعةً من كبار الصحابة وروى
عنهم في غنىً عن الرواية عن الكلبي.
لكنّهم حيث كانوا يأخذون منه التفسير كانوا يحاولون التستّر على ذلك... لأنّه كان
يفسّر الآي ويذكر الأقوام الذين نزلت فيهم بأعيانهم ـ ولعلّه لذا رمي بالكذب والرفض
ـ وكذلك كان عطيّة، فإنّه كان يكنّيه لئلاّ يعرف الرجل فتلاحقه السّلطات، لا لغرض
التدليس والتلبيس... ويشهد بذلك كلام قاضي القضاة ابن خلكان بترجمة الكلبي: «روى
عنه سفيان الثوري ومحمد بن اسحاق، وكانا
____________
(1) طبقات المفسرين 2|149.
( 93
)
يقولان: حدثنا أبو النصر، حتى لا يعرف»(1). فلو كان مايفعله عطيّة مضراً
بوثاقته لتوجّه ذلك بالنسبة الى سفيان وابن اسحاق...
بل لتوجّه الطعن في البخاري وكتابه المشهور بالصحيح، فإنّ كان يروي عن «محمد بن
يحيى الذهلي» ـ الذي طرد البخاري من نيسابور، وكتب إلى الري ضده، فترك أئمة القوم
في الري الحضور عنده والسّماع منه ـ فقد جاء بترجمة الذهلي: أن البخاري يروي عنه
ويدلّسه كثيراً، لا يقول: (محمد بن يحيى ) بل يقول: ( محمد ) فقط، أو (محمد بن خالد
) أو ( محمد بن عبدالله ) ينسبه إلى الجد ويعمّي اسمه، لمكان الواقع بينهما»
(2).
فهذا واقع الحال في رواية عطيّة عن الكلبي ان ثبت أصل القضية.
ويؤكّد ما ذكرناه توثيق ابن سعد وابن معين وغيرهما عطيّة، وروايتهم عنه، فلو كان
صنيع عطية مضراً بو ثاقته لما وثّقوه ولا رووا عنه.
ولا سيّما أحمد وأرباب الصّحاح... ويحيى بن معين الذي روى عنه أحمد والبخاري ومسلم
وأبو داود وسائر الأئمة، وقد وصفوه بإمام الجرح والتعديل وجعلوه المرجوع اليه في
معرفة الصحيح والسقيم، وربّما قدّموا رأيه على رأي البخاري في الرجال...
وأخيراً... لو كان أحمد يرى ضعف حديث عطيّة فلماذا روى عنه بكثرة في المسند الذي
عرفت رأيه فيه ؟
لقد تنبّه «الدكتور» إلى هذا الاعتراض فانبرى للجواب عنه، وهذه عبارته:
____________
(1) وفيات الأعيان 3|436.
(2) سير أعلام النبلاء 12|275.
( 94
)
«وقد يقال هنا: إذا كان الامام أحمد يرى ضعف حديث عطيّة فلماذا روى عنه ؟ والجواب:
ان الإمام أحمد إنما روى في مسنده ما اشتهر، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم. ويدل على
ذلك انّ ابنه عبد الله قال: قلت لأبي: ما تقول في حديث ربعي بن خراش عن حذيفة ؟
قال: الذي يرويه عبد العزيز بن أبي رواد ؟ قلت: نعم. قال: الاحاديث بخلافه. قلت:
فقد ذكرته في المسند ؟ قال: قصدت في المسند المشهور، فلو أردت أن اقصد ما صحّ عندي
لم أرو من هذا المسند إلاّ الشيء بعد الشي اليسير. وقد طعن الامام أحمد في أحاديث
كثيرة في المسند، وردَّ كثيراً ممّا روي، ولم يقل به، ولم يجعله مذهباً له.
وعندما عدّ ابن الجوزي من الأحاديث الموضوعة أحاديث أخرجها الإمام أحمد في مسنده،
وثار عليه من ثار، ألّف ابن حجر العسقلاني كتابه ( القول المسددّ في الذبّ عن
المسند ). فذكر الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي، ثم أجاب عنها، وممّا قال:
الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شيء من أحاديث الاحكام في الحلال والحرام. والتساهل
في ايرادها مع ترك البيان بحالها شائع. وقد ثبت عن الامام أحمد وغيره من الأئمة
أنهم قالوا: اذا روينا في الحلال والحرام شددنا، واذا روينا في الفضائل ونحوه
تساهلنا. وهكذا حال هذه الاحاديث.
وما ذكره ابن حجر ينطبق على الأحاديث المروية في فضائل أهل البيت والتمسّك
بالعترة».
نقول:
هذه عبارة «الدكتور» كما هي بلا زيادةٍ ولا نقصان، وعليك بمراجعة «المسند تحقيق
شاكر ـ طلائع الكتاب 1|57» و «ص 11 من القول المسدّد» هل ترى من اختلافٍ بين ما
فيهما وما نقله عنهما ؟ !
( 95
)
والمهمّ فيها هو الجواب عن السؤال... والجواب هو قوله:
«ما ذكره ابن حجر ينطبق على الأحاديث المروية في فضائل أهل البيت والتمسّك
بالعترة».
أي: إن أحمد يرى ضعف حديث عطيّة، لكنّه روى فضائل أهل البيت والتمسّك بالعترة عن
عطيّة وأمثاله لتساهله في الفضائل.
لكن هذا الجواب غير مسموع، ولو كلّف «الدكتور» نفسه وراجع روايات أحمد عن عطيّة عن
أبي سعيد الخدري فقط، لو جد فيها الفضائل، والاحكام في الحلال والحرام، والتفسير،
والمواعظ...
وبتعبير آخر: إنّ هذا الجواب من «الدكتور» يؤكّد الأدلّة التي أقمناها على وثاقة
عطية عند أحمد وغيره من الأئمة، والبيان الذي ذكرناه لقصّة روايته على الكلبي ـ إنْ
صحّت ـ... لأنّ المفروض أنه «قد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا:
إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، واذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا» هذا هو
المفروض... وقد وجدنا أحمد يروي عن عطية الحلال والحرام...
فهل «الدكتور» يجهل هذا ؟ أو يتجاهله ؟ !
نعم... إن أحمد كما روى حديث التمسك بالعترة عن عطية عن أبي سعيد الخدري... وهو من
أحاديث الفضائل، كذلك روى عن عطية عن أبي سعيد الخدري... من أحاديث الحلال والحرام
بكثرة...
ففي نظرةٍ سريعة في الجزء الثالث في مسند أبي سعيد الخدري، الذي يبدء من الصفحة (2)
وينتهي في صفحة (98) نجد روايته عنه في الصفحات: 7، 9، 10، 13، 14، 17، 20، 21، 22،
27، 31، 32، 38، 39، 40، 42، 43، 45، 54، 55،
( 96
)
65، 73، 74، 80، 83، 89، 93، 97، 98...
فمثلاً في الصفحة ( 43 ) روى عنه حديثاً في حكم الأضحيّة.
وفي الصفحة ( 45 ) حديثاً في أن الجنين ذكاته ذكاة أمّه.
وفي الصفحة ( 54 ) و ( 73 ) في حكم غسل الجنابة...
وهكذا...
هذا في رواياته عن عطية عن أبي سعيد الخدري... ولو وجدنا فراغاً لعددنا روايات أحمد
عن عطيّة عن غير أبي سعيد من الصّحابة، لا سيّما ما كان منها في الاحكام والحلال
والحرام... إلاّ أن فيما ذكرنا غنى وكفاية.
ثم قال «الدكتور»:
«2 ـ الرواية الثانية للترمذي رواها عن علي بن المنذر الكوفي، عن محمد بن فضيل. ثم
انقسم السند إلى طريقين، انتهى الأول الى عطيّة عن أبي سعيد. والثاني: إلى زيد بن
أرقم. ولا يظهر هنا أي السندين هو الأصل... والذي جمع بين الطريقين في هذا الإسناد
هو: علي بن المنذر الكوفي، أو محمد بن الفضيل. ولكن الثاني روى عنه مسلم في إحدى
رواياته السابقة عن زيد بن أرقم. فيستبعد الجمع عن طريقه. فلم يبق إلاّ علي بن
المنذر.
وهو من شيعة الكوفة. قال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي وهو صدوق ثقة: سُئل عنه أبي
فقال: محلّه الصدق. قال النسائي: شيعي محض ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن
نمير: هو ثقة صدوق. وقال الدارقطني: لا بأس به. وكذا قال مسلمة بن قاسم وزاد: كان
يتشيع. وقال الاسماعيلي: في القلب منه شيء لست أخيره. وقال ابن ماجة: سمعته يقول:
حججت ثمانياً وخمسين حجة أكثرها
( 97
)
راجلاً (1).
وما سمعه منه ابن ماجة يجعلنا نتردّد كثيراً في الاحتجاج بقوله، فكيف يقطع آلاف
الأميال للحج ثمانياً وخمسين مرة أكثرها راجلاً ؟ ليس من المستبعد اذن أنْ يجمع
راوٍ شيعي كهذا بين روايتين في مناقب أهل البيت تتفّقان في شيء وتختلفان في شيءٍ
آخر».
لقد تقدّم لفظ الترمذي حديث الثقلين في كتابه الذي يعدّ من ( الصّحاح الستة ) عند
القوم، وكما ذكرنا من قبل فإنّ مجرد إخراج الترمذي لهذا الحديث الشريف يكفي
للاحتجاج به عليهم، لا سيّما وأنّه أخرجه من طريقين عن اثنين من كبار الصحابة بعد
أن أخرجه عن جابر بسندٍ آخر، ونصّ على أنّ «في الباب عن: أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد
بن أرقم، وحذيفة بن أسيد» ممّا يدلُّ على شدّة اعتنائه به وسعيه وراء اثباته.
والحاصل: إنّه قد أخرج الحديث بثلاثة طرق عن ثلاثة من الصحابة، واكتفى بالنسبة إلى
رواية غيرهم بالإشارة.
وقد أخرج الترمذي الرواية الثانية بطريقيها عن شيخه: علي بن المنذر الكوفي...
ولننظر إلى ترجمته في تهذيب التهذيب:
«ت س ق ( الترمذي والنسائي وابن ماجة ).
علي بن المنذر بن زيد الأودي ويقال: الأسدي. أبو الحسن الكوفي الطريقي.
____________
(1) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب.
( 98
)
روى عن: أبيه، وابن عيينة، وابن فضيل، وابن نمير، ووكيع، والوليد بن مسلم، وسحاق بن
منصور السلولي، وأبي غسّان النهدي، وجماعة.
وعنه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، ومطيّن، ومحمد بن يحيى بن منده، وزكريا
السجزي، وابن أبي الدنيا، وعبدالله بن عروة، وعبدالله محمد بن سيار الفرهياني، وعمر
بن محمد بن بجير، والهيثم بن خلف، وابو علي ابن مصقلة، والحسن بن محمد بن شعبة،
وجعفر بن أحمد بن سنان القطان، ويزيد بن الهيثم القاضي، ويحيى بن صاعد، وأحمد بن
الحسين بن اسحاق الصدفي، وعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، ومحمد بن جعفر بن رباح
الأشجعي. وآخرون.
قال ابن أبي حاتم: سمعت منه مع أبي وهو صدوق ثقة. سئل عنه أبي فقال: محلّه الصدق.
وقال النسائي: شيعي محض ثقة. وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال مطين: مات في ربيع
الآخر سنة 256 سمعت ابن نمير يقول: هو ثقة صدوق.
قلت: وقال الإسماعيلي: في القلب منه شيء لست أخيره.
وقال ابن ماجة: سمعته يقول: حججت ثمانياً وخمسين حجة أكثرها راجلاً.
وذكر ابن السمعاني: انه قيل له الطريقي، لأنه ولد بالطريق.
وقال الدارقطني: لابأس به. وكذا قال مسلمة بن قاسم وزاد: كان يتشيع» (1).
هذا كلّ ما جاء في تهذيب التهذيب... وهل تجد فيه إلاّ التوثيق. بل التصريح بكونه
صدوقاً ؟
أمّا كلمة الإسماعيلي فلا تدل على قدح، ولا نعلم ما كان في قبله !
____________
(1) تهذيب التهذيب 7|337.
( 99
)
وأمّا انه «كان يتشيّع» فلا يضر كما تقدم...
لقد ظهر:
1 ـ أنّه من مشايخ الترمذي.
2 ـ أنّه من مشايخ ابن ماجة.
وذلك في كتابيهما المعدودين من الصّحاح الستة عندهم، وقد عرفت شأن الكتابين عندهما
وعند القوم.
3 ـ أنّه من مشايخ النّسائي، وقد أخرج عنه في كتابه الذي نقلوا عنه القول بأنّ كلّ
ما فيه صحيح، والذي أطلق عليه الصّحة جماعة من كبار أئمتهم. قال السيوطي: «قال
الحافظ أبو الفضل ابن حجر: قد أطلق اسم الصّحة على كتاب النسائي: أبو علي
النيسابوري، وأبو أحمد ابن عدي، وأبو الحسن الدارقطني، وأبو عبدالله الحاكم، وابن
منذه، وعبد الغني بن سعيد، وأبو يعلى الخليلي، وأبو علي ابن السكن، وأبو بكر
الخطيب، وغيرهم» بل نقلوا عن بعض أكابرهم: «أن لأبي عبد الرحمن شرطاً في الرجال
أشدّ من شرط البخاري ومسلم» (1).
4 ـ وأنّه من مشايخ جماعة كبيرة من كبار الأئمة، أمثال: مطيّن، وأبي حاتم، وابن
منده، والسجزي، وابن صاعد، وابن أبي حاتم...
5 ـ وأنّه وثّقه: أبو حاتم الرازي، والنّسائي، وابن حبان، وابن نمير وغيرهم...
6 ـ وأنّه قال أبو حاتم وولده عبد الرحمن: صدوق. وقال النسائي: ثقة.
أمّا النسائي فقد تقدّم أن له شرطاً في الرجال اشد من شرط البخاري ومسلم. وأمّا أبو
حاتم فقد ذكر الذهبي أنه متعنّت في الرجال يجب التوقف عن قبول قدحه
____________
(1) راجع مقدمة شرح السيوطي على سنن النسائي.
( 100
)
أمّا لو وثّق فالزم توثيقه... وسنذكر عبارة الذهبي كاملةً...
فهذا حال علي بن المنذر الكوفي...
يقول «الدكتور» حيث لم يجد مجالاً للطعن في الرجل: «وقال ابن ماجة: سمعته يقول:
حججت ثمانياً وخمسين حجة أكثرها راجلاً. وما سمعه منه ابن ماجة يجعلنا نتردّد
كثيراً في الاحتجاج بقوله، فكيف يقطع آلاف الأميال للحج ثمانياً وخمسين مرة أكثرها
راجلاً ؟».
بالله عليك !! يأتي الرجل بعد مئات السّنين فيشكّك في عدالة رجل، ويتردد في
الاحتجاج بقوله لشيءٍ سمعه منه ابن ماجة ولم يتردّد ـ ابن ماجة ـ في الاحتجاج بقوله
! كأنّ هذا الرجل يرى نفسه أفهم وأتقى من ابن ماجة وأبي حاتم الرازي والنّسائي
والترمذي و و... !! إنْ كان كذلك فأهلاً وسهلاً !!
إنّ هذا الأمر لا يوجب التردّد في العدالة والاحتجاج به، والاّ لم يوثّقه القوم ولم
ينصوا على أنّه صدوق...
والواقع: ان الذي قد وفّق له علي بن المنذر ـ وانْ كان لا يتيسّر لكلّ أحدٍ ـ قد
حصل لكثيرٍ من الناس، على ما يذكر في تراجمهم(1) بل لقد ذكر القوم
بتراجم مشايخهم من هذا الباب ما يستغربه أولو الألباب، ولننقل من ذلك: حكايتين،
والعهدة على الراوي:
ذكر الحافظ ابن الجوزي (2) عن موسى بن هارون قال: «رأيت الحسن بن الخليل
مرةً بعرفات وكلّمته، ثم رأيته يطوف بالبيت، فقلت: ادع الله لي أن يقبل
____________
(1) بل ذكر صاحب ( الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ) بترجمة: «صالح بن يوسف أبي
شعيب المقنع الواسطي الأصل»: أنّه «يقال: انه حج تسعين حجة راجلاً، في كلّ حجة يحرم
من صخرة بيت المقدس» انظر ج 1 ص 296.
(2) وهو صاحب ( العلل المتناهية ) الذي أورد فيه حديث الثقلين بأحد أسانيده، وحذّر
العلماء من الاغترار بذلك، الاّ أنّ «الدكتور»... !
( 101
)
حجي. فبكى ودعا لي. ثم أتيت مصر فقلت: إن الحسن كان معنا بمكة، فقالوا: ما حجّ
العام، وقد كان يبلغني أنه يمرّ إلى مكة في كلّ ليلة فما كنت أصدّق، حتى رأيته
فعاتبني وقال: شهرتني، ما كنت أحبّ أنْ تحدّث بها عني، فلا تعد بحقّي عليك»
(1).
وقال ابن العماد: «ذكر السخاوي في طبقاته: انّ الشيخ معالي سأل الشيخ سلطان بن محمد
البعلبكي المتوفى سنة 641 فقال: يا سيدي كم مرّة رحت إلى مكة في ليلة ؟ قال: ثلاث
عشرة مرة. قلت: قال الشيخ عبدالله اليونيني: لو أراد أنْ لا يصلّي فريضةً إلاّ في
مكة لفعل» (2).
سماع الأعمش من حبيب بن أبي ثابت حديث الثقلين:
وثمة تشكيك آخر لا أساس له من «الدكتور».
يقول: «والأعمش وحبيب من الثقات، وثبت سماع الأعمش من حبيب، وسماع حبيب من زيد بن
أرقم، إلا أنّ في هذه الرّواية لم يثبت السّماع».
أقول:
في هذه العبارة أمور:
1 ـ الاعتراف بوثاقة الأعمش وحبيب بن أبي ثابت. وحينئذٍ لا يضر كونهما مدلّسين، إذ
لو كان تدليسهما مضراً بالوثاقة لما وثّقهما.
2 ـ الاعتراف بسماع الأعمش من حبيب، وسماع حبيب من زيد.
3 ـ دعوى أنه في هذه الرواية لم يثبت السّماع !! فما الدليل ؟
____________
(1) صفة الصفوة 4|293.
(2) شذرات الذهب 5|211.
( 102
)
لقد أخرج حديث الثقلين الحافظ النسائي بإسناده عن الأعمش عن حبيب عن أبي الطفيل عن
زيد بن أرقم (1).
وأورده الحافظ ابن كثير عن النسائي في سننه ثم قال: «قال شيخننا أبو عبدالله
الذهبي: هذا حديث صحيح» (2).
وأخرجه الحاكم بثلاثة طرق عن يحيى بن حماد، في أحدها عبدالله بن أحمد عن أبيه، قال:
«ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال: ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد
بن أرقم...» ثم صححه هو الذهبي على شرط الشيخين (3).
وأخرجه الحاكم في «ذكر زيد بن أرقم الانصاري» من كتاب «معرفة الصحابة» من (مستدركه
) بإسناده عن حبيب عن يحيى بن جعدة عن زيد، وصحّحه هو والذهبي على شرط الشيخين، وقد
تقدّم لفظه (4).
وقال الحافظ السخاوي في كتابه الجليل ( استجلاب ارتقاء الغرف ). بعد تفسير قوله
تعالى: ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى
): «وإذْ قد بان لك الصحيح في تفسير هذه الآية فأقول: قد جاءت الوصيّة الصريحة بأهل
البيت في غيرها من الأحاديث، فعن سليمان بن مهران الأعمش عن عطيّة بن سعد العوفي
وجبيب بن أبي ثابت، أوّلهما عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ وثانيهما عن زيد
بن أرقم ـ رضي الله عنه ـ قال قال رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم: اإني
تارك فيكم الثقلين، ما انْ تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي...
أخرجه الترمذي في جامعه وقال: حسن غريب».
____________
(1) خصائص علي. رقم الحديث: 79.
(2) البداية والنهاية 5|209.
(3) المستدرك 3|109.
(4) المستدرك 3|533.