وتعرّض «الدكتور» للحديث في المستدرك، فقال:
«وفي المستدرك، روى الحاكم هذا الحديث بما يفيد سماع الأعمش من حبيب، وهذا يحتاج
إلى مراجعة الاسناد الذي ذكره، وما أكثر رجاله، غير أنّا لسنا مضطرّين الى بذل هذا
الجهد، فإنْ ثبت سماع الأعمش بقي أكثر من موطن ضعف.
والحاكم ذكر الحديث بروايتين احداهما في اسنادها الامام أحمد بن حنبل. وسيأتي أنّه
هو نفسه ضعّف الحديث كما ذكر ابن تيمية. والأخرى بيّن الذهبي وهي إسنادها».
أقول:
أولاً: ذكر «الدكتور» في هذا الموضع في الهامش مترجماً الحاكم ما هذا نصه:
«هو أبو عبدالله محمد بن عبدالله الضبي النيسابوري. ولد سنة 321 هـ. قال عنه ابن
حجر في لسان الميزان: إمام صدوق ولكنّه يصحّح في مستدركه أحاديث ساقطة فيكثر من
ذلك. فما أدري هل خفيت عليه ؟ فما هو ممن يجهل ذلك، وانْ علم فهو خيانة عظيمة.
ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرّض للشيخين. والحاكم أجلّ قدراً وأعظم خطراً وأكبر
ذكراً من أنْ يذكر في الضعفاء. لكنْ قيل في الاعتذار عنه أنّه
( 104
)
عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره. وذكر بعضهم أنه حصل له تغيّر في غفلة في
آخر عمره. ويدل على ذلك: أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له، وقطع بترك الرواية
عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم. ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصحّحها».
وقال «الدكتور» في هامش الصفحة ـ 26 ـ: «راجع ما ذكرناه من قبل عن الحاكم ومستدركه،
وعن روايتيه لهذا الحديث».
وخلاصة كلامه بترجمة الحاكم هو الطعن فيه وفي كتابه، لكن الملاحظ:
1 ـ إنّه في الصفحة ـ 11 ـ نقل عن ( فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ) رواية عن أبي
هريرة... وكتم المصدر الذي نقل عنه الرواية في فيض القدير، وقد ذكرنا سابقاً أنّه
مستدرك الحاكم، ونظرنا في سنده على ضوء كلمات علماء الجرح والتعديل...
فإذا كان حال الحاكم وكتابه كما ذكر عن ابن حجر واعتمده فلماذا احتّج بحديثه هناك
مع محاولة التكتّم على اسمه ؟
2 ـ إنّه حرّف كلام الحافظ ابن حجر ! وقد نقلناها سابقاً كاملةً ! لقد جاءت عبارة
«الدكتور»: «ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرّض للشيخين، والحاكم أجل...» إلا أنّ
بين كلمة «الشيخين» وكلمة «والحاكم» يوجد مايلي:
«وقد قال أبو طاهر: سألت إسماعيل بن عبدالله الأنصاري عن الحاكم أبي عبدالله. فقال
إمام في الحديث رافضي خبيث.
قلت: إن الله يحبّ الانصاف ! ما الرجل رافضي، بل شيعي فقط. ومن شقاشقه قوله...
فأما صدقه في نفسه ومعرفته بهذا الشأن فأمر مجمع عليه. مات سنة 405».
( 105
)
هذا، والسّبب في الطعن في الحاكم وكتابه والاقتصار على ما جاء في لسان الميزان ـ مع
التحريف لكلام ابن حجر ـ هو إسقاط حديث الثقلين المخرّج في المستدرك عن الاحتجاج
كما لا يخفى.
3 ـ لكن الاحتجاج برواية الحاكم صحيح، لأنّهم قدّموا كتاب ( المستدرك ) حتى على مثل
( الموطّأ ) كما عرفت سابقاً، وأثنوا على الحاكم نفسه من حيث الصدق والمعرفة
بالحديث بما لا مزيد عليه:
قال ابن خلكان: «إمام أهل الحديث في عصره، والمؤلّف فيه الكتب التي لم يسبق إلى
مثلها. كان عالماً عارفاً واسع العلم» (1).
وقال الذهبي: «الحاكم الحافظ الكبير إمام المحدثين...» (2).
وقال: «برع في معرفة الحديث وفنونه، وصنّف التصانيف الكثيرة، وانتهت إليه رئاسة
الفن بخراسان، لا بل في الدنيا، وكان فيه تشيع وحط على معاوية، وهو ثقة حجة»
(3).
وقال السّيوطي: «الحاكم الحافظ الكبير إمام المحدثين. وكان إمام عصره في الحديث،
العارف به حق معرفته، صالحاً ثقة، يميل الى التشيع» ثم ذكر الثناء عليه عن غير واحد
(4).
وقال ابن قاضي شهبة: «قال الخطيب البغدادي: كان ثقة، وكان يميل الى التشيع. قال
الذهبي: هو معظّم للشيخين بيقين ولذي النورين، وإنما تكلّم في معاوية فأوذي»
(5).
____________
(1) وفيات الأعيان 3|.
(2) تذكرة الحفاظ 3|1039.
(3) العبر في خبر من غبر 2|210.
(4) طبقات الحفّاظ: 410.
(5) طبقات الشافعية 1|198.
( 106
)
وقال ابن الجزري: «وكان إماماً ثقةً صدوقاً» (1).
ومن مصادر ترجمته أيضاً: الوافي بالوفيات 3|320، طبقات الشافعية للسبكي 4|155،
النجوم الزاهرة 4|238، مرآة الجنان 3|14، المختصر في أخبار البشر 2|144، شذرات
الذهب 3|176، الجواهر المضية 2|65، المنتظم 7|274، تاريخ ابن كثير 11|355...
وغيرها. ثانياً: ماذا يعني من قوله: «والحاكم ذكر الحديث بروايتين...» ؟ في هذا
الموضع خيانة عظيمة أو جهل مفرط. وبيان ذلك أنّه:
إنْ أراد رواية الأعمش عن حبيب عن زيد، فليس إلا رواية واحدة.
وإن أراد ذكر الحاكم الحديث مطلقاً، فليس بروايتين بل بأربعة روايات:
إحداها: ما أخرجه عن أبي عوانة عن الأعمش عن حبيب عن زيد (2).
والثانية: ما أخرجه عن حسان بن ابراهيم الكرماني عن محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه
عن أبي الطفيل عن زيد (3).
والثالثة: ما أخرجه عن أبي نعيم عن كامل أبو العلاء عن حبيب عن يحيى بن جعدة عن زيد
(4).
والرابعة: ما أخرجه بقوله: «حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين بن مصلح الفقيه بالري،
ثنا محمد بن أيوب، ثنا يحيى بن المغيرة السعدي، ثنا جرير بن عبد الحميد، عن الحسن
بن عبد الله النخعي، عن مسلم بن صبيح، عن زيد بن أرقم ـ رضي الله عنه ـ قال قال
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي،
وانهما لن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض.
____________
(1) طبقات القراء 1|185.
(2) المستدرك 3|109.
(3) المستدرك 3|110.
(4) المستدرك 3|533.
( 107
)
هذا حديث صحيح الاسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه» (1).
ووافقه الذهبي على التصحيح ووضع علامة الشيخين في آخر الحديث في تلخيصه.
فالثالثة والرابعة كتمهما «الدكتور» أو جَهِلَ بهما ؟ !.
وثالثاً: يقول «الدكتور» وهو يقصد مناقشة سند ما أخرجه الحاكم بعد أن قال
بأنه ذكر روايتين:
«إحداهما: في إسنادها الامام أحمد بن حنبل. وسيأتي أنّه هو نفسه ضعّف الحديث كما
ذكر ابن تيمية. والأخرى بيّن الذهبي وهي إسنادها».
أقول:
هنا أيضا خيانة أو جهل !!
أما اولاً:
فلأنّ إحداهما ـ وهو الذي عن الاعمش عن حبيب عن زيد ـ قد أخرجه الحاكم بثلاثة طرق.
وأمّا ثانياً:
فلأن أحمد بن حنبل في إسناد طريق واحدٍ من الطرق الثلاثة دون الطريقين الآخرين ! !
____________
(1) المستدرك 3|148.
( 108
)
وإنْ كنت في ريبٍ فهذه عبارة الحاكم:
«حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي ببغداد، ثنا أبو قلابة عبد الملك
بن محمد الرقاشي، ثنا يحيى بن حماد.
وحدثني أبو بكر محمد بن أحمد بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزار، قالا: ثنا
عبدالله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيى بن حماد.
وثنا أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، ثنا خلف بن
سالم المخرمي، ثنا يحيى بن حماد.
ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال: ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن
أرقم ـ رضي الله عنه ـ قال: لمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من حجّة
الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحاتٍ فقممن فقال: كأني قد دعيت فأجبت، إنّي قد تركت
فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى وعترتي. فانظروا كيف تخلفوني
فيهما، فإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ! الحوض. ثم قال: ان الله عزّ وجل مولاي
وأنا مولى كلّ مؤمنٍ. ثم أخذ بيد علي ـ رضي الله عنه ـ فقال: من كنت مولاه فهذا
وليّه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وذكر الحديث بطوله. هذا حديث صحيح على
شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله».
ووافقه الحافظ الذهبي في تلخيصه على تصحيحه (1).
وأمّا ثالثاً:
فلأنّ ! أحمد بن حنبل لم يضعّف الحديث !
يقول «الدكتور»: وسيأتي أنّه هو نفسه ضعّف الحديث كما ذكر ابن يتميّة»
____________
(1) المستدرك 3|109.
( 109
)
مشيراً إلى قوله في الصفحة ـ 25 ـ نقلاً عن منهاج السنة 4|105.
«وشيخ الإسلام ابن تيميّة رفض هذا الحديث وقال: وقد سئل عنه أحمد ابن حنبل فضعّفه،
وضعّفه غير واحدٍ من أهل العلم وقالوا: لا يصح».
لكنّا قد ذكرنا كلام ابن تيميّة في فصل ( حديث الثقلين والمحاولات السقيمة )
وتكلّمنا عليه.
وأمّا رابعاً:
فلأنّ أحمد ـ لو كان منه تضعيف ـ فقد ضعّف جملة: «وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ
الحوض» هذه الجملة التي وردت في رواية الترمذي. فأحمد ليس مضعّفاً للحديث، كما أن
ابن تيمية أيضاً ليس برافض للحديث... وقد أوردنا سابقاً كلام ابن تيمية وما نسبه
إلى أحمد، وتكلّمنا عليه هناك، فراجع.
وأمّا خامساً:
فلأنَّ الذّهبي ـ الذي اعتمد عليه «الدكتور» في غير موضع، وفي مناقشته الرواية
الثانية وستعلم ما فيها من النظر ـ وافق الحاكم في تصحيح هذه الرواية على شرط
الشيخين... ولو كان هناك من أحمد أو غيره من الأئمة كلام في إسناد هذه الرواية
لأشار إليه، كما فعل بالنسبة إلى الرواية الثانية.
وأمّا سادساً:
فلأنّ الذهبي أخرج الرواية الثانية بقوله: «حسّان بن إبراهيم الكرماني، ثنا محمد بن
سلمة بن كهيل، عن أبيه عن الطفيل عامر بن واثلة أنّه سمع زيد بن أرقم...» فلم يقل
إلاّ: «لم يخرجا لمحمد وقد وهّاه السّعدي».
فالذهبي لم يطعن في رجال الإسناد وإنّما قال بعد رواية الحديث: «قلت: لم يخرجا
لمحمّد، وقد وهّاه السعدي» وهذا غير صريح في أنه يطعن في «محمد
( 110
)
ابن سلمة» ومن المستبعد أن يقلّد الذهبي السّعديّ الجوزجاني وقد أورده في ( ميزان
الاعتدال ) فقال: نقلاً عن ابن عدي: «كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل
على علي رضي الله عنه» (1).
وقال ابن حجر: «وممن ينبغي أنْ يتوقّف في قبول قوله في الجرح: من كان بينه وبين من
جرحه عداوة سببها الاختلاف في إعتقاد، فإن الحاذق إذا تأمّل ثلب أبي إسحاق
الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب، وذلك الشدّة انحرافه في النصف وشهرة أهلها
بالتشيّع...» (2).
وقد تقدّم كلام ابن حجر في مقدمة فتح الباري حول الرجل. وانّ شئت المزيد فراجع
ترجمته (3).
وأمّا سابعاً:
فلأنّ الرواية الثالثة ـ التي أخفاها «الدكتور» أو جهل بها ـ قال الحاكم: «هذا حديث
صحيح الاسناد ولم يخرجاه» ووافقه الذهبي بصراحةٍ... وقد تقدم نصّها سابقاً.
والرواية الرابعة ـ التي أخفاها «الدكتور» أو جهل بها كذلك ـ صحيحة عندهما، وقد
تقدم نصّها قريباً.
«3 ـ القاسم بن حسان العامري الكوفي، روى الروايتين الخامسة والسادسة
____________
(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1|76.
(2) لسان الميزان 1|16.
(3) تهذيب التهذيب 1|158.
( 111
)
من المسند عن زيد بن ثابت. ورجّح المرحوم الشيخ أحمد شاكر توثيقه وقال: «وثقه أحمد
بن صالح وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. وذكر البخاري في الكبير اسمه فقط. ولم
يذكر عنه شيئاً، وترجمه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل فلم يذكر فيه جرحاً. ثم نقل
عن المنذري أن البخاري قال: القاسم بن حسان، سمع من زيد، بن ثابت. وعن عمّه عبد
الرحمن بن حرملة، وروى عن الركين بن الربيع، لم يصح حديثه في الكوفيين. ثم عقّب
شاكر على هذا بقوله: والذي نقله المنذري في شأن القاسم بن حسان لا أدري من أين جاء
به...».
قال «الدكتور» بعد نقل كلام الشيخ المذكور الذي نصّ على خطأ المنذري في نسبه الطعن
إلى البخاري: «وفي توثيق القاسم بن حسان نظر، فابن حبّان ذكره أيضاً في أتباع
التابعين ومقتضاه أنه لم يسمع من زيد بن ثابت. وقال ابن القطان لا يعرف حاله» وقال
في الهامش: انظر ترجمته في تهذيب التهذيب.
ثم حاول الدّفاع عن المنذري مدّعياً أنّ للبخاري كتاباً كبيراً في الضعفاء يقع في
تسعة أجزاء، وهو مخطوط، ولا توجد منه نسخ في مصر، فلِمَ لا يكون المنذري نقل منه ؟
ونقول:
لقد نظرنا إلى ترجمة القاسم في تهذيب التهذيب كما أمر «الدكتور» فوجدناها كما يلي:
«د س ـ أبي داود والنسائي: القاسم بن حسان العامري الكوفي:
روى عن: أبيه، وعمه عبد الرحمن بن حرملة، وزيد بن ثابت، وفلفلة الجعفي.
وعنه: الركين بن الربيع، والوليد بن قيس السكوني والد أبي بدر.
( 112
)
ذكره ابن حبّان في الثقات.
قلت: في أتباع التابعين، ومقتضاه أنه لم يسمع من زيد بن ثابت. ثم وجدته قد ذكره في
التابعين أيضاً.
وقال ابن شاهين في الثقات: قال أحمد بن صالح: ثقة.
وقال ابن القطاّن: لا يعرف حاله».
وهذا آخر ترجمته في تهذيب التهذيب (1). وخلاصتها أنّه ثقة عند: ابن
حبان، وأحمد بن صالح، وابن شاهين... فأين الجرح ؟ ومن الجارح ؟
ان قول ابن القطاّن: «لا يعرف حاله» ليس بجرحٍ ولا يعارض توثيق ابن حبان وأحمد بن
صالح، وابن شاهين، لأنه جاهل بحال الرجل وأولئك عارفون !
وصريح عبارة ابن حجر: أن ابن حبان ذكره في الثقات في أتباع التابعين ومقتضاه أنّه
لم يسمع عن زيد بن ثابت، قال: ثم وجدته قد ذكره في التابعيين أيضاً. أي: فمقتضاه
أنّه سمع من زيد بن ثابت ومن التابعين...
ولا يخفى نقل «الدكتور» كلام ابن حجر بعبارةٍ موهمة ! !
وإذْ رأيت أن لا جارح للرّجل، والبخاري ـ كما ذكر الشيخ شاكر ـ لم يذكر عنه شيئاً
في تاريخه الكبير، ولم يترجمه في الصغير، ولم يذكره في الضعفاء، وأيضاً: لم ينقل
عنه أحد شيئاً في الرّجل، إلاّ المنذري، فيقول شاكر: «وهم فأخطأ» ويقول «الدكتور»:
لِمَ لا يكون المنذري نقل من كتاب مخطوطٍ للبخاري ؟ لكنّ هذا الكتاب لم يره لا هو،
ولا الشيخ شاكر، ولا ابن حجر العسقلاني، ولا غيرهم، ولا توجد منه نسخة في مصر، ولم
يطّلع عليه المحققون عن الكتب التراثية، ولا أصحاب دور النشر المحيون لآثار
القدماء... ؟ ! !
____________
(1) تهذيب التهذيب 8|279.
وناقش «الدكتور» سند الرواية الأولى من روايتي الترمذي بأنّ «في سندها: زيد بن
الحسن الأنماطي الكوفي. الذي روى عن الإمام الصادق عن أبيه عن جابر ابن عبدالله.
قال أبو حاتم عن زيد هذا: كوفي، قدم بغداد، منكر الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات.
انظر ترجمته في تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال.
وخطبة الرسول صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم في خطبة الوداع رواها مسلم بسند صحيح
عن الإمام الصادق عن أبيه عن جابر، وليس فيها ( وعترتي أهل بيتي ) راجع صحيح مسلم ـ
كتاب الحج ـ باب حجة النبي صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم.
وهذه الخطبة رويت عن جابر بطرقٍ متعددة في مختلف كتب السنة وليس فيها جميعاً ذكر
لهذه الزيادة».
نقول:
سواء رويت هذه الخطبة كما ذكر «الدكتور» أو، لا (1)، فإنّ العمدة أنْ
تكون رواية الترمذي هذه المشتملة على «وعترتي أهل بيتي» معتبرةً سنداً، فإنّها
حينئذٍ يحتج بها ويستند إليها، بل تكون قرينةً لكلّ روايةٍ معتبرةٍ ـ بالفرض ـ
خاليةٍ عن هذه الجملة المباركة...
لكن ( زيد بن الحسن ) روى حديث الثقلين برواياتٍ ثلاث: الأولى: عن جعفر بن محمد عن أبيه ـ عليهما السلام ـ عن جابر قال: رأيت
____________
(1) لا حظ فصل: حديث الثقلين والمحاولات السقيمة.
( 114
)
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في حجته يوم عرفة ـ وهو على ناقته القصوى ـ
فخطب فسمعته وهو يقول: أيها الناس قد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا كتاب
الله وعترتي أهل بيتي.
أخرجه الترمذي. وأخرجه الحافظ الطبراني عن مطين عن نصر بن عبد الرحمن عنه (1). الثانية: عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري: ان
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «أيها الناس إنّي فرط لكم، وإنكم واردون
عليَّ الحوض، حوض أعرض ما بين صنعاء وبصرى، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني
سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما: السبب الأكبر كتاب
الله عزّ وجل، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلّوا ولا
تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنّه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن ينقضيا حتى يردا
عليَّ الحوض».
أخرجه الحافظ أبو العباس الحسن بن سفيان النسوي صاحب المسند الكبير المتوفي سنة 303
عن نصر بن عبد الرحمن عنه.
وأخرجه الحافظ أبو نعيم الاصفهاني في ترجمة حذيفة بن أسيد عن شيخه محمد بن أحمد بن
حمدان عن الحسن بن سفيان.
وأخرجه الحافظ الطبراني بطريقين:
عن محمد بن الفضل السقطي عن سعيد بن سليمان عن زيد بن الحسن الأنماطي. وعن مطين
وزكريا بن يحيى الساجي عن نصر بن عبد الرحمن عنه.
وأورده الحافظ الهيثمي في مناقب أهل البيت عن الحافظ الطبراني وقال:
____________
(1) صحيح الترمذي 5|621.
( 115
)
«وفيه: زيد بن الحسن الأنماطي. وثّقة ابن حبّان. وبقيّة رجال أحد الاسنادين ثقات». الثالثة: روى زيد بن الحسن حديث الثقلين عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل عن
حذيفة بن أسيد قال: لمّا صدر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من حجة الوداع
نهى أصحابه عن شجراتٍ بالبطحاء متقاربات أنْ ينزلوا تحتهنَّ، ثم بعث إليهنَّ فقمَّ
ما تحتهنَّ من الشوك، وعمد إليهنَّ فصلى تحتهنَّ ثم قال فقال:
أيها الناس، إني قد نبّأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي يليه من
قبله، وإني لأظنّ أني موشك أنْ أدعى فأجيب، وإني مسؤول وإنّكم مسؤولون فماذا أنتم
قائلون ؟
قالوا: نشهد أنك قد بلَّغت وجهدت ونصحت، فجزاك الله خيراً.
فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنّته حق وناره
حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور ؟
قالوا: بلى نشهد بذلك.
قال: اللهم اشهد. ثم قال:
أيها الناس، إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت
مولاه فهذا مولاه ـ يعني علياً رضي الله عنه ـ اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
ثم قال: يا أيها الناس إني فرطكم وإنكم واردون عليّ الحوض، حوض أعرض ما بين بصرى
وصنعاء، فيه عدد النجوم قدحان من فضة، وإني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين،
فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عزّوجل، سبب طرفه بيد الله
وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا.
( 116
)
وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبّأني اللطيف أنهما لن ينقضيا حتى يردا عليَّ الحوض».
أخرجه الحافظ الطبراني بطريقين فقال:
«حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ( هو مطين ) وزكريا بن يحيى الساجي قالا: نا نصر
بن عبد الرحمن الوشاء.
وحدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، نا سعيد بن سليمان الواسطي قالا:
نا زيد بن الحسن الأنماطي، نا معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد
الغفاري» (1).
وأورده عن الطبراني كلِّ من:
الحافظ أبو بكر الهيثمي (2).
والحافظ ابن حجر المكي (3).
والحلبي صاحب السيرة النبوية (4).
وأخرج هذا الحديث الحافظ ابن عساكر، قال:
«أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن المزرفي، أنبأنا أبو الحسين ابن المهتدي، أنبأنا
أبو الحسن علي بن عمر بن محمد بن الحسن ( هو الدارقطني ) أنبأنا العباس بن أحمد
البرتي، أنبأنا نصر بن عبد الرحمن أبو سليمان الوشاء، أنبأنا زيد بن الحسن
الأنماطي...» (5).
____________
(1) المعجم الكبير 3| رقم 3052.
(2) مجمع الزوائد 9|165.
(3) الصواعق المحرقة: 25.
(4) انسان العيون 3|301.
(5) تاريخ دمشق. ترجمة أمير المؤمنين 1|45.
( 117
)
وأورده الحافظ ابن كثير عن الحافظ ابن عساكر (1).
فوائد ذكر روايات زيد بن الحسن:
وإنّما ذكرنا روايات زيد بن الحسن هذه لفوائد:
1 ـ ليعلم أنّ روايته ليست منحصرةً بما جاء في الترمذي.
2 ـ ليعلم أنّ الترمذي غير منفرد بالذي أخرجه عنه، فقد أخرجه الحافظ الطبراني عن
الحافظ مطين عن نصر بن عبد الرحمن عن زيد بن الحسن...
3 ـ ليعرف الرواة والمخرجون لرواياته من رجال الحديث وكبار الحفاظ.
4 ـ ليعلم رواية حذيفة بن أسيد من روايات الصحابة الذين ذكرهم الترمذي بقوله: «وفي
الباب عن: أبي ذر، وأبي سعيد، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن أسيد» (2).
5 ـ وليعلم رواية «سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم» الذين قال الترمذي:
«وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحدٍ من أهل العلم» (3).
فهذا شأن زيد بن الحسن بين الرّواة والحفّاظ المحدثين...
ولم يتكلّم «الدكتور» في سند رواية الترمذي عن زيد بن الحسن إلا في ( زيد بن الحسن
) نفسه. ولم يقل إلا «قال أبو حاتم عن زيد هذا: كوفي قدم بغداد منكر الحديث. وذكره
ابن حبان في الثقات» ثم أمر بالنظر بترجمته من تهذيب التهذيب
____________
(1) البداية والنهاية 7|9.
(2) هذه الجملة لم يذكرها «الدكتور» ! !
(3) وهذه الجملة لم يذكرها «الدكتور».
( 118
)
وميزان الاعتدال.
فنقول:
قد راجعنا ترجمته في تهذيب التهذيب فوجدناها كما يلي:
«ت ـ الترمذي. زيد بن الحسن القرشي أبو الحسن الكوفي، صاحب الأنماط. روى عن: جعفر
بن محمد بن علي بن الحسين، ومعروف بن خربوذ، وعلي بن المبارك الهنائي.
وعنه: إسحاق بن راهويه، وسعيد بن سليمان الواسطي، وعلي بن المديني، ونصر بن عبد
الرحمن الوشاء، ونصر بن مزاحم.
قال أبو حاتم: كوفي قدم بغداد منكر الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات. روى له
الترمذي حديثاً واحداً في الحج» (1).
فقد ذكر ابن حجر أسماء جماعةٍ من الأئمة رووا عن زيد بن الحسن ـ وهو ما نصَّ عليه
الترمذي من قبل ـ وأن ابن حبان ذكره في الثقات.
ويبقى قول أبي حاتم: «منكر الحديث» وهو غير مسموع: أمّا أولاً: فلأنّه لو كان منكر الحديث لما أخرج عنه هؤلاء الأئمة: كابن
راهويه، وابن المديني، وسعيد بن سليمان، والترمذي... وأمّا ثانياً: فلأنّ «أبا حاتم» متعنّت في الرّجال، ولا يبنى على تجريحه كما
نصَّ عليه الحافظ الذهبي بترجمته حيث قال:
«إذا وثّق أبو حاتم رجلاً فتمسك بقوله، فإنّه لا يوثّق إلا رجلاً صحيح الحديث، وإذا
ليّن رجلاً أو قال فيه: لا يحتج به. فلا. توقّف حتى ترى ما قال غيره
____________
(1) تهذيب التهذيب 3|350.
( 119
)
فيه. وإنْ وثقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم، فإنه متعنّت في الرجال، قد قال في
طائفةٍ من رجال الصحاح: ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو ذلك» (1).
وقال الذهبي بترجمة أبي زرعة الرازي: «يعجبني كثيراً كلام أبي زرعة في الجرح
والتعديل، يبين عليه الورع والخبرة. بخلاف رفيقه أبي حاتم فإنه جرّاح» (2).
فقد تحقق أنّ حديث الثقلين من الأحاديث الثابت صدورها عن رسول الله صلّى الله عليه
وآله وسلّم، وقد نصَّ على صحته وثقة رواته كبار الأئمة والحفّاظ المعتمدين عند
القوم.
ولهذا تراهم ينبّهون على وهم الحافظ ابن الجوزي بذكره الحديث في كتابه ( العلل
المتناهية ) قال ابن حجر المكي: «وذكر ابن الجوزي لذلك في ( العلل المتناهية ) وهم
أو غفلة عن استحضار بقيّة طرقه، بل في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنّه صلّى الله
عليه [ وآله ] وسلّم قال ذلك يوم غدير خم» ! (3).
وأيضاً: يحذّرون من أن يغتر أحد بصنيعه فيقول الحافظ السّمهودي: «ومن العجيب ذكر
ابن الجوزي له في ( العلل المتناهية ) ! فإيّاك أنْ تغترَّ به، وكأنّه لم يستحضره
حينئذٍ» ! (4).
ومن هنا يظهر: أنّ ما فعله ابن الجوزي لا قيمة له ولا يعبأ به، وأن مقتضى
____________
(1) سير أعلام النبلاء «ترجمة أبي حاتم» 13|247.
(2) سير أعلام النبلاء «ترجمة أبي زرعه» 13|65.
(3) الصواعق المحرقة: 90.
(4) جواهر العقدين ـ مخطوط ـ وعندنا منه نسخة مصورة.
( 120
)
حسن الظنّ به أنْ يقال: لم يستحضره !
وقد يقوى حمله على الصّحة بما إذا علمنا أنّه نفسه يروي هذا الحديث الشّريف في
كتابه في الروايات ( المسلسلات ) (1) حيث جاء فيه:
«الحديث الخامس: أنا محمد بن ناصر قال: أنا محمد بن علي بن ميمون، قال: أنا أبو
عبدالله محمد بن علي العلوي قال: ثنا القاضي محمد بن عبدالله الجعفي قال: ثنا
الحسين بن محمد القراري قال: ثنا الحسن بن علي بن بزيع قال: ثنا يحيى بن حسن بن
فرات قال: ثنا أبو عبد الرحمن المسعودي عن الحارث بن حصيرة عن صخر بن الحكم عن حبان
بن الحارث الأزدي عن الربيع بن جميل الضبي عن مالك بن ضمرة:
عن أبي بكر: ان رسول الله قال: يرد عليَّ الحوض راية علي أمير المؤمنين وإمام الغر
المحجلين، وأقدم وآخذ بيده في بياض وجهه ووجوه أصحابه فأقول: ما خلفتموني في
الثقلين بعدي ؟ فيقولون: تبعنا الأكبر وصدّقناه، ووازرنا الأصغر ونصرناه وقاتلنا
معه. فأقول: ردوا رواءً. فيشربون شربةً لا يضمأون بعدها أبداً، وجه إمامهم كالشمس
الطالعة، ووجوههم كالقمر ليلة البدر أو كأضوأ نجمٍ في السماء».
هذا، وسنتعرّض عن قريب لبعض كلمات العلماء الصرّيحة في عدم الاعتداد بآراء ابن
الجوزي في الأحاديث والرجال...
والواقع:
إنّ ابن الجوزي ذكر حديث الثقلين بسندٍ له عن عطيّة عن أبي سعيد في كتابه الذي
ألّفه في الأحاديث الضعيفة بزعمه وأسماه بـ ( العلل المتناهية في الأحاديث
____________
(1) نسخة دار الكتب الظاهرية، وهي نسخة قديمة رقم: 37 ق ـ 6 ـ 27. أنظر فهرس
مخطوطات دار الكتب الظاهرية ( فهرس حديث ص 40 ) وهذا الحديث في الورقة 8 أ ـ ب.
( 121
)
الواهية )... فقال: «هذا حديث لا يصح» ثم جعل يطعن في السّند (1).
فمعنى قوله: «لا يصح» أي: «ضعيف» وليس معناه كونه «موضوعاً» عنده... إذ لو كان يراه
موضوعاً لذكره في كتابه الآخر الذي اسماه بـ ( الموضوعات ) (2).
فابن الجوزي قد ضعّف حديث الثقلين، لكن على أساس الطريق الذي ذكره، ولذا احتمل
القوم كونه لم يستحضر بقيّة طرقه... ! !
لكنّ «الدكتور» اغترّ بابن الجوزي، ونسب إليه أنّه «اعتبر هذا الحديث من الأحاديث
الموضوعة» ولا يخفى ما في هذا التعبير ! إنّه يوهم ذكر ابن الجوزي هذا الحديث في
الأحاديث الموضوعة التي أدرجها في كتابه ( الموضوعات ) وقد عرفت واقع الحال !
إلاّ أنّه يضطرب في كلامه ويتلعثم... فيقول بعد ذلك مباشرةً:
«وإنْ كانت الروايات في جملتها كما يبدو لا تجعل الحديث ينزل إلى درجة الموضوع».
ثم يعود فيقول:
إننا قد نوافق على عدم جعل الحديث من الموضوعات. ومع هذا فابن الجوزي قد يكون له ما
يؤيّد رأيه !».
أنظر إلى هذا الرجل ! كيف يتلّون ويضطرب !
يحذّر العلماء من الاغترار بذكر ابن الجوزي حديث الثقلين في ( العلل المتناهية )
ويحملون عمله على الصحّة بـ «لعلّ» و «وكأنّ» ابن الجوزي لم يستحضر
____________
(1) العلل المتناهية 1|268.
(2) طبع هذا الكتاب في ثلاثة أجزاء.
( 122
)
من طرقه غير الطريق الذي ذكره...
و «الدكتور» ينسب إليه القول بوضع الحديث جازماً بذلك، وكأنّه موضوع عند ابن الجوزي
! وبكلّ طرقه وأسانيده !
ثم يقول تارةً: «لا ينزل إلى درجة الموضوع» ! وأخرى: «قد يكون له ما يؤيّد رأيه» !
ثم ما هو المؤيّد الذي قد يكون ؟ !
استمع إليه:
«فليس من المستبعد أن يكون هذا الحديث كوفي النشأة» !
بالله عليك ! يجعل ابن الجوزي قائلاً بوضع الحديث ! ثم يقول «قد يكون» ! له «ما
يؤيّد» ! وهو «فليس من المستبعد...» ! !
سبحان الله ! !
يتكلّم «الدكتور» وكأنّه قد اكتشف حقيقةً عجز عن كشفها جهابذة الحديث والرجال
وغيرهما من الفنون... وتوصّل إلى ما خفي على أئمة قومه... بعد قرون... ! !
لكنّه يعلم أن في علماء هذا العصر، ممّن يعتقد بهم علماً وتحقيقاً، وهم لا يقلّون
عنه عناداً وتعصّباً... من لم يغتر بتضعيف ابن الجوزي، بل يقول بخطئه، ويعترف بصحّة
حديث الثّقلين...
«وفي عصرنا وجدنا العلاّمة المحقّق الشيخ ناصر الدين الألباني...» (1).
ويقول عن الدكتور أحمد محمود صبحي:
____________
(1) أنظر: ص 25.
( 123
)
«اعتبر حديث التمسّك بالكتاب والعترة من الأحاديث المتفق على صحتها عند أهل السنة»
(1).
أقول:
وكذلك غيرهما:
كالعلامة المحقق الشيخ أحمد البنّا في كتابه: ( الفتح الرباني بترتيب مسند أحمد بن
حنبل الشيباني 1|186 ) وفي كتابه: ( بلوغ الأماني. المطبوع في ذيل الفتح الرباني
4|26 ) حيث أخرجه ثم قال: «وهو في صحيح مسلم وغيره».
والاستاذ العلامة توفيق أبو علم... في كتابة ( أهل البيت 77 ـ 80 ) وذكر: «أحاديث
الثقلين من الأحاديث التي رواها أجلاء علماء أهل السنة، وأكابر محدثيهم، في صحاحهم،
بأسانيدهم المتعددة، واتفق على روايتها الفريقان...» وسنذكر مجمل كلامه في ( فقه
الحديث ).
والعلامة المحدث الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، في تعاليقه على كتاب الحافظ ابن حجر
العسقلاني: ( المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية 4|64 ).
والعلاّمة المحقق الكبير الشيخ محمود أبو ريّة حيث قال: «وقد جاء هذا الحديث
بروايات مختلفة ـ والمعنى واحد ـ في كثير من كتب أهل السنة. وإذا أردت الوقوف على
هذه الرّوايات فارجع إلى كتاب ( المراجعات ) التي جرت بين العلاّمة شرف الدين
الموسوي رحمه الله، وبين الاستاذ الكبير الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر سابقاً، في
الصّفحات من ( 20 ) وما بعدها من الطبعة الرابعة» (2).
____________
(1) هامش ص: 40.
(2) أضواء على السنّة المحمدية: 404.
لكنّ «الدكتور» له غيظ شديد من كتاب «المراجعات» ! ! ومنزعج من سعيه جادّاً للدخول
إلى كلّ بيت على حدّ تعبيره ! !
يقول:
«وفي عصرنا أيضاً نجد كتاباً يسعى جادّاً للدخول إلى كلّ بيت، رأيت طبعته العشرين
في عام 1402 هـ، ويوزّع على سبيل الهديّة في الغالب الأعم، واسم الكتاب ( المراجعات
). ذكر مؤلّفه شرف الدين الموسوي هذا الحديث بالمتن الذي بيّنا ضعف أسانيده وقال
بأنه حديث متواتر. ثم نسب للشيخ سليم البشري ـ رحمه الله ـ شيخ الأزهر والمالكية:
أنه تلقى هذا القول بالقبول، وأنّه طلب المزيد. ثم ذكر صاحب المراجعات بعد ذلك
روايات أشد ضعفاً، ونسب للشّيخ البشري أيضاً أنه أعجب بها، ورآها حججاً ملزمة...».
أقول:
أولاً: إن ( السّيد شرف الدين العاملي ) من كبار علماء الطائفة الشّيعية،
لكنّك ترى «الدكتور» حيث يذكره يقول: «مؤلّفه شرف الدين الموسوي» في حين يذكر الشيخ
البشري باحترام مترحّماً عليه، ويذكر الشيخ الالباني بـ «العلاّمة المحقّق الشيخ
ناصر الدين الالباني ـ حفظه الله ـ» و «الشّيخ الجليل» مرةً بعد أخرى...
فانْ كان يجهل بمنزلة السيّد شرف الدين وجب عليه أن يسأل ! لكنّ نسبه «الدكتور» إلى
الجهل حمل على الصحّة، فالسيّد شرف الدين أعرف وأشهر وأجل... يقول الاستاذ عمر رضا
كحّالة: «عبد الحسين شرف الدين الموسوي
( 125
)
العاملي: عالم، فقيه، مجتهد، ولد بالمشهد الكاظمي مستهل جمادى الآخرة، وأخذ عن
طائفةٍ من علماء العراق، وقدم لبنان، ورحل إلى الحجاز ومصر ودمشق وإيران، وعاد إلى
لبنان فكان مرجع الطائفة الشيعيّة، وأسس الكلية الجعفرية بصور، وتوفي ببيروت في 8
جمادى الآخرة ( سنة 1377 ) ونقل جثمانه الى العراق فدفن بالنجف.
من آثاره: المراجعات. وهي أسئلة وجّهها سليم البشري إلى المترجم فأجاب عليها. أبو
هريرة. الشيعة والمنار. إلى المجمع العلمي العربي بدمشق. والفصول المهمة في تأليف
الأمة» (1). وثانياً: إنْ كتاب ( المراجعات ) من أجلّ الكتب المؤلفة في مسألة الامامة في
العصور المتأخّرة، أهداه مؤلّفه «إلى أولي الألباب من كلّ علامة محقق، وبّحاثه
مدقق، لا بس الحياة العلميّة فمحّص حقائقها. ومن كلّ حافظ محدّث جهبذ حجّة في السنن
والآثار. وكل فيلسوف متضلّع في علم الكلام. وكلّ شابٍ حي مثقّف حرّ قد تحلّل من
القيود وتملّص من الأغلال ممن نؤملهم للحياة الجديدة الحرة».
إنّه كتاب يحتوي على أسئلة الشيخ البشري، يسوضحة فيها من آراء الامامية وعقائدهم،
وعلى أجوبة السيد شرف الدين عن تلك الأسئلة بالاستناد إلى كتب أهل السنّة في الحديث
والرجال والتاريخ وغيرها...
لقد أصبح كتاب ( المراجعات ) منذ انتشاره من أهم المصادر والمراجع المعتمدة في
البحوث العلميّة، وعاد كثير من الناس ببركة أساليبه الرصينة وبراهينه المتينة إلى
الرشد والصواب والطريق الحقّ والصّراط المستقيم. ثالثاً: إنّ ( الشيخ سليم البشري ) لمّا كان عالماً منصفاً يريد الاصلاح بين
المسلمين مضطر إلى الاذعان بصحة حديث الثقلين وغيره، وكذلك يكون كلّ فردٍ
____________
(1) معجم المؤلفين 5|87.
( 126
)
طالب للحق، داع ٍ الى الخير... فلو لم يتلقّ ( الشيخ ) ما قاله ( السيّد )
بالاستناد إلى الكتب المعتمدة لدى ( الشيخ ) وطائفته... لتُعُّجب منه... كما تعجّب
كبار الحفّاظ كالسخاوي والسمهودي وابن حجر المكي وغيرهم من إيراد ابن الجوزي
الحدّيث في ( العلل المتناهية ) ! رابعاً: إنّ ( حديث الثقلين ) أوّل الأحاديث المطروحة في هذه ( المراجعات )
وهو لم يخرجه إلا عن: أحمد، وابن أبي شيبة، والترمذي، والنسائي، والحاكم، وأبي
يعلى، وابن سعد، والطبراني، والسيوطي، وابن حجر المكي، والمتّقي الهندي...
قد تعرض «الدكتور» في هامش هذا الموضع من كتابه لثلاثةٍ أحاديث أوردها صاحب (
المراجعات ) عن كتب القوم، رواها أئمتهم كالحافظ المطيّن، والباوردي، وابن جرير
الطبري، وابن شاهين، وابن مندة، وأبي نعيم، والحاكم، والطبراني، والسيوطي، والمتقي
الهندي... وغيرهم... فنقل «الدكتور» عن الشيخ الألباني أنّ هذه الأحاديث الثلاثة
موضوعة...
ونقول:
أولاً: ما الدليل على تقدّم قول الألباني على قول مثل الحاكم حيث ينصّ على
صحّة حديثٍ على شرط الشيخين ؟ وثانياً: إنّ تكذيب هذه الأحاديث وأمثالها إنّما هو طعن في رواة القوم
وعلمائهم وكتبهم، لأنّ هؤلاء الرواة والمحدثين إنْ كانوا يعتقدون بصحّة هذه
الأحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فهي أحاديث متفق عليها بين
المسلمين، وإنْ كانوا يعتقدون بكذبها واختلاقها عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم
( 127
)
لزم أن يكونوا أيضاً كاذبين لأنّ ناقل الكذب كاذب، وإنْ كانوا يروونها جاهلين
بأحوالها، ثم جاء الشّيخ الألباني فكان أعلم منهم فيما رووه، فهذا ما لا أظنّ
الألباني يقوله، ولا «الدكتور» يصدّقه ! ! وثالثاً: إن غرض الشيعي من نقل هذه الأحاديث هو إلزام رواتها بها، وكذا
إلزام من يمجّد بأولئك الرواة ويثني على كتبهم بالألقاب الضخمة ! ! ورابعاً: الاعتراض على السيد شرف الدين بأنّه «حكى تصحيح الحاكم للحديث دون
أن يتبعه بيان علّته، أو على الأقل دون أن ينقل كلام الذهبي في نقده» مردود بوجوه:
الأول: إن الغرض هو الاحتجاج بكتب أهل السنّة ورواياتهم !
والثاني: إنّ الحديث لو كان له علة لبيّنها الحاكم نفسه، كما بيّن في غير موضع.
والثالث: كيف يطلب نقل كلام الذهبي في نقده مَن لم ينقل تصحيح الذهبي حديث الثقلين
ـ تبعاً للحاكم ؟ !
إنّه قد ذكرت بعض ألفاظ حديث التمسّك بالكتاب والعترة، وأنَّ النبي صلّى الله عليه
وآله وسلّم كرّر هذا الكلام في مواطن عديدة، ثم ذكرت جملةً من مصادره ( الصّحاح )
وأسماء جماعةٍ من الأعلام المصرّحين بصحته وثبوته عن رسول الله صلّى الله عليه وآله
وسلّم.
ثم أشرت إلى أنّه حديث متواتر، وذكرت أسامي رواته من الأصحاب ثم التابعين ثم الأئمة
والحفّاظ عبر القرون...
( 128
)
أمّا «الدكتور» فقد اقتصر على بعض روايات الحديث، وأخرجه تخريجاً يُوهم القرّاء أنْ
ليس لهذا الحديث وجود في غير الكتب التي نقل عنها، وحتى هذه الكتب لم يذكر الا بعض
ما روي فيها... فزعم أنّ أحمد لم يخرج في ( المسند ) لهذا الحديث إلا سبع روايات،
وقد عرفت أنّها أكثر، والثامن منها سنده معتبر تام بلا كلام... وعن المستدرك لم
يذكر سوى روايتين، وقد أخرج فيه أربع روايات، صحّحها على شرط الشيخين، ووافقه
الحافظ الذهبي في ثلاثة منها بصراحةٍ، فلم يشر «الدكتور» إلى موافقته، لكنّه حيث
ذكر الذهبي في الرّابعة جرح السّعدي الجوزجاني النّاصبي الشهير في أحد رواتها أشار
«الدكتور» الى هذا الجرح واعتمده تبعاً لِمَن لا يجوز متابعته، ولا يتابعه إلا من
كان على شاكلته !
ومع ذلك كلّه... تبيّن أنّ مناقشاته في أسانيد الرّوايات التي أوردها مردودة كلّها،
وقد اعتمدنا في الجواب عمّا تفوّة به على كتاب ( تهذيب التهذيب )، وهو الكتاب الذي
طالما أرجع إليه في بحثه... إلا أنّه كان ـ لدى النقل عنه ـ لا ينقل إلا ما يتوّهم
دلالته على مدّعاه ويسقط ما عداه.
فروايات هذا الحديث الشريف كلها معتبرة سنداً، سواء التي في ( صحيح مسلم ) وغيره من
الصحاح، والتي في ( مسند أحمد ) وغيره من المسانيد، والتي في ( صحيح الترمذي )
وغيره من السنن.
وأمّا روايات الحاكم في المستدرك، فما اتفق منها هو والذهبي على صحته على شرط
الشيخين، يكون بحكم الحديث المخرّج في ( الصحيحين ) كما نصَّ عليه أئمة القوم...
ومن هنا لا تجد من يقول بضعف الحديث الشريف ـ فضلاً عن وضعه ـ إلا
( 129
)
ابن الجوزي... ولم يعبأ بقوله أحد، بل تعجّبوا منه وحذّروا من الاغترار به، بل تجد
في كلماتهم حول الرّجل التصريح بأنّه لا يؤخذ بكلامه حول الأحاديث ولا يعتمد
عليه... وإليك بعض الشواهد على ذلك:
قال الذهبي بترجمة أبان بن يزيد العطّار: «وقد أورده العلامة أبو الفرج ابن الجوزي
في الضعفاء ولم يذكر فيه أقوال من وثقه، وهذا من عيوب كتابه، يسرد الجرح ويسكت عن
التوثيق» (1).
وبترجمة ابن الجوزي نفسه من ( تذكرة الحفاظ ) عن الموقاني: «وكان كثير الغلط فيما
يصنّفه، فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره» فأضاف الذهبي: «قلت: له وهم كثير في
تواليفه، يدخل عليه الداخل من العجلة والتحوّل الى مصنف آخر، ومن أن جلّ علمه من
كتبٍ وصحف ما مارس فيه أرباب العلم كما ينبغي» (2).
وقال ابن حجر بترجمة ثمامة بن الأشرس البصري بعد قصة: «دلّت هذه القصة على أن ابن
الجوزي حاطب ليلٍ لا ينتقد ما يحدّث به» (3).
وقال السّيوطي: «قال الذهبي في التاريخ الكبير: لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا
باعتبار الصنعة، بل باعتبار كثرة اطلاعه وجمعه» (4).
وقال السّيوطي في تعقيباته: «واعلم أنّه جرت عادة الحفاظ كالحاكم وابن حبّان
والعقيلي وغيرهم أنهم يحكمون على حديثٍ بالبطلان من حيثيّة سندٍ مخصوص، لكون راويه
اختلق ذلك السند لذلك المتن، ويكون ذلك المتن معروفاً من وجهٍ آخر، ويذكرون ذلك في
ترجمة ذلك الراوي يجرحونه به، فيغترّ ابن الجوزي بذلك ويحكم على المتن بالوضع
مطلقاً، ويورده في كتاب الموضوعات،
____________
(1) ميزان الاعتدال 1|16.
(2) تذكرة الحفاظ 4|1347.
(3) لسان الميزان 2|83.
(4) طبقات الحفّاظ: 480.
( 130
)
وليس هذا بلائق، وقد عاب عليه الناس ذلك، آخرهم الحافظ ابن حجر».
وقال السيوطي بشرح النووي: «وقد أكثر جامع الموضوعات في نحو مجلّدين، أعني أبا
الفرج ابن الجوزي، فذكر في كتابه كثيراً ممّا لا دليل على وضعه بل هو ضعيف» وأضاف
السيوطي: «بل وفيه الحسن بل والصحيح، وأغرب من ذلك أن فيها حديثاً من صحيح مسلم كما
سأبيّنه. قال الذهبي: ربما ذكر ابن الجوزي في الموضوعات أحاديث حسناً قويّةً...»
(1).
هذا، وقد ذكروا بترجمته أنّه قد أودع السّجن مدةً من الزّمن بفتوى علماء عصره لبعض
ما ارتكبه... (2).
فكان حال ابن الجوزي في نظر علماء القوم وفقهائهم حال ابن تيميّة الحرّاني الذي حكم
عليه بالسّجن ـ بعد أنْ لم يفد معه البحث، ولم تؤثّر فيه الموعظة والنصحيحة ـ فبقي
مسجوناً الى أن مات في السّجن... (3).
____________
(1) تدريب الراوي 1|235.
(2) مرآة الجنان ـ حوادث 595.
(3) راجع ترجمة ابن تيمّية في المصادر الرجالّية والتّاريخيّة، من ذلك: الدرر
الكامنة للحافظ ابن حجر 1|147، البدر الطّالع للحافظ الشوكاني 2|260. وقال ابن حجر
المكي صاحب الصواعق في فتوىً له: «ابن تيمية عبد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه
وأذلّه، وبذلك صرّح الأئمة الذين بيّنوا فساد أحواله وكذب أقواله، ومن أراد ذلك
فعليه بمطالعة كلام الامام المجتهد المتفق على على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة
الاجتهاد أبي الحسن السبكي، وولده التاج، والشيخ الإمام العزّ ابن جماعة، وأهل
عصرهم، وغيرهم من الشافعيّة والمالكية والحنفيّة. ولم يقصر اعتراضه على متأخّري
الصوفية، بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ.
والحاصل: أنْ لا يقام لكلامه وزن، بل يرمى في كلّ وعر وحزن، ويعتقد فيه أنه ضال مضل
غال، عامله الله بعدله، وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله. آمين» الفتاوى
الحديثيّة: 86.