عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة العسكري

 

 

 

العقائد الإسلامية في القرآن الكريم

 

-6-

مبلغون عن الله ومعلمون للناس

 

 


1- النبي والرسول والوصي
ا  النبي والنبوة:
النبوة في اللغة: الرفعة وعلو المنزلة, وورد النبي في قوله تعالى في سورة آل عمران:
(ما كان لبشر ان يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون اللّه) (الاية 79).
نظيرا لمن اتاه اللّه الكتاب والحكم وقسيما لهما.
اذا فالنبوة منزلة خاصة فضل النبي بها بما آتاه اللّه من العلم وقرب المنزلة من اللّه, وعليه فان النبي من اوتي تلك المنزلة, وهي المقصودة في خطابه تعالى لنبيه وقوله في سورة الاحزاب:
(يا ايها النبي انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا الى اللّه باذنه وسراجا منيرا) (الاية 45).
فان المعنى: ياذا المنزلة الرفيعة, انا ارسلناك: الخ.
وكذلك في قوله تعالى في سورة الاحزاب:
(النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم) (الاية 6).
والنبي يوحى اليه, كما قال سبحانه وتعالى في سورة النساء:
(انا اوحينا اليك كما اوحينا الى نوح والنبيين من بعده) (الاية 166).
اذا فالنبي مصطلح اسلامي بمعنى: انسان ذي منزلة رفيعة عند اللّه يوحى اليه وقد يبعث اللّه الرب النبيين رسلا مبشرين ومنذرين لهداية الناس, كما قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة:
(كان الناس امة واحدة فبعث اللّه النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب) (الاية 213).
وانزل معهم الكتاب اي: ان اللّه الرب انزل الكتب مع من كان من النبيين, وليس المقصود ان الرب انزل مع كل نبي كتابا.
ثم ان الرب فضل بعض النبيين على بعض كما قال سبحانه في سورة الاسراء:
(ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض) (الاية 55).
وارسل رسله الى الناس من النبيين كالاتي بيانه:
ب  الرسول:
الرسول: حامل الرسالة, وهو وسيلة هداية الرب للناس, وله شرف الوساطة بين الرب والمربوبين من البشر, ومرسل برسالة خاصة اليهم, ويختاره اللّه ممن ارسل اليهم ومن اهل لغتهم كما قال سبحانه وتعالى في سورة ابراهيم:
(وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم) (الاية 5) وفي قوله تعالى:
(والى عاد اخاهم هودا) (في سورتي الاعراف 65, وهود 45) وفي قوله تعالى.
(والى ثمود اخاهم صالحا) (في سور: الاعراف 73, وهود 61, والنمل 45).
وفي قوله تعالى:
(والى مدين اخاهم شعيبا) (في سور: الاعراف5, وهود4, والعنكبوت 36).
وان الحكمة في ذلك واضحة: ليتقوى برهطه في اداء التبليغ كما حكى اللّه تعالى في سورة هود عن قوم شعيب انهم قالوا لشعيب:
(ولولا رهطك لرجمناك) (الاية 91).
ويرسل الرب الرسل لهداية الناس واتماما للحجة عليهم كما قال سبحانه في سورة النساء:
(ورسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل) (الاية 165).
وقال تعالى في سورة الاسراء:
(وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) (الاية 15).
وقال عز اسمه في سورة يونس:
(ولكل امة رسول فاذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) (الاية 47).
وتستحق الامم التي تعصي الرسول عذاب الدنيا والاخرة كما اخبر سبحانه عن فرعون ومن قبله وقال في سورة الحاقة:
(فعصوا رسول ربهم فاخذهم اخذة رابية) (الاية 10).
وتكون معصية الرسول معصية اللّه الرب, كما قال سبحانه في سورة الجن:
(ومن يعص اللّه ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها ابدا) (الاية 23).
واختار اللّه الرسل من الانبياء وكان عدد الرسل اقل من عدد الانبياء كما ورد ذلك في ما رواه ابو ذر وقال:
[ فقلت: يا رسول اللّه (ص) قال: (مائة الف واربعة وعشرون الفا, الرسل من ذلك: ثلاثمائة وخمسة عشر, جما غفيرا)].
وبناء على ما ذكرناه فان كل رسول نبي, وليس كل نبي رسولا مثل اليسع (ع) فانه كان نبيا ووصيا للكليم موسى بن عمران (ع).
ومن الرسل من جاء بشريعة ناسخة لبعض ما في الشريعة السابقة من المناسك, كما كان شان شريعة موسى (ع) بالنسبة الى الشرائع السابقة على شريعته, ومنهم من جاء بشريعة متممة مجددة للشريعة السابقة كما كان شان شريعة خاتم الانبياء (ص) بالنسبة الى حنيفية ابراهيم الخليل (ع) كما قال سبحانه وتعالى في سورة النحل:
(ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا) (الاية 123).
وقال تعالى في سورة المائدة:
(اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) (الاية 3).
اما الاوصياء من الانبياء فاخبارهم كالاتي:

الوصي والوصية:

الوصي في الكتاب والسنة: هو الانسان الذي اوصى اليه غيره ان يقوم بعد وفاته بامر يهمه, سواء في ذلك ان يقول الموصي لوصيه:
اوصيك ان تفعل كذا وكذا من بعدي, او يقول: اعهد اليك ان تفعل كذا وكذا من بعدي, وكذلك الشان في اخباره الاخرين الوصية, فانه سواء في ذلك ان يقول: فلان وصيي من بعدي, او يقول: فلان يقوم بعدي بعمل كذا وكذا, وما شابهها من الالفاظ الدالة على الوصية.
ووصي النبي: هو الانسان الذي يعهد اليه النبي بامر شريعته وامته من بعده.
ومما بلغنا من اخبار الاوصياء من الانبياء ما رواه الطبري عن ابن عباس وقال ما موجزه:
ولدت حواء لادم هبة اللّه واسمه بالعبرانية: شيث, واليه اوصى آدم.
وولد لشيث انوش, ولما مرض اوصى لابنه انوش ومات.
ثم ولد لانوش ابنه قينان ونفر كثير, واليه الوصية.
وولد قينان مهلائيل اليرد ونفرا معه, واليه الوصية.
فولد يرد اخنوخ, وهو ادريس ونفرا معه, واليه الوصية.
فولد اخنوخ متوشلخ ونفرا معه, واليه الوصية.
وروى ابن سعد في ذكر ادريس النبي (ع) بسنده عن ابن عباس, وقال:
اول نبي بعث بعد آدم ادريس وهو خنوخ بن يرد فولد خنوخ متوشلخ ونفرا معه, واليه الوصية فولد متوشلخ لملك ونفرا معه, واليه الوصية, فولد لمك نوحا.
وروى المسعودي في اخبار الزمان وقال ما موجزه:
ولما اراد اللّه سبحانه وتعالى ان يتوفى في آدم امره ان يسند وصيته الى ابنه شيث ويعلمه جميع العلوم التي علم بها ففعل.
وقال:
واوصى (شيث) الى ابنه قينان, وقد كان علمه الصحف وبين له قسمة الارض, وما يكون فيها, وامره باقامة الصلاة وايتاء الزكاة والحج, وبجهاد ولد قابيل ففعل ما امره به ابوه, ومات قينان وله سبعمائة سنة وعشرون سنة.
واوصى الى ابنه مهلايل ووصاه بما اوصاه به, وكان عمر مهلايل ثمانمائة سنة وخمسة وسبعين سنة.
واوصى الى ابنه بوارد وعلمه الصحف وعلمه قسمة الارض, وما يحدث في العالم, ودفع اليه كتاب سر الملكوت الذي علمه مهلاييل.
الملك لادم, وكانوا يتوارثونه مختوما لا ينظرون فيه.
وولد لبوارد ابنه خنوخ, وهو ادريس النبي (ع) ونباه اللّه تعالى وسمي ادريس لكثرة درسه لكتاب اللّه عز وجل, وسنن الدين, وانزل اللّه سبحانه وتعالى عليه ثلاثين صحيفة فكملت الصحف المنزلة يومئذ ثلاثين صحيفة, وعهد بوارد الى خنوخ ورفع اليه وصية ابيه وعلمه العلوم التي كانت عنده ودفع اليه مصحف السر فلم يدفعه بعد شيث غير ادريس.
اما اليعقوبي فقد اورد اخبار الاوصياء بالتسلسل نفسه وبتفصيل اكثر من الطبري وابن الاثير, واورد اخبارا اخر عن امر الوصية, وقال مثلا:
ولما حضرت آدم الوفاة جاءه شيث ابنه وولده وولد ولده فصلى عليهم ودعا لهم بالبركة وجعل وصيته الى شيث.
وقال:
وقام بعد موت آدم ابنه شيث وكان يامر قومه بتقوى اللّه سبحانه والعمل الصالح الى قوله: فلما حضرت وفاة شيث اتاه بنوه وبنو بنيه وهم يومئذ انوش وقينان ومهلائيل, ويرد, واخنوخ, ونساؤهم وابناؤهم, فصلى عليهم ودعا لهم بالبركة, وتقدم اليهم وحلفهم ولا يختلطوا باولاد قابيل الملعون, واوصى الى انوش ابنه.
وهكذا سلسل اخبار الوصية مع ذكر ما وقع في ايامهم الى قوله في خبر وصية نوح:
ولما حضرت وفاة نوح اجتمع اليه بنوه الثلاثة: سام وحام ويافث وبنوهم فاوصاهم, ثم ذكر تفصيل وصية نوح لسام, وكذلك ذكر تسلسل اخبار الاوصياء وصيا بعد نبي الى آخر انبياء بني اسرائيل واوصيائهم, وقد اكتفينا منها بما اوردناه موجزا الى هنا.
وانتشر على عهد نوح عبادة الاصنام في ولد قابيل.
واوصى ادريس الى ابنه متوشلخ, لان اللّه اوحى اليه ان اجعل الوصية في ابنك متوشلخ فاني ساخرج من ظهره نبيا يرتضي فعله ورفع اللّه ادريس (ع) اليه وانقطع الوحي بعده.
فكثر الاختلاف بعده والتنازع واشاع عليه ابليس انه هلك, وانه كان كاهنا اراد الصعود الى الفلك فاحرق, وحزن عليه ولد آدم المتمسكون بدينه حزنا شديدا, واظهر ان صنمهم الاكبر اهلكه فزادوا في عبادة الاصنام وتحليتها والذبائح لها, وعملوا عيدا لم يبق احد الا حضره, وكانت لهم يومئذ من الاصنام يغوث ويعوق ونسر وود وسواع.
ولما حضرت متوشلخ الوفاة اوصى الى ابنه لمك ومعنى لمك الجامع, وعهد اليه ابوه ودفع اليه الصحف والكتب المختومة التي كانت لادريس (ع), وكان عمر متوشلخ تسعمائة سنة.
وانتقلت الوصية الى لمك (وهو ابو نوح), وقد كان راى ان نارا خرجت من فيه, فاحرقت العالم, وراى وقتا آخر كانه على شجرة في وسط بحر لا غير.
وكبر نوح (ع) فنباه اللّه عز وجل وهو ابن خمسين سنة وارسله الى قومه الذين كانوا يعبدون الاصنام, وهو من اهل العزم من الرسل.
وفي بعض الاخبار ان عمره الف ومائتان وخمسون سنة, وانه لبث في قومه يدعوهم الى الايمان الف سنة الا خمسين عاما كما قال اللّه تعالى, وكانت شريعته التوحيد والصلاة والصيام والحج ومجاهدة اعداء اللّه من ولد قابيل, وامر بالحلال ونهى عن الحرام, وامر ان يدعو الناس الى اللّه تعالى, ويحذرهم عذابه, ويذكرهم آلاءه.
وقال المسعودي:
ان اللّه جعل لسام بن نوح الرئاسة والكتب المنزلة من الانبياء, ووصية نوح في ولده خاصة دون اخوته.
الى هنا ينتهي الموجود بايدينا اليوم من كتاب (اخبار الزمان) للمسعودي, وكذلك سلسل المسعودي في كتاب (اثبات الوصية) ذكر الاوصياء من آدم (ع) الى النبي الخاتم (ص) هذا ما كان في مصادر الدراسات الاسلامية عن الرسل واوصيائهم.
ونرجع بعد ذلك الى اخبار الرسل واوصيائهم في كتب العهدين في ما ياتي:

 

 

2- بعض اخبار الاوصياء في كتب العهدين

نقتصر في نقل اخبار الاوصياء من العهدين على ذكر اخبار ثلاثة منهم كالاتي:

 وصية كليم اللّه موسى (ع) لنبي اللّه يوشع (ع):

ورد في مادة (يوشع) من (قاموس كتاب مقدس) نقلا عن التوراة:
ان يوشع بن نون كان مع موسى في جبل سينا ولم يتلوث بعبادة العجل على عهد هارون.
وفي آخر الاصحاح السابع والعشرين من سفر العدد ورد خبر تعيينه من قبل اللّه وصيا لموسى كالنص الاتي:
فكلم موسى الرب قائلا ليوكل الرب اله ارواح جميع البشر رجلا على الجماعة يخرج امامهم ويدخل امامهم.
ويخرجهم ويدخلهم لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها فقال الرب لموسى خذ يشوع بن نون رجلا فيه روح وضع يدك عليه واوقفه قدام العازار الكاهن وقدام كل الجماعة واوصه امام اعينهم واجعل من هيبتك عليه لكي يسمع له كل جماعة اسرائيل فيقف امام العازار الكاهن فيسال له بقضاء الاوريم امام الرب حسب قوله يخرجون وحسب قوله يدخلون هو وكل بني اسرائيل معه كل الجماعة ففعل موسى كما امره الرب اخذ يشوع واوقفه قدام العازار الكاهن وقدام كل الجماعة ووضع يديه عليه واوصاه كما تكلم الرب عن يد موسى.
وورد خبر قيامه بامر بني اسرائيل وحروبه في ثلاثة وعشرين اصحاحا من سفر يوشع بن نون.

ب  وصية نبي اللّه داود (ع) لنبي اللّه سليمان (ع):

ورد في الاصحاح الثاني من سفر الملوك الاول العدد: (1  4).
ولما قربت ايام وفاة داود اوصى سليمان ابنه قائلا انا ذاهب في طريق الارض كلها فتشدد وكن رجلا احفظ شعائر الرب الهك اذ تسير في طرقه وتحفظ فرائضه وصاياه واحكامه وشهاداته كما هو مكتوب في شريعة موسى لكي تفلح في كل ما تفعل وحيثما توجهت.

ج  وصية عيسى (ع) للحواري شمعون بطرس:

شمعون اسمه في التوراة سمعون, وقد ورد خبره في انجيل متى, الاصحاح العاشر كالاتي:
(ثم دعا  يعني عيسى  تلاميذه الاثنى عشر واعطاهم سلطانا على ارواح نجسة حتى يخرجوها, ويشفوا كل مرض وكل ضعف وهذه اسماء الاثني عشر رسولا: الاول سمعان الذي يقال له بطرس).
وفي انجيل يوحنا, الاصحاح 21 العدد: 15  18 ان عيسى اوصى اليه وقال له: (ارع غنمي) كناية عن رعاية من آمن به.
وجاء في (قاموس كتاب مقدس) ايضا:
(عينه المسيح لهداية الكنيسة).
في الخبر الاول وجدنا النبي الرسول موسى بن عمران (ع) يعين من بعده نبي اللّه يوشع  اليسع في القرآن الكريم  وصيا من بعده.
وفي الخبر الثاني وجدنا نبي اللّه داود (ع) يوصي نبي اللّه سليمان (ع) ان يعمل بشريعة نبي اللّه ورسوله موسى بن عمران (ع).
وفي الخبر الثالث وجدنا عيسى كلمة اللّه (ع) يوصي حوارييه لهداية الناس.

اخبار الرسل والاوصياء في القرآن الكريم

ذكر اللّه سبحانه في كتابه الكريم اخبار خمسة وعشرين نبيا باسمائهم وهم:
آدم, ونوح, وادريس, وصالح, وابراهيم, ولوط, وايوب, واليسع, وذو الكفل, والياس, ويونس, واسحاق, ويعقوب, ويوسف, وشعيب, وموسى, وهارون, وداود, وسليمان, وزكريا, ويحيى, واسماعيل صادق الوعد, وعيسى, ومحمد صلى اللّه عليهم اجمعين منهم من كان صاحب شريعة متممة ومكملة للشريعة السابقة مثل شريعة نوح (ع) المكملة لشريعة آدم (ع), وشريعة محمد (ص) المكملة لشريعة ابراهيم (ع).
ومنهم من كان صاحب شريعة ناسخة لشريعة من كان قبله مثل موسى (ع) ومحمد (ص).
ومنهم من كان نبيا ووصيا وحافظا لشريعة النبي الرسول الذي كان قبله, كيوشع بن نون (ع) وصيا لموسى بن عمران (ع).
وكان لا بد لمن يبعثه اللّه الرب لهداية الناس  رسولا كان او وصي رسول  ان يؤتيه الرب آية على صدق مدعاه في انه مبعوث من قبل الرب, كما ياتي بيانه باذنه تعالى:

 

 

3- الاية والمعجزة

الاية في اللغة: العلامة الدالة على الشي ء بحيث اذا ظهرت العلامة اتضح وجود ذلك الشيء.
وفي المصطلح الاسلامي: نوعان من العلامة الدالة على وجود الباري او احدى صفاته  اسمائه الحسنى  وهما:
ا  ما دل بوجوده المتقن على خالق حكيم, وبنظامه المحكم على رب يدبر شؤون الخلق وفق نظام محكم نسميه بسنن اللّه في الكون.
فمثال الاول قوله تعالى في سورة الغاشية:
(افلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت) (الايات 17  20).
وقوله تعالى في سورة العنكبوت:
(خلق اللّه السموات والارض بالحق ان في ذلك لاية للمؤمنين) (الاية 44).
ذكر اللّه تعالى في امثال هذه الايات القرآنية انواعا من الخلق تدل بوجودها على وجود خالقها, ولذلك يسميها الايات.
ومثال الثاني قوله تعالى في سورة النحل:
(هو الذي انزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات ان في ذلك لاية لقوم يتفكرون وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بامره ان في ذلك لايات لقوم يعقلون وما ذرا لكم في الارض مختلفا الوانه ان في ذلك لاية لقوم يذكرون) (الايات 10  13).
ذكر اللّه في امثال هذه الايات القرآنية انواعا من النظام الكوني الذي يدل على وجود الرب المدبر الحكيم, للعالمين, وقد يجمع اللّه في الذكر بين الايات الدالة على الخالق العزيز والرب المدبر الحكيم مثل قوله تعالى في سورة البقرة:
(ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل اللّه من السماء من ماء فاحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون).
(الاية 164).
ذكر اللّه تعالى في اول الاية خلق السماوات والارض, وذكر بعدها آيات النظام الكوني الذي قدره الرب والتي نسميها بسنن اللّه في الكون.
ب  ما آتى اللّه الرب الانبياء من الولاية على النظام الكوني بحيث اذا اقتضت مشيئة اللّه ان يغير النبي شيئا يسيرا من النظام الذي جعله اللّه للكون استطاع ان يفعله باذن اللّه تعالى, كما حكى اللّه تعالى ذلك في وصف عيسى (ع) في سورة آل عمران, وقال:
(ورسولا الى بني اسرائيل اني قد جئتكم بية من ربكم اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير) (الاية 49).
ويسمى هذا النوع من آيات اللّه في العرف الاسلامي بالمعجزة, لان سائر البشر يعجزون عن الاتيان بمثلها, وهي خارقة للنظام الطبيعي للخلق, مثل خلق عيسى (ع) من الطين طيرا باذن اللّه لتكون دليلا اولا على ان اللّه الرب هو الذي اعطى الاشياء خواصها ونظامها الطبيعي, ومتى اقتضت حكمته ان يسلب اي شي ء خواصه, استطاع ان يفعل ذلك, مثل ان يسلب النار خاصة الاحراق لابراهيم (ع) حين القي فيها, ومتى اقتضت حكمته ان يغير النظام الطبيعي الذي جعله لبعض خلقه, استطاع ان يفعل ذلك, مثل خلق الطير من الطين بيد عيسى (ع) بدل انشائه من انثى الطير بعد اللقاح من الطير الذكر وفقا للنظام الطبيعي الذي جعله في تسلسل خلق ذوات الارواح.
ومعاجز الانبياء  كما ذكرنا  خرق للنظام الطبيعي وليست طيا لمراحل انتقال المادة من حال الى حال وصورة بعد صورة حتى تستقر في الصورة الاخيرة, اي ان خلق الطير من الطين يتحقق ضمن سلسلة مراحل يكون قريبا من سير النور, يطويها اللّه لنبيه باسرع من زمانه الطبيعي وتدرجه في الانتقال كما يفهم ذلك من كلام بعض فلاسفة المسلمين.
وليست المعجزة سحرا فان السحر ضرب من التخييل لا حقيقة له, والساحر  مثلا  عندما يري انه ابتلع طيرا او دخل في فم الناقة وخرج من دبرها, او هشم اواني زجاجية ثم اعاد كل شي ء كما كان, لم يفعل اي شي ء من ذلك, وانما سحر اعين الرائين فتخيلوا ذلك, ولما انتهى مفعول السحر راى الحاضرون كل شي ء كما كان دونما تغيير او تبديل.
والمعجزة تغيير حقيقي للنظام الطبيعي مثل ابتلاع عصا موسى (ع)  التي اصبحت ثعبانا عظيما  جميع ما القى السحرة في الساحة.
الكبيرة, ولما عاد الثعبان في يد موسى (ع) الى العصا لم يبق اثر لما كان قد القى السحرة في تلك الساحة, ومن ثم القي السحرة ساجدين, وقالوا: آمنا برب العالمين رب موسى وهارون, لانهم كانو متخصصين في امر السحر, وادركوا ان عمل موسى (ص) ليس بسحر وانما هو آية من آيات الرب تعالى.
وكذلك لا تاتي المعجزة في الامر المحال وما يسمى في علم المنطق باجتماع النقيضين مثل ان يكون الشي ء في زمان واحد ومكان واحد موجودا وغير موجود.
وحقيقة معجزات الانبياء آيات يجريها اللّه الرب على ايديهم, لا يستطيع الانس والجن ان ياتوا بمثلها ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا فان في الجن مثلا من يستطيع ان ياتي بعرش بلقيس من اليمن الى سليمان قبل ان يقوم من مقامه, لان سير الجن في الجو قد يكون قريبا من سير النور.
وبناء على ذلك قد يستطيع الجن ان يخبر عن شي وقع في مكان ما, لكاهن يتصل به, ولكن لا يستطيع الجن والانس ان يخلقوا من الطين طيرا فيكون طيرا, ما لم يكن الرب قد اذن بذلك.
وقد يستطيع المرتاض الهندي ان يوقف القطار عن الحركة, ولكنه لا يستطيع هو ولا غيرهم ممن لم ياذن له الرب ان يضرب بعصاه الحجر فتنبجس منه اثنتا عشرة عينا ولما كان اللّه الرب يؤتي من بعثه من الانبياء الايات, لتعلم اممهم صدق ادعائهم انهم مبعثون من قبل الرب, كان مقتضى الحكمة ان تكون الايات مما تعرفها الامة التي بعث النبي لهدايتها, كما اخبر بذلك الامام علي بن موسى الرضا (ع) من ساله: لماذا بعث اللّه موسى بن عمران بيده البيضاء والعصا وآلة السحر؟ وبعث عيسى بالطب؟ وبعث محمدا (ص) بالكلام والخطب؟ بقوله:
(ان اللّه تبارك وتعالى لما بعث موسى (ع) كان الاغلب على اهل عصره السحر فاتاهم من عند اللّه عز وجل بما لم يكن في وسع القوم مثله, وبما ابطل به سحرهم واثبت به الحجة عليهم, وان اللّه تبارك وتعالى بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس الى الطب, فاتاهم من عند اللّه عز وجل بما لم يكن عندهم مثله, وبما احيا لهم الموتى وابرا الاكمة والابرص باذنه, واثبت به الحجة عليهم, وان اللّه تبارك وتعالى بعث محمدا في وقت كان الاغلب على اهل عصره الخطب والكلام  واظنه قال: والشعر  فاتاهم من كتاب اللّه عز وجل ومواعظه واحكامه ما ابطل به قولهم واثبت الحجة عليهم).
فقال السائل: تاللّه ما رايت مثل اليوم قط, فما الحجة على الخلق اليوم؟.
فقال (ع): (العقل, تعرف به الصادق على اللّه فتصدقه, والكاذب على اللّه فتكذبه).
فقال السائل: هذا واللّه الجواب.
وكان اتيان الانبياء الايات الخارقة لشي ء من النظام الطبيعي للاشياء من سنن اللّه الرب الكونية في المجتمعات الانسانية التي يبعث الانبياء اليها.
ومن ثم كانت الامم تطالب انبياءها بان ياتوا لهم بية تكون دليلا على صدق مدعاهم, كما حكى اللّه تعالى في سورة الشعراء عن قوم ثمود انهم قالوا لنبيهم صالح (ع):
(ما انت الا بشر مثلنا فات بية ان كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فياخذكم عذاب يوم عظيم) (الايات 154  156).
وبعد بيان النبي الاية المعجزة, كثيرا ما كانت الامم تكابر وتعاند نبيها ولا تؤمن باللّه ربا وبنبيه مبعوثا اليهم, كما اخبر اللّه تعالى عن قوم ثمود بعد هذه الايات وقال:
(فعقروها فاصبحوا نادمين) (الاية 157).
واذا نزلت الاية حسب طلب قوم النبى ولم يؤمنوا بها استحقوا الرجز والعذاب, فيعذبهم اللّه تعالى كما اخبر في السورة نفسها عن عاقبة قوم ثمود  ايضا  وقال عز اسمه:
(فاخذهم العذاب ان في ذلك لاية وما كان اكثرهم مؤمنين) (الاية 158).
ويكون اتيان الاية للانبياء بمقتضى الحكمة, ومقتضى الحكمة اتيان الاية بالمقدار الذي يظهر لمن اراد ان يؤمن بالرب ورسوله ان الرسول صادق في دعواه وليس بمقدار تعنت الاقوام التي تابى الايمان بالرب وبرسوله على اي حال, ولا تاتي  ايضا  بالامر المحال كما ورد الامران في طلب قريش من خاتم الرسل (ص) وذلك بعد ان آتى اللّه قريشا من آياته ما اختص العرب به: كلاما بليغا, وخاطبهم في سورة البقرة وقال لهم:
(وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون اللّه ان كنتم صادقين فان لم تفعلوا ولن.
تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكافرين) (الايتان 23  24).
وقد اخبر اللّه تعالى في سورة الاسراء عن انواع تعنتهم وقال: (قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان ياتوا بمثل هذا القرآن لا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فابى اكثر الناس الا كفورا وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا او تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الانهار خلالها تفجيرا او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا او تاتي باللّه والملائكة قبيلا او يكون لك بيت من زخرف او ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا وما منع الناس ان يؤمنوا اذ جاءهم الهدى الا ان قالوا ابعث اللّه بشرا رسولا قل لو كان في الارض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم انه كان بعباده خبيرا بصيرا) (الايات8  96).
فاتم اللّه الرب عليهم الحجة, وقال: (ان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم), واخبر ان الانس والجن لو اجتمعوا لما استطاعوا ان ياتوا بمثله وان كان بعضهم لبعض ظهيرا, واكد ذلك وقال: لن تستطيعوا ان تاتوا بمثله, وحتى عصرنا الحاضر لم يستطع خصوم الاسلام  على كثرتهم وما يملكون من قوى ضخمة ومتنوعة  ان ياتوا بسورة من مثل القرآن.
بعد هذا التحدي الصارخ واتيان الامر المعجز للانس والجن, وعجز قريش عن الاتيان بمثله, طلبوا من الرسول (ص) ان يغير مناخ مكة وان يكون له بيت من ذهب, او ياتي باللّه والملائكة قبيلا, او يرقى في السماء ولا يؤمنون لرقيه حتى ينزل عليهم كتابا يقرؤونه, وكان في ما طلبوا, الامر المحال وهو ان ياتي باللّه والملائكة قبيلا (تعالى اللّه عما قاله الظالمون علوا) وكان فيه ما يخالف سنن اللّه في ارسال الانبياء بان يرقى امامهم الى السماء وياتي لهم بكتاب وهو ما خص اللّه رسله من الملائكة وليس من شان البشر, واستنكروا ان يبعث اللّه لهم بشرا رسولا, في حين ان الحكمة تقتضي ان يكون الرسل من جنس البشر ليكونوا في عملهم قدوة واسوة لقومهم, ولم تكن سائر طلباتهم موافقة لمقتضى الحكمة, مثل طلبهم ان ينزل عليهم العذاب, ولذلك امر ان يجيبهم ويقول: (سبحان ربي هل كنت الا بشرا رسولا).
وخلاصة ما ذكرناه ان حكمة الرب اقتضت ان المرسل من قبله ياتي بية من ربه تدل على صدق ادعائه, ويتم بذلك الحجة على الناس, وعندئذ يؤمن من شاء ان يؤمن, ويجحد من شاء ان يجحد, كما كان شان قوم موسى وهارون بعد اتيان المعجزات, فقد آمنت السحرة وكفر بها فرعون وملاه فاخزاهم اللّه بالغرق, وما ياتي به الانبياء من قبل اللّه  سبحانه وتعالى  يسمى في المصطلح الاسلامي بالمعجزة دليلا على صدقهم.
وبالاضافة الى ما ذكرنا فان للذين جعلهم اللّه ائمة لهداية الناس (سواء كانوا رسلا اصحاب شرايع او اوصياء لهم) صفات يمتازون.
بها عن غيرهم من الناس كما سندرسها في البحث الاتي بحوله تعالى: