عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة العسكري

 

 

 

 

العقائد الإسلامية في القرآن الكريم

 

-12-

البداء أو يمحو الله ما يشاء ويثبت

 

 


1- البداء في اللغة
للبداء في اللغة معنيان:
ا  بدا الامر بدوا وبداء: ظهر ظهورا بينا.
ب  بدا له في الامر كذا: جد له فيه راي, نشا له فيه راي.


2- البداء في مصطلح علماء العقائد الاسلامية
بدا اللّه في امر اي ظهر له في ذلك الامر ما كان خافيا على العباد.
واخطا من ظن ان المقصود من بدا للّه في بداء جد له في ذلك الامر غير الامر الذي كان له قبل البدا, تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.


3- البداء في القرآن
ا  قال اللّه تعالى في سورة الرعد:
(ويقول الذين كفروا لولا انزل عليه آية من ربه) (الايتان 7 و27).
ثم قال تعالى:
(وما كان لرسول ان ياتي بيتة الا باذن اللّه لكل اجل كتاب يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب وان ما نرينك بعض.
الذي نعدهم او نتوفينك فانما عليك البلاغ وعلينا الحساب) (الايات 38  40).
شرح الكلمات.
1  آية:
الاية في اللغة: العلامة الظاهرة كما قال الشاعر:
وفي كل شي ء له آية تدل على انه واحد وسميت معجزات الانبياء آية لانها علامة على صدقهم وعلى قدرة اللّه الذي مكنهم من الاتيان بتلك المعجزة, مثل عصا موسى وناقة صالح, كما جاءت في الاية (67) من سورة الشعراء والاية (73) من سورة الاعراف.
وكذلك سمى القرآن انواع العذاب الذي انزله اللّه على الامم الكافرة بالاية والايات, كقوله تعالى في سورة الشعراء عن قوم نوح:
(ثم اغرقنا بعد الباقين ان في ذلك لاية) (الايتان 120  121).
وعن قوم هود:
(فكذبوه فاهلكناهم ان في ذلك لاية) (الاية 139).
وعن قوم فرعون في سورة الاعراف:
(فارسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات) (الاية 133).
2  اجل:
الاجل: مدة الشي ء والوقت الذي يحدد لحلول امر وانتهائه, يقال: جاء اجله اذا حان موته, وضربت له اجلا: اي وقتا محدودا لعمله.
3  كتاب:
للكتاب معان, متعددة, والمقصود منها هنا: مقدار مكتوب او مقدر, ويكون معنى (لكل اجل كتاب): لوقت اتيان الرسول بية زمان مقدر معين.
4  يمحو:
محاه في اللغة: ازاله وابطله, او ازال اثره مثل قوله تعالى:
ا  في سورة الاسراء:
(فمحونا آية الليل وجعلناه آية النهار مبصرة) (الاية 12).
وآية الليل هي الليل, ومحو الليل: ازالته.
ب  في سورة الشورى:
(ويمح اللّه الباطل ويحق الحق بكلماته) (الاية 24).
اي يذهب بثار الباطل.
تفسير الايات.
اخبر اللّه سبحانه وتعالى في هذه الايات ان كفار قريش طلبوا من رسول اللّه (ص) ان ياتيهم بيات, كما بين طلبهم ذلك في قوله تعالى في سورة الاسراء:
(وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا او تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا او تاتي باللّه والملائكة قبيلا).
(الايتان 90 و92).
وقال في الاية (38) من سورة الرعد: (وما كان لرسول ان ياتي بية) مقترحة عليه (الا باذن اللّه) وان لكل امر وقتا محددا سجل.
في كتاب.
واستثنى منه في الاية بعدها وقال: (يمحوا اللّه ما يشاء) من ذلك الكتاب ما كان مكتوبا فيه من رزق واجل وسعادة وشقاء وغيرها (ويثبت مايشا) مما لم يكن مكتوبا في ذلك الكتاب (وعنده ام الكتاب) اي اصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ الذي لا يتغير ما فيه ولا يبدل.
وبناء على ذلك قال بعدها: (وان ما نرينك بعض الذي نعدهم) من العذاب في حياتك (او نتوفينك) قبل ذلك (فانما عليك البلاغ) فحسب ويدل على ما ذكرناه ما رواه الطبري والقرطبي وابن كثير في تفسير الاية وقالوا ما موجزه:
ان الخليفة عمر بن الخطاب كان يطوف بالبيت ويقول: اللّه م ان كنت كتبتني في اهل السعادة فاثبتني فيها, وان كنت كتبتني في اهل الشقاوة والذنب فامحني واثبتني في اهل السعادة والمغفرة, فانك تمحو ما تشاء وتثبت, وعندك ام الكتاب.
وروي عن الصحابي ابن مسعود انه كان يقول:
اللّه م ان كنت كتبتني في السعداء فاثبتني فيهم, وان كنت كتبتني في الاشقياء فامحني من الاشقياء واكتبني في السعداء, فانك تمحو ما تشاء وتثبت, وعندك ام الكتاب.
وروي عن ابي وائل انه كان يكثر ان يدعو: اللّهم ان كنت كتبتنا اشقياء فامح واكتبنا سعداء, وان كنت كتبتنا سعداء فاثبتنا, فانك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك ام الكتاب.
وفي البحار: وان كنت من الاشقياء فامحني من الاشقياء واكتبني من السعداء, فانك قلت في كتابك المنزل, على نبيك صلواتك عليه وآله: (يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب).
واستدل القرطبي  ايضا  على هذا التاويل بما روى عن صحيحي البخاري ومسلم ان رسول اللّه (ص) قال:
(من سره ان يبسط له في رزقه وينساله في اثره  اجله  فليصل رحمه).
وفي رواية: (من احب ان يمد اللّه في عمره ويبسط له رزقه فليتق اللّه وليصل رحمه).
ونقل عن ابن عباس انه قال في جواب من ساله وقال: كيف يزاد في العمر والاجل؟ قال اللّه عز وجل: (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا واجل مسمى عنده) فالاجل الاول اجل العبد من حين ولادته الى حين موته, والاجل الثاني -يعني المسمى عنده- من حين وفاته الى يوم يلقاه في البرزخ لا يعلمه الا اللّه, فاذا اتقى العبد ربه ووصل رحمه, زاده اللّه في اجل عمره الاول من اجل البرزخ ما شاء, واذا عصى وقطع رحمه, نقصه اللّه من اجل عمره في الدنيا ما شاء, فيزيده من اجل البرزخ الحديث.
واضاف ابن كثير على هذا الاستدلال وقال ما موجزه:
وقد يستانس لهذا القول ما رواه احمد والنسائي وابن ماجة عن النبي (ص) انه قال:
(ان الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر الا الدعاء ولا يزيد في العمر الا البر).
وقال: وفي حديث آخر:
(ان الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والارض).
كان ما ذكرناه وجها واحدا مما ذكروه في تاويل هذه الاية وذكروا معها وجوها اخر في تاويل الاية مثل قولهم:
ان المراد محو حكم واثبات آخر, اي نسخ الاحكام, والصواب في القول, انه يعم الجميع وهذا ما اختاره القرطبي  ايضا  وقال:
( الاية عامة في جميع الاشياء وهو الا ظهر واللّه اعلم).
وروى الطبري والسيوطي عن ابن عباس في قوله تعالى (يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب) قال: يقدر اللّه امر السنة في ليلة القدر الا السعادة والشقاء.
يمحو اللّه ما يشاء ويثبت قال: من احد الكتابين هما كتابان يمحو اللّه من احدهما ويثبت وعنده ام الكتاب اي حملة الكتاب.
ب  قال سبحانه وتعالى في سورة يونس:
(فلولا كانت قرية آمنت فنفعها ايمانها الا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم الى حين) (الاية98).
شرح الكلمات.
ا  كشفنا:
كشف عنه الغم: ازاله, وكشف العذاب: ازاله.
ب  الخزي:
خزي خزيا: هان وافتضح.
ج  حين:
الحين: الوقت والمدة من غير تحديد في معناه بقلة او كثرة.
تفسير الاية.
قصة يونس بايجاز كما في تفسير الاية بتفسير الطبري والقرطبي ومجمع البيان: ان قوم يونس كانوا بنينوى من ارض الموصل وكانوا يعبدون الاصنام, فارسل اللّه اليهم يونس (ع) يدعوهم الى الاسلام وترك ما هم عليه فابوا, وتبعه منهم عابد وشيخ من بقية علمائهم وكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم والعالم ينهاه ويقول له: لا تدع عليهم فان اللّه يستجيب لك ولا يحب هلاك عباده فقبل يونس قول العابد فاخبر اللّه تعالى انه ياتيهم العذاب في شهر كذا في يوم كذا فاخبرهم يونس بذلك فلما قرب الوقت خرج يونس من بينهم مع العابد وبقي العالم فيهم وقال قومه:
لم نجرب  يونس  عليه كذبا فانظروا فان بات فيكم الليلة فليس بشيء وان لم يبت فاعلموا ان العذاب مصبحكم فلما كان في جوف الليل خرج يونس من بين اظهرهم ولما علموا ذلك وراوا آثار العذاب وايقنوا بالهلاك ذهبوا الى العالم فقال لهم: افزعوا الى اللّه فانه يرحمكم ويرد العذاب عنكم, فاخرجوا الى المفازة وفرقوا بين النساء والاولاد وبين سائر الحيوان واولادها ثم ابكوا وادعوا, ففعلوا خرجوا الى الصعيد بانفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم ولبسوا المسوح واظهروا الايمان والتوبة واخلصوا النية وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والانعام, فحن بعضها الى بعض وعلت اصواتها واختلطت اصواتها باصواتهم وتضرعوا الى اللّه عز وجل وقالوا آمنا بما جاء به يونس, فرحمهم ربهم واستجاب دعاءهم وكشف عنهم العذاب بعدما اظلهم, بعد ان بلغ من توبتهم الى اللّه, ردوا المظالم بينهم حتى ان كان الرجل لياتي الحجر وقد وضع عليه اساس بنيانه فيقتلعه ويرده وكذلك محا اللّه العذاب عن قوم يونس بعد ان تابوا وكذلك يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب.
ج  قال سبحانه وتعالى في سورة الاعراف:
(وواعدنا موسى ثلاثين ليلة واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليلة) (الاية 142).
وقال في سورة البقرة:
(واذ واعدنا موسى اربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون) (الاية 51).


4- البداء في روايات مدرسة الخلفاء
روى الطيالسي واحمد وابن سعد والترمذي واللفظ للطيالسي بايجاز.
قال قال رسول اللّه (ص):
ان اللّه ارى آدم ذريته فراى رجلا ازهر ساطعا نوره.
قال: يارب من هذا؟.
قال: هذا ابنك داود قال: يارب فما عمره؟.
قال: ستون سنة قال: يارب زد في عمره قال: لا الا ان تزيده من عمرك قال: وما عمري؟.
قال: الف سنة قال آدم: فقد وهبت له اربعين سنة من عمري.
فلما حضره الموت وجاءته الملائكة قال: قد بقي من عمري اربعون سنة.
قالوا: انك قد وهبتها لداود.
هذه الرواية بالاضافة الى ماسبق ايراده من اخبار آثار صلة الرحم ونظائرها بمدرسة الخلفاء من مصاديق (يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب).
وقد سمى ائمة اهل البيت (ع) المحو والاثبات بالبداء كما سندرسه ان شاء اللّه تعالى في ما ياتي:


5- البداء في روايات ائمة اهل البيت (ع)
في البحار عن ابي عبد اللّه (الامام الصادق) (ع) قال: (ما بعث اللّه عز وجل نبيا حتى ياخذ عليه ثلاث خصال: الاقرار بالعبودية, وخلع الانداد, وان اللّه يقدم مايشاء ويؤخر مايشا).
وفي روايه اخرى وصف الامام الصادق (ع) هذا الامر بالمحو والاثبات وقال: (ما بعث نبيا قط حتى ياخذ عليه ثلاثا: الاقرار للّه بالعبودية وخلع الانداد, وان اللّه يمحو ما يشاء ويثبت ما يشا).
وفي رواية ثالثة سمى المحو والاثبات بالبداء, وقال ما موجزه: (ما تنبا نبي قط حتى يقر للّه تعالى بالبداء) الحديث.
وعن الامام الرضا (ع) انه قال: (ما بعث نبيا قط الا بتحريم الخمر, وان يقر له بالبداء).
وفي رواية اخرى اخبر الامام الصادق (ع) عن زمان المحو والاثبات وقال: (اذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة الى سماء الدنيا فيكتبون ما يكون من قضاء اللّه تعالى في تلك السنة فاذا اراد اللّه ان يقدم شيئا او يؤخره او ينقص شيئا امر الملك ان يمحو ما يشاء ثم اثبت الذي اراد).
واخبر الامام الباقر (ع) عن ذلك وقال ما موجزه: (تنزل فيها الملائكة والكتبة الى سماء الدنيا فيكتبون ما هو كائن في امر السنة وما يصيب العباد فيها قال: وامر موقوف للّه فيه المشيئة يقدم منه ما يشاء ويؤخر ما يشاء, وهو قوله تعالى: يمحو اللّه ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب).
وفي حديث آخر له قال: (في قول اللّه: (ولن يؤخر اللّه نفسا اذا جاء اجلها).
ان عند اللّه كتبا موقوتة يقدم منها ما يشاء ويؤخر فاذا كان ليلة القدر انزل اللّه فيها كل شي يكون الى ليلة مثلها, وذلك قوله: (لن يؤخر اللّه نفسا اذا جاء اجلها) اذا انزل, وكتبه كتاب السموات وهو الذي لا يؤخره).
وروى المجلسي في هذا الباب خبر هبة آدم (ع) اربعين سنة من عمره لداود (ع) الذي اوردناه آنفا في روايات مدرسة الخلفاء.
هذا هو البداء في اخبار ائمة اهل البيت (ع) واما البداء بمعنى ان اللّه جد له راي في الامر لم يكن يعلمه  معاذ اللّه  فقد قال ائمة.
اهل البيت (ع) فيه ما رواه المجلسي عن الا مام الصادق (ع) انه قال: (من زعم ان اللّه عز وجل يبدو له في شي ء لم يعلمه امس فابرؤوا منه).

اثر الاعتقاد بالبداء.
لو اعتقد الانسان ان من الناس من كتب في السعداء فلن تتبدل حاله ولن يكتب في الاشقياء, ومنهم من كتب في الاشقياء فلن تتبدل حاله ولن يكتب في السعداء, وجف القلم بما جرى لكل انسان, عندئذ لا يتوب العاصي من معصيته بل يستمر في ما هو عليه لاعتقاده بان الشقاء قد كتب عليه ولن تتغير حاله, ومن الجائز ان يوسوس الشيطان الى العبد المنيب انه من السعداء ولن يكتب في الاشقياء وتؤدي به الوسوسة الى التساهل في الطاعة والعبادة, وعدم استيعاب بعض المسلمين معاني الايات والروايات المذكورة في المشيئة, اعتقد بعضهم ان الانسان مجبور على ما يصدر منه وآخرون على ان الامر كله مفوض للانسان, كما سندرسه في البحث الاتي لنعرف الحق في ذلك باذنه تعالى.