موقع عقائد الشيعة الإمامية >> كتاب إجماعات فقهاء الإمامية >> المجلد السابع

 

 

 

إجماعات فقهاء الإمامية

 

 

المجلد السابع: بحوث فقهاء الإمامية في أصل الإجماع

 

 

الشهيد الثاني. تمهيد القواعد

المقصد الثالث في الإجماع

- تمهيد القواعد - الشهيد الثاني  ص 251، 256: ([1])

        و هو اتفاق المجتهدين من أمة النبي صلى الله عليه وآله على حكم، وهو حجة عند العلماء إلا من شذ.

        واختلفوا في مدرك حجيته، فالجمهور على أنه للآية [1] والرواية [2]، والخاصة على أنه دخول المعصوم فيهم.

        و تظهر الفائدة فيما لو خالف غيره من المجتهدين، فإنه لا يقدح في حجية ما وافق هو عليه عند الخاصة، لأن العبرة بقوله لكن يصدق معه أن الإجماع حجة وإن لم يكن من حيث هو إجماع.

و من هنا نسب بعضهم إلينا القول بأن الإجماع ليس بحجة،([2])

[1] وهي قوله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} النساء: 115، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}.

البقرة: 143.

[2] الروايات التي تمسكوا بها كثيرة منها “أمتي لا تجتمع على خطأ” و”ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللَّه حسن” و”لا تجتمع أمتي على ضلالة” و”يد اللَّه مع الجماعة” و”سألت ربي أن لا تجتمع أمتي على الضلالة فأعطيتها” وغيرها.

 

[الصفحة 252]

        وليس بصحيح، وإنما الاختلاف في الحقيقة.

        وعند الجمهور تقدح مخالفة غير النادر، واختلفوا فيه على أقوال محرّرة في الأصول.

        وفرّع أصحابنا -على ما وجّهوه من حجية الإجماع- كون إجماعهم خاصة حجة مع عدم تمييز المعصوم فيهم بعينه.

        وعليه لو قدّر مخالفة واحد أو ألف معروفي النسب فلا عبرة بهم. ولو كانوا غير معروفين قدح ذلك في الإجماع. وفي هذا كله عندي نظر قد حققته في محل مفرد.

        و لا يخفى ما يتفرع عليه في تضاعيف الفقه من المسائل الخلافية، وهي أكثر من أن تحصى، بل هذا من أهم الأصول التي تبتني عليها الأحكام.

        وكلامهم فيه غير منقّح، ومذاهبهم فيه مختلفة جدا لمن استقرأ كلامهم.

قاعدة 93

        إذا قال بعض المجتهدين قولا وعرف به الباقون فسكتوا عنه ولم ينكروا عليه، فالحق عندنا أنه لا يكون حجة ولا إجماعا لأن السكوت أعم من الرضا به، وجاز أن يكون سكوته لتوقفه في المسألة، أو ذهابه إلى تصويب كل مجتهد، أو الخوف، أو غيرها. ومن وجيز العبارة قولهم: لا ينسب إلى ساكت قول([3]).

        وفي المسألة للأصوليين مذاهب:

        منها: أن يكون حجة وإجماعا مطلقا([4]).

[الصفحة 253]

        ومنها: أنه حجة لا إجماع، لأن الظاهر الموافقة. اختاره الآمدي ووافقه ابن الحاجب في المختصر الكبير([5]). وأما في المختصر الصغير فإنه جعل اختياره محصورا في أحد مذهبين، وهما القول بكونه إجماعا، والقول بكونه حجة([6]).

        ومنها: أنه مع انقراض العصر، أي موت الساكتين، يتبين أنه إجماع، لأن استمرارهم على السكوت إلى الموت يضعّف الاحتمال([7]).

        و فصّل خامس فقال: إن كان ذلك في غير عصر الصحابة فلا أثر له. وإن كان في عصرهم، فإن كان فيما يفوت استدراكه، كإراقة الدم واستباحة الفرج، فيكون إجماعا، وإن كان فيما لا يفوت، كأخذ الأعيان، كان حجة([8]).

        وفي كونه إجماعا حتى يمتنع الاجتهاد وجهان.

        إذا تقرر ذلك فللقاعدة فروع:

        منها: إذا أتلف شيئا ومالكه ساكت يلزمه الضمان.

        ومنها: إذا حضر المالك عند الفضولي وسكت، فإنه لا يكون إجازة.

        وكذا سكوت البائع على وطء المشتري في مدة خياره.

        ومنها: إذا قال في ملأ من الناس عن رجل معيّن: هذا عدل، ولم ينكر عليه أحد، لم تثبت عدالته بذلك عندنا، خلافا لأبي حنيفة، سواء كان القائل عدلا أم فاسقا([9]).

        ومنها: إذا استلحق بالغا بنفسه، بأن قال: هذا ولدي، فسكت، فإنه لا يلحقه، بل لا بد من تصريحه بالتصديق. وقيل: يكفي هنا السكوت، اختاره [الصفحة 254] الشيخ&([10]).

        ومنها: إذا استدخلت المرأة المولى منها ذكر الزوج لم تنحلّ يمينه بذلك، وهل تحصل به الفيئة ويرتفع حكم الإيلاء؟ وجهان.

        وبقي أمور مخالفة لحكم القاعدة بدليل خارج:

        منها: ما إذا([11]) استؤذنت البكر فسكتت، فإنه يكفي على الصحيح، للنص([12])، بخلاف غيرها. وينبغي تقييده بعدم ظهور أمارة الكراهة منها.

        ومنها: ما إذا أخرج أحد المتبايعين من المجلس مكرها، فإن منع من الفسخ بأن سدّ فمه، لم ينقطع خياره وإن لم يمنع انقطع. ويمكن إخراج هذا من القاعدة، من حيث إنّ المبطل لخياره حينئذ استصحاب حكم العقد، وتحقق المفارقة الموجبة للزوم.

        ومنها: ما لو حلق المحلّ رأس المحرم مع قدرته على الامتناع، فالسكوت فيه موجب للكفارة ولو كان مكرها أو نائما فلا.

        وأمور أخر مشكلة:

        منها: إذا فعل مع الصائم ما يقتضي الإفطار، بأن طعن جوفه، وكان قادرا على دفعه، فلم يفعل، ففي فطره وجهان: من قدرته، وعدم فعله.

        ومثله ما إذا نزلت النخامة إلى الباطن، وكان قادرا على مجّها، فتركها حتى جرت بنفسها.

        ومنها: إذا زوّج صغيرة بصغير، ثم دبّت الزوجة فارتضعت من أم [الصفحة 255] الزوج رضاعا محرّما، وكانت الأم مستيقظة ساكتة، فهل يحال الرضاع على الكبيرة لرضاها، أم لا لعدم فعلها كالنائم؟ وجهان. وتظهر الفائدة في لزوم المهر.

        ومنها: إذا حلف لا يدخل الدار، فحمل بغير أمره، وكان قادرا على الدفع، فهل هو كدخوله مختارا؟ وجهان.

        ومنها: إذا ادّعى رقّ شخص بالغ في يده وباعه، ولم يصرّح الشخص له بالملك ولا بعدمه، فهل يكون اعترافا بملكه؟ وجهان.

        وعلى التقديرين يجوز الإقدام على شرائه عملا بالظاهر، من أن الحر لا يسترق. ويحتمل عدم جواز شرائه حتى يصرّح بأنه مملوك.

        ومنها: إذا نقض بعض المشركين الهدنة، وسكت الباقون، فلم ينكروا على الناقضين بقول ولا فعل، ففي انتقاض عهدهم بذلك وجهان.

        و إن أنكروا بالفعل أو القول، بأن بعثوا إلى الإمام بأنا مقيمون على العهد، لم ينتقض عهدهم.

مسألة

        إذا اختلف أهل العصر على قولين، جاز بعد ذلك حصول الاتفاق منهم على أحد القولين، ويكون حجة، خلافا للصيرفي([13]).

        وادّعى بعضهم أنّ هذا الإجماع أقوى من إجماع لم يتقدمه خلاف، لأنه يدل على ظهور الحق بعد التباسه([14]).

        وهذه المسألة لم يذكرها أصحابنا في كتب الأصول كغيرهم، وهي قليلة الجدوى على أصولنا، لأن العبرة إذا كانت بقول المعصوم، فلا أثر لقول من خالفه أولا، ولا لمن وافقه ثانيا. وفرضها في اتفاق جماعة غير منحصرين بعد [الصفحة 256] اختلافهم كذلك بعيد.

        وعلى هذا فلو اختلفوا، ثم ماتت إحدى الطائفتين أو ارتدّت -والعياذ باللّه تعالى- فإنه يصير قول الباقين إجماعا، لكونه قول كل الأمة.

        إذا عرفت ذلك فمن فروع المسألة:

        ما إذا مات وخلّف ولدين، فأقرّ أحدهما بثالث، وأنكر الآخر، ثم مات المنكر ولم يخلّف وارثا غير الأخ، فإن المقرّ به يشاركه في النصف، لانحصار الإرث في المقرّ.

قاعدة 94

        إذا أجمعوا في شي‏ء على حكم، ثم حدث في ذلك الشي‏ء المجمع عليه صفة، جاز الاجتهاد فيه بعد حدوث الصفة.

        وقيل: لا يجوز، بل يستصحب الإجماع قبل الصفة بعدها، ويمتنع الاجتهاد([15]).

        ومن فروعها:

        جواز الاجتهاد في بطلان التيمم وعدمه بقدرة المتيمم على استعمال الماء بعد دخوله في الصلاة، مع أنهم أجمعوا على بطلان التيمم برؤية الماء قبل الشروع في الصلاة.

        والأصح عندنا عدم بطلانها، وهو موافق للقاعدة.


 

([1]) النسخة المعتمدة: نشر مكتب الإعلام الإسلامي، 1416.  جميع هوامش هذا الكتاب نقلا عن المصدر.

([2]) منهم الرازي في المحصول 2/8، و صاحبا مسلم الثبوت و شرحه فواتح الرحموت 2/213، المطبوع مع المستصفى للغزالي.

([3]) حكاه عن الشافعي في المستصفى 1/191 والمحصول 2/75.

([4]) نقله عن الجبائي في المحصول 2/74.

([5]) الإحكام في أصول  الأحكام 1/315 منتهى الوصول : 42، وهو المختصر الكبير.

([6]) شرح المختصر لعضد الدين 1/134.

([7]) نقله عن أبي علي من المعتزلة في المعتمد 2/66، و هو منقول عن البدنيجي من الشافعية.

([8]) نقله عن الماوردي والروياني في التمهيد: 453.

([9]) أصول السرخسي 1/370.

([10]) فتح العزيز 11/188، النهاية للشيخ الطوسي: 684.

([11]) في [د] زيادة: قال.

([12]) الكافي 5/394 باب استيمار البكر حديث 8، الوسائل 14/206 أبواب عقد النكاح باب 5 حديث 1-3.

([13]) نقله عنه في المحصول 2/66، ومنهاج الوصول (الابتهاج): 199.

([14]) أحكام الماوردي والروياني كما في التمهيد: 458.

([15]) أصول السرخسي 2/116، ونقله عن داود في التمهيد: 459.