موقع عقائد الشيعة الإمامية >> كتاب إجماعات فقهاء الإمامية >> المجلد السابع

 

 

 

إجماعات فقهاء الإمامية

 

 

المجلد السابع: بحوث فقهاء الإمامية في أصل الإجماع

 

 

المحقق النراقي. عوائد الأيام

عائدة 63/ في بيان الإجماع

- عوائد الأيام - المحقق أحمد النراقي- مركز الأبحاث والدراسات الإسلامي:

      إطلاق الإجماع على ثلاث معان:

        اعلم ان المذكور في عبارات أصحابنا المتأخرين رضوان الله عليهم ان ‏الإجماع المحقق المعتبر عند الفرقة المحقة الناجية كثرهم الله تعالى يطلق على معان ثلاثة:

الأول: اتفاق جميع علماء الأمة أو علماء الإمامية

        الأول: اتفاق جميع علماء الأمة أو علماء الإمامية الذين منهم إمام العصر عليه السلام، إما مطلقا أو في عصر، على أمر.

        وذلك هو المراد من الإجماع عند أكثر قدماء أصحابنا، منهم الشيخ المفيد، قال في تذكرة الأصول، على ما ذكره الكراجكي في مختصره، بعد حصر أصول الاحكام في الكتاب والسنة النبوية والإمامية: وليس في إجماع الأمة حجة من حيث كان إجماعا، ولكن من حيث كان فيها الإمام المعصوم. فإذا ثبت أنها كلها على قول، فلا شبهة في ان ذلك القول هو قول المعصوم، إذ لو لم يكن كذلك كان الخبر عنها بأنها مجمعة باطلا([1]) .

      وقال في أول كتاب المقالات على ما حكي عنه: إجماع الأمة حجة، لتضمنه قول الحجة([2]).

      ومنهم السيد الأجل المرتضى، قال في جواب مسائل ابن التبان بعد ذكر كلام طويل: فإذا كانت أقوال العلماء في كل مذهب مضبوطة، والإمام لا يكون الا سيد العلماء وأوحدهم، فلا بد من دخوله في جملتهم([3]).

      وقال في الذريعة: قولنا: الإجماع: إما يكون واقعا على الأمة، أو على المؤمنين، أو على العلماء، فيما يراعى فيه إجماعهم، وعلى كل الأقسام لا بد ان يكون قول الإمام المعصوم داخلا فيه، لانه من الأمة، ومن اجل المؤمنين، وأفضل العلماء([4]).

      وقال في المسائل الرسية: فإذا قيل لنا: فلعل الإمام -لأنكم لا تعرفونه بعينه- يخالف علماء الإمامية فيما اتفقوا عليه.

      قلنا: لو خالفهم لما علمنا ضرورة اتفاق علماء الإمامية الذين هو واحد منهم على هذه المذاهب المخصوصة، وهل الإمام الا احد علماء الإمامية؟([5]).

      وقال في المسائل الموصليات الثالثة: وهنا طريق آخر يوصل به إلى العلم بالحق والصحيح في أحكام الشريعة عند فقد ظهور الإمام وتميز شخصه، وهو إجماع الفرقة المحقة، إذ قول الإمام -وان كان غير متميز الشخص- داخل في أقوالها غير خارج عنها، فإذا اجتمعوا على مذهب من المذاهب، علمنا انه هو الحق الواضح والحجة القاطعة، لان قول الإمام، الذي هو الحجة، في جملة أقوالها، وكان الإمام قائله([6]). وقال نحوا منه في المسائل الحلبيات([7]).

        وقال في المسائل التبانيات: إذا كان الإمام احد العلماء بل سيدهم، فقوله‏في جملة أقوال العلماء، فإذا علمنا في قول من الأقوال انه مذهب لكل عالم من الإمامية، فلا بد من ان يكون الإمام داخلا في هذه الجملة، كما لا بد من ان يكون كل عالم إمامي -وان لم يكن إماما- داخلا في الجملة([8]).

      ومنهم السيد الشريف الرسي الذي هو السائل من السيد المرتضى، قال فيما سأله من السيد: إذا كان طريق معظم الاحكام الشرعية إجماع علماء الفرقة المحقة، لكون الإمام المعصوم الذي لا يجوز عليه الخطأ واحدا من علمائهم([9]). إلى آخر ما قال.

      ومنهم الشيخ الجليل أبو جعفر الطوسي، قال في العدة: فمتى اجتمعت الأمة على قول، فلا بد من كونه حجة لدخول الإمام المعصوم في جملتها. ومتى قيل: جاز ان يكون قول الإمام منفردا عن إجماعهم. قلنا: متى فرضنا انفراد الإمام عن الإجماع، فان ذلك لا يكون إجماعا([10]).

      وقال في كتاب الغيبة: فان قيل: إذا كان الإجماع عندكم إنما يكون حجة لكون المعصوم فيه، فمن أين تعلمون ان قوله داخل في جملة أقوال الأمة؟ وبهذا جاز ان يكون قوله منفردا عنهم، فلا تثقون بالإجماع.

      قلنا: المعصوم إذا كان من جملة علماء الأمة، فلا بد من ان يكون قوله موجودا في جملة أقوال العلماء.

      إلى ان قال: فإذا اعتبرنا أقوال الأمة، ووجدنا بعض العلماء يخالف فيه، فان كنا نعرفه ونعرف مولده ومنشأه، لم نعتد بقوله، لعلمنا بأنه ليس بإمام، وان شككنا في نسبه، لم تكن المسالة إجماعا([11]).

      ومنهم السيد ابن زهرة الحلبي، قال في أصول الغنية: فان قيل: كيف‏يمكنكم القطع على ان قول الإمام الغائب في جملة أقوال الإمامية مع عدم تميزه وعدم معرفته مع استتاره وغيبته؟ .

      قلنا: قد بينا فيما مضى ان إمام الزمان عندنا موجود العين فينا، وبين أظهرنا، نلقاه ويلقانا، وان كنا لا نعرفه بعينه ولا نميزه عن غيره، ومعنى قولنا انه غائب:

      انه مجهول العين، غير متميز الشخص، ولا نريد بذكر الغيبة انه بحيث لا يرى شخصه ولا يسمع كلامه، وما منزلته عندنا في حالة الغيبة الا منزلة كل من لا نعرفه بنسبه من جملة الإمامية. وإذا كنا نعرف إجماع المسلمين على المذهب الواحد ونقطع عليه، وأكثرهم لا نعرفه ولا نلقاه ولا نشاهده، فما المنكر من معرفة إجماع الإمامية والإمام من جملتهم على مذهب بعينه؟ وهل الإمام من جملة الإمامية الا بمنزلة من لا نعرفه من جملة المسلمين؟([12]).

      ومنهم الشيخ سديد الدين محمود الحمصي، قال في التعليق العراقي: ان‏الحجة هو الإجماع المشتمل على قول المعصوم في الجملة من غير احتياج إلى العلم بتعيينه.

      إلى ان قال: الاستدلال بالإجماع لا يصح الا إذا علم قطعا إجماع جميع علماء الإمامية على الحكم من غير استثناء احد منهم، الا من كان معلوم النسب وكان غير الإمام، فلا يضر خروجه([13]).

ومنهم الشيخ محمد بن إدريس الحلي، قال في السرائر: وجه كون الإجماع حجة عندنا، دخول قول المعصوم عن الخطأ في الحكم بين القائلين بذلك، فإذا علمنا في جماعة قائلين بقول، ان المعصوم ليس هو في جملتهم، لانقطع على ‏صحة قولهم الا بدليل غير قولهم. وإذا تعين المخالف من أصحابنا باسمه ونسبه، لم يؤثر خلافه في دلالة الإجماع.

      إلى ان قال: وبما ذكرناه يستدل المحصل من أصحابنا على المسالة بالإجماع، وان كان فيها خلاف بين من بعض أصحابنا المعروفين بالأسامي والأنساب([14]).

      ومنهم الشيخ أبو الصلاح الحلبي، قال في الكافي: وإجماع العلماء من الإمامية يقتضي دخول الحجة المعصوم في جملتهم، لكونه واحدا منهم دون من عداهم([15]).

      وقال في كتاب تقريب المعارف: وليس لأحد ان يقول: استدلالكم هذا مبني على الإجماع وانتم لا تجعلونه حجة، لانا بحمد الله لا نخالف في كون الإجماع حجة، وانما نمنع من خالفنا من إثبات حجيته من الطرق التي يدعيها، والخلاف في ذلك المذهب لا يقتضي إنكاره، فكيف يظن بنا ذلك مع العلم بإثباتنا في كل عصر من جملة الفرق الإسلامية.

      إلى ان قال: فان اعتبارنا دخول المعصوم في الإجماع كاعتبارهم دخول كل عالم في كل إجماع([16]).

      ومنهم الشيخ قطب الدين الراوندي، قال في فقه القرآن: في إجماع هذه الطائفة حجة قاطعة ودلالة موجبة للعلم بكون المعصوم الذي لا يجوز عليه الخطأ فيه([17]).

      وقال في موضع آخر منه: إنما قلنا ان إجماعهم حجة، لان في إجماعهم قول الإمام([18]).

      ومنهم الشهيد، قال في الذكرى: وجدواه -أي الإجماع- لا مع تعيين المعصوم، فانه يعلم به دخوله. والطريق إلى معرفة دخوله: ان يعلم إطباق الإمامية على مسالة([19]).

      إلى غير ذلك من متقدمي الأصحاب ومتأخريهم ممن يطول المقال بذكر كلماتهم، بل لعله الإجماع عند جميع القدماء.

      ولا يخفى ان بناء هذه الطريقة على دخول الإمام الغائب في المجمعين، والعلم بوفاقه لهم في زمان الغيبة، بناء على ما صرحوا به من كونه كأحد العلماء يلقاهم ويلقونه، ويختلط معهم، ويتردد فيهم، ويراهم ويرونه، إلا أنهم لا يعرفونه بنسبه، فلا فرق بينه وبين سائر العلماء الا في ذلك.

      فإذا أمكن العلم باتفاق جميع علماء عصر غير الإمام، يمكن العلم باتفاق جميعهم حتى الإمام أيضا، لانه أيضا كواحد منهم.

      ويدل على ان ذلك مرادهم من دخول الإمام في المجمعين: اشتراط وجود مجهول النسب وعدم قدح خلاف معروف النسب، وقولهم كثيرا في مقام الاستدلال بالإجماع مع وجود مخالف: انه انقطع خلافه وانعقد الإجماع بعده، أو قبله وبعده، وغير ذلك.

      ويدل عليه أيضا قول السيد -المتقدم- عن المسائل الرسية: لأنكم لا تعرفونه بعينه([20]). وقوله في المسائل الموصلية: عند فقد ظهور الإمام. وقوله: وان كان غير متميز الشخص([21]).

      وقول الشيخ -المتقدم- في كتاب الغيبة: فان كنا نعرفه ونعرف مولده ومنشأه لم نعتد بقوله، لعلمنا بأنه ليس بإمام([22]).

      وقول ابن زهرة -المتقدم- : على ان قول الإمام الغائب في جملة أقوال الإمامية([23]). بل كلامه المتقدم إلى آخره صريح في ذلك. وكذا كلام الحمصي، والحلي([24]).

      وقول الحلبي -المتقدم- في التقريب: مع العلم بإثباتنا في كل عصر من جملة الفرق الإسلامية([25]).

      وقول المحقق في المعارج، قال: وثالثها: ان يفترقوا فرقتين ويعلم ان الإمام ليس في إحداهما، ويجهل الأخرى، فيتعين الحق مع المجهولة([26]).

      وقال فيه أيضا: وان علم ان لا مخالف ثبت الإجماع قطعا، وان علم المخالف وتعين باسمه ونسبه، كان الحق في خلافه. وان جهل نسبه، قدح ذلك في الإجماع، لجواز ان يكون هو المعصوم([27]).

      وقول الشهيد في الذكرى، قال: والطريق إلى معرفة دخوله: ان يعلم إطباق الإمامية على مسالة معينة، أو قول جماعة فيهم من لا يعلم نسبه، بخلاف قول من يعلم نسبه، فلو انتفى العلم بالنسب في الشطرين فالأولى التخيير.

      ثم أورد: بأنه يجوز في كل واحد من علماء الأمة المجهول النسب ان يكون هو الإمام، فلم خصصتم بالإمامية؟

      وأجاب: بأنه لما قام البرهان العقلي والنقلي على تضليل من خالف أصول الطائفة، امتنع كون الإمام منهم([28]).

      وقول صاحب المعالم، حيث قال في الإجماع: ولا بد في ذلك من وجود من لا يعلم أصله ونسبه في جملتهم، إذ مع علم أصل الكل ونسبهم ‏يقطع بخروجه عنهم.

      إلى ان قال: لا سبيل إلى العلم بقول الإمام، كيف؟ وهو موقوف على وجود المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم، ويكون قوله مستورا بين أقوالهم، وهذا مما يقطع بانتفائه([29]). إلى غير ذلك من كلماتهم الصريحة في ذلك.

      ولذا عنون بعض العلماء هذا الطريق بقوله: الطريق الأول ان يعلم قول الإمام الغائب عليه السلام من وجود مجهول النسب في المجمعين. وقال: هذا الطريق هو الطريق الذي اشتهر بين الأصحاب في كتب الأصول والفروع، وعليه تعويل جماعة من محققيهم([30]).

      ولذا رد هذا الطريق بعض آخر: بان وجود قول معلوم لغير معلوم بحيث‏يعلم انحصاره في الإمام الغائب متميزا، أو مختلطا بأقوال آخر معلومة لمجهولين، من المحالات العادية، ولا سبيل لأحد إليه في مسالة واحدة فضلا عن مسائل كثيرة([31]).

      ورده آخر: بأنه لو بنيت الإجماعات المتداولة على ذلك، لزم ان تكون أقوال الإمام في حال غيبته أكثر دورانا بين الناس من أكثر ممن عداه في حال الظهور، ولزم انه لا ينبغي حينئذ رد الأقوال المجهولة القائل بالشذوذ وجهالة القائل كما هو المعروف بينهم، بل ينبغي أشدية الاعتناء بها، بل يستلزم المصير إليها بعد ملاحظة ضعف أدلة سائر الأقوال([32]).

      ورده ثالث: بان الإمام معلوم الاسم والنسب، لكنه غير معلوم الشخص والمذهب، فلا معنى على هذا الوجه لاعتبار جهالة الاسم والنسب. وبان الإمام إذا كان غائبا ولم يعلم مكانه هل هو في شرق أو غرب، بر أو بحر، سهل أو جبل، مخالط للناس أو منفرد عنهم، ولم تجر العادة بذكر أقواله في زمن الغيبة على طول المدة، فجعله كأحد العلماء ودعوى العلم بقوله، مجازفة فاسدة([33]).

      وصرح بما ذكر أيضا الشريف الرسي بعد ما تقدم نقله في سؤاله عن السيد المرتضى، فقال بعد ما تقدم: ووجوب هذه القضية يوجب احد أمور، كل منها لا يمكن القول به: إما كون فتيا الإمام الغائب المرتفعة معرفته بعينه خارجة عن إجماع العلماء الإمامية، وهذا يمنع الثقة بالإجماع. أو كون فتياه داخلة فيهم، فهذا يوجب تعيينه، وهذا متعذر الآن مع غيبته([34]).

      وصرح به السيد أيضا في بعض ما أورده على نفسه، حيث قال: أتجوزون ان يكون في جملة الإمامية عالم يخالف هذه الطائفة في بعض المسائل، لم ينته إليكم خبره، لانه ما اشتهر كاشتهار غيره، ولا له مصنفات سارت واشتهرت؟

      فان أجزتم ذلك، فلعل الإمام هو ذلك العالم. . . . وان منعتم من كون عالم من علمائهم يخفى خبر خلافه لهم في بعض المذاهب، فقد كابرتم([35]). انتهى.

      واعلم ان مرادنا مما ذكرنا: ان مبنى هذه الطريقة على دخول الإمام الغائب في جملة المجمعين في الإجماعات المنعقدة في زمان الغيبة.

      وإما في زمان الحضور، فالمراد دخول إمام الزمان الحاضر في كل زمان، لا ان هذه الطريقة منحصرة بإجماع زمان الغيبة ودخول الإمام الغائب فقط، كما يظهر من بعض. ولذا ترى جمعا ممن تقدم رد تلك الطريقة في زمان الغيبة وقبلها في الحضور([36]).

والثاني: إجماع علماء الرعية على أمر

        والثاني: إجماع علماء الرعية على أمر([37]) قال بعض المتأخرين: علمنا بدخول قول المعصوم في الإجماع من جهة ان ‏الروايات الكثيرة دلت على ان الإمام يجب عليه رد الأمة لو اتفقوا على البدعة، وإبطال قول المبطلين، وإخراج ما ادخل في الدين، فإذا لم يظهر خلافهم علمنا ان اتفاقهم حق، وانه راض، فدل الإجماع على رضاه([38]). انتهى.

      دل قوله: فدل الإجماع على رضاه، ان الإجماع أمر وراء رضى الإمام، بل هو كاشف عنه، وانه اتفاق علماء الرعية.

      واشتهرت نسبة ذلك الوجه إلى الشيخ الطوسي، وهي ليست كذلك، فانه قد مر كلامه من العدة وكتاب الغيبة، المصرح بأنه يشترط في تحقق الإجماع دخول الإمام في المجمعين، وانه إذا كان خارجا عنهم لم يكن إجماعا([39]).

      وقد مر أيضا من كتاب الغيبة، وذكر في مواضع من العدة أيضا: اشتراط وجود مجهول النسب، وعدم قدح مخالفة معلوم النسب([40]). وذلك لا يتأتى على الوجه الثاني، كما لا يخفى.

نعم يظهر من بعض كلماته في العدة وغيره: انه إذا لم يردع الإمام الرعية عن القول في المسالة، سواء كان اتفاقيا أو خلافيا، تعلم صحته مع الاتفاق، والتخيير مع الاختلاف([41]).

      ولكن لا دلالة في ذلك على كونه إجماعا عنده، كما بينا ذلك في كتاب مناهج الاحكام([42])، وفي شرحنا على تجريد الأصول.

      وأما قول الشيخ في جملة من عباراته في العدة وغيره: من انه لولا قولنا بوجوب الردع على الإمام، لما صح لنا الاستدلال بإجماع الفرقة، إذ لا يعلم دخول قول الإمام ورضاه الا بذلك([43]).

      فلا دلالة فيه على ان مراده من الإجماع هو إجماع الرعية، وان طريقته في الإجماع غير الطريقة الأولى، لانه يريد بذلك طريق معرفة الإجماع، فالإجماع عنده هو اتفاق جميع علماء العصر الذين منهم الإمام، ولكن يقول: بان معرفة دخول الإمام إنما هو بوجوب الردع عن الباطل عليه.

      كما ان السيد أيضا يقول: بان الإجماع هو اتفاق الكل، ولكنه يثبت دخول الإمام فيهم بطريق آخر.

      بل كان السيد أولا أيضا يقول بذلك ثم رجع عنه، كما يظهر من كلام الشيخ في العدة، وكتاب الغيبة، وغيرهما([44]).

      ويظهر ارتضاء هذه الطريقة من كلام السيد في المسائل الطرابلسيات([45]).

      بل كانت هذه طريقة جمع من المشايخ المتقدمين على السيد، كما صرح به الشريف الرسي فيما سال عن السيد، حيث قال بعد ما نقلناه عنه أخيرا في تعداد وجوه العلم بدخول الإمام في المجمعين: أو يقال: ان في إمساكه عن النكير دلالة على رضاه بالفتيا، فهذه طريقة المتقدمين من شيوخنا، وقد رغبنا عنها، وصرحنا بخلافها، لان فيها الاعتراف بان الإمساك يدل على الرضا مع احتماله لغيره من الخوف المعلوم حصوله للغائب([46]). انتهى.

      وبالجملة، فمراد الشيخ من الإجماع هو بعينه مراد السيد، الا انه يخالفه في طريق إدخال الإمام في المجمعين، لا ان يكون يريد بالإجماع إجماع علماء الرعية، وجعل وجه حجيته رضى الإمام، وان كان اتفاق علماء الرعية أيضا حجة عنده من جهة عدم الردع.

الثالث: إجماع العلماء كلا أو بعضا بحيث‏يكشف باتفاقهم دخول المعصوم فيهم وكونه من جملتهم

        الثالث: إجماع العلماء كلا أو بعضا بحيث‏يكشف باتفاقهم دخول المعصوم فيهم وكونه من جملتهم سواء كان ذلك اتفاق جميع العلماء، أو جميع علماء الرعية، أو بعضهم، وسواء كانوا جميعا معروفي النسب أو لا([47]) .

      وهذا المعنى هو الذي ذكره أكثر المتأخرين من أصحابنا، واختاره المحققون من مشايخنا([48]).

      ونسبه بعض مشايخنا المحققين إلى معظم المحققين([49])، بل يظهر من بعضهم: ان هذه الطريقة هي الطريقة المتداولة بين القدماء وان لم يصرحوا بها، ولأجلها طرحوا أخبارا كثيرة صحيحة مخالفة لما وصل إليهم يدا بيد من فتاوى الأصحاب([50]).

      ولا تحتاج هذه الطريقة إلى إثبات وجود الحجة المعصوم في كل زمان، ولا استكشاف رأي الإمام في غيبته، ولا إلى تقييد حد الإجماع بقولنا (في عصر)، بل قد يكون القيد مخلا.

      بل لا تحتاج هذه الطريقة إلى إثبات دخول المعصوم في المجمعين، بل تكفي موافقة قوله لأقوالهم وان لم يدخل شخصه فيهم إذا كان في عصرهم، وتكفي في انعقاد الإجماع في زمان الغيبة موافقته لقول أحد الأئمة الماضين.

      ثم ان احد هذه المعاني الثلاثة: هي المراد من الإجماع المعروف بين أصحابنا، وقد ذكرناها بتحقيقها وتفصيلها، وبيان صحتها وسقمها، وإمكان ثبوته وعدمه، وسائر ما يتعلق بها في كتبنا الأصولية، وليس مقصودنا هنا التعرض لأمثال ذلك.

      ولما كان قد يذكر لبيان معرفة الإجماع وطرق كشف الاتفاق عن قول الإمام ولمرادهم من الإجماع وجوه أخر، متجاوزة عن الخمسة عشر، فأردنا ذكرها هنا، وبيان نسبتها مع هذه المعاني الثلاثة، وكونها من طرق الإجماع عندهم أم لا، وكونها من الإجماع أم لا، من غير تعرض غالبا لتزييفها أو تصحيحها.

في بيان تعداد وجوه الإجماع وطرق الكشف عن قول الحجة وهي سبعة عشر

      فنقول: انه قد يذكر في مقام تعداد وجوه الإجماع وطرق الكشف عن قول الحجة المستند إلى اتفاق الأصحاب وجوه:

      الأول: إجماع جميع العلماء الذين منهم المعصوم في كل عصر، بحيث‏يعلم قول المعصوم في جملة أقوال الغير المعروفين منهم في زمان الغيبة، ويكون الطريق إلى معرفة قوله هو الطريق إلى معرفة أقوال سائر العلماء، من الحدس المقتضي للعلم الإجمالي باتفاق الجميع من جهة الأدلة ونحوها، أو قياس الغائب على الشاهد والمجهول على المعلوم، أو التظافر والتسامع الوارد من كل جانب وعدم الاختصاص ببعض دون بعض، أو عدم نقل الخلاف الدال على اتفاق الكل. أو من جملة من هذه الوجوه، أو من جميعها. وينسب هذا الوجه إلى السيد المرتضى وجمع آخر([51]).

      ويسمى ذلك الطريق والطريقان الآتيان بعده بطريق دخول مجهول النسب.

      الثاني: إجماع اللطفي جميع العلماء أيضا على النحو المذكور، الا انه يكون الطريق إلى معرفة قوله وجوب ردعه عن الاتفاق على الباطل من جهة قاعدة اللطف.

      فيستكشف قول الإمام من اتفاق من عداه من العلماء على حكم وعدم ردعهم عنه، نظرا إلى قاعدة وجوب اللطف.

      وتنسب هذه الطريقة إلى الشيخ، حيث استدل في جملة من كلماته على صحة ما اجمعوا عليه ودخول الإمام المعصوم في المجمعين بوجوب اللطف([52]). وقد تبعه على ذلك جمع آخر من القدماء([53]). وقواه جملة من مشايخنا المعاصرين([54]).

      الثالث: إجماع من عدم الردع جميع العلماء أيضا على النحو المذكور، الا انه يكون الطريق إلى معرفة قول الإمام وجوب ردعه إياهم عن الاتفاق على الباطل بالأدلة السمعية من([55]) الروايات المتقدم إليها الإشارة.

      وقد ينسب ذلك أيضا إلى الشيخ وجماعة([56]).

      الرابع: إجماع التقريري جميع العلماء أيضا على النحو المذكور، الا انه يكون الطريق إلى معرفة قول الإمام وجوب ردعه عن الباطل بقاعدة التقرير. وستأتي زيادة بيان لها.

      وهذه الطريقة يحتملها كلام أبي الصلاح الحلبي، وظاهر الشريف الرسي([57])، كما تقدم نسبتها إلى مشايخنا المتقدمين.

      ويشترط في جميع هذه الوجوه الأربعة وجود مجهول النسب في المجمعين، ولا تضر مخالفة معلوم النسب الشاذ، ويكون معنى الإجماع: اتفاق جميع العلماء الذين منهم الإمام المعصوم، وتكون دلالة الإجماع على دخول المعصوم بالدلالة التضمنية، وتكون حجية الإجماع من جهة بعض أجزائه.

      الخامس: إجماع جميع علماء الرعية، فلا يكون الإمام من أجزاء الإجماع. ويراد من لفظ الإجماع: اتفاق علماء الرعية، وإنما يكون الإجماع‏حجة لكشفه عن رضى المعصوم، لوجوب ردعه عن الاتفاق على الباطل من جهة قاعدة اللطف.

      وتنسب هذه الطريقة إلى الشيخ أيضا([58])، وليس في كلامه ما يدل على كون ذلك إجماعا وان جعله حجة، بل الظاهر من كلماته: ان الإجماع هو اتفاق جميع العلماء بحيث‏يكون الإمام من أجزائهم.

      ولا يشترط على هذا الطريق والطريقين المتعقبين له وجود مجهول النسب في المجمعين، وتكون دلالة الإجماع على قول الإمام دلالة التزامية، وتكون حجية الإجماع من جهة لازمه، ويكون معنى([59]) الإجماع: اتفاق علماء الرعية خاصة.

      السادس: إجماع الناس مع ورود خبر على وفقه جميع علماء الرعية على النحو المذكور، الا انه يكون الدليل على رضى المعصوم بما اجمعوا عليه، الأدلة السمعية من الروايات الكثيرة، كما مرت إليه الإشارة. وهذه الطريقة مما ارتضاها بعض علمائنا المتأخرين كما مر.

      السابع: إجماع الكشفي جميع علماء الرعية على النحو المذكور، الا انه يكون الدليل على رضى المعصوم بما اجمعوا عليه تقرير المعصوم، أي: يستكشف رأي الإمام على هذه الطريقة من جهة دلالة التقرير الناشئة عن الإمساك عن النكير على إصابة المجمعين. فان تقرير المعصوم حجة إذا كانت الشيعة بمرأى من الإمام الغائب ومسمع منه، يراهم ويلقاهم، معروضة عليه أعمالهم، منكشفة لديه أحوالهم، متمكنا من إنكار باطلهم على عالمهم وجاهلهم.

      فحينئذ يكون عدم رده عليهم ما اتفقوا عليه تقريرا لهم عليه، وهو حجة، لأن إنكار المنكر والنهي عنه -كتعليم الواجب والأمر به- واجب على كل احد.

      وهذا الوجه مما ذكره بعض سادة مشايخنا المحققين، وعزاه أيضا إلى‏بعض المتأخرين.

وقد شيده شيخنا المذكور وقال: ان تقرير المعصوم حجة في فعل الواحد فكيف بالجمع الكثير. ولا تمنع منه الغيبة مع علمه بالحال والتمكن من الرد، فانه وان غاب عنا الا انه بين أظهرنا، نراه ويرانا ونلقاه ويلقانا، وان كنا لا نعرفه بعينه، فانه يعرفنا ويرعانا ويطلع على أحوالنا وتعرض عليه أعمالنا.

      قال: ولا يلزم من ذلك وجوب الإنكار مع الاختلاف، لوجوده من المحق، ولا وجوبه في شان العصاة، لجواز الاكتفاء فيه بوضوح الحق([60]).

      ثم انه قد اشرنا في كتاب المناهج إلى عدم تمامية هذه الطريقة لوجوه([61]).

      وأيضا دلالة التقرير إنما هي لو علمنا فائدة في الإنكار على من صدر منه المنكر، ولا يكون صدوره منه مستندا إلى ما لا ينجع([62]) الإنكار معه، وعدم رجوعه قبل الإنكار، وعدم تقدم الإنكار من غيره خصوصا أو عموما، وعدم حصوله من الإمام بالنسبة إلى احد من المجمعين ولو خفيا، وعدم تقية ولا خوف.

      وأيضا يلزم تساوي دلالته في صورتي الاتفاق والاختلاف.

      والقول باكتفائه عند الاختلاف بإنكار المحق، فمع انه يفيد لو فرض وجود المحق دائما بين المختلفين([63])، إنما يفيد مع علم المخطئ بكون المحق محقا.

      على ان المختلفين قد لا يقف بعضهم على قول بعض، وإنما حكم كل بما أدى إليه نظره، وحدث لذلك([64]) الاختلاف على سبيل الاتفاق، وعلمه غير المختلفين.

      وربما يقف المحق على قول المخطئ دون العكس.

      وربما لا يجمعهما عصر واحد.

      وأيضا لا يعلم ان اطلاع الإمام على رأي كل مجتهد في كل قطر من أقطار العالم في عصر، واقع بهذا العلم المتعارف الذي هو مناط التكليف بالنهي عن المنكر، وان نهيه([65]) بهذا الطريق كاف في حصول التكليف، فلا يمكن إثبات وجوبه أصلا.

      وأيضا كون ما أدى إليه نظر المجتهد بعد استعماله القواعد المقررة المصححة عنده في الاجتهاد منكرا، ممنوع جدا، إلى غير ذلك.

      الثامن: إجماع جمع من العلماء مطلقا، كاشف اتفاقهم عن دخول المعصوم فيهم ووفاقه لهم، بان يعلم من جهة اتفاقهم اتفاق الإمام معهم ودخوله فيهم، ويسمى بطريقة التابعية والمتبوعية.

      ومحصله: ان يستكشف عادة وحدسا دخول الإمام -لكونه المتبوع المطاع- من جهة اتفاق([66]) الأصحاب والاتباع.

      وتقريره ان يقال: هذا ما ذهب إليه جميع علماء الرعية، أو أكثرهم، أو كثير منهم ممن طريقتهم ان يصدروا عن رأي احد من أئمتهم ورؤسائهم، ويمتنع عليهم عادة الخطأ في مثل ذلك، وكل ما كان كذلك فهو مذهب احد أئمتهم ورؤسائهم، فهذا كذلك.

      ومبنى الكشف على ذلك: على مزيد التتبع والتطلع والتظافر والتسامع إلى ان يصل([67]) إلى أصحاب الأئمة ثم إليهم، بحيث‏يعلم يقينا أنهم الأصل والمرجع فيما اجمعوا عليه.

      التاسع: إجماع جمع من العلماء كاشف اتفاقهم عن وجود الحجة العلمية القاطعة للعذر على النحو المذكور، أي إجماع جمع‏كاشف اتفاقهم عن وجود الحجة العلمية القاطعة للعذر، الموافقة لرأي الحجة عادة، فيقال: ان اتفاق العلماء الثقات الاعلام على حكم من الاحكام -مع كونهم من الأزكياء الأتقياء، أرباب النفوس القدسية، الباذلين جهدهم طول دهرهم في تحصيل المسائل الدينية ومعرفة الاحكام الشرعية، مع شدة اختلافهم في الأصول والفروع، وتباين أنظارهم وأطوارهم في إدراكها واستنباطها، وكثرة تجديدهم النظر فيها، وادعاء كثير منهم عدم العمل الا بما يوجب العلم واليقين، وقرب عهد قدمائهم بأئمتهم وأصحابهم الآخذين أحكامهم منهم، وزيادة اطلاعهم على الأخبار- يوجب القطع بحكم العادة والحدس بأنه حكم الله المأخوذ من الحجج، أو مستنبط من الأدلة القطعية الموافقة لرأيهم.

      وإنه ما دعاهم إلى الإجماع مع كثرة ما بينهم من الاختلاف والنزاع الا بلوغ الحكم ودليله من الظهور بحيث لا يقبل الارتياب.

      وقد تستتم هذه الطريقة بنظير ما يقال في الخبر المتواتر: من حصول الظن من كل واحد واحد إلى ان ينتهي إلى القطع من تراكم الظنون واجتماعها.

      ولا يخفى ان هذه الطريقة بعينها الطريقة السابقة عليها، الا ان مبنى السابقة على إدخال المعصوم أو قوله في أقوال المجمعين، ومبنى هذه الطريقة على أصول الحجة القاطعة.

      وهذا هو مراد من فرق بينهما، بان مبنى هذه الطريقة على حكم الحدس والعادة بسبب شدة الاهتمام ومزيد الفضل والورع وتباين الأنظار، ومبنى السابقة على حكم الحدس والعادة بواسطة اتصال الأخذ والتناول واقتضاء التابعية والمتبوعية إلى ان يصل إلى صاحب الشرع.

      ولذا يقال في تقرير الأولى: ان حصول العلم باتفاق الطبقة الأولى طريق إلى حصوله بالنسبة إلى الثانية، وهكذا إلى أن يصل إلينا بتلقي المتأخر من المتقدم، ووصوله من كل طبقة إلى ما بعدها، واخذ اللاحق يدا بيد وخلفا عن سلف. ولا يخفى ان كلا من البناءين يحتاج في إفادة العلم إلى ضم الآخر، فالطريق الأول حقيقته مركبة من الجميع، ولا يصير بتفكيك بعض معاضداته عن بعض طرقا متعددة.

      العاشر: الإجماع مع حجة قطعية وعلمية واقعية على النحو السابق، الا انه لا يعتبر على هذا استكشاف حجة قطعية وعلمية واقعية. ولأجل ذلك قيل: تسلم هذه الطريقة من بعض ما يخدش به السابقة، وتكون اقرب إلى الحصول والقبول منها.

      وهو ان يقال على وتيرة ما سبق في السابقة: ان اتفاقهم يكشف عن وجود مأخذ معتبر ومدرك مقبول، سالم عن معارض يعتد به، بحيث لو وقفنا عليه كما وقف عليه المجمعون، لحكمنا بما حكموا به ولم نتخط إلى غيره.

      فهذه أيضا كالسابقة، وبيان لوجه الكشف عن قول الحجة، الا ان في السابقة يكشف عن قوله الواقعي العلمي، وفي هذه عن الدليل المقبول ظاهرا، فلا يكون الإجماع حينئذ كاشفا عن الحكم الواقعي.

      الحادي عشر: الإجماع مع حجة قطعية وعلمية واقعية من أهل الفن على النحو السابق، الا انه يشترط في حصول الكشف كون ذلك الجمع من العلماء جمعا مخصوصا.

      ومحصله: ان يستكشف وجود نص قاطع أو دلالة قطعية من اتفاق جماعة من فضلاء أصحاب الأئمة وأضرابهم ممن لا يعتمد الا على النص القطعي -كزرارة وابن مسلم وأضرابهما، أو الصدوقين، ومن يحذو حذوهما- على الحكم بشي‏ء، ولم يظهر فيه نص عندنا، أو الإفتاء برواية لم تثبت صحتها، أو ثبت ضعف سندها المعلوم لنا، أو ترجيح رواية أخرى لم يظهر لنا وجه رجحانها عليها.

      فان اتفاقهم إذا سلم من خلاف ما يعادله، يكشف عادة عن وجود نص قاطع بلغهم وخفي عنا، أو وقوفهم على ما يوجب صحة الرواية، أو عن ترجيح لأحدى الروايتين.

      وقيل: اعتمد على ذلك الوجه الشريف أبو الحسن العاملي النجفي في الفوائد الغروية([68])، ونسب أيضا إلى صاحب الوافية وشارحها([69]).

      واعتمده المحدث الاسترابادي في الفوائد المدنية، قال: اعلم ان جمعا من الأصحاب أطلقوا لفظ الإجماع على معنيين آخرين:

      الأول: اتفاق جمع من قدمائنا الإخباريين على الإفتاء برواية وترك الإفتاء برواية واردة بخلافها. والإجماع بهذا المعنى معتبر عندي، لانه قرينة على ورود ما عملوا به من باب بيان الحق لا من باب التقية، وقد وقع التصريح بهذا المعنى وبكونه معتبرا في مقبولة عمر بن حنظلة، لكن الاعتماد على الخبر المحفوف بقبولهم، لا على اتفاق ظنونهم.

      الثاني: إفتاء جمع من الإخباريين -كالصدوق، والكليني، والشيخ الطوسي- على حكم لم يظهر فيه نص عندنا، ولا خلاف يعادله. وهذا أيضا معتبر عندي، لانه فيه دلالة قطعية عادية على وصول نص إليهم، يقطع بذلك اللبيب المطلع على أحوالهم([70]). انتهى.

      ولا يخفى ان القسم الأول من هذه أيضا بعينها هي الطريقة السابقة، إلا أن المعتمد على تلك الطريقة يخصص الجمع الكاشف اجتماعهم بجمع خاص.

      وظاهر ان مجرد ذلك لا يجعلها طريقة على حدة، إذ لا شك في انه لابد للجماعة الكاشف اتفاقهم من([71]) خصوصية، تختلف تلك الخصوصية باختلاف الأحداس والأنظار.

      وإما القسم الثاني فهو في الحقيقة ليس من أدلة الحكم، بل من شواهد صحة الخبر أو رجحانه، فهو خارج عن محط الكلام، فهو من القرائن لاعتبار الخبر ولا كشف فيه عن قول المعصوم، ولو جعل كاشفا عنه -كما يظهر من كلام الاسترابادي- فيرجع أيضا إلى الطريقة السابقة، كما لا يخفى.

      الثاني عشر: إجماع العلماء المستكشف من سيرة الناس الطريق العاشر، الا ان في العاشر كان يعلم اتفاق العلماء الكاشف من التتبع والتظافر والفحص عن كلماتهم، ويعلم هنا من سيرة الناس، أو يعلم نفس قول الإمام من السيرة.

      ومحصله: ان يستكشف قول المعصوم من السيرة المستمرة بين الأمة أو الإمامية في الأعصار والأمصار.

      والمراد منها: عمل الناس من غير اشتراط كونهم من العلماء، ولذا قيل:

      إنها تكشف عن إجماع العلماء الكاشف عن قول الحجة، أو تكشف عن قول أو فعل أو تقرير من النبي أو احد الأئمة عليهم السلام.

      قيل: وعلى هذا مبنى السيرة التي تداول الاستناد إليها في كتب الاستدلال.

      ووجه عدم جعلها دليلا مستقلا في الأصول، إنها ان اقترنت مع إجماع العلماء، فيستغنى به عنها. وان اقترنت مع خلاف منهم أو وجود نص على خلافها، لم توجب كشفا. وأما ما لم تقترن بشي‏ء منهما، فشاذ نادر التحقق، ومثله لا يصلح لجعله دليلا من أدلة الاحكام([72]).

      أقول: لا يخفى ان السيرة لو كانت كاشفة فهي أيضا من شعب المعنى الثالث للإجماع، إذ لم يقيد ذلك باتفاق العلماء، فلا يقال: ان الإجماع هو اتفاق العلماء الكاشف، بل انه الاتفاق الكاشف، فلا تكون طريقة على حدة.

      مع ما فيها من الخلل، لانه ان أريد من السيرة طريقة الناس في عصر أو أعصار متقاربة، من غير الصعود إلى أعصار الأئمة أو ما يقاربها أو معظم الأعصار التي بعدهم، فلا كشف فيها عن قول الإمام ولا العلماء أصلا.

      وكم للناس في الأعصار والأمصار من السير المعلوم فسادها؟ وكم من طريقة في الأمور الشرعية وغيرها بين الناس غير مستندة إلى مأخذ، أو منتهية في الشرعيات إلى فتوى فقيه أو قول عالم وان لم يكن من أهل الفتوى.

      الا ترى سيرتهم في ارتكاب غيبة الناس بعضهم لبعض، وحلفهم بغير الله سبحانه من الآباء والأمهات والأصدقاء، وتكلم النساء مع الأجانب -سيما الأقارب- وكشفهن عن وجوههن وشعورهن وأعناقهن وصدورهن‏ لهم، واجتنابهم عن المشي في الأرض حافيا وملامة من يفعل كذلك، وعن البول بلا ماء حتى يعدونه من المعاصي، وعن الاستنجاء بالخرق والأحجار.

وألا ترى سيرتهم في ترك النهي عن المنكر ونحو ذلك.

      وإن أريد سيرة الناس يدا بيد إلى زمان أصحاب الإمام وما يقاربه، فمن أين يعلم ذلك؟ .

      فان العلم بأقوال العلماء وأفعالهم إنما هو لتداول نقلها وضبطها في الكتب واعتناء المصنفين بها.

      وأما عمل سائر الناس وأقوالهم، فلا ينقل غالبا ولا يضبط، ولو نقل نادرا فليس الا عن أهل عصر أو بعض، فكيف يمكن إثبات سيرة الناس كلا أو بقدر يكشف عن عمل الحجة من دون توسيط أقوال العلماء وأفعالهم. وان كانت هناك أقوال العلماء واقعا لهم مضبوطة معلومة، فلا حاجة إلى السيرة.

      والحاصل: ان السيرة مع وجود مخالف من العلماء أو النص لا توجب كشفا أصلا، ومع وفاق العلماء وعدم خلافهم لا حاجة إليها أبدا، ومع سكوت العلماء فلا تتحقق السيرة الكاشفة، وهي المتصلة إلى زمان أرباب العصمة البتة.

      بل يمكن ان يقال: انه لو فرض العلم بسيرة الناس يدا بيد، ومع ذلك لم يكن أقوال من العلماء موافقة لها، لا تكون كاشفة أصلا، فتأمل.

      الثالث عشر: الإجماع الكاشف من تعدد الروايات بلا معارض بالمعنى المذكور -أي الاتفاق الكاشف- الا انه يعلم الاتفاق من تعدد الروايات بلا معارض، ثم ينكشف قول المعصوم باتفاقهم.

      ومحصله: ان يستكشف قول الحجة أو رأيه من تعدد الأخبار المتعددة المتوافقة على حكم، فإنها إذا وجدت في الكتب المعتمدة التي كانت مرجعا للشيعة، ومعمولا بها في أحكام الشريعة، ولم يظهر لها راد، أو غير شاذ نادر، علم من ذلك قبولهم لها واتفاقهم عليها، أو اتفاق غير النادر على وجه يحصل القطع أو الظن المعتد به برأي المعصوم.

      ويختلف ذلك باختلاف المدرك صراحة وظهورا، وقد يتقوى بوجود معاضد له من غيره، وربما يكتفى مع عدم وجود المعارض بوجود خبر واحد، لدلالة عدم الرد على قبوله.

      ويدل على كون ذلك احد طرق الإجماع قول الشيخ في العدة، حيث قال في الخبر الواحد المحض المجرد عن القرينة: وان كان ما تضمنه ليس هناك ما يدل على العمل بخلافه، ولا يعرف فتوى الطائفة فيه، نظر، فان كان هناك خبر آخر يعارضه مما يجري مجراه، وجب ترجيح احدهما على الآخر بالمرجحات المبينة في محلها. وان لم يكن هناك خبر آخر يخالفه وجب العمل به، لان ذلك إجماع منهم على نقله، وإذا اجمعوا على نقله وليس هناك دليل على العمل بخلافه، فينبغي ان يكون العمل عليه مقطوعا به([73]).

      وكذا قوله في كتاب الخلاف، حيث قال في كتاب الحج منه: إذا كان لولده مال، روى أصحابنا انه يجب عليه الحج، ويأخذ منه قدر كفايته ويحج‏به، وليس للابن الامتناع منه. وخالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا الأخبار المروية في هذا المعنى من جهة الخاصة، وليس ما يخالفها، فدل على إجماعهم على ذلك([74]).

      وقد ذكر الشهيد في الذكرى في توجيه ما ادعاه الشيخ والسيد وغيرهما من الإجماع في مسائل كثيرة مع ظهور الخلاف في بعضها -حتى من جهة الناقل نفسه- وجوها، خامسها: قصد إجماعهم على رواية الحكم([75]).

      ومحصل ذلك الوجه: ان الأصحاب لما رووا ما في كتب الأخبار المعروفة المعتمدة، واجمعوا على العمل بالخبر الواحد الذي وجد فيها ان لم يعارضه أقوى منه مطلقا، وكانت عادتهم جارية على التصريح برد ما لم يعتمدوه، وعدم الإخلال بذكر المعارض إذا وجدوه، ولا سيما إذا كان أقوى مما أوردوه.

      فحاصل جميع ذلك: هو الإجماع على العمل بما لم يظهر له معارض أرجح منه، فيحكم حينئذ بقولهم، ويستكشف منه قول المعصوم كما يستكشف في سائر ما قبلوه واجمعوا عليه بخصوصه، فهو وان لم يكن مجمعا عليه بطريق الفتوى، فهو مجمع عليه بطريق النقل الكاشف عن الفتوى، فهو مبني على إثبات أقوال العلماء بالدليل، لا للدليل بالقول([76])، كما هو مبنى الإجماع المعروف.

      ولا يخفى ان هذه الطريقة لو تمت لكانت استكشافا لإجماع جميع العلماء، أو جميع علماء الرعية، أو جمع من العلماء الكاشف اتفاقهم عن قول المعصوم، بواسطة ذكر الأخبار وعدم نقل المعارض.

      ثم استكشاف قول الحجة من ذلك الإجماع، فهو أيضا من شعب احد المعاني الثلاثة وليست معنى على حدة، مع أنها غير تامة، ولا كاشفة عن الاتفاق على الفتوى، كما هو مبين في محله وظاهر.

      الرابع عشر: إجماع الكاشف عن رأي الإمام بواسطة القواعد المقررة الثالث عشر، الا انه يعلم أقوال العلماء واتفاقهم الكاشف عن رأي الإمام بواسطة القواعد المقررة.

ومحصله: ان يستكشف قول المعصوم أو رأيه من تتبع قواعد العلماء في الأصول أو الفقه، وان لم ينص جميعهم على الحكم بالخصوص.

      وتقريره: انه إذا ثبت عند فقيه إجماعهم مثلا على حجية ظواهر الكتاب وظواهر السنة، وعلى كون الأمر في الشرع أو في اللغة أيضا حقيقة في الوجوب، وكون ألفاظ العموم حقيقة فيه كذلك، وكون الأصل في الاستعمال الحقيقة، أو غير ذلك من القواعد المقررة المتفق عليها أو المثبتة في نظر الفقيه على ما يكون كذلك ولو بوسائط غير بعيدة، ثم وجد في الكتاب أو السنة المجمع على حجيتها -على نحو ما ذكر- أمرا بشي‏ء، أو لفظا عاما متعلقا بحكم مثلا، ولم يجد بعد الفحص ما يصرفها عن ظاهرها، ووقع كلام في وجوب ذلك الشي‏ء، أو حكم بعض أفراد ذلك العام، فحينئذ يمكن في مقام الاستدلال -لا في مقام نقل الأقوال كما قالوا- ان يستند في ذلك إلى الإجماع ويثبته به، لان الإجماع المنعقد على القاعدة التي هي الأصل إجماع في الحقيقة على أفرادها التي هي فروعها.

      وكما انه يجوز للمجمعين عليها ان يستندوا إليها جاز لغيرهم أيضا، لإجماعهم عليها.

      فيقول: هذا الحكم مما ثبتت دلالة ظاهر الكتاب أو السنة المعتبرة عليه بالإجماع، وكل ما كان كذلك فهو حق ثابت‏بالإجماع، فهذا حق ثابت‏بالإجماع.

      فانه لما كان الإجماع الذي هو طريق إلى معرفة الحكم دليلا شرعيا، يجب العمل به على الكل، وكان الإجماع على الشي‏ء مقتضيا للإجماع على كل ما يندرج تحته أو يلزم منه وينتهي إليه، أو للحكم بثبوته تبعا لثبوته، فلذلك ثبت الحكم المبتني عليه على سبيل الإطلاق بالإجماع، وصح الاستناد إليه باعتبار الانتهاء إليه وان لم يتعلق بنفس الحكم.

      وعلى هذه الطريقة يبنى قولهم: ان ظاهر الأصحاب، أو قضية المذهب، أو ظاهر المذهب، أو نحو ذلك. كذا قيل.

      وقد شاع اعتبار هذا الوجه واستعماله في الفروع والأصول بين قدماء الأصحاب. منها: ما حكاه الشيخ أبو طالب الطبرسي في الاحتجاج عن مؤمن الطاق([77]) في بحث جرى بينه وبين بعض المخالفين، إذ قال له: ما حجتك فيما ادعيت من إمامة علي عليه السلام؟ قال: قوله عزوجل: {كُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}([78])، ووجدنا عليا بهذه الصفة في القرآن في قوله عزوجل: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ} يعني: في الحرب، {أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا}([79])، فوقع الإجماع من الأمة بان عليا أولى بهذا الأمر من غيره، لانه لم يفر من زحف قط، كما فر غيره في غير موضع([80]).

      ومنها: ما حكاه المفيد في كتاب الفصول عن الفضل بن شاذان انه قيل له: ما الدليل على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: الدليل على ذلك من كتاب الله سبحانه، وسنة نبيه، وإجماع المسلمين.

      إلى ان قال: وأما الإجماع، فان إمامته ثبتت من جهته من وجوه: ومن هذه الوجوه أنهم قد اجمعوا جميعا على ان عليا عليه السلام قد كان إماما -و لو يوما- ولم يختلف في ذلك أصناف أهل الملة، ثم اختلفوا فقالت طائفة: كان إماما في وقت كذا دون كذا، وقالت طائفة: كان إماما بعد النبي صلى الله عليه وآله في جميع أوقاته، ولم تجتمع الأمة على غيره انه كان إماما في الحقيقة طرفة عين، والإجماع أحق ان يتبع من الخلاف([81]). ومنها: ما ذكره الصدوق في إكمال الدين في الاستدلال بآية: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً‏}([82])، وآية: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا}([83]) على إمامة الأئمة، فذكر وجه الاستدلال ثم قال: فحصل من ذلك ما قلنا بإجماع الأمة([84]). ومنها: ما ذكره ابن زهرة في الغنية، حيث استدل على إمامة الأئمة بآيتين وبين وجه الاستدلال، ثم قال: فحينئذ ثبت‏بوجوب التعبد بهما إلى يوم القيامة إمامتهم بالإجماع([85]). ومنها: ما ذكره المفيد أيضا في الفصول في الدليل على ان المطلق ثلاثا في مجلس واحد يقع من طلاقه واحدة، فقال: الدلالة على ذلك من كتاب الله وسنة نبيه وإجماع المسلمين.

      ثم ذكر وجه دلالة الكتاب والسنة، فقال: وأما إجماع الأمة فإنهم مطبقون على ان ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل، وقد تقدم وصف خلاف طلاق الثلاث للكتاب والسنة، فحصل الإجماع على إبطاله([86]).

      ومنها: ما ذكره المحقق في المسائل المصرية، في جواز إزالة النجاسة بغير الماء من المايعات، فقال: وأما قول السائل: كيف أضاف السيد والمفيد ذلك إلى مذهبنا، ولا نص فيه؟

      فالجواب: أما علم الهدى، فانه ذكر في الخلاف انه أضاف ذلك إلى مذهبنا، لانه من أصلنا العمل بدليل الأصل ما لم يثبت الناقل، وليس في الشرع ما يمنع من استعمال المايعات في الإزالة. إلى ان قال: وأما المفيد، فانه ادعى في مسائل الخلاف: ان ذلك مروي عن الأئمة([87]).

      ومنها: ما ذكره الشيخ في الخلاف في حكم ما إذا حكم الحاكم بشهادة‏شاهدين في القتل ثم بان بعد القتل فسقهما قبله، حيث‏حكم بكون الدية من بيت المال، قال: دليلنا إجماع الفرقة، فإنهم رووا ان ما أخطات القضاة من الاحكام فعلى بيت المال([88]). إلى غير ذلك.

      وقد أكثر إرادة ذلك الإجماع في المبسوط والخلاف، بل من استقصى مسائل الناصريات، والانتصار، والخلاف، والمبسوط، والغنية، والسرائر، وغيرها من كتب القدماء، ونظر في أدلتها، فربما وجد كثيرا من ذلك الباب. وقد أشار في رسالته العزية إلى هذا الوجه، وبالغ في القدح فيه ومنعه، وقال: إن الاتفاق على لفظ مطلق شامل لبعض أفراده الذي وقع فيه الكلام لا يقتضي الإجماع عليه، لان المذهب لا يصار إليه من إطلاق اللفظ ما لم يكن معلوما من القصد، لان الإجماع مأخوذ من قولهم: اجمع على كذا إذا عزم عليه، فلا يدخل في الإجماع على الحكم الا من علم منه القصد إليه، كما إنا لا نعلم مذهب عشرة من الفقهاء الذين لم ينقل مذهبهم لدلالة عموم القرآن وان كانوا (تالين له)([89]) ([90]). انتهى.

      وما ذكره متين، فانه يمكن عدم وقوف الجميع على مدرك الحكم، أو ذهولهم عنه، أو وقوف جميعهم أو بعضهم على ما يعارضه عموما أو خصوصا، أو ما يصرف الظاهر عن ظهوره وان لم يكن دليلا مستقلا، بل لأجل ذلك أمكن ان يكونوا اجمعوا على خلاف ما استند إليه، وأقصى ما للفقيه ان يستند في إثبات الحكم الظاهري لنفسه إلى القاعدة المجمع عليها ولوازمها، لا ان يجعل الحكم إجماعيا.

      ثم أقول: ان هذه الطريقة ليست معنى على حدة غير المعاني الثلاث في الإجماع، أو في طريق الكشف، بل مبناه على إثبات أقوال العلماء على حكم‏بإجماعهم على قاعدة تقتضي ذلك الحكم، فالمراد من الإجماع هو احد المعاني، وطريق الكشف هو احد الطرق. نعم هذا وجه آخر لفهم اتفاق الكل.

      الخامس عشر: ان يكون المراد من الإجماع الكاشف: ان يكشف عن تصويب المجمعين في الحكم الظاهري، فانه إذا اتفق علماء الرعية على أمر، يستكشف رأي الإمام بأنه راض بما أفتوا به واجمعوا عليه، بناءا على انه هو الحكم الظاهري الذي هو واقعي ثانوي، ومرجعه إلى تصويب المجتهد ومقلديه في العمل بما أدى إليه نظره، واخذ منه غيره بعد استجماع الشرائط واستفراغ الوسع.

      ولا يخفى ان الكشف بهذا المعنى لا يختص بصورة الاتفاق، بل يجري في كل واحد واحد.

      وأيضا لا يصير الإجماع حينئذ من الأدلة الشرعية، بحيث‏يكون حجة على المجتهدين الذين لم يؤد نظرهم إلى ما حكم به المجمعون، لحرمة التقليد عليهم، واحتمالهم تقصير المجمعين لعدم عصمتهم، واختلاف التكاليف باختلاف اقتدارهم وتفاوت أنظارهم.

      وأيضا لا يكون الإجماع حينئذ إجماعا على الاحكام الجزئية، بل هو إجماع على حكم كلي أصولي هو كون كل ما أدى إليه نظرهم حكما لهم.

      فهذا الوجه ليس من وجوه الإجماع الذي كلامنا فيه، ومعدود من الأدلة الشرعية المثبتة لحقيقة الاحكام الجزئية بخصوصها.

      السادس عشر: ان يراد من الإجماع مجرد الشهرة، ومن الكشف الكشف الظني. ذكره الشهيد في بيان وجوه معنى الإجماع في كلمات القدماء، وبنى عليه اختلافهم في دعوى الإجماع، وخلاف المدعى له في حكمه بنفسه([91]).

      السابع عشر: ان يراد من الإجماع حصول العلم بقول الإمام الغائب بعينه لبعض حملة أسراره بنقل احد سفرائه وخدمته سرا على وجه يفيد اليقين، أو بتوقيعه ومكاتبته كذلك، أو بسماعه منه مشافهة على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في زمان الغيبة، فلا يسعه التصريح والإعلان بنسبة القول إليه، وليس في سائر الأدلة الموجودة العلمية ما ينص بإثبات ذلك، ولا في غيرها أيضا من الأدلة ما يقتضيه.

      فإذا كان الحال كما ذكر، ولم يكن مأمورا بإخفاء ما وقف عليه وكتمانه، أو كان مأمورا بإظهاره بحيث لا تنكشف حقيقة الحال، فيبرزه لغيره في مقام الاحتجاج بصورة الإجماع، خوفا من الضياع، وجمعا بين الامتثال بإظهار الحق وكتمان السر، فيكون حجة على نفسه لكونه من السنة، وعلى غيره بعد إبرازه على نحو ما ذكر، لكونه من الإجماع.

      قيل: وربما يكون هذا هو الأصل في كثير من الزيارات والاستخارات والأدعية والآداب والأعمال المعروفة التي تداولت ‏بين الإمامية، ولا مستند لها ظاهرا من إخبارهم ولا من كتب قدمائهم الواقفين على آثار الأئمة وأسرارهم، ولا امارة تشهد بأن منشأها أخبار مطلقة أو وجوه اعتبارية مستحسنة، هي التي دعتهم إلى إنشائها وترتيبها والاعتناء بجمعها وتدوينها، كما هو الظاهر في جملة منها([92]).

      وإلى هذا أشار بعض سادة مشايخنا المحققين، حيث قال: وربما يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الإمام بعينه على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدة الغيبة، فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه، فيبرزه في صورة الإجماع، جمعا بين الأمر بإظهار الحق والنهي عن إذاعة مثله بقول مطلق([93]). انتهى.

      هذه هي الوجوه التي ذكروها في بيان الإجماع ووجه حجيته وطريق كشفه عن قول الحجة.

      ولا يخفى ان الثلاثة الأخيرة منها وان كانت غير المعاني الثلاثة المعروفة التي ذكرناها أولا، الا أنها ليست من الإجماع الذي كلامنا فيه من شي‏ء، وانما هي شي‏ء آخر غير الإجماع المقصود، كما لا يخفى.

      وأما البواقي، فلا يخرج شي‏ء منها من الإجماع المعروف بالمعاني الثلاثة.

      فالأربعة الأول منها كلها من الإجماع بالمعنى الأول، أي إجماع جميع العلماء أو الا شاذ معروف النسب، غاية الأمر اختلاف الطرق الأربع في وجه معرفة دخول الإمام في المجمعين ومعرفة قوله، وذلك لا يوجب اختلافا في معنى الإجماع ولا في جهة حجيته.

      والثلاثة المتعقبة لها كلها من الإجماع بالمعنى الثاني، أي إجماع جميع علماء الرعية أو الا شاذ مطلقا، والكل متفق في ان حجية ذلك الإجماع لاستلزامه رضى المعصوم، والاختلاف إنما هو في وجه ذلك الاستلزام، ومجرد ذلك لا يجعل كلا منها وجها على حدة.

      ولذا ترى ان جمعا آخر يستدلون على وجوب الردع على الإمام: بأنه لولاه لزم سقوط التكليف، أو لزم القبيح، أو إزاحة العلة، ونحوها، كالشيخ أبي الفتح الكراجكي([94])، والشيخ علي بن أبي المجد الحلبي([95])، والشيخ كمال الدين بن ميثم البحريني([96])، والشيخ أبي علي الطبرسي([97])، والشيخ أبي الحسن الأربلي([98])، وغيرهم. ولا يعد كل واحد منها طريقا على حدة، ومع‏ذلك كل هذه الطرق مدخولة غير تامة، كما بين في موضعه.

      والستة المتعقبة لها كلها من الإجماع بالمعنى الثالث، أي الاتفاق الكاشف عن قول الإمام المعصوم ورأيه.

      ويمكن إرجاع بعضها إلى الإجماع بأحد المعنيين الأولين أيضا، كما أشرنا إليه في طي تعداد الوجوه. فان المعنى الثالث: هو الاتفاق الكاشف بأي وجه علم اتفاق العلماء، وبأي جهة حصل الكشف منه، وأي طائفة مخصوصة كان المتفقين.

      واختلاف هذه الوجوه إنما هو بواسطة اختلاف جهة العلم بالاتفاق بالحدس، أو العادة، أو من جهة خصوصية الطائفة، أو من جهة وجه حصول الكشف.

      فتحصل مما ذكرنا: ان الإجماع عند أصحابنا لا يتعدى عن احد المعاني الثلاثة، أي: إجماع جميع العلماء أو الا شاذ معروف النسب، وإجماع جميع علماء الرعية أو الا غير شاذ مطلقا، والاتفاق الكاشف عن قول الحجة.

      وسائر ما يذكر في وجوه الإجماع إما ليس بإجماع عندهم، أو من أحد أفراد الوجوه الثلاثة.

      ثم ان بعض سادة مشايخنا المحققين قال: ان الإجماع عند أصحابنا الإمامية معنى واحد، وهو الاتفاق الكاشف عن قول الحجة، والاختلاف إنما هو في تعيين ذلك الاتفاق الكاشف([99]).

وهو عندي غير جيد، إذ المصرح به في كلام أرباب الاصطلاحين الأولين:

      ان الإجماع هو اتفاق كل العلماء، أو اتفاق كل علماء الرعية. وجعلوا وجه حجيته كون ذلك كاشفا عن دخول الحجة أو رضاه.

      ولا يستلزم ذلك ان يجعلوا كل اتفاق كاشف إجماعا، فان صريح قولهم:

      ان الإجماع هو اتفاق كل العلماء، أو كل علماء الرعية، وان كل ما كان كذلك فهو كاشف.

      ولا يلزم من ذلك ان يكون كل اتفاق كاشف إجماعا عندهم، فانه لا تصريح بذلك في كلماتهم، ولا شاهد ولا قرينة تدل على ذلك أيضا. وان كان حجة عندهم لو فرض حصول مثل ذلك الكشف لهم، فيحتمل ان يعدوه من السنة، أو لم يصطلحوا على تسميته به، بناءا على عدم التفاتهم إليه، أو زعمهم عدم حصول الكشف الا من اتفاق احد المجمعين([100]). فتأمل.

عائدة 64/ في بيان قاعدة اللطف

        من القواعد المتداولة بين الطائفة العدلية من المتكلمين والفقهاء وبنوا عليها كثيرا من المسائل الدينية: قاعدة وجوب اللطف على الله سبحانه.

بيان المراد من معنى اللطف

        أقول: مرادهم من اللطف: إما إعطاء كل ذي حق حقه، أي([101]) ما يستحقه، أو بيان المصالح والمفاسد، أو مطلق الإحسان والإكرام والإنعام، أو بيان ما يقرب العبد إليه وما يبعده عنه، أو ما يقرب احد هذه المعاني.

        واللطف ببعض هذه المعاني مما لا ينبغي الريب في وجوبه عليه مطلقا، كالمعنيين الأولين، وببعض آخر مما لا شك في وجوبه أيضا في الجملة، وان لم يجب عليه بجميع أنواعه وجميع ما يكون لطفا بذلك المعنى، كالثالث، وببعض آخر مما يمكن الكلام في وجوبه، كالمعنى الأخير.

وليس غرضنا هاهنا إثبات وجوبه وعدمه، أو بيان ما يجب عليه منه وما لا يجب.

بيان عدم تمامية الاستناد إلى قاعدة اللطف

        بل المطلوب بيان عدم تمامية الاستناد إلى تلك القاعدة في المواضع التي يستندون إليها، وذلك لوجوه:

الأول: هل المراد بوجوب اللطف على الله وجوبه في حاق الواقع ونفس الأمر

        ان المراد بوجوب اللطف عليه سبحانه-بأي معنى اخذ-هل وجوب ما هو كذلك في حاق الواقع ونفس الأمر، أو ما هو كذلك بحسب علمنا وإدراكنا؟ .

        يعني انه هل يجب عليه مثلا بيان ما هو مصلحة أو مفسدة في الواقع، أو ما هو كذلك بحسب علمنا وما نعلمه مصلحة أو مفسدة واقعية، سواء طابق علمنا للواقع أو لا، وكذا في سائر المعاني.

فان أرادوا الأول، فنسلم وجوبه ولا كلام لنا معهم في إثباته.

        ولكن نقول: ان كل ما يريدون إثباته بتلك القاعدة ويستندون فيه إليها، من أين يعلم انه اللطف الواقعي النفس الامري المطابق لعلمه سبحانه؟ وكيف السبيل إلى علمنا به؟ وكل ما يذكرون لبيانه، فهو راجع إلى ذلك المعنى بحسب علمنا، ويأتي الكلام فيه.

        وإن أرادوا الثاني، أي وجوب ما هو بذلك المعنى بحسب فهمنا ومدركنا وعلمنا، فنقول: ما الدليل على وجوب ذلك على الله سبحانه، وما يقتضيه؟

        فان قيل: لانه ورد في الكتاب والسنة كونه سبحانه لطيفا، ويجب حمل الألفاظ في الخطابات على متفاهم المخاطبين.

        قلنا: المراد من ذلك حمل الألفاظ على المعنى المتفاهم الواقعي لا المعنى المتفاهم بحسب علم المخاطب، ولذا اجمعوا على ان الألفاظ موضوعة للمعاني النفس الآمرية دون العلمية. فإذا كان المتفاهم من اللطف في عرف المخاطب بيان المصلحة والمفسدة مثلا، يجب حمله على ذلك المعنى، أي بيان المصلحة والمفسدة، ولكن المصلحة والمفسدة الواقعية دون العلمية.

        فان قيل: إنهم صرحوا بان الألفاظ وان كانت للمعاني النفس الآمرية لكنها مقيدة بالعلم في مقام التكاليف، ونحن مكلفون بإثبات كونه سبحانه لطيفا شرعا، لوصفه سبحانه نفسه به.

        قلنا أولا: انه من أين يعلم ان اللطف الواجب علينا إثباته له سبحانه بمثل قوله: إن {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ‏} هو اللطف بهذا المعنى الذي يريدون إثبات مطلبهم به؟ فانه معنى مصطلح في علم الكلام، فلعله مرادف للرؤوف والحنان ونحوهما.

        وثانيا: انه يمكن ان يكون المراد بكونه لطيفا: ان كل ما نراه لطفا هو منه سبحانه، لا ان كل ما نعلمه لطفا يجب عليه فعله، كما في الخالق والرازق والطبيب والمنعم ونحوها.

        وثالثا: ان معنى حمل الألفاظ في مقام التكاليف على حسب علم المكلف:

        انه إذا كان لنا تكليف في عمل متعلق به يقيد بالمعلوم لنا، أما في غيره فلا، فانه إذا قال الله سبحانه: الكافر مخلد في النار، يجب علينا تصديق ذلك، ولكن نقول: ان الكافر النفس الامري في النار سواء علمنا بكفره أو لا، لا ان من علمنا واعتقدنا انه كافر مخلد في النار البتة، سواء طابق علمنا للواقع أو لا.

        وأما لو قال جل شانه: الكافر نجس فاجتنبوه، فنقول: ان الكافر الواقعي بحسب علمنا، أي من اعتقدنا انه كافر واقعا، يجب علينا اجتنابه وان لم يكن كذلك واقعا، لانا مكلفون بحسب علمنا.

وليس تكليفنا في إثبات اللطف له سبحانه سوى وجوب اعتقاده لطيفا، ولا عمل هنا لنا متعلق به([102]) حتى يجب التقييد بعلمنا، وليس هو الا ككونه سبحانه قديما، وعزيزا، وذا الكبرياء والرحمة، واهل التقوى والمغفرة، وقيوما، ومهيمنا، ونحو ذلك.

الوجه الثاني: هل المراد من وجوب اللطف وجوبه مطلقا من غير اشتراط بوجود المقتضي

        ان مرادهم من وجوب اللطف عليه سبحانه بأي معنى أرادوه ولو بحسب علمنا، فهل هو وجوبه عليه مطلقا، من غير اشتراط بوجود المقتضي من جانب القابل، أو عدم الموانع التي من جهة القابل، أو عدم الموانع الخارجة عنه، أو يشترط بذلك؟ .

        فان أرادوا الأول، فهو بديهي الفساد، ضرورة اشتراط تحقق كل شي‏ء بوجود المقتضي ورفع الموانع. ولأنه أي دليل يدل على وجوب مثل ذلك عليه سبحانه؟

        بل مع عدم المقتضي أو وجود المانع لا يكون ذلك لطفا، مع ان هذا مما تكذبه المشاهدة والعيان، فان من الأمور ما يدعون القطع بكونه أو مثله لطفا، ومع ذلك لم يقع ولم يتحقق في الخارج، ويسندون عدمه إلى المانع. ولذا قال المحقق الطوسي في التجريد: وجوده لطف، وتصرفه لطف آخر، وعدمه منا([103]).

        وان أرادوا الثاني: أي يجب اللطف عليه بشرط وجود المقتضي في كل فعل، وانتفاء الموانع الداخلية والخارجية، فلا تفيد هذه القاعدة لنا في مقام أصلا، لان الحكم بمقتضاها والاستناد إليها في كل مورد يراد موقوف على علمنا بالمقتضيات وانتفاء جميع الموانع، وهو موقوف على إحاطتنا التامة بذوات الأشياء والأفعال وحقائقها، وجميع الأمور الداخلية والخارجية، الحسية والمعنوية، مع انا نرى من المقتضيات والموانع مما لا يمكن دركه لنا، فانا نرى أنهم يقولون: ان التكليف لطف، ويثبتونه للذكر بتمام خمسة عشر عاما من سنه، دون خمسة عشر الا نصف يوم أو ساعة، فما الذي يدرك انه مقتض لذلك اللطف في تمام خمسة عشر ولا يقتضيه في نصف يوم قبله؟ أو ما المانع منه في الثاني دون الأول؟ وما المقتضي لهذا اللطف في الأنثى في تسع سنين دون الذكر، وما المانع منه في الثاني دون الأول؟ وما المانع من بعث‏خاتم الأنبياء في يوم قبل يوم المبعث؟ إلى غير ذلك.

        وأيضا ذكروا: ان الله سبحانه يوجد الأكوان من الأعيان والأفعال بمقتضى العلم بالأصلح، وهو الموجب لتأخير إيجاد ما أخر إيجاده وتقديم ما قدم. فقد يقتضي العلم بالأصلح تأخير ما أنت تعلمه لطفا، أو عدم إبرازه إلى ساحة الوجود، وظاهر انك لا تقول: إني أيضا اعلم ما هو الأصلح في جميع الأعيان والأفعال كعلمه سبحانه! فان اعترفت‏باني لا اعلم، فما هذا الفضول الذي ترتكبه من انه يجب عليه فعل ذلك في هذا الوقت أو لا يجب؟ . غاية ما يجوز لك ان تقول: ان كان الواقع كما زعمته ولم يكن منه مانع، يجب عليه ذلك، وإلا فلا.

        الوجه الثالث: انه يقال: انه هل يمكن ان يتحقق لما نحن نزعمه لطفا أمر آخر ينوب منابه، أم لا؟ .

        فان قلت: نعم، قلنا: من أين لمت في كل مورد تريد إثبات شي‏ء بقاعدة اللطف انه لم ينب منابه غيره؟ .

        وان قلت: لا، تكذبك الضرورة والإجماع القطعي، لان الاحكام الواقعية كلها مطابقة لألطاف الله سبحانه بالنسبة إلى عباده، ونابت منابها الاحكام الظاهرية المختلفة بحسب أنظار المجتهدين.

        الوجه الرابع: ما الفرق بين ما نقطع بكونه لطفا، ومع ذلك لم يقع وبين سائر ما نقطع بلطفيته وقد تحقق أنا نرى في الأشياء والأفعال ما نقطع بكونه لطفا، بل لا نرى فرقا بينه وبين سائر ما نقطع بلطفيته لتحققه، ومع ذلك لم يقع، كظهور الإمام وتصرفه، فانا نقطع بكونه لطفا، ولا نرى فرقا بين ظهوره في هذه الأيام، ظاهر المقالة، منقذا من الضلالة، شاهر السيف، منصورا من الله سبحانه، وبين ظهوره بعد ذلك. بل لا نرى فرقا بين مجرد ظهوره وظهور الإمام الحادي عشر عليه السلام في زمانه. وكذا بعث النبي.

بل حصول بعض الأمور المردعة عن المعاصي، المرغبة إلى الطاعات، لكل مكلف، كبعض المنامات، أو استجابة بعض الدعوات ونحو ذلك، ومع ذلك لم يقع. وقد يقع لبعض لا نرى فرقا بينه وبين بعض ما لم يقع أصلا.

        فانا كيف ندرك ان اراءة البرهان-بإي معنى فسرت-لطف بالنسبة إلى يوسف الصديق وليست لطفا لأمثالنا؟ فان استندت عدم وقوع ما لم يقع إلى المانع الغير المعلوم لنا، فلم لا يكون الامر في سائر الموارد أيضا كذلك، والله العالم.

عائدة 65/ في تحقيق معاقد الإجماعات

        المسالة التي وقع الاتفاق عليها: إما مطلقة موضوعا ومحمولا ومتعلقا-أي محكوما له وحكما ومحكوما عليه-في كلمات المجمعين كلا، أو مقيدة فيها كلا أو بعضا بالنسبة إلى احدهما.

فالأول، كان يقول كل العلماء أو بقدر يحصل من اتفاقهم الإجماع: شهادة الشاهدين مقبولة، أو خبر العدل حجة، أو السورة واجبة.

        والثاني، كان يقول كل من ذكر أو بعضهم: شهادة الشاهدين المفيدة للظن أو الشاهدين العدلين مقبولة، أو شهادة الشاهدين مقبولة في الأموال أو للحاكم، أو خبر العدل المفيد للعلم أو الظن حجة، أو خبر العدل حجة للفقيه أو لمن حصل له العلم أو الظن منه، أو السورة الفلانية واجبة أو واجبة على الإمام، وهكذا.

        فان كان من الثاني، فظاهر انه لا يتحصل منه الإجماع على المطلق، بل يتحصل على المقيد خاصة وان كان دليلهم اجمع مقتضيا لثبوت الحكم مطلقا، كان يستدلوا لقبول شهادة الشاهدين في الأموال أو للفقيه-مثلا-بنص مطلق، أو بقاعدة حمل أقوال المسلمين على الصدق.

        نعم ان كان ذلك الدليل المطلق حجة عند من يريد استخراج حكم المسالة، يجب عليه الحكم بالإطلاق، ولكن لا للإجماع بل لإطلاق ذلك الدليل. وان كان من الأول، فان دل دليل على إرادة تقييد من ذلك الإطلاق، يعني على ان مراده من اللفظ المطلق هو المقيد، فكالثاني أيضا، وان كان ذلك الدليل هو نفس علة الحكم مطلقا.

        كان يستدل لإطلاق قبول شهادة الشاهدين أو خبر العدل بوجوب حمل قول المسلم على الصدق، فانه قرينة على إرادة الشاهدين المسلمين أو العدل المسلم، أو يستدل له بان المحسوس لا يحتمل الخطأ عادة، فانه قرينة على إرادة الشهادة في المحسوسات.

        ولو منع كونه قرينة، وجوز كونه استدلالا على بعض أفراد المطلق وان كان الحكم عاما، لم يفد أيضا، لتساوي الاحتمالين، فلا يعلم إرادته الإطلاق.

        ولو قيل: إن مقتضى أصالة الإطلاق وعدم التقييد لا يندفع بمجرد الاحتمال، لم يكن بعيدا أيضا، فيحكم بالإطلاق الا إذا ضمت معه شهادة حال أو فهم عرف إرادة التقييد.

        وان لم يدل دليل على ذلك، يعني على ان مراده عن ذلك اللفظ المطلق هو بعض إفراده، فمع كون المصرحين بالحكم المطلق جمعا يحصل من اتفاقهم الإجماع، يتحصل من تصريحهم الإجماع على المطلق، سواء لم يعلل احد من المجمعين الحكم بعلة، أو عللوه-كلا أو بعضا-بعلة تامة في نظر من يريد تحصيل الإجماع، أو غير تامة عنده، متحققة في حقه أو غير متحققة.

        فالأول كان يقول الكل: قول الشاهدين أو خبر العدل حجة واجب القبول، من غير ذكر دليل له.

        والثاني، كان يعللوه-كلا أو بعضا-بوجود نص صحيح صريح فيه، واصل إلى محصل الإجماع، حجة عنده.

        والثالث، كان يعللوه بعلة مستنبطة، أو رواية ضعيفة واصلة إلى مريد تحصيل الإجماع، وكانت غير حجة عند المحصل.

        والرابع، كان يعللوه-كلا أو بعضا-بنص صريح صحيح، ولم يصل النص إلى المحصل.

        الخامس، ان يعللوه بعلة مستنبطة غير مدركة للمحصل.

        وذلك لان المفروض ان المجمعين طائفة يحصل من اتفاقهم الإجماع، ويكشف اجتماعهم عن قول الإمام، والمفروض اتفاقهم واجتماعهم على الحكم المطلق، فيكون الإمام داخلا فيهم.

إما على طريقة السيد، فلكون المجمعين حينئذ جميع العلماء الذين منهم الإمام، فيكون المجمع عليه حقا لا محالة([104]).

        وأما على الطريقة المنسوبة إلى الشيخ، فلكونهم جميع علماء الرعية، ويرضى الإمام بما اجتمعوا عليه وإلا لردعهم([105]).

        وإما على طريقة المتأخرين، فلان المفروض كون المجمعين جمعا يكشف اتفاقهم عن قول الإمام، وقد اتفقوا فيكشف.

        وقد يتوهم ان العلة التي استند الحكم إليها عند الكل أو البعض إذا كانت غير متحققة في حق مريد تحصيل الإجماع، لا يثبت الإجماع على الحكم المطلق، حتى يكون حكما في حقه أيضا.

        وهذا الذي يقال: ان اختلاف الجهة والعلة في الحكم يوجب عدم انعقاد الإجماع على المطلق، استنادا إلى ان اختلاف الجهة موجب لتقييد الحكم، فانه إذا علل بعضهم الحكم بوجوب قبول خبر الشاهدين بأنه يفيد الظن، فلا يكون دالا على وجوب قبوله بالنسبة إلى من لا يفيد قول الشاهدين له ظنا، وحتى قول الشاهدين الذي لا يفيد الظن.

        وكذا إذا علل طائفة منهم وجوب العمل بالأخبار المودعة في الكتب المعتبرة لأصحابنا أو أخبارا معينة منها بأنها معلومة الصحة أو الصدور أو الصدق، أو بأنها مفيدة للعلم، لا يدل على وجوبه بالنسبة إلى من ليست عنده كذلك، وذلك لان ذلك التعليل في قوة: ان قول الشاهدين إذا كان مفيدا للظن حجة، أو لمن أفاد له الظن حجة، والأخبار المذكورة إذا كانت معلومة الصحة والصدق أو مفيدة للعلم حجة، أو حجة لمن كانت كذلك بالنسبة إليه.

        وهذا توهم فاسد وخطا فاحش، لانه لو كان كذلك لسقط التمسك بالإجماع بالمرة، ولا يكون هو واحدا من الأدلة الشرعية.

        بيان ذلك: ان العلماء الذين يحصل من اتفاقهم الإجماع على حكم بأي‏طريق من الطرق المتقدمة، لا يخلو: أما يظهر مستند الجميع في الحكم الذي اجمعوا عليه لمن يريد تحصيل الإجماع، أو لا.

        فان ظهر مستند الجميع، فأما يكون مستندهم كلا مقبولا عند مريد التحصيل، متحققا عنده، حجة لديه، أو لا يكون الكل كذلك.

        فان كان الأول، فمع انه لا يكاد يتحقق مثل ذلك في موارد الاحتياج([106])، لا يكون حاجة إلى الإجماع أصلا، لكفاية ذلك المستند في إثبات الحكم.

        وان كان الثاني، أي كان دليل الكل أو بعضهم غير تام عند المحصل للإجماع أو غير متحقق، فعلى ما ذكره هذا المتوهم يكون الحكم مقيدا بالنسبة إلى من كان ذلك الدليل تاما عنده متحققا لديه، فلا يثبت إجماع بالنسبة إليه أصلا.

        ومنه يظهر الحال فيما إذا كان دليل الكل غير مقبول عنده، ومنه يسري إلى من لم يكن دليل الكل عنده معلوما، سواء كان دليل البعض معلوما أم لا، لجواز كون دليل من لا يعلم دليله-كلا أو بعضا-غير مقبول أو غير متحقق عند مريد التحصيل، بل المظنون انه كذلك، لانه الغالب، فلا يتحصل الإجماع.

        مثلا: إذا اجمع العلماء على حكم، كوجوب قبول قول الشاهدين، واستدل بعضهم له بالسماع من الإمام، وآخر بالإجماع، وثالث‏بالشهرة، ورابع بورود النص عليه، وخامس بالاستقراء، وهكذا.

فهل يقيد الحكم في كلام الأول بوجوب قبوله على من سمع من الإمام، وفي كلام الثاني بمن ثبت عنده الإجماع، وفي الثالث ‏بمن ثبت عنده الشهرة ومع ذلك قال بحجية الشهرة، وفي الرابع بمن وصل إليه النص وكان حجة عنده دالا على الحكم، وفي الخامس بمن حصل له الاستقراء ويقول بحجيته، أم لا؟

        فان قلت: نعم، فلا يتحصل إجماع الا لمن اجتمع عنده جميع هذه القيود، وحينئذ لا يحتاج إلى تحصيل إجماع. وان قلت: لا، فهو مناقض لما توهمت.

        وما السبب في انه إذا قال: الحكم كذا بالإجماع، لا يقيد بأنه كذا لمن ثبت عنده الإجماع، وإذا قال: لانه علم من المعصوم أو ظن، يقيد بأنه لمن علم أو ظن؟ !

        وكذا إذا قال: ذلك كذا للنص الدال عليه، لا يقيد بمن وصل إليه النص، ويقيد في مقامات توهمك؟!

        والحاصل: ان موارد الإجماع لا تخلو عن ثلاثة: إما يظهر مستند الجميع ويكون مستندا متحققا مقبولا عند من يريد تحصيل الإجماع، أو يظهر ويكون مستندا لبعض، غير تام أو غير متحقق له، أو لا يظهر مستند الكل.

        فعلى الأول لا حاجة إلى الإجماع، وعلى البواقي لا يتحصل الإجماع بالنسبة إلى ذلك المتحصل، لدلالة تعليله على التقييد بمن يتم عنده ذلك الدليل على زعم ذلك المتوهم.

        فان قيل: من يقول: الحكم كذا بالإجماع المعلوم عندي، أو بقول الإمام الذي سمعته منه، أو بالاستقراء الذي حصل لي، يريد ان الحكم كذلك لكل احد بدلالة الإجماع المعلوم عندي، أي فهمت من الإجماع ان الحكم كذلك لكل احد، فيكون حكمه مطلقا.

        قلت: كذا من يقول: ان الخبر الفلاني حجة لانه مفيد للعلم، أي فهمت من العلم بصحته انه يجب على الكل العمل به. وأي فرق بين علمه بالإجماع، أو علمه بصحة الخبر، أو بين سماعه وبين علمه؟

        والحل: ان كل من يستدل بدليل على حكم مطلق، فهو يعلم ان العمل بهذا الحكم مخصوص بمن ثبت عنده ذلك الدليل وتماميته من غير مقلديه، ولكنه يخبر العلماء عن اعتقاده أو ظنه، وان لم يفد ذلك لغيره وغير مقلديه الا تنبيها أو تأييدا، فيخبر ان اعتقادي انه كذلك بالنسبة إلى كل احد، وان لم يكن اعتقادي حجة لكل احد، ثم ينبه بالاستدلال على طريق حصول اعتقاده، ويريد ان كل احد أيضا لو سلك هذا المسلك يحصل له ذلك الاعتقاد. وهذا هو السر في بيان الأدلة، والأدلة على الأدلة، وهكذا.

        واعتقاده ان كل من نظر بالنظر الصواب من مبدأ الحكم إلى المآب، ورجع قهقرى من الحكم إلى الدليل ومنه إلى دليله، وهكذا إلى ما اكتسب منه النظريات من بديهياته، يكون كذلك، فحكمه إنما هو للجميع وان لم يكن اتباع حكمه واجبا على الجميع. ومن ذلك ظهر: ان اختلاف الجهة والعلة لا يقدح في تحقق الإجماع على الحكم المطلق.     نعم إذا كان أصل الحكم مقيدا، فيختص الإجماع بالمقيد. والى هذا ينظر من يقول: بان اختلاف الحيثيات التقييدية يقدح في ثبوت الإجماع على المطلق، دون الحيثيات التعليلية.


 

([1]) كنز الفوائد 2: 29.

([2]) أوائل المقالات: 121، القول في الإجماع.

([3]) المسائل التبانيات (رسائل الشريف المرتضى)1: 15.

([4]) الذريعة إلى أصول الشريعة 2: 605.

([5]) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى)2: 368.

([6]) المسائل الموصليات(رسائل الشريف المرتضى)1: 205.

([7]) نقله عنه في كشف القناع: 128.

([8]) المسائل التبانيات (رسائل الشريف المرتضى)1: 18.

( [9]) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى)2: 366.

([10]) عدة الأصول 2: 232.

([11]) الغيبة: 18.

([12]) الغنية (الجوامع الفقهية): 478، ولكن ليس فيها من قوله: فما المنكر -إلى- من جملة المسلمين. نقله في كشف القناع: 92-93 كما في المتن.

([13]) نقله عنه في كشف القناع: 94. والتعليق العراقي في الكلام، فرغ منه في التاسع من شهر جمادى الأولى سنة 581. يعرف بالعراقي، لانه ألفه بالعراق في بلدة الحلة بالتماس علمائها، واسمه‏ (المنقذ من التقليد). راجع: الذريعة 4: 222، و23: 151.

([14]) السرائر 2: 529.

([15]) الكافي في الفقه: 507.

([16]) تقريب المعارف: 118.

([17]) فقه القرآن 1: 4.

([18]) فقه القرآن 2: 93.

([19]) الذكرى: 4.

([20]) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى)2: 368.

([21]) المسائل الموصلية (رسائل الشريف المرتضى)1: 205.

([22]) الغيبة: 18.

([23]) الغيبة (الجوامع الفقهية): 478.

([24]) السرائر 2: 529.

([25]) تقريب المعارف: 118.

([26]) لم نعثر عليه في المعارج، ولكن وجدناه بنصه في المعتبر 1: 31.

([27]) معارج الأصول: 132.

([28]) الذكرى: 4.

([29]) معالم الأصول: 175-176.

([30]) لم نعثر على قائل لهذه الأقوال، ولكن نقلها في كشف القناع أيضا: 90، 101، 102، فراجع.

([31]) لم نعثر على قائل لهذه الأقوال، ولكن نقلها في كشف القناع أيضا: 90، 101، 102، فراجع.

([32]) لم نعثر على قائل لهذه الأقوال، ولكن نقلها في كشف القناع أيضا: 90، 101، 102، فراجع.

([33]) لم نعثر على قائله، ونقله في كشف القناع: 103.

([34]) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى)2: 366.

([35]) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى)2: 369.

([36]) انظر كشف القناع: 102.

([37]) في [ه] زيادة: طريقة وجوب الردع.

([38]) القائل هو المولى محمد صالح السروي المازندراني في حاشية معالم الأصول: 175.

([39]) تقدم في ص: 673.

([40]) تقدم كلام الغيبة في ص 673، وانظر عدة الأصول 2: 246.

([41]) عدة الأصول 2: 246.

([42]) مناهج الاحكام: 193، الفصل الثالث في حجية الإجماع.

([43]) عدة الأصول 2: 250.

([44]) عدة الأصول 2: 247، الغيبة: 66، تلخيص الشافي 1: 96.

([45]) المسائل الطرابلسيات (رسائل الشريف المرتضى) 1: 311.

([46]) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى) 2: 367.

([47]) في‏ [ب‏]، [ه] زيادة: ويسمى بطريقة الحدس والوجدان.

([48]) فوائد الأصول: 85 فائدة 23، كشف الغطاء: 33، رسالة الإجماع للأستاذ الكل الوحيد البهبهاني (مخطوط).

([49]) نسبه الوحيد إلى معظم المحققين في رسالة الإجماع.

([50]) فوائد الأصول: 86 فائدة 23، وانظر كشف القناع: 169.

([51]) المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى)2: 367، ونسبه في كشف القناع: 91 إلى ظاهر الغنية وجملة من العلماء كالشيخ الطوسي والشيخ سديد الدين الحمصي وغيرهما، وراجع الغنية (الجوامع الفقهية)478.

([52]) كما في كشف القناع: 93، وقوانين الأصول 1: 349، وانظر عدة الأصول 2: 245، وكتاب الغيبة: 18.

([53]) انظر على سبيل المثال الكافي لأبي الصلاح: 507، الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 478.

([54]) منهم الوحيد البهبهاني في رسالة الإجماع (مخطوط)، والسيد بحر العلوم في فوائد الأصول: 86 فائدة 23، وانظر مفاتيح الأصول: 496.

([55]) في‏[ه] زيادة: جهة.

([56]) كما في قوانين الأصول 1: 350.

([57]) الكافي في الفقه: 506، المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى)2: 367.

([58]) كما في كشف القناع: 115.

([59]) في‏ [ج‏]، [ح‏]: ويكون مقتضى.

([60]) فوائد الأصول: 85 فائدة 23، واختار هذا الوجه صاحب كشف القناع فيه: 164، والسيد المجاهد في مفاتيح الأصول: 497.

([61]) مناهج الاحكام، الفصل الثالث في بحث الإجماع: ص 192-193.

([62]) في [ه]: لا يمنع. وينجع معناه: ينفع-انظر المصباح المنير: 594. والمراد من مجموع الجملة: هو عدم كون فعل المنكر لعلة لا ينفع معها الإنكار، كما إذا كان صدوره منه لتجريه وعصيانه، أو ان فعله لعلة تمنع من الإنكار، كما إذا كانت العلة هي ظلم الناس وتسبيبهم اختفاء المعصوم.

([63]) فربما يكون المختلفون جميعهم مخالفين للحق.

([64]) أي: لأجل ذلك.

([65]) أي: ولا يعلم ان نهيه.

([66]) في [ح‏]: إلحاق.

([67]) في [ح‏]، [ه]: يتصل.

([68]) الفوائد الغروية (مخطوط)، تعرض في المقصد الثاني من الفائدة الثامنة في الإجماع.

([69]) الوافية: 153. وشرح الوافية للسيد صدر الدين محمد بن مير محمد باقر الرضوي الغروي وهو مخطوط، تعرض للبحث في بحث الإجماع.

([70]) الفوائد المدنية: 134.

([71]) في [ب‏]، [ه]: على، وفي[ج‏]، [ح]: عن.

([72]) انظر كشف القناع: 216.

([73]) عدة الأصول 1: 372-373.

([74]) الخلاف 1: 239 مسالة: 8.

([75]) ذكرى الشيعة: 4.

([76]) أي: لا إثبات للدليل بأقوال العلماء واتفاقهم.

([77]) أبو جعفر محمد بن علي بن النعمان بن أبي طريفة، مولى بجيلة، صيرفي كوفي، يلقب بمؤمن الطاق، وصاحب الطاق، كان متكلما كثير العلم وحسن الخاطر، وله مناظرات لطيفة مع أبي حنيفة. كان من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام، ويروي عنهما. رجال الكشي: 185، رجال الطوسي: 359، تاريخ بغداد 13: 436، تنقيح المقال 3: 162.

([78]) التوبة 9: 119.

([79]) البقرة 2: 177.

([80]) الاحتجاج 2: 147.

([81]) الفصول المختارة في العيون والمحاسن 1: 83 و86.

([82]) البقرة 2: 30.

([83]) البقرة 2: 31.

([84]) كمال الدين 1: 14.

([85]) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) خال عن مبحث الإمامة، ونقله عنه في كشف القناع: 222.

([86]) الفصول المختارة في العيون والمحاسن 1: 134-135.

([87]) المسائل المصرية (الرسائل التسع): 215.

([88]) الخلاف 3: 246 مسالة 36.

([89]) بدل ما بين القوسين في النسخ المعتمدة في التحقيق: قائلين به، والأنسب ما أثبتناه من المصدر.

([90]) المسائل العزية الأولى (ضمن الرسائل التسع) المسالة السابعة: 144.

([91]) ذكرى الشيعة: 4.

([92]) أنظر كشف القناع: 230.

([93]) فوائد الأصول: 82 فائدة 23.

([94]) كنز الفوائد 2: 217.

([95]) إشارة السبق (الجوامع الفقهية): 113.

([96]) قواعد المرام في علم الكلام: 177.

([97]) أعلام الورى: 439.

([98]) كشف الغمة 3: 329.

([99]) فوائد الأصول: 70 فائدة 23.

([100]) في [ب، ح، ه]: الجميعين.

([101]) في‏ [ب]: أو.

([102]) في [ب‏]: ولا تكليف هنا لنا يتعلق به.

([103]) كشف المراد: 285، المقصد الخامس في الإمامة.

([104]) راجع الذريعة 2: 604.

([105]) راجع عدة الأصول: 233.

([106]) في [ج‏] زيادة: إلى الإجماع.