موقع عقائد الشيعة الإمامية >> كتاب إجماعات فقهاء الإمامية >> المجلد السابع

 

 

 

إجماعات فقهاء الإمامية

 

 

 

المجلد السابع: بحوث فقهاء الإمامية في أصل الإجماع

 

 

السيد محمد سعيد الحكيم. المحكم في أصول الفقه

في حجية الإجماع المنقول

- المحكم في أصول الفقه - السيد محمد سعيد الحكيم ج 3  ص 191:([1])

        لا يخفى أن الكلام في هذه المسألة متفرع على القول بحجية خبر الواحد، حيث قد يدعى أن حجية خبر الواحد تستلزم حجية نقل الإجماع بخبر الواحد، لانه من أفراده، فكان المناسب التعرض لها بعد الكلام في ذلك، إلا أن شيخنا الأعظم قدس سره حيث حررها هنا وتبعه جماعة ممن تأخر عنه تابعناهم في ذلك. هذا، وينبغي تقديم أمور تنفع في تحرير الكلام:

        الأمر الأول: اشتهر ذكر الإجماع في أدلة الاحكام في كلمات أهل الاستدلال، وقد صرح أصحابنا بأن الإجماع ليس حجة بنفسه، بل الملاك في حجيته موافقة المجمعين للإمام عليه السلام فالحجة قوله، لا أقوالهم، إذ لا مرجع للأمة بعد النبي صلى الله عليه وآلهإلا الكتاب الكريم والعترة الطاهرة، ولا عبرة بأقوال الأمة إذا خالفتهما.

        نعم، قد يستكشف قوله عليه السلام من أقوالهم، فلا أثر لأقوالهم إلا من حيث الكشف عن الحجة.

        الأمر الثاني: بعد ما عرفت من أن حجية الإجماع منوطة باتفاق الإمام عليه السلام من المجمعين فإحراز رأيه عليه السلام يكون بأحد وجوه:

        الأول: العلم برأيه عليه السلام بطريق الحس أو بطريق ملحق بالحس، كالتواتر.

        الثاني: إحرازه حدسا بقاعدة اللطف، التي حكي عن الشيخ قدس سره البناء [الصفحة 192] عليها، بل امتناع الاستدلال بالإجماع لولاها وهي راجعة إلى امتناع اتفاق الأمة في عصر على خلاف رأي الإمام عليه السلام، بل يجب عليه عليه السلام إزاحة العلة بالظهور، أو إظهار من يبين الحق في المسألة، فمتى تم اتفاقهم كشف عن موافقتهم له عليه السلام وإن كان التحقيق عدم تمامية القاعدة.

        الثالث: إحرازه حدسا بمقدمات نظرية يختلف الناس فيها، كحسن الظن بالمجمعين، بنحو يمتنع عادة اتفاقهم على الخطأ مطلقا، أو في خصوص الواقعة، لكونها مورد الابتلاء، المانع من اختفاء حكمها عليهم، أو نحو ذلك.

        الأمر الثالث: لما كان ملاك حجية الإجماع موافقة الإمام عليه السلام للمجمعين فربما يظهر من كلام بعضهم أن الإجماع في الاصطلاح هو الاتفاق المشتمل على قول الإمام عليه السلام بحيث يكون ظاهر ناقل الإجماع مع عدم القرينة الصارفة هو نقل قول الإمام عليه السلام في ضمن أقوال المجمعين.

        لكنه خلاف الظاهر، بل ظاهرهم إرادة إجماع العلماء أنفسهم، فليس المنقول إلا قولهم، كما يشهد به مقابلة الإجماع في كثير من الموارد بالخلاف، واستثناء بعض الأشخاص من الإجماع وغير ذلك مما يظهر منه عدم إرادة المعنى المذكور. بل هو كالصريح في مثل قولهم: أجمع علماؤنا أو أصحابنا، أو فقهاؤنا، أو فقهاء أهل البيت عليهم السلام.

        نعم، قد يحتمل إرادة دخول الإمام عليه السلام في المجمعين من مثل قولهم: أجمعت الأمة، أو المسلمون، أو أهل الحق، أو الطائفة، أو نحو ذلك.

        وبالجملة: دعوى ظهور كلام ناقل الإجماع في نقل قول الإمام عليه السلام مع المجمعين في غير محلها، بل ظاهره غالبا إرادة نقل أقوال العلماء وحدهم، وإن كان مستلزما لقول الإمام عليه السلام بنظر الناقل. ولا سيما إذا نقل الإجماع في مقام الاحتجاج، لظهوره في خصوصية [الصفحة 193] اتفاق الجميع في الاحتجاج، وإن كان من حيث استلزامه للحجة، لا في كون الاحتجاج بقول البعض -وهو الإمام عليه السلام- ولا أثر للباقين.

        ثم إن شيخنا الأعظم قدس سره ذكر أن الإجماع اصطلاحا مختص باتفاق أهل العصر الواحد، واستشهد بكلمات بعضهم وهو وإن ناسب طريقة القائلين بقاعدة اللطف، إلا أنه لم يتضح بوجه معتد به بنحو يصلح لتحديد مصطلحهم بذلك لتحمل كلماتهم عليه عند الإطلاق ولا سيما مع ظهور كثير من كلماتهم في الفقه في إرادة إجماع جميع العلماء، كما يشهد به مقابلة الإجماع بالخلاف، بنحو يظهر منه إرادة الخلاف ولو بين أهل العصور المختلفة، فلا مخرج عن مقتضى الإطلاق الظاهر في إرادة علماء جميع العصور.

        نعم، الاطلاع بطريق حسي على فتاوى جميع علماء العصر الواحد فضلا عن فتاوى علماء جميع العصور لا يتسنى عادة لأحد، خصوصا المتأخرين، مع تباعد الأمكنة، وعدم ضبط فتاوى كثير من العلماء، إما لكونهم مغمورين لا ظهور لهم، أو لضياع فتاواهم، بل ربما لا يكون لبعضهم فتوى في المسألة، لعدم نظره في أدلتها. فلا بد من توجيه كلام مدعي الإجماع، إما بحمله على إرادة خصوص أهل الفتاوى الظاهرة أو أهل الكتب المشهورة أو نحو ذلك، وإما بحملة على إرادة الكل مع كون الاطلاع عليهم بطريق الحدس، لاستبعاد مخالفتهم للمشهورين، أو لابتناء الفتوى على أصل أو قاعدة إجماعية بنظر مدعي الإجماع، كما تعرض لذلك شيخنا الأعظم قدس سره وأطال الكلام فيه.

        إذا عرفت هذا، فاعلم أنه حكي عن جماعة أن ما دل على حجية خبر الواحد في الاحكام يقتضي حجية الإجماع المنقول لانه من أفراده، لرجوع [الصفحة 194] دعوى الإجماع إلى حكاية قول الإمام عليه السلام أو رأيه، بل ربما قيل: إنه من الخبر العالي السند، لان مدعى الإجماع يحكي عنه عليه السلام بلا واسطة.

        والذي ينبغي أن يقال: إن حجية نقل الإجماع بملاك حجية خبر الواحد مبني على أحد أمرين:

الأول: أن يكون مرجع كلام ناقل الإجماع إلى نقل قول الإمام عليه السلام في ضمن أقوال المجمعين.

        الثاني: أن يكون ما ينقله من الأقوال ملازما عقلا أو عادة لقول الإمام عليه السلام، فيكون خبره حجة فيه، بناء على ما هو الظاهر من حجية الخبر في لازم مؤداه وإن لم يقصد المخبر الإخبار عنه.

        أما الأول فهو بعيد عن ظاهر كلام أكثر نقلة الإجماع، كما سبق. مع أنه لا مجال لحجيته مع عدم كون ناقل الإجماع من أصحاب الأئمة عليهم السلام لعدم اطلاعه على آرائهم من السؤال ونحوه من الطرق الحسية. كما يبعد اطلاعهم عليها من طريق ملحق بالحس، كالتواتر الموجب للعلم لكل أحد، وإلا لكان ذكره في مقام الاستدلال أولى من ذكر الإجماع، لانه أصرح في بيان الحجة. مع أنه يكفي في عدم قبول نقل الإجماع الشك في ذلك بعد عدم ظهور كلام الناقل فيه، إذ لو سلم ظهوره في نقل قول الإمام عليه السلام فلا ظهور له في اعتماده على الحدس الملحق بالحس، لاحتمال اعتماده على خبر من لا يوجب خبره العلم لغيره، فيكون بمنزلة رواية مرسلة ليس بحجة.

        على أن الظاهر بل المقطوع به ابتناء النقل -لو تم ظهور كلام الناقل فيه- على الحدس، لقاعدة اللطف أو غيرها مما تقدم، ومثل ذلك خارج عن عموم أدلة حجية خبر الثقة في الاحكام، لاختصاصها بالاخبار عن حس أو حدس قريب منه، وقبول الخبر عن حدس إنما هو من باب الرجوع إلى أهل الخبرة، [الصفحة 195] الذي لا يصح من المجتهد، بل يجب عليه إعمال اجتهاده بنفسه. ومما ذكرنا يظهر حال ما عن بعض من حجية الإجماع المنقول من القدماء، بدعوى احتمال كون مستندهم في ذلك هو السماع من المعصوم ولو بالواسطة، لقرب عصرهم من عصر الحضور. إذ لو فرض حصول الاحتمال المذكور فلا مجال للتعويل عليه بعد ما عرفت.

        وأما الثاني فلا مجال لإحرازه بعد ما عرفت من أن كلام ناقل الإجماع وإن كان ظاهرا بدوا في إرادة النقل عن جميع العلماء في جميع الأعصار، وهو لو تم ملازم لقول الإمام عليه السلام عادة، إلا أنه بعد العلم بامتناع الاطلاع على أقوالهم بطرق حسية لا بد من حمله على إرادة النقل عن بعضهم أو عن جميعهم اعتمادا على الحدس، ومثل ذلك لا يستلزم عادة قول الإمام عليه السلام حتى ينفع في المقام.

        ثم إن بعض الأعاظم قدس سره ذكر أن إجماع الأصحاب يكشف عن دليل معتبر عندهم خفي علينا إذا لم يكن في مورد الإجماع أصل أو قاعدة أو دليل على وفق ما اتفقوا عليه، وإلا احتمل استنادهم إليها، لا إلى دليل آخر وراءها، وحينئذ فلو فرض كون ناقل الإجماع مثل الشهيد والمحقق والعلامة قدس سره تعين اعتبار حكايتهم، لأنهم يحكون نفس الفتاوى بلسان الإجماع الكاشفة عن الدليل المعتبر مع عدم وجود أصل أو قاعدة في البين، بخلاف ما لو كان الحاكي من المتقدمين عليهم، لان الغالب ابتناء حكايتهم الإجماع على الأصل أو القاعدة بنظرهم، لا على حكاية نفس الفتاوى.

        أقول: الاتفاق منهم على الفتوى لا يستلزم وجود دليل معتبر واقعا، إذ كما أمكن خطؤهم في الاستناد إلى الأصل أو القاعدة أو الدليل الموجود في المسألة، يمكن خطؤهم في الأدلة التي اعتمدوها وخفيت علينا.

[الصفحة 196]

        نعم، هو يكشف عن وجود دليل معتبر عندهم، كما تكشف فتوى العدل الواحد عن وجود دليل معتبر عنده، وذلك بنفسه لا يكفي في الحجية، كما لا يخفى. مع أن الفرق في الحاكي بين مثل المحقق ومن تقدمه -لو تم- لا ينفع بعد ما عرفت من امتناع اطلاع الحاكي على فتاوى الكل حسا، بل لا بد من توجيه حكايته بما تقدم المانع من الاعتماد عليه. فالإنصاف أنه لا مجال لحجية الإجماع المنقول بنفسه.

        نعم، قد تشهد القرائن في بعض المقامات بمطابقته للحكم الواقعي، أو للدليل المعتبر، وهو يختلف باختلاف ناقلي الإجماع، والمسائل المنقول فيها، والمجتهدين الذين يرجعون للنقل. كما قد يحصل العلم بالحكم من ذهاب المشهور، أو تسالم جماعة قليلة عليه أو غير ذلك مما لا ضابط له، ليرجع إليه.


 

([1]) النسخة المعتمدة:  نشر مؤسسة المنار- الطبعة الأولى 1414.