عقائد الشيعة الإمامية >> الشيخ المفيد

 

 

عقائد الشيخ المفيد قدس سره

التوحيد ونفي التشبيه وأسمائه تعالى وصفاته ومعرفته

 

 

- الله عز وجل واحد في الإلهية والأزلية لا يشبهه شيء ولا يجوز أن يماثله شيء وأنه فرد في المعبودية لا ثاني له فيها على الوجوه كلها والأسباب

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 51،52:

18- القول في التوحيد

أقول: إن الله عز وجل واحد في الإلهية والأزلية لا يشبهه شيء، ولا يجوز أن يماثله شيء، وأنه فرد في المعبودية لا ثاني له فيها على الوجوه كلها والأسباب، وعلى هذا إجماع أهل التوحيد إلا من شذ من أهل التشبيه فإنهم أطلقوا ألفاظه وخالفوا في معناه.

وأحدث رجل من أهل البصرة يعرف بالأشعري قولا خالف فيه ألفاظ جميع الموحدين ومعانيهم فيما وصفناه، وزعم أن لله عز وجل صفات قديمة وأنه لم يزل بمعان لا هي هو ولا غيره من أجلها كان مستحقا للوصف بأنه عالم حي قادر سميع بصير متكلم مريد، وزعم أن لله عز وجل وجها قديما وسمعا قديما وبصرا قديما ويدين قديمتين، وأن هذه كلها أزلية قدماء، وهذا قول لم يسبقه إليه أحد من منتحلي التوحيد فضلا عن أهل الإسلام.

 

- الله عز وجل حي لنفسه لا بحياة وأنه قادر لنفسه وعالم لنفسه لا بمعنى كما ذهب إليه المشبهة من أصحاب الصفات ولا الأحوال المختلفات كما أبدعه أبو هاشم الجبائي

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 52:

19- القول في الصفات

وأقول: إن الله عز وجل اسمه حي لنفسه لا بحياة، وأنه قادر لنفسه وعالم لنفسه لا بمعنى كما ذهب إليه المشبهة من أصحاب الصفات ولا الأحوال المختلفات كما أبدعه أبو هاشم الجبائي وفارق به سائر أهل التوحيد وارتكب أشنع من مقال أهل الصفات، وهذا مذهب الإمامية كافة.

والمعتزلة إلا من سميناه وأكثر المرجئة وجمهور الزيدية وجماعة من أصحاب الحديث والمحكمة.

-  لا يجوز تسمية الباري تعالى إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه أو سماه به حججه من خلفاء نبيه وكذلك في الصفات

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 53، 54:

وأقول: إنه لا يجوز تسمية الباري تعالى إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه’ أو سماه به حججه من خلفاء نبيه، وكذلك أقول في الصفات وبهذا تطابقت الأخبار عن آل محمد^ وهو مذهب جماعة الإمامية.

وكثير من الزيدية والبغداديين من المعتزلة كافة وجمهور المرجئة وأصحاب الحديث، إلا أن هؤلاء الفرق يجعلون بدل الإمام الحجة في ذلك الإجماع.

- استحقاق القديم سبحانه لصفة سميع وبصير وراء ومدرك من جهة السمع دون القياس ودلائل العقول  وإن المعنى في جميعها العلم خاصة دون ما زاد عليه في المعنى إذ ما زاد عليه في معقولنا ومعنى لغتنا هو الحس وذلك مما يستحيل على القديم

-  قد يقال في معنى مدرك أيضا إذا وصف به الله تعالى أنه لا يفوته شيء ولا يهرب منه شيء ولا يجوز أن يراد به معنى إدراك الأبصار وغيرها من حواسنا

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 54:

20- القول في وصف الباري تعالى بأنه سميع بصير وراء ومدرك

وأقول: إن استحقاق القديم سبحانه لهذه الصفات كلها من جهة السمع دون القياس ودلائل العقول، وإن المعنى في جميعها العلم خاصة دون ما زاد عليه في المعنى، إذ ما زاد عليه في معقولنا ومعنى لغتنا هو الحس وذلك مما يستحيل على القديم.

وقد يقال في معنى مدرك أيضا إذا وصف به الله تعالى أنه لا يفوته شيء ولا يهرب منه شيء ولا يجوز أن يراد به معنى إدراك الأبصار وغيرها من حواسنا لأنه الحس في الحقيقة على ما بيناه. ولست أعلم من متكلمي الإمامية في هذا الباب خلافا.

وهو مذهب البغداديين من المعتزلة وجماعة من المرجئة ونفر من الزيدية، ويخالف فيه المشبهة وإخوانهم من أصحاب الصفات والبصريون من أهل الاعتزال.

- الله تعالى عالم بكل ما يكون قبل كونه وإنه لا حادث إلا وقد علمه قبل حدوثه ولا معلوم وممكن أن يكون معلوما إلا وهو عالم بحقيقته وإنه سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 54،55:

21- القول في علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها

وأقول: إن الله تعالى عالم بكل ما يكون قبل كونه، وإنه لا حادث إلا وقد علمه قبل حدوثه، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوما إلا وهو عالم بحقيقته، وإنه سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وبهذا قضت دلائل العقول والكتاب المسطور والأخبار المتواترة عن آل الرسول’ وهو مذهب جميع الإمامية.

ولسنا نعرف ما حكاه المعتزلة عن هشام بن الحكم في خلافه. وعندنا أنه تخرص منهم عليه وغلط ممن قلدهم فيه فحكاه من الشيعة عنه، ولم نجد له كتابا مصنفا ولا مجلسا ثابتا وكلامه في أصول الإمامة ومسائل الامتحان يدل على ضد ما حكاه الخصوم عنه. ومعنا فيما ذهبنا إليه في هذا الباب جميع المنتسبين إلى التوحيد سوى الجهم بن صفوان من المجبرة وهشام بن عمرو الفوطي من المعتزلة فإنهما كانا يزعمان أن العلم لا يتعلق بالمعدوم ولا يقع إلا على موجود، وأن الله تعالى لو علم الأشياء قبل كونها لما حسن منه الامتحان.

- الصفة في الحقيقة ما أنبأت عن معنى مستفاد يخص الموصوف وما شاركه فيه ولا يكون ذلك كذلك حتى يكون قولا أو كتابة يدل على ما يدل النطق عليه وينوب منا به فيه

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 55، 56:

22- القول في الصفات

وأقول: إن الصفة في الحقيقة ما أنبأت عن معنى مستفاد يخص الموصوف وما شاركه فيه، ولا يكون ذلك كذلك حتى يكون قولا أو كتابة يدل على ما يدل النطق عليه وينوب منا به فيه، وهذا مذهب أهل التوحيد وقد خالف فيه جماعة من أهل التشبيه.

- وصف الباري تعالى بأنه حق قادر عالم يفيد معاني معقولات ليست الذات ولا أشياء تقوم بها ولا أحوال مختلفات على الذات

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 56:

23- القول فيما انفرد به أبو هاشم الجبائي من الأحوال

أقول: إن وصف الباري تعالى بأنه حق قادر عالم يفيد معاني معقولات ليست الذات ولا أشياء تقوم بها كما يذهب إليه جميع أصحاب الصفات ولا أحوال مختلفات على الذات كما ذهب إليه أبو هاشم الجبائي، وقد خالف فيه جميع الموحدين وقولي في المعنى المراد به المعقول في الخطاب دون الأعيان الموجودات، وهذا مذهب جميع الموحدين وخالف فيه المشبهة وأبو هاشم كما ذكرناه.

- الله جل جلاله قادر على خلاف العدل كما أنه قادر على العدل إلا أنه لا يفعل جورا ولا ظلما ولا قبيحا

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 56:

24- القول في وصف الباري تعالى بالقدرة على العدل وخلافه وما علم كونه وما علم أنه لا يكون

وأقول: إن الله جل جلاله قادر على خلاف العدل كما أنه قادر على العدل، إلا أنه لا يفعل جورا ولا ظلما ولا قبيحا، وعلى هذا جماعة الإمامية.

والمعتزلة كافة سوى النظام وجماعة من المرجئة والزيدية وأصحاب الحديث والمحكمة، ويخالفنا فيه المجبرة بأسرها والنظام ومن وافقهم في خلاف العدل والتوحيد.

- سبحانه وتعالى قادر على ما علم أنه لا يكون مما لا يستحيل كاجتماع الأضداد ونحو ذلك من المحال

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 57:

وأقول: إنه سبحانه قادر على ما علم أنه لا يكون، مما لا يستحيل كاجتماع الأضداد ونحو ذلك من المحال، وعلى هذا إجماع أهل التوحيد إلا النظام وشذاذ من أصحاب المخلوق.

- لا يصح رؤية الباري سبحانه بالأبصار

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 57:

25- القول في نفي الرؤية على الله تعالى بالأبصار

وأقول: إنه لا يصح رؤية الباري سبحانه بالأبصار، وبذلك شهد العقل ونطق القرآن وتواتر الخبر عن أئمة الهدى من آل محمد’، وعليه جمهور أهل الإمامة وعامة متكلميهم إلا من شذ منهم لشبهة عرضت له في تأويل الأخبار.

والمعتزلة بأسرها توافق أهل الإمامة في ذلك وجمهور المرجئة وكثير من الخوارج والزيدية وطوائف من أصحاب الحديث ويخالف فيه المشبهة وإخوانهم من أصحاب الصفات.

- المعرفة بالله تعالى اكتساب وكذا المعرفة بأنبيائه وكل غائب ولا يجوز الاضطرار إلى معرفة شيء مما ذكر

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 61:

30- القول في المعرفة

وأقول: إن المعرفة بالله تعالى اكتساب، وكذلك المعرفة بأنبيائه عليهم السلام وكل غائب، وإنه لا يجوز الاضطرار إلى معرفة شيء مما ذكرناه، وهو مذهب كثير من الإمامية.

والبغداديين من المعتزلة خاصة، ويخالف فيه البصريون من المعتزلة والمجبرة والحشوية من أصحاب الحديث.

- ليس يكفر بالله عز وجل من هو به عارف ولا يطيعه من هو لنعمته جاحد

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 83:

62 - القول في الكفار وهل فيهم من يعرف الله عز وجل وتقع منهم الطاعات؟

وأقول: إنه ليس يكفر بالله عز وجل من هو به عارف ولا يطيعه من هو لنعمته جاحد، وهذا مذهب جمهور الإمامية وأكثر المرجئة، وبنو نوبخت رحمهم الله يخالفون في هذا الباب، ويزعمون أن كثيرا من الكفار بالله تعالى عارفون، ولله تعالى في أفعال كثيرة مطيعون، وأنهم في الدنيا على ذلك يجازون ويثابون...

- من عرف الله تعالى وقتا من دهره وآمن به حالا من زمانه فإنه لا يموت إلا على الإيمان به ومن مات على الكفر بالله تعالى فإنه لم يؤمن به وقتا من الأوقات

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 83:

63 - القول في الموافاة

وأقول: إن من عرف الله تعالى وقتا من دهره وآمن به حالا من زمانه فإنه لا يموت إلا على الإيمان به، ومن مات على الكفر بالله تعالى فإنه لم يؤمن به وقتا من الأوقات، ومعي بهذا القول أحاديث عن الصادقين عليهم السلام وإليه ذهب كثير من فقهاء الإمامية ونقلة الأخبار، وهو مذهب كثير من المتكلمين في الارجاء، وبنو نوبخت رحمهم الله يخالفون فيه ويذهبون في خلافه مذاهب أهل الاعتزال.

- العلم بالله وأنبيائه بصحة دينه الذي ارتضاه وكل شيء لا يدرك حقيقته بالحواس ولا يكون المعرفة به قائمة في البداية وإنما يحصل بضرب من القياس لا يصح أن يكون من جهة الاضطرار ولا يحصل على الأحوال كلها إلا من جهة الاكتساب

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 88:

72 - باب القول في بيان العلم بالغائبات وما يجري مجراها من الأمور المستنبطات، وهل يصح أن يكون اضطرارا أم جميعه من جهة الاكتساب؟

وأقول: إن العلم بالله عز وجل وأنبيائه عليهم السلام بصحة دينه الذي ارتضاه وكل شيء لا يدرك حقيقته بالحواس ولا يكون المعرفة به قائمة في البداية وإنما يحصل بضرب من القياس لا يصح أن يكون من جهة الاضطرار، ولا يحصل على الأحوال كلها إلا من جهة الاكتساب كما لا يصح وقوع العلم بما طريقه الحواس من جهة القياس ولا يحصل العلم في حال من الأحوال بما في البداية من جهة القياس. وهذا قد تقدم زدنا فيه شرحا هيهنا للبيان. وإليه يذهب جماعة البغداديين ويخالف فيه البصريون من المعتزلة والمشبهة وأهل القدر والإرجاء.

- الاسم غير المسمى

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 119:

125 - القول في الاسم والمسمى

وأقول: إن الاسم غير المسمى كما تقدم من القول في الصفة وأنها في الحقيقة غير الموصوف وهذا مذهب يشترك فيه الشيعة والمعتزلة جميعا ويخالفهم في معناه العامة والمجبرة من أهل التشبيه.

- في قوله تعالى مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وجه وهو أنه أراد بِيَدَيَّ نعمتي اللتين هما في الدنيا والآخرة والباء فيه تقوم مقام اللام فكأنه قال خلقت ليدي يريد به لنعمتي

- في قوله تعالى مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وجه وهو أن المراد باليدين فيها هما القوة والنعمة فكأنه قال خلقت بقوتي ونعمتي

- في قوله تعالى مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وجه وهو أن إضافة اليدين إليه إنما أريد به تحقق الفعل له وتأكيد إضافته إليه وتخصيصه به دون ما سوى ذلك من قدرة أو نعمة أو غيرهما

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 33، 34:

[حكمة الكناية والاستعارة]

فصل: والذي قاله أبو جعفر رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} أن المراد: بقدرتي وقوتي.

قال أبو عبد الله: ليس هذا هو الوجه في التفسير، لأنه يفيد تكرار المعنى، فكأنه قال: بقدرتي وقدرتي أو بقوتي وقوتي، إذ القدرة هي القوة والقوة هي القدرة، وليس لذلك معنى في وجه الكلام، والوجه ما قدمناه من ذكر النعمة، وأن المراد بقوله: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} إنما أراد به نعمتي اللتين هما في الدنيا والآخرة. والباء في قوله تعالى: {بِيَدَيَّ} تقوم مقام اللام، فكأنه قال: خلقت ليدي، يريد به لنعمتي، كما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} والعبادة من الله تعالى نعمته عليهم، لأنها تعقبهم ثوابه تعالى في النعيم الذي لا يزول.

وفي تأويل الآية وجه آخر، وهو: أن المراد باليدين فيها هما القوة والنعمة، فكأنه قال خلقت بقوتي ونعمتي.

وفيه وجه آخر وهو، أن إضافة اليدين إليه إنما أريد به تحقق الفعل له وتأكيد إضافته إليه وتخصيصه به دون ما سوى ذلك من قدرة أو نعمة أو غيرهما، وشاهد ذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} وإنما أراد: ذلك بما قدمت من فعلك، وقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} والمراد به: فبما كسبتم. والعرب تقول في أمثالها: (يداك أوكتا وفوك نفخ) يريدون به أنك فعلت ذلك وتوليته وصنعته واخترعته وإن لم يكن الإنسان استعمل به جارحتيه اللتين هما يداه في ذلك الفعل.

- الوجه في الجزاء في قوله تعالى يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ و قوله نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ  وقوله  وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وقوله اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِم أنه لما كانت الأفعال المجازى عليها مستحقة لهذه الأسماء كان الجزاء مسمى بأسمائها

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 35، 37:

[المكر والخدعة من الله، معنى الله يستهزئ بهم]

فصل: وذكر أبو جعفر رحمه الله في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} و {نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} و {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ} و {اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ} أن العبارة بذلك كله [عن جزاء الأفعال].

[قال أبو عبد الله]: وهو كما قال إلا أنه لم يذكر الوجه في ذلك، والوجه: أن العرب تسمي الشيء باسم المجازى عليه للتعلق فيما بينهما والمقارنة، فلما كانت الأفعال المجازى عليها مستحقة لهذه الأسماء كان الجزاء، مسمى بأسمائها، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} فسمى ما يأكلونه من الطيبات تسمية النار وجعله نارا، لأن الجزاء عليه النار.

- في نسبة النسيان إلى الله

- قوله تعالى مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا يريد ما ننسخ من آية نتركها على حالها أو نؤخرها

- قوله تعالى نَسُوا اللَّهَ أي تركوا إطاعة الله تعالى

- قوله تعالى فَنَسِيَهُمْ يريد به تركهم من ثوابه

- قوله تعالى أَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أي ألجأهم إلى ترك تعاهدها ومراعاتها بالمصالح بما شغلهم به من العقاب

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 38، 39:

[نسبة النسيان إلى الله]

فصل: ذكر أبو جعفر رحمه الله: أن النسيان من الله تعالى يجري مجرى المخادعة منه للعصاة، وأنه سمي بذلك باسم المجازى عليه.

[قال أبو عبد الله]: والوجه فيه غير ذلك: وهو أن النسيان في اللغة هو الترك والتأخير، قال الله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} يريد ما ننسخ من آية نتركها على حالها أو نؤخرها، فالمراد بقوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ} تركوا [إطاعة الله تعالى]، وقوله: {فَنَسِيَهُمْ} يريد به تركهم من ثوابه، وقوله تعالى: {أَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} أي: ألجأهم إلى ترك تعاهدها ومراعاتها بالمصالح بما شغلهم به من العقاب. فهذا وجهه وإن كان ذلك أيضا وجها غير منكر، والله ولي التوفيق.

- صفات الله تعالى على ضربين صفات الذات وصفات الأفعال

- معنى صفات الذات هو أن الذات مستحقة لمعناها استحقاقا لازما لا لمعنى سواها

- معنى صفات الأفعال هو أنها تجب بوجود الفعل ولا تجب قبل وجوده

- صفات الذات لا يصح لصاحبها الوصف بأضدادها ولا خلوه منها وأوصاف الأفعال يصح الوصف لمستحقها بأضدادها وخروجه عنها

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 40، 41:

[صفات الله]

فصل: في صفات الذات وصفات الأفعال قال الشيخ أبو جعفر: كل ما وصفنا الله تبارك وتعالى به من صفات ذاته.

قال الشيخ المفيد رحمه الله: صفات الله تعالى على ضربين: أحدهما: منسوب إلى الذات، فيقال: صفات الذات. وثانيهما: منسوب إلى الأفعال، فيقال: صفات الأفعال، والمعنى في قولنا صفات الذات: أن الذات مستحقة لمعناها استحقاقا لازما لا لمعنى سواها، ومعنى صفات الأفعال: هو أنها تجب بوجود الفعل ولا تجب قبل وجوده، فصفات الذات لله تعالى هي الوصف له بأنه حي، قادر، عالم ألا ترى أنه لم يزل مستحقا لهذه الصفات ولا يزال. ووصفنا له تعالى بصفات الأفعال كقولنا خالق، رازق، محيي، مميت، مبدئ، معيد، ألا ترى أنه قبل خلقه الخلق لا يصح وصفه بأنه خالق وقبل إحيائه الأموات لا يقال إنه محيي.

وكذلك القول فيما عددناه، والفرق بين صفات الأفعال وصفات الذات: أن صفات الذات لا يصح لصاحبها الوصف بأضدادها ولا خلوه منها، وأوصاف الأفعال يصح الوصف لمستحقها بأضدادها وخروجه عنها، ألا ترى أنه لا يصح [وصف الله] تعالى بأنه يموت، ولا [بأنه يعجز، ولا بأنه يجهل] ولا يصح الوصف له بالخروج عن كونه حيا عالما قادرا، ويصح الوصف بأنه غير خالق اليوم، ولا رازق لزيد، ولا محيي لميت بعينه، ولا مبدئ لشيء في هذه الحال، ولا معيد له.

ويصح الوصف له جل وعز بأنه يرزق ويمنع ويحيي ويميت ويبدئ ويعيد ويوجد ويعدم، فثبتت العبرة في أوصاف الذات وأوصاف الأفعال، والفرق بينهما ما ذكرناه.

- في الجدال في الله

- الجدال بالحق مأمور به ومرغب فيه وبالباطل منهي عنه ومزجور عن استعماله

- النهي عن الكلام في الله عز وجل يختص بالنهي عن الكلام في تشبيهه بخلقه وتجويره في حكمه

- الكلام في توحيد الله عز وجل ونفي التشبيه عنه والتنزيه له والتقديس مأمور به ومرغب فيه

- قد يصح النهي عن المناظرة للتقية وغير ذلك ولا يصح النهي عن النظر لأن في العدول عنه المصير إلى التقليد والتقليد مذموم باتفاق العلماء ونص القرآن والسنة

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 68، 73:

فصل: في النهي عن الجدال قال أبو جعفر [في الجدال]: الجدال في الله منهي عنه، لأنه يؤدي إلى ما لا يليق به. وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: يهلك أهل الكلام وينجو المسلمون.

قال أبو عبد الله الشيخ المفيد رحمه الله: الجدال على ضربين: أحدهما بالحق، والآخر بالباطل، فالحق منه مأمور به ومرغب فيه، والباطل منه منهي عنه ومزجور عن استعماله.

قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فأمر بجدال المخالفين وهو الحجاج لهم، إذ كان جدال النبي صلى الله عليه وآله حقا، وقال تعالى لكافة المسلمين: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} فأطلق لهم جدال أهل الكتاب بالحسن، ونهاهم عن جدالهم بالقبيح.

وحكى سبحانه عن قوم نوح عليه السلام ما قالوه في جدالهم فقال سبحانه: {قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} فلو كان الجدال كله باطلا لما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله به، ولا استعمله الأنبياء عليهم السلام من قبله، ولا أذن للمسلمين فيه.

فأما الجدال بالباطل فقد بين الله تبارك وتعالى عنه في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ} فذم المجادلين في [آيات الله] لدفعها أو قدحها وإيقاع الشبهة في حقها.

وقد ذكر الله تعالى عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه حاج كافرا في الله تعالى فقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ}. وقال مخبرا عن حجاجه قومه: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء}.

وقال سبحانه آمرا لنبيه صلى الله عليه وآله بمحاجة مخالفيه: {قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا}.

وقال عز اسمه: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} الآية. وقال لنبيه صلى الله عليه وآله: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ} الآية.

وما زالت الأئمة عليهم السلام يناظرون في دين الله سبحانه ويحتجون على أعداء الله تعالى. وكان شيوخ أصحابهم في كل عصر يستعملون النظر، ويعتمدون الحجاج ويجادلون بالحق، ويدمغون الباطل بالحجج والبراهين، وكان الأئمة عليهم السلام يحمدونهم على ذلك ويمدحونهم ويثنون عليهم بفضل.

وقد ذكر الكليني رحمه الله في كتاب الكافي وهو من أجل كتب الشيعة وأكثرها فائدة حديث يونس بن يعقوب مع أبي عبد الله عليه السلام حين ورد عليه الشامي لمناظرته، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: "وددت أنك يا يونس كنت تحسن الكلام".

فقال له يونس: جعلت فداك، سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لأهل الكلام، يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد، وهذا ينساق وهذا لا ينساق، وهذا نعقله وهذا لا نعقله.

فقال له أبو عبد الله عليه السلام: "إنما قلت ويل لهم إذا تركوا قولي وصاروا إلى خلافه" ثم دعا حمران بن أعين ومحمد بن الطيار، وهشام بن سالم وقيس الماصر فتكلموا بحضرته، وتكلم هشام بعدهم فأثنى عليه ومدحه وقال له: "مثلك من يكلم الناس"، وقال عليه السلام وقد بلغه موت الطيار: "رحم الله الطيار ولقاه نضرة وسرورا، فلقد كان شديد الخصومة عنا أهل البيت".

وقال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام لمحمد بن حكيم: "كلم الناس وبين لهم الحق الذي أنت عليه، وبين لهم الضلالة التي هم عليها".

وقال أبو عبد الله عليه السلام لبعض أصحابنا: "حاجوا الناس بكلامي، فإن حجوكم فأنا المحجوج" وقال لهشام بن الحكم وقد سأله عن أسماء الله تعالى واشتقاقها فأجابه عن ذلك، ثم قال له بعد الجواب: "أفهمت يا هشام فهما تدفع به أعداءنا الملحدين في دين الله وتبطل شبهاتهم"؟ فقال هشام: نعم، فقال له: "وفقك الله".

وقال عليه السلام لطائفة من أصحابه: "بينوا للناس الهدى الذي أنتم عليه، وبينوا لهم [ضلالهم الذي هم عليه] وباهلوهم في علي بن أبي طالب عليه السلام" فأمر بالكلام ودعا إليه وحث عليه.

وروي عنه عليه السلام أنه نهى رجلا عن الكلام وأمر آخر به، فقال له بعض أصحابه: جعلت فداك، نهيت فلانا عن الكلام وأمرت هذا به؟ فقال: "هذا أبصر بالحجج، وأرفق منه" فثبت أن نهي الصادقين عليهم السلام عن الكلام إنما كان لطائفة بعينها لا تحسنه ولا تهتدي إلى طرقه وكان الكلام يفسدها، والأمر لطائفة أخرى به، لأنها تحسنه وتعرف طرقه وسبله.

فأما النهي عن الكلام في الله عز وجل فإنما يختص بالنهي عن الكلام في تشبيهه بخلقه وتجويره في حكمه.

وأما الكلام في توحيده ونفي التشبيه عنه والتنزيه له والتقديس، فمأمور به ومرغب فيه، وقد جاءت بذلك آثار كثيرة وأخبار متظافرة، وأثبت في كتابي (الأركان في دعائم الدين) منها جملة كافية، وفي كتابي (الكامل في علوم الدين) منها بابا استوفيت القول في معانيه وفي (عقود الدين) جملة منها، من اعتمدها أغنت عما سواها، والمتعاطي لإبطال النظر شاهد على نفسه بضعف الرأي، وموضح عن قصوره عن المعرفة ونزوله عن مراتب المستبصرين، والنظر غير المناظرة، وقد يصح النهي عن المناظرة للتقية وغير ذلك، ولا يصح النهي عن النظر لأن في العدول عنه المصير إلى التقليد والتقليد مذموم باتفاق العلماء ونص القرآن والسنة.

قال الله تعالى ذاكرا لمقلدة من الكفار وذاما لهم على تقليدهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ}.

وقال الصادق عليه السلام: "من أخذ دينه من أفواه الرجال أزالته الرجال، ومن أخذ دينه من الكتاب والسنة زالت الجبال ولم يزل".

وقال عليه السلام: "إياكم والتقليد، فإنه من قلد في دينه هلك" إن الله تعالى يقول: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا، ولكنهم أحلوا لهم حراما، وحرموا عليهم حلالا، فقلدوهم في ذلك، فعبدوهم وهم لا يشعرون".

وقال عليه السلام: "من أجاب ناطقا فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان".

فصل:

ولو كان التقليد صحيحا والنظر باطلا لم يكن التقليد لطائفه أولى من التقليد لأخرى، وكان كل ضال بالتقليد معذورا، وكل مقلد لمبدع غير موزور، وهذا ما لا يقوله أحد، فعلم بما ذكرناه أن النظر هو الحق والمناظرة بالحق صحيحة، وأن الأخبار التي رواها أبو جعفر عليهم السلام وجوهها ما ذكرناه، وليس الأمر في معانيها على ما تخيله فيها، والله ولي التوفيق.

- في حد معرفة الله وحد الكفر

- ليس يجوز أن يعرف الله تعالى من هو كافر به ولا يجهله من هو به مؤمن

- كل كافر على أصولنا فهو جاهل بالله ومن خالف أصول الإيمان من المصلين إلى قبلة الإسلام فهو عندنا جاهل بالله سبحانه وإن أظهر القول بتوحيده تعالى

- الكافر برسول الله جاهل بالله وإن كان فيهم من يعترف بتوحيد الله تعالى ويتظاهر بما يوهم المستضعفين أنه معرفة بالله تعالى

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 119:

[حد التكفير]

فصل: وليس يجوز أن يعرف الله تعالى من هو كافر به، ولا يجهله من هو به مؤمن، وكل كافر على أصولنا فهو جاهل بالله، ومن خالف أصول الإيمان من المصلين إلى قبلة الإسلام فهو عندنا جاهل بالله سبحانه وإن أظهر القول بتوحيده تعالى، كما أن الكافر برسول الله صلى الله عليه وآلهجاهل بالله وإن كان فيهم من يعترف بتوحيد الله تعالى ويتظاهر بما يوهم المستضعفين أنه معرفة بالله تعالى.

وقد قال الله تعالى: {فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا} فأخرج بذلك المؤمن عن أحكام الكافرين، وقال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية، فنفى عمن كفر بنبي الله صلى الله عليه وآله الإيمان، ولم يثبت له مع الشك فيه المعرفة بالله على حال.

وقال سبحانه وتعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ -إلى قوله- وَهُمْ صَاغِرُونَ} فنفى الإيمان عن اليهود والنصارى، وحكم عليهم بالكفر والضلال.

- رد الشيخ المفيد على المشبهة

- القول في المعرفة: ليس يصح أن يعرف الله تعالى من وجه ويجهل من وجه وإنما يصح ذلك في المحسوسات فتعرف بالحس وتجهل حقائقها لتعلق العلم بها بالاستنباط

- القول في الإرجاء: لا طاعة مع كافر لأنه لا يعرف ربه وإذا لم يعرفه لم تصح منه طاعة إذ الفعل إنما يكون طاعة بقصد الفاعل به إلى المطاع وإذا كان جاهلا بالمطاع لم يصح منه توجيه الفعل إليه

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 65، 67:

فصل: وأخبرني الشيخ أدام الله عزه مرسلا عن علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن ميسرة أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مر برحبة القصارين بالكوفة فسمع رجلا يقول: لا والذي احتجب بسبع طباق، قال: فعلاه بالدرة وقال له: ويلك إن الله لا يحجبه شيء عن شيء، فقال الرجل. فأكفر عن يميني يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا، إنك حلفت بغير الله تعالى.

قال الشيخ أدام الله عزه: وفي هذا الحديث حجة على المشبهة، وحجة على مذهبي في المعرفة والإرجاء وقولي في ذبائح أهل الكتاب، فأما المشبهة فإنها زعمت أن الله تعالى في السماء دون الأرض وأنه محتجب عن خلقه بالسماوات السبع، وفي دليل العقل على أن الذي يحويه مكان ويستره حجاب لا يكون إلا جسما أو جوهرا والجسم محدث والبرهان قائم على قدم الله سبحانه، ما يمنع من التشبيه ويفسده. وقول الله سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} وقول أمير المؤمنين عليه السلام بصريحه يفسد ذلك أيضا على ما تقدم به الشرح.

وأما قولي في المعرفة فإنني أقول: إنه ليس يصح أن يعرف الله تعالى من وجه ويجهل من وجه وإنما يصح ذلك في المحسوسات فتعرف بالحس وتجهل حقائقها لتعلق العلم بها بالاستنباط.

وأما مذهبي في الإرجاء فإنني أقول: لا طاعة مع كافر لأنه لا يعرف ربه وإذا لم يعرفه لم تصح منه طاعة إذ الفعل إنما يكون طاعة بقصد الفاعل به إلى المطاع، وإذا كان جاهلا بالمطاع لم يصح منه توجيه الفعل إليه، وفي قول أمير المؤمنين عليه السلام للحالف لا كفارة عليك لأنك لم تحلف بالله دليل على صحة ما ذهبت إليه وبطلان قول من خالفني في هذا الباب من الفرق كلما.

وأصحابي خاصة الذين يثبتون للكافر طاعات يزعمون أن الله يثيبه عليها في الدنيا.

وأما قولي في ذبائح أهل الكتاب فإنني احرمها لقول الله تعالى ذكره: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} وإذا ثبت أن اليهودي لا يعرف الله سبحانه لاعتقاده أن الله عز وجل أبد شرع موسى عليه السلام وأكذب محمدا صلى الله عليه وآله وكفره بمرسل محمد صلى الله عليه وآله واعتقاده أن الذي أرسله الشيطان دون الرحمن، وكذلك النصراني لا يعرف الله لأنه يعتقد أن الله جل اسمه ثالث ثلاثة وأنه ثلاثة أقانيم جوهر واحد وأن المسيح ابنه اتحد به، وكفرهم بمن أرسل محمدا صلى الله عليه وآله واعتقادهم أنه جاء من قبل الشيطان مع أن أكثر اليهود مشبهة مجبرة يزعمون أن إلههم شيخ كبير أبيض الرأس واللحية ويعتمدون في ذلك على ما زعموا أنهم وجدوه في بعض كتب الأنبياء أنه قال: صعدت إلى عتيق الايام [الانام ن خ] فوجدته جالسا على كرسي وحوله الملائكة فرأيته أبيض الرأس واللحية، وإذا ثبت أن القوم لا يعرفون الله تعالى، ثبت أن الذي يظهر منهم من التسمية ليس يتوجه إلى الله تعالى وأن جهلهم بالله تعالى يوجه الاسم إلى ما يعتقدونه إلها وذلك غير الله في الحقيقة، وإذا لم يقع منهم التسمية لله في الحقيقة لم تحل ذبائحهم.

والذي يخالفنا في هذا الباب من أصحابنا لا يعرف معاني هذا الكلام ولا يعمل فيما يذهب إليه على الواضح من الأخبار وإنما يعتمد في ذلك على أحاديث شواذ وأخر لها معاني وتأويلات، ولم أقصد للنقض عليهم فاستقصي الكلام وإنما ذكرت هذه النكتة لما اقتضاه شرح الحديث الذي قدمناه .

- في الفرق بين المكلم والمتكلم

 - الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 75، 76:

فصل: ومن كلام الشيخ أدام الله عزه على عبد الله بن كلاب، قال الشيخ أيده الله: استدل ابن كلاب على أن معنى المكلم غير معنى المتكلم بان قال: قد يقول القائل فلان مكلم لفلان ولا يصح أن يقول هو متكلم لفلان قال: فتعلم أن لفظة متكلم لا تدل على أكثر من موصوف بالكلام وهر يجري مجرى العالم والمعلم في أنه ليس معنى أحدهما معنى الآخر.

فيقال له ليس بيننا وبينك خلاف في اختلاف المعنيين وأن أحد الوصفين يتعدى والآخر لا يتعدى وإنما الخلاف بيننا وبينك في وجه آخر وهو أن هذا الوصف لابد من أن يتعدى إذا كان الموصوف به حكيما ولم يك محتاجا وإلا بطل المعقول. ألا ترى أنه متى تعرى المتكلم من الآفة والحاجة لم يعقل في الشاهد إلا وهو مكلم وإنما يخرج عن هذا الوصف المتعدي إلى ما يختص به من لفظ متكلم بآفة تعرض له أو لحاجة به إلى فعل الكلام، ولا متكلم غيره كالمغني ليطرب والمحدث نفسه للضجر والمتحفظ لكلامه قد سمعه أو يريد تأليفه أو يكون مألوفا بالنوم الذي يغمر عقله أو الجنة أو ضرب من السوداء وما جانسها مما يغمر العقل فيقع الكلام منه مع عدم القصد، وإذا ثبت أن القديم تعالى ليس بمحتاج ولا يصح عليه تعلق الآفات به فقد ثبت أنه لا يكون متكلما إلا وهو مكلم فلو جاز خلاف ذلك مع كون الحقيقة في الشاهد على ما بيناه لجاز قلب الحقائق كلها وهو محال فاسد.

على أنه يقال له: أليس قد ثبت أن المكلم لا يكون مكلما إلا بكلام كما أن المحرك لا يكون محركا إلا بحركة ولا مسكنا إلا بسكون، فلا يخلو أن القديم تعالى في كلامه لموسى بن عمران عليه السلام من إحدى منزلتين إما أن يكون مكلما له بكلامه الذي هو عنده قديم فيلزم أن يكون فيما لم يزل مكلما له كما أنه لو حركه بحركة لم تزل لوجب أن يكون فيما لم يزل له محركا، وفي هذا نقض مذهبه الذي اجتباه لنفسه في الفرق بين المكلم والمتكلم وإثبات القديم متكلما دون أن يكون مكلما، أو يكون مكلما له بكلام غير كلامه القديم فيكون مكلما بالكلام المحدث وذلك أيضا نقض مذهبه لقوله إنه لا يكون مكلما إلا بكلامه ومحال أن يكون كلامه محدثا.

- مكالمة بين علي بن ميثم وملحد في وجود الصانع

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 76 :

فصل: وأخبرني الشيخ أدام الله حراسته أيضا قال: دخل أبو الحسن علي بن ميثم رحمه الله على الحسن بن سهل وإلى جانبه ملحد قد عظمه والناس حوله، فقال: لقد رأيت ببابك عجبا، قال: وما هو؟ قال: رأيت سفينة تعبر بالناس من جانب إلى جانب بلا ملاح ولا ماصر قال: فقال له صاحبه الملحد وكان بحضرته: إن هذا أصلحك الله لمجنون، قال: فقلت: وكيف ذاك؟ قال: خشب جماد لا حيلة له ولا قوة ولا حياة فيه ولا عمل كيف يعبر بالناس؟ قال: فقال أبو الحسن: فأيهما أعجب هذا أو هذا الماء الذي يجري على وجه الأرض يمنة ويسرة بلا روح ولا حيلة ولا قوى، وهذا النبات الذي يخرج من الأرض والمطر الذي ينزل من السماء تزعم أنت أنه لا مدبر لهذا كله وتنكر أن تكون سفينة تحرك بلا مدبر وتعبر بالناس، قال: فبهت الملحد.

- قوله عز وجل يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ المعنى فيه على ما ذكر أنه يعرج في يوم مقداره لو رام بشر قطعه لما قطعه إلا في ألف سنة

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 108، 109:

فصل: ومن كلام الشيخ أدام الله عزه: سئل عن قول الله عز وجل: {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} وقوله في موضع آخر: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً} وقوله تعالى في موضع آخر {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} وما الوجه في هذه الآيات مع اختلاف ظواهرها؟.

فقال الشيخ أدام الله عزه: أما معنى الأولة والثانية فإنه تحمل على التعظيم لأمر الآخرة والإخبار عن شدته وأهواله، فاليوم الواحد من أيامها على أهل العذاب كألف سنة من سني الدنيا لشدته وعظم بلائه وما يحل بالكافرين فيه من أنواع العذاب.

واليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة فهو يوم المحشر وإنما طال على الكافرين حتى صار قدره عندهم ذلك لما يشاهدون فيه من شدة الحساب وعذاب جهنم وصعوبته، والممر على الصراط، والمعاينة للسعير وإسماعهم زفرات النار وصوت سلاسلها وأغلالها، وصياح خزنتها، ورؤيتهم لاستطارة شررها.

ألا ترى إلى قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} وقد وصف الله عز وجل ذلك اليوم وقال: {إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلاً} وقال تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} وقال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} وهذا الذي ذكرناه معروف في اللسان يقول القائل (كانت ليلتي البارحة شهرا) وقال امرؤ القيس:

ألا أيها الليل الطويل ألا انجل * بصبح وما الإصباح منك بأمثل

فيا لك من ليل كأن نجومه * بكل مغار الفتل شدت بيذبل

والليل لم يطل في نفسه ولكن طال عليه لما قاسى فيه من الهم والسهر، والعرب تقول ليوم الشر (هذا يوم أطول من عمر النسر).

وأما قوله عز وجل: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} فالمعنى فيه على ما ذكر أنه يعرج في يوم مقداره لو رام بشر قطعه، لما قطعه إلا في ألف سنة، وإذا كان الأمر على ما بيناه لم يكن بين المعاني تفاوت على ما وصفناه.