عقائد الشيعة الإمامية >> الشيخ المفيد

 

 

عقائد الشيخ المفيد قدس سره

القضاء والقدر

 

 -  في تفسير آيات القضاء والقدر

-  في الرد على من زعم أن الله تعالى يقضي بالمعاصي والقبائح

-  القضاء على أربعة أضرب أحدها الخلق والثاني الأمر والثالث الإعلام والرابع القضاء في الفصل بالحكم

-  القضاء والقدر  هو أن لله تعالى في خلقه قضاء وقدرا وفي أفعالهم أيضا قضاء وقدرا معلوما

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 54، 56:

[تفسير آيات القضاء والقدر]

فصل: فيما ذكر الشيخ أبو جعفر في القضاء والقدر قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله في القضاء والقدر: الكلام في القدر منهي عنه، وروى حديثا لم يذكر له إسنادا.

قال الشيخ أبو عبد الله المفيد عليه الرحمة: عول أبو جعفر رحمه الله في هذا الباب على أحاديث شواذ لها وجوه يعرفها العلماء متى صحت وثبت إسنادها ولم يقل فيه قولا محصلا، وقد كان ينبغي له لما لم يكن يعرف للقضاء معنى أن يهمل الكلام فيه، والقضاء معروف في اللغة وعليه شواهد من القرآن، فالقضاء على أربعة أضرب: أحدها: الخلق، والثاني: الأمر، والثالث: الإعلام، والرابع: القضاء [في الفصل بالحكم].

فأما شاهد القضاء في معنى الخلق فقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ -إلى قوله- فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} يعني خلقهن سبع سموات في يومين.

وأما شاهد القضاء في معنى الأمر فقوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} يريد أمر ربك.

وأما شاهد القضاء في الإعلام فقوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} يعني أعلمناهم ذلك وأخبرناهم به قبل كونه.

وأما شاهد القضاء بالفصل بالحكم بين الخلق فقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} [يعني يفصل بالحكم] بالحق بين الخلق وقوله: {وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ} يريد وحكم بينهم بالحق، وفصل بينهم بالحق.

وقد قيل إن للقضاء وجها خامسا وهو الفراغ من الأمر، واستشهد على ذلك بقول يوسف عليه السلام: {قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} يعني فرغ منه، وهذا يرجع إلى معنى الخلق.

وإذا ثبت ما ذكرناه في أوجه القضاء بطل قول المجبرة أن الله تعالى قضى بالمعصية على خلقه، لأنه لا يخلو إما أن يكونوا يريدون به أن الله خلق العصيان في خلقه، فكان يجب أن يقولوا قضى في خلقه بالعصيان ولا يقولوا قضى عليهم، لأن الخلق فيهم لا عليهم، مع أن الله تعالى قد أكذب من زعم أنه خلق المعاصي لقوله سبحانه: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} فنفى عن خلقه القبح وأوجب له الحسن، والمعاصي قبائح بالاتفاق، ولا وجه لقولهم قضى بالمعاصي على معنى أنه أمر بها، لأنه تعالى أكذب مدعي ذلك بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.

ولا معنى لقول من زعم أنه قضى بالمعاصي على معنى أنه أعلم الخلق بها إذا كان الخلق لا يعلمون أنهم في المستقبل يطيعون أو يعصون ولا يحيطون علما بما يكون منهم في المستقبل على التفصيل، ولا وجه لقولهم إنه قضى بالذنوب على معنى أنه حكم بها بين العباد، لأن أحكامه تعالى حق والمعاصي منهم ولا لذلك فائدة وهو لغو بالاتفاق، فبطل قول من زعم أن الله تعالى يقضي بالمعاصي والقبائح.

والوجه عندنا في القضاء والقدر بعد الذي بيناه في معناه أن لله تعالى في خلقه قضاء وقدرا وفي أفعالهم أيضا قضاء وقدرا معلوما ويكون المراد بذلك أنه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها وفي أفعالهم القبيحة بالنهي عنها، وفي أنفسهم بالخلق لها، وفيما فعله فيهم بالإيجاد له، والقدر منه سبحانه فيما فعله إيقاعه في حقه وموضعه، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الأمر والنهي والثواب والعقاب، لأن ذلك كله واقع موقعه، موضوع في مكانه لم يقع عبثا ولم يصنع باطلا، فإذا فسر القضاء في أفعال الله تعالى والقدر بما شرحناه زالت الشنعة منه، وثبتت الحجة به، ووضح الحق فيه لذوي العقول، ولم يلحقه فساد ولا إخلال.

- في تفسير الأخبار التي رويت في النهي عن الكلام في القضاء والقدر

- قوله تعالى إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ يعني بحق ووضعناه في موضعه

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 57، 59:

[تفسير أخبار القضاء والقدر]

فأما الأخبار التي رواها أبو جعفر رحمه الله في النهي عن الكلام في القضاء والقدر فهي تحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون النهي خاصا بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم ويضلهم عن الدين ولا يصلحهم في عبادتهم إلا الإمساك عنه وترك الخوض فيه، ولم يكن النهي عنه عاما لكافة المكلفين، وقد يصلح بعض الناس بشيء يفسد به آخرون، ويفسد بعضهم بشيء يصلح به آخرون، فدبر الأئمة عليهم السلام أشياعهم في الدين بحسب ما علموه من مصالحهم فيه.

وثانيا: أن يكون النهي عن الكلام في القضاء والقدر النهي عن الكلام فيما خلق الله تعالى وعن علله وأسبابه وعما أمر به وتعبد، وعن القول في علل ذلك إذا كان طلب علل الخلق والأمر محظورا، لأن الله تعالى سترها عن أكثر خلقه، ألا ترى أنه لا يجوز لأحد أن يطلب لخلقه جميع ما خلق عللا مفصلات فيقول لم خلق كذا وكذا؟ حتى يعد المخلوقات كلها ويحصيها، ولا يجوز أن يقول: لم أمر بكذا؟ أو تعبد بكذا؟ ونهى عن كذا؟ إذ تعبده بذلك وأمره لما هو أعلم به من مصالح الخلق ولم يطلع أحدا من خلقه على تفصيل علل ما خلق وأمر به وتعبد، وإن كان قد أعلم في الجملة أنه لم يخلق الخلق عبثا وإنما خلقهم للحكمة والمصلحة، ودل على ذلك بالعقل والسمع. فقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} وقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} وقال: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} يعني بحق ووضعناه في موضعه وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} وقال فيما تعبد به: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ}.

وقد يصح أن يكون الله تعالى خلق حيوانا بعينه لعلمه بأنه يؤمن عند خلقه كفار، أو يتوب عند ذلك فساق، أو ينتفع به مؤمنون، أو يتعظ به ظالمون، أو ينتفع المخلوق نفسه بذلك، أو يكون عبرة لواحد في الأرض أو في السماء وذلك مغيب عنا، وإن قطعنا في الجملة أن جميع ما صنع الله تعالى إنما صنعه لأغراض حكيمة ولم يصنعه عبثا، وكذلك يجوز أن يكون تعبدنا بالصلاة لأنها تقربنا من طاعته وتبعدنا عن معصيته، وتكون العبادة بها لطفا لكافة المتعبدين بها أو لبعضهم، فلما خفيت هذه الوجوه وكانت مستورة عنا ولم يقع دليل على التفصيل فيها، وإن كان العلم بأنها حكمة في الجملة كان النهي عن الكلام في معنى القضاء والقدر إنما هو نهي عن طلب علل لها مفصلة، فلم يكن نهيا عن الكلام في معنى القضاء والقدر.

هذا إن سلمنا الأخبار التي رواها أبو جعفر رحمه الله. فأما إن بطلت أو اختل سندها فقد سقط عنا عهدة الكلام فيها.

والحديث الذي رواه عن زرارة حديث صحيح من بين ما روى، والمعنى فيه ظاهر ليس به على العقلاء خفاء، وهو مؤيد للقول بالعدل ودال على فساد القول بالجبر، ألا ترى إلى ما رواه عن أبي عبد الله عليه السلام من قوله: "إذا حشر الله تعالى الخلائق سألهم عما عهد إليهم ولم يسألهم عما قضى عليهم" وقد نطق القرآن بأن الخلق مسؤولون عن أعمالهم، فلو كانت أعمالهم [بقضاء الله] تعالى لما سألهم عنها، فدل على أن قضاء الله تعالى ما خلقه من ذوات العباد وفيهم وأنه تعالى لا يسألهم إلا عن أعمالهم التي عهد إليهم فيها، فأمرهم بحسنها ونهاهم عن قبيحها، وهذا الحديث موضح لمعنى القضاء والقدر فلا وجه [للقول حينئذ بأنه] لا معنى للقضاء والقدر معقول، إذ كان بينا حسبما ذكرناه.

- ما نقله المفيد في القضاء والقدر

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 70، 72:

فصل: وأخبرني الشيخ أدام الله عزه مرسلا عن عمرو بن وهب اليماني قال: حدثني عمرو بن سعد عن محمد بن جابر عن أبي إسحاق السبيعي قال: قال شيخ من أهل الشام حضر صفين مع أمير المؤمنين عليه السلام بعد انصرافهم من صفين: أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء من الله وقدر؟ قال: نعم يا أخا أهل الشام والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بقضاء من الله وقدره. فقال الشامي: عند الله تعالى أحتسب عناي إذا يا أمير المؤمنين وما أظن أن لي أجرا في سعيي إذا كان الله قضاه علي وقدره لي. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله قد أعظم لكم الأجر على مسيركم وأنتم سائرون وعلى مقامكم وأنتم مقيمون ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين ولا عليها مجبرين. فقال الشامي: فكيف يكون ذلك والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا وانصرافنا؟ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ويحك يا أخا أهل الشام لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد والأمر من الله عز وجل والنهي منه، وما كان المحسن أولى بثواب الإحسان من المسيء ولا المسيء أولى بعقوبة الذنب من المحسن. تلك مقالة عبدة الأوثان وحزب الشيطان وخصماء الرحمن وشهداء الزور وقدرية هذه الأمة ومجوسها، إن الله أمر عباده تخييرا ونهاهم تحذيرا وكلف يسيرا وأعطى على القليل كثيرا ولم يطع مكرها ولم يعص مغلوبا ولم يكلف عسيرا ولم يرسل الأنبياء لعبا ولم ينزل الكتب على العباد عبثا {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}.

قال الشامي: فما القضاء والقدر اللذان كان مسيرنا بهما وعنهما؟ قال: الأمر من الله تعالى في ذلك والحكم منه ثم تلا {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا}. فقام الشامي مسرورا فرحا لما سمع هذا المقال وقال: فرجت عني يا أمير المؤمنين فرج الله عنك وأنشأ يقول:

 

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته *** يوم النشور من الرحمن رضوانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا *** جزاك ربك عنا فيه إحسانا

نفى الشكوك مقال منك متضح *** وزاد ذا العلم والإيمان إيقانا

فلن أرى عاذرا في فعل فاحشة *** ما كنت راكبها ظلما وعدوانا

كلا ولا قائلا يوما لداهية *** أرداه فيها لدينا غير شيطانا

ولا أراد ولاشاء الفسوق لنا *** قبل البيان لنا ظلما وعدوانا

نفسي الفداء لخير الخلق كلهم *** بعد النبي علي الخير مولانا

أخي النبي ومولى المؤمنين معا *** وأول الناس تصديقا وإيمانا

وبعل بنت رسول الله سيدنا *** أكرم به وبها سرا وإعلانا