عقائد الشيعة الإمامية >> الشيخ المفيد

 

 

عقائد الشيخ المفيد قدس سره

الإيمان بالله وتكليفه وعبادته والقربة إليه

 

 - الله عز وجل عدل كريم خلق الخلق لعبادته وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته

- الله عز وجل عم عباده بهدايته بدأهم بالنعم وتفضل عليهم بالإحسان لم يكلف أحدا إلا دون الطاقة ولم يأمره إلا بما جعل له عليه الاستطاعة

- كل عمل أمر الله تعالى بالإتيان به على الكمال وجعله مفترضا وسنة يستحق به الثواب ثم علم سبحانه أن العبد يقطعه قبل تمامه مختارا أو يفسده فإنه لا يقع منه شيء على وجه القربة

- كل عمل أمر الله تعالى بالإتيان به على الكمال وجعله مفترضا وسنة يستحق به الثواب وابتدأ به فاعله قربة لله فلا بد أن يصله حتى يأتي به على نظامه مؤثرا لذلك مختارا

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 93:

80 - القول في المقطوع والموصول

وأقول: إن كل عمل ذي أجزاء من الفعل أمر الله تعالى بالإتيان به على الكمال وجعله مفترضا وسنة يستحق به الثواب كالصلوة والصيام والزكوة والحج وأشباه ذلك من الطاعات، ثم علم سبحانه أن العبد يقطعه قبل تمامه مختارا أو يفسده متعمدا ترك كماله، فإنه لا يقع منه شيء على وجه القربة إليه جل اسمه، ومتى ابتدء به لقربة الله تعالى في الحقيقة فلن يقطعه فاعله مختارا ولن يفسده بترك كماله متعمدا ولا بد أن يصله حتى يأتي به على نظامه مؤثرا لذلك مختارا. وهذا الباب لاحق بباب الموافاة في معناه.

وهو مذهب هشام بن الفوطي من المعتزلة وزرارة بن أعين ومحمد بن الطيار وجماعة كثيرة من متكلمي الإمامية، ويخالف فيه جمهور المعتزلة وسائر الزيدية وأكثر أهل التشبيه وطوائف من المرجئة.

- ولاية العبد لله بخلاف ولاية الله سبحانه له وعداوته له بخلاف عداوته إياه

- ولاية العبد لله عز وجل هي الانطواء على طاعته والاعتقاد بوجوب شكره وترك معصيته ولا يصح ذلك إلا بعد المعرفة به

- ولاية الله تعالى لعبده إيجابه لثوابه ورضاه لفعله

- عداوة العبد لله سبحانه هي كفره به وجحده لنعمه وإحسانه وارتكاب معاصيه على العناد لأمره ولا يكون منه ذلك إلا مع الجهل به

- عداوة الله تعالى للعبد هي إيجاب دوام العقاب له وإسقاط استحقاق الثواب على شيء من أفعاله والحكم بلعنته والبراءة منه ومن أفعاله

- الولاية من الله تعالى للمؤمن قد تكون في حال إيمانه والعداوة منه للكافر تكون أيضا في حال كفره وضلاله

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 117، 118:

123 - القول في الولاية والعداوة

وأقول: إن ولاية العبد لله بخلاف ولاية الله سبحانه له وعداوته له بخلاف عداوته إياه.

فأما ولاية العبد لله عز وجل فهي الانطواء على طاعته والاعتقاد بوجوب شكره وترك معصيته وذلك عندي لا يصح إلا بعد المعرفة به.

وأما ولاية الله تعالى لعبده فهو إيجابه لثوابه ورضاه لفعله، وأما عداوة العبد لله سبحانه فهي كفره به وجحده لنعمه وإحسانه وارتكاب معاصيه على العناد لأمره والاستخفا لنهيه، وليس يكون منه شيء من ذلك إلا مع الجهل به.

وأما عداوة الله تعالى للعبد فهي إيجاب دوام العقاب له وإسقاط استحقاق الثواب على شيء من أفعاله والحكم بلعنته والبراءة منه ومن أفعاله.

وأقول مع هذا: إن الولاية من الله تعالى للمؤمن قد تكون في حال إيمانه والعداوة منه للكافر تكون أيضا في حال كفره وضلاله، وهذا مذهب يستقيم على أصول أهل العدل والإرجاء.

وقد ذهب إلى بعضه المعتزلة خاصة، وللمجبرة في بعضه وفاق ومجموعه لمن جمع بين القولين بالعدل ومذهب أصحاب الموافاة من الراجية.

فأما القول بأن الله سبحانه قد يعادي من تصح موالاته له من بعد ويوالي من يصح أن يعاديه فقد سلف قولنا فيه في باب الموافاة.

- في قوله تعالى مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وجه وهو أنه أراد بِيَدَيَّ نعمتي اللتين هما في الدنيا والآخرة والباء فيه تقوم مقام اللام فكأنه قال خلقت ليدي يريد به لنعمتي

- في قوله تعالى مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وجه وهو أن المراد باليدين فيها هما القوة والنعمة فكأنه قال خلقت بقوتي ونعمتي

- في قوله تعالى مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وجه وهو أن إضافة اليدين إليه إنما أريد به تحقق الفعل له وتأكيد إضافته إليه وتخصيصه به دون ما سوى ذلك من قدرة أو نعمة أو غيرهما

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 33، 34:

[حكمة الكناية والاستعارة]

فصل: والذي قاله أبو جعفر رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} أن المراد: بقدرتي وقوتي.

قال أبو عبد الله: ليس هذا هو الوجه في التفسير، لأنه يفيد تكرار المعنى، فكأنه قال: بقدرتي وقدرتي أو بقوتي وقوتي، إذ القدرة هي القوة والقوة هي القدرة، وليس لذلك معنى في وجه الكلام، والوجه ما قدمناه من ذكر النعمة، وأن المراد بقوله: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} إنما أراد به نعمتي اللتين هما في الدنيا والآخرة. والباء في قوله تعالى: {بِيَدَيَّ} تقوم مقام اللام، فكأنه قال: خلقت ليدي، يريد به لنعمتي، كما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} والعبادة من الله تعالى نعمته عليهم، لأنها تعقبهم ثوابه تعالى في النعيم الذي لا يزول.

وفي تأويل الآية وجه آخر، وهو: أن المراد باليدين فيها هما القوة والنعمة، فكأنه قال خلقت بقوتي ونعمتي.

وفيه وجه آخر وهو، أن إضافة اليدين إليه إنما أريد به تحقق الفعل له وتأكيد إضافته إليه وتخصيصه به دون ما سوى ذلك من قدرة أو نعمة أو غيرهما، وشاهد ذلك قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} وإنما أراد: ذلك بما قدمت من فعلك، وقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} والمراد به: فبما كسبتم. والعرب تقول في أمثالها: (يداك أوكتا وفوك نفخ) يريدون به أنك فعلت ذلك وتوليته وصنعته واخترعته وإن لم يكن الإنسان استعمل به جارحتيه اللتين هما يداه في ذلك الفعل.

- الله تعالى ابتدأ خلقه بالنعم وأوجب عليهم بها الشكر وليس أحد من الخلق يكافئ نعم الله تعالى عليه بعمل ولا يشكره أحد إلا وهو مقصر بالشكر عن حق النعمة

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 103، 105:

فصل: فيما ذكر الشيخ أبو جعفر في العدل

قال أبو جعفر: باب الاعتقاد في العدل... إلى آخره.

قال الشيخ المفيد أبو عبد الله رحمه الله: العدل، هو الجزاء على العمل بقدر المستحق عليه، والظلم، هو منع الحقوق، والله تعالى عدل كريم جواد متفضل رحيم، قد ضمن الجزاء على الأعمال، والعوض على المبتدئ من الآلام، ووعد التفضل بعد ذلك بزيادة من عنده.

فقال تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} الآية، فخبر أن للمحسنين الثواب المستحق وزيادة من عنده وقال: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} يعني له عشر أمثال ما يستحق عليها. {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} يريد أنه لا يجازيه بأكثر مما يستحقه، ثم ضمن بعد ذلك العفو ووعد بالغفران.

فقال سبحانه: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}.

وقال سبحانه: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} والحق الذي للعبد هو ما جعله الله تعالى حقا له واقتضاه [جود الله وكرمه]، وإن كان لو حاسبه بالعدل لم يكن له عليه بعد النعم التي أسلفها حق، لأنه تعالى ابتدأ خلقه بالنعم وأوجب عليهم بها الشكر، وليس أحد من الخلق يكافئ نعم الله تعالى عليه بعمل، ولا يشكره أحد إلا وهو مقصر بالشكر عن حق النعمة.

وقد أجمع أهل القبلة على أن من قال: إني وفيت جميع ما لله تعالى علي وكافأت نعمه بالشكر، فهو ضال، وأجمعوا على أنهم مقصرون عن حق الشكر، وأن لله عليهم حقوقا لو مد في أعمارهم إلى آخر مدى الزمان لما وفوا لله سبحانه بما له عليهم، فدل ذلك على أن ما جعله حقا لهم فإنما جعله بفضله وجوده وكرمه.

ولأن حال العامل الشاكر بخلاف حال من لا عمل له في العقول، وذلك أن الشاكر يستحق في العقول الحمد، ومن لا عمل له فليس في العقول له حمد، وإذا ثبت الفضل بين العامل ومن لا عمل له كان ما يجب في العقول من حمده هو الذي يحكم عليه بحقه ويشار إليه بذلك، وإذا أوجبت العقول له مزية على من لا عمل له كان العدل من الله تعالى معاملته بما جعله في العقول له حقا.

وقد أمر الله تعالى بالعدل ونهى عن الجور، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}.

- الله تعالى لا يكلف عباده المحال ولا يشرع ذلك من النبي الكريم

- الإفصاح - الشيخ المفيد  ص 219، 224:

مسألة أخرى: فإن قالوا: فما تصنعون في الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأصحابه: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" أليس هذا نص منه على إمامتهما، وإيجاب على الأمة جميعا فرض طاعتهما، وفي ذلك أدل دليل على طهارتهما وصوابهما فيما صنعاه من التقدم على أمير المؤمنين، وصحة خلافتهما؟!.

جواب: قيل لهم: هذا حديث موضوع، والخلل في سنده مشهور، والتناقض في معناه ظاهر، وحاله في متضمنه لائحة للمعتبر الناظر.

فأما خلل إسناده: فإنه معزى إلى عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، ثم من بعده تارة يعزى إلى حذيفة بن اليمان، وتارة إلى حفصة بنت عمر بن الخطاب.

فأما عبد الملك بن عمير فمن أبناء الشام، وأجلاف محاربي أمير المؤمنين عليه السلام، المشتهرين بالنصب والعداوة له ولعترته، ولم يزل يتقرب إلى بني أمية بتوليد الأخبار الكاذبة في أبي بكر وعمر، والطعن في أمير المؤمنين عليه السلام حتى قلدوه القضاء، وكان يقبل فيه الرشا، ويحكم بالجور والعدوان، وكان متجاهرا بالفجور والعبث بالنساء، فمن ذلك أن الوليد بن سريع خاصم أخته كلثم بنت سريع إليه في أموال وعقار، وكانت كلثم من أحسن نساء وقتها وأجملهن فأعجبته، فوجه القضاء على أخيها تقربا إليها، وطمعا فيها، فظهر ذلك عليه واستفاض عنه، فقال فيه هذيل الأشجعي:

أتاه وليد بالشهود يقودهم  *  على ما ادعى من صامت المال والخول

يسوق إليه كلثما وكلامها  *  شفاء من الداء المخامر والخبل

فما برحت تومي إليه بطرفها  *  وتومض أحيانا إذا خصمها غفل

وكان لها دل وعين كحيلة  *  فأدلت بحسن الدل منها وبالكحل

فأفتنت القبطي حتى قضى لها  *  بغير قضاء الله في المال والطول

فلو كان من في القصر يعلم علمه  *  لما استعمل القبطي فينا على عمل

له حين يقضي للنساء تخاوص  *  وكان وما منه التخاوص والحول

إذا ذات دل كلمته بحاجة  *  فهم بأن يقضي تنحنح أو سعل

وبرق عينيه ولاك لسانه  *  يرى كل شيء ما خلا سخطها خبل

ثم الذي عزاه إليه هو ربعي بن حراش عند أصحاب الحديث من المعدودين في جملة الروافض المستهزئين على أبي بكر وعمر، وإضافته إليه -مع ما وصفناه- ظاهرة البطلان، مع أن المشهور عن حذيفة بن اليمان في أصحاب العقبة يضاد روايته هذا الحديث عنه.

وأما روايته عن حفصة بنت عمر بن الخطاب فهي من البرهان على فساده، ووجوب سقوطه في باب الحجاج، لأن حفصة متهمة فيما ترويه من فضل أبيها وصاحبه، ومعروفة بعداوتها لأمير المؤمنين عليه السلام، وتظاهرها ببغضه وسبه والإغراء به، والانحطاط في هوى أختها عائشة بنت أبي بكر في حربه والتألب عليه، ثم لاجترارها بما يتضمنه أفضل وجوه النفع إليهما به، وقد سلف كتاب في هذا المعنى ما يستغنى به عن الإطالة في هذا المقام ، والله ولي التوفيق.

فصل: على أنه لو ثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله لأوجب عصمة أبي بكر وعمر من الآثام، وقضى لهما بالكمال، ونفى السهو والغلط عنهما على كل حال، وذلك أن فرض الاقتداء بهما يوجب صواب الفاعل له عند الله تعالى، وأن علمه في ذلك واقع موقع الرضا، فلو لم يكونا معصومين من الخطأ لا يؤمن منهما وقوعه، وكان المقتدي بهما فيه ضالا عن الصراط، وموقعا من الفعل ما ليس بصواب عند الله تعالى، ولا موافق لرضاه، كما أن الله تعالى لما فرض طاعة نبيه صلى الله عليه وآله وأمر بالاقتداء به، كما أمره بالاقتداء بمن تقدم من أنبيائه عليهم السلام، حيث يقول: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} أوجب عصمته صلى الله عليه وآله كما أوجب عصمة من تقدم من الأنبياء عليه السلام، ولم يجز في حكمته فرض الاقتداء بمن ذكرناه مع ارتفاع العصمة منهم لما بيناه.

وفي الإجماع أن أبا بكر وعمر لم يكونا معصومين عن الخطأ، وإقرارهما على أنفسهما بذلك أظهر حجة على اختلاف الخبر وفساده كما ذكرناه.

فصل آخر: مع أن التباين بين أبي بكر وعمر في كثير من الأحكام يمنع من فرض الاقتداء بهما على كل حال، لاستحالة اتباعهما فيما اختلفا فيه، ووجوب خلاف أحدهما في وفاق صاحبه، وخلاف صاحبه في اتباعه.

وقد ثبت أن الله تعالى لا يكلف عباده المحال، ولا يشرع ذلك منه صلى الله عليه وآله، وإذا بطل وجوب الاقتداء بهما في العموم لما بيناه، لم يبق -إن سلم الحديث- إلا وجوبه في الخصوص، وذلك غير موجب للفضل فيهما، ولا مانع من ضلالهما ونقصهما، وهو حاصل في مثل ذلك من أهل الكتاب، ولو فاق المسلمين لهم في خاص من الأقوال مع كفرهم وضلالهم بالإجماع، فبان بما وصفناه سقوط الحديث وفساد معانيه على ما قدمناه.

فصل آخر: على أن أصحاب الحديث قد رووه بلفظين مختلفين، على وجهين من الأعراب متباينين: أحدهما الخفض، وقد سلف قولنا بما بيناه، والآخر النصب، وله معنى غير ما ذهب إليه أهل الخلاف. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما دعا الأمة إلى التمسك بكتاب الله تعالى، وبعترته عليه وعليهم السلام، حيث يقول: "إني مخلف فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض". وكان عالما بما أوحى الله تعالى إليه، أن أول ناقض لأمره في ذلك وعادل عنه هذان الرجلان، فأراد عليه السلام تأكيد الحجة عليهما، بتخصيصهما بالأمر باتباع الكتاب، والعترة بعد عمومها به، ودخولهما في جملة المخاطبين من سائر الناس، فناداهما على التخصيص لما قدمناه من التوكيد في الحجة عليهما، فقال: "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر" وكانا هما المناديين بالاتباع دون أن يكون النداء إليهما على ما شرحناه. وليس بمنكر أن يبتدئ بالأمر بلفظ الجمع لاثنين، أو بلفظ الاثنين للجمع اتساعا، كما يعبر عن الواحد وليس فيه من معاني الجمع قليل ولا كثير بلفظ الاثنين أو الجمع، قال الله عز وجل: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}. وقال: { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ -إلى قوله- خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ}.

وإذا كان الأمر على ما وصفناه فقد سقط ما تعلق به الناصبة من الحديث، ولم يبق فيه شبهة، والحمد لله.