عقائد الشيعة الإمامية >> الشيخ المفيد

 

 

عقائد الشيخ المفيد قدس سره

أهل البيت عليهم السلام

 

- لا يصح القول بأن الله تعالى جعل أجر نبيه مودة أهل بيته ولا أنه جعل ذلك من أجره لأن أجر النبي في التقرب إلى الله تعالى هو الثواب الدائم وهو مستحق على الله تعالى في عدله وجوده وكرمه وليس المستحق على الأعمال يتعلق بالعباد

- لا أسألكم عليه أجرا في قوله تعالى قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى كلاما تاما قد استوفى معناه ويكون قوله إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى كلاما مبتدأ فائدته لكن المودة في القربى سألتكموها

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 140، 142:

في تفسير آية: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} الآية

قال أبو جعفر رحمه الله: إن الله تعالى جعل أجر نبيه صلى الله عليه وآله على أداء الرسالة وإرشاد البرية مودة أهل بيته عليهم السلام واستشهد على هذا بقوله تعالى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}.

قال الشيخ رحمه الله: لا يصح القول بأن الله تعالى جعل أجر نبيه مودة أهل بيته عليهم السلام ولا أنه جعل ذلك من أجره عليه السلام لأن أجر النبي صلى الله عليه وآله في التقرب إلى الله تعالى هو الثواب الدائم، وهو مستحق على الله تعالى في عدله وجوده وكرمه، وليس المستحق على الأعمال يتعلق بالعباد، لأن العمل يجب أن يكون لله تعالى خالصا، وما كان لله فالأجر فيه على الله تعالى دون غيره.

هذا مع أن الله تعالى يقول: {وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ} وفي موضع آخر: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي} فلو كان الأجر على ما ظنه أبو جعفر في معنى الآية لتناقض القرآن، وذلك أنه كان تقدير الآية: قل لا أسألكم عليه أجرا، بل أسألكم عليه أجرا، ويكون أيضا: إن أجري إلا على الله، بل أجري على الله وعلى غيره. وهذا محال لا يصح حمل القرآن عليه.

فإن قال قائل: فما معنى قوله: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أو ليس هذا يفيد أنه قد سألهم مودة القربى لأجره على الأداء؟ قيل له: ليس الأمر على ما ظننت لما قدمناه من حجة العقل والقرآن والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة، لكنه استثناء منقطع، ومعناه: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}، لكن ألزمكم المودة في القربى وأسألكموها، فيكون قوله: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}، كلاما تاما قد استوفى معناه، ويكون قوله: إلا المودة في القربى، كلاما مبتدأ، فائدته: لكن المودة في القربى سألتكموها، وهذا كقوله: {فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ} والمعنى فيه: لكن إبليس، وليس باستثناء من جملة، وكقوله: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ} معناه: لكن رب العالمين ليس بعدو لي، قال الشاعر:

وبلدة ليس بها أنيس         إلا اليعافير وإلا العيس

وكان المعنى في قوله: وبلدة ليس بها أنيس، على تمام الكلام واستيفاء معناه، وقوله: إلا اليعافير، كلام مبتدأ معناه: لكن اليعافير والعيس فيها، وهذا بين لا يخفى الكلام فيه على أحد ممن عرف طرفا من اللسان، والأمر فيه عند أهل اللغة أشهر من أن يحتاج معه إلى استشهاد.

- روي في تأويل قوله تعالى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ الآية إنها نزلت في عترة النبي وذريته الأئمة الأطهار وتضمنت البشارة لهم بالاستخلاف والتمكن في البلاد وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي منهم

- عترة النبي وذريته الأئمة الأطهار أحق بالاستخلاف على الأنام ممن عداهم لفضلهم على سائر الناس وهم المدالون على أعدائهم في آخر الزمان حتى يتمكنوا في البلاد ويظهر دين الله تعالى بهم ظهورا لا يستخفي على أحد من العباد ويأمنون بعد طول خوفهم من الظالمين المرتكبين في أذاهم الفساد

- الإفصاح - الشيخ المفيد  ص 90، 106:

فصل: فإن قال: قد فهمت ما ذكرتموه في هذه وما قبلها من الآي، ولست أرى لأحد حجة في دفعه لوضوحه في البيان، ولكن خبروني عن قوله تعالى في سورة النور: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. أليس قد ذكر المفسرون أنها في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب عليه السلام؟! واستدل المتكلمون من مخالفيكم على صحة ذلك، بما حصل لهم من جميع هذه الصفات: فأولها: أنهم كانوا حاضرين لنزولها بدليل كاف المواجهة بلا اختلاف، ثم أنهم كانوا ممن خاف في أول الإسلام، فآمنهم الله تعالى، ومكن لهم في البلاد، وخلفوا النبي صلى الله عليه وآله وأطاعهم العباد، فثبت أنها نزلت فيهم بهذا الضرب من الاعتبار، وإلا فبينوا لنا الوجه في معناها، إن لم يكن الأمر على ما ذكرناه.

قيل له: إن تفسير القرآن لا يؤخذ بالرأي، ولا يحمل على اعتقادات الرجال والأهواء، وما حكيته من ذلك عن المفسرين فليس هو إجماعا منهم، ولا مرجوعا به إلى ثقة ممن تعاطاه ومن ادعاه، ولم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله، ولا إلى من تجب طاعته على الأنام. وممن فسر القرآن عبد الله بن عباس، والمحكي عنه في تأويل هذه الآية غير ما وصفت بلا تنازع بين حملة الآثار، وكذلك المروي عن محمد بن علي عليهما السلام، وعن عطاء ومجاهد، وإنما ذكر ذلك برأيه وعصبيته مقاتل بن سليمان، وقد عرف نصبه لآل محمد صلى الله عليه وآله وجهله وكثرة تخاليطه في الجبر والتشبيه، وما ضمنته كتبه في معاني القرآن.

على أن المفسرين للقرآن طائفتان: شيعة ، وحشوية، فالشيعة لها في هذه الآية تأويل معروف تسنده إلى أئمة الهدى عليهم السلام، والحشوية مختلفة في أقاويلها على ما ذكرناه، فمن أين يصح إضافة ما ادعوه من التأويل إلى مفسري القرآن جميعا على الإطلاق، لولا عمى العيون وارتكاب العناد؟! فأما ما حكوه في معناها عن المتكلمين منهم، فقد اعتمده جميعهم على ما وصفوه بالاعتبار الذي ذكروه، وهو ضلال عن المراد، وخطأ ظاهر الفساد، من وجوه لا تخفى على من وفق للرشاد: أحدها:

أن الوعد مشترط بالإيمان على التحقيق بالأعمال الصالحات، وليس على ما يذهب إليه مخالفونا من إيمان أصحابهم على الحقيقة، وأنهم كانوا من أصحاب الصالحات بإجماع، ولا دليل يقطع به على الحق عند الله، بل الخلاف في ذلك ظاهر بينهم وبين خصومهم، والمدافعة عن الأدلة على ذلك موجودة كالعيان.

والثاني: أن المراد في الآية بالاستخلاف إنما هو توريث الأرض والديار، والتبقية لأهل الإيمان بعد هلاك الظالمين لهم من الكفار، دون ما ظنه القوم من الاستخلاف في مقام النبوة، وتملك الإمامة وفرض الطاعة على الأنام.

ألا ترى أن الله سبحانه قد جعل ما وعد به من ذلك مماثلا لما فعله بالمؤمنين وبالأنبياء عليهم السلام قبل هذه الأمة في الاستخلاف، وأخبر بكتابه عن حقيقة ذلك وصورته ومعناه، وكان بصريح ما أنزله من القرآن مفيدا لما ذكرناه، من توريث الديار والنعم والأموال عموم المؤمنين دون خصوصهم ومعنى ما بيناه، دون الإمامة التي هي خلافة للنبوة والإمرة والسلطان.

قال الله تعالى في سورة الأعراف: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ}. فبشرهم بصبرهم على أذى الكافرين بميراث أرضهم، والملك لديارهم من بعدهم، والاستخلاف على نعمتهم، ولم يرد بشيء من ذلك تمليكهم مقام النبوة والإمامة على سائر الأمة، بل أراد ما بيناه. ونظير هذا الاستخلاف من الله سبحانه لعباده، ومما هو في معناه، قوله جل اسمه في سورة الأنعام: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} وليس هذا الاستخلاف من الإمامة وخلافة النبوة في شيء وإنما هو ما قدمنا ذكره ووصفناه. وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فإنما أراد بذلك تبقيتهم بعد هلاك الماضين، وتوريثهم ما كانوا فيه من النعم، فجعله من مننه عليهم ولطفه بهم ليطيعوه ولا يكفروا به كما فعل الأولون. ومنه قوله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} وقد علم كل ذي عقل أن هذا الاستخلاف مباين للعامة في معناه، وقد وفى الله الكريم موعده لأصحاب نبيه صلى الله عليه وآله جميعا في حياته وبعد وفاته، ففتح لهم البلاد، وملكهم رقاب العباد، وأحلهم الديار، وأغنمهم الأموال، فقال عز من قائل: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا}.

وإذا كان الأمر على ما وصفناه، ثبت أن المراد بالآية من الاستخلاف ما ذكرناه، ولم يتضمن ذلك الإمامة وخلافة النبوة على ما بيناه، وكان الوعد به عموما لأهل الإيمان بما شرحناه، وبطل ما تعلق به خصومنا في إمامة المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام ووضح جهلهم في الاعتماد على التأويل الذي حكيناه عنهم للآية لما تلوناه من كتاب الله تعالى وفصلنا وجهه وكشفناه.

وقد حكى هذا المعنى بعينه في تأويل هذه الآية الربيع عن أبي العالية، والحسين بن محمد، عن الحكم، وغيرهما، عن جماعات من التابعين، ومفسري القرآن.

فصل: على أن عموم الوعد بالاستخلاف للمؤمنين الذي عملوا الصالحات من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، على ما اختصوا به من الصفات في عبادتهم لله تعالى على الخوف والأذى والاستسرار بدين الله جل اسمه، على ما نطق به القرآن، يمنع مما ادعاه أهل الخلاف من تخصيص أربعة منهم دون الجميع، لتناقض اجتماع معاني العموم على الاستيعاب والخصوص، ووجوب دفع أحدهما صاحبه بمقتضى العقول. وإذا ثبت عموم الوعد، وجب صحة ما ذكرناه في معنى الاستخلاف من توريث الديار والأموال، وظهور عموم ذلك لجميعهم في حياة النبي صلى الله عليه وآله وبعده بلا اختلاف، بطل ما ظنه الخصوم في ذلك وتأولوه على المجازفة، والعدول عن النظر الصحيح.

فصل: فإن قال منهم قائل: إن الآية وإن كان ظاهرها العموم، فالمراد بها الخصوص، بدليل وجود الخلافة فيمن عددناه دون الجميع. وعلى هذا يعتمد متكلموهم.

قيل له: أحلت في ذلك من قبيل أنك إنما أوجبت لأصحابك الإمامة، وقضيت لهم بصحة الخلافة بالآية، وجعلتها ملجأ لك في حجاج خصومك، ودفعهم عما وصفوا به من فساد عقلك، فلما لم يتم لك مرادك من الآية، بما أوجبه عليك عمومها بظاهرها، ودليل متضمنها، عدلت إلى تصحيح تأويلك منها، بادعاء ما تورعت فيه من خلافة القوم، وثبوت إمامتهم، الذي أفقرك عدم البرهان عليه إلى تصحيحه عندك بالآية، فصرت دالا على وجوده معنى تنازع فيه بوجود شيء تتعلق صحة وجوده بوجود ما دفعت عن وجوده، وهذا تناقض من القول، وخبط أوجبه لك الضلال، وأوقعك فيه التقليد والعصبية للرجال، نعوذ بالله من الخذلان.

ثم يقال له: خبرنا عما تدعيه من استخلاف الله تعالى لأئمتك على الأنام، وصحة إمامتهم على ما زعمت فيما سلف لك من الكلام، أبظاهر أمرهم ونهيهم وتملكهم علمت ذلك، وحكمت به على القطع والثبات، أم بظاهر الآية ودليلها على ما قدمت من الاعتبار، أم بغير ذلك من ضروب الاستدلال؟.

فإن قال: بظاهر أمرهم ونهيهم في الأمة، ورئاستهم الجماعة، ونفوذ أمرهم وأحكامهم في البلاد، علمت ذلك وقطعت به على أنهم خلفاء الله تعالى: والأئمة بعد رسوله عليه السلام. وجب على وفور هذه العلة القطع بصحة إمامة كل من ادعى خلافة الرسول صلى الله عليه وآله، ونفذت إحكامه وقضاياه في البلاد، وهذا ما لا يذهب إليه أحد من أهل الإيمان.

وإن قال: إنما علمت صحة خلافتهم بالآية ودلائلها على الاعتبار.

قيل له: ما وجه دلالة الآية على ذلك، وأنت دافع لعمومها في جميع أهل الإيمان، وموجب خصوصها بغير معنى في ظاهرها، ولا في باطنها، ولا مقتضاها على الأحوال؟ فلا يجد شيئا يتعلق به فيما ادعاه.

وإن قال: إن دلالتي على ما ادعيت من صحة خلافتهم معنى غير الآية نفسها، بل من الظاهر من أمر القوم ونهيهم، وتأمرهم على الأنام. خرجت الآية عن يده، وبانت فضيحته فيما قدره منها وظنه في تأويلها وتمناه، وهذا ظاهر بحمد الله.

فصل: مع أنا لو سلمنا لهم في معنى الاستخلاف أن المراد في الآية ما ذكروه من إمامة الأنام، لما وجب به ما ذهبوا إليه من صحة خلافة المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام بل كانت الآية نفسها شاهدة بفساد أمرهم وانتقاضه على البيان، وذلك أن الله جل اسمه وعد المؤمنين من أصحاب نبيه صلى الله عليه وآله بالاستخلاف، ثوابا لهم على الصبر والإيمان، والاستخلاف من الله تعالى للأئمة لا يكون استخلاف من العباد، ولما ثبت أن أبا بكر كان منصوبا باختيار عمر وأبي عبيدة بن الجراح، وعمر باستخلاف أبي بكر دون النبي صلى الله عليه وآله، وعثمان باختيار عبد الرحمن، فسد أن يكونوا داخلين تحت الوعد بالاستخلاف، لتعريهم من النص بالخلافة من الله تعالى، وإقرار مخالفينا إلا من شذ منهم أن إمامتهم كانت باختيار، وثبت أن الآية كانت مختصة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام دونهم، لإجماع شيعته على أن إمامته باستخلاف الله تعالى له، ونصه عليه، وأقامه عليه السلام نبيه صلى الله عليه وآله علما للأمة وإماما لها بصريح المقال.

فصل آخر: ويقال لهم: ما تنكرون أن يكون خروج أبي بكر وعمر وعثمان من الخوف في أيام النبي صلى الله عليه وآله يخرجهم عن الوعد بالاستخلاف، لأنه إنما توجه إلى من كان يلحقه الخوف من أذى المشركين، وليس له مانع منهم، كأمير المؤمنين عليه السلام وما مني به النبي صلى الله عليه وآله وعمار وأمه وأبيه، والمعذبين بمكة، ومن أخرجهم النبي صلى الله عليه وآله، مع جعفر بن أبي طالب إلى بلاد الحبشة لما كان ينالهم من الفتنة والأذى في الدين.

فأما أبو بكر فإن الشيعة تذكر أنه لم يكن خائفا في حياة النبي صلى الله عليه وآله لأسباب نحن أغنياء عن شرحها، وأنتم تزعمون أن الخوف مرتفع عنه لعزته في قريش ومكانه منهم وكثرة ماله واتساع  جاهه، وإعظام القوم له لسنه وتقدمه، حتى أنه كان يجير ولا يجار عليه، ويؤمن ولا يحتاج إلى أمان، وزعمتم إنه اشترى تسعة نفر من العذاب.

وأن عمر بن الخطاب لم يخف قط، ولا هاب أحدا من الأعداء، وأنه جرد سيفه عند إسلامه، وقال: لا يعبد الله اليوم سرا. ثقة بنفسه، وطمأنينة إلى سلامته، وأمنا من الغوائل، وأنه لن يقدم عليه أحد بسوء، لعظم رهبة الناس منه وإجلالهم لمكانه.

وأن عثمان بن عفان كان آمنا ببني أمية، وهم ملاك الأمر إذ ذاك. فكيف يصح لكم مع هذا القول أن تستدلوا بالآية على صحة خلافتهم ودخولهم تحت الوعد بالاستخلاف، وهم من الوصف المنافي لصفات الموعودين بالاستخلاف على ما ذكرناه، لولا أنكم تخبطون فيما تذهبون إليه خبط عشواء؟!.

فصل: ويقال لهم: أليس يمكنكم إضافة ما تلوتموه من هذه الآية في أئمتكم إلى صادق عن الله تعالى فيجب العمل به، وإنما أسندتم قولكم فيه إلى ضرب من الرأي والاعتبار الفاسد بما أوضحناه.

وقد ورد عن تراجمة القرآن من آل محمد صلى الله عليه وآله في تأويلها ما هو أشبه من تأويلكم وأولى بالصواب، فقالوا: إنها نزلت في عترة النبي صلى الله عليه وآله وذريته الأئمة الأطهار عليهم السلام وتضمنت البشارة لهم بالاستخلاف، والتمكن في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي منهم، فكانوا عليهم السلام هم المؤمنين العاملين الصالحات، بعصمتهم من الزلات.

وهم أحق بالاستخلاف على الأنام ممن عداهم، لفضلهم على سائر الناس، وهم المدالون على أعدائهم في آخر الزمان، حتى يتمكنوا في البلاد، ويظهر دين الله تعالى بهم ظهورا لا يستخفي على أحد من العباد، ويأمنون بعد طول خوفهم من الظالمين المرتكبين في أذاهم الفساد، وقد دل القرآن على ذلك وجاءت به الأخبار: قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}. وقال تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}. وقال تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}. وكل هذه أمور منتظرة، غير ماضية ولا موجودة في الحال. ومثلهم فيما بشرهم الله تعالى به من ذلك ما تضمنه قوله تعالى: { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} وقوله تعالى في بني إسرائيل: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا}. ومما أنزله فيهم سوى المثل لهم عليه السلام قوله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}.

فصار معاني جميع ما تلوناه راجعا إلى الإشارة إليهم عليهم السلام بما ذكرناه. ويحقق ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله على الاتفاق من قوله: "لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا".

وأما ما تعلقوا به من كاف المواجهة، فإنه لا يخل بما شرحناه في التأويل من آل محمد عليهم السلام لأن القائم من آل محمد والموجود من أهل بيته في حياته هم من المواجهين في الحقيقة والنسب والحسب، وإن لم يكن من أعيانهم، فإذا كان منهم بما وصفناه، فقد دخل تحت الخاطب، وبطل ما توهم أهل الخلاف.

فصل: على أنه يقال لهم: ما الفصل بينكم فيما تأولتم به هذه الآية وبين من تأولها خلاف تأويلكم، فأوجب حكمها في غير من سميتم، ولجأ في صحة مقاله إلى مثل عيوبكم، فقال: إن الله جل اسمه بشر في هذه الآية بالاستخلاف أبا سفيان صخر بن حرب، ومعاوية ويزيد ابني أبي سفيان، وذلك أني قد وجدتهم انتظموا صفات الموعودين بالاستخلاف، وكانوا من الخائفين عند قوة الإسلام لخلافهم على النبي صلى الله عليه وآله، فتوجه إليهم الوعد من الله سبحانه بالأمن من الخوف، بشرط الانتقال إلى الإيمان، واستئناف الأعمال الصالحات، والاستخلاف بعد ذلك، والتمكين لهم في البلاد، ثوابا لهم على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله، وترغيبا لهم في الإيمان، فأجابوا الله تعالى إلى ما دعاهم إليه، وأذعنوا بالإسلام، وعملوا الصالحات، فأمنوا من المخوفات. واستخلفهم النبي صلى الله عليه وآله في حياته، كانوا من بعده خلفاء لخلفائه الراشدين، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وآله استخلف أبا سفيان على سبي الطائف، وهم يومئذ ستة آلاف إنسان، واستعمله من بعد ذلك على نجران فلم يزل عامله عليها حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو خليفته فيها من غير عزل له ولا استبدال. واستعمل أيضا صلوات الله عليه يزيد بن أبي سفيان على صدقات أخواله بني فراس بن غنم، فجباها وقدم بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فلقيه أبوه أبو سفيان فطلب منه مال الصدقات، فأبى أن يعطيه، فقال: إذا صرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله أخبره بذلك، فأخبره فقال له: "خذ المال فعد به إلى أبيك". فسوغه مال الصدقات كله، صلة لرحمه، وإكراما له، وتمييزا له من كافة أهل الإسلام.

واستعمل رسول الله صلى الله عليه وآله على كتابته معاوية، وكان والي خليفتيه من بعده عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وولى أبو بكر يزيد ابن أبي سفيان ربع أجناد الشام، وتوفي وهو خليفته على ذلك، فأقره عمر بن الخطاب إلى أن مات خلافته.

وإذا كان أبو سفيان ومعاوية ويزيد ابناه على ظاهر الإسلام والإيمان والعمل الصالح، وكان لهم من الخلافة في الإسلام ما وصفناه، ثم الذي حصل لمعاوية من الإمرة بعد أمير المؤمنين عليه السلام، وبيعة الحسن بن علي عليه السلام، وتسليم الأمر إليه، حتى سمي عامه (عام الجماعة) للاتفاق، ولم يسم عام أحد من الخلفاء قبله بذلك، ثبت أنهم المعنيون في الآية ببشارة الاستخلاف، دون من ادعيتم له ذلك بمعنى الاستدلال على ما انتظمتموه من الاعتبار. وهذا أشبه من تأويل المعتزلة للآية في أبي بكر وعمر وعثمان، وهو ناقض لمذاهبهم، ومضاد لاعتقاداتهم، ولا فضل لأحد منهم فيه إلا أن يرجع في العبرة إلى ما شرحناه، أو يعتمد في التفسير على الأثر حسبما قدمناه، فيبطل حينئذ توهمه فيما تأوله على ما بيناه، والحمد لله.

فصل: ثم يقال لهم أيضا: ألستم تعلمون أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن أبي سرح قد كانا واليين على المسلمين من قبل عثمان بن عفان، وهو إمام عدل عندكم مرضي الفعال، وقد كان مروان ابن الحكم كذلك، ثم خطب له على المنابر في الإسلام بإمرة المؤمنين، كما خطب لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وكذلك أيضا ابنه عبد الملك، ومن بعده من بني أمية، قد حكموا في العباد وتمكنوا في البلاد، فبأي شيء تدفعون صرف معنى الآية إليهم، والوعد بالاستخلاف لهم، وإدخالهم في جملة من سميتموه، وزعمتم أنهم أئمة عدل خلفاء، واعتمدتم في صحة ذلك على ما ذكرناه في أمر أبي سفيان ومعاوية ويزيد ابنيه حسبما شرحناه؟!. فلا يجدون مهربا من ذلك بما قدمناه على الترتيب الذي رسمناه، وكذلك السؤال عليهم في عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري، فإنهما ممن كان على ظاهر الإسلام، والعمل الصالح عند الجمهور من الناس، وكانا من المواجهين بالخطاب، وممن خاف في صدر الإسلام، وحصلت لهما ولآيات في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، وخلافة له، ولخلفائه على أصولهم بغير إشكال، وليس يمكن لخصومنا دفع التأويل فيهما بما يتعلقون به في أمية وبني مروان من الخروج عن الخوف في صدر الإسلام، وهذا كله تخليط ورطهم الجهل فيه بدين الله تعالى، والعداوة لأوليائه عليهم السلام.

- آية إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا نزلت في أهل البيت خاصة

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 53، 55:

فصل: ومن كلام الشيخ أدام الله عزه: قال له رجل من أصحاب الحديث ممن يذهب إلى مذهب الكرابيسي: ما رأيت أجسر من الشيعة فيما يدعونه من المحال وذلك أنهم زعموا أن قول الله سبحانه {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين مع ما في ظاهر الآية من أنها نزلت في أزواج رسول الله. وذلك أنك إذا تأملت الآية من أولها إلى آخرها وجدتها منتظمة لذكر الأزواج خاصة ولم نجد لمن ادعوها له ذكرا.

فقال له الشيخ أيده الله: أجسر الناس على ارتكاب الباطل وأبهتهم وأشدهم إنكارا للحق وأجهلهم، من قام مقامك في هذا الاحتجاج ودفع ما عليه الإجماع والاتفاق، وذلك أنه لا خلاف بين الأمة أن الآية من القران قد يأتي أولها في شيء وآخرها في غيره ووسطها في معنى وأولها في سواه وليس طريق الاتفاق في معنى إحاطة وصف الكلام بالآي.

وقد نقل المخالف والموافق أن هذه الآية نزلت في بيت أم سلمة رضي الله تعالى عنها ورسول الله في البيت ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وقد جللهم بعباءة خيبرية وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي. فأنزل الله عزوجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} فتلاها رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت له أم سلمة رضي الله عنها: يا رسول الله ألست من أهل بيتك؟ فقال لها: إنك إلى خير ولم يقل إنك من أهل بيتي. حتى روى أصحاب الحديث أن عمر سئل عن هذه الآية فقال: سلوا عنها عائشة، فقالت عائشة: إنها نزلت في بيت أختي أم سلمة فاسألوها عنها فإنها أعلم بها مني.

فلم يختلف أصحاب الحديث من الناصبة ولا أصحاب الحديث من الشيعة في خصوصها فيمن عددناه، وحمل القران في التأويل على ما جاء به الأثر أولى من حمله على الظن والترجيم. مع أن الله سبحانه قد دل على صحة ذلك بمتضمن الآية حيث يقول جل وعلا: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} وإذهاب الرجس لا يكون إلا بالعصمة من الذنوب لان الذنوب من أرجس الرجس والخبر عن الإرادة هنا إنما هو خبر عن وقوع الفعل خاصة دون الإرادة التي يكون بها لفظ الأمر أمرا لاسيما على ما أذهب إليه في وصف القديم بالإرادة، وأفرق بين الخبر عن الإرادة هاهنا والخبر عن الإرادة في قوله: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} وقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} إذ لو جرت مجرى واحدا لم يكن لتخصيص أهل البيت بها معنى إذ الإرادة التي يقتضي الخبر والبيان يعم الخلق كلهم على وجهها في التفسير ومعناها، فلما خص الله أهل البيت عليهم السلام بإرادة إذهاب الرجس عنهم دل على ما وصفناه من وقوع إذهابه عنهم وذلك موجب للعصمة على ما ذكرناه، وفى الاتفاق على ارتفاع العصمة عن الأزواج دليل على بطلان مقال من زعم أنها فيهن.

مع أن من عرف شيئا من اللسان وأصله، لا يرتكب هذا القول ولا توهم صحته وذلك أنه لا خلاف بين أهل العربية أن جمع المذكر بالميم وجمع المؤنث بالنون وأن الفصل بينهما بهاتين العلامتين، ولا يجوز في لغة القوم وضع علامة المؤنث على المذكر ولا وضع علامة المذكر على المؤنث ولا استعملوا ذلك في حقيقة ولا مجاز ولما وجدنا الله سبحانه قد بدأ في هذه الآية بخطاب النساء فأورد علامة جمعهن من النون في خطابهن فقال: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} إلى قوله {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ثم عدل بالكلام عنهن بعد هذا الفصل إلى جمع المذكر فقال {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} فلما جاء بالميم وأسقط النون علمنا أنه لم يتوجه هذا القول إلى المذكور الأول بما بيناه من أصل العربية وحقيقتها، ثم رجع بعد ذلك إلى الأزواج، فقال: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}. فدل ذلك على إفراد من ذكرناه من آل محمد عليهم السلام بما علقه عليهم من حكم الطهارة الموجبة للعصمة وجليل الفضيلة.

وليس يمكنكم معشر المخالفين أن تدعوا انه كان في الأزواج مذكورا رجل غير النساء وذكر ليس برجل فيصح التعلق منكم بتغليب المذكر على المؤنث إذا كان في الجمع ذكر وإذا لم يمكن ادعاء ذلك وبطل أن يتوجه إلى الأزواج فلا غير لهن توجهت إليه إلا من ذكرناه ممن جاء فيه الأثر على ما بيناه.

- في الأسماء المكتوبة على العرش

- المسائل السروية- الشيخ المفيد  ص 37 ، 41:

المسألة الثانية: في الأشباح والذر والأرواح ما قوله أدام الله تأييده في معنى الأخبار المروية عن الأئمة الهادية عليهم السلام في الأشباح، وخلق الله تعالى الأرواح قبل خلقه آدم عليه السلام بألفي عام، وإخراج الذرية بن صلبه على صور الذر؟ ومعنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف"؟

الجواب: وبالله التوفيق، إن الأخبار بذكر الأشباح تختلف ألفاظها وتتباين معانيها، وقد بنت الغلاة عليها أباطيل كثيرة، وصنفوا فيها كتبا لغوا فيها وهذوا فيما أثبتوه منه في معانيها، وأضافوا ما حوتة الكتب إلى جماعة من شيوخ أهل الحق وتخرصوا الباطل بإضافتها إليهم، من جملتها كتاب سموه  (كتاب الأشباح والأظلة) ونسبوا تأليفه إلى محمد بن سنان. ولسنا نعلم صحة ما ذكروه في هذا الباب عنه، فإن كان صحيحا فإن ابن سنان قد طعن عليه، وهو متهم بالغلو. فإن صدقوا في إضافة هذا الكتاب إليه فهو ضال بضلاله عن الحق، وإن كذبوا فقد تحملوا أوزار ذلك.

- الصحيح من حديث الأشباح التي رآها آدم على العرش الرواية التي جاءت عن الثقات بأن آدم رأى على العرش أشباحا يلمع نورها فسأل الله تعالى عنها فأوحى إليه إنها أشباح رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وأعلمه أن لولا الأشباح التي رآها ما خلقه ولا خلق سماء ولا أرضا

- الوجه فيما أظهره الله تعالى من الأشباح والصور لآدم أن دله على تعظيمهم وتبجيلهم وجعل ذلك إجلالا لهم ومقدمة لما يفترضه من طاعتهم ودليلا على أن مصالح الدين والدنيا لا تتم إلا بهم ولم يكونوا في تلك الحال صورا محياة ولا أرواحا ناطقة

والصحيح من حديث الأشباح الرواية التي جاءت عن الثقات: بأن آدم عليه السلام رأى على العرش أشباحا يلمع نورها، فسأل الله تعالى عنها، فأوحى إليه: "إنها أشباح رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم" وأعلمه أن لولا الأشباح التي رآها ما خلقه ولا خلق سماء ولا أرضا.

والوجه فيما أظهره الله تعالى من الأشباح والصور لأدم عليه السلام أن دله على تعظيمهم وتبجيلهم، وجعل ذلك إجلالا لهم ومقدمة لما يفترضه من طاعتهم، ودليلا على أن مصالح الدين والدنيا لا تتم إلا بهم. ولم يكونوا في تلك الحال صورا محياة، ولا أرواحا ناطقة، لكنها كانت صورا على مثل صورهم في البشرية تدل على ما يكونون عليه في المستقبل من الهيئة، والنور الذي جعله عليهم يدل  على نور الدين بهم، وضياء الحق بحججهم. وقد روي أن أسماءهم كانت مكتوبة إذ ذاك على العرش، وأن آدم عليه السلام لما تاب إلى الله عز وجل وناجاه بقبول توبته سأله بحقهم عليه ومحلهم عنده  فأجابه. وهذا غير منكر في العقول ولا مضاد للشرع المعقول، وقد رواه الصالحون الثقات المأمونون، وسلم لروايته طائفة الحق، ولا طريق إلى إنكاره، والله ولي التوفيق.

- ظهور صورة شخص النبي وأشخاص أهل بيته لآدم قبل إخراجهم إلى العالم هو مثل بشارة الأنبياء أجمعهم في الكتب الأولى بظهور النبي قبل إخراجه إلى العالم بالوجود ولك إجلالا من الله تعالى وإعظاما له  وأن يأخذ العهد له على الأنبياء والأمم كلها

- المسائل السروية- الشيخ المفيد  ص 41، 42:

فصل: البشارة بالنبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام. ومثل ما بشر به آدم عليه السلام من تأهيله نبيه عليه وآله السلام لما أهله له، وتأهيل أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام لما أهلهم له ، وفرض عليه تعظيمهم وإجلالهم، كما بشر به في الكتب الأولى من بعثه لنبينا صلى الله عليه وآله، فقال في محكم كتابه: {النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. وقوله تعالى مخبرا عن المسيح عليه السلام: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}. وقوله سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ} يعني رسول الله صلى الله عليه وآله. فحصلت البشائر به من الأنبياء أجمعهم قبل إخراجه إلى العالم بالوجود، وإنما أراد جل اسمه بذلك إجلاله وإعظامه، وأن يأخذ العهد له على الأنبياء والأمم كلها، فلذلك أظهر لآدم عليه السلام صورة شخصه وأشخاص أهل بيته عليهم السلام، وأثبت أسماءهم له ليخبره بعاقبتهم ويبين له عن محلهم عنده ومنزلتهم لديه. ولم يكونوا في تلك الحال أحياء ناطقين ولا أرواحا مكلفين، وإنما كانت أشباحهم دالة عليهم حسب ما ذكرناه.