عقائد الشيعة الإمامية >> الشيخ المفيد

 

 

عقائد الشيخ المفيد قدس سره

حقيقة الإمامة

 

 - لا بد في كل زمان من إمام يحتج الله تعالى به على عباده المكلفين ويكون بوجوده تمام المصلحة في الدين

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 39:

3- باب ما اتفقت الإمامية فيه على خلاف المعتزلة فيما اجتمعوا عليه من القول بالإمامة

اتفق أهل الإمامة على أنه لا بد في كل زمان من إمام موجود يحتج الله عز وجل به على عباده المكلفين، ويكون بوجوده تمام المصلحة في الدين.

وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك وجواز خلو الأزمان الكثيرة من إمام موجود وشاركهم في هذا الرأي وخالف الإمامية فيه الخوارج والزيدية والمرجئة والعامة المنتسبون إلى الحديث.

- الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها إلا بالنص على عينه والتوقيف

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 40:

واتفقت الإمامية على أن الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها إلا بالنص على عينه والتوقيف.

وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة والمتسمون بأصحاب الحديث على خلاف ذلك، وأجازوا الإمامة في من لا معجز له ولا نص عليه ولا توقيف.

- الإمامة بعد النبي في بني هاشم خاصة ثم في علي والحسن والحسين ومن بعد في ولد الحسين دون ولد الحسن إلى آخر العالم

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 40:

واتفقت الإمامية على أن الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله، في بني هاشم خاصة، ثم في علي والحسن والحسين ومن بعد في ولد الحسين عليه السلام دون ولد الحسن عليه السلام إلى آخر العالم.

وأجمعت المعتزلة ومن ذكرناه من الفرق على خلاف ذلك، وأجاز سائرهم إلا الزيدية خاصة الإمامة في غير بني هاشم، وأجازتها الزيدية في غير ولد الحسين عليه السلام.

واتفقت الإمامية على أن رسول الله صلى الله عليه وآله استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في حياته ونص عليه بالإمامة بعد وفاته، وأن من دفع ذلك فقد دفع فرضا من الدين.

وأجمعت المعتزلة والخوارج والمرجئة والبترية والحشوية المنتسبون إلى الحديث على خلاف ذلك، وأنكروا نص النبي صلى الله عليه وآله على أمير المؤمنين عليه السلام ودفعوا أن يكون الإمام بعده بلا فصل على المسلمين.

- من أنكر إمامة أحد الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار

أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 44:

6 - القول في تسمية جاحدي الإمامة

واتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار.

وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك وأنكروا كفر من ذكرناه، وحكموا لبعضهم بالفسق خاصة ولبعضهم بما دون الفسق من العصيان.

- تكليف الإمامة في معنى التفضل به من الله عز وجل على الإمام كالنبوة وأما التعظيم المفترض له والتبجيل والطاعة مستحق بعزمه على القيام بما كلفه من الأعمال وعلى أعماله الواقعة منه حالا بعد حال

- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 64:

36 - القول في الإمامة، أهي تفضل من الله عز وجل أم استحقاق؟

وأقول: إن تكليف الإمامة في معنى التفضل به على الإمام كالنبوة على ما قدمت من المقال والتعظيم المفترض له والتبجيل والطاعة مستحق بعزمه على القيام بما كلفه من الأعمال وعلى أعماله الواقعة منه أيضا حالا بعد حال، وهذا مذهب الجمهور من الإمامية على ما ذكرت في النبوة، وقد خالف فيه منهم من قدمت ذكره. ومعي فيه جمهور المعتزلة وسائر أصحاب الحديث.

- العصمة

- العصمة من الله تعالى لحججه هي التوفيق واللطف والاعتصام من الحجج بها عن الذنوب والغلط في دين الله تعالى والعصمة تفضل من الله تعالى على من علم أنه يتمسك بعصمته

- ليست العصمة مانعة من القدرة على القبيح ولا مضطرة للمعصوم إلى الحسن ولا ملجئة له إليه بل هي الشيء الذي يعلم الله تعالى أنه إذا فعله بعبد من عبيده لم يؤثر معه معصيته له

- الأنبياء والأئمة من بعدهم معصومون في حال نبوتهم وإمامتهم من الكبائر كلها والصغائر وسالمون من ترك المندوب والمفترض قبل حال إمامتهم وبعدها

- الوصف للأنبياء والأئمة بالكمال في كل أحوالهم فإن المقطوع به كمالهم في جميع أحوالهم التي كانوا فيها حججا لله تعالى على خلقه

- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد  ص 128، 130:

فصل: في العصمة

قال أبو جعفر رحمه الله: باب الاعتقاد في العصمة.

قال الشيخ المفيد رحمه الله: العصمة من الله تعالى لحججه هي التوفيق واللطف والاعتصام من الحجج بها عن الذنوب والغلط في دين الله تعالى، والعصمة [تفضل من الله] تعالى على من علم أنه يتمسك بعصمته، والاعتصام فعل المعتصم، وليست العصمة مانعة من القدرة على القبيح، ولا مضطرة للمعصوم إلى الحسن، ولا ملجئة له إليه، بل هي الشيء الذي يعلم الله تعالى أنه إذا فعله بعبد من عبيده لم يؤثر معه معصيته له، وليس كل الخلق يعلم هذا من حاله، بل المعلوم منهم ذلك هم الصفوة والأخيار.

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى} الآية، وقال سبحانه: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} وقال سبحانه: {وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ}.

والأنبياء والأئمة عليهم السلام من بعدهم معصومون في حال نبوتهم وإمامتهم من الكبائر كلها والصغائر، والعقل يجوز عليهم ترك مندوب إليه على غير التعمد للتقصير والعصيان، ولا يجوز عليهم ترك مفترض إلا أن نبينا صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام من بعده كانوا سالمين من ترك المندوب، والمفترض قبل حال إمامتهم وبعدها.

فصل: فأما الوصف لهم بالكمال في كل أحوالهم، فإن المقطوع به كمالهم في جميع أحوالهم التي كانوا فيها حججا لله تعالى على خلقه.

وقد جاء الخبر بأن رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام من ذريته كانوا حججا لله تعالى منذ أكمل عقولهم إلى أن قبضهم، ولم يكن لهم قبل أحوال التكليف أحوال نقص وجهل، فإنهم يجرون مجرى عيسى ويحيى عليهما السلام في حصول الكمال لهم مع صغر السن وقبل بلوغ الحلم.

وهذا أمر تجوزه العقول ولا تنكره، وليس إلى تكذيب الأخبار سبيل، والوجه أن نقطع على كمالهم عليهم السلام في العلم والعصمة في أحوال النبوة والإمامة، ونتوقف فيما قبل ذلك، وهل كانت أحوال نبوة وإمامة أم لا ونقطع على أن العصمة لازمة لهم منذ أكمل الله تعالى عقولهم إلى أن قبضهم عليهم السلام.

- الخبر المروي عن رسول الله من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية خبر صحيح يشهد له إجماع أهل الآثار ويقوي معناه صريح القرآن

-  رسائل في الغيبة - الشيخ المفيد ج 1   ص 11:

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وصلاته على عباده الذين اصطفى. وبعد: سأل سائل فقال: أخبروني عما روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: "من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية" هل هو ثابت صحيح أم هو معتل سقيم؟

الجواب وبالله التوفيق والثقة: قيل له: بل هو خبر صحيح يشهد له إجماع أهل الآثار ويقوي معناه صريح القرآن، حيث يقول جل اسمه {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} وقوله تعالى {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا} وأي كثيرة من القران.

- يجب على الإمام القيام فيما نصب له مع التمكن من ذلك والاختيار وليس يجب عليه شيء لا يستطيعه ولا يلزمه فعل الإيثار مع الاضطرار

-  رسائل في الغيبة - الشيخ المفيد ج 1   ص13، 14:

فإن قال: إذا كان الإمام عندكم غائبا، ومكانه مجهولا، فكيف يصنع المسترشد؟ وعلى ماذا يعتمد الممتحن فيما ينزل به من حادث لا يعرف له حكما؟ وإلى من يرجع المتنازعون، لاسيما والإمام إنما نصب لما وصفناه؟.

قيل له: هذا السؤال مستأنف لا نسبة له بما تقدم، ولا وصلة بينه وبينه، وقد مضى السؤال الأول في معنى الخبر وفرض المعرفة وجوابه على انتظام، ونحن نجيب عن هذا المستأنف بموجز لا يخل بمعنى التمام منقول وبالله التوفيق:

إنما الإمام نصب لأشياء كثيرة: أحدها: الفصل بين المختلفين. الثاني: بيان الحكم للمسترشدين. ولم ينصب لهذين دون غيرهما من مصالح الدنيا والدين، غير أنه إنما يجب عليه القيام فيما نصب له مع التمكن من ذلك والاختيار، وليس يجب عليه شيء لا يستطيعه، ولا يلزمه فعل الإيثار مع الاضطرار، ولم يؤت الإمام في التقية من قبل الله عز وجل ولا من جهة نفسه وأوليائه المؤمنين، وإنما أتي ذاك من قبل الظالمين الذين أباحوا دمه ودفعوا نسبه، وأنكروا حقه، وحملوا الجمهور على عداوته ومناصبة القائلين بإمامته. وكانت البلية فيما يضيع من الأحكام، ويتعطل من الحدود، ويفوت من الصلاح، متعلقة بالظالمين، وإمام الأنام بريء منها وجميع المؤمنين.

- لا يجوز الاستغناء عن الإمام في حال غيبته

-  رسائل في الغيبة - الشيخ المفيد ج 1   ص 16:

فإن قال: فإذا كانت عبادتكم تتم بما وصفتموه مع غيبة الإمام فقد استغنيتم عن الإمام.

قيل له: ليس الأمر كما ظننت في ذلك، لان الحاجة إلى الشيء قد تكون قائمة مع فقد ما يسدها، ولو لا ذلك ما كان الفقير محتاجا إلى المال مع فقده، ولا المريض محتاجا إلى الدواء وان بعد وجوده، والجاهل محتاجا إلى العلم وان عدم الطريق إليه، والمتحير محتاجا إلى الدليل وان يظفر به.

ولو لزمنا ما ادعيتموه وتوهمتموه للزم جميع المسلمين إن يقولوا أن الناس كانوا في حال غيبة النبي صلى الله عليه وآله للهجرة وفي الغار أغنياء عنه، وكذلك كانت حالهم في وقت استتاره بشعب أبي طالب عليه السلام، وكان قوم موسى عليه السلام أغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه، وكذلك أصحاب يونس عليه السلام أغنياء عنه لما ذهب مغضبا والتقمه الحوت وهو مليم، وهذا مما لا يذهب إليه مسلم ولا ملي. فيعلم بذلك بطلان ما ظنه الخصوم وتوهموه على الظنة والرجوم. وبالله التوفيق.

- الأرض لا تخلو من حجة والحجة على صفات من لا يكون عليها لم تكن فيه

-  رسائل في الغيبة - الشيخ المفيد ج 2   ص 16:

فقام إنسان من المعتزلة وقال للشيخ المفيد: كيف يجوز ذلك منك وأنت نظار منهم قائل بالعدل والتوحيد، وقائل بأحكام العقول، تعتقد إمامة رجل ما صحت ولادته دون إمامته، ولا وجوده دون عدمه، وقد تطاولت السنون حتى أن المعتقد منكم يقول إن له منذ ولد خمسا وأربعين ومائة سنة فهل يجوز هذا في عقل أو سمع؟

قال له الشيخ: قد قلت فافهم، اعلم: إن الدلالة عندنا قامت على أن الأرض لا تخلو من حجة.

قال السائل: مسلم ذلك لك ثم ايش؟

قال له الشيخ: ثم أن الحجة على صفات، ومن لا يكون عليها لم تكن فيه.

قال له السائل: هذا عندي، ولم أر في ولد العباس ولا في ولد علي ولا في قريش قاطبة من هو بتلك الصفات، فعلمت بدليل العقل إن الحجة غيرهم ولو غاب ألف سنة، وهذا كلام جيد في معناه إذا تفكرت فيه، لأنه إذا قامت الدلالة بان الأرض لا تخلو من حجة، وأن الحجة لا يكون إلا معصوما من الخطأ والزلل، لا يجوز عليه ما يجوز على الأمة، وكانت المنازعة فيه لا في الغيبة، فإذا سلم ذلك كانت الحجة لازمة في الغيبة.

- الإمام معهود إليه موقف منصوب له أمارات تدله على العواقب في التدبيرات والصالح في الأفعال وإنما حصل له العهد بذلك عن النبي الذي يوحى إليه ويطلع على علم السماء

-  رسائل في الغيبة - الشيخ المفيد ج 3   ص 13:

فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يوحى إليه فيعلم بالوحي العواقب، ويعرف الفرق من صواب التدبير وخطأه بمعرفة ما يكون، فمن قال في علم الإمام بما ذكرت، وما طريق معرفته بذلك؟.

فقلت له: الإمام عندنا معهود إليه، موقف على ما يأتي وما يذكر، منصوب له أمارات تدله على العواقب في التدبيرات والصالح في الأفعال، وإنما حصل له العهد بذلك عن النبي صلى الله عليه وآله الذي يوحى إليه ويطلع على علم السماء، ولو لم نذكر هذا الباب واقتصرنا على انه متعبد في ذلك بغلبة الظن وما يظهر له من الصلاح لكفى وأغنى وقام مقام الإظهار على التحقيق كائنا ما كان بلا ارتياب، لاسيما على مذهب المخالفين في الاجتهاد. وقولهم في رأي النبي صلى الله عليه وآله وان كان المذهب ما قدمناه.

- الإمامة تجب في كل زمان ولا يجوز الاستغناء عنها في حال بعد النبي

-  رسائل في الغيبة - الشيخ المفيد ج 3   ص 14:

فقال: لعمري إن هذه الأجوبة على الأصول المقررة لأهل الإمامة مستمرة، والمنازع فيها -بعد تسليم الأصول- لا ينال شيئا ولا يظفر بطائل.

فقلت: من العجب إنا والمعتزلة نوجب الإمامة، ونحكم بالحاجة إليها في كل زمان، ونقطع بخطأ من أوجب الاستغناء عنها في حال بعد النبي صلى الله عليه وآله، وهم دائما يشنعون علينا بالقول في الغيبة ومرور الزمان بغير ظهور إمام، وهم أنفسهم يعترفون بأنهم لا إمام لهم بعد أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذا الزمان، ولا يرجون إقامة إمام في قرب هذا من الأوان، فعلى كل حال نحن اعذر في القول بالغيبة وأولى بالصواب عند الموازنة للأصل الثابت من وجوب الإمام، ولدفع الحاجة إليها في كل أوان.

- فيما يقوم مقام الإمام في غيبته في حفظ الشرع والملة

- المسائل العشر في الغيبة - الشيخ المفيد  ص 105، 107:

الكلام في الفصل السابع: فأما قول الخصوم: إنه إذا استمرت غيبة الإمام على الوجه الذي تعتقده الإمامية -فلم يظهر له شخص، ولا تولى إقامة حد، ولا إنفاذ حكم، ولا دعوة إلى حق، ولا جهاد العدو- بطلت الحاجة إليه في حفظ الشرع والملة، وكان وجوده في العالم كعدمه.

فصل: فإنا نقول فيه: إن الأمر بخلاف ما ظنوه، وذلك أن غيبته لا تخل بما صدقت الحاجة إليه من حفظ الشرع والملة، واستيداعها له، وتكليفها التعرف في كل وقت لأحوال الأمة، وتمسكها بالديانة أو فراقها لذلك إن فارقته، وهو الشيء الذي ينفرد به دون غيره كافة رعيته.

ألا ترى أن الدعوة إليه إنما يتولاها شيعته وتقوم الحجة بهم في ذلك، ولا يحتاج هو إلى تولي ذلك بنفسه، كما كانت دعوة الأنبياء عليهم السلام تظهر نايبا عنهم والمقرين بحقهم، وينقطع العذر بها فيما يتأتى عن علتهم (كذا) ومستقرهم، ولا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بأنفسهم، وقد قامت أيضا نايبا عنهم بعد وفاتهم، وتثبت الحجة لهم في ثبوتهم بامتحانهم في حياتهم وبعد موتهم، وكذلك  إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، وقد يتولاها أمراء الأئمة وعمالهم دونهم، كما كان يتولى ذلك أمراء الأنبياء عليهم السلام وولاتهم ولا يخرجونهم إلى تولي ذلك بأنفسهم، وكذلك القول في الجهاد، ألا ترى أنه يقوم به الولاة من قبل الأنبياء والأئمة دونهم، ويستغنون بذلك عن توليه بأنفسهم.

فعلم بما ذكرناه أن الذي أحوج إلى وجود الإمام ومنع من عدمه ما اختص به من حفظ الشرع، الذي لا يجوز ائتمان غيره عليه ومراعاة الخلق في أداء ما كلفوه من أدائه (آدابه). فمن وجد منهم قائما بذلك فهو في سعة من الاستتار والصموت، ومتى وجدهم قد أطبقوا على تركه وضلوا عن طريق الحق فيما كلفوه من نقله ظهر لتولي ذلك بنفسه ولم يسعه إهمال القيام به، فلذلك ما وجب في حجة العقل وجوده وفسد منها عدمه المباين لوجوده أو موته المانع له من مراعاة الدين وحفظه. وهذا بين لمن تدبره.

وشيء آخر، وهو: أنه إذا غاب الإمام للخوف على نفسه من القوم الظالمين، فضاعت لذلك الحدود وانهملت به الأحكام ووقع به في الأرض الفساد، فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله عز أسمه، وكانوا المأخوذين بذلك المطالبين به دونه. فلو أماته الله تعالى وأعدم ذاته، فوقع لذلك الفساد وارتفع بذلك الصلاح، كان سببه فعل الله دون العباد، ولن يجوز من الله تعالى سبب الفساد ولا رفع  ما يرفع الصلاح. فوضح بذلك الفرق بين [موت] الإمام وغيبته واستتاره وثبوته، وسقط ما اعترض المستضعفون فيه من الشبهات، والمنة لله.

-  تعريف الإمامة

- الإفصاح - الشيخ المفيد  ص 27:

مسألة: إن سأل سائل، فقال: أخبروني عن الإمامة، ما هي في التحقيق على موضوع الدين واللسان؟

قيل له: هي التقدم فيما يقتضي طاعة صاحبه، والاقتداء به فيما تقدم فيه على البيان.

فإن قال: فحدثوني عن هذا التقدم، بماذا حصل لصاحبه: أبفعل نفسه، أم بنص مثله في الإمامة عليه، أم باختياره؟

قيل له: بل بإيثار سبق ظهور حاله أوجب له ذلك عند الله تعالى ليزكي أعماله، فأوجب على الداعي إليه بما يكشف عن مستحقه النص عليه، دون ما سوى ذلك مما عددت في الأقسام.

- معرفة الإمام فرض لازم كأوكد فرائض الإسلام

- الإفصاح - الشيخ المفيد  ص 27، 29:

فإن قال: فخبروني عن المعرفة بهذا الإمام، أمفترضة على الأنام، أم مندوب إليها كسائر التطوع الذي يؤجر فاعله، ولا يكتسب تاركه الآثام؟

قيل له: بل فرض لازم كأوكد فرائض الإسلام.

فإن قال: فما الدليل على ذلك، وما الحجة فيه والبرهان؟

قيل له: الدليل على ذلك من أربعة أوجه: أحدها: القرآن، وثانيها: الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله، وثالثها: الإجماع، ورابعها: النظر القياسي والاعتبار.

فأما القرآن: فقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} فأوجب معرفة الأئمة من حيث أوجب طاعتهم، كما أوجب معرفة نفسه، ومعرفة نبيه عليه وآله السلام بما ألزم من طاعتهما على ما ذكرناه. وقول الله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} وليس يصح أن يدعى أحد بما لم يفترض عليه علمه والمعرفة به.

وأما الخبر: فهو المتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله، أنه قال: "من مات وهو لا يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهلية" وهذا صريح بأن الجهل بالإمام يخرج صاحبه عن الإسلام.

وأما الإجماع: فإنه لا خلاف بين أهل الإسلام أن معرفة إمام المسلمين واجبة على العموم، كوجوب معظم الفرائض في الدين. وأما النظر والاعتبار: فإنا وجدنا الخلق منوطين بالأئمة في الشرع، إناطة يجب بها عليهم معرفتهم على التحقيق، وإلا كان ما كلفوه من التسليم لهم في أخذ الحقوق منهم، والمطالبة لهم في أخذ مالهم، والارتفاع إليهم في الفصل عند الاختلاف، والرجوع إليهم في حال الاضطرار، والفقر إلى حضورهم لإقامة الفرائض من صلوات وزكوات وحج وجهاد، تكليف ما لا يطاق، ولما استحال ذلك على الحكيم الرحيم سبحانه، ثبت أنه فرض معرفة الأئمة، ودل على أعيانهم بلا ارتياب.

- وجود إمام بعد رسول الله بلا فصل واجب وثبوت إمامته على الفور

- الإفصاح - الشيخ المفيد  ص 35، 36:

واعلم أرشدك الله تعالى أن فيما رسمناه من هذه الأصول أربع مسائل، يجب ذكرها والجواب عنها، لتزول به شبهة أهل الخلاف:

أولها: السؤال عن وجه الدلالة من الإجماع الذي ذكرناه في إمامة أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله بعد النبي صلى الله عليه وآله على إمامته من بعده على الفور، دون من قام ذلك المقام ممن يعتقد الجمهور في فعله الصواب.

ثانيها: عن الدلالة على أن أمير المؤمنين عليه السلام الأفضل عند الله تعالى من الجميع، وإن كان أفضل منهم في ظاهر الحال.

ثالثها: عن الدليل على فساد إمامة المفضول على الفاضل بحسب ما ذكرناه.

رابعها: عن حجة دعوى الإجماع في سائر ما عددناه، مع ما يظن فيه من خلاف البكرية والعثمانية والخوارج، وما يعتقدونه من الدفع لفضائل أمير المؤمنين عليه السلام.

الجواب عن السؤال الأول: أنه إذا ثبت بالحجة القاهرة من الإجماع وجود إمام بعد النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل، وثبوت إمامته على الفور، ولم يكن على من ادعي ذلك له سوى أمير المؤمنين عليه السلام إجماع على حال من الأحوال، لما يعرف من مذاهب شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام، في العباس وأبي بكر، وتقدمه في ذلك المقام، ونفي الإمامة عنه على كل حال، ومذهب شيعة أمير المؤمنين عليه السلام في ما تدعيه الراوندية من إمامة العباس وأنها لم تصح له في حال، ولم يكن دليل من كتاب ولا سنة، ولا اعتبار على إمامة المتقدم فينوب ذلك مناب الإجماع، ثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام كان إماما في تلك الحال ومستقبلها إلى أن قبضه الله تعالى إلى جنته على ما وصفناه، وإلا خرج الحق عن الإجماع، وبطل قول كافة الأمة فيما شهدوا به من وجود الإمام وثبوت الإمامة له على القطع والثبات، وذلك فاسد بالنظر الصحيح والإجماع.

- إمامة المفضول على الفاضل فاسدة

- الإفصاح - الشيخ المفيد  ص 37:

والجواب عن السؤال الثالث: ما قدمناه في فساد نبوة المفضول على الفاضل، ومشاركة الإمامة للنبوة في معنى التقدم والرفعة والرئاسة وفرض الطاعة، وبما يفسد به علو المفضول على الفاضل في الثواب، ودلالة التعظيم الديني على منزلة المعظم في استحقاق الجزاء بالأعمال، وثبوت علو تعظيم الإمام على الرعية في شرعية الإسلام، وفي كل ملة، وعند أهل كل نحلة وكتاب.

- معنى الائتمام هو الاقتداء وحقيقة الاقتداء هو الاتباع للمقتدى به فيما فعل وقال من حيث كان حجة فيه دون الاتباع لقيام الأدلة على صواب ما فعل وقال بسوى ذلك من الأشياء

- أحد أسباب الحاجة إلى الأئمة هو جواز الغلط على الرعية وارتفاع العصمة عنها لتكون من ورائها تسدد الغالط منها وتقومه عند الاعوجاج وتنبهه عند السهو منه والإغفال ويتولى إقامة الحد عليه فيما جناه

- الجمل - الشيخ المفيد  ص 30، 32:

عصمة أمير المؤمنين عليه السلام: باب صواب أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه كلها وحقه في جميع أقواله وأفعاله والتوفيق للمقر بآرائه وبطلان قول من خالف ذلك من خصمائه وأعدائه:

فمن ذلك وضوح الحجة على عصمة أمير المؤمنين عليه السلام من الخطأ في الدين والزلل فيه والعصمة له من ذلك يتوصل إليها بضربين أحدهما الاعتبار والثاني الوثوق به من الأخبار، فأما طريق الاعتبار الموصول إلى عصمته عليه السلام فهو الدليل على إمامته وفرض طاعته على الأنام إذ الإمام لا بد أن يكون معصوما كعصمة الأنبياء بأدلة كثيرة قد أثبتناها في مواضع من كتبنا المعروفة في الإمامة الأجوبة عن المسائل الخاصة في هذا الباب.

فمن ذلك أن الأئمة قدوة في الدين وأن معنى الائتمام هو الاقتداء، وقد ثبت أن حقيقة الاقتداء هو الاتباع للمقتدى به فيما فعل وقال من حيث كان حجة فيه دون الاتباع لقيام الأدلة على صواب ما فعل وقال بسوى ذلك من الأشياء، إذ لو كان الاقتداء هو الاتباع للمقتدى به من جهة حجة سواه على ذلك كان كل وفاق لذي نحلة في قول أو فعل لا من جهة قوله وفعله بل لحجة سواه اقتداء به وائتماما وذلك باطل لوفاقنا الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الباطل والضلال في بعض أقوالهم وأفعالهم; من حيث قامت الأدلة على صواب ذلك فيهم لا من حيث ما رأوه وقالوه وفعلوه، وذلك باطل بلا ارتياب ولأن أحد أسباب الحاجة إلى الأئمة هو جواز الغلط على الرعية وارتفاع العصمة عنها لتكون من ورائها تسدد الغالط منها وتقومه عند الاعوجاج وتنبهه عند السهو منه والإغفال ويتولى إقامة الحد عليه فيما جناه، فلو لم تكن الأئمة معصومون كما أثبتناه لشاركت الرعية فيما له إليها وكانت تحتاج إلى الأئمة عليها ولا تستغني عن دعاة وساسة تكون من ورائها وذلك باطل بالإجماع.

على أن الأئمة أغنياء عن إمام وغير ما ذكرناه من الأدلة على عصمتهم كثيرة وهي موجودة في أماكنها من كتبنا على بيان الوجوه واستقصائها وأنها تثبت عصمة الأئمة عليهم السلام حسبما وصفناه وأجمعت الأمة على أنه لو كان بعد النبي صلى الله عليه وآله إمام على الفور تجب طاعته على الأنام وجب القطع على أنه أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب دون غيره ممن ادعيت له الإمامة في تلك الحال للإجماع على أنه لم يكن لواحد ممن ذكروه العصمة التي أوجبناها بالنظر الصحيح لأئمة الإسلام وإجماعا الشيعة الإمامية على علي عليه السلام كان مخصوصا بها من بين الأنام إذ لو لم يكن الأمر كذلك لخرج الحق عن إجماع أهل الصلاة وفسد ما في العقول من وجوب العصمة لأئمة المسلمين بما ذكرناه وإذا تثبت عصمة علي عليه السلام من الخطأ ووجب مشاركته للرسول في معناه ومساواته فيها ثبت أنه كان مصيبا في كل ما فعل وقال ووجب القطع على خطأ مخالفيه وضلالهم في حيرة واستحقاقهم بذلك العقاب وهذا بين لمن تدبر والله الموفق للصواب.

- الإمامة بالنص

- الجمل - الشيخ المفيد  ص 32:

دليل آخر على إمامة علي عليه السلام: فيما يدل على إمامته الموجبة بالحكم بعصمة على ما قدمناه بثبوت الحاجة إلى الأدلة بإتقان وفساد ثبوت الإمامة من جهة الشورى والآراء وإذا فسد ذلك وجب النص على الأئمة وفي وجوبه لثبوت إمامة علي عليه السلام إذ الأمر بين رجلين أحدهما يوجب الإمامة بالنص ويقطع على إمامة علي به ومن جهته دون ما سواها من الجهات والأخرى يمنع من ذلك ويجوزها بالرأي وإذا فسد هذا الفريق لفساد ما ذهبوا إليه من عقد الإمامة بالرأي ولم يصلح خروج الحق عن أئمة الإسلام ثبتت إمامته عليه السلام.

- الإمامة تدل على العصمة والعصمة تقضي صواب أمير المؤمنين في حروبه كلها وأفعاله بأجمعها وأقواله بأسرها وخطأ مخالفيه وضلالهم عن هداه

- الجمل - الشيخ المفيد  ص 33، 39:

حديث المنزلة: دليل آخر وهو أيضا ما أجمع عليه أهل القبلة ولم ينازع في صحة الخبر به من أهل العلم بالرواية والآثار من قول النبي صلى الله عليه وآله "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" فأوجب له بذلك جميع ما كان لهارون من موسى في المنازل إلا ما استثناه من النبوة وفي ذلك أن الله تعالى قد فرض طاعته على أمة محمد كما كان فرض طاعة هارون على أمة موسى وجعله إماما لهم كما كان هارون إماما لقوم موسى وإن هذه المنزلة واجبة له بعد مضي النبي كما كانت تجب لهارون لو بقي بعد أخيه موسى ولم يجز خروجه عنها بحال وفي ذلك ثبوت إمامة أمير المؤمنين، والإمامة تدل على عصمة صاحبها كما بيناه فيما سلف ووصفناه والعصمة تقضي فيمن وجبت له بالصواب بالأقوال والأفعال على أثبتناه فيما تقدم من الكلام وفي ذلك بيان صواب أمير المؤمنين في حروبه كلها وأفعاله بأجمعها وأقواله بأسرها وخطأ مخالفيه وضلالهم عن هداه.

ولأهل الخلاف من المعتزلة والحشوية والخوارج أسئلة قد أجبنا عنها في مواضعها من غير هذا الكتاب وأسقطنا شبهاتهم بدليل البرهان لم نوردها ههنا لغنانا عن ذلك بثبوتها فيما سواه وإنما اقتصرنا على ذكر هذه الأدلة ووجوهها وعدلنا عن إيراد ما في معناها والمتفرع عليه عن إثبات رسم الحجاج في صواب علي عليه السلام وفساد مذهب الناكثين فيه والإيماء إلى أصول ذلك ليقف عليه من نظر في كتابنا هذا ويعلم العمدة بما فيه ويستوفي معانيه فإن أحب ذلك يجده في مواضعه المختصة به لنا ولغيرنا من متكلمي عصابة الحق ولأن الغرض في هذا الكتاب ما لا يفتقر إلى هذه الأدلة من براهين إصابة علي عليه السلام في حروبه وخطأ مخالفيه ومحاربيه.

وإنا سنذكر فيما يلي هذا الفصل من الكلام وتوضيح الحجة فيه على أصول مخالفينا أيضا في طريق الإمامة وثبوتها عندهم من جهة الآراء إنكارهم ما نذهب إليه من قصور طريقها على النص كما قدمناه وبيناه عن الغرض فيه ووصفناه من الدليل على أن أمير المؤمنين عليه السلام كان مصيبا في حروبه كلها وإن مخالفيه في ذلك على ضلال، وهو ما تظاهرت به الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله:

"حربك يا علي حربي وسلمك يا علي سلمي" وقوله:

"يا علي أنا حرب لمن حاربك وسلم لمن سالمك"

وهذان القولان مرويان من طريق العامة والخاصة، والمنتسبة من أصحاب الحديث إلى السنة المنتسبين منهم للشيعة، لم يعترض أحد من العلماء الطعن على سندهما ولا ادعى إنسان من أهل المعرفة بالآثار كذب روايتهما ومن كان هذا سبيله وجب تسليمه والعمل به، إذ لو كان باطلا لما خلت الأمة من عالم منها ينكره ويكذب روايته، ولا سلم من طعن فيه ولعرف سبب تخرصه وافتعاله وأقام دليل الله على بطلانه، وفي سلامة هذين الخبرين من جميع ما ذكرناه حجة واضحة على ثبوتهما حسبما بيناه.

ومن ذلك الرواية المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام:

"تقاتل يا علي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله".

وقوله لسهيل بن عمر ومن حضر معه لخطابه على رد من أسلم من مواليهم:

"لتنتهين يا معشر قريش ليبعث الله عليكم رجلا يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله" فقال له بعض أصحابه من هو يا رسول الله؟ هو فلان "قال لا" قال فلان؟ "قال لا ولكنه خاصف النعل في الحجرة" فنظروا فإذا به علي عليه السلام في الحجرة يخصف نعل النبي.

وقوله لعلي:

"تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين"

والقول في هذه الرواية كالأخبار التي تقدمت، قد سلمت من طاعن في سندها بحجة ومن قيام دليل على بطلان ثبوتها وسلم لروايتها الفريقان فدل على صحتها. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله:

"علي مع الحق والحق مع علي".

وقوله صلى الله عليه وآله:

"اللهم أدر الحق مع علي حيث ما دار"

وهذا أيضا خبر قد رواه محدثوا العامة وأثبتوه في الصحيح عندهم ولم يعترض أحدهم لتعليل سنده، ولا أقدم منهم مقدم على تكذيب ناقله وليس توجد حجة في العقل ولا السمع على فساده فوجب الاعتقاد بصحته وصوابه.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله:

"اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله"

وهذا في الرواية أشهر من أن يحتاج معه إلى جمع السند له وهو أيضا مسلم عند نقلة الأخبار. وقوله صلى الله عليه وآله:

"قاتل الله من قاتلك وعادى الله من عاداك"

والخبر بذلك مشهور وعند أهل الرواية معروف مذكور.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله:

"من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله"

فحكم أن الأذى له أذى الله والأذى لله جل اسمه ضلال مخرج عن الإيمان. قال الله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا}

وأمثال ما أثبتناه من هذه الأخبار في معانيها الدالة على صواب علي عليه السلام وخطأ مخالفيه كثيرة أن عملنا على إيراد جميعها طال به الكتاب وانتشر الخطاب، وفيما أثبتناه منه دليلا للحق منه كفاية في الغرض الذي نأمله إن شاء الله.

نظرة في النصوص:

(فصل وسؤال) فإن قال قائل إنكم إن كنتم قد اعتمدتم على هذه الأخبار في عصمة علي عليه السلام وهي آحاد ليست من المتواترة الذي يمنع على قائليه الافتعال فما الفضل بينكم وبين خصومكم فيما يتعلقون به من أمثالها عن النبي صلى الله عليه وآله في فضل فلان وفلان ومعاوية بن أبي سفيان؟.

الجواب: قيل له: الأخبار التي يتعلق بها أهل الخلاف في دعوى فضائل من سميت على ضربين: أحدهما لا تنكر صحته وإن خصومنا منفردين بنقله إذ ليس فينا مشارك لهم في شيء منه كما شاركنا الخصوم في نقل ما أثبتناه من فضائل علي عليه السلام إلا أنهم يغلطون في دعوى التفضيل لهم به على ما يتحيلون في معناه، والآخر مقطوع بفساده عندنا بأدلة واضحة لا تخفى على أهل الاعتبار وليست مما تساوي أخبارنا التي قدمناها لقطعنا على بطلان ما يقروا به من ذلك طعنا في رواتها واستدللنا على فسادها وأجمع مخالفونا على رواية ما رويناه مما قد بيناه وتسليمه وتخليدهم صحفهم كما ذكرناه وعدو لهم عن الطعن في شيء منه حسبما وصفناه وإن كان هذا سبيله ليس يكون الأمر فيه كذلك إلا لاعتقاد القوم وتسخيرهم لنقله والتسليم لرواته إذ كانت العادة جارية بأن كل شيء يتعلق به في حجاج مخالفيه ونصرة مذهبه والمنفرد به دون خصمه وكان في الإقرار به شبهة على صحة مقالته المباين لمقال مخالفيه، فإنه لا يخلو من دافع له وجاحد وطاعن فيما يروم به إبطاله إلا أن لا تلزم الحجة في صوابه وأن يكون ملطوفا له في اعتقاده، أو مسخرا للإقرار به حجة الله تعالى في صحته ودليلا على ثبوته وبرهانا منه على نصرته والمحتج به وتبديل للحق فيه بلطف من لطائفه وإذا كان الأمر في هذا الباب على ما بيناه وثبت تسليم الفريقين لأخبارنا مع اختلافهم في الاعتقاد على ما ذكرناه، وصح الاختلاف بيننا وبين خصومنا في الاحتجاج بالأخبار وبراهينها حسبما اعتمدنا سقط توهم المخالف لما يحيله من المساواة بين الأمرين.

إنكار الخوارج والأموية فضل علي:

فإن عارض الخوارج وقالوا هم يدفعون ما آتيتموه من الأخبار الدالة على عصمته وذكروا الأموية، وما يعرف من ضلالهم وظاهر أمرهم في جحد ما رويناه، قلنا حكمهم في جحد أخبارنا كحكمهم في جحد أخباركم سواء وإلا فما الفضل بين الأمرين، فإنه يقال لهم الفضل بيننا وبين من عارضتم به من الخوارج في دفع النقل ظاهر لذوي الاعتبار وذلك أن الخوارج ليسوا من أهل النقل والرواية ولا يعرفون حفظ الآثار ولا الاعتماد على الأخبار لإكفارهم الأمة جميعا واتهام كل فريق منهم فيما يروونه واعتمادهم لذلك على ظاهر القرآن وإنكارهم ما خرج عنه القرآن من جميع الفرائض والأحكام ومن كان هذا طريقة دينه وسبيله في اعتقاده ومذهبه في النقل والأخبار ولم يعتقد بخلافه فيها على حال.

فأما الأموية والعثمانية فسبب جحودهم لفضائل علي عليه السلام معروف وهو الحرص لدولتهم والعصبية لملوكهم وجبابرتهم وهم كالخوارج في سقوط الاعتراض بهم فيما طريقه النقل لبعدهم عن عمله وتأنيهم عن فهمه وإطراحهم للعمل به وقد انقرضوا مع ذلك بحمد الله ومنه حتى لم يبق منهم أحد ينسب إلى فضل علي ولا منهم من يذكر في جملة العلماء بخلافه في شيء من الأحكام فسقط الاعتراض بهم كسقوط الاعتراض بالمارقة فيما تعتمد فيه من الأخبار، مع أن الخوارج متى تعاطت الطعن في أخبارنا التي أثبتناها في الحجة على عصمة أمير المؤمنين عليه السلام فإنما يقطعوا بها بالطعن رواتها في دينها المخالف كما تدين به من إكفار علي عليه السلام وعثمان وطلحة والزبير وعائشة بنت أبي بكر ومن تولى واحدا منهم واعتقد أنه من الإسلام وذلك طعن يعم جميع نقلة الدين من الملة فسقط لذلك قدحهم في الأخبار، وليس كذلك طعوننا في نقل ما تفردت به الناصبة في الحديث لأنا لا نطعن في رواية إلا لكذبهم فيه وقيام الحجة على بطلان معانيه دون الطعن في عقايدهم وإن كانت عندنا فاسدة فوضح الفرق بيننا وبين من عارضنا في الخصومة برأيه في الأخبار على ما شرحناه.

- مناظرة لطيفة بين أبي الحسن علي بن ميثم وضرار في تحكم المخالفين

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 29:

فصل: وأخبرني الشيخ أدام الله عزه أيضا قال: جاء ضرار إلى أبي الحسن علي بن ميثم رحمه الله فقال له: يا أبا الحسن قد جئتك مناظرا. فقال له أبو الحسن: وفيم تناظرني؟ فقال: في الإمامة. فقال: ما جئتني والله مناظرا ولكنك جئت متحكما. قال له ضرار: ومن أين لك ذلك؟ قال أبو الحسن. علي البيان عنه، أنت تعلم أن المناظرة ربما انتهت إلى حد يغمض فيه الكلام فتتوجه الحجة على الخصم فيجهل ذلك أو يعاند وإن لم يشعر بذلك أكثر مستمعيه بل كلهم. ولكني أدعوك إلى منصفة من القول وهو أن تختار أحد الأمرين: إما أن تقبل قولي في صاحبي وأقبل قولك في صاحبك فهذه واحدة. قال ضرار لا أفعل ذلك. قال له أبو الحسن: ولم لا تفعله؟ قال: لأنني إذا قبلت قولك في صاحبك قلت لي إنه كان وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وأفضل من خلفه وخليفته على قومه وسيد المسلمين فلا ينفعني بعد أن قبلت ذلك منك أن صاحبي كان صديقا واختاره المسلمون إماما لأن الذي قبلته منك يفسد هذا علي. قال له أبو الحسن: فاقبل قولي في صاحبك وأقبل قولك في صاحبي، قال ضرار وهذا لا يمكن أيضا لأني إذا قبلت قولك في صاحبي، قلت لي كان ضالا مضلا ظالما لآل محمد عليهم السلام قعد في غير مجلسه ودفع الإمام عن حقه وكان في عصر النبي صلى الله عليه وآله منافقا، فلا ينفعني قبولك قولي فيه أنه كان خيرا صالحا وصاحبا أمينا لأنه قد انتقض بقبولي قولك فيه، بعد ذلك أنه كان ضالا مضلا. فقال له أبو الحسن رحمه الله: فإذا كنت لا تقبل قولك في صاحبك ولا قولي فيه ولا قولك في صاحبي فما جئتني إلا متحكما ولم تأتني مباحثا مناظرا.

- الإمامية هم كل من قال بوجوب الإمامة والعصمة ووجوب النص فكل من جمع هذه الأصول فهو إمامي وإن ضم إليها حقا في المذهب كان أم باطلا

- الفصول المختارة- الشيخ المفيد  ص 296، 299:

فصل: في معنى نسبة الإمامية. قال الشيخ أيده الله: الإمامية هم القائلون بوجوب الإمامة والعصمة ووجوب النص، وإنما حصل لها هذا الاسم في الأصل لجمعها في المقالة هذه الأصول فكل من جمعها فهو إمامي وإن ضم إليها حقا في المذهب كان أم باطلا، ثم إن من شمله هذا الاسم واستحقه لمعناه قد افترقت كلمتهم في أعيان الأئمة عليهم السلام وفي فروع ترجع إلى هذه الأصول وغير ذلك.

فأول من شذ عن الحق من فرق الامامية؛ (الكيسانية) وهم أصحاب المختار، وإنما سميت بهذا الاسم لأن المختار كان اسمه أولا كيسان، وقيل إنما سمي بهذا الاسم لان أباه حمله وهو صغير فوضعه بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام قالوا: فمسح يده على رأسه وقال: كيس كيس فلزمه هذا الاسم.

وزعمت فرقة منهم أن محمد بن علي عليه السلام استعمل المختار على العراقين بعد قتل الحسين عليه السلام وأمره بالطلب بثأره وسماه كيسان لما عرف من قيامه ومذهبه، وهذه الحكايات في معنى اسمه عن الكيسانية خاصة، فأما نحن فلا نعرف إلا أنه سمى بهذا الاسم ولا نتحقق معناه.

وقالت هذه الطائفة بإمامة أبي القاسم محمد بن أمير المؤمنين عليه السلام ابن خولة الحنفية، وزعموا أنه هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وأنه حي لم يمت ولا يموت حتى يظهر الحق، وتعلقت في إمامته بقول أمير المؤمنين عليه السلام يوم البصرة: "أنت ابني حقا"، وأنه كان صاحب رايته كما كان أمير المؤمنين عليه السلام صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله وكان ذلك عندهم الدليل على أنه أولى الناس بمقامه. واعتلوا في أنه المهدي بقول النبي صلى الله عليه وآله لن تنقض الأيام والليالي حتى يبعث الله عز وجل رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي وكنيته كنيتي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. قالوا: وكان من أسماء أمير المؤمنين عليه السلام: عبد الله، بقوله: "أنا عبد الله وأخو رسول الله وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتر". وتعلقوا في حياته بأنه إذا ثبت إمامته وانه القائم، فقد بطل أن يكون الإمام غيره، وليس يجوز أن يموت قبل ظهوره فتخلو الأرض من حجة، فلا بد على صحة هذه الأصول من حياته.

وهذه الفرقة بأجمعها تذهب إلى أن محمدا رحمه الله كان الإمام بعد الحسن والحسين عليهما السلام. وقد حكي عن بعض الكيسانية أنه كان يقول: إن محمدا كان الإمام بعد أمير المؤمنين عليه السلام ويبطل إمامة الحسن والحسين عليهما السلام ويقول: إن الحسن عليه السلام إنما دعا في باطن الدعوة إلى محمد بأمره، وأن الحسين عليه السلام ظهر بالسيف بإذنه وأنهما كانا داعيين إليه وأميرين من قبله. وحكي عن بعضهم أن محمدا مات وحصلت الإمامة بعده في ولده وأنها انتقلت من ولده إلى ولد العباس ابن عبد المطلب، وقد حكي أيضا أن منهم من يقول: إن عبد الله بن محمد حي لم يمت وأنه القائم وهذه حكاية شاذة. وقيل: إن منهم من يقول: إن محمدا قد مات وأنه يقوم بعد الموت وهو المهدي وينكر حياته، وهذا أيضا قول شاذ.

وجميع ما حكيناه بعد الأول من الأقوال فهو حادث ألجا القوم إليه الاضطرار عند الحيرة وفراقهم الحق. والأصل المشهور ما حكيناه من قول الجماعة المعروفة بإمامة أبي القاسم بعد أخويه عليهما السلام والقطع على حياته وأنه القائم. مع أنه لا بقية للكيسانية جملة وقد انقرضوا حتى لا يعرف منهم في هذا الزمان أحد إلا ما يحكى ولا يعرف صحته.

وكان من الكيسانية أبو هاشم إسماعيل بن محمد الحميري الشاعر رحمه الله وله في مذهبهم أشعار كثيرة ثم رجع عن القول بالكيسانية وبرئ منه ودان بالحق، لان أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام دعاه إلى إمامته وأبان له عن فرض طاعته فاستجاب له فقال بنظام الإمامة وفارق ما كان عليه من الضلالة وله في ذلك أيضا شعر معروف، ومن بعض قوله في إمامة محمد رضوان الله عليه ومذاهب الكيسانية قوله:

ألا حي المقيم بشعب رضوى  *  وأهد له بمنزله السلامــا

وقل يا بن الوصي فدتك نفسي  *  أطلت بذلك الجبل المقاما

أضر بمعشر والوك منـــا  *  وسموك الخليفة والإمامــا

وعادوا فيك أهل الأرض طرا  *  مقامك عندهم سبعين عاما

لقد أضحى بمورق شعب رضوى  *  تراجعه الملائكة الكلاما

وما ذاق ابن خولة طعم موت   *  ولا وارت له أرض عظاما

وإن له بها لمقيل صـــدق  *  وأندية تحدثه كرامـــا

وله أيضا وقد روى عبد الله بن عطاء عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام أنه قال: أنا دفنت عمي محمد بن الحنفية ونفخت يدي من تراب قبره فقال:

نبئت أن ابن عطاء روى  *  وربما صرح بالمنكــر

لما لوى أن أبا جعفر  *  قال ولم يصدق ولم يبـرر

دفنت عمي ثم غادرته  *  صفيح لبن وتراب ثـري

ما قاله قط ولو قاله  *  قلنا اتق الله أبا جعفـــر

وله عند رجوعه إلى الحق وفراقه الكيسانية:

تجعفرت باسم الله والله أكبر  *  وأيقنت أن الله يعفو ويغفر

ودنت بدين غير ما كنت داينا  *  به ونهاني سيد الناس جعفر

فقلت هب إني قد تهودت برهة  *  وإلا فديني دين من يتنصر

فلست بغال ما حييت وراجع  *  إلى ما عليه كنت أخفى وأضمر

ولا قائل قولا لكيسان بعدها  *  وإن عاب جهال مقالي وأكثروا

ولكنه من قد مضى لسبيله  *  على أحسن الحالات يقضى ويؤثر

وكان كثير عزة كيسانيا ومات على ذلك، وله في مذهب الكيسانية قوله:

ألا إن الأئمة من قريش  *  ولاة الحق أربعة ســاء

علي والثلاثة من بنيه  *  هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط سبط إيمان وبر  *  وسبط غيبته كربــلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى  *  يقود الخيل يقدمها اللواء

يغيب فلا يرى فيهم زمانا  *  برضوى عنده عسل وماء