عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- المسائل العكبرية - الشيخ المفيد ص 69 : -

المسألة العشرون

قال السائل : الامام عندنا [ مجمع ] 3 على أنه يعلم ما يكون ، فما بال أمير المؤمنين عليه السلام خرج إلى المسجد وهو يعلم ، أنه مقتول وقد عرف قاتله والوقت والزمان ؟ وما بال الحسين عليه السلام صار إلى أهل الكوفة وقد علم أنهم يخذلونه ولا

ينصرونه ، وأنه مقتول في سفرته [ 14 و ] تلك 5 ؟ ولم لما حوصر - وقد علم 6 أن الماء منه لو حفر على أذرع يسيرة - لم يحفر 7 ، ولم أعان على نفسه حتى تلف عطشا ؟ والحسن عليه السلام وادع معاوية 8 وهو يعلم أنه ينكث ولا يفى ويقتل شيعة أبيه ، عليهما السلام .


والجواب - وبالله التوفيق - : [ عن ] 9 قوله : إن الامام يعلم ما يكون بإجماعنا 10 ، أن الامر على خلاف ما قال . وما أجمعت الشيعة قط على هذا القول ، وإنما إجماعهم ثابت على أن الامام يعلم الحكم في كل ما يكون ، دون أن يكون عالما بأعيان ما يحدث ويكون ، على التفصيل والتمييز . وهذا يسقط الاصل الذى بنى عليه الاسئلة بأجمعها .


فصل .
ولسنا نمنع أن يعلم الامام أعيان الحوادث 11 تكون بإعلام الله تعالى له

  * هامش *  
 

 3 - أثبتناها عن حش ، رض ، مل .
 4 - رض : وقد يعلم . مل : وقد علم .
 5 - رض ، مل : تيك .
 6 - حش : وقد عرف . مل ، رض : ولم لما حضر وقد عرف .
 7 - مر ، رض 2 . ولم لام‍ حضر وعرف أن الماء قد منع منه وأنه إن حفر أذرعا قريبة نبع الماء ولم يحفر .
 8 - مر ، رض 2 : + وهاونه .
 9 - أثبتناها عن مر ورض 2 .
 10 - مر رض 2 فإجماعنا أن الامر .
 11 - رض ، مل حوادث . مر ، رض 2 : ما يحدث . ( * )

 

 

- ص 70 -

ذلك . فأما القول بأنه يعلم كل ما يكون ، فلسنا نطلقه ولانصوب قائله لدعواه فيه من غير حجة ولا بيان .

فصل .
والقول بأن أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم قاتله والوقت الذى يقتل فيه ، فقد جاء الخبر متظاهرا أنه كان يعلم في الجملة أنه مقتول . وجاء أيضا بأنه كان يعلم قاتله على التفصيل 1 ، فأما علمه في وقت 2 قتله فلم يأت فيه أثر على التفصيل ، ولو

جاء فيه أثر 3 لم يلزم ما ظنه المستضعفون ، إذ كان لا يمتنع أن يتعبده الله بالصبر على الشهادة والاستلام للقتل ، ليبلغه الله بذلك من علو الدرجة مالا يبلغه إلا به ، ولعلمه تعالى بأنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يؤدها ، ويكون في المعلوم

من اللطف بهذا التكليف لخلق من الناس ما لا يقوم مقامه غيره ، فلا يكون بذلك أمير المؤمنين عليه السلام ملقيا بيده إلى التهلكة ، ولا معينا على نفسه معونة مستقبحة في العقول .
 

  * هامش *  
 

 1 - روى الشيخ المفيد في كتابه ( الارشاد ص 6 ) تحت غوان " الاخبار التي جاءت بذكره عليه السلام الحادث قبل كونه ، وعلمه به قبل حدوثه " : عن الاصبغ بن نباته . قال : اتى اين ملجم أمير المؤمنين فبايعه عليه السلام فيمن بايع ، ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين عليه

السلام فتوثق منه وتؤكد عليه ألا يغدر ولا ينكث . ففعل ثم أدبر عنه ، فدعاه أمير المؤمنين عليه السلام الثانية فتوثق منه وتؤكد عليه ألا يغدر ولا ينكث ، ففعل ثم أدبر عنه ، فدعاه أمير المؤمنين الثالثة فتوثق منه وتؤكد عليه ألا يغدر ولا ينكث ، فقال ابن ملجم لعنه الله : والله

يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا باحد غيرى . فقال أمير المؤمنين عليه السلام : أريد حباءة ويريد قتلى * عذيرك من خليلك من مراد امض يا ابن ملجم ! فوالله ما أرى أن تفى بما قلت .

 2 - باقى النسخ . بوقت .

 3 - روى الشيخ المفيد في كتابه ( الارشاد ص 8 ) في حديث آخر . أن أمير المؤمنين عليه السلام قد سهر تلك الليلة فأكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول : والله ما كذبت ولا كذبت وانها ما اليلة التى وعدت بها ، ثم يعاود مضجعه . فلما طلع الفجر شد إزاره وخرج وهو

يقول : اشدد حياذيمك للموت * فإن الموت لاقيكا ولا تجزع من الموت * اذا حل بواديكا فلما خرج إلى صحن داره استقبله الاوز فصحن في وجهه ، فجعلوا يطرد ونهن ، فقال : دعوهن فانهن نوائح ، ثم خرج فأصيب عليه السلام . راجع ايضا بحار الانوار ج 42 ( باب اخباره صلوات الله عليه بشهادة نفسه ) ص 191 - 199 . ( * )

 

 

- ص 71 -

فصل .
فأما علم الحسين عليه السلام بأن أهل الكوفه خاذلوه ، فلسنا نقطع على ذلك إذ لا حجة عليه من عقل ولا سمع . ولو كان عالما 1 بذلك لكان الجواب عنه ما قدمناه في الجواب عن أمير المؤمنين عليه السلام بوقت قتله والمعرفة بقاتله لما ذكرناه .

فصل .
أما دعواه علينا أنا نقول إن الحسين عليه السلام كان عالما بموضع الماء وقادرا عليه ، فلسنا نقول ذلك ولا جاء به خبر على حال ، وظاهر الحال التى كان عليها الحسين عليه السلام في طلب الماء والاجتهاد [ 15 ظ ] فيه يقتضى بخلاف ذلك .

ولو ثبت أنه كان عالما 2 بموضع الماء لم يمتنع في العقول أن يكون متعبدا بترك السعي في طلب الماء من ذلك الموضع ، ومتعبدا بالتماسه من حيث كان ممنوعا منه حسب ما ذكرناه في أمير المؤمنين عليه السلام ، غير أن الظاهر 3 في
 

  * هامش *  
 

 1 - روى أنه صلوات الله عليه لما عزم على الخروج إلى العراق ، قام خطيبا فقال : الحمد لله وما شاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله وصلى الله على رسوله وسلم ، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف .

وخير لى ممرع أنا لاقيه . كأنى بأوصالى يتقطعها عسلان الفلوات ، بين النواويس وكربلا ، فيملان منى أكراشا جوفا وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم . من كان فينا باذلا مهجته ، موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معناه فإنى راحل مصبحا إن شاء الله . ( بحار الانوار 44 / 366 ) .

وقال عليه السلام في خطبة ليلة عاشورا : أما بعد . فإنى لا أعلم اصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي . ولا أهل البيت أبر ولا أوصل من أهل بيتى ، فجزاكم الله عنى خيرا ، ألا وإنى لا أظن يوما لنا من هؤلاء . ألا وإنى قد اذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم منى ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا . ( الارشاد ص 214 وبحار الانوار 44 / 392 وانظر تاريخ الامم والملوك - للطبري - 4 / 317 ) .

 2 - قال ( محمد بن ابى طالب ) : ورجعت خيل ابن سعد حتي نزلاو علي شاطئ الفرات ، فحالاو بين الحسين وأصحابه وبين الماء . وأضر العطش بالحسين وأصحابه . فأخذ الحسين عليه السلام فأسا وجاء إلى وراء خيمة النساء فخطا في الارض تسع عشر خطوة نحو القبلة

ثم حفر هناك . فنبعت له عين من الماء العذب ، فشرب الحسين عليه السلام وشرب الناس بأجمعهم ، وملاوا أسقيتهم ، ثم غارت العين ، فلم ير لها أثر ، وبلغ ذلك ابن زياد فأرسل إلى عمر بن سعد : بلغني أن الحسين يحفر الابار ، ويصيب الماء ، فيشرب هو وأصحابه . فانظر

إذا ورد عليك كتابي فامنعهم من حفر الابار ما استطعت وضيق عليهم ، ولا تدعهم يذقوا الماء . وافعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان ، فعندها ضيق عمر بن سعد عليم غاية التضييق بحار الانوار 44 / 387 ) .

 3 - رض : طاهر الحال . ( * )

 

 

- ص 72 -

خلاف ذلك ، على ما قدمناه .

فصل .
والكلام في علم الحسن عليه السلام بعاقبة حال موادعته معاوية بخلاف ما تقدم ، وقد جاء الخبر بعلمه ذلك ، وكان شاهد الحال له يقتضى به ، غير أنه دفع به عن تعجيل قتله وتسليم اصحابه 1 إلى معاوية . وكان في ذلك لطف في مقامه إلى حال

معينة ولطف لبقاء كثير من شيعته وأهله وولد ه ، ورفع لفساد في الذين هو أعظم من الفساد الذى حصل عند هدنته ، وكان عليه السلام اعلم 2 بما صنع لما ذكرناه ، وبينا الوجه 3 فيه وفصلناه .

 

  * هامش *  
 

 1 - رض ، مل : + له . :
 2 - عن سليم بن قيس قال : قام الحسن بن على بن ابى طالب عليهصا السلام على المنبر حين اجتمع مع معاوية ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس إن معارية زعم أنى رأيته للخلافة أهلا . ولم أر نفسي لها أهلا . وكذب معاوية . أنا أولى الناس بالناس ، في كتاب الله وعلى لسان نبى الله . فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لاعطتهم السماء قطرها والارض بركتها . ولما طمعت فيها يا معاوية . . . وقد هرب لم سول الله صلى الله عليه وآله من قومه ، وهو يدعوهم إلى الله ، حتى فر إلى الغار ، ولو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم ، ولو وجدت أنا أعوانا ما بايعتك يا معاوية . ( بحار الانوار 44 / 22 ) .

وقد أجاب عليه السلام حجر بن عدى الكندى لما قال له : سودت وجوه المؤمنين ، فقال عليه السلام : ماكل احد يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك . وإنما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم . ( بحار الانوار 44 / 28 ) .

وروى الكليني عن أبى جعفر عليه السلام قال : والله ، للذى صنعه الحسن بن على عليهما السلام كان خيرا لهذه الامة مما طلعت عليه الشمس . ( الكافي 8 / 330 وراجع ايضا بحار الا نوار 44 / 25 ) .

 3 - رض ، مل : الوجوه .  ( * )