عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- المسائل العكبرية - الشيخ المفيد ص 75 : -

المسألة الثانية والعشرون

قال السائل : وما بال أمير المؤمنين عليه السلام ، مع اعتقاده . في عائشة وعلمه بنفاقها وخلافها ، لم يطلقها عن الرسول عليه السلام 1 ولم ردها 2 إلى الحجاب ولم يحل ناموسها ؟ فليس ذلك بأعظم من قتل طلحة والزبير ومن قتل من المسلمين 3 في ذلك المكان .


والجواب 4 ، أن المرأة لم تكن لها برسول الله صلى الله عليه وآله عصمة في الدين بعد الذي كان منها من 5 الخلاف على أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد كان ما فرط منها في العداوة مغنيا في انقطاع عصمتها من رسول الله صلى الله عليه وآله

عن إحداث تطليق لها أوما يقوم مقام ذلك من الفعل ، بل لم يكن لتطليقها معنى يصح فعله 6 من العقلاء ، لان الطلاق إنما يقصد به قطع العصمة الحاظرة على المرأة النكاح لغير الزوج الذى هي في حباله بمتقدم عقد النكاح .

فإذا وقع الطلاق حلت به لغيره من الازواج على شرط الشرع في قضاء العدة أو 7 تركها لاختلاف الاحوال . وقد حظر 8 الله تعالى نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وآله على من سواه ، ولم يبح ذلك بفرقة 9 تقع بهن من موت ولا طلاق . فلا معنى لايقاع الطلاق بهن 10 في
 

  * هامش *  
 

 1 - رض : صلى الله عليه وآله .
 2 - في الاصل وحش : ولم يردها ، صححناها على رض ومل .
 3 - رض : ومن قتل المسلمين .
 4 - رض ، مل : فصل والجواب .
 5 - رض ، مل : في .

 6 - رض ، مل : قصده .
 7 - في الاصل : وصححناها على باقى النسخ .
 8 - حش : وقد قطع حظره ، وهو تمحيف من الناسخ .
 9 - رض ، مل : تفرقة .
 10 - رض ، مل : لهن . ( * )

 

 

- ص 76 -

الحياة ولا بعد الوفاة ، إذ هن في الحالين 1 جميعا محبوسات عن نكاح من سواه . ألا ترى أن فرقة الموت أوكد من فرقة الطلاق ، وهى مع ذلك غير مبيحة لازواجه النكاح ، فعلم 2 أنه لا معنى لايقاع الطلاق لهن لذلك ، ولا لقطع العصمة في الدين ، إذ هي ثابتة للمطلقات مع الاتفاق في الديانات .


فأما قوله : لم ردها إلى الحجاب ولم يحل ناموسها بترك ذلك ؟ فإنه إنما ردها إلى الحجاب [ 16 و ] بحراسة 3 حكم الله تعالى في تحريمها على الناس وحظر نكاحها بعد النبي صلى الله عليه وآله 4 على كل حال . ولم يكن ذلك إعظاما لحقها ولا

إجلالا لقدرها ، وإنما كان إعظاما لحق النبي صلى الله عليه آله وإجلالا لقدره ، وصيانة له بعد الوفاة ما صانه به في الحياة ، وتمييزا له عن 5 كافة الخلق سواه فيما ذكرناه . ولو اقتضى الدين سوى ذلك فيها لامضاه عليه السلام كما أمضى حكم الله

تعالى 6 في الرجلين اللذين شركاها في الفتنة ، وأتباعهما من البغاة ، لكن حكم الله 7 كان فيها ما صنعه عليه السلام . وليس ذلك بإكرام لها ولا إجلال في الدين ، على ما ذكرناه .


المسألة الثالثة والعشرون

وسأل عن قول الله تعالى : * ( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) * 8 ، وقال :

  * هامش *  
 

1 رض ، مل : الحالتين .
 2 - رض ، مل : فيعلم .
 3 - رض ، مل ، لحراسة .
 4 - حش ، مل : عليه السلام .

 5 - رض ، مل : من .
 6 - حش ، مل : سبحانه رض : سبحانه وتعالى .
 7 - حش ، رض ، مل : + سبحانه .
 8 - سورة التحريم ( 66 ) : 3 . ( * )

 

 

- ص 77 -

ماكان ذلك السر ؟

والجواب 1 عن ذلك ، أنا لو قلنا إذ تعاطى الاخبار عن السر المذكور تكلف ساقط عنا ، لما توجهت حجة بذلك علينا ، إذ القرآن ناطق بأنه سر النبي صلى الله عليه وآله إلى بعض أزواجه ولم ينطق بأنه شاع بعد الاستسرار به ، فلا عهدة علينا في

العجز عن ذكره ، إذ لم يجعل لنا سبيل إلى علمه . مع أنه 3 قد جاء في حديث الشيعة 3 عن جعفر بن محمد عليهما السلام أن السر الذى كان من رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بعض أزواجه إخباره عائشة 4 أن الله أوحى إليه أن يستخلف

أمير المؤمنين عليه السلام وأنه قد ضاق ذرعا 5 بذلك ، لعلمه بما في قلوب قريش له من البغضاء والحسد والشنآن ، وأنه خائف منهم فتنة عاجلة تضر بالدين ، وعاهدها أن تكتم ذلك ولا تبديه وتستره وتخفيه . فنقضت عهد الله سبحانه عليها في

ذلك ، وأذاعت سره إلى حفصة ، وأمرتها أن تعلم أباها ليعلمه صاحبه ، فيأخذ القوم لانفسهم ويحتالوا 6 في بعض 7 ما يثبة 8 رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل ، له اسباب مذكورة . ففعلت ذلك حفصة واتفق القوم على عقد 9 بينهم إن مات رسول الله صلى الله عليه وآله لم يورثوا أحدا من أهل بية ولا يؤتوهم 10 .
 

  * هامش *  
 

 1 - رض : فصل والجواب .
 2 - رض ، مل : فصل مع انه .
 3 - راجع تفسير القمى 2 / 375 والبرهان في تفسير القرآن 4 / 352 ونور الثقلين 5 / 367
وبحار الانوار 22 / 246 وتفسير كنز الدقائق 13 / 324 .
 4 - رض ، مل : الى بعض ازواجه عائشة .
 5 - الذرع : الطاقة . وضاق بالامر ذرعه وذراعه أي ضعفت طاقته ولم يجد من المكروه فيه مخلصا ولم يطقه ولم يقو عليه . وأصل الذرع إنما هو بسط اليد فكأنك تريد مددت يدى إليه . فلم تنله . ( لسان العرب ) .
 6 - في الاصل : يحتالون ، صححناها على باقى النسخ .
 7 - رض : نقص . مل : نقض .
 8 - حش : ينتسبه . مل : بينه . مر . رض 2 : نبأها به .
 9 - باقى النسح : عهد .
 10 - باقى النسخ : ولا يولوهم . ( * )

 

 

- ص 78 -

مقامه ، واجتهدوا في تأخرهم والتقدم عليهم . فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وآله بذلك ، وأعلمه ما صنع القوم وتعاهدوا عليه ، وأن الامر يتم لهم محنة من الله تعالى للخلق بهم 1 . فوقف 2 النبي صلى الله عليه وآله 3 عائشة على [ 17 ظ ] ذلك

، وعرفها ماكان منها من إذاعة السر 4 ، وطوى عنها الخبر بما علمه من تمام الامر لهم ، لئلا تتعجل إلى المسرة به وتلقيه إلى أبيها ، فيتأكد طمع القوم فيما عزموا عليه ، وهو قوله تعالى : * ( عرف بعضه وأعرض عن بعض ) * 5 ، فالبعض

الذى عرفه ماكان منها من إذاعة سره 6 . والبعض الذى أعرض عنه ، ذكر تمام الامر لهم . وكان في الآية ما يؤذن بشك المرأة في نبوته صلى الله عليه وآله بقولها عند إخباره إباها بضيعها 7 : * ( من أنبأك هذا قال نبأنى العليم الخبير ) * 5 .


فصل .
والعامة تقول إن السر الذى أسره النبي صلى الله عليه وآله خلوه 8 بمارية القبطية في يوم عائشة منه ، وقد كانت حفصة اطلعت على ذلك ، فاستكتمها رسول الله صلى الله عليه وآله إباه 9 فأذاعته 10 وعلماء الأمة مجمعون على اختلافهم أن هذه الاية نزلت في عائشة وحفصة خاصة من بين الازواج . فهذا ، الذى قاله في
 

  * هامش *  
 

 1 - رض ، مل : لهم .
 2 - رض ، مل ، مر ، رض 2 : فواقف .
 3 - رض : عليه وآله السلام .
 4 - باقى النسخ : سره .
 5 - سورة التحريم ( 66 ) : 3 .
 6 - باقى النسخ : في الاذاعة .
 7 - حش : بصنيعها . مر ، رض 2 : بعضها .
 8 - رض ، مل ، مر ، رض 2 : خلوته .
 9 - رض إياها .
 10 - قال الزمخشري في تفسيره : روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بمارية في يوم عائشة ، وعلمت بذلك حفصة فقال لها : اكتمي على وقد حرمت مارية على نفسي ، وأبشرك أن أبا بكر وعمر يملكان بعدى أمر أمتى فاخبرت به عائشة . ( الكشاف 4 / 124 ) .

 

 

- ص 79 -

الآية الفريقان 1 .

 

  * هامش *  
 

 1 - روى البخاري بإسناده عن ابن عباس يقول : أردت أن أسأل عمر ، فقلت يا أمير المؤمنين : من المرأتان اللتان تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فما اتممت كلامي حتى قال : عائشة وحفصة . ( صحيح البخاري - كتاب تفسير القرآن ، سورة التحريم - 3 / 204 ) .