عقائد الشيعة الإمامية / الشيخ المفيد / مصادر الشيخ المفيد

 

 

- المسائل العكبرية - الشيخ المفيد ص 79 : -

المسألة الرابعة والعشرون

قال السائل : قد أجمعنا على أن الحجج عليهم السلام أحياء غير أموات يعون ويسمعون ، فهل هم في قبورهم ؟ فكيف يكون الحى في الثرى باقيا ؟
 

والجواب 2 ، أنهم عندنا أحياء في جنة من جنات 3 الله عزوجل ، يبلغهم السلام عليهم من بعيد ويسمعونه من مشاهدهم ، كما جاء الخبر بذلك مبينا 4 على التفصيل ، وليسوا عندنا في القبور حالين ، ولا في الثرى ساكنين .


وإنما جاءت العبادة بالسعى إلى مشاهدهم والمناجاة لهم عند قبورهم امتحانا وتعبدا ، وجعل الثواب على السعي والاعظام للمواضع التى حلوها عند فراقهم دار التكليف ، وانتقالهم إلى دار الجزاء .


وقد تعبد الله الخلق بالحج إلى البيت الحرام والسعى إليه من جميع البلاد والامصار ، وجعله بيتا له مقصودا ، ومقاما معظما محجوجا ، وإن كان الله عزوجل لا يحويه مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان ، فكذلك يجعل مشاهد الائمة عليهم السلام مزورة ، وقبورهم مقصودة ، وإن لم تكن [ 17 و ذواتهم لها مجاورة ، ولا أجسادهم فيها حالة .
 

  * هامش *  
   2 - باقى النسخ : فصل والجواب .
 3 - حش ، مل ، رض 2 : جنان .
 4 - حش ، مل : مبنيا . ( * )
 

 

- ص 80 -

المسألة الخامسة والعشرون

وسأل عن قوله تعالى : * ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) * 1 ، وقال : فهل يكون الرزق بغير 2 جسم ؟ وما صورة هذه الحياة ؟ فإنا مجمعون على أن الجواهر لاتتلاشى ، فما حينئذ الفرق 3 في الحياة بين الكافر والمؤمن ؟


والجواب 4 ، أن الرزق عندنا لا يكون إلا للحيوان ، والحيوان عندنا ليسوا بأجسام بل هم ذوات أخرجوا 5 في هذه الدار إلى الاجساد ، وتعذر عليهم كثير من الافعال إلا بها ، وصارت آلة لهم في الافعال والاكتساب ، فإن أغنوا عنها بعد الوفاة جاز أن يرزقوا مع عدمها رزقا تحصل 6 لهم به اللذات ، وإن افتقروا إليها كان الرزق لهم 7 بحسبه في الدنيا على السواء .


فصل .
فأما قوله : ما صورة هذه الحياة ؟ فالحياة لا صورة لها لانها عرض من الاعراض وهى تقوم بالذات 8 الفعالة دون الاجساد التى تقوم بها حياة النمو دون الحياة التى هي 9 شرط العلم والقدرة ونحوهما من الاعراض .


فصل .
وقوله : إنا مجمعون على أن الجواهر لاتتلاشى ، فليس ذلك كما ظن ، ولو كان الامر فيه كما توهم لم يمتنع أن توجد الحياة لبعض الجواهر وترفع من بعض ، كما توجد حياة النمو لبعض الاجسام وترفع من 10 بعض على الاتفاق . ولو
 

  * هامش *  
 

 1 - سورة آل عمران ( 3 ) : 169 .
 2 - رض ، مر ، رض 2 : لغير .
 3 - حش : فما الفرق . رض ، مل ، مر : فما الفرق حينئذ .
 4 - رض ، مل : فصل والجواب
 5 - رض ، مل : أحوجوا .

 6 - حش ، رض ، مل : يحصل .
 7 - رض ، مل : + حينئذ .
 8 - رض ، مل : بالذوات .
 9 - حش ، رض ، مل : + في ، مر ، رض 2 : هي شرط في العلم .
 10 - رض ، مل : عن . ( * )

 

 

- ص 81 -

قلنا إن الحياة بعد النقلة عن هذه الدار تعم أهل الكفر والايمان لم يفسد ذلك علينا أصلا في الدين . وكانت الحياة لاهل الايمان شرطا في وصول اللذات إليهم ، والحياة لاهل الكفر شرطا في وصول الالام إليهم بالعقاب 1 .


المسألة السادسة والعشرون

وسأل فقال : خبرني 2 عن قول الله تعالى : * ( وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ) * 3 . فالوحي قد عرفناه فما الحجاب ؟ وهل يقع الحجاب إلا على محدود وكيف صورة الكلام ؟


والجواب 4 ، أن الوحى الذى عناه الله تعالى في هذه الاية ما سمعه الرسول بغير واسطة ، والمسموع من وراء الحجاب هو الكلام [ 18 ظ ] الذى تؤديه 5 الوسائط إلى الرسل والبشر من غيرهم ، وليس الحجاب المعنى في هذه الآية هو الشئ الذى

يستر المتكلم عمن كلمه ، ويجول بينه وبين مشاهدته كما ظنه السائل ، لكنه ما وصفناه من الرسل والوسائط بين الخلق وبين الله تعالى ، فشبههم بالحجاب الذى يكون بين الانسان وبين غيره عند الكلام ، فيسمعه من ورائه ولا يرى المتكلم من أجله ،

والعرب تستعير للتشبيه والتمثيل ، ولا تضع ذلك موضع الحقائق ، إذ لو وضعته موضع الحقيقة لم تكن مستعيرة للامثال . وقد قال الله عزاسمه : * ( وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) * 6 .


فصل .
وأما قوله : كيف صورة الكلام ؟ فالكلام أيضا مما لا صورة له لانه عرض لا يحتمل التأليف ، والصورة هي ذات التأليف . غير أنا نراه أراد بالصورة الحقيقة ،
 

  * هامش *  
 

 1 - رض : بالعذاب .
 2 - رض ، مر : أخبرني .
 3 - سورة الشورى ( 42 ) : 51 .

 4 - رض ، مل : فصل . والجواب .
 5 - حش ، مل ، مر ، رض 2 : يؤديه .
 6 - سورة العنكبوت ( 29 ) : 43 . ( * )

 

 

- ص 82 -

فحقيقة الكلام عندنا الاصوات المقطعة ضربا من التقطيع يفيد المعاني التى يقصدها 1 دون الاعراض ، وهو محتاج إلى محل يقوم به كحاجة غيره من الاعراض . وليس يكون المحل هو المتكلم بل المتكلم هو فاعل الكلام ، كما أنه ليس يكون المتفضل محل التفضل ، بل المتفضل فاعل التفضل بلا ارتياب .


المسألة السابعة والعشرون

وسأل عن قول الله 2 تعالى : * ( والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه ) * 3 ، فقال : ما اليمين ؟ وما القبضة ؟

والجواب 4 ، أن اليمين في الاية هي القدرة والقبضة هي الملك .

قال الشاعر : إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين يريد تلقاها بالقوة ،

فأما شاهد الملك بالقبضة ، فيقول القائل : هذه الدار في قبضتي ، وهذا الغلام في قبضتي ، يريد به : في ملكى ، فكان المعنى في قوله 5 : * ( وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته ) * 6 يريد في ملكه ، * ( والسموات مطويات بيمينه ) *

يريد به أنها مطويات في قدرته 7 . وليس المراد بالقدرة ههنا معنى من المعاني كالكون والحركة والقدرة التى يقدر بها [ 18 و ] الحيوان ، وإنما يريد به أنها مطويات بكونه قادرا على طيها ، كما يقول القائل : لى على كذاوكذا قدرة ، وهو يعنى أنه قادر عليه ، إذ كان أكثر من يتكلم بهذا الكلام لا يقصد به إلى إثبات معنى من المعاني قائم بالذات ، بل يقصد به ما ذكرناه

 

  * هامش *  
 

 1 - مل : نقصدها . رض 2 : يقصد بها .
 2 - رض ، مل ، مر ، رض 2 : عن قوله .
 3 - سورة الزمر ( 39 ) : 67 .
 4 - رض : فالجواب .

 5 - رض ، مل ، مر ، رض 2 : + تعالى .
 6 - سورة الزمر ( 39 ) : 67 .
 7 - حش ، رض ، مل : بقدرته . ( * )